Skip to main content

Full text of "FOqmuie"

See other formats




3 أحجسسمد علسروة 


د. غلازى عنتايية 
د. أحمد فؤادبائشا 5 فسوقسيسة حسسن 
د. عبد الحميدمدكور د. محم دأمسزيان 
د علا مصطفى أنور د. محمد عبد الستار نصار 
5 على جصسمعة محمد د. محمد على محمد الجندى 
د. عما الدين خليل د. سحمد عمارة 
د. مصطفى عشسوى 
بي دير 


د. نصر محمد عارف 


المعهد العالمى للفكر الإسلامى 
القاهرة 
/ااءعآاه- 5145 ام 


-آ.د 


د ارد 


8 . عبك. الحميد مدكور 


المشاركون 


. أحمد عروة 


أحمد فؤاد باشا 


. علا مصطفى أنرر 


.د. عماد الدين خليل 

.د. غازى عناية 

.د. فوقية حسين محمود 

١‏ . محمد أمزيان 

.د. محمد عبد الستار نصار 
.د. محمد على الجندى 

.د. محمد عمارة ' 


أستاذ بجامعة الجزائر 

أستاذ الفيزياء كلية العلوم »جامعة القاهرة 
أستاذ الفلسفة كلية دار العلوم 

خبير بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجدائية 
أستاذ أصول الفقه جامعة الأزهر 

أستاذ التاريخ الإسلامي »جامعة الموصل 
أستاذ بجامعة الجزائر 

أستاذ الفلسفة »كلية البنات 

أستاذ بكلية الآداب عالرباط 

أستاذ العقيدة » جامعة الأزهر 
أستاذ الفلسفة كلية الدراسات العربية»جامعة المنيا 
مفكر إسلامي 
أستاذ علم النفس ,الجامعة العالمية الإسلامية »ماليزيا 


قضايا المنهجية فى العلوم الإسلامية 


الطبعة الأولى 
1١41‏ ه/ 1591 م) 


الكتب والدراسات التى يصدرها المعهد تعبر عن 


آراء واجتهادات مؤلفيها 





( سلسلة المنهجية الإسلامية 4 17) 


1١ ©‏ :١ه‏ 15565 م 
المعهد العا مى للفكر الإسلامى 
١‏ ب - ش الجزيرة الوسطى - الزمالك - القاهرة - ج.م.ع. 


بيانات الفهرسة أثناء النشر - مكتبة المعهد بالقاهرة . 


عارف . تصر محمد ( محرر) 
قضايا المنهجية فى العلوم الإسلامية والاجتماعية / 
تحرير نصر محمد عارف .- ط١.‏ - القاهرة : 
المعهد العالمى للفكر الإسلامى: 1١9195‏ 
؟8 ص ؛ سم .- (سلسلة المنهجية الإسلامية ؛ ؟١١)‏ 
يشتمل على إرجاعات ببليوجرافية . 
تدمك ”:  ”73-‏ عام ب لا/اة, 
١‏ - طرق اليحث 1 - العنوان . 


رقم التصنيف : #اكد. 
رقم الإيداع : ١5م‏ / 7ؤذا 


الموضوع الصفحة 
تقديم : بقلم د. نصر محمد عارف 1415[ [|[ز[ز[ز[ [ [ 1 211 
انحور الأول : إبستمولوجيا العلم والمنهج اذ[ 000000 
- إبستمولوجيا العلم ومنهجيته فى التراث الإسلامى. د. أحمد فؤاد ياشا ..... ١7‏ 
- العقييم الإبسعمولوجى - المنهجى لمساهمات العلماء المسلمين 
واضافاتهم فى العلوم الرياضية والطبيعية. د. محمد على محمد الجندى ... ١١‏ 
- نسق إسلامى لمناهج البحث العلمى . د. أحمد فؤاد باشا اما 
- تلازم الموضوعية والمعيارية فى الميغودولوجيا الإسلامية . د. محمد أمزيان .... 4م 
- المناهج بين النظريتين الأحادية والتعددية . د. محمد على محمد التدى ... ١.7‏ 
- عناصر المنهج العلمى فى القرآن والسنة . د. غازى عناية الما لو ا و1 
احور الغانى : قضايا إشكالية فى المنهجية 00 
- أزمة المنهج فى العلوم الإنسانية . د. علا مصطفى أنور واممع و ا 
- نقد مناهج العلوم الإنسانية » وخطوات صياغة مناهج إسلامية للعلوم 
الإنسانية د. محمد أمزيان 000 0 اا 
- العلوم الاجتماعية بين التنظير العلمى والتنظير الأيديولوجى . 
د. مصطفى عشوى وحد متام حاون اواو الو بوجو ود الما او 1 
- منهج فى التعامل مع المصطلحات. د. محمد عمارة وط و ل 7 
- الهج العلمى والروح العلمية عند ابن خلدون. د. عماد الدين خليل ل 
احور الغالث : المبهج فى العلوم الإسلامية 210101111010101 
- المنهجية الاستدلالية فى القرآن للرد على خصوم الإيمان .د. أحمد عروة ... 6م/؟ 
- منهج البحث فى علم العقيدة فى ضوء التطور العلمى الحاضر . 
د. محمد عبد الستار نصار ااا 0 
- منهج المسلمين فى علم الكلام . د. فوقية حسن 0 
- قضية تجديد أصول الفقه . د. على جمعة محمد 0 
- المنهجية فى علم أصول الفقه . د. عبد الحميد مدكور 0ض 


مقدمة 


بداية ينبغى التأكيد أن غاية مثل هذه الندوات طرح المحددات العامة لقضية المنهجية 
610001557 - فى النسق المعرقى الإسلامي - للنقاش المتصل المتواصل مع 
"الذات ' المفارقة فى الزمان .ى' الآخر " المغاير فى المكان بغية الوصول إلى تقد 
إطار عام للمنهجية القائمة على معطيات النموذج المعرفى الإسلامى , التى تقود 
وتحدد خطواته الموصلة إلى أدنى ضوء من نور الحقيقة ٠‏ التي ينبغى التسليم بأنه لا 
يمكن الإمساك بتلابيبها أى الإحاطة بها لأنها تهاية الوجود المستحيل وصوله من 
الموجود , ولأنه قوق كل ذى علم عليم ؛ ويعد علم كل عالم دائما الله أعلم . 
وحيث أن موضوع المنهجية » موضوع معقد فى طبيعته , نظراً لتعدد أبعاده » 
وتنوع زوايا النظر إليه . واختلاف الرؤى والمنظورات عند التعامل معه , ولكونه 
الموضوع الأساسى في بنية أى نسق معرفى , والمقدمة الضرورية لتأسيس أى علم من 
العلوم ؛ والشروط اللازمة لسلامة التفكير ودقة البحث وإصابة النتائج والخلاصات , 
نظراً لكل ذلك سوف يقتصر تناول هذا الموضوع على إثارة أهم القضايا والإشكالات 
فى هذه القضية ؛ بصورة تثير فى الأذهان أسئلة أكثر مما تقدم إجايات محددة : تدفع 
للقلق والتفكير أكثر مما تؤدى إلى الراحة الفكرية والاطمئنان العلمى . 
وقبل الدخول إلى رحاب قضايا المنهجية ينبغي تقديم مقدمات ثلاث » ينبغي 
اتخاذها اساساً للبحث ومنطلقا للفهم وضابطا لحدود القضية وتفريعات هذه المقدمات 
هى :- 
أولا : أن المنهجية لا توصف بالإسلامية , لأنها بحث فى الوسائل : والوسائل عامة تقل 
فيها عناصر الخصوصية أو كما يقول الإمام السيوطى فى " الأشباه والنظائر فى 
فقه الشافعية :" إنه " يغتفر فى الوسائل مالا يغتفر فى المقاصد " ومن ثم فوصف 
الإسلامية ينبغى؛ أى يجدر أن يوسم به النموذج المعرفى أن النظام المعرفى أو 
النسق المعرقى ؛ لأنه هو الأساس الذى تبنى عليه المنهجية فتتساب مسلماته , 
وفرضياته ومعاييره ورؤيته للعالم : إنسان وكون وحياة وإله فوقهم فى جميع 
أبعاد المنهجية ووسائلها وقواعدها وأطرها التحليلة والتفسيرية وأدواتها . 
فتصبغها يصبغة هذا النموذج أو ذاك؛ ومن ثم فنفس المنهجية إذا تم إدماجها 
فى نموذج معرفى معين فإنها ما تلبث وإن تتلبس به وتكون على شاكلته , 
والمتأمل فى القلسفة التى حكمت بدايات تعامل الغرب مع العلوم الإسلامية سواء 
فى تعاملهم مع مقدمة ابن خلدون أو علم أصول الفقه ومتاهجه ؛ يلحظ أنه تم نقل 
المنهيجية نون تمونجها المعرقى ومن ثم أدمجت فى تموذج معرفى مغاين لها 
قأصبحت غين ذاتها وتحولت إلى تسيج جديذ . 


37 


ثانيا : أن المنهجية والمنهج ليسا حقيقة واحدة وإنما أحدهما يمثل إطارأً للأخر , 
فالمنهجية تاع15/16]100010 هى العلم الذي يدرس كيفية بتاء المناهج واختبارها 
وتشغيلها وتعديلها ونقضها وإعادة بنائها » يبحث فى كلياتها ومسلماتها وأطرها 
العامة . فهى الواصلة ما بين النموذج المعرفى والمناهج 71615005 ؛ التى تمثل 
الوسائل والطرائق التى تستخدم للوصول إلى الدقيقة ويسلكها العقل البشرى 
لكشف غوامض الوجود وفك أسراره والاقتراب من حقائقه . ومن ثم فهي أدوات 
التفكير ‏ ولجمع الحقائق وتحليلها وتفسيرها وفهمها , ولذلك فإن النقاش فى 
هذا السياق منصرف إلى المنهجية وليس المناهج . مع التأكيد أن فهم المنهجية 
فى النسق المعرفى الإسلامى لا يمكن أن يتحقق بدون تحديد وتحليل المناهج 
المختلفة التى سلكها العقل المسلم فى مختلف العلوم والفنون . 


ثالا : أن المنهجية علم يدرس ال " كيف * أى علم يسيطر عليه سؤال أداة الاستفهام 

فيه هى " كيف " وليس ماذا أو لماذا أى أين . . . إلخ . فهى ينشغل دائما بمناقشة 

الكيفية التى يمكن من خلالها الوصول إلى كذا أو فهم كذا . . . إلخ » فعلى 

سبيل المثال لا يهتم بماهية العلاقة بين الوحى والوجود أى ضرورتها أو شرعيتها 

أى أهميتها , وإنما ينصرف بالأساس إلى كيفية الدمج بين القراءتين لتحقيق 

أفضل فهم ممكن للواقع ونفس الأمر . فكيف نستطيع الجمع بين القراعتين فى 

هذا العلم أى ذاك وما هى الوسائل التى يمكن تطويرها لتحقيق ذلك . 

ويعد تحليل تلك المقدمات الثلاث وتمحيصها وإعطائها حقها قى الحوار الفكرى 
المفعم بالفكر يمكن الانتقال إلى الأبعاد الأساسية لقضية المنهجية والتى يمكن القول 
أنها :عون حول العناضير الأنرة .ت 
أولا : هناك جدل كبيرحول تحديد علاقة المنهج بالعلم بالأحرى حول تعريف مفهوم 

العلم »وقد انقسمت إسهامات المعاصرين من علماء مناهج البحث قى الفكر الغربى 
إلى مدرستين : أولاهما : ترى أن العلم بموضوعه ؛ أى أن العلم يتحدد بذلك الكم من 
المعارف الذى يدرسه ويركز فيه ء ومن ثم يكون علم التاريخ هى تلك الموضوعات 
والمعارف والمعلومات المتعلقة بتتابع الحوادث وتطورها الزمنى , وهكذا علم الاجتماع أو 
الاقتصاد أو السياسة أو الفقه أو الأصول . . إلخ : وثانيهما : ترى أن العلم بمنهجه ؛ 
أى أن كم المعارف المتوفر فى موضوع معين لا يؤسس علماً ولا ينتج معرقة علمية 
منظمة ء وإنما المنهج هو الذى يؤسس ذلك العلم , فالتاريخ لا يكون تاريخاً إلا بمنهج 
التاريخ ؛ إلا فما الفارق بين علم التاريخ والأدب والقصة والسير الشعبية .وما الفارق 
بين علم السياسة وكتابات الصحافة , وما الفرق بين علم الفقه ‏ وآراء العامة وفتاوى 
الجهال إن القارق الأساسى هى وجود منهج ضابط يعطى للعلم صقته وماهيته ويحدد 
موضوعه وحقله ؛ والرأى الثانى هو الأجدر بالنظر والبحث والتفكير . 


4 


ثانيا : هناك تعدد فى الدلالة العربية لمفهوم المنهج , خصوصاً فى الاستخدام 
المعاصر » حيث نجد أنه يستخدم بدلالات متنوعة . فتارة يكون مرادقا للنموذج المعرفى 
والرؤية الكلية للإنسان والكون والحياة فيقال المنهج الإسلامى » وأخرى يرادف 
موضوعاً أو تخصصاً علمياً فيقال المنهج الاقتصادى فى الإسلام أو المنهج السياسى 
فى الإسلام » ويقصد به علم الاقتصاد أو علم السياسة عند المسلمين , وثالثة يرادرف 
المذهبية » فيقال منهج المعتزلة أى الأحناف أو الحنابلة » ورابعة يرادف أسلوب البحث 
الذى يتبعه فرد أى مفكر معين فيقال منهج ابن تيمية فى كذاء ونادراً ما يستخدم فى 
دلالة تقترب من المعنى الذى يركز على وسائل أى طرائق البحث العلمى » وهذه قضية 

تحتاج أيضاً إلى ضيط اتحديد دلالة المصطلح بين المتعاملين به . 

ثالنآ : ضرورة المنهجية ولزومية التفكير فيها وبها : 
بداية ينبغى التأكيد على أن أى فكرة أى مقولة لكي تكون معرفة فلايد أن تكون 

حقيقة ولابد أن يكون هناك اعتقاد بأنها كذلك ؛ لذلك عرف العلماء المسلمون العلم بأنه 

«الإدراك الجازم ‏ المطابق للواقع عن دليل » ؛ ويكون إدراكاً حتى لا يختلط بالشعور 
والإحساس والرغبات » ويكون جازماً حتى لا يختلط بالظن والتوهم » ويكون مطابقاً 

للواقع حتى لا يكون خيالاً أو وهماً ‏ وعن دليل كى لا يقع المرء فى التقليد دون بينة . 

ومن ثم فالمنهجية مسالة تتعلق بكل تلك العمليات المعرفية التى تؤدي للوصول إلى 

معرفة حقيقية تلقى فى النفس يقيناً أنها كذلك . 
وتنبع ضرورة المنهجية فى الموجبات التالية : 

-١‏ إن الواقع الإنسانى والاجتماعى متعدد متشابك تتداخل العوامل المؤثرة فيه والمكونة 
له » وتتعقد بصورة تجعل من محاولة نقل صورة الواقع » كما هى ؛ نوعاً من 
الروائية مفككة الحيكة أى نوعاً من القصص الشعبى خيالى المحور والفكرة, لذلك 
فإن المنهجية إذا ما أحسنت صياغتها واختيارها تمكن الباحث من الدخول للواقع 
من أقرب الأبواب المؤدية للحقيقة ؛ وتعيد فرز الحقائق الواقعية وترتيبها وتحديد 
مقدماتها من نتائجها وتوضيح أيها يؤثر وأيها يتأثر . . . إلخ . 

"- إن تعقّد الواقع وتشابكه يفرض أيضاً ضرورة تحقيق التكافؤ ما بين المنهج 
والظاهرة موضع البحث ؛ بحيث يكون المنهج مناسباً لفهم الظاهرة ونقلها كما هى 
دون أصطناع لها أى اجتزاء منها أى بتر لبعض مكوناتها . وهذا الأمر تضبطه 
القواعد المنهجية التى بنى عليها المنهج ؛ ومن ثم فالظاهرة فرض ال منهج الملائم لها 
وينبغي أن تكون هى الحكم فى اختيار المناهج , 


8 


؟- إن المنهج ليس وسيلة محايدة في تناول الموضوعات ودراستها وإنما هو إطار لا 
ينقل من الواقع إلا ما يتناسب معه ويكون على مقاسه ويدخل فى تكوينه الداخلى , 
ومن ثم تكون هناك ضرورة لتأسيس منهجية تنبثق عنها مناهج تتلاعم مع الظواهر 
والموضوعات النايعة من نفس فلسفة المنهجية موضمع التحليل . 

غ- أن ما ندركه من الواقع فى أزمانه المختلفة وأماكنه المتباينة ليس هى الواقع ذاته 
وإنما هو خلاصة تفاعل عناصر ثلاثة : هى المسلمات الكامنه فى أذهاننا أو فى 
المنهجية التى نعتمد عليها , والأدوات أو المناهج المستخدمة فى الدراسة والحقائق 
الواقعية ؛ وكل تلك العناصر تمر من خلال وسيط إنسانى يختلف من شخص لآخر 
ومن بيئة لأخرى حتى لنفس الشخص .ء ومن ثم فالبحث القائم على منهجية سليمة 
متسقة لا يعنى أنه ينقل الحقيقة كما هى بصورة كاملة . بل ينقل أقرب صورة 
منهاء ولا يعنى أنه يقول الكلمة الأخيرة فى الموضوع وإنما يقول فيه قولاً قد يختلف 
عليه ومعه آخرون ؛ ومن ثم دائماً هناك ( فسوق كل ذى علم عليم » ودائماً نقول 
"والله أعلم " . 
رابعا : المنهجية فلسقة وإجراءات : الفلسفة تكمن فى النموذج المعرفى والإجراءات 

هي المناهج والأدوات ٠‏ ولذلك ذُكر فى الفقرة السابقة أن المنهجية واسطة ما بين 

النموذج المعرفى والمناهج . وكون المنهجية فلسفة وإجراءات يترتب على ذلك مجموعة 

من النتائج أهمها : 

أ- أن المناهج تستبطن فلسفتها . وأن الإجراءات المنهجية والأدوات البسيطة تحمل قى 
طيّاتها وثناياها فلسفة المنهجية التى نبعت منها وبنيت عليها » ومن ثم لا يمكن 
التعامل معها على أنها محايدة » فالمنهاج السائد الآن فى العلوم الاجتماعية من 
منهج إحصائى » إلى دراسة حالة » إلى وظيفى ٠‏ إلى طبقى , . . . إلخ » تحمل فى 
جوهرها فلسقة معينة وليست أدوات محايدة . 

ب- أنه يمكن الفصل بين المناهج أو الأدوات ويين الفلسفة الكامنة خلفها إذا ما أدرك 
الياحث المتضمنات الأيديولوجية . والمسلّمات الإيستمولوجية الكامنة خلفها . 

ج- إن بناء فلسفة المنهجية خطوة أولى ضرورية سابقة على بناء أدواتها ومناهجها . 
أما محاولات البدء من الفرع قبل الأصل فلن تؤسس منهجية ؛ وإنما تطوع أدوات 
منهجية قائمة لتتناسب بدرجة أو بأخرى مع الواقع موضع الدراسة . 


خامسا : كما سيق القول فإن المنهجية تتكون من فلسفة وإجراءات ؛ ولكن هل هذا 
القول يكفى لتحديد أبعاد المتهجية ومكوناتها يصورة تحقق تمام القهم وغاية الإحاطة 


٠ 


ال ل 0 


للك 


زفة 


زفرة 


2) 


8, 


الإطار المرجعى : وهى ذلك الجزء الحى الواعى من النموذج المعرفى الذي يكون 
حافزاً فى ذهن الياحث ٠‏ فيشكل رؤيته ويحدد مسلماته ومقولاته الكيرى . وهى ما 
أطلق عليه الأستاذ محمود شاكر مفهوم « ما قبل المنهج 0 

تحديد المسلمات والافتراضات المنبثقة عن النموذج المعرفى والتى تمثل أساس 
المنهجية , ؛ فلكل نموذج معرقى مسلماتة , ومعاييره ٠‏ وقواعده ورؤيته التي تميزه 
عن الآخر فهذه المسلمات والمعايير تشكل أساساً للمنهجية ؛ ولا يمكن قهمها 
بدون فهم هذا البعد حيث تمثل المنهجية واصلة أى حلقة وسيطه ما بين النموذج 
المعرفى من ناحية والمناهج التطبيقية من ناحية أخرى سواء كانت مناهج كلية 
مثل منهج التعامل مع القرآن أو السنة أو الفكر الإسلامى أو الفكر غير 
الإسلامى؛ أو المناهج الجزئية في العلوم المختلفة . 

تحديد مصادر المعرفة التى تمثل مظان للحقيقة ينبغى أن تنصرف المنهجية 
للبحث فيها » فإلانطلاق من أن مصدر المعرقة الوحيد هو الوجود والمحسوس , 
يوجد منهجية تختلف عن الرؤية العرفانية الباطنية » كذلك فإن الإنطلاق من أن 
مصادر المعرفة هي الوحى والوجود ويختلف عن السابقين » حيث يؤدى تحديد 
مصادر المعرفة إلى تحديد أبعاد المنهجية » وهنا ينبغى التأكيد على أن البحث فى 
هذا السياق لا ينصرف إلى مصادر المعرفة فى ذاتها أى بعدها الأنطولوجى 
وإنما ينصب على تعلقها بصياغة المنهجية أى بعدها الإبستمولوجى . 

إشكالية المفاهيم أى أوعية المنهج التى يصب فيها معاينة ودلالاته وحقائق الواقع 
ومكوناته » وهى أشكالية غاية فى التعقيد تستمد تعقيدها من تعقد العلاقة بين 
اللسان أى اللغة والواقع الموجود والإنسان المتعامل معه , حيث أن وضع الألفاظ 
بإزاء المعانى لابد أن يؤدى إلى مناسبة اللفظ للمعنى حتى يكون على مقاسه دون 
نقصان أق زيادة ويصورة تجعل المتعاملين يه ترتسم فى أذهانهم دلالات وحقائق 
واحدة . 

وحدات التحليل تعتبر من أكثرالقضايا التى تحكم حدود المنهجية وتحدد شمولها 
من عدمه , وتفترق عندها الأنساق المختلفة » فمثلا هل الفرد أو الجماعة أو الأمة 
هى وحدة تحليل الباحث الاجتماعى ؟ وهل القوة أى السلطة أى المصلحة هي وحدة 
التحليل عند الباحث السياسى ؟ وهل اللذة أى الدافع أى النفس أى الروح هي 
وحدة التحليل عند الباحث التفسى ؟. . . . إلخ . قضايا تحتاج إلى مزيد نقاش 
لأنها تحدد بعد ذلك بنية العلم وملامحه . 


1١١ 


050 


زفقة 


0 


05 


تحديد المتغيرات أو العناصر المشكلة للظواهر يمثل بعداً أساساً فى المنهجية. 
حيث تتعدد المؤثرات أو المحددات الموجودة فى الواقع فأيها تدخله المنهجية فى 
اعتبارها ؟ وما هى الأوزان النسبية لهذه المتغيرات ؟ فهل هذه المتغيرات هى 
الاقتصادى والاجتماعى والثقافى والبيئى والتفسى فقط ء أم يضاف إليها 
العقيدى والروحى والغيبى والسنتى . . . إلخ ؟ وما هى الأوزان النسبية لهذه 
الأبيعاد ؟ وهل تنطلق المنهجية من التسليم بأن أحد هذه المتغيرات هى المستقل أى 
الذى يؤثر ولا يتآثر والباقى يتأثر ولا يؤثر ؟ أم أنها تقيم تدرجية معينة بينها 
بحيث تجعل لبعضها دوراً أكبر من الآخر أو أنها تقف منها جميعاً موقفا 
محايداً؟ وهل يعتبر البعد الديتى متغيراً مفردا أم أنه مكوناً أساسيا لجميع 
المتغيرات الأخرى ؟ 

ترتيب على السابق لايد من تحديد علاقة المنهجية موضع البيحث بتصتيف العلوم 
فهل نرمى إلى منهجية لكل العلوم الاجتماعية والإنسانية أم لعلم معين منها أم 
للعلوم الطبيعية معها ؟ سؤال جوهرى يحدد طبيعة المنهجية موضع البحث 
والتحديد لان اختلاف الإجابة عليه تؤدى إلى اختلاف فى طبيعة المنهجية موضع 
النحك.. 

العلاقة المعقدة بين المنهجية والمناهج والأدوات حيث تكون المناهج والآدوات لصيقة 
بالمنهجية إذا طورت هذه الأدوات من داخلها ونيعت منها وانبثقت من عقول 
استيطنتها أما والحال مختلف ( حيث المناهج القائمة الآن مختلفة بل مخالفة فى 
منهجيتها ) ينبغى الوصول إليها فكيف يتم ادماج هذه الأدوات أى المنافج فى 
إطار المنهجية ذات الطبيعة الإسلامية ؟ وكيف يمكن تحييد تحيزاتها ونزع 
مسلماتها المعرفية ومتضمناتها الأيديولوجية منها ؟ وكيف يمكن إعادة تشكيلها 
بالمنهجية المبنية على النسق المعرفى الإسلامى بصورة تامة دون أن تفقد جزءاً 
أساسيا من فعاليتها واقتدارها البحثى؟ 

تحديد العناصر : التى تكون الظواهر موضع البحث وكيقية النطر إلى العلاقة بين 
هذه العناصر أو المتغيرات والأوزان النسبية لكل منها فالعناصر القائمة فى 
الواقع عادة ما تقسم إلى اجتماعى واقتصادى وبيئى وتاريخى ونفسى وسياسى 
ودينى . . إلخ فأى هذه العناصصر له الأولوية ؟ وأيها المؤثر الأكبر ؟ وما هى 
العلاقة بينهما ؟وما هو موقع العنصر الغيبى ؟ هل له وجود وما هى هذا 
الوجود؟ وما هى طبيعة علاقته بالعتناصر الأخرى ؟ كل تلك التساؤلات تفترق 
عندها الأنساق المعرفية » فالماركسية مثلاً تنطلق من أولوية البعد الاقتصادى على 
ياقى العتاصر . 


1١ 


)9١(‏ خطوات البحث : من إثارة المشكلة موضوع البحث إلي التحليل والتفسير 
عمليات منهجية تستخدم فيها أدوات متعددة . لعل أخطر مراحلها هى كيفية 
اختيار مشكلة البحث ؟ هل هي مشكلة حقيقية أم متوهمة ؟ وهل هذه المشكلة 
نابعة عن بيئة البحث أم نابعة عن بيئة أخرى ؟ مثل الأبحاث التى تغالى فى 
دراسة وضع المرأة والأقليات فى الوطن العربى ؟ والأبحاث التى تركز على 
دراسة علاقة الدين بالدولة . . إلخ تلك الإشكاليات نابعة فى بيئة أخرى من زمان 
كن : 

(11) القيم الضابطة للعمليات المنهجية : وهنا تثور إشكالية افترقت حولها مدارس 
العلم فى الفكر الغربى ونقلت إلينا فكانت محوراً لصراع ممتد , وهي العلاقة بين 
العلم والقيم وضرورة الفصل بين الحقائق والقيم كما تقول المدرسة الوضعية 
المنطقية فى العلم . وقد برزت فى هذه القضية إشكالية الموضوعية والحياد 
العلمى والتحيز . 
وعلى الرغم من تعدد الأطروحات حول هذه القضية إلا أن ما انتهي إليه البحث 

حتى فى الفكر الغريى ذاته أنه لا يمكن الفصل بين الحقائق والقيم » وأن الموضوعية 

التامة أسطورة لا وجود لها وإنما لابد من تحديد القيم الكامنة خلف البحث وإبرازها , 

وأنه لايد من وجود قيم ضابطة للعمل العلمى وللممارسة المنهجية , هنا يكفى مراجعة 

كتابات المسلمين حول آداب العالم والمعلم » أى آداب البحث والمناظرة لاكتشاف ماهية 

القيم التى يجب أن تضبط العمل البحثى . 
لبناء منهجية نابعة من النموذج المعرفى الإسلامى ينبغى بداية دراسة وتحليل 

مناهج وأدوات البحث فى العلوم التى وجدت فى الحضارة الإسلامية ونبعت من نسقها 

المعرفى واستبطنت نموذجها ابتداء من الفلك إلي أصول الفقه إلى مختلف العلوم 

الطبيعية والرياضية واللسانية والشرعية .0 
وقد جاءت أعمال هذه الندوة - على تعددها وتنوعها - متماسة أى متقاطعة مع 

معظم هذه القضايا , بصورة تقدم نوعاً من العصف الذهنى حول القضية وتسهم 

بصورة جيدة فى دفعها خطوات إلي طريق الفهم والتبين وتأتى هذه الندوة كحلقة ثانية 
يعد الإسهام الواضع الذي خرج به المؤتمر العالمى الرابع للفكر الإسلامى فى الخرطوم 
1ه / 1417م , والذى كان موضوعه "المنهجية الإسلامية للفكر الإسلامى' فى 

ثلاثة مجلدات لم تزل موضع اهتمام من الباحثين فى المنهجية من منظور أسلامى » 

ومن ثم تأتى هذه الندوة الثانية التى عقدت بالمشاركة بين المعهد العالى للفكرالإسلامي 

وجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بالجزائر فى سيتمير ١144‏ . 


1١ 


وتبقى كلمة شكر فى حق من أشرف على تنظيم هذه الندوة ينبغى توجيهها للأستان 
الدكتور / جمال الدين عطية الممستشار الأكاديمى السابق للمعهد العالمى للفكر 
الإسلامى فى القاهرة وللأستاذ الدكتور / عمار الطاليى رئيس جامعة الأمير عبد 
القادر الإسلامية على مابذلاه من جهد فى الإعداد لهذه الندوة وتنظيمها حتى خرجت 
بصورتها العلمية الجادة التي ستسهم ولا شك فى دفع التفكير المنهجى عند الباحثين 
المسلمين خطوات فى طريق بناء المنهجية من منظور إسلامى يعد تأسيس نظامها 
المعرفى وتحديد أيعاده ومكوناته وتفصيلها . 

ويبقى دائما لزاما علينا أن نردد ( والله أعلم ) : 


نصر محمد عارف 


القاهرة فى ه" جمادى الأول ١51١1/‏ 
4 أكتوير 14931 


1١ 


انحور الأول 
ابستمولوجيا العلم والمنهج 


. استمولوجيا العلم ومنهجيته فى التراث الإسلامى‎ - ١ 

" - التقييم الابستمولوجى المنهجى لمساهمات العلماء المسلمين 
وإضافاتهم فى العلوم اارياضية والطبيعية . 

'"' - نسق إسلامى لمناهج البحث العلمى . 

4 - تلازم الموضوعية والمعيارية فى الميغودولوجيا الإسلامية . 

8- المناهج بين النظرتين الآحادية والتعددية . 

5 - عناصر المنهج العلمى فى القرآن والسنة . 


1١ه‎ 


ابستمولوجيا العلم ومنهجيته فى التراث الإسلامى 


د. أحمد فواد باشا 


نشأت ' الابستمولوجيا ' أو ' نظرية المعرفة 'لتبحث عموما فى طبيعة وحدود المعرفة 
التى يسعى الإنسان لتحصيلها . ويالنسبة للمعرفة العلمية فإن الابستمولوجيا العلم " 
ع6 08 1562201087م2 تعنى البحث فى النظرية العامة للعلم من حيث إمكان 
المعرفة العلمية ومصادرها ووسائلها وطبيعتها . فالبحث فى إمكان المعرفة العلمية 
يتضمن النظر قى إمكان العلم بالوجود أو العجز عن معرفته , وفيما إذا كان بوسع 
الإنسان عن طريق العلوم المختلفة أن يدرك الحقائق اليقينية وأن يطمئن إلى صدق 
إدراكه وصحة معلوماته ‏ أم أن قدرته على معرفة الأشياء مثار للشك وعدم اليقين . 
والبحث فى مصادر المعرفة العلمية ووسائلها يعرض لتحديد منابع المعرفة وأنواع 
المناهج العلمية ومدى قدرتها على ضمان سلامة التحصيل المعرفى . أما البحث فى 
طبيعة المعرفة العلمية فيمس حقيقتها وقيمتها وحدودها بين الاحتمال واليقين , وكذا 
يعرض لماهية العلاقة بين الباحث وموضوعات بحثه فى مختلف العلوم . 

ونا كان ما كتب حتى الآن فى المجال الفكرى العلمى الإسلامى لايعبر فى أحسن 
الأحوال إلا عن قضايا جزئية متناثرة , تنشغل فى جانب كبير منها بالتاريخ لتراث 
المسلمين العلمى بقصد الدفاع عنه ضد مزاعم بعض المستشرقين والمؤرخين غير 
المنصفين: فإن الواجب يحتم علينا مزيدا من الجهد لتأصيل علمى عميق يساعد على 
فهم أكثر لتراثنا الإسلامى ودوره قى تاريخ الحضارة ٠‏ 

فى هذا الإطار نقدم هذه الدراسة فى جزئَين : الجزء الأول يعرض لتصور نظرى 
عام يكون بمثابة نموذج علمى يقاس عليه فى تقييم العلم عموما ؛ والجزء الثانى يعرض 
لبعض الخصائص المعرفية والمنهجية التى تميز علوم التراث الإسلامى فى ضوء 
المفاهيم والمناهج العلمية المعاصرة . 
إطار نظرى لتفسير نمو المعرفة العلمية : 

سوف نعتمد فى رسم الخطوط العامة لهذا الإطار التفسيرى لنمى العلم على أفكار 
نظرية ثلاث انتقيناها من بين النظريات الحديثة فى علم النفس وفلسفة العلوم » ونعتقد 
بأنها تفيدنا كثيرا فى أى دراسات خاصة بتحليل وتقييم العلم الإسلامى ابستمولوجيا 
ومنهجيا . وهذه الأفكار الثلاث هى : - 


1١/ 


0 فكرة الابستمولوجيا الارتقائية 010ص نم8 عتاعمء‎ - ١ 

التى قدمها جان بياجيه () لنظرية المعرفة والنمى المعرفى من خلال تجاربه 
ودراساته المستفيضة والمتعمقه على جميع جوانب النمو العقلى والمعرقى عند الطفل 
بشكل عام وحدد المراحل الفرعية التى يمر بها من الميلاد إلى البلوغ ؛ ووصف 
الخصائص الكيفية المميزة لجميع هذه المراحل » كما كشف عن صميم التراكيب العقلية 
المميزة لكل مرحلة ‏ وأيان تطور مفهوم الطفل عن العدد والمسافة والزمن والمنطق 
والواقع والهندسة ومشكلات عديدة أخرى مثل الكم والحجم والوزن والكثافة والإدراك 
وغيرفا. وومزز نيا جيه علقت براجل رفسي اوعقي تنائية كبري يختلف فيها النتئ 
المعرفى والتفكير اختلافا كيفيا . 

أجا ترط الازاق فين مترسلة الحشكبي القصسورى !| حك سن الستائعة)» 
1صه 3ع مه-ة:م 05 [2ه21310ه165م116 وفيها يكون تفكير الطفل متمركزا حول الذات , 
فلا يستطيع أن يتصور الأشياء تصورا تاما مستقلا عن المحسوسات ؛ كما أنه لا 
ستتطع أن يرى اكثز من يعد أوعلاقة فى كين الوقظاما. لم تكرت عل 3+ وقى هذه 
المركلة يفتاتر تقكرن الطفل عسوها إلى الكبات والتنظيم هما يَجَعله يسلك فى يعض 
الأحيان طريقة منطقية؛ وفى أحيان أخرى يفشل قى ذلك ؛ وتكون تعبيراته معزولة 
متفرقة ولا تتجمع فى تراكيب كلية. والذى يهمنا من هذه المرحلة هو هذا التناظر القائم 
بين بداية ظهور العمليات العقلية المنطقية ممثلة فى إدراك أوجه الشيه بين الموضوعات 
المتشابهة على أساس من قياس المثل أ الشبه تعداكةهة عند الطفل » ويين المرحلة 
الأولى عن بناء العلم نفسه , وهئ المزجلة الوضفية الثى تعتمن أيهنا على نقس العملدة 
العقلية فى تصنيف ظواهر العلم وموضوعاته الفردية ويدعم صحة هذا التناظرما نعرفه 
من أن القياس الصورى كان الأساس الذى تكونت وفقا له علوم وفلسفة القدماء . 

وأما المرحلة الثانية ( من السابعة حتى الحادية عشر ) , فهى مرحلة العمليات 
العيانية أى المحسوسة 006801055 0021616 ٠‏ وفيها يبدو الطفل وكأنه يمتلك نظاما 
عاكلا أو نسقا معرفيا ثابتا أو متكاملا , ينظم بواسطته العالم من حوله ؛ لكن 





(1) لزيد من التفصيل راجع : 

- د. ليلى كرم الدين » خصائص التفكيرالمتطقى قى نظرية جان بياجيه مجلة علم النفس . 44 , الهيئة المصرية العامة 
للكتاب ذا 

- د. هدى محمود الناشف ٠‏ البنية والنمو العقلى للطقل . مجلة علم التفس 44 , الهيئة المصرية للكتاب ١544‏ 

- د. حسن عبد الحميد عبد الرحمن, المراحل الارتقائية لمنهجية الفكر العريى الإسلامى ‏ حوليات كلية الآداب » جامعة 
الكويت , الحولية الثامنة . الرسالة الرايعة والأريعون , 1187 / 14417 . وقد أفدنا كثيرا من الأقكار الرئيسية التى 
تضمنتها هذه الرسالة ؛ وخاصة ميدأ ارتباط العمليات العقلية المنهجية بنشأة العلم وارتقائه ‏ وإن كنا أدخلنا عليها 
تعديلات جوهرية يما يناسب موضوع دراستتا الحالية . 


18 


العمليات المميزة لها تقتصرعلى تنظيم وترتيب الواقع المباشر . فكل مايستطيع طفل 
المرحلة العيانية تحقيقه هى التوصل للمعرفة المنظمة للأشياء والأحداث العيانية الفعلية 
فى حد ذاتها » أى وضع تلك الأشياء والأحداث العيانية فى مجموعات أو فئات » ثم 
ترتيبها ترتيبا مسلسلا وإقامة المطابقة بينها وهكذا فكل عمليات التفكير فى هذه 
المرحلة عبارة عن عمليات من الدرجة الأولى » بمعنى أنها تجرى على الأشياء مياشرة . 
لكن طفل مرحلة العمليات العيانية الذى يتوفرلديه التجمع المنطقى المناسب يكون أكثر 
استعدادا وقدرة من طفل مرحلة التفكير التصورى أو ماقيل العمليات على أن يتعامل لا 
مع الأشياءالحقيقية فقط وإنما كذاك مع الأشياء الممكنة أى المحتملة ٠‏ وإن كان هذا ” 
الممكن "أى ' المحتمل " يظل مرتبطا ومحدودا 'بالواقع ' . 

وما يهمنا من هذه المرحلة هو أن العقل الإنسانى قد ارتقى من مرحلة إدراك 
العلاقات بين الأمور المتشابة إلى مرحلة إدراك العلاقات بين الأمور المختلفة عن طريق " 
الاستقراء', وهى ما يتفق مع حالة العلم فى مرحلة اعتماد المنهج العلمى على الملاحظة 
والتجريب . ذلك أن العلماء فى هذه المرحلة التجريبية من تاريخ العلم يحاولون 
استخلاص المبادئ العامة التى تجمع بين الفئات الفرعية الصغيرة بعد تصنيفها على 
أساس أوجه الشيه المباشر بين الأشياء . فكما أن الطفل يحاول فى هذه المرحلة ضم 
الفئات الفرعية بعضها مع اليعض الآخر من أجل سهولة التعامل معها , فكذلك هو 
الحال مع العلم فى المرحلة التجريبية من تاريخه . 

ونحن نرى أن هذه المرحلة هى أكثر المراحل ملائمة لتحليل وتقييم حالة العلم فى 
عصر الحضارة الإسلامية. فإذا افترضنا مثلا أن علماءالاغريق » فى المرحلة الوصفية 
لعلم الهندسة؛ قد صنفوا المثلثات فى فئات فرعية إلى مثلث قائم الزاوية ومثلث متساوى 
الأضلاع ومثلث متساوى الساقين . وذلك على أساس من أوجه الشبه المباشرة والتى 
ندركها فى عالم الحس المشترك بين أشكال المثلثات المختلفة » فإن علماء الحضارة 
الإسلامية » بعد أن استوعيوا هذه التصنيقات ٠‏ استطاعوا أن يجمعوا كل هذه الفئات 
الفرعية فى ظاهرها داخل فئة أكبر تجمعها هى : «فئة المثلث »» أى مثلث » على وجه 
العموم. وقد تمت عملية الدمج للفئات القرعية المختلفة فى الظاهر على أساس من مبدأ 
الاستقراء الذى يمكننا من اكتشاف العلاقات الخفية التى توجد بين مختلف هذه الفئات 
الفرعية . أما بالنسبة للحلوم الطبيعية فى التراث الإسلامى فقد احتاجت شوطا كبيرا 
من أجل تصنيفها على أساس الملاحظة العلمية والتجرية بمفهومها الحديث فى عمليات 
المنهج الاستقرائى» ومن ثم كانت حالات التعميم قى هذه العلوم محدودة ومتفاوتة فى 
درجاتها من علم إلى آخر , وإكنها أدت دورها بالتمهيد لمرحلة الاستقراء الكامل 
والاستنباط فى تاريخ العلم . 


15 


وأما المرحلة الثالثة فى تفكير الطقل ( من سن الحادية عشر وطوال فترة المراهقة) 
فهى مرحلة العمليات الشكلية هه8ةجام0 70531 وفيها يتكون لدى الطفل اتجاه عقلى 
جديد يشكل إعادة أساسية للتوجه 16011681300 نحى المشكلات المعرفية . فيدلا من 
ظهور " الممكن " 5[16زو5ه2 فى صورة امتداد محدود ويسيط للواقع أى للأفعال التى 
تجرى على هذا الواقع . كما كان الحال عند طفل مرحلة العمليات العيانية ‏ فإن 
العكس هو الذى يحدث الآن . إذ يصبح الواقع جزءا تابيعا للممكن . فالطفل المراهق 
تتوفر لديه القدرة على تصور وتخيل كل الأشياء الممكنة الوقوع » ويإمكانه أن يأخذ 
نتائج تلك العمليات العيانية ويصوغها فى شكل قضايا ( عبارات لفظية عامة ) , ثم 
يقوم يمختلف أنوا ع الربط المنطقى بينها مستخدما مختف العمليات المنطقية الشكلية 
التى تتوفر لديه عند هذا المستوي. أى أن التفكير فى هذه المرحلة يكون من النوع 
القفرضى- الاستنباطى 0600176 - م6ا0126م7219 الذى يقوم على القضايا 
معلمنط [ددون]زوهمه,2 ويتكون من عمليات من الدرجة الثانية لا تجرى على البيانات 
المباشرة وإنما تجرى على نتائج العمليات العيانية . ويتضح أن هذه المرحلة من الارتقاء 
المعرقي لدى الطفل تناظرحالة العلم قى مرحلته الحديثة والمعاصرة حيث تسود مناهج 
ثلاثة للتفكير والبحث العلمى هى : المنهج الاستقرائى والمنهج الاستنباطى والمنهج 
القرضى - الاستنياطى . 

ولما كان التطور والارتقاء لايلفى التراكم , بل يدعمه ويحافظ عليه . لذلك فإن 
المرحلة الاستنباطية الحديثة من تطور العلم لاتلفى المرحلتين الوصفية والتجريبية 
السابقتين عليها , بل تفترضهما وتقوم عليهما . فالاستنباط لايبطل الممائلة أو 
الاستقراء ٠‏ بل يفسح لهما المجال كوسائل عقلية - منهجية مساعدة ‏ مع عدم التنكر 
للدور الرئيسى التاريخى الذى قامت يه كل وسيلة منهما فى مرحلتها من أجل تطور 
المعرفة العلمية وارتقائها . 

هكذا نرى كيف يمكن تفسير تشأة العلم وتطوره بإقامة نوع من التوازى بين 
مراحل تطور العلم ومراحل تطور العقل الإنسانى ؛ على أساس أن تاريخ العلم يعمل 
بنقس الطريقة التطورية التى يعمل بها علم النفس الارتقائى فى دراسته للتطور العقلى 
عند الطقل » فالهيكل التخطيطى التفسيرى الذى ينظم نشوء العمليات العقلية وتطورها 
عند الانسان ينطبق , فيما يرى بياجيه ؛ على تاريخ العلم نفسه . وهذا يعنى فى المقام 
الأول أن التناول المنطقى لتاريخ العلم يجب أن يتم من خلال تقسيمه إلى مراحل 
أساسية متتايعة تتميز كل منها يبنية خاصة عما سبقها وعما سيتلوها من مراحل 
أخرى . وكل مرحلة فى تاريخ العلم هى المحصلة النهائية لمجموعة متشايكة من العوامل 
التى تؤدى إليها . 


؟" - فكرة التراجع الزمنى المعرقفى :رع ه1دسعاكنم 04 عءسعستوعير 

التى قدمها فيلسوف العلم الفرنسى جاستون باشلار 836861353 لكن تجعلنا نتقيل 
فكرة التحول الضرورى للعلم عن طريق ربط ماضى المعرفة العلمية يحاضرها ؛ ووضع 
أجزاء المعرقة العلمية فى حالتها الراهنة داخل كل تتكامل فيه العلاقات المتبادلة بين 
الأجزاء . ومن ثم فإن قيمة تاريخ العلم فى أى مرحلة من مراحله تكون بمقدار ما 
تشهد له به المعرفة العلمية النسقية الحالية . ولعل هذا هو ما عناه جاستون باشلارمن 
فكرة التراجع الزمنى المعرفى عندما أكد أن الفاية من تاريخ العلم هى الكشف عن 
الخطوات التدريجية التى تكونت وفقا لها الحقائق العلمية . ويترتب على هذا المفهوم أن 
يكون تاريخ العلم - أى علم - ما هو إلا واقع عرضى متغير . يحتاج إلى أن يعيد 
تصحيح مساره على الدواح ؛ طالما أن مؤرخ العلم لابد وأن يغير مقاهيمه ومناهجه وفقا 
لما يتم انجازه فى آخر مراحل تطور العلم نفسه . 

والنتيجة الهامة من هذه الفكرة التى تتوخى بعث الماضى فى ضوءالحاضر من أجل 
فهمه تلزمنا فى نفس الوقت أيضا بإعادة كتابة التاريخ لكل جيل من الأجيال المتلاحقة 
.كما أنها تسمح لنا يريط ماضى العلم بحاضره بحيث يعبر تاريخ العلم عن وحدة لا 
انفصال بين أجزائها )١(‏ . 

على هذا الأساس فإن مفهوم "التراجع الزمنى المعرفى " هذا يسوغ لنا المبررات 
المنطقية لإعادة قراءة تاريخ العلم بصورة عامة , والعلم الإسلامى بصورة خاصة » فى 
ضوء مايستجد دائما من أفكار جديدة فى مجال ابستمولوجيا العلم وفلسفته . 


* - فكرا ة النموذج القياسى معنةديهم 

التى قدمها فيلسوف العلم المعاصر توماس كوهن «طانك1 .7 فى كتابه ذائع الصيت 
' بنية الثورات العلمية" 116701013085 ءأأصعء501 01 عدناأء نهاك 156 الذى ظهرت أولى 
طبعاته عام 1477 ولازالت أفكاره محل الاهتمام المتزايد حتى اليوم (') ويحاول كون” 
بهذه الفكرة أن يربط بين تاريخ العلم وفلسفته من خلال منهجية البحث العلمى. فهى 
يرى أن تاريخ العلم ليس مجموعة متراكمة من المعارف بقدر ماهى طائفة من الكشوف 
الثورية التى تقدم ما يسمى ' بالنموذج القياسى " 73:3018 : ويعنى به نسق 
الارتباط الكلى بين نظريات العلم المختلفة الذى يسير العلماء على هداه ويعملون من 


: . راجع : د. حسن عبد الحميد عيد الرحمن ؛ مرجع سابق‎ )١( 

(9) , معمعلط0 01 بواتويع نالهتآ , كمملأساه9ع8 عتأتامعك5 01 عتنأءناماة غ18 رمطسظ .1.5 
. 1970 معدع 1 

- د. صلاح قنصوه ء فلسفة العلم » دار الثقافة للطباعة والنشر , القافرة ١941‏ . 

- د. ماهر عبد القادرمحمد على ٠‏ فلسقة العلوم , المشكلات المعرقية , دار النهضة العربية . بيروت 1584 . 


نض 


خلاله إلى أن تجد كشوف ثورية جديدة تخالف الآراء السائدة فى النموذج العلمى 
المعمول به , فتتغير نظريات العلم المعمول بها فى ظل النموذج السائد لتحل مكانها 
نظريات جديدة ترتيت على الكشف الجديد . ويبداً العلم مسيرته مرة أخرى وفق أفكار 
وآراء.جديدة فن خلال تدودج جدين مخالق للتموذج الذى ألقه قيما 'مخسى. وقد أطلق 
"كون' على علم ما قبل التغيير اسم ' العلم العادى " عهنعك5 8[1س:ه1! ؛ أما علم ما 
يعد التغيير فقد أسماه بالعلم الشاذ * أى الثورى ' لتقدهتاس 1ه ع8 عه بمقستلعه راد 
ع5 . 

ومهما يكن من أمر التساؤلات التى تدور حول أوجه الفموض فى هذا التموذج . إلا 
أنه يتيح لنا أن نقدم إضافة تفسيرية لتاريخ العلم تتعلق بتحديد مراحل هذا التاريخ 
بعدد النماذج القياسية التى حددت رؤية العلماء ومارسوا عملهم المعتاد من خلالها على 
أساس ما لديهم من اعتقادات مشتركة. وهذه النتيجة الهامة من شأتها أن تساعد على 
تحديد مكانة العلم الإسلامى ومكانه الطبيعى فى سلم الترقى المعرفى أى على منحنى 
التمثيل اليياني لمراحل تاريخ العلم . 


> - تمثيل يبانى لمراحل تاريخ العلم : 

فى ضوء الأفكار النظرية الثلاث التى اعتمدنا عليها فى رسم الإطار التفسيرى لنمى 
المعرفة العلقية زمكتنا تفيل مراحل تارقخ الطلخ بياتنا علي الهمورة الثن يدها 
الرسم المبين ‏ حيث يأخذ العلم الإسلامى مكانه المناسب فى التقييم الموضوعى له من 
التواحى التاريخية والمعرفية والمنهجية . 


ه - مثال عملى لتطبيق الإطار النظرى : 

إذا التزمنا بعناصر الإطار النظرى الذى أوضحناه لتفسير نمو المعرفة العلمية , 
فإننا نستطيع القيام يمحاولة تقييم أكثر موضوعية لعلوم التراث الإسلامى على أساس 
الخصائص المميزة للمرحلة الارتقائية التى ينتمى إليها كل علم ابستمولوجيا ومنهجيا » 
وقى ضوء الإنجازات التى وصل إليها فى المرحلة الأخيرة من تطوره . وسوف نعرض 
فى هذا القسم من الدراسة لتحليل " نظرية الضوء " كمثال عملى يقاس عليه عند 
تطييق هذا الإطار النظرى على أية نظرية علمية أخرى . 

ولنبدأ مع التمثيل البيانى لمراحل تاريخ العلم من العلم القديم . حيث كان الإغريق 
أول من وصلتنا آراؤهم فى تعريف ماهية الضوء وتفسير عملية الإبيصار » فقد قال 
أفلاطون بنظرية الشعاع القائمة على أساس أن إبصار الموجودات يتم يخروج النور 
من عين الإنسان ٠‏ فيحيط بالأشياء ويراها الإنسان . لكن أرسطى خالف أستاذه فى 
هذه النظرية وقال إن الإيصار يتم بانطباع صور الأشياء فى البصر » فترى العين تلك 


5 


العلم المعاصر 








كشوف علمية وتقئية معاصرة 
6152 


العلم الحديث (؟) 
( فرض استتباطى) 


١80.0‏ ) |كشوف ثورية حديثة 


العلم الحديث 2)1١(‏ 


( قياس صورى ) 


تمثيل بيانى لمراحل تاريخ العلم الارتقائية ابستمولوجيا ومنهجيا . 


تف 


الأشياء دون أن يرد منها شئ للعين إن ليس للضوء وجود فى ذاته » على حد زعم 
أرسطو . أما ابيقور فقد تخيل أن للمرئيات أشباحا أوصورا تتخلع عنها وتبعث منها 
بصورة مستمرة ومتصلة ء ويتم الإيصمار يورود هذه الصور إلى العين . وذهب 
الرواقيون إلى أن الإبصار لايكون إلا بالاتصال المادى بين العين وبين الجسم المرئى » 
وذلك بأن يخرج من العين شعاع على شكل مخروط رأسه عند العين وقاعدته عند 
الجسم المرئى» فإذا لمس هذا الشعاع جسما ما حدثت الرؤية » وقد شاع هذا الرأى 
حتى سمى أنصاره " يأصحاب الشعاع ' . 

وهكذا نرى تعدد نظريات الإغريق فى طبيعة الضوء وتفسير الإبصار , وهذا شئ 
طبيعى إذا مافهمناه فى إطار علاقة التوازى بين مراحل تطور العلم ومراحل تطور 
العقل الإنسانى . فعندما يكون المنهج عقليا تأمليا فقط ؛ أو قياسيا صوريا بحتا » فإن 
كل فريق يعتقد أن ما يقوله عقله ويتصوره ذهنه هى الأصوب ؛ حتى وإن بدا التفكير 
فى بعض الأحيان ذا صلة منطقية بالتصور السليم عن غير قصد , مثلما جاء فى فكرة 
" الورود " التى قال بها الابيقوريون وصاغوها فى صورة خيالية جعلتها تفقد قيمتها 
فى اليناء المعرفى لنظرية الضوء المعاصرة وإذا كانت الشخصية النمطية المميزة لطفل 
مرحلة ماقبل العمليات: فيما يصورها بياجيه ٠‏ تجعل منه طفل التناقضات والعجائب : 
وتظهر لنا التراكيب العقلية الخاصة به على درجة كبيرة من السذاجة والبساطة 
والافتقار إلى التنظيم» فإن تفكير علماء الاغريق فى المرحلة الصورية للعلم يكون مثل 
تفكير ذلك الطفل ؛ متمركرًا حول الذات ومرتيطا إلى أيعد حد بالانطباعات الخاصة , 
ومن ثم يصعب عليهم تصور الأشياء تصورا تاما مستقلا عن المحسوسات . 

وكان يمكن أن تظل آراء علماء الإغريق سائدة حتى عصرنا هذا . فالقياس 
الصورى يوصف بأنه نهج عقيم لأنه لا يسمح بتقدم العلم خطوة واحدة مهما تراكمت 
وتكدست المعارف المستنتجة على أساسه ( لاحظ أننا عبرنا عنه فى التمثيل البياتى 
على هيئة خط أفقى ) . إلا أن علماء الحضارة الإسلامية استطاعوا أن يعثروا على 
منهج علمى جديد . استمدوا أصوله من تعاليم الإسلام » وطبقوه حسب ماتسمح به 
حالة العلم فى عصرهم.ء فقفزوا بالمعرفة العلمية إلى مرحلة معرفية ومنهجية أرقى 
تعتمد على الملاحظة والتجرية وتستخدم القروض وصولا إلى نتائج أعم. إنه المنهج 
الاستقرائى الإسلامى الذى أدى إلى كشوف ثورية جديدة غيرت من النموذج العلمى 
القديم واستيدلته بنموذج جديد يستند إلى تصور واضح لنظرة الإنسان إلى ظواهر 
الكون . )١(‏ 

وكان طبيعيا أن ينتقل العلم إلى مرحلة أرقى معرفيا ومنهجيا مثلما يتطور تفكير 
الطفل إلى مرحلة العمليات العيانية . وكان الحسن بن الهيثم أحد نماذج هذه المرحلة , 


. )1141/( 54 راجع دراستتا : " فلسفة العلوم الطبيعية فى التراث الإسلامى " مجلة المسلم المعاصر , ع‎ )١( 


>53 


فقد استطاع أن يضع حدا للخلافات القديمة التى لم تتوصل إلى إتفاق حول تعريف 
الضوء وتفسيرعملية الإيصار , وانطلق من ميدأ عام هى القول يوجود العالم الخارجى 
وجودا مستقلا فى ذاته خارج الذهن وخارج النفس ٠‏ وأن العقل والحواس أدوات 
إذراكة م ةكم أعرص إحفناش التضير إلى عامل أو سوؤك خا رهن لاف ذاته وجو 
عينى وأسماه الضوء " . لقد قاده هذا المنطلق بشكل طبيعى إلى استبعاد فكرة خروج 
شئ من البصر يمتد إلى الجسم المرئى ليتم الإيصار به . واتبع ابن الهيثم منهجا 
تجريبيا استقرائيا دقيقا لتحقيق أول نظرية علمية فى الضوء والإبصار » بعيدا عن 
الشطحات والأوهام ؛ وتوصل إلى أن الإبصار لايتم إلا بتثثير الضوء الوارد من الجسم 
المرئى إلى العين ؛ وأكمل على ذلك شرحا تفصيليا لخواص الضوء وكيفية استقيال 
العين له . بعد أن وصف تركيبها من الناحية التشريحية ويين وظيفتها ووظائف 
إعساكها + وق ق تلبيحة الهنوء قالة نه حسم ماد لطرف يتالف من (شبعة لها أطوال 
وعروض , وما هذه الأشعة إلا حيال النور المنيعثة من الأجسام ذوات الأضواء الذاتية 
فحسب )١(‏ . 

كما كانت تصورات ابن الهيثم لحقيقة العلاقات السببية واطراد الظواهر الطبيعية 
وشروط الملاحظات والتجارب العلمية كلها إسلامية الطايع وخالية من أى ظلال غير 
إيمائية . 

وتجدر الإقارة إلى أن تقدم العف الغلفية على اشنان النيع الاستقن 
الإسلامى قد تأثر بنتائج الكشوف الثورية ؛ بالإضافة إلى التراكم الكمى 2 
العلمى التقليدى ( لاحظ أننا عبرنا عن هذه المرحلة بياتيا بخطين توى ميلين مختلفين): 

وعتكما هام عسين النيفة الأروينة هه لماو الساقب المادى من المنيخ 

الاستقرائى الإسلامى واستطاعت كشوفهم الثورية أن ترتقى بالعلم إلى مرحلة تعتبر 
امتدادا وتعميقا لابستمولوجيا العلم الإسلامى ومنهجه ٠‏ ولكن فى ظل نزعة مادية 
حاولت أن تربط بالضرورة بين السبب والنتيجة فى مبدأ " حتمى' عام يحدد نظرة 
العلماء إلى الكون , وقد أسميناها بالمرحلة الأولى للعلم الحديث ( العلم الحديث(١)‏ ) . 

فى هذه المرحلة وضع نيوتن نظرية فى الضوء أدق صياغة من نظرية الحسن بن 
الهيثم واستطاع أن يفسر بها مجموعة من الظواهر الضوئية مثل الانعكاس والانتشار 
في خطوط مستقيمة , ولكنها فشلت فى تفسير ظواهر أخرى كالحيود ود والتداخل . 
وعندما افترض هيجنز نظريته الموجية انتظرت أكثر من من مائة عام حتى قدم يودج وفرئل 
واستطاعا بالتجرية العملية أن يوضحا تداخل الضوء طبقا للخاصية الموجية . وأهم 


)١(‏ راجع شرحا وافيا للجوانب المعرفية التى توصل إليها ابن الهيثم وغيره قى مؤلفنا ‏ التراث العلمى للحضارة 
الإسلامية ' ط؟ , القاهرة ١944‏ . 


” 


قصور فى هذه النظرية الموجية هى أنها افترضت وبسطا وهميا اسمته " الأثير " لحمل 
موجات الضوء قى القراغ الكوتى ٠‏ 

ويميل كثير من مؤرخى العلم إلى تبرير شهرة نظرية نيوتن وشيوعها لقترة طويلة 
أكثر من نظرية هيجنز , بالرغم من ظهورهما فى زمن واحد تقريبا » ين السيب هو 
مكانة نيوتن وشهرته. وإكننا نضيف سيبا آخر يمكن مناقشته فى ضوء الإطار النظرى 
لتحليل ايستمولوجيا العلم وعلاقة المتهج العلمى بتطورها . فقد كان المنهج السائد فى 
عصرنيوتن وهيجنز هى المنهج التجريبى الاستقرائى الذى تأتى الملاحظة والتجرية فى 
مقدمة خطواته البنائية » ثم يلى ذلك وضع الفروضى العلمية لتفسيرنتائج الملاحفلة 
والتجربة . لكن هيجنز جاء يفرض لم تتحقق صحته بعد ؛ فخالق بذلك ' النموذج 
القياسى ' لعصره. ولهذا لم يقيل المجتمع العلمى حينئذ فرضا صوريا لم يستدل عليه » 
فتأخر اعترافه به حتى تحقق بتجارب يونج وفرنل . ويحلول عام 18504 » حين أثبت 
ماكسويل نظريا أن الأمواج الكهرومغناطيسية يجب أن تتتشر بسرعةالضوه , أمكن 
بارتياح كبير تقبل فكرة أن للضوء أمواجا ؛ وأصبح يشغل حيزا ضيقا فى الطيف 
الكهرومقناطيسى الكامل 

ويقدوم عام 16-٠‏ م ظهرت كشوف ثورية جديدة عن الطاقة والشحنة والحركة 
وانهارت حتمية " العلم الحديث الأول " تحت معاول نظريات بلانك وهينزنبرج واينشتين 
وغيرهم » وساد ميدأ" اللاحتمية " الذى ميز مرحلة ( العلم الحديث (؟) ) بمنهجها 
الفرضى الاستنباطى . وهنا نود الإشارة إلى أن هذه التسمية تناظر مايتعارف عليه 
فلاسفة العلم وعلماءالمنهج باسم " العلم المعاصر " . وقد أثرنا تقسيم العلم الحديث إلى 
مرحلتين مميزتين لتفادى الخلط بين خصائص هاتين المرحلتين ويين ثورة علمية 
معاصرة بدأت مع عصرتقتيات الفضاء والخلية الحية ونواة الذرة والجسيمات الأولية 
والحاسب الآلى وغيرها منذ بداية الستينيات تقريبا . ومن يتتيع نتائج الكشوف العلمية 
المعاصرة يجد أنها تمهد ' لنموذج قياسى "“جديد لم تتحدد ملامحه النهائية بعد » وإن 
كنا نتوقع له أن يكون إسلامى الصبغة . وأن يتحرر من قيود القوائم التى وضعها 
بيكون ومل وغيرهما , ويعمل في إطار نسق عام من الثوابت والمتغيرات المستمدة من 
خصائص التصور الإسلامى الرشيد )١(‏ . 

لقد أدى تطور البحث فى نظرية الضوء وعلم البصريات ونظريات الفيزياء الحديثة 
إلى الحصول على واحد من أهم - الانجازات العلمية المعاصرة ؛ وهو مايعرف ياسم " 
الليزر" » وقد نجح العلماء فى السنوات الماضية فى الحصول على أشعة أقوى من 





* راجع دراستنا : ' تسق إسلامى لمناهج البحث العلمى " , لم تنشر بعد وأيضا : "الإسلام وفلسفة العلم المعاصر‎ )١( 
, 1945 في كتاب " الثقاقة الإسلامية ' ( بالاشتراك) منشورات جامعة صتعاء‎ 


فى 


الليزر باستخدام الأشعة السينية ٠‏ ويؤمل أن يمتد التطور لتطويع أشعة جاما أيضا ‏ 
وعندئذ ستكون مفاهيم كثيرة قد تغيرت أى استحدثت لتشكل فى المستقبل القريب 
نموذجا قياسيا جديدا . 


الحصائص المعرفية والمنهجية لعلوم التراث الإسلامى 
)١‏ تصنيف العلوم والتأريخ لها : 

ريما يكون موضوع تصنيف العلوم من الموضوعات التى تفتقر كثيرا إلى اهتمام 
الباحثين فى فلسفة العلوم عبر مراحلها القديمة والإسلامية والحديثة والمعاصرة على 
حد سواء . ونعنى هنا بتصنيف العلوم تقيمها حسب موضوعها وتفريغها وتجميع 
مايشترك منها فى الموضوع والمنهج وربطها فى إطار كلى . 

والحق أن أى تصنيف للعلم فى أية مرحلة من تاريخه يكون تصنيفا مؤقتا بطبيعة 
الحال: إلا أن الحاجة إليه تبقى دائما ملحة لأنه يضفى دقة على المصطلحات الفنية فى 
العلوم . فقد وصف كوندياك العلم بأته ' لغة أحسن إعدادها ' . وفى مقابل ذلك رأى 
بول موى أن اكتمال اللغة يؤدى إلى بدءالمعرفة , كما يؤدى وضع المصطلح على أسس 
عقلية إلى البدء فى معرفة الأشياء(') . أما بيرسون فيصف كل من يصنف الوقائع 
وينظر فى علاقاتها المتبادلة بأنه رجل علم يطبق المنهج العلمى فى تصنيف الوقائع 
والتعرف على سياقها ودلالاتها9) . 

التصنيف إذن عمل منهجى علمى ومن يستقرئ تاريخ العلم الإسلامى يجد محاولات 
' مؤرخ العلم المسلم عبد الرحمن بن خلدون )١4١75- ١577(‏ لسيبين رئيسين : 
أولهما أنه يأتى فى نهاية عصر العلم الإسلامى بعد اكتماله . وثانيهما أنه يعرض 
لتاريخ العلم فى إطار التاريخ العام للمجتمع الإسلامى ومن ثم فهو لم يفصل بين العلم 
وبيئته وفلسقته. 

ويقضى تصنيف ابن خلدون لعلوم عصره كماجاء فى ' المقدمة" . بتقسيم العلوم 
إلى قسمين رئيسين :قسم مستند إلى الواضع الشرعى كعلوم الدين واللغة ويطلق عليها 
اسم ' العلوم النقلية  '‏ وقسم يهتدى إليه الانسان بفكره كالعلوم الرياضية والطبيعية 
والمنطق والميتافيزيقا , وتسمى"العلوم العقلية ' أى ' علوم الفلسقة والحكمة " () . وقدم 
ابن خلدون تعريفا لأصول هذه العلوم وفروعها بوتتاول بالتحليل والنقد كل ما يعرض 
(1) يول موى ‏ المتطق وفلسفة العلوم , ترجمة د. فؤاد زكريا . مكتبة دار العروية للنشر والتوزيع , الكويت 1921 . 
(1) عن تفس المصدر السايق . 
(؟) ابن خلدون , المقدمة , المطيعة الأدبية , بيروت 14٠٠١‏ م ( الباب السادس فى العلوم وأصناقها والتعليم وطرقه وسائر 

وجوفه ومايعرض فى ذلك كله من الأحوال . ص 459 -88ه) . 


/37؟ 


من أحوالها (') واعتير التاريخ لهاجزءا عضويا من تاريخ المجتمع الإنسانى في إطار 
مفهومه الشامل لديه بأته علم من علوم الفلسفةء " . . . وإنه فن فى باطنه نظر 
وتحقيقء وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق ٠‏ فهى لذلك أصيل فى الحكمة وعريق » وجدير 
أن يعد فى علومها وخليق " 9) ويعبارة أخرى » يريد ابن خلدون يتصنيفه للعلوم 
والتأريخ له أن يقول يلغة العصر ماقاله هريرت ونجل ' من أن أهمية تاريخ العلم تكمن 
فى ! ستحالة انقصاله عن العلم نقسه ياعتباره عملية ممتدة خلال الزمان » وإذا ما ران 
على العلم جهل يتاريخه فإنه لامحالة مخقق فى مهمته () . ويدون النقد الداخلى للعلم 
على أساس المعرفة التاريخية يغدى نمى العلم نموا أخرقا محفوفا بالمخاطر » وأن يوجد 

فهم وأقعى للعلم بدون نقد متواصل له » وهى بطبيعته نقد تاريخى » ومعرفى منهجى » 

وليس ثمة معرفة إنسانية لاتفقد طايعها العلمى متى نسى الناس الظروف التى نشأت 

فى أحضانها , وأغقلوا المسائل التى تولت الجواب عليها ؛ وحادوا عن الهدف الذى 
وجدت من أجله . وفى ضوء هذه النظرة الحديثة يمكن القول بأن ابن خلدون هى أول 
من قال بأن تصنيف العلم يكون أساسا لأى نقد تاريخى له ؛ ولى لم يكن له من فضل 

إلا هذا لكان ذلك كافيا . 

وقد تميز تصنيف ابن خلدون بسبقه إلى التاكيد على أمرين هامين : 

١‏ - التركيز على وحدة العقل الإنسانى وتضافرجميع ملكاته من أجل تحصيل المعارف 
وتطويرها والاستفادة منها وهى ما يتضح من قوله قى المقدمة : ' . . . أما العلوم 
العقلية التى هى طبيعية للإنسان» من حيث أنه ذى فكر , فهى غير مختصة بملة بل 
يوجد النظر قيها لاهل الملل كلهم ويستوون في مداركها ومياحثها » وهى موجودة 
فى النوع الإنسانى منذ كان عمران الخليقة " . () وهى هنا يشير بلغة العصر إلى 

"كل مايقع فى النفس من التصورات مجهول سبيه » إذ لايطلع أحد على ميادئ 
الأمور النقسية ولا على ترتيبها إنما هى أشياء يلقيها الله فى الفكر يتيع بعضها 
بعضا " ©) . 

" - التنبيه إلى أهمية التكامل بين العلوم المختلفة والريط بين أصولها وفروعها 
توسع المدارك الإنسانية, كما رأى أن إجادة علم ما تسهل الإجادة فى علم آخر . 

. 15.015 ساطع الحصرى, دراسات عن مقدمة اين خلدون , دار المعارف بعصر‎ )١( 

(؟) المقدمة . الديباجة ص ؟ . 

(") نقلا عن كتاب قلسفة العلم . ص 44 

(غ) مقدمه اين خلدون ص 8/8 . 

(6) المقدمة ص ذه؛ . 


584 


وكلما أجاد الإنسان عددا أكبر من العلوم كانت علمه للعلوم الياقية أهون عليه(١)‏ . 
أسباب إبداع علماء الحضارة الإسلامية وعظمتهم حيث كان العالم منهم أشبه 
بموسوعة تضم أكثرمن تخصص فى فروع العلم . 
؟) دقة الصياغة العلمية : 
كان علماءالحضارة الإسلامية يتحرون الدقة فى صياغة المفاهيم العلمية باعتبارها 
الأساس فى بناء المعرفة العلمية السليمة لأى علم من العلوم وعليها يتوقف فهم العلاقة 
الناشئة بين اللفظ ومعناه بعيدا عن أى لبس أو غموض 0 فإن معنى اللفظ المستخدم فى 
ووفقا للسياق المعين الذى يرد فيه كجزء من عبارة أو جملة مفيدة فى نظرية أى قانون . 
ويكفى هنا أن نشير إلى الدقة التى صاغ بها ابن الهيثم تعريفه لعلم المناظر فى 
قوله : 
' والبحث فى هذا المعنى - مع غموضه وصعوية الطريق إلى معرفة حقيقته - مركب 
من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية ( أى الرياضيات ) . أما تعلقه بالعلم الطبيعى 
فلآن الإبصار أحد الحواس , والحواس من الأمور الطبيعية . وأما تعلقه بالعلوم 
التعليمية فلان البصر يدرك الشكل والوضع والنظم والحركة والسكون - وله مع ذلك فى 
نفس الإحساس تخصيص بالسموت ( أى الاتجاهات ) المستقيمة والبحث عن هذه 
لمعانى إنما يكون بالعلوم الطبيعية " 9 . 
وعموما احا طلماء المتقدارة الإتمية شنداقة نا تعلو الةامن مارفا بدقه 
تتناسب مع حالة العلوم فى عصرهم .وقد ساعدهم على ذلك ما تتميز به اللغة العريية 
التى ألفوا يها من ثراء واسع فى الألفاظ ودلالات بعيدة فى المعانى , قاتسع صدره 
لاشتقاق الكثير من المصطلحات العلمية التى احتفظت بأصلها العريى فى اللغات 
الأجتبية التى ترجمت إليها . 


؟) العجريب والتعميم : 

لقد استتد منهج البحث عندالمسلمين على الملاحظة والتجرية والغرض العلمى, 
وعبروا عن الكميات العلمية بمقاديرها كلما أمكن (مثل محيط الأرض , والكثافة , 
الأشياء والحالات الجزئية المتشابهة فى قانون واحد . وإنصافا الحقيقة نذكر أن هذه 
)١(‏ انظر : عمر فروخ , تاريخ العلوم عند العرب دار العلم للملايين بيروت /0ا5١‏ . 
(؟) عمر فروخ ‏ المصدر السايق . ص 399 , 


59 


الخاصية كانت أكثر وضوحا فى العلوم الرياضية والفيزيائية التى يستلزم البحث فيها 
الانتقال من الحقائق الجزئية إلى التعميم والتجريد وإن كان هذا هو الحال بالنسبة 
للعلوم المعاصرة أيضا التى تتفوق فيها العلوم الرياضية والفيزيائية على غيرها من 
العلوم الوصفية بتحقيق قدر أكبر نحو الوصول إلى التعميم أو القانون العلمى . إلا أن 
درجة التعميم أى التجريد في العلوم المعاصرة أعم وأشمل منها فى علوم التراث 
الذى قدمناه على أساس نمو المفاهيم العلمية والاتصال العضوى بين مراحل تاريخ 
العلم بحيث تعتير المرحلة اللاحقة فى حضارة ما امتدادا طبيعيا للمرحلة السابقة عليها 
وتمهيدا للمرحلة التألية لها فى حضارة أخرى . 


اسة: 
حاولنا فى هذه الدراسة أن نطرح إطارا نظرياً لتفسير التطور المعرفى والمنهجى 
للعلم عموماً . وللعلم الإسلامى بوجه أخص لكن الموضوع يحتاج إلى دراسات أخرى 
ثيرة تتتاول القيام بمسح شامل لأكير عدد ممكن من كتب التراث العلمى للحضارة 
الإسلامية بهدف استقصاء وتحليل جهود العلماء ايستمولوجيا ومنهجيا وفلسقيا » 
وأيضا لتصنيف العلوم استتادا إلى المفهوم الإسلامى للعلم القائم على وحدة العقل 
الإنساتى وتضافر جميع ملكاته من أجل تحصيل المعارف وتطويرها والاستفادة منها . 
ويتم هذا بتحليل مقارن مع تصصاتيف العلماء السابقين من اليونان والأسكندرية 
وتصنيف المحدثين من أمثال فرنسيس بيكون ورينيه ديكارت وأوجست وأصحاب دائرة 
المعارف وغيرهم .على أن يؤدى هذا إلى طرح تصور إسلامى لتصنيف العلوم 
المعاصرة . ويمكن الاستعانة بالحاسب الآلى وتطوير وسائله لخدمة أغراض المسح 
الشامل لكتب التراث وإحصاءالنصوص الإسلامية وتصنيفها » ويذاك يسهل التعامل 
معها ويرجى الانتقاع الكامل بها . 


التقييم الإبستمولوجى - المنهجى لمساهمات العلماء 
المسلمين وإضافاتهم فى العلوم الرياضية والطبيعية 


دكتور / محمد على محمد الجندي 


تعتبر قضية ' المنهج ' فى الفكر الإسلامى من القضايا الأصيلة التى ظهرت على 
صعيدى النظر والتطبيق . وذلك للأسباب التالية : 

أولاً : أول ما يقابلنا فى ظاهرة تأصيل المنهج فى البيئة الإسلامية " القرآن الكريم " 
ياعتباره المصدر الأول فى وضع الأسس والتصورات العامة عن الكون والحياة . 
وطبيعى أن يتدبر المسلمون ذلك التصور لما فيه من توجيه حقيقى نحو المعرفة 
الصحيحة " فإن القرآن الكريم - بوصفة الصيغة الخاتمة لأديان السماء - قد قدر له 
أن يبدأ يممارسة دوره الدينى مع تطلع الإنسان نحو العلم وأن يتعامل مع البشرية 
التى أخذت تبنى معرفتها على أساس العلم والتجربة وتحدد بهذه المعرفة موقعها فى 
كل المجالات . فكان من الطبيعى - على هذا الأساس - أن يتجه القرآن إلى دليل 
القصد والحكمة بوصفه الدليل الذى يمثل المنهج الحقيقى للاستدلال العلمى () . 

وكتجسيد لتلك النزعة الاستدلالية لدليل القصد والحكمة استعرض القرآن أمام 
الإنسان الظواهر الجزئية المحيطة به ودعاه أن يتديرها ويمحص علاقاتها وروابطها 
ليرتقى من ذلك إلى أسيابها ومسبباتها ولهذا ' أفاد العرب فى دراسة القرآن الكريم , 
فقد خلق فيهم النزعة العلمية وغرس فى نفوسهم الميل الشديد إلى البحث والنظر 
والملاحظة والتجرية ‏ وتلك هى أسس الطريقة العلمية الحديثة فى التفكير . 9( . 

ولقد تمثل الاستدلال العلمى فى القرآن الكريم بنصوص كثيرة ومتنوعة عالجت عدة 
موضوعات ٠‏ تشكل بمجموعها أسس المنهج العلمى فى التصور والاستدلال يقول تعالى 
ذإن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر 
بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها 
من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخير بين السماء والأرض لآيات لقوم 
يعقلون 4 (') . وهكذا وجه القرآن الكريم العقل للتدبر والملاحظة ؛ وطلب إليه أن يتعمق 
فى هذه المظاهر لكى يستدل على مديرها ومنشد 
)١(‏ محمد باقر الصدر : الأسس المنطقية للاستقراء . ص 504 . 
(1) محمد عاطف البرقوقى : الخوارزمى العالم الرياضى الفلكى » مصر ؛ بدون تاريخ ص ١77‏ , 


(0) البقرة /ر 154 . 


لذن 


كذلك شدد القرآن الكريم على وجوب العلم القائم على حجة التثبيت عن طريق 
الحواس يقول تعالى ١‏ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل 
إرنك كان عه سر ) ار أى أداء علمى يجب أن يخضع لمعيار التثبيت 
المباشر الذى يقع ضمن دائرة الحواس » ومن هنا رفض الكتاب الكريم كل ما يتعارض 
مع هذا الاتجاه . 

والحقيقة أن القرآن الكريم قد أولى منهج الاستدلال أهمية بالغة وحرض على عرضه 
بنساليي مختقة لأنه الطريق الذى يؤدى بالإنسان أخيراً إلى الحصول على اليقين 
والقطعء وواحدة من هذه المظاهر قى الاستدلال ما نلمسه فى موقف ' إبراهيم عليه 
السلام " عندما استعرض الظواهر الكونية - بأسلوب منهجى استدلالى - حيث 
استعرض الكواكب أولاً ثم القمر وأخيراً الشمس ؛ فنراه فى استدلاله هذا يربط قراره 
يمل جتنن بظامر الصبيدة يعن ليق لان هذا العلم لا يصلح أساساً للحكم 
ينتقل منه بطريقة منهجية استدلالية إلى معلم آخر فى ظاهرة أخرى ؛ فيبين كذلك عدم 
صلاحيته فينتقل أخيراً إلى هذا المعلم الثالث الذى يعلل ارتياحه إليه أى اختياره له 
بقوله " هذا أكبر" ثم يعرض أخيراً عن كل هذه الظواهر التى يجمعها كلها أنها ثابتة 
ومتغيرة لا تصلح أن تكون حقيقة ثابتة يجد لها الولاء والعبادة . 

فقد أرانا الله تعالى كيف تدرج ابراهيم فى الاستدلال خطوة خطوة حتى استنفذ 
الفروض الثلاثة الكيرى ليتتهى إلى حقيقة الذات الجديرة بالولاء والعبادة وهى الذات 
الإلهية ذات الصقات التى لا تنطبق على هذه الظواهر . 

وفى رحاب هذه النزعة الاستدلالية ؛ والمنهجية العلمية . وجد العلماء والمفكرون 
الإسلاميون متسعاً للتحرك نحو صياغة منهج البحث العلمى » مجسدين التصور 
القرآنى فى نزعتهم العلمية فأدى ذلك إلى قيام نهضة علمية شملت ميادين علمية 

ثانيا" : لعب القياس الأصولى دوراً كبيراً فى بلورة الاتجاه العلمى » حيث كانت العلة 
أهم أركان القياس فعليها مدار تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع , ولقد أشبع 
الأصوليون مفهوم العلة بحثاً وتحقيقاً وفصلوا لأحكامها وشروطها , وكيفية التعرف 
على طرقها . ومن الطبيعى أن تحتل العلة هذه المتزلة فى البحث لأنها مناط الحكم فى 
القياسء ولقد تنيه الأصوليون إلى أن الاستدلال على الحكم فى الواقعة الجديدة ينيع 
من طبيعة التعرف على العلة الحقيقة التى تجمع بين الأصل والفرع ولهذا اجتهدوا 
كثيراً لالتماس الوصف الجامع بين الموضوعين . والحقيقة أن منهج البحث العلمى 


. 31 / الإسراء‎ )١( 





تنا 


بمعناه الدقيق يبد بدراسة مدلول العلة وشروطها . لدى الأصوليين » وما وضعوه لهذ 
الموضوع من أسس وقواعد لها الأثر البعيد فى المعرفة الإنسانية على صعيد مناهج 
البحث عموماً . 

ثالغا: أفاد علماء المسلمين التطبيقيين ‏ من أمثال ابن الهيثم والبيرونى وجابر بن 
حيان من منهج الأصوليين فى مبحث العلة , فالنظر والتطبيق كون وشيجة واحدة على 
صعيد البحث العلمى فى مناهج اليحث الإسلامية . وفى إنجازات علماء المسلمين فى 
مجالات علوم الكيمياء والطبيعة والفلك , وهو الأمر الذى سنعرض له بالتفصيل فى 
نايا هذا البحث . 

رابع : فيما يختص بالعلم الرياضى عند المسلمين ؛ فإن أول ما يسترعى الانتباه فى 
هذا الجانب أن المسلمين أدركوا ما للمنهج الرياضى من أثر كبير فى تطوير الطريقة 
العلمية» واتخاذ أدوات العلم الرياضى وسيلة قياس منضبطة للتعبير عن نتائج التجرية 
بطريقة لا تفترق عما وصل إليه العلم الحديث . لهذا فقد استطاع علماء الرياضة 
المسلمين أن يؤهلوا البحث فى فروع العلم الرياضى من حساب وجبر وهندسة وحساب 
مثلثات » وأن يضيفوا إليها الجديد والمبتكر لتتوائم مع متطلبات هذه العلوم ‏ ولتتوافق 
مع نزعتهم العلمية » التى تنطلق من نذارتهم الشمولية لمنهج اليحث العلمى . 

وسوف يكون مدار حديثنا فى هذا المقام منصب على أيرز جوانب الإضافة المنهجية 
لعلماء المسلمين فى مجال العلوم الرياضية والطبيعية » ومدى ما حققوه من إنجازات 
فى هذا الجائب يسجل لهم بكل الفخر والاعتزاز . هذا بالإضافة إلى أن عرضنا سوف 
يكون منصبأ على شخصيات علمية بعينها وهى من وجهة نظرنا تمثل المنهج فى كل 
فرع من فروع العلم الرياضى والطبيعى ٠‏ وأن ما ورد فى مؤلفاتهم يشكل صورة 
متكاملة للإضافة المنهجية للعلم الإسلامى الجديرة بالدراسة والتبيين . 
أ- إنجازات المسلمين فى مجال العلم الرياضى (علوم التعاليم) (') 

الرياضيات من العلوم التى نالت الشئ الكثير من اهتمام المسلمين وعنايتهم , 
وأفاضوا فيها مما أثار دهشة علماء الغرب فاعترفوا بفضل المسلمين وأثرهم فى تقدم 
هذا العلم تقدماً ملحوظاً . 

وأول ما يقابلنا فى هذا الجانب هى حجم الإسهام الكبير لعلماء المسلمين وفلاسفتهم 
فى تطوير نظرية العدد بطريقة تفوق ما أحرزه السابقون عليهم فى هذا المجال . 

فقد أطلع المسلمون على حساب الهنود وهندسة اليونان وكان لهم منها موققا 
منهجياً واضحاً . 
)١(‏ أطلق المسلمون لفظ علوم التعاليم على العالم الرياضى . 

نا 


أ- العدد 

كان النظام الشائع فى الترقيم عن اليونان » نظاما معقدا لا يسمح بتطوير مباحث 
العلم الرياضى ٠‏ ققد عالجوا! فكرة العدد بطريقة مادية بعيدة عن التجريد حيث اعتيروا 
أن العدد هو ميداً الوجود وأصل الأشياء :(0) 

كما اهتموا بالجانب النظرى من العدد ؛ وهو ما يتعلق بخواص الأعداد : النسب 
العددية . وجداول الأعداد (') غير أن أعمالهم فى مجال الهندسة تفوقت على نظريتهم 
قى العدد . أما فيما يختص بالهنود فقد عالجوا متساسلة الأعداد بطريقة مختلفة . فقد 
كان للهنود أشكال عديدة للأرقام استخدموا فيها النظام العشرى المبسط فى العدد . 
غير أنهم لم يستطيعوا التوصل إلى فكرة اختراع الصفر . وإنما كان يعبرون عن 
الموضع الخالى من الأرقام بلفظ " سونيا " ومعناها الفراغ (5) 

اطلع المسلمون على تراث اليونان والهنود فعرفوا النظام العشرى ونقلوه عن الهنود 
وطوروه طويراً كبيرا وعرفوا هندسة اليونان وبراهينها المنطقية المنظمة . ومزجوا بين 
الاثنين قجاءت نظريتهم فى العدد وسائر أفرع الرياضيات تحليلية على أعلى مستوى . 

عرف المسلمون حساب الهنود فأخذوا عنهم نظام الترقيم , إذ رأوا أنه الأفضل من 
النظام الشائع بينهم وهو النظام الترقيم على حساب الجمل (؛)- 

وكان لدى الهتود أشكالا عديدة للأرقام هذب العرب بعضها وكونوا من ذلك 
سلسلتين عرفت إحداهما بالأرقام الهندية وهى التى تسعملها هذه البلاد وأكثر الأقطار 


. 64 , 2( 1956 قملممآ ) كعأكتطمقاء14 علاماكاعة : صسطم1 , ممع داموللا (1) 
)١(‏ عمر فروخ : تاريخ العلوم عند العرب , دار العلم للملايين , الطبعة الرايعة سنة 19145 ص 77 . 
, 1( 1964 علرولا بسعا8 ) دع 1ش تدع 18/315 كه /رماذأ11 عط م همناءنله:امآ حل : 11530 , وعدظ (3) 
38 
(5) نظام اقتبسه العرب عن اليلاد التى استولوا عليها فى أبان الفتح الإسلامى ؛ وقد وجدوا أن المصريين يستعملون 
نظام الترقيم بالحروف القبطية بيئما فى سوريا تستعمل الحروف اليوناتية 
( الم خل 1011 301 له كال 111 11 1) 


قوضعوا لكل حرف رقما دل عليه فكان الجدول كما يلى : 





ورمزوا للأعداد التى تزيد على الألف يضم الحروف بعضها إلى بعض قكان قايل 

٠٠‏ بغ 7١-٠‏ جغء 3٠00-0‏ كم ... وهكذا . ولم يعد للنظامين السابقين قيمة فقد تركهما العرب واستعاضوا عنها 
بالنظام الهندى فى الترقيم ؛ القائم على القيم الوظيفية للأرقام أى ها يسمونه بالنظام العشرى ( قدرى طوقان : 
تراث العرب العلمى فى الفلك والرياضيات . ص 418 ) 


3 


الإسلامية والعربية وعرفت الثانية باسم الأرقام ' الفبارية ' التى يرى بعض العلماء 
أنها مرتبة على أساس الزاويا كما يلى : 


ثم دخل على أشكال هذه السلسلة بعض التحوير وطرأت عليها تغيرات بسيطة 
فأصبحت فى الشكل المعروف الآن وهى: 
99و 8 7د 6 5 4 3 2 1 
بعضهم فى الأبيات التالية )١(:‏ 
ألف وحاء ثم حج يعده عين ويبعد العن عدو عرسم 
صفران ثانيهما وقد ضما معأ والواو تاسعها بذلك تختم 
أما أصل تسميتها بالقبارية فهو أن أهل الهند كانوا يأخذون غبارا لطيفا ويبسطونه 
على لوح من خشب وغيره أى ما كان مستويا ويرسمون عليه الأرقام التى يحتاجون 
إليها فى عملياتهم الحسابية أو معاملاتهم التجارية . 
وقد انتشر استعمال الأرقام الغبارية فى بلاد المغرب والأندلس وعن طريق الأندلس 
ويواسطة المعاملات التجارية والرحلات التى قام بها بعض علماء العرب , والسفارات 
التى كانت بين الخلفاء وملوك بعض البلاد الأورويية » ودخلت هذه الأرقام أورويا وعرفت 
فيها باسم الأرقام العربية 15لةجءهن71 ءنطدىة (7) . واستخدمتها أورويا على نطاق 
واسع حيث فضلوها على النظام اليونانى فى الترقيم ,(") 
١‏ -اختراع المفر 
أما الصفر فقد عبر عن خلو الخانة ٠‏ وكان قى المدة الأخيرة يكتب عند الهنود دائرة 
فيها نقطة هكذا (2) أى خانة خالية وقد أخذ عرب المشرق التقطة وتركوا الدائرة 
)١(‏ المصدر السابق : ص 18 . 
( 1911 عملدمة ) كلقتعصيه عتطدعم - لصنل ع1 : برطتوتهتممما ع 8 . ط بلاتدرك (2) 
36م 


- 88 . 8 . 8 ( 1954 0ملوم1 ) كلخد ضوء5 )22 كه لإوماكقط عكأعومعهى : عاأنماد ‏ [ الوط (3) 
89 


كا 


لمشابهتها للعدد (ه) وأخذ عرب المغرب الدائرة وتركوا النقطة )١(.‏ وكذلك قعل 
الأوروبيون فيما بعد . 
وقد أطلق الأوروييون على لفظ " الصفر " العريى لفظ #عطم51 ومتها أتدة 2.60 
الإطرلوزت . 
فالعرب إذن هم مخترعوا الصفر للدلالة على المتنازل الخالية من الأرقام الأمر الذى 
أدى إلى استعمال سهولة الترقيم ٠‏ ولتسهيل جميع العمليات الحسايية » ولولاه لأحتاج 
المرء إلى استعمال طرق عويصة وملتوية لإجرا عمليتى الضرب والقسمة(") . 
والصفر كما يقول " رسل ' إضافة حديثة لم يعرفها الإغريق ولا الرومان ولا يصل 
إليها إلا من كان على قسط كيير من المعرفة الرياضية .(') فمتسلسلة الأعداد الطبيعية: 
التى تبدأ بالصفر لم تصل إلى الصورة المعروقة.بها الآن إلا بعد أن بلغت الحضارة 
مرحلة عالية من التطور . 
وللصفر فوائد عديدة . فلولاه لما استطعنا أن نحل كثيرا من المعادلات الرياضية من 
. مختلف الدرجات بالسهولة التى نحلها بها الآن ولما تقدمت فروع الرياضيات تقدمها 
المشهود ... ومن الغريب أن الأوروبيين لم يتمكنوا من استعمال هذه الأرقام إلا يعد 
إنقضاء قرون عديدة من إطلاعهم عليها , بمعنى أنه لم يعمم استعمالها فى أورويا 
والعالم إلا فى أواخر القرن السادس عشر الميلادى عندما انتقل إليهم كتاب الخوارزمى 
فى الحسابء وكانت متسلسلة الأعداد ( النظام العشرى ) تسمى باللاتينية ياسمه 
(الجورزمس 180:355305ش ) كما أن الكلمة الأسيانية التى معناها الأعداد أى الأرقام 
هى جوارزمى 10113115500؟) وقد تعلم الغربيون علم الحساب عن كتاب الخوارزمى فى 
الحساب مترجما إلى اللاتينية وعن كتب أخرى بيت على كتاب الخوارزمى هذا , منها 
كتاب كارمن دى الجورزمى 0515810ع لف 06 معدم دن) الذى وضعه اسكندر دى فيلادى 
11201 ع0 :16:3506ث حوالى ١٠١١م‏ وكتاب الجورزمس فالجار س15نه15رمع الم 
5 لؤلفه جون أوف هاليقاكس ه1111 :0 ه30 حوالى ١٠١١م‏ وكلا هذين 
الكتابين مبنى إلى حد كبير على كتاب محمد بن موسى وكلاهما بقى مرجعا فى تلقين 
هذا العلم لعدة قرون(!!) . 


. 58 نفس المصدر : ص‎ )١( 

؟) برترائد رسل : مقدمة القلسفة الرياضية ترجمة د . محمد مرسى أحمد طا القاهرة ١504‏ , ص 7١‏ . 

() الخوارزمى : كتاب الجبر والمقابلة تحقيق د . على مصطفى مشرفة . د . محمد مرسى أحمد ط القاهرة سنة 1959 . 
مقدمة التحقيق ص 17 . 

(؟) نقس المصدر : ص ١4‏ . 


هرا 


ومن فوائد الصفر أيضا أنه ساعد على تقدم الرسوم البيانية والتى تتركز عليها 
تتقدم معادلاته التقدم المعروف إلا باستعمال شارة " الصفر "() , 
؟ - إضافات المسلمين فى علم الحساب : 

5 بنسب للمسلمين فضل اختراع النظام ا لستينى للصحاح والكسور ومما لا شك فيه 
أن هذا النظام قد ظهر نتيجة للتحليل الواعى والدراسة المنطقية والمنهجية للأفكار التى 
فمثلا القيمة ؟4 درجة , 00 دقيقة + 4١‏ ثانية يمكن وضعها فى الصورة التالية : 

مع عر , «صقر ب .م عر .34 ب اع عر .1 
وكذلك تكتب الكسور الستينية فى الصورة التالية :(9) 











آٌ ة جح [خ كك 
لاله : + لج سنت لع الى الى 
1 .)15 دمتعن واكك (.)ن 


ومما لاا شك فيه أن استخدام هذا النظام الستينى الموحد - رغم صعويته . كان له 
أكبر الأثر فى وضع أسس المنطق الرياضى ونظرية الأعداد مما كان له بعد ذلك فضل 
استخدام النظم الأخرى والتى ثبتت قيمتها العملية فى عصرنا الحالى إذ يستخدم عدة 
الحسابية والألكترونية ( النوع الرقمى ) وكذلك يستخدم النظم الثمانية والأريع 
والستينية فى ترجمة الأرقام الثنائية التى تتعامل بها هذه الآلات .(؛) 
أ ته اج د 0 


سس لج سستسايي داص ساد + الى لله صم عمسم عد ك...د جا بآ 
٠‏ 5.9 ( 500 (لنة 


. قدرى طوقان : بين العلم والآدب . طبع القدس سنة 1447 ص 1 وما يعدها‎ )١( 

() د . أحمد سعيد الدمرداش : تاريخ العلوم عند العرب : طبع القاهفرة سنة //151 » ص 6؟ 

" والنظام الستينى هو نظام عددى كالنظام الع»شرى ويستخدم فى حساب المسحيع والكسر وفى الهندسية وفيه ينقسم 
الكسر إلى ٠١‏ جزيا والزاوية إلى ٠١‏ دقيقة / الثاتية . ويرجع الفضل الأول إلى المسلمين فى اكتشافه واستخداهه 
فى مؤلفاتهم بالإضافة إلى النظام العشرى * 

(؟) جمشيد الكاشى : مفتاح الحساب تحقيق د . أحمد سعيد الدمرداش , طيع القاهرة ( بدون تاريخ ) ص 0١‏ . 

(4) مقتاح الحساب ص 508 . 


7 


وهى متاختراع جمشيد الكاشى(') ومن أهم منجزاته التى حقق بها سيقا علميا 
رائعا. وكان غرضه من إختراعها إنشاء نظام جديد للكسور يمتاز بسهولة الاستخدام 
ليكون بديلا للنظام الستيثى الذى كان ذائع الانتشار حيتذاك . 

وهكذا فإننا نرى رغبة الكاشى فى نشر حساباته لكلا النظامين الستينى والعشرى 
جاءت لتوضح مميزات النظام العشرى وقد ظهر ذلك عندما حسي نسبة طول محيط 
الدائرة ح التى قطرها ق والمعروف حاليا ط وذلك فى كتابه الشهير " الرسالة المحيطية" 

إِذْ قام بحسابها أولا مستخدما الكسور الستينية ثم ذكر فى بداية الياب السادس 
من المقالة السادسة من مقفتاح الحساب ' أته ينوى القيام فى الرسالة المحيطية بحساب 
كه باستخدام الكسور العشرية حتى يتقنها من لا يعرف الكسور الستينية )١(‏ 
ا ذلك يقول' ووضعناها على مقياس الكسور الستينية ولتقدم هذا لما استخرجنا 
نسبة المحيط إلى القطر فى رسالتنا المسماة بالمحيطية ويلغنا إلى التاسعة أردنا أن 
تحولها إلى الرقوم الهندية لئلا يعجز المحاسب الذى لم يعرف حساب المنجمين » أخذنا 
كسر المحيط من مخرج هو عشرة آلاف مكررة خمس مرات () , 

ولقد جاعت بعد ذلك أول محاولة لإدخال الكسور العشرية إلى أورويا على يد 
الرياضى اليهودى نونفيس الذى عاش فى فرنسا فى القرن الخامس عشر ( الثامن 
الهجرى تقريبا ) وهى محاولة لم تحتو على طريقة خاصة لكتابة الكسور وكل ما أورده 
قى هذا القبيل كان عبارة عن فكرة موجزة لهذا النظام المقترح . 

ويكفى فى هذا المقام أن نشير إلى التقدير العظيم الذى أضفاه الرياضى الكبير 
هانكل 11301661 على الكاشى عندما نوه بفضل الكاشى فى هذا المجال وسيقه لستيفن 
بنحى ١6١‏ عاما عندما وضع نظامه العشرى الذى بلغ القمة من حيث التطور والشمول 
والمنهجية . 

ولقد ألف ستيفن أول ملزمة كاملة عن الكسور العشرية باللفتين الفرنسية 
والهولنديقوذلك فى ملزمته المسماة " العشرية السهلة التعلم * فى عام 580١م‏ أى بعد 
الكاشى ينح مائة وسيعين عاما . 

وقد أشاد د . سميث ويوريوسوف وغيرهما بفضل الكاشى الذى لا يمارى فى وضع 
أشن الكسوو العغيرية : 
(1) واد الكاشى فى أواخر القرن الثامن الهجرى ( الرابع عشر الميلادى ) فى مديتة كاشان . وقد جاء إلى سمرقند وعمل 

مع الأمير أولوغ يك ( قبل أن يينى أولوغ بك مرصد سمرقنئد ) وفى سعرقند اتسعت جهود الكاشى العلمية ووضع 
معظم كتبه . وكانت شهرة الكاشى فى علوم الحساب والهندسة . وكانت وفاته نحو سنة ٠4لهمه‏ / 1141م . ومن 
مؤلفاته كتاب ' مقتاح الحساب " . 


(؟) مقتاح الحساب : ص 86ه . 


لان 


يتضح إذن مما سيق أن علماء المسلمين من أمثال الكاشى والكرخى ((ت نحو 
٠ه‏ ) وابن البناء المراكشى ( ت ١"لاف‏ ) . كان لهم فضل اختراع الكسور 
الاعتيادية والعشرية وسبقوا بها الأوروبيين . كما استخدموا فى معالجتها طرقا لا 
تختلف عن الطرق المعروفة الآن . 

وقد اكتفينا بعرض جهود الكاشى , لأهميتها وعدم اتساع المقام لعرض باقى جهود 
علماء المسلمين الرياضيين فى هذا الجانب . 
* - علم الجبر 

اشتغل العرب بالجبر وحققوا فيه إنجازات علمية رائعة يقول كاجورى ' إن العقل 
ليدهش عندما يرى ما عمله العرب فى الجبر '7) وهم أول من أطلق لفظة جير على 
العلم المعروف الآن بهذا الاسم وعنهم أخذ الأفرنج هذه اللفظة 4186518 فى اللاتينية(؟) 
ويقول لويون " لقد عزى إلى العرب اكتشاف علم الجبر وإن كانت أصوله معروفة منذ 
زمن طويل .والحق أن العرب حولوا علم الجبر تحويلا تاما وإليهم يرجع الفضل فى 
معرفة الأوروبيين بهذا العلم 9) 

ويقول سيديو " والعرب هم الذين أطلقوا عليه هذا الاسم فقالوا " الجبر والمقابلة " 
ولم يثيت حتى الآن أن أصل هذا العلم هندى 5( 
- الخوارزمى واضع أصول المنهج العلمى فى الجبر : 

الخوارزمى هو واضع علم الجبر فى كتابه " الجبر والمقابلة " 

والجبر والمقابلة طريقة لحل المسألة إذا كان فيها مجهول أو أكثر . يقول ابن خلدون: 
' ثم يقع العمل فى المسألة فيخرج ( أى العمل ) إلى معادلة بين مختلفين أو أكثر من 
هذه الأجناس , فيقايلون بعضها ببعض ويجبرون ما قيها من الكسر حتى يصير 
صحيحا. ثم يحطون المراتب إلى أقل الأسس . إذا أمكن ؛ حتى يصير إلى الثلاثة التى 
عليها مدار علم الجير عندهم , وهى العدد والشئ والمال " (0) 

وأول من ذكر هذه الألفاظ الخوارزمى : 

الجبر : نقل الحدود المنفية إلى الجانب الآخر من المعادلة 
)١(‏ تراث العرب العلمى : ص "١‏ , 

1 -90 . 22 5ع0قسرع 10218 01 لرماوتط عوأعومعك : علتنه5 . [عللرط (2) 

(1) جوستاف لويون : حضارة العرب , طبع مصر ستة 1548م .ص 48٠‏ . 
(4) سيديول .1 : تاريخ العرب العام , طبع عيسى البابى الحلبى طبع مصر سنة 1519 ؛ ترجمة عادل زعيتر ص .7:5١‏ 


(5) ابن خلدون : المقدمة ص 715 


لع 


المقايلة : توحيد الحدود المتماطة 

الشئ : ( أ الجذر . وهى الشئ المجهول ) ورمزه ( علامته ) " 5 )* ثم اختصرت 
فأصبحت ش ثم س . 

المال : مريع الجذر أو الشئ : س” 

العدد الملفوظ : الحد الذى لا جذر معه 

لتأخذ المعادلة التالية : بس" - س - ٠س‏ + ه 


قالجير تصبح س5 3 أس + 6 
ويالمقايلة تصبح : س» - ؤس + ه 
قالجبر إذن " علم عربى " سماه العرب بلفظ من لغتهم , والخوارزمى هى الذى خلع 
عليه هذا الاسم , هذا الاسم الذى انتقل إلى اللفات الأجنبية بلفظه العربى -41:07 
معة - كما أوضحنا )١(‏ 
وتجلت عبقرية الخوارزمى فى علم الجبر فى عدة أمور متها : 
-١‏ وضع المعادلة الشاملة التى هى الأساس الذى قامت عليه معادلات الدرجة الثانية 
دون 
#ش عرق التالموة وغلى:زاسهم الكوارزمى طريعة كل ساذلك النرجة الثانية وفين 
نفس الطريقة الموجودة الآن فى كتب الجير ٠‏ ولم يجهلوا أن لهذه المعادلات جذرين 
وفاقوا بها غيرهم من الأمم التى سبقتهم . 
#اددهدية الشواردمى أنهنا إن الهالة الى يكوخ كيه المكر كيدي تقنيدة 
لاق صنعة ز(؟) 
8ه انكر يعلماء [لدلمنين طزها :مفيسية لعل مكقن معاولات الدرخة الثاتية »رولا تعن 
ذلك كتاب:* الكؤاررمى ' وقيرة من كت علماء الغرب قن الجبر من امثال قتاع 
أبن أسلم , والخيام وغدرهم . 
#خونى جاب المتنااحة من كناب لبون و تقائلة لتقو روس تياك متنمدية لها طرق 
عدر مقا يدان على أن العوب كداك ,فم لمن اسكعان ,لعزي فى يقل فسسانا: 
(؟) أى حيتما تكون الكمية التى تحت علامة الجذر سالبة , وفى هذه الحالة يقال لها ( كمية تخيلية ) يحسب التعيير 
الرياضى الجديد ( لاحظ : تراث العرب العلمى » ص 54 ) . 


م 


فى كتابه ' مناهج الهندسة ' كان تلميذ محمد بن موسى , ثابت بن قرة مهندسا 
مشهورا حافظا لجميع الرياضيات ؛ ونذكر من مؤلفاته الكثيرة , التى تجد 
أسمائها فى قائمة المزيزى ؛ ‏ رسالة فى الجبر والهندسة ' وقف يها أنظار 
المهندسين لتطبيقه الجبر على الهندسة فيها وهذا الكتاب لاريب هى الذى حمل 
منتوكلا على قوله : " إن لثابت كتابا فى تطبيقات الحساب الجيرى يعلم منه أن 
العرب طبقوا الجير على الهندسة  )١(‏ 
وقد تبع الخوارزمى بعد ذلك مجموعة من علماء العرب فى الرياضيات أمثال أبو 
كامل وشجاع بن أسلم الحاسب من أهل مصر ؛ وكان فاضلا حاسبا عالما وله من 
الكتب كتاب " الجبر والمقابلة " أيضا وكتاب ' الجمع والتعريف ' وكتاب " الخطأين " 
وكتاب " المساحة والهندسة " 9) , 
وكذلك سنان بن الفتح ويقول عنه صاحب القهرست أنه من أهل جران وكان مقدما 
فى صناعة الحساب والإعداد وله من الكتب كتاب ( الجمع والتعريف ) »وى ( كتاب 
الوصايا ) و ( كتاب الجبر والمقابلة للخوارزمى ) (') ويعقوب بن محمد الحاسب 
وشهرته أيو سيف المصيص .ء وله من الكتب كتاب الجبر والمقابلة وكتاب الخطاين 
وكتاب حساب الدور ٠‏ ويقول عنه القفطى أنه كان عالما بصناعة الحساب والجبر وألف 
فيها التصانيف المفيدة "(؛) 
4- الهندمة التحليلية 
عرف المسلمون الهندسة الإقليدية المستوية عندما قاموا بترجمة كتب إقليدس » وقد 
نقلوا كتاب الأصول إلى العربية فى عصر المنصور يقول ابن خلدون " والكتاب المترجم 
فى هذه الصناعة ( يقصد الهندسة ) هو كتاب إقليدس ويسمى كتاب الأصول وكتاب 
الأركان » وهو أبسط ما وضع فيه للمتعلمين » وأول ما ترجم من كتاب اليونانيين فى 
الملة أيام أبى جعفر المنصور ونسخه مختلفة باختلاف المترجمين , فمنها لحنين بن 
إسحق ولثابت بن قرة وليوسف بن الحجاج . " 0) 
وتعد ترجمة ثابت بن قرة ( 71/ه - ١١م‏ ) لكتاب الأصول كما يقول إيفز "أول 
ترجمة كاملة ومقنعة " كما أن ترجماته لأيولونيوس وأرشميدس ويطليموس وصلت إلى 
أرفع المستويات )١(‏ 
(1) ابن النديم : الفهرست ٠‏ طبعة ليبزج سنة 141/١‏ ص 58١‏ . 
(؟) تقس المصدر / ص 7384١‏ . 
(؛) القفطى : آخبار العلماء باخبار الحكماء , طبع مصر سنة ١17517‏ ه ص 747 . 
() مقدمة ابن خلدون / 158 . 
. 191 , 2 لقص غه نومائئتط عط مأ «متاءبلماهآ مخ : 11030 , كعد (6) 


١ 


وقد أخذت الترجمات اللاتينية عن هذه الأصول العربية القديمة على يد الإتجليزى 
الشهير ادلارد اوف باث طاة0,8 013:8 وجيرارد الكريمونى() ولقد برع المسلمون فى 
استيعاب مضٌمون كتاب الأصول وضتفوا الكثير من الشروح عليه الأمن الذى ستهل 
على الأوروبيين الهندسة اليوتانية عن العرب لا عن اليونان ثم نقلوها إلى اللغة اللاتينية 
وظلوا يتدارسونها كما عرفوها من العرب إلى أواخر القرن السادس عشر حينما عثر 
الباحثون ؛ عام 647١م‏ على مخطوط من كتاب إقليدس باللغة اليوبانية . "9) 
ويرع المسلمون فى قضايا الهتدسة وشرحوفا وفرغوا منها . وعرقوا تسطيح الكرة 
وألفوا فيه ومارسوه فتقلوا الخرط من سطح الكرة إلى السطح المستوى ومن السطح 
المستوى إلى السطح الكرى . ولقد كان اهتمام المسلمين بالناحية العلمية من الهندسة 
أكثر من اهتمامهم بالتاحية النظرية » تشهد بذلك المبانى والقصور التى نهضت فى 
المشرق والمغرب والقصور التى خلفوها فى أورويا . 7) 
وعلى ذلك فإن براعة المسلمين فى الهندسة الإقليدية لا تقل شأنا عن براعتهم فى 
الح كما ]وهنا , 
ومن ثم أمكنهم أن يجمعوا بين الهندسة والجبر فى بعض الأعمال الهندسية , كما 
استخدموا الهندسة لحل بعض الأعمال الجبرية » قهم بذلك واضعى أساس الهندسة 
التحليلية ولا يخفى أن الرياضيات الحديثة تبدأ بها وتيعتها فروع الرياضيات بسرعة 
فنشأ علم التكامل والتفاضل الذى مهد له العرب كما مهد له من قبلهم اليوتان .(؛) 
ه - التفاضل والتكامل 
علم التفاضل والتكامل من العلوم التى تتناول مسائل المخروطات وكيفية تكونها وقد 
عرف المسلمون علم الملخروطات على أنه ' فرع من قروع الهندسة أيضا وهى علم 
ينظر فى ما يقع فى الأجسام المخروطة من الأشكال والقطوع ويبرهن على ما يعرض 
لذلك من العوارض ببراهين هندسية متوقفة على التعلم الأول . وفائدتها تظهر فى 
الصتائع الصغيرة التى موردها الأجسام مثل النجارة والبناء وكيف تصنع التماثيل 
الفريية والهياكل النادرة.. " (0) 
ويعتير ثابت بن قرة )١‏ من أوائل الذين مهدوا لإيجاد حساب التكامل والتفاضل 
يقول شميث فى كتابه تاريخ الرياضيات : 





5 -2114 :1010 (1) 
(؟) ع فروخ : تاريخ العلوم عند العرب / 147 . 
(؟) المصدر السايق /ر من ١45‏ . 
() تراث العرب العلمىي / 8/ . 
(5) مقدمة أين خلدون /ر 107 . 
(1) هو أيو الحسن ثايت بن قرة بن مروان ومولده سنة إحدى وعشرين ومائتين وتوفى سنة ثمان وثمانين ومائتين ' نجران 
١‏ ومن كتيه رسالة فى استخراج المسائل الهندسية وكتاب شكل القطاع ( القهرست : ص 575 ) 


1: 


" كما هى العادة فى أحوال كهذه يتعذر أن نحدد بالتأكيد لمن يرجع الفضل فى 
العصور الحديثة فى عمل أى شئ جدير بالاعتبار فى حساب التفاضل والتكامل ؛ ولكن 
باستطاعنا أن نقول أن ستيفن5160068 يستحق أن يحل محلا هاما من الاعتبار » أما 
مآثره فتظهر خصوصا فى موضوع ايجاد مركز الثقل لأشكال هندسية مختتلفة , 
اهتدى بنورها عدة كتاب أتوا بعده . ويوجد آخرون حتى فى القرون الوسطى قد حلوا 
مسائل فى إيجاد المساحة والحجوم » بطرق يتبين منها تأثير نظرة إفناء الفرق اليونانية 
صو اسقط زه بورمعط؟ (0) , 

وهذه الطريقة تتم نوعا ما على طريقة التكامل المتبعة الآن من هؤلاء : يجدر بنا 
أن نذكر ثابت بن قرة " الذى أوجد حجم الجسم المتولد من دوران القطع المكافئ حول 
مهوورة :9) 
5 حساب الثلنات 


لولا علماء المسلمين لما كان علم المثلثات على ما هو عليه الآن . فإليهم يرجع الفضل 
فى وضعه بشكل علمى منظم مستقل عن علم الفلك . 

ونتسب الفضل قن :ذلك إلى تسكين النين الطويض 216:1 »اق ] !"فيال 
عالم عربى يستخدم براهين نظرية إقليدية فى مسائل علم المثلثات , الأمر الذى أدى 
إلى انتشار تأثيره فيما بعد فى أورويا فى القرن السابع عشر .() حتى أن ساكيرى 
بد عمله فى الهندسة الإقليدية من خلال المعلومات التى استقاها من كتابات نصير 
الدين الطوسى عن محاورات إقليدس كما أن جون واليس 17/2115 هناه0ل قام بترجمة 
هذه الكتابات إلى اللاتينية فى القرن السابع عشر الميلادى واستخدمها فى محاضراته 
بجامعة أكسفورر("١)‏ . 

ومن الذين ساعدوا أيضا على أن يصبح علم المثلثات علما مستقلا أبى عبد الله 
محمد بن جابر البتانى ( ت !١ه‏ - 1154م ) . ترك البتانى الحساب بالوتر كما كان 
يفعل بطليموس ومن بعده - وفضل حساب الهنود بالجيب ( تصف الوتر ) فكانت 


)١(‏ نظرية إفناء القرق مضمونها : إذا ضوعف عدد أضلاع المضلع المنتظم المرسوم داخل دائرة » اقترب محيط المضلع 
من محيط الدائرة ومساحته من مساحتها , أى أن الفرق بين المحيطين ويين المساحتين يصفر تدريجيا حتى إذا ما 
ضاعفتا عدد الأضلاع إلى ما لا نهاية » صغر هذا القرق أو فنى " واقترب من الصفر " : تراث العرب العلمى / 
ص/1417 

(1) المصدر السايق / 48 . 

(؟) يعتبر كتاب ” شكل القطاع للطوسى ‏ من أهم كتبه التى ظهرت فيها علم المثلثات مستقلا عن الفلك . 

5 2 اك . م0 : عاتتضاك . لعالوط (4) 
3 « اك . م0 : لنةجه, وع8 (5) 


رق 


عبقرية البتانى فى أنه فضل طريقة قليلة الشهرة صحيحة عى طريقة شائعة مشهورة 
ولكن أقل صحة . وهو أول من وضع جداول للظل والتمام . 

وتبدى مكانة أيى الوفاء البوزجانى ( ت 184ه - 1148م ) فى المثلثات واضحة فقد 
أوجد طريقة جديدة لحساب جداول الجيب وكان جيب الزاوية المساوية ثلاثين دقيقة 
محسويا فيها حسابا صحيحا إلى الرقم الثامن من الكسر العشرى . وكذلك عرف 
الصلات فى المتلثات ( النسية المثلثية ) . 

ولم تقف جهود المسلمين عند دراسة المثلثات المستوية بل تناولوا المثلثات الكروية - 
التى كان اليونانيون أيضا قد تناولوهالصلتها بعلم الفلك - فتوصلو! " إلى إثبات أن 
نسبة جيوب الأضلاع بعضها إلى يعض كنسبة جيوب الزوايا الموترة بتلك الأضلاع 
يعضها إلى بعض فى أى مثلث كروى ” )١(‏ 

يقول سميث فى كتابه تاريخ الرياضيات : ' لم تدرس المثلثات الكروية المائلة بصورة 
جيدة إلا على أيدى العرب قى القرن العاشر الميلادى "9) 

ويقول تللينى ' توصل العرب فى أواخر القرن الثالث أو أوائل القرن الرابع إلى 
معرفة كل من هذه القواعد المختصة بالمثلثات الكروية الزاوية ؛ إذ وجدتها مستعملة لحل 
مسائل علم الهيئة الكروى فى النسخة الخطية الموجودة من " زيج * أحمد ين عيد الله 
المعروف بحيش الحاسب المحفوظة يمكتبة برلين . وهذا الزيج ألف بعد الثلاثمائة بسنين 
قليلة جدا حسيما استدللت عليه بأدلات شتى لاله 

وقد توصل المسلمون أيضا إلى معرفة القاعدة الأساسية لمساحة المثلثات الكروية 
وعملوا الجداول الرياضية للماس والقاطع وتمامه وأوجدوا طريقة لعمل الجداول 
الرياضية للجيب . ويدين لهم الغربيون بطريقة حساب جيب ١١‏ حيث تتفق النتائج فيها 
إلى (4) أرقام عشرية مع القيمة الحقيقة لذلك الجيب "9؟) 

وجملة القول فإن علماء الأفرنج قى القرن الحادى عشر اطلعوا على مآثر المسلمين 
فى المثلثات ونقلوها إلى لغاتهم ولعل أول من أدخلها هى ' ريجيو مونتانوس2681:0 
115 مستند| إلى بحوث العلماء المسلمين والذين سيقوه فيها بشهادة كاجورى 
وسميث ووسارتون وسيديو ولويون وتلليتى وغيرهم وإن نسبتها إليه تعد خطأ كبيرا ,(5) 
)١(‏ تراث العرب العلمى / ١ه ٠‏ والمقصود بالموترة فى النص : المقابلة . 
(1) تفس المصدر ص 7١5‏ . 
(1) نلليتى ( كارلو الفونس ) : علم الفلك تاريخه عند العرب قى القرون الوسطى ؛ طبع روما سنة 151١‏ صة؟! . 

والمقصود يكلمة ( زيج ) : الجدول الفلكى . 
(4) تراث العرب العلمى / 1١7‏ ولفظ " جيب ' آخذه المسلمون عن لقظة ” جيفا " الهندية وحرفوه للفظ جيب الزاوية وعنهم 


أخذه الأوروييون وترجموه إلى كلمة 5111115 وتعتي باللاتينية الجيب 3 
(5) المصدر السايق / ٠١84‏ . 


؟ 


يتش مما سبق إنراك المسلمين لطبيعة المنيج الاسقباطى الرياضى + تاعتبازة 
هجا يقوم على أساسيات عقلية ومقاهيم مجردة تسم باليقين والبدافة حيية ينطلق 
منها الباحث فى تأنسيس البرهان وإقامة النظريات المتكاملة فى مجال علوم الحساب 
والهندسة . 

والانجازات السابق عرضها فى مجال نظرية العدد عند المسلمين تؤكد هذا المفهوم 
حيث إنهم عالجوا قضية الاعداد من متطلق تطيلى متطقى يتسم بالتجريد العالى الذى 
فوبمة الفلم الرياقدى :ركان التعراخ المقن اددهم قاطن ما وصلت الب قري 
طناء | لللبلمين فى متجال النطام العشبرى والتتيقى باعتراف رصل وبيائق وديدكاه من 
علماء الرياضة:المسدكن , 

وقد أدرك علماء المسلمين أن النسق الاستنباطى فى العلم الرياضى يقتصضى 
الاستعانة بالرموز فى مجال ' علم الجبر ' الذى نسب فضل اختراعه للخوارزمى حيث 
ساعدت الاستعانة بالرموز فى المعادلات الجبرية على حل معادلات عالية الدرجة ويالغة 
التعقيد باعتراف علماء الغرب . 

وبيدو النسق الاستنياطى الرياضى فى أوضح صورة لدى علماء المسلمين فى 
لمزاوجة بين علم الجبر والهندسة واختراع الهندسة التحليلية وحساب التفاضل 
والتكامل معيرين بذلك عن استخدام المعادلات الجيرية والبرهان الهندسى فى إقامة 
هذه الأنماط المتقدمة والقروع المتطورة للعلم الرياضى . 
واختراع علم حساب المثلثات الكرى الذى دفع بيحوث علم الفلك إلى شوط بعيد من 
التقدم والرقى . 
ب - إنجازات المسلمين في مجال العلوم الطبيعية : 
الجانب لأهم إنجازات العلماء المسلمين فى مجالات العلوم الطبيعية وتشمل : 

أشاعلم الكيمياء.. 

7- الميكانيكا والأيدروستاتيكا ( بحوث الموائع ) . 

ع- الفلك . 


1 


أولا : علم الكيمياء 
نظرية الميزان : 
يعتير جابر بن حيان فيما يرى ' كراوس ' من أعظم رواد العلوم الطبيعية 
والكيميائية, وذلك لتطبيقه " الميزان " وجعله أساسا من أسس التجريب ؛ وهذه النظرية 
تعد أساسا تعليمياً )١(‏ عنده , طبق قيها الكم والقياس على نتائج البحث التجريبى فى 
الكيمياء . 


ومرد ذلك أن جابر يرى أن عالم الكيمياء لا يستطيع الإحاطة بكل الأسباب الطبيعية 
للمواد يقوله " إن الإحاطة بآثار الموهمجودات بعضها فى بعض ٠‏ وكليات ما فيها أمر غير 
ممكن لأحد من التاس (') وذلك لكون المعرقة محدودة » ومن ثم كان احتياج الناس إلى 
علم الميزان لأنه استدراك أكثر ما يمكن للإنسان الإحاطة بمثله .(7) 

وهذا الأمر يعد بيحق غاية فى الدقة المنهجية والالتفات الواعى إلى ضرورة الاهتمام 
بالمتغيرات التى تؤثر فى نتائج الظاهرة أو تحدثها(؛) . ذلك لأن الإلمام بكيفيات الطبائع 
الأربعة المكونة للشئ المراد تحويله أمر غير مستطاع , لذلك كان وزن الطبائع أى 
معرفتها كما ذلك بوزن أجسامها هو الطريق الموصل إلى معرفتها عن طريق التقليل 


والزيادة . 
وهذا هو لب البحث الذى يتجه إلى إحلال النسب الكمية محل الخواص الكيفية من 
تقسير الطبيعة . 


وذلك فيما يعرف بقانون الأوزان المتكافئة . والميزان على ذلك هو وسيلة المعرفة 
المضبوطة بالطبيعة وقياسها قياسا كميا ومحاولة رد معطيات المعرفة ومظاهر الوجود 
إلى نظام من المقدار والتناسب العددى يقول جاير * أما الكمية هى الحاصرة المشتملة 
على قولنا الأعداد مثل عدد مساو لعدد أى عدد مخالق وسائر الأرطال والأعداد 
والأقدار من الموازين والمكاييل وما شاكل ذلك .. "(0) 

كما عبر جابر عن فهمه للقياس على أنه علاقة بين أوذان أجسام أى قياس أطوال أى 
أمعاد . وأن عملية التقدير تتم بين الجسم المراد وزنه أى قياسه ويين قسم آخر له وزن 


(1) تعليميا : رياضيا . حيث أن العلوم الرياضية كان يطلق عليها المسلمون لفظ " علوم التعاليم ' وهى الحساب والجبر 
والهتدسة . 

(1) جاير بن حيان : كتاب اليحث ( مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم 7141 ) 
تسمخ سنة 1140 عن نسخة الآستانة . ص ١6‏ . 

(؟) المصدر السايق : ص 55 . 

(4) مصطفى لبيب عبد القنى : الكيمياء عند العرب ٠‏ طبع القاهرة سنة 15571 ص 78 . 

(0) كتاب البحث : ص ١١5‏ من المخطوط . 


1 


وطول آخر كذلك يقول " إن الحرف الواحد لا ينطق به فكذلك لا يمكننا وزن طبع واحد 
إلا بإضافته إلى طبع آخر "(1) 

وقد بلغ جابر بن حيان فى الإحساس بمشكلة القياس العلمى حدا مذهلا بالنسبة 
للعصر الذى وجد فيه . فقد حاول أن يثيت إمكان قياس الطبائع وتحديد مقدارها وهى 
يذهب إلى أن الأجسام لا تختلف فيما بينها إلا باختلاف نسبة الطبائع البسيطة المكونة 
لها(") كما يعرض فى مواضع كثيرة من كتاب البحث للرأى القائل : إن الكيفيات لا 
توزن , لأن الخفيف والثقيل هى الأجسام لا الكيفيات ولأن الطبائع أعراض ووزن 
الأعراض محال . 

يقول جابر ' إن أقدار الطبائع إنما تؤخذ من أقدار أجسامها الحاملة لها لأن 
الأعراض والكيفيات لا أوزان لها وإنما جعلت مراتب ودرجات وأمثال ذلك . والأوزان 
إنما تكون فى بعض أقسام الكمية ... وللناس ها هنا خلاف عظيم وذلك أن بعضهم 
قال : إن الطول والعرض والعمق ذوات أوزان وكذلك فى الخط والسطر . قالوا : وإلا 
فمن أين للجسم ثقل ووزن لى أن هذه لا وزن لها لأنه من المحال أن تكون هذه لا أوزان 
لها . وهى الأوزان والأصول التى تركب منها الجسم ولو جاز أن تكون هذه بلا أوزان 
لجاز أن يكون الجسم لا وزن له . ورد علده.م القول فقالوا : إن الجسم بذاته ليس له ثقل 
ولا خفة وإنما يصير ثقيلا وخفيفا بالطبائع التى تحمل عليه فقالوا لهم فى الطبائع فى 
ذواتها لا أوزان لها فهو ليس بذى وزن أعنى ثقلا ما فقال القوم أنه ذهب عليكم معنى 
الخفيف والثقيل ما هو وإنه نسبة الشئ إلى المكان فقط (2). 

ويقول جابر معقيا على ذلك: ' وقد وجدنا نحن طريقا نستدرك به علم طبائع 
الموجودات على حقائقها وأوزان مافيها ونسب أفرادها (؟) وعلى ذلك فالوصول إلى 
معرفة الطبائع هى ميزانها ' فمن عرف ميزانها عرف كل ما فيها وكيف تركبت " *) 
ومعنى هذا أننا لا نصل إلى معرفة الماهية . معرفة الكيف , بل نصل فقط إلى وزن 
الطبائع أى معرفتها كما وهذا ما يطابق فى الاتجاه العلمى الحديث معرفة العناصر 
عن طريق وزنها النوعى » فمعرفة الأوزان النوعية والكثافة يتيح لنا تحديد صفات 
العناصر المختلفة عن طريق قانون الأوزان المتكافئة - كما أشرنا - وقد استعمل 
المسلمون فى الكيمياء أوزانا متفاوتة وحرصوا إلى أبعد الحدود على ذكر الأوزان 
المتفاعلة عند إجراء تجاريهم الأمر الذى لم ينتبه إليه علماء أوروبا إلا يعد ستة قرون (") 


. 551 كتاب التصريق ( ضمن مجموعة بول كراوس ) ص‎ )١( 
. 58 (؟) مصطقى لبيب عبد الغنى / المصدر السابق ص‎ 
. (؟) كتاب البحث : ص 54 من المخطوط‎ 

(8) نفس المصدر / ص 50 . 

(0) نفس المصدر /ر ص 55 . 

(1) مصطفى لبيب عبد القنى / المصدر السابق ص 1١‏ . 


لع 


وأورد جابر بن حيان فى كتاب ' الأحجار على رأى بليناس ' )١(‏ مجوعة من الأوزان 
الشهيرة التى استخدمها العرب فى بحوثهم الكيميائية مثل : 

الرطل > ١١‏ أوقية ش 

الأوقية - ر/ مثاقيل 

المثقال - ل ر؟ادرهم 

الدرهم 6"٠-‏ دانق 

القيراط ‏ ل رء حبة 

كما اخترعوا آلات لاستخراج الوزن النوعى لكثير من المعادن والأحجار الكريمة 
كما توصلوا إلى اختراع ميزان غريب أسموه " الخازن "7) يزن الأجسام فى الهواء . 
نظرر ية جابر فى تكو ين المعادن : بممعط) مماأجصممء لقامك/3 : 

حقق جابر تقدما على اليونانيين فى نظريته عن طبيعة المعادن ؛ فعلى حين قال 
اليونانيون بالطبائع الأربعة والكيفيات الأربعة » قال جابر بتكائف عنصرى الدخان 
والبخار 516325 721629 30 016 [83:8 فى باطن الأرض وكيف يتكون عنهما 
النظرية تقارب إلى حد بعيد نظرية الاتحاد الكيميائى الحديثة التى قال بها دالتون 
الكيميائى الإنجطيزى المعروف ( ٠ ١757‏ 1454م ) من أن الاتحاد الكيميائى يكون 
باتصال ذرات العناصر المتفاعلة بعضها مع بعض ومضمون النظرية عند جابر هو أن 
جوهر المعدن زثبق انعقد بكيريت ؛ وأن المعادن تختلف فيما بينها باختلاف نسبة اتحار 
الزئيق بالكبريت وهو اختلاف فى أعراضها المتفيرة . يقول جابر " إن الأجساد كلها 
لاختلاف أغراضها * ”) 





. ١45 مختارات يول كراوس ص‎ )١( 

(؟) الخوارزمى ( الأديب ) : مقاتيح العلوم . طبع مصر سنة 1147ه ص 151 وما بعدها , 

(1) جابر ين حيان : كتاب الإيضاح ( ضدمن مختارات هوليارد » طبع بأريس سنة 1558 . المجلد الأول الجزء : الأول 
ص 1ه 0 


54 


فكأن سبب اختلاف المعادن بالكيفيات والألوان يرجع إلى اختلاف مقدار الكبريت 
والزئبق الموجودين فى كل واحد من المعادن السبعة وهى ( الذهب - الفضة - التحاس 
- القصدير - الحديد - الرصاص - الخارصين ) . 

فالذهن دق راك شادن د واندلة كقين من الؤقية اللليف» وفليل .من القبرية 
الصافى , والنحاس فيه من الزئيق بمقدار ما فيه من الكيريت وكلاهما نحاس لم يبلغا 
الغاية فى اللطف ولا فى الصفاء . والقصدير فيه كثير من الكبريت الردئ وقليل من 
الزئيق الغليظ وهكذا * )١(‏ . والكبريت والزئبق مادتان افتراضيتان ليستا مرادتين على 
حقيقتهما فى الطبيعة وإنما الزثبقية فى اصطلاح جابر فى العتصر الأصلى فى 
المعادن والباعث على جلائها وانطراقها , أى للخاصية المعدنية قيها . والكبريتية تدل 
على العنصر المحترق والمكون . واتحاد هذين العنصرين لا يؤدى إلى تكوين مادة 
جديدة فالذى يحدث هى إغلال هاتين المادتين إلى رقائق صغيرة تمتزج بيعضهما 
ويتحدد نوع العنصر المتكون تبعا لنسبة ومقداى الخلط بين ذرات العنصرين . 

ويفسر جاير فى كتايه ( مختصر الأكسير الكامل ) المترجم إلى اللاتينية هذا المعتى 
يقوله : 

' الشمس يعنى الذهب تتالف من الزئيق اللطيف , ومن قليل من الكبريت الصافى 
الواضح » الذى له إحمرار فاتح . وحيث لم يكن لهذا الكبريت لون واحد » بل كان 
بعضه أعمق من بعض , نشأ عن ذلك أن بعض الذهب أشد إصفرارا من يعضه 
الآخر ... فإذا الكبريت غير صماف , غليظا ٠‏ أحمر » بكيفية يكون منها الواحد لا أقل 
ولا أكثر من الآخر , تشكل من هذا المزيج الزهرة ( التحاس ) . وإذا كان الكيريت قليل 
وبياض ناصع . وكان الزئيق غير صاف , وبعضه ثابت ويعضه طيار ؛ ولم يكن له إلا 
بياض غير كامل , تشكل من هذا المزيج المشترى ( القصدير ) . * (" 


عه »ل 


وقد قسم جابر واتباعه من الكيميائيين المعادن المتكونة إلى دنيئة أى خسيسة وأخرى 
نفيسة أو ثمينة ( المعادن الدنيئة هى المعادن المتصفة بالتغير - أما المعادن النفيسة 
فهى المعادن المتميزة بالثبات على مقاومة التغير بالعوامل الجوية ) ' فالحديد 
والرصاص والقصدير والنحاس والخارصين كلها معادن سريعة , ولا ثبات لها على 
مقاومة العوامل الطبيعية فتتاثر بالتعرض للهواء الرطب والماء » وتتأثر بالحوامض 

الكيميائية وجميع هذه المعادن تتغير وتصدأ . ولذا سميت المعادن المتقدم ذكرها 
بالمعادن الخسيسة أو الدتيئة أى الناقصة أو غير الشينة , بخلاف الذهب والفضة فإنهما 


6 ص‎ ٠ روحى الخالدى : الكيمياء عند العرب , طبع القاهرة سنة 1565م‎ )١( 
١؟5 د . جلال موسى : منهج البحث العلمى عند العرب » ص‎ )١( 


غ: 


لا يتغيران بالعوامل الجوية أى لا يصدأن ولا تؤثر فيهما الحوامض الكيميائية إلا ما 
ندر منها "(1) 

وقد عمل ينظرية جاير فى تكوين المعادن عدة قرون ؛ حتى ! ترن الثامن عشر 
وكانت نواة النظرية التى تلتها وهى نظرية الفلوجستون ٠‏ وهى القائلة بأن كل المواد 
القابلة للاحتراق والفلزات القابلة للتاكسد تتكون من أصول زتبقية وكبريتية وملحية."(") 

وعن نظرية الفلوجستون 186057 5]08نع10ط2 يقول هوليارد " أن هذه النظرية 
وصقت بأنها الدليل والمصباح المنير للكيماويين فى القرن الثامن عشر , كما وصفت 
أيضا يأنها درة العصر والكلمة الأخيرة قى خلال أكثر من نصف قرن . هذه النظرية 
كانت المولود المباشر لنظرية جابر فى تكوين المعادن . "9) 

وقد أطلق علماء عصر النهضة فى أورويا فى القرن الثامن عشر من أمثال جوهان 
بيشر:866 وجورج أرنست شتال 51381 على نظرية الفلوجستون بأنها النظرية 
المعبرة عن استخراج المعادن من أتربتها ( كلساتها ) (؟) ثم ردها إلى هذه الكلمات .. 
فإذا أضيف الفلوجس تون إلى الكلس تكون الفلز , أى المعدن , وإذا انتزع هذا 
الفلوجستون من المعدن عاد إلى الكلس * () فالفلوجستون عندهم هى قالب الكلس إلى 
قلز ( كلس - فلوجستون ( من الفحم البلدى ) - فلز ) ( فلز يسخن فى الهواء 
- كلس + فلوجس تون ( يخرج قى الهواء ) . قكأن الفكرة الرئيسية فى نظرية 
الفلوجستون تكمن فى أن كل المواد القابلة للاحتراق تحتوى على عامل مشترك يخرج 
أثناء عملية الإحراق . (7) 

ويقول الدكتور مور تعقيباً على هذا النوع من عمليات الاحتراق: " إن الأكسجين 
شرط لازم لعملية الاحتراق » ويؤكد على أن جابر أدرك ذلك » وإن لم يتوفر له فرصة 
اكتشاف الاكسجين إلا أن سبقه فى اكتشاف نظرية القلوجستون يعد ممهدا لاكتشاف 
بريستلى 271650169 لغاز الأكسجين فى عام ؛/الاام . 


+ ريحى الخالدى / المصدر السايق ص 77 . ويلاحظ أن الذهب لا يذاب بالماء الملكى ( حامض الأيدروكلوريك‎ )١( 
. أما فى الزئيق فيمتزج به امتزاجا . ويسمى مملقم الذهب‎ ٠ ) حامض الأزوتيك‎ 
. (؟) د . عبدالحليم متتصر : أثر العرب والإسلام فى النهضة الأورويية ص /71؟‎ 
)3( لماكتسعط0 1ه دمع 5421 : ل . 8 لمدنزتمام8‎ ) 04010 1946 ( 2 142 . 
كلس الفلز هو الرماد الناتج من عملية الاحتراق المباشر للفاز . وعملية التكليس هى عملية كيميائية تهدف إلى‎ )( 
. تخليص الفلز من الشوائب عن طريق عملية الصهر وقد مارسها جاير ين حيان والرازى ومن بعده‎ 
. ؟؟١ جيمس كوتائت : مواقق حاسمة فى تاريخ العلم ص‎ )0( 
)6( عرولا سواط ) مأكأسعغط) 01 لررماكتطة : 1 . 7 عرموكة3‎ 1939 ( 


ثانيا: البصريات ( بحوث الضوء ) 

تعتبر إنجازات الحسن بن الهيثم فى هذا المجال , من أهم ما يمكن أن نعتبره 
إضافة منهجية واضحة للطريقة العلمية فى مجال بحوث الضوء واليصريات . 

والمنهج الذى ننسبه لابن الهيثم ونعتبره صاحب الفضل منه هو منهج تطبيق 
الرياضة على الظواهر الطبيعية فى علم اليصريات 1 

يقول ايفز هوارد فى كتابه ' مقدمة فى تاريخ الرياضيات ' أن ابن الهيثم الذى 
عاش فيما بين 5365 ميلادية إلى وقد اشتهر بنظرياته المعروفة لدينا نحن 
الرياضيين برسائل ابن الهيثم » ويدون شك أنه أعظم رياضى مسلم فى ذلك العصر ء 
وأعظم فيزيائي مسلم فى جميع العصور . وفضله لا ينسى بحكم مؤلفاته المشهورة 
بالبصريات'(١)‏ 

فقد استطاع اين الهيثم أن يعبر عن مشاهدته التجريبية فى نفوذ الشعاع فى 
الجسم المشف على سموت مستقيمة بطرق رياضية بيين مسار الشعاع ثم انعطافه فى 
الأجسام المختلفة الشفافية . وقاس الزوادا الناتجة عن هذا الانعطاف . 

يقول ابن الهيثم ' أن كل ضوء يشرق على جسم مشف فإنه ينفذ فى ذلك الجسم 
المشف على خطوط مستقيمة والوجود يشهد بذلك ثم إذا أمتد الضوء فى الجسم المئشف 
وانتهى إلى قسم آخر مشف مخالف الشفيف للجسم الأول الذى امتد فيه وكان مائلا 
وكان على سطح الجسم الثانى انعطف الضوء ولم ينقذ على استقامة ... والانعطاف 
يكون على زوايا مخصوصة " 77) 

ومعتى هذا أن الحسن بن الهيثم اتخذ من المنهج الرياضى أداة لتقرير جملة مسائل 
فى الضوء كعلاقة الزاوية بطبيعة الوسط . الذى ينعكس من خلاله الضوء وإن هناك 
علاقة طردية بين سعة الزاوية وطبيعة الوسط . 
مسألة الحسن 8]451237 لث 5ه دمءاطه:م 156" 

يتطرق ابن الهيثم بعد ذلك إلى معالجة موضوع تعيين نقطة الانعكاس فى أحوال 
المرايا المختلفة ( الكرية والاسطوانية والمخروطية المحدبة منها والمقعرة ( واستخدم 
الهندسة إلى أبعد الحدود فى حلول الكثير من القضايا المعقدة المتعلقة بالضوء . 

يقول ابن الهيثم لقد " قدمنا الأصول التى يستعملها المهندسون فى جميع أنواع 
المرايا ليهتدى إليه من التمسه ويدركه كل من رأيه المقدمات المتفق عليها .(9) 

0 . 2 15] 84211233 ك0 1115107 معطا 0) مه10م 7:00 نامث : 1108350 ,و89 (1) 

(؟) الحسن بن الهيثم : رسالة الضوء ( ضمن مجموعة الرسائل ) , طبع حيدر آباد الدكن سنة /ا78١ه‏ . ص75 ١1,‏ , 
() الحسن بن الهيثم : رسالة المرايا . ص ؟ , 


5ه 


لذلك نراه يعنى أولا يوضع عمليات هندسية » هى فى ذاتها على جانب من الصعوية 
والتعقيد ذكرها وبين كيفية إجرائها ووضع لها البراهين المضبوطة )١(‏ وذلك كله على 
أساس هندسى صحيح ثم اتخذ هذه العمليات الهندسية مقدمات إلى الحلول التى 
أرادها لتعيين نقطة أى نقاط الانعكاس . ولم يقف عند هذه الحدود بل ساق لتلك الحلول 
براهينها الهندسية وعلى هذا فبحوثه ٠‏ كما يقول الأستاذ مصطفى نظيف يمكن النظر 
إليها كوحدة واحدة تتكون من قسمين : أحداهما المقدمات الهندسية والثانى الحلول 
العامة المبنية على تلك المقدمات . 

وهذا ما طبقه ابن الهيثم فى المسألة التى مازالت تعرف باسمه حتى الآن . 

ومضمون هذه المساألة * إذا فرضت نقطتان حيثما اتفق أمام سطح عالى فكيف 
نعين على هذا السطح نقطة بحيث يكون الواصل منها إلى أحدى النقطتين المفروضتين 
بمثابة شعاع ساقط والواصل منها إلى الأخرى بمثابة شعاع منعكس "9') 

ويقول الدوميدلى: ' إن هذه المسالة تحتوى على معادلة من الدرجة الرابعة وقد حلها 
ابن الهيثم بواسطة تقاطع دائرة مع قطع مخروطى زائد " 9 . 

والمسالة سهلة بسيطة إذا كان السطح مستويا . ولكن تزول عن المسالة هذه السمة 
من السهولة فى أحوال السطوح غير المستوية وقد وضع الحسن بن الهيثم فى كتابه " 
المناظر " حلولا للمسألة من جميع نواحيها الخاصة والعامة وأورد حلا عاما لكل نوع 
من أنواع المرايا الكرية والاسطوانية والمخروطية المحدبة منها والمقعرة . 

وبذلك يكون قد تفوق على ما حققه بطليموس فى بحث تعيين نقط الانعكاس عن 
المرايا فيما سبق . 

والمسالة تحتوى على ست مقدمات ٠‏ وأريع عمليات هندسية بيراهينها المحكمة ولا 
يتسع المجال هنا للدخول فى تفصيلاتها . (:) ولقد تناول هذه المسألة والتى تبدى فيها 
براعة ابن الهيثم الرياضية . 

- كثيرون من آساطين الغرب بعد عصر النهضة , أمثال هويجنز فى القرن السابع 
عشر الميلادى الذى عاش بين عام ( 1575 . 1516م ) وقد أعطى اهتماما كبيرا 
للمسالة - وكذلك العالم الإنجليزى إسحاق بارى الذى عاش فيما بين ( 177٠0‏ - 
1177م ) وتوفر على بحث المسألة من جوانيها المتعددة .(0) 





(1) مصطقى نظيف : الحسن بن الهيثم بحوثه وكشوفه اليصرية ج؟ , طبع مصر سنة 1157م ,ص 155 . 


المحيط ويرسمان زاويتين متساويتين مع الخط العمودى فى تلك النقطة . 

(1) الدومييلى : العلم عند العرب وآثره قى تطور العلم العالمى , ترجمة عبد الحليم التجار» القاهرة سنة 1537 , صن .؟. 
(4) راجع : ممصسطفى نظيف : المصدر السابق ج؟ ص 457 وما يعدها . 

(0) د . على عيد الله الدفاع : نوايغ علماء المسلمين فى الرياضيات . نيويورك 1514م ص 159 . 


0 


وعلى ذلك يتضح أن اين الهيثم كان عالما بالمعنى المعاصر فى أبحاثه اتخذ من 
التجربة سبيلا إلى تقرير فروضه والتثبت من صحتها كما جعل من المنهج الرياضى 
وسيلة لإثبات صدق ما يتوصل إليه من نتائج فجاءت أبحاثه فى جملتها معبرة عن عقل 
القرن العشرين لرجل عاش فى القرن العاشر المبلادى . )١(‏ 


ثالفا : الميكانيكا والايدرر و ستاتيكا 

أولا : الميكانيكا : 

عرف المسلمون علم الميكانيكا , وأطلقوا عليه اسم ( علم الحيل ) وقد قسموه إلى 

' القسم الأول منه يبحث فى جر الأثقال بالقوة اليسيرة وآلاته والثانى فى آلات 
الحركات وصنعة الأوانى العجيبة "(9) 

كما أدركوا القواعد الأساسية فى علم الميكانيكا وعلم الايدروستاتيكا الذى عرفه 
المسلمون بأثه " أحد فروع علم الميكانيكا وهى العلم الذى يبحث فى توازن الوسائل , 
وفى ظواهر صعود مياه الفوارات والعيون إلى أعلى » وشرح تجمع مياه الآبار بالرشح 
من الجواني " 9) 

وسوف نعرض فى هذا الجانب لبحوث المسلمين البارزين من أمثال الحسن بن 
الهيثم فى بحوث الميكانيكا . والخازن فى بحوث الايدروستاتيكا . 

تنبه الحسن بن الهيثم إلى أهمية عرض نظرية انعكاس الضوء بطريقة ميكانيكية 
فافترض أن الضوء شئ مادى ينعكس من الأجسام المصقولة . كما ترتد الكرة من 
الجسم الصلب عند اصطدامها به . 

ويقول الدكتور الدفاع ' من المؤسف حقا أن الكثيرين من علماء الغرب يدعون خطأ 
أن إسحق نيوتن العالم الإنجليزى والذى عاش فيما بين ( 1145 ٠‏ /الالا١ام‏ ) هى 
مبتكر النظرية " (؟) وهى ليس فى حقيقة الأمر إلا مجرد ناقل لها بل مسبوق بما لا 
يدع مجالا للشك بما أثيته الحسن بن الهيثم فى هذا المجال . 


3 . 12 . آم ( 1969 ههلومآ ) متلرتف0 ما عمتاموسدث : . 0 . لذ عأطاسه0 (1) 
(؟) مصطقى نظيف : علم الطبيعة » نشؤه ورقية وتقدمه الحديث ‏ طبع القاهرة سنة 1511م ص ؟؟ , 
(4) د . على عبد الله الدقاع / المصدر السابق صن ١460‏ . 


07 


- تفاصيل النظرية : 

افترض الحسن بن الهيثم أن انعكاس الضوء يمكن أن يمثل له بمثال ميكانيكى 
فنحسيتن 

الاعتبار الأول(') : يسقط المعتير كرة صغيرة ملساء من الحديد أى النحاس فى 
موضع مرتفع على مرآة مستوية من الحديد ثم يتأمل الكرة عند لقائها المرآة ويعده 
وابن الهيثم فى وصفه هذا الاعتبار يرى ألا يكون وزن الكرة أكثر من مثقال , وألا يقل 
الارتفاع عن عشرين ذراعا , وبين أن الكرة بعد لقاء المرآة ترجع إلى جهة العلى ثم 
تهبط إلى جهة السفل , وإنها إذا ألقيت من مسافة أكير كان انعكاسها عن المرآة أقوى 
وإلى مسافة أبعد , وإذا ألقيت من مسافة أقرب كان رجوعها أقل 9) . وهذه التجربة 
بالرغم من بساطتها نجدها من التجارب التى لا يزال فى الوقت الحاضر يمهد بها إلى 
دراسة تصادم الأجسام فى كثير من الكتب حتى الحديثة منها . 

الاعتبار الثانى : يتلخص فى أن نجعل المرآة المذكورة فى الاعتبار الأول على سطح 
الأرض بحيث يكون سطحها رأسيا ثم تقذف الكرة نحو المرآة بقوة . ويقترح ابن الهيثم 
أن نجعل الكرة ( فى رأس سهم قوس من التى تقذف الحصى ) وتقذف يقوة بحيث 
تكون حركتها أولا على استقامة العمود القائم على سطح المرآة » وثانيا على استقامة 
خط مائل على سطح المرآة » وموان للأفق » يتأمل المعتبر الكرة فى الحالتين . وابن 
الهيثم قى بيان ما يشاهده فى الحالة الأولى يقول بلفظه " قإنه ( أى المعتبر ) يجدها 
ترجع على العمود نفسه القائم على سطح المرآة » ويكون ذلك يدرك ( كذا ) بأن يدرك 
الكرة عند رجوعها موازية للأفق » ثم لا تلبث الكرة بعد هذا الرجوع حتى تهبط إلى 
أسفل " (7) 

ويقول فى بيان ما يشاهدة فى الحالة الثانية ' فإنه يجدها ترجع فى الجهة المقايلة 
للجهة التى فيها الرامى . ويجدها قى أول رجوعها متحركة على خط مواز للأقق ومائل 
على سطح المرآة ميلا شبيها بميل السهم عند تفويقه إلى المرآة » ثم لا تلبث الكرة حتى 
تهيط إلى جهة السفل للقوة الطبيعية المحركة لها إلى أسفل . وكلما كانت حركة القاذف 
أقوى فإنه يجد رجوع هذه الكرة أقوى وإن اعتبر هذا المعنى بجسم غير المرآة ويكون 
فيه بعض اللين كالخشب أو ما يجرى مجراه وخبر رجوع الكرة بقوة دون القوة 
الأولى"(4؟) 
)١(‏ الاعتيار : التجرية , والمعتير : المجرب . 
(؟) د . على عبد الله الدقاع . مصدر سايق ص ١79‏ . 


(؟) مصطفى تظيف / الحسن بن الهيكثم .. من ١77‏ . 
(4) تقس المصدن : تقس الموضيع . 


6 


وشرح هذه الطريقة رياضيا يكون على النحى التالى : 

لنفرض أن 1 ب مانع ذا مقاومة 
قوية فإذا رميت الكرة من نقطة ج 
فى الاتجاه الأفقى (الزاوية .5 
درجة ) فإن الكرة لا تمر من نقطة 
ن» بل ترتد يعد الاصطدام إلى 
نقطة ح أما إذا قذفت الكرة من 
النقطة ه فإنها لا ترتد إلى النقطة 
ه أو إلى نقطة ج بل ترتد إلى نقطة 
ى' بحيث تكون زاوية ه ن ح - 
زاوية ح ن و . 

وتفسير ارتداد الكرة فى المثال 7 
السابق مكون بتأثير قوى ( المانعة / 
والمدافعة ) (') فحركة الكرة عند لقاء المانع عند ؟ تكون مركبة من مركيتين أحداهما 
فى اتجاه ن ب والأخرى فى اتجاه ن د ؛ والمركبة فى اتجاهن ب يستدل بها من جراء 
الممانعة حركة فى اتجاه ن أ فإن كانت الممانعة فى الغاية كانت الحركة المكتسبة ن أ 
مثل الحركة الأولى فى اتجاه ن ب . أما المركبة فى اتجاه ن و فتيقى على حالها . وإذن 
تعتبر الحركة الحادثة مركبة من حركتين إحداهما فى اتجاه ن أ » وتساوى المركبة 
الأولى فى اتجاه ن ب والأخرى المركبة الثانية فى اتجاه ن د ولذلك ترتد الكرة يعد 
التصادم على استقامة ن » بحيث تكون زاوية ه ن حه - زاوية ح ن و . 





ونستنتج من التجريتين السابقتين يعض المعانى الميكانيكية الهامة : 

اوه : استعمل ابن الهيثم اصطلاح ( قوة الحركة ) فى المثالين السابقين بمعنى من 
قبيل الكم . وهذا بالنسبة إلى معلوماتنا فى الحاضر ' إما أن يكون من قبيل معنى 
(كمية الحركة ) أو من قبيل معنى ( طاقة الحركة ) لأنه ينص على أن ( قوة الحركة فى 
الجسم الهابط هى بحسب مسافة الهبوط ويحسب الثقل . وإنها فى المتحرك فى الاتجاه 
الأفقى يحسب قوة قذقه "9) 


)١(‏ الممائعة : معنى كمى يمثل القوة الموجودة فى الأجسام ؛ والتى بعقتضاها يكون رجوع الجسم المتحرك عنها بحركة 
قوية أو ضعيفة - وهو ما يعرف حاليا يأسم ( معامل ارتداد ) - أما المداقعة قهى كمية القوة التى يكتسبها الجسم 
المقنوف أثناء حركته , وهو ما يعرف حاليا يإسم ( طاقة الحركة ) لاحظ : مصطفى تظيف / المصدر السايق 
من5؟١‏ . 

(؟) مصطفى نظيف / المصدر السابق ص 4؟١‏ . 


656 


ومن المعلوم أن التمييز بين معنى كمية التحرك ومعنى طاقة الحركة لم يكن قى مبدأ 
الأمر سهلا ميسورا . ' وإنه أتى حتى فى تاريخ علم الميكانيكا الحديث التبس فيه 
المعنيان» وقام من جراء ذلك خلاف ظل نصف قرن أو يزيد بين مذه ب ديكارت ( 1695 
- ٠110م‏ ) الفليسوف الرياضى الفرنسى ٠‏ وبين مذهب ليبنتز ( 13155 - 115١م‏ ) 
الفليسوف الرياضى الألمانى " )١(‏ 

ثانيا : استخدامه لإصطلاح الممانعة ' للتعبير عن قوة الممانعة فى قوة السطح 
العاكسء وهذا المعنى يتفق إلى حد كبير والفكرة الأساسية فى التجارب التى أدت 
بنيوتن إلى فكرة ( معامل الارتداد ) التى أدخلها عن تصادم الأجسام وكان ابن الهيثم 
يعبر عن المعنى المقصود بمعامل الارتداد بقوله ( القوة الممانعة )() , 

ثالفا : يستنتج ابن الهيثم من تخيله للحركة ياعتبارها مقدار موجه قايل للتحليل 
والتركيب أن انعكاس الضوء يكون بزاوية مسادية لزاوية السقوط () لأنه يتولد من 
الحركة العمودية وعن ممانعة الجسم الصقيل - كما رأينا فى التجرية - حركة عمودية 
مساوية فى الاتجاه المضاد . 

رابها : أدرك اين الهيثم معنى قانون " القصور الذاتى " وهو قانون نيوتن الأول 
الذى يعد من الدعائم التى يقوم عليها علم الميكانيكا الحديث . والقانون ينص على أن 
الجسم يستمر فى الحالة التى هو عليها من سكون أى حركة مطردة فى خط مستقيم 
ما لم تضطره قوة ما إلى تغيير تلك الحالة *9) 

وقد أدرك ابن الهيثم ما ينصب من هذا المعنى على اتجاه الحركة حيث تبين مثلا 
من وصقه حركة الكرة فى التجرية الثانية بعد ارتدادها من السطح , إذ يستدرك قائلا 
"ولا تلبث الكرة حتى تهبط إلى السقل للقوة الطبيعية المحركة لها إلى أسفل " (*) وتبين 
من أقواله التى يميز بها بين حركة الضوء وحركة الجسم المادى » فهى ينص صراحة 
على أن الضوء ليس قيه قوة تحركه إلى جهة مخصوصة ء وإنه إذا سار على سمت 
الاستقامة الذى أوجبه الانعكاس امتد إلى ذلك السمت غير منفرج عنه لعدم ما يوجب 





)١(‏ مصطقى نظيف / علم الطبيعة نشؤه وتقدمه البحث ص ”53 ؛ وببلاحظ أن اسحق نيوتن ( 41 - لالالاام) قد 
حسم معنى كمية الحركة 140111611102 وشرحها بعبارة 10011086 01 '(011322111) ويمكن الوصول إليها 
بضرب الكتلة فى السرعة ويمقتضاها توصل إلى قانون الجاذبية التى يمكن قيامها دموجب قوانينه الثلاثة فى 
الحركة. 

(1) نظليف /رالمصدر السايق . ص ١78‏ . 

(5) يلاحظ أن قاتون الإنعكاس الذى ينص على أن ( زاوية السقوط - زاوية الانعكاس ) كان معروقا قيل الحسن ين 
ألهيثم لدى ( بطليموس القلوذى ) ٠‏ وأضاف عليه ابن الهيثم ( أن تكون الزاويتين فى مستوى واحد ) وهذا عين ما 
توصل إليه العلم الحديث ( نظيف / علم الطبيعة س ”1 ) 

(5) د. محمود زيدان : الاستقراء والمنهج الطمى ص 114 . 

(5) نظليف / المصدر السايق ص ١44‏ . 


آم 


ذلك 7() فهو يدرك المعنى المذكور من القانون ويعزى خروج الحركة من الاستقامة إلى 
قوة الفعل . 

تلك أهم المعانى الميكانيكية التى قصدنا إلى إبرازها فى بحث ابن الهيثم البصرية , 
والتى تسجل له السيق فى تطبيق المعانى الرياضية على الظواهر الطبيعية وعلى نتائج 
التجرية . بيحيث يمكن القول بأن جهود العلماء بعده أصيحت مجرد إضافة للقواعد 
التى عالجها عالمنا المسلم فى مجال بحوثه الضوئية الميكانيكية . 

نال علم موازنة السوائل الايدروستاتيكا حظا كبيرا من الدراسة على أيدى علماء 
المسلمين وعلى اعتبار أنه فرع من قروع علم الميكانيكا . 

فنرى فى كتيهم أبحاثا إضافية خاصة با ميزان الايدروليكى الذى كان معروفا لديهم 
جيدا ببراهينه ونظرياته . ومن أشهر هذه الموازين نى الكفات الخمس أو الميزان 
القرن الثانى عشر للميلاد . 
مجال العلوم الطبيعية عامة » وعلم الهيدروستاتيكا خاصة وقال عنه سارطون ' إن 
أبحاثه تعد من أكمل البحوث وأجلها ومن أروع ما انتجته العقلية الإسلامية فى 
القرون الوسطى 0غ 

الأول : منها فى الكليات والمقدمات نحو الثقل والخفة . ومراكزالأثقال ومقدار غوص 
الأثقال وضغط السوائل والضغط الجوى وهى بحوث سبق بها تورشيللى ونويل وغيرهم 

واستخرجوا بها مراكز ثقل الأجسام بالطريقة المعروفة بين الأوروبيين بإسم 
معنطوةء0 (5) 

الثانى : * منه فى صيغة الميزان وامتحانه » وإثيات مراكز الفلزات والجواهر عليه .. 
وتحقيق الفلزات " *) وأبحاث هذا القسم تتعلق يما يعرف الآن بدراسات الكثافة 
)١(‏ نفس المصدر / الموضع نفسه . 

. 352 2 رعممعك5 05 وماوتط عطا 10 د«متاءنالهتامز : . 6 ومليدد (2) 

(؟) الخازن ( أبى الحسن على بن محمد ) : كتاب ميزان الحكمة , طبع حيدر آباد الدكن سنة 1745ه ص ٠١‏ . 
(4) على يوسق ( المهندس ) : بحث فى فلسقة الضوء ثلرة . 
() الخازن / المرجع السابق ص ٠١‏ . 


لاه 


النوعية للمواد » وقد عرض الخازن لآراء البيرونى فى هذا الجاني والخاصة يتحديد 
الكثافات التوعية لمجموعة من العتاصر والمواد . 

الثالث : ' منه يشمل على .. ميزان تسوية الأرض على موازاة السطح الأفقى .. 
والثوانى7) وأبحاث هذا القسم تتعاق بميزان التسوية الذى يعرف عند المساحين 
المسلمون وقلكيوهم لما عهد عنهم من شدة اعتنائهم بالآلات المساحية لتوزيع أراضى 
الزراعة . 

آما ميزان الساعات فإنه يشبه إلى حد كبير جهاز الكرومومتر 726165مهمعط©) 
والساعات الزمنية المعروفة لديتا فى هذا العصر " 9) 
حساب الضغط الجوي : 

حسب الخازن الضغط الجوى عندما بيحث عن علاقة ورّن الهواء الجوى يكثافة 
الهواء. ويقصد الخازن يالوزن هتا ما يعبر عنه بالضغط الجوى عع طم5هتام 
35 فيكون بذلك قد سيق تورشيللى - كما أوضحنا - بيخمسة قرون أى أكثر فى 
البحث فى الضغط الجوى . وبأن للهواء قوة رافعة كالسوائل ؛ وأن ون الجسم المغمور 
فى الهواء ينقص عن وزنه الحقيقى ٠‏ وإن مقدار ما ينقصه من الوزن يتبع الهواء (") 
وتلك الفكرة بنى عليها تورشيللى بحوثه فى حساب الضغط الجوى فعتده الضغط 
الجوى إذا صح أن يحمل عمودا من الماء طوله 4 قدما فهو لأن حامل عمودا من 
الزتيق طوله 4؟ - ١5‏ - '”/لا , مادام أن الزئيق أثقل من الماء ١5‏ مرة تقريبا . 


حساب الثقل النوعى ( الكثافة البوعية ) : 

وفى هذا المجال استطاع البيروتى ومن بعده الخازن التوصل إلى تقديرات دقيقة 
يقول عنها الدومييلى أنها من النتائج الطيبة التى وصل إليها العرب فى مجال الطبيعات 
التجريبية ' بلغة رياضية دقيقة حتى الرقم العشرى الرابع * وهى درجة من الدقة لا 
تختلف كثيرا عن تقديرها فى العصر الحاضر "9 ) , 

وقد استطاع البيرونى على هذا المثوال - إيجاد الوزن النوعى لثمانية عشر عنصرا 
أى مركبا من الأحجار الكريمة والمعادن بدقة فائقة جعلت كثير من الغربيين أمثال 


. ٠١ الخازن / المرجع السايق ص‎ )١( 

(1) على يوسق ( المهندس ) / المرجع السابق المقدمة ( ص ز / س) . 

(5) د . عيد الحليم منتصر : أثر الإسلام فى النهضة الأوروبية . ص 777 . 

(4) د . عبد الحليم متتصر : أثر الإسلام فى النهضة الأوروبية » ص 377" . ويلاحظ أن الثقل النوعى أو الكثافة النومية 
هو عبارة عن النسبة بين وزن حجم معين من المادة ووزن حجم مسا له من الماء المقطر فى درجة 4 مئوية. 


مه 


سارطون والدومييلى يثنون على طريقته ومهارته فى إجراء التجارب » حيث أشار 
البيرونى إلى التسبة بين حرارة الماء الحار والبارد وهى 41717ر ( ولم يكن ممكنا 
قياس درجة الحرارة بدقة حينذاك )١(‏ ويذكر هنا قائمة من عمل فيدمان 7667038 بين 
القيم التى حصل عليها البيرونى وهى بيانات محسوية إما بالذهب أو بالزئيق وإما 
بالزمرد أى البلور الصخرى ( الكوارتز ) والعامود الأخير من المقاييس الحديثة : 





ويلاحظ على هذا الجدول مدى تطابق قياسات البيرونى » فى الأوزان النوعية مع 
قياسات العصر الحديث . على الرغم من عدم تواقر الإمكانيات المعملية الموجودة فى 
وقتنا الحاضر ومنها اختراع الترمومتر على سبيل المثال . 


رابعا : علم الفلك 

كما تحدثنا عن علم البصريات مرتبطا بأبرز أقطابه وممثليه الحسن بن الهيثم » 
سنتحدث عن علم الفلك من خلال أكبر شخصية فلكية إسلامية هى أبى الريحان 
البيرونى ( ت ٠45ه‏ -48١٠م‏ ) حيث إن إنجازاته فى علم الفلك تضارع إنجازات 
ابن الهيثم فى علوم البصريات والمتاظر . 

يقول المستشرق ' نحا ' وعن البيرونى أنه " أعظم عقلية عرفها التاريخ , كان عنده 
إلمام بالمعارف الشاملة . فبرز فى الرياضيات والتاريخ .. كما عرف بمقدرته العجيبة 
على البحث والإطلاع 9) 


. 154 الدومييلى / المرجع السايق : ص‎ )١( 
. 5١١ د . على عبد الله الدفاع / المرجع السايق ص‎ )1( 


05 


ويعتير كتاب ' القاتون المسعودى فى الهية والتنجيم " من أعظم مؤلقات البيروتى 
كتيه عام ١47ه‏ - ١٠١١م‏ وسماه بذلك - أى القانون المسعودى نسبة إلى السلطان 
مسعود الغرّنوى )١(‏ 

وبعد هذا الكتاب أعظم موسوعة فى علوم الفلك . والجغرافيا والرياضيات ويشتمل 
قى مجموعها ؟5١‏ بايا . 

وللبيرونى مؤلفات أخرى تقارب الثلاثمائة مؤلف من بين كتاب ورسالة متها : 

. -الآثار الياقية عن القرون الخالية‎ ١ 

؟ - كتاب حساب المثلثات . 

"' - رسالة فى استخراج محيط الأرض 8 

؛ - الجماهر فى معرفة الجواهر . 

ه - كتاب تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات للساكن ... وغيرها . 

وقد أفاد الغربيون من مؤلفات البيرونى أيما إفادة باعتراف سميث فى كتابه تاريخ 
الرياضيات ( الجزء الأول ) حيث يقول ' إن البيرونى كان ألمع علماء زمانه فى 
الرياضيات و الفلك ٠‏ وإن الغربيين مدينون له بمعلوماتهم عن الهند ومآثرهم فى العلوم 
المختلفة "(5) 
منهج البيرونى العلمى : 

ظهر المنهج الرياضى فى البحوث الفلكية لدى علماء المسلمين . وخاصة عن العلامة 
العريى أبى الريحان محمد بن أحمد البيرونى الذى استطاع أن يترجم النتائج الفلكية 
التى حصل عليها من التجرية والرصد إلى لغة رياضية مستعينا بالبراهين الهندسية 
والحسابية قى صياغة هذه النتائج فى جداول فلكية دقيقة . 

والبيرونى يؤكد على قيمة التجرية الفلكية لتفسير ومعرفة الظواهر الطبيعية . فهى لا 
يرتضى فى منهجه العلمى إلا الممارسة الشخصيةلملاحظة الظواهر الفلكية توخيا 
للحقيقة والعلم الصحيح ' فإذا كان الحال على هذا وليس فيه غير التقليد بعد حصول 
الهداية للمقصود 3 والتهدى لآخذهة ممع الحرص على الحق والثيوت على الأمانة 
والصدق ء لم تسكن نفسيى إلى غير المشاهدة ' () فهو بذلك يقر مبدأ التجرية 
)١(‏ على أحمد الشحات : البيرونى ص 8/ 


(؟) البيروتى ( آبى ريحان ) : القانون المسعودى , طبع حيدر آباد الدكن سنة 1964 , ص 7١4‏ . 


36 


والمشاهدة والرصد , ولا أصدق على ذلك من تجريته الرصدية التى قام بها لقياس 
محيط الأرض وأورد ذكرها فى آخر كتابه فى الأسطرلاب . 
قياس محيط الأرض 

يقول البيرونى * وفى معرفة ذلك ( يقصد قياس محيط الأرض ) طرق قاثم فى 
الوهم صحيح بالبرهان والوصول إلى عمله صعب لصغر الأسطرلاب وقلة مقدار الشئ: 
الذى يبنى عليه فيه وهو أن نصعد جبلا مشرفا على بحر أى برية ملساء ونرصد غروب 
الشمس فنجد فيه ما ذكرناه من الانحطاط ثم نعرقف مقدار عمود ذلك الجبل ونضربه 
فى الجيب المستوى لمتمام الانحطاط الموجود ونقسم المجتمع على الجيب المنكوس لذلك 
الانحطاط نفسه ثم نضرب ما خرج من القسمة فى اثنين وعشرين أيدا ونقسم المبلغ 
على سبعة فتخرج مقدار إحاطة الأرض بالمقدار الذى به قدرت عمود الجبل ولم يقع لنا 
بهذا الانحطاط وكميته فى المواضيع العالية تجربة . وجرأنا على ذكر هذا الطريق ما 
حكاه أبى العياس النيريزى عن أرسطوق ليس أن طول أعمدة الجبال خمسة أميال 
ونصف بالمقدار الذى به نصف قطر الأرض ثلاثة آلاف ومئتا ميل بالتقريب فإن 
الحساب يقضى لهذه المعرفة أن يوحد الانحطاط فى الجبل الذى عموده هذا القدر ثلث 
درجات بالتقريب . وإلى التجرية يلجأ فى مثل هذه الأشياء وعلى الامتحان فيها 
يقول"(1) 

والتفسير الرياضى الحديث لطريقة البيرونى على النحى التالى : 

نفترض أن نقطة أ هى قمة جيل ما والمستقيم أ 
ه عموده ( أى أرتفاعه ) وهى خط يصل امتداد 
إلى التقملة ع التى فى مركن الأرضى لقم قرشم 
المستقيم ب ج عمودا على أ ع موازيا لأفق قمة 
الجيل ونرسم أيضا المستقيم أ د مماسا لمحيط 
الدائرة على النقطة د وحيث أنه يبرهن هندسيا 
على أن الخط المستقيم المماس لدائرة ما عمودى 
على نصف القطر الواصل إلى نقطة التماس إذن 
يكون أ د عمودا على ع د والمثلث أ ع د يكون قائم 
الزاوية فى نقطة د . أما زاوية ج أ د ( وهىر ما 
يسميها البيرونى انحطاط الأفق وهى أيضا تمام 
زاوية ع أ د أي إنها تعادل زاوية أ ع د . 





)١(‏ البيرونى : تحديد نهايات الأماكن لتصديح مسافات المساكن ‏ تحقيق د . ب بولجاكوف القاهرة سنة 195717 ص.2؟. 


53١ 


إلى نصف قطر الأرض ويحرف ف إلى ارتفاع الجيل ويحرف ن إلى الانحطاط ينتج 
من قواعد حساب المتلثات المستوية : 


0 5 0 3 55 اه 5 ر 
ن حا ع أ د - جتا ج أ د > جتا ن - نق دآع حدنق ارعاف 





نق رح حتا ن ( ر + ف ) > رجتا ن + ف جتا ن 

نق ر - ر جتا ن - ف جتا ن ٠‏ ر ( نق - جتا ن ) - ف جتا ن 

.د 0000 فاجتان 

0 

وهذه المعادلة الأخيرة هى قاعدة البيرونى . 

ويرى ( كارلى نيللينى ) " أنه مما يستحق الذكر أن البيرونى فى كتابه ( القاتون 
المسعودى ) فيما بعد أراد تحقيق قياس المأمون . 

فاحتان جبلا فى يلاد الهتن مقترفا على البحن وظى يرية مستوية - كم قا ارتفاغ 
الجيل فوجده هدر؟560 ذراع وقاس الانحطاط فوجده 4؟ دقيقة , فاستنيط أن مقدار 
درجة من خط نصف النهار 4ه ميلا على التقريب , فقال أن حاصل ضري امتحانه 
هذا التقريبى كقانا دلالة على ضبط القياس المستعصى الذى أجراه الفلكيون فى أيام 
المأمون )١("‏ 

ويفترك تلقو "يان فزاتن فلل المتنوق ” وتان * الديرون" حيط الأرس من 
الأعمال العلمية المجيدة المأثورة للمسلمين .” 
إثبات دوران الأرض حول محورها : 
حيث كان الرأى السائد حينئذ هو عدم وجود هذه الحركة واعتبار أن السماء تدور يمأ 
فيها من أجرام مرة واحدة كل يوم . وقد أيد البيروتى هذا الرأى . ولكنه خلال مناقشته 
لليراهين والأدلة أيد آراء يعض العلماء المسلمين الذين سبقوه إلى القول يدوران الأرض 
حول محورها وسرد آرائهم والاستدلالات الواردة على صحة رأيه وهى استدلالات يأخذ 
بها قى العلم الحديث (9) . فمن المعروف أنه لى كانت الأرض ساكنة ,. وسقط حجر من 
علو شاهق لأتخدذ مسارا رآأسيا بمتد إلى مركز الأرض . ولكن إذا كاتت الأرض 
المشرق . 
)١(‏ تيلليقو ( كارلو الفونسى ) : علم القلك تاريخه عند العرب فى القرون الوسطى . ص؟9؟ . 
(؟) د . محمد جمال الدين الفندى .د إمام إبراهيم أحمد : البيرونى , طبع مصر سنة 1574 ص 717 . 


11 


وقد أمكن قياس ذلك الانحراف فى العصر الحديث ولكن القدماء لم يثبتوه لصغر 
مقداره » وفى ذلك يقول البيرونى ' وأما أنا فقد شاهدت أحد من مال إلى نصرة هذا 
الرئى من المبرزين فى علم الهيئة لم يلتزم نزول الثقيل إلى الأرض على القطر عمودا 
عن يههها ».بل مدهرقا لى زايا سمعتقة /+لأن الرجل راى الذقيل النفصل عن 
الأرض حركتين : أحدهما دورية لما فى طبقة الجزء من ثقيل الكل فى خواصه : 
والأخرى مستقيمة لإنجذابه إلى معدته *() 

ولا يخفى ما لهذا الإنجاز العلمى من تأثيره على نظريات علم الفلك جميعها يقول 
الدكتور موريس كلاين فى كتابه تاريخ الرياضيات من الغابر حتى الحاضر " أن 
البيرونى أثبت أن الأرض تدور حول محورها مما ساعد على تطوير نظريات قليلة 
جديدة "(03) 


والبيرونى فى أثناء شرحه لدوران الأرض حول محورها يكشف عن قانون الجاذيية 
مثل أن يكتشفها نيوتن فى القرن السابع عشر ‏ وإن لم يتوصل البيرونى إلى صياغة 
هذا القانون بشكل رياضى كما فعل نيوتن . 

يقول البيرونى " ... منها جذب السماء للأرض من كل النواحى بالسواء . وذلك 
يبطل الجزء » ومنها المنفصل عنها , فإن ما يلحقه من الجذب من جهة الأرض افتر فلا 
محالة أن الخلاء الذى فى باطن الأرض يمسك الناس حواليها " 9) 

ويقول فى كتاب آخر : ' فحال الأرض من جميع جهاتها واحدة وكل من عليها 
فمنتصبون نحو العلى . والأشياء الثقيلة تقع إليها طيقا لما فى طبعها إمساك الأشياء 


وحفظها (؟) 

ويقول فى موضع آخر ' والأرض تمسك ما عليها لأنها فى جميع الجهات سفل 
والسماء فى كل الجهات على " (5) 
إثبات كرية الأرض 


يبرهن البررونى على كرية الأرض » ويسوق على ذلك الأدلة الصحيحة وأهمها , 
ظهور أعلى الجبال أولا للسائر نحوها , ثم ظهور باقيها بالتدريج حتى قواعدها , 


. ٠0 البيرونى : القانون المسعودى . جا ص‎ )١( 
, ١0- د . الدقاع / المصدر السابق ص‎ )1( 

(؟) البيرونى : القاثون المسعودى .جا ص 19 , 45 , 
(4) البيرونى تحقيق ما للهند من مقولة . ص ١51‏ . 
(5) نقس المصدر / الموضع تقسه . 


نذا 


وبالمثل رؤية سارية السفن فى البداية ثم يبدأ باقيها قى الظهور شيئا فشيئًا كلما 
اقتريت . )١(‏ ويسوق برهان آخر وهى أن ' القائم قى محل منكشف الأفق ليس فيه شئ 
يمنع النظر إلى جميع الجهات يرى الأرض دائما على صفة مستر مستديرن الحدود . 
قمن المعلوم أن الكرة هى الجسم الوحيد الذى يرى على شكل مستدير من أى جهة نظر 
إليه * .9) 
استخدام البيرونى لحساب المثلغات فى حل المسألة الفلكية : 

يعتير البيرونى أول من استعمل النسي المتلثية : 


جا - جيب جتا - جيب التمام ظا ع الظل 
قا - قاطع قتا - قاطع التمام ظتا ع ظل التمام 


وهى نفس الرموز المستعملة حاليا فى حساب المثلثات والفلك . 
وجداول حساب المثلثات التى تعتمد عليها الأرصاد والحسابات الفلكية . وقى تلك 
الأيحاث يظهر نبوغ الييرونى وتوخيه الدقة فى المسائل الرياضية والقلكية 9) . فتوصل 
إلى قوانين الاستكمال فى صورتها المبسطة , والتى نسبت إلى نيوتن وجريجورى من 
بعده بستمائة سنة . وكان توصله إلى هذه القوانين نتيجة للبحث فى دقة الجداول 
الزياضية ؛ وطرق استحدامها:: 

كذلك استطاع البيرونى إيجاد قيمة النسبة التقريبية وتحديدها بما يساوى 
(4117473٠ل؟‏ ) وهى نسبة قريبة من النسبة الحديثة وقدرها ( 6511١41ار5‏ ) , 

والنسبة التقريبية هى التى يرمز لها ب (ط) وهى النسبة بين طول محيط الدائرة 
ونصف قطرها 5 

نخلص مما سبق إلى أن إنجازات علماء المسلمين فى مجالات العلم الطبيعى 
المختلقة لم تجئ من فراغ , وإنما جاءعت نتيجة درايتهم الكاملة بمنهج العلم الاستقرائى 
القائم على استخدام التجرية المختبرية الدقيقة فقد رأينا المسلمين هم أول من اعتمدوا 
على التجرية وأسموها ( الاعتبار ) وقد جاء منهج جابر بن حيان كما رأينا معبرا عن 
ذلك أصدق تعبير. فقد عبر عنه الدكتور زكى نجيب محمود يأنه منهج لى كتب بلغة 
العصر لجاء معبرا أصدق تعبير عن الطريقة العلمية الحديثة 0 
)١(‏ البيروتى القاتون المسعودى جا .ص 148 :48 . 
(1) المرجع السايق . ص 49 . 


(؟) على أحمد الشحات : البيروتى ص 4؟1 . 
(4) انظر : د . زكى نجيب محمود : جاير ين حيان . ص 71-5٠0‏ . 


53 


بالإضافة إلى ذلك فقد فهم المسامون طبيعة الغرض العلمى وأنزلوه فى مكانته 
العلمية اللائقة . فقحققوا بذلك إمكانية الريط بين التصور العقلى فى مرحلة فرض 
الفروض ويين التجرية كمجال للتحقق من صدقها , وهو ما يعبر عنه فى المنهج العلمى 
الحديث بمرحلة الفروض الوصفية المثمرة التى تضيف الجديد إلى العلم . 

ويذلك فقد تكامل لدى علماء المسلمين الفهم الكامل لطبيعة مراحل الدليل 
الاستقرائى من ملاحظة وتجربة وفرض القروض وتحقيقها وهو ما يعبر عنه بتأسيس 
النظرية العلمية . 

وقد أدرك المسامون بروح ثاقبة أن منهج الاستقراء لا يقوى بمفرده على الوفاء 
بمتطلبات النظرية العلمية المتكاملة . لذا فقد استعانوا بالمنهج الرياضى فى التعبير عن 
نتائج التجرية بطريقة كمية مختصرة دقيقة . أدت إلى تطور مباحث العلم الطبيعي 
المغظفة - كما رآينا - وحقق نتائج طايقت إلى حد بعيد نتائج العلم فى الغفصر 


وهكذا نرى من كل ما أسلفناه أن المسلمين كانوا أصحاب نظرة علمية متكاملة تقوم 
على استخدام المناهج العلمية فى شتى فروع المعرقة . وخاصة فيما يتعلق بعلوم 
الرياضة والطبيعة . وكان مرد ذلك إلى ما تهي لهم من خصائص التفكير العلمى التى 
سبقوا يها عصرهم , وتميزوا بها دون من عاصرهم من شهعوب الأرض ٠‏ وكشفوا عن 
طريقها » عن كنوز من الحقائق ميزت تراثهم الأصيل المبتكر . 

والإضافات المنهجية السابقة الذكر فى مجال علوم الرياضيات والطبيعة تجئ أكبر 
شاهدا على مدى تضلع علماء المسلمين فى جوانب العلم المختلفة » وتؤكد مدى سبقهم 
إلى اكتشاف الطريقة العلمية بكامل مواصقاتها . تلك الطريقة التى لا تختلف فى شئ 
عن طريقة العلم الحديث فى معالجة قضاياه . والأمر الذى يستدعى الانتباه فى هذه 
الإضافات أنها عبرت عن روح المنهج العلمى الحديث وعن سياق الطريقة العلمية 
الحديثة التى تتخذ من لغة الكم لا الكيف وسيلة للتعبير عن نظريات العلم فى مختلف 
فروعه التى أنشأتها عيقرية الإنسان . 

والتقييم الغربى والمنهجى لمثل هذه الإتجازات العلمية الرائعة لعلماء المسلمين جاء 
فى أكثر من موضع على لسان المنصفين من المستشرقين الذين أرخوا للعلم الإسلامى 


536 


وخاضوا بين درويه معترقين قيه بالسيق والريادة لعلماء المسلمين » الذين اولاهم م 
استطاعت أورويا أن تنقض عن نفسها قبار التخلف ,ء وأن تفيق من سباتها العميق 
الذى غطت قيه قروتا . 

قالفضل كل الفضل ينسب إلى جهود علماء المسلمين الذين حاقظوا على التراث 
القديم الذى تلقوه عن الحضارات القديعة وحفظوه ؛ ثم أضافوا إليه كنوزا من الحقائق 
الأصلية الميتكرة التى لم تكن معروفة من قيل والتى اتتقلت إلى أورويا فى مطلع 
نهضتها فتحدثت التطور الهائل الذى نشهده الآن قى كل نواحى العلم والمعرفة . 


31 


نسق إسلامى لمناهج البحث العلمى 


د. أحمد فؤادباشا 


إن البحث العلمى واحد من أوجه التشاط المعقدة التى بمارسها العلماء باستقصاء 
منهجى فى سبيل زيادة مجموع المعرفة الحلمية وتقنياتها . لكن أغلب المشتفلين بالبحث 
العلمى فى مجال العلوم الطبيعية يعتقدون أن أى دراسات منهجية فى كيفية إجراء 
اليحث العلمى لا يمكن أن تأتى بفائدة تعادل التدريب الذاتى للباحث والاسترشاد 
بخبرات المتمرسين فى ميدان اهتمامه عند معالجة المراحل الفعلية فى البحث . أما 
المنظرون » من ناحية أخرى فيرون أن عملية البحث العلمى إذا ما تركت تماما التجارب 
الشخصية والممارسات العفوية المضيعة للوفت والجهد فإنها لن تؤتى أيدا كامل أكلها . 
ولهذا يسعى هؤلاء المنظرون ؛ من العلماء والفلاسفة والمناطقة إلى تحليل الطرق التى 
تمت بها الكشوف العلمية واستنياط بعض التعليمات من آراء العلماء الناجحين لتكون 
بمثاية قواعد عامة للإرشاد والتوجية أى مناهج فى البحث العلمى . ويطبيعة الحال . 
تتطلب فروع العلم المختلفة مناهج مختتلفة ٠‏ ومع ذلك فهناك بعض المبادئ الأساسية 
والأساليب الذهنية التى تشترك فيها أغلب أنواع البحث العلمى . ويطلق على العلم 
المعنى بطرائق ومناهج البحث فى العلوم للوصول إلى الحقيقة العلمية أو للبرهنة عليها 
اسم ' علم مناهج البحث 384615000108: وهى يندرج عادة ضمن موضوعات " فلسفة 
العلم التى اتسع نطاق اهتمامها فى العصر الحاضر ليشمل دراسة وتحليل كل ما 
يتعلق بالعلوم ولغتها وتطورها وتقنياتها من مختلف التواحى المعرفية والمنهجية والقيمية 
والانطولوجية والاجتماعية والتاريخية وغيرها وذلك يهدف التعرف على مكانة العلم فى 
حياتنا ودوره فى تكوين نظرة الإنسان الشاملة إلى قضايا الوجود والحياة . 

والطريقة المتبعة فى تكوين علم المناهج منذ نشأته إيان العصور الحديثة تتم عادة 
بالتتسيق بين خبرة العالم المتخصص فى علم من العلوم وبراعة الفيلسوف أو المنطقى 
الذى يبحث فى تطور العقل الإنسانى والتعرف على ملكاته المتعددة ؛ وينحى نحى 
التعميم واستخلاص الخصائص العامة للمناهج المتيعة فى فروع العلم المختلفة » ثم 
يحاول أن يصوغ نتائجه النهائية على هيئة مذهب فى العقل الإنسانى من حيث طبيعة 
اتجاهاته فى البحث عن الحقيقة . لكن الصورة المثالية لتحقيق ذلك التنسيق على أكمل 
وجة بين العلماء والفلاسفة المناطقة ظلت دائما بعيدة المذال وظهر فى هذه الأثتاء كثير 
من الخلط بين المفاهيم والرؤى التى جعلت معالم علم مناهج البحث غير واضحة تماما 
فى أذهان المثقفين ٠‏ ناهيك عن مواطن الغموض والقصور التى يزخر بها هذا العلم 
حتى بالنسية لمن يمارسونه بحثا وتدريسا وتاليقا. 


8 


ويكفى دليلا على بعض أوجه اللبس والقموض فى علم مناهج البحث يصورته 
الواقعية أن نشير إلى عدد من التساؤلات التى يثيرها فى الذهن استخدام ألفاظ * 
المنهج ' والمنهجية ' والأسلوب العلمى ' فى جانب كيير من الأدبيات الحديثة التى تعالج 
قضمايا الفكر الإسلامى . هل المقصود هو حصر معانى هذه الألفاظ ومدلولاتها فى 
إطار العمليات المنطقية الاستدلالية من قياس واستقراء واستنياط .....إلغ ؟ أم 
المقصود مجموعة الوسائل والخطوات الإجرائية التى يمارسها الباحث بالفعل , 
ويطوعها من مرحلة إلى أخرى خلال بحثه ؟ وهذه الوسائل تختلف يطبيعة الحال من 
علم إلى آخر ؟ أم يكون المقصود ' بالمنهج العلمى " تلك الطريقة الخاصة التى يسعى 
إليها كل يأحث ويستخدمها قى طرح وتناول المشكلات الموضوعية قيد اليحث ؟ وأمام 
فد التتساؤلات الثلاثة تبقى علاقة الذات بالموضوعية هى الأخرى موضوعا للاستفسار. 
هل يشترط أن يسقط الباحث أيديولوجيته على موضوع بحثه ويراعى الاتجاه النظرى 
الذى ينتمى إليه داخل هذا الميدان أى ذلك من ميادين المعرفة . وأن يكون واعما بالتزامه 
بمنظور فلسقى يختاره ويؤثره على غيره » ومتسقا فى بحثه مع مذهبه أى وجهة نظره 
قلا مكان للحيدة الفلسفية إزاء ما يطرح من قضايا أو مواقف ؟ أم أن الباحث وفق 
منهج علمى يجب أن يكون خالى الذهن من أى مذهب مسيق يمكن أن يؤثر على سير 
أيحاثه ؟ . 

ثم ما هذا اللبس والقموض والاضطراب الذى يتخلل أحاديث المفكرين الإسلاميين 
ويندشر فى ثنايا مؤلفاتهم عندما يخلطون بين ' المتاهج " بصيغة الجمع و" المنهج 
بصيقة المقرد ؟ وهل مالدينا هو منهج إسلامى واحد أم متاهج متعددة ؟ وأين هى " 
النموذج ' الإسلامى للمنهج العلمى الذى يمكن القياس عليه والرجوع إليه قى كل علم 
من العلوم؟ أى يمكن أن نعلمه لطلاب المدارس والجامعات العريية والإسلامية قى مقابل 
ما يدرسونه من نماذج وضعية منقوصة تدعى القدرة على تفسير حركة العلم والمعرقة 
وتزعم أنها لا تقطع الطريق على الابتكار لنظريات جديدة » رغم أنها فى حقيقتها 
تفرض رؤية معينة للأشياء وتحدد منطقا هلاميا للكشف العلمى ونطاقا محددا للخيرة 
الإنسانية. ومن أمثلة هذه التماذج ما يعرف ياسم " النموذج الكوهنى” دماغدصةتمطبك1 
و ' منطق الكشف العلمى ' لكارل بوير اللذين يروج لهما كثيرا كلما تطرق الحديث إلى 
نظرية العلم ومنهجه ؟ وهل صحيح ما يوهمتايه علماء ء المناهج من أن قضية المنهج 
العلمى قد بت فيها ولم تعد تحتاج إلى نظر جديد » وأنه ما علينا إذا أردنا أن نجنى 
ثمار البحث العلمى كما يجنيها غيرنا إلا أن نعرف ذلك المنهج الذى ألفوا ترديده 
منسويا إلى بيكون وميل وديكارت حتى أوشكنا على تصوره لائحة أو قائمة بالتعليمات 
والإرشادات التى لا ينبغى الانحراف عن تطبيقها وكأنها طائفة من الوصفات المجرية 


"4 


الناجحة ‏ يتعين على أى باحث الالتزام بها فى المجالات التى يريد دراساتها ويسعى 
إلى إدراك شئ عن حقيقتها؟. 

وأخيرا » ما السيب فى هذا الخلل الواضح الذى أصاب ميزان الانتاج الفكرى في 
هذا الموضوع حيث تميل الأقلام كثيرا إلى تناول مناهج البحث من الزاوية الفلسفية أو 
المتطقبة على ساب 'جواتب الخزى على تقس النرجة من الأفغية مض عزاو يه 
البحث العلمى وخبرة العلماء الذاتية فى مقارنة ومن منظور إسلامى رشيد ؟. 

كل هذه التساؤلات التى أوردناها تشير إلى مدى الفارق الكبير بين الصورتين 
المثالية والواقعية لمناهج البحث فى العلوم المختلفة بصورة عامة » وفى العلوم الطبيعية 
والرياضية بصورة خاصة وأن نظرة فاحصة إلى كتابات المتخصصين فى العلوم 
وفلسفتها على حد سواء يمكن أن تدلنا على عكيك هاف ذل !فا أن مناهج البحث 
العلمى ليست أبدا قواعد ثابتة . بل هى تد تتغير تبعا لمقتضيات العلم وأدواته » وتكون 
1 اللحريل | الستتير عدن تداع إن لاي بعطالنه لهام المتجددء وإلا فإنها تكون 
عبئاً على حركة العلم وتقد وتقدمه . كما أن العلوم المعاصرة ؛ من ناحية أخرى قد بلغت 
درجة من التشابك والتداخل فيما بينها » يحيث يصعب معها القصل التام بين أصول 
المنهج الثابتة وقروعه القائمة على جدلية العلاقة المتغيرة بين الملاحظة التجريبية 
وتفسيرها العلمى أى المنطقى وتظل تقاصيل المناهج الفرعية فى تطورها وتفيرها 
مرهونة بالظروف التقنية قى معامل البحث والاختيار ومعتمدة على طبيعة الموضوعات 
مهل الدراسة الحى مكف من لم إلى لع بل ومشطف .فى داخل الغلم الوا جد وك 
أنواع المناهج الفرعية تعتبر فى حقيقتهاخطوات لمسائل جزئية فى منهج واحد عام هو 
المنهج العلمى الذى يدفع مسيرة التحصيل المتترفى والتقدم العلمى والتفنى . على أن 
يكين العيار فى قياض ساادة أل متخ هواقيمته المقيقر؟ التى ركتسيهاسن تجا 
العلم فى بلوغ نتائجه وتحقيق غاياته قالاستناد إلى مسلمات ثابتة تنطلق منها بنية 
المنهج الأساسية وتأخذ فى اعتبارها عملية التصحيح المستمرة لتلك العلاقة المتنامية 
والمتبادلة بين الذات الياحثة وموضوعات اليحث المختلفة المنيثة فى جنيات الكون 
الفسيح .)١(‏ 


)١(‏ لمزيد من التفصيل حول نشأة علم مناهج البحث وتطوره وأيضا حول بعض الأفكار التى جاءت قى هذه المقدمة» يمكن 
الرجوع الى: 

- د.عيد الرحمن بدوى ٠‏ متاهج البحث العلمى ؛ وكالة المطيوعات الكويت ,١918/7‏ 

- بول موى . المنطق وفلسقة العلوم ترجعة د. فؤاد زكريا مكتية دار العروية للنشر والتوزيع » الكويت .,١58١‏ 

- د. صلاح قنصوة ٠‏ فلسقة العلم ٠‏ دار الثقافة للطباعة والنشر القاهرة .١541١‏ 

- وءأ. ب يقردج ٠‏ فن البحث العلمى ؛ الترجمة العربية دار اقرآ بيروت .١547‏ 

- د. ماهر عبد القادر محمد على , فلسفة العلوم ٠‏ دار النهضة العربية ؛ بيروت .١5414‏ 


514 


تلك كانت بعض الأسياب التى دعتنا إلى القيام في هذه الدراسة بمحاولة أولية 
تهدف إلى وضع تصور لنسق )١(‏ إسلامى ينتظم مختلف مناهج اليحث العلمى , 
نستوحى خصائصه العامة مياشرة من خصائص التصور الإسلامى ومقوماته ونستمد 
عناصره الرئيسسة من واقع مشكلات البحث العلمى وتاريخة ونشكل وحداته البنائية 
على أساس الثوابت والمتغيرات المعروقة فى الأطر الفكرية والعملية للعلوم الطبيعية 
والتقنية » ونتيح من خلاله مجالا أرحب لإعداد الباحث العلمى الجيد واستفادة أكبر من 
السبل التى يسلكها الباحثون أنفسهم . 


إسلامية المنهج العلمى : 

إن الأخذ بالمنهج الإسلامى فى مجالات اليحث العلمى يجب - فى اعتقادنا - أن 
يقبل على أنه حقيقة منطقية وضرورة حضارية . أما القول بأن إسلامية المنهج العلمى 
حقيقة منطقية فيكفى شاهدا على صحته أن علوم الكون والحياة إسلامية بطبيعتها لآن 
موضوعات البحث فيها هى كل ما خاق الله فى كتابه المنظور . كما أن قراءة التراث 
الإسلامى تدلنا على أن المسلك الذى اتبعه علماء الأصول وعلماء الحديث فى الوصول 
إلى الصحيح من الوقائع والأخبار والأقوال قد انسحب على أسلوب التفكير والتجريب 
فى البحث العملى فترى - على سبيل المثال - أن الحسن بن الهيثم قد استخدم 
الاستقراء وقياس الشبه فى شرحه لتفسير عملية الإيصار وإدراك المرئيات حيث يقول : 

" لا يتم الإدراك إلا بتشبيه صورة المبصر بصورة قد أدركها المبصر من قبل ثم 
إدراك التشابه بين الصورتين , ولا يدرك التشابه بين الصورتين إلا بقياس * كما تجد 
ابن الهيثم يستعمل لفظ " الاعتبار " ( وهى قرآنى ) ليدل على الاستقراء التجريبى أو 
الاستنباط العقلى . وهذا أبى بكر الرازنى يصف منهجه فى تعامله مع المجهول 
مستخدما الأصول الثلاثة : الاجتماع والاستقراء والقياس ,٠‏ فيقول : " إنا لما رأينا لهذه 
الجواهر أفاعيل عجيبة لا تبلغ عقولنا معرقة سببها الكامل لم نر أن نطرح كل شئ لا 


- د. جون ب. فيكسون , العام والمشتغلون بالبحث العلمى قى المجتمع الحديث , الترجمة العريية , عالم المعرقة, الكويت 
ةا . 

- دويرت م . أغروس وجورج ن . ستانسيى , العلم قى منظوره الجديد ترجمة د. كمال خلايلى : عالم المعرفة , الكويت 
14 . 

- د. حسن عبد الحميد عبد الرحمن ٠‏ المراحل الانتقائية لمنهجية الفكر العريى والإسلامى » حوليات كلية الاداب جامعة 
الكويت الرسالة الرابعة والاريعون , الكويت 15417. 

- د. أحمد فؤاد باشا فلسفة العلوم بنظرة إسلامية ؛ القاهرة 44 راجع أيضا دراستنا نحى صياغة إسلامية لنظرية العلم 
والتقنية مجلة المسلم المعاصر .ع 6ه (15435) . 

: ونسق الأسنان‎ ٠ التسق : ما جاء من الكلام على تظام واحد ء والنسق من كل شى؛ ها كان على طريقة نظام وأحد‎ )١( 
. مادة نسق)‎ ٠ انتظامها فى النبتة وحسن تركبيها ( انظر : لسان العرب‎ 


7 


تدركه ولا تبلغه عقولنا لأن فى ذلك سقوط جل المناقع منا بل نضيف إلى ذلك ما 
أدركناه بالتجارب وشهد لنا الناس به ولا نحل شيئًا من ذلك محل الثقة إلا يعد 
الامتحان والتجرية له ..... ما اجتمع عليه الأطباء وشهد عليه القياس وعضدته التجرية 
فليكن أمامك )١(‏ . 

وأما قولنا بأن إسلامية المنهج العلمى ضرورة حضارية فذلك لآن إسلامية المنهج أو 
أسلمته من شأتها أن تخلع عليه من خصائص الإسلام ما يجعله غالميا وضالحا 
التطبيق فى كل زمان . فالتصور الإسلامى يوحى بأن الحركة الدائبة والتحول المستمر 
هن التانوين الكائت الطود لهذا الوهوة«الضادت القاتى ٠‏ وفو يضيقة خاصة عاتوة 
الحياة وقاعدتها .. ومن ثم يوجه النظر إلى هذه الحركة الدائبة » وهذا التحول المستمر 
فى الكون والحياة . وما يطرأ عليها دائما من تقلبات وأطوار , ولكنه ينسب كل شئ 
إلى مشيئة الله وقدره » فيخرج بذلك من كل المتناقضات التى تعانيها الفلسفات 
الوضعية والتى لم تجد لها حلا شاملا (') وفى اعتقادى أن إدراك المسلمين الأوائل لهذه 
الحقيقة بكل أبعادها الإيمانية كان السيب الأول لتقدمهم ورقيهم . بعد أن وجدوا فى 
مبادئ الإسلام كل مقومات الازدهار العلمى والحضارى ؛ وهدتهم تعاليم الدين الحنيف 
إلى أصول المنهج العلمى السليم 9 . 

وعندما انتقلت العلوم الإسلامية إلى أورويا » فطن علماؤها إلى سر تقدم المسلمين 
وسعوا إلى اتباع منهجهم بعد أن وجدوه سمة العلوم فى الحضارة الإسلامية » وقال 
روجر بيكون فى ذلك : ' أنه باتباع المنهج التجريبى ؛ الذى كان له القضل فى تقدم 
(العرب ) ٠‏ فإنه يصبح بالإمكان اختراع آلات جديدة تيسر التفوق عليهم .. ففى 
الامكان إيجاد آلات تمخر عياب البحر دون مجداف يحركها » وصنع عريات تتحرك 
بدون دواب الجر : وإيجاد آلات طائرة يستطيع المرء أن يجلس فيها , ويدير شيئا تخفق 
به أجنحة صناعية فى الهواء مثل أجنحة الطير ©) لكن النهضة الأوربية لم تأخد من 
العلوم الإسلامية سوى الجانب المادى من منهجها التجريبى وتقنياتها » وتركت جانبا 
الإيمان الذى يوجهها نحو الله تعالى ويسخرها لخدمة البشر . ولذا فإن العلم فى 
(1) د. أحمد فؤاد ياشا ٠‏ فلسفة العلوم الطبيعية فى التراث الإسلامى دراسة تحليلية مقارنة فى المنهج العلمى . مجلة 

المسلم المعاصر ع 45 (/1541) . 

- المستشار عبد الحليم الجندى . القرآن والمنهج العلمى المعاصر دار المعارف .١544‏ 
") سيد قطب ٠‏ مقومات التصور الإسلامى ؛ دار الشروق 1541 

- د. على سامى التشار ٠‏ نشأة القكر القفلسقى فى الإسلام . وخاصة الباب الأول من الجزء الاول ٠‏ دار المعارف 

الطبعة الثامنه (1941). 

- د. مصطقى حلمى ؛ مناهج اليحث فى العلوم الإسلامية , مكتبة الزهراء 1541. 
(؟) د. أحمد فؤاد باشا ٠‏ التراث العلمى للحضارة الإسلامية , القاهرة 1444 
(1) عبد المجيد عبد الرحيم ٠‏ مدخل إلى الفلسفة بنظرة اجتماعية , الفاهرة 1. 


الا 


الحضارة المادية الحديثة والمعاصرة بتخليه عن الإيمان والسمى الروحى » قد اعتبر قيمة 
حقيقية مطلقة فى حد ذاته ويالغ الناس فى تقديسه وتمجيده على أساس أنه هى القوة 
القادرة على تحقيق الجنة الموعودة للإنسان على الأرض ٠‏ فأتصار هذه النزعة العلمية 
المتطرفة 5ة5قاه 56 يردون كل شئ إلى العلم »ولا يسلمون إلا بالمنهج العلمى والحقيقة 
العلمية . كذلك أصيح التطور الكمى للعلم والتقنية غاية فى حد ذاته ؛ ونشات النزعة 
التقنية المتطرفة إعهتو0صطءع1 التى يرمى أنصارها من التقنيين والخبراء الفنيين إلى 
فرض سيطرتهم باعتيارهم الأحق قى هذا العصر بإدارة المجتمع واتخاذ القرارات 
الكيرى بشأنه . وأمام هذا التطرف العلمى وفى مقابله ظهرت حركات عقلية جديدة 
تدعى إلى "اللاعلمية "ع56ع6ه5ناهة وتحارب الاتغماس الأعمى فى ماديات الحضارة 
الصناعية وترفع صيحات التحذير من أن اطراد التقدم العلمى والتقنى بدون النظر إلى 
صلته بمعنى الحياة الإنسانية سوف ينتهى بالإنسان إلى القضاء على حضارته . بل إن 
بعض هذه الحركات المناهضة لتقديس العلم والتقنية أخذت تدعو إلى الهروب من 
الحضارة المعاصرة يكل مافيها من مظاهر مادية خادعة » ورفعت شعارات العودة إلى 
القطرة )١(‏ 

من هذا كانت إسلامية المتهج العلمى » آو أسلمته . ضرورة حضارية ملحة لضمان 
مواصلة التقدم العلمى والتقنى مع الحفاظ على إنسانية الإنسان ذلك لأن الإيمان 
الخالص والسمى الروحى يأتيان فى مقدمة الخصائص التى يتميز بها المنهج العلمى 
الإسلامى ٠‏ وإليهما تعزى كل القوى الدافعة لملكات الباحث العلمى على طريق الإبداع 
والايتكار . فالإيمان الخالص هى الذى يجعل العقل أقدر على كشف الحقيقة العلمية ؛ 
وأكثر تهيوءا لاستقبالها وقيولها . وهل الكشف العلمى إلا حل لمشكلة يظفر به الباحث 
بعد عناء تحليل منهجى شاق ودقيق ؛ أو يناله فى فكره طارئة أى فى رؤية تتراعى له أو 
يخطر له حلم أو إلهام. 

وإذا كان ما حدث فى الغرب من انزواء لعلوم الدين فى أركان الكنيسة يتعلق 
بالصراع بين الكتيسة والعلماء » فإنه من الخطأ أن يسود الاعتقاد بأن الانفصال بين 
العلم والدين شرط من شروط قيام الحضارة ء أو أن العلم بفروعه المختلفة لا يمكن إلا 
أن يكون “علمانيا" لقد أدى هذا الاعتقاد الخاطئ فى يلاد المسلمين إلى حالة من الركود 
العلمى شلت فى ظلها كل مقومات الإبدا ع والابتكار فى مختلف مجالات النشاط 
الإنسانى (') ولم يعد أمامنا الأن سوى الأخذ بالمنهج العلمى الإسلامى الذى سيق 
(1) وحيد الدين خان : واقعنا ومستقيلنا فى ضوء الإسلام ؛ ترجمة : د. سمير عبد الحميد إيراهيم , مراجعة : د. عبد 

الطيم عويس ء دار الصحوة , القاهرة 1944, ص 757-0١‏ 

انظر أيضا : المعجم القلسقى . مجتمع الاغة العربية : القاهرة (١147‏ مادة ١4‏ : تقنوقراطية . ومادة :1١4٠‏ نزعة 

علمية ) . 
(1) راجع 8 يحى هاشم فرغل : حقيقة العلمانية بين الخراقة والتخريب الأمانة العامة للجنة العليا الدعوة الإسلامية 

بالأزهر الشريقف 1544 


07 


لأسلافنا أن صنعوا به حضارة تزهو على كل الحضارات . فهو الأقدر على إزكاء روح 
الصحوة الإسلامية الحضارية » وعندئذ سيكون له أجل الأثر فى تصحيح وجهة العلوم 
لدى عقلاء الغرب ومفكريه , إذا ما درسوا الإسلام فى حقائقة. واستفادوا من منهجة 
قى إصلاح شئون حضارتهم ٠‏ 


الغوابت والمتغيرات فى المنهج العلمى الإسلامى : 

سبق أن ذكرنا فى مقدمة هذه الدراسة أن تصورنا العام لبنية المنهج العلمى 
الإسلامى سوف نستلهمه مباشرة من خصائص التصور الإسلامى ومقوماته وذلك 
انطلاقا من الإيمان التام بأن الثوابت والمتغيرات الإسلامية يجب أن تكون هى الإطار 
الذى يحكم كل مناهج النظر فى قضايا الوجود والفكر والمعيار الذى يحدد ضوابط 
التطبيق الإنسانى لتلك المناهج بما يحقق إرادة الله سبحانه وتعالى فى إعمار الحياة 
على الأرض فالإسلام يتميز عن كل ما عداه من الشرائع السماوية أى الفلسفات 
والمذاهب الوضعية بخاصية التوازن بين الثبات والتطور ‏ والجمع بينهما فى تناسق 
مبدع . واضعا كل منهما فى موضعه الصحيح .. الثيات فيما يجب أن يخلد ويبقى من 
أهذا قم وغاياك وأحتول وكلبات #والمرئنة فيما يقبف أن يتقور ويتطون يق وماك 
وأساليب وفروع وجزئيات , ذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد شرع المتهج الإسلامى 
للكينونة البشرية كلها ؛ فى جميع أزمانها وأطوارها . ليكون أصلا ثابتا تتطور فى 
وترتقى » وتنمى وتتقدم دون أن تحتك بجدران هذا الإطار. وما ينطبق على المنهج 
الإلهى الذى أخبر الله به عباده ينسحب كذلك على الصنعة الإلهية فى الكون كله . 
فحركة الحياة والفكر تستمر وتتسارع داخل إطار ثابت وحول محور ثابت . ومادة 
الكون فى مجموعها ثابتة , وإن اتخذت أشكالا مختلفة دائمة التغير والتطور . وجوهر 
الإنسان واحد , وإن تقدمت معارفه وتضاعفت إمكاناته قهو يمر بأطوار شتى يرنقى 
فيها وينحط حسب اقترابه أو ابتعاده من جوهر إنسانيته . 

إن الثوايت الإسلامية هى التى تضبط الحركة البشرية والتطورات الحيوية فلا ينفلت 
زمامها كما وقع لأورويا عندما أفلتت من عروة العقيدة »كما أن الثوابت الإسلامية هى 
التى تصون الحياة البشرية . وتضمن مزية تناسقها مع النظام الكونى العام » وتحكم 
قواتين التطور قلا تتركها على إطلاقها )١(‏ . 

وعندما نعرض الآن لبناء منهج علمى فى ضوء هذا التصور الإسلامى فإنه يتعين 
علينا قبل كل شئ أن نحدد الثوابت والمتغيرات الفكرية والعلمية لهذا المنهج » ويكون من 
(1) لزيد من التفاصيل حول خصائص الإسلام راجع : 


- سيد قطب » خصائص التصور الإسلامى ومقوماته دار الشروق ١941‏ . 
- د. يوسف القرضاوى , الخصائص العامة للإسلام ؛ مؤسسة الرسالة 1946. 





زف 


السهل بعد ذلك توصيف المناهج القرعية للعلوم المختلفة في إطار النسق الإسلامى 
لبنية المنهج العلمى العام بأصوله وكلياته . 
(أ) ثوابت فكرية إيمانية : 

ونعنى يها مجموعة المسلمات والقضايا الأساسية التى يتعين على الباحث أن يسلم 
بصحتها منذ البداية ‏ وأن ينطلق منها فى كل عمليات التفكير العلمى قبل شروعه فى 
ممارسة اليحث والتتقيب عن سر ظاهرة ما من الظواهر التى يعمد إلى دراستها . 
ومثل هذه المسلمات تعتير - قى رأينا - مقدمة ضرورية في بنية النسق الإسلامى 
لمناهج البحث العلمى وذلك لفائدتها العظمى فى تهيئة الباحث الجيد » وتزويده بمبادئ 
بسيطة أو مركبة تساعد على تكوين النظرة الكلية الشاملة ‏ ولا تؤدى أبدا إلى تناقض 
مهما بلغت مسيرة العلم وإنجازات التقنية » ويمكن إجمال هذه الثوابت فيما يلى :- 
5ذ- التموحيد : 

التوحيد )١(‏ هى أول الثوابت الإسلامية ومصدر باقى المسلمات الفكرية والايمانية 
أمرنا الحق سيحانه وتعالى يه فى أول ما نزل من آيات القرآن الكريم ؛ ليكون بمثابة 
نقطة الانطلاق وحجر الزاوية قى بناء أى نسقى علمى سليم يوجه رؤية الإنسان لحقائق 
الحياة والفكر والوجود ويساعده على فهم وقراءة كلمات الله القرآنية فى كتايه المسطور 
وكلماته الكوتية فى كتابه المنظور () . قال تعالى: 

" اقرأ ياسم ربك الذى خلق " (سورة العلق : )١‏ 

وعقيدة التوحيد هى التى تحفظ كرامة الإنسان وتكريمة باخضاعة للخالق الواحد 
حل وعلا » وتحررهة من ستئطان العقائد الوئنية أى المذاهبي الوضعية . قالله سيحانه 
وتعالى هو الحق المطلق وهى مصدر كل الحقائق المعرفية الجزئية التى أمرنا بالبحث 
عنها واستقرائها فى وحدة النظام بين الظواهر الطبيعية والإنسانية باعتيارها مصدرا 
الثقة وليست ظلالا أى أشباحا أو مصدرا للمعرفة الظنية كما نظرت إليها الثقافة 
اليونانية وفى ظل عقيدة التوحيد تتحقق ' أسلمة ' العلوم ومناهجها وتقنياتها بمعناها 
الصحيح ٠‏ ويصح المفهوم الإسلامى للعلم أوسع وأشمل من المفهوم الشائع لدى فلاسفة 
العلم على اختلاف مذاهبهم . فهناك العلم الظاهر فى عالم الشهادة والعلم الغيبى الذى 
أخبرتا الله يه فى القرآن الكريم وعلى لسان نبيه الأمين عليه الصلاة والسلام . ويكون 
العلم الظاهر دنيويا بعلاقاته مع الأشياء وتعبديا فى نفس الوقت لصلته بالله الواحد . 





(1) ينفرد التصور الإسلامى بتصور التوحيد الكامل الخالص ٠‏ من بين سائر التصورات الاعتقادية والفلسفية السائدة فى 
جنيات الأرض. راجع سيد قطب مخصائص التصور الإسلامى ومقوماته . ص 147 وما بعدها دار الشروق 1841. 
)١(‏ راجع مقالتا : قراعة إسلامية فى كتاب الكون ؛ مجلة الأزهر . عدد رمضان لاه 


7ع 


ومن كانت عقيدته الدينية هى التوحيد يجد فى نفسه دافعا أقوى مما يجد سواه نحى 
أن يبحث دائما عن الوحدة التى تؤلف بين الكثرة أيا كان الموضوع . فيبحث عن محور 
الوحدانية فى الشخصية الإنسانية برغم اختلاف الجوانب الكثيرة فى حياة الفرد 
الواحد واختلاف العلوم الباحثة فى تلك الجوانب. وكذلك يبحث عن محور الوحدانية فى 
الكون بأجمعه مجتمعا فى وجود وأحد. 

ومن لطائف العلم التى نشير هذا إليها ما نلاحظة من تشاية بين نواميس القوى 
الطبيعية الناتجة عن خصائص المادة الجوهرية , على نحو ما يبدو من قوانين الجذي 
الكهربى والجذب التثاقلى على سبيل المثال . وقد شرع العلماء حديثا فى البحث عن 
الصيغة العلمية ( الرياضية ) التى توحد بين مختتلف أنواع القوى الموجودة فى 
الطبيعة» وأحرزت جهودهم نجاحا كبيرا على هذا الطريق )١(‏ . ومن الصفات الجديدة 
للمعرفة العلمية المعاصرة أن الحواجز الظاهرة بين فروع العلم المختلفة أخذت تذوبي 
تدريجيا لكى تحل العلوم المتداخلة والمتكاملة محل العلوم المتعددة والمنفصلة ويتوقع 
فلاسفة العلم والمؤرخون له أن العلوم كلها يمكن أن تندرج فى يناء نسقى واحد يحيث 
يكون ترتيبها فى ذلك النسق المتكامل ترتيبا قائما على وضع ما هو خاص من قوانين 
ومبادئ وفروض تحت ما هو أعم منه . ولقد توقع هيزنبرج هذه النتيجة للعلوم 
المعاصرة عندما ذكر فى محاضرة ألقاها بجامعة لاييزج عام 114١‏ أن الفروع المختلفة 
للعلم قد بدأت فى الانصهار فى وحدة كبيرة (") وحول فكرة " العلم الموحد ' هذه يقول 
رودلف كارناب * لا وجود لمصادرة متعددة للمعرقة يل هناك علم واحد فقط . فجميع 
المعارف تجد لها مكانا فى هذا العلم والمعرفة فى حقيقتها ذات نوع واحد فقط وما 
المظهر الخارجى للخلافات الأساسية بين العلوم إلا نتيجة مضللة لا ستخدامنا لفات 
فرعية للتعبير عن هذه العلوم '(') . والباحث المؤمن هو الذى يفهم شهادة التوحيد فى 
إطاره الشامل الذى يجمع بين وحدة النظام فى بناء الذرة وبناء المجموعة الشمسية , 
وبين وحدة الطاقة بردها إلى أصل واحد وإن تعددت صورها » ويين وحدة الحركة فى 
طواف الاكترونات حول النواة بوطواف الكواكب حول الشمس ؛ وطواف المسلمين حول 
الكعبة المشرفة . 

إن تأكيد كل هذه المعانى فى فكر الباحث العلمى ووجدانه يعتبر من أهم مقومات 
الشخصية العلمية التى يبدع العلماء على أساسها فى اطمئتان وهدوء ونقاء . وهنا 
)١(‏ نج العلماء الثلاثة عبد السلام - وينبرج - جلاشى , نجاحا جزئيا فى التوحيد بين نومى القوة الجاذبة الكهربية 

والقوة النووية الضعيفة وكانت هذه النتيجة الهامة واحدة من الكشوف العلمية المميزة التى أهلت الملماء الثلاثة 

للحصول على جائزة نويل فى الفيزياء عام 151/4. 
(1) فيرئر هايزتيرج ٠‏ المشاكل الفلسقية للعلوم النووية . ترجمة د. أحمد مستجير , القاهرة 1917. 
(؟) راجع مؤفتا . فلسفة العلوم بنظرة إسلامية: ص/ا1. 


وو 


يتحقق الانسجام الكامل بين الفكر والعمل بعيدا عن غيوم المذاهب الفلسفية الرديئة 
التى تشوه الوجه الناصع لكل حقيقة . 


إن الإيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالى يستلزم بالضرورة العقلية أن يرد الإنسان 
كل شئ فى هذا الكون إلى الخالق الحكيم الذى أوجد هذا العالم بإرادته المباشرة 
المطلقة » وخلقه على أعلى درجة من الترتيب والنظام والجمال » وأخضعه لقوانين معينة 
ثابتة لا يحيد عنها » وحفظ تناسقه وتوازنه فى ترابط محكم بين عوالم الكائنات وتنسيق 
معجز بين آحادها ومجموعاتها ؛ وجعل بناءه آية فى الروعة والكمال » ليس فيه اختلاف 
ولا تنافر » ولا نقص ولا عيب ولا خلل قال تعالى : [ تبارك الذى بيده الملك وهو على كل 
شئ قدير. الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور . الذى 
خلق سبع سموات طياقا ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى 
من فطور , ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك اليصر خاسئًا وهى حسير ]( سورة الملك 
)5-١ :‏ . وقد أكد القرآن الكريم هذا المعنى فى مواضع مختلفة , ونبه العباد إلى 
الحكمة السامية وراء التناسق والإبداع فى خلق هذا الكون , وذلك فى مثل قوله تعالى : 
' الذى أحسن كل شئ خلقه" ( سورة السجدة : ) وقوله " إنا كل شي خلقناه يقدر " 
( سورة القمر:ة4). 

وقد شاعت إرادته تعالى أن تبين لنا من خلال نظام الكون ووحدته استمرارية المواد 
كأشياء وتكرر الحوادث والظاهرات كعلاقات سيبية لنراقبها وندركها ونتتفع بها فى 
حياتنا الواقعية » بعد أن نقف على حقيقة سلوكها ونستدل بها على قدرته ووحدانيته . 
قال تعالى [ سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق] ( سورة 
فصلت: 7ه) . وقال سبحانه [ ولن تجد لسنة الله تبديلا ) ( الفتح : ؟) , 

وفى إطار المفهوم الإيمانى لمسلمة النظام الكونى واطراد الظاهرات الطبيعية 
كعلاقات عليه يتمتع الباحث المسلم بالاطمئنان والثقة اللازمين لمواصلة البحث العلمى 
إيمانا منه فى ضمان بلوغ تعليمات أو قوانين علمية من مجموعة محددة من الوقائع , 
وهذا لا يتوفر مثلا لباحث آخر ينطلق فى تفكيره من مبدأ " الحتمية " الذى يفترض أن 
صدق أحداث الكون مستقل عن الزمان والمكان » وعندما ينتقل العلم إلى مرحلة جديدة 
نتميز باللاحتمية ؛ أى عدم اليقين يتعين على هذا الباحث أن يتخلى عن إيماته يمبداً 
الحتمية المطلقة » ويبحث عن ميدأ جديد . لكن التصور الإسلامى للنظام الكونى ينقذ 
العلماء من التخبط فى التيه بلا دليل كالإحالة على الطبيعة أو العقل أى المصادفة أو ما 
إلى ذلك. كما أن هذا التصور الإيمانى يجعل الطريق مفتوحا دائما أمام تجدد المنهج 


7 


العلمى وتطوره بما يتناسب مع حالة العلم فى المرحلة التى يبلغها من تطوره . وهنا 
أيضا تظل العلاقة بين إرادة الله واطراد القانون الطبيعى واضحة جلية لما تفسحه من 
مكان لتفسير حدوث الخوارق والمعجزات التى يظهرها الله بين الحين والحين تذكيرا 
للإنسان يأن الله سيحانه وتعالى هو مصدر الوجود وأن كل مافى الكون من قوانين 
مستمد من إرادته ومتوقف عليها )١(‏ . وإذا اختل نظام السنن الكونية الثابتة فإن هذا 
فى كتاب الإسلام يعنى اقتراب قيام الساعة ويؤذن بانتهاء الحياة على الأرض () . 

"- فريضة الم لبحث العلمى : 


كثيرة هى النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التى تحث على طلب العلم والبحث 
العلمى بأسلوب منهجى سليم » ويصعب فى هذا الحيز استقصاء الآيات التى دعت إلى 
البحث فى مخلوقات الله تعالى الكونية والطبيعية لكن الباحث المسلم يجب أن يكون على 
دراية كاملة بكل التعاليم الإسلامية التى تجعل من مهمته فرضا كقائيا . وعندما يطلب 
المسلم علما على النهج الإسلامى يكون فهمه للحياة والكون طريقا للوصول إلي الله 
سبحانه وتعالى [ رينا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ] ( سورة آل 
عمران )١151:‏ وتكون وجهته دائما لعمل الخير انطلاقا من القاعدة العامة فى ضرورة 
الربط بين النظرية والتطبيق : [ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتا 
عند الله أن تقولوا مالا تفعلون ) ( سورة الصف : ؟, ؟) ويكون تصوره لقيمة العلم 
النافع أعم وأشمل , فهى تتعدى حدود العمر والفضل والمصدر . وكل علم يحتاجه 
المسلمون فرض كفاية » فإن لم يوجد بينهم من يحسه فالكل آثمون . وليست الكفاية أن 
يوجد من يعرفه , بل فى وجود المجموعة التى تغطى احتياجات الأمة , والتخصصات 
العلمية المختلفة ضرورية لكل مجتمع ؛ والإخلال بأحدها يؤدى إلى الإخلال بالواجب 
الأعظم » وهى عبادة الله حق عبادتة وإعلاء كلمته فى الأرض. 

وقد أدت الأخطاء البشرية فى تناول مناهج المعرفة إلى تدنيس الفطرة الحنيفية 
المؤمنة بالله » وظهرت العلمانية فى العالم الغريى لتضع حدا فاصلا بين العلم والدين , 
وكان من نتائج هذا الفصل أن فقدت العلوم أساسها الأخلاقى : وظهرت المذاهب 
الوضعية لتكون بمثابة دين اجتماعى للمجتمعات التى تعتنقها . ولهذا فإن البحث 
العلمى السليم لا يمكن أن يحقق غايته الإيمانية إلا إذا استعاد علاقته الأولى بمبادئ 
الإسلام » وعندئذ سيكون التفكير العلمى لدى البشر قد استعاد طبيعته الحقة بوصفه 
بحثا موضوعيا عن الحقيقة أينما وجدت () , 


(1) راجع دراستتا : " فلسفة العلوم الطبيعية فى التراث الإسلامى " مجلة المسلم المعاصر . ع 48 (/114) . انظر أيضا 
: د. يحيى هاشم حسن الإسلام والاتجافات العلمية المعاصرة ؛ دار المعارف 1584 

(1) مثال ذاك قوله تعالى : " فإذا برق البصر , وخسف القمر , وجمع الشمس والقمر " ( القيامة :1) . 

(؟) د. إبراهيم عبد الحميد الصياد , المدخل الإسلامى للطب ؛ مجمع البحوث الإسلامية , /1541. 


ا 


من ناحية أخرى : عندما يمارس الياحث المؤمن عمله الطمى ياعتياره فريضة 
إسلامية فإته يكون على دراية تامة يما تدعو إليه تعاليم الإسلام من محارية التنجيم 
والتتيوء العشوائى والتعصي للعرف والعرق ويتحذيرها من الاطمتتان إلى كل ما هو 
شائع أى موروث من آراء ونظريات ٠‏ وهنا لن يجد الباحث المسلم أى عناء فى إدراك أن 

هذه التعاليم الإسلامية التى تحارب كل معوقات البحث العلمى تعتير أوسع وأشمل 
مما يعرف يتوهام الكهق والسوق والمسرح لبيكون والتى كثيرا مايباهى يها ويروح لها 
فلاسقة العلم وشراح المنهج العلمى )١(‏ . 
4 - نسبة المعرفة العلمية : 

تتميز المعرفة العلمية يأن تحصيلها يتم نتيجة نشاط إنسانى مقصود يهدف الباحث 
من ورائه إلى دراسة ظواهر معينة يعكف عليها ويتناولها بالملاحظة الدقيقة ويالتحليل , 
مستخدما فى ذلك متهجا يتفق وطبيعة موضوع البحث ٠‏ بغرض التوصل إلى قوانين 
عامة تفسر إطراد الظواهر المعينة تمهيدا للاستفادة منها . والمعرفة العلمية يهذا المعنى 
تمثل الشق المادى لمقهوم العلم الشامل قى الإسلام. ومن هتا فإن الحقائق العلمية 
المعيرة عن السلوك الفعلى لظواهر الكون والحياة تظل مستورة فى الشق غير المكثق 
من العلم حتى يان الله يكشفها تدريجيا على أيدى من يشاء من عباده ٠‏ وأنها لمجلية 
حتما قى يوم معلوم مهما تعرضت من خلال البحث عنها لمختلف ضروب التشعيبي 
والتحيز المقصود , وغير المقصود ٠‏ وذلك انطلاقا من الوعد الالهى فى قوله تعالى 
[سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق]( سورة فصلت :017) 

ولما كانت طبيعة المعرفة العلمية تتطلب إجراء البحث والدراسات المكثفة على أجزاء 
محدودة جد! من الكون وظواهره ؛ ويمعزل عن يعضها البعض دون إلمام بكافة الجوانب 
المتصلة بموضوع البحث والمؤثرة عليه فإن إدراك الحقيقة الكاملة المطلقة يظل دائما 
هدفا أسمى يسعى إليه العلماء من خلال عملية تصحيح لمسيرة العلم تتم بتكافل 
جهودهم وتناقسهم فى السيق إلى كشوف علمية جديدة وإلقاء الضوء على حقائق 
جزئية الواقع الكونى الثابت . وقد أثيتت ثيتت حركة التاريخ العلمى أن الكون يزداد مع 
التطور المعرقى اتساعا وعمقا 'وأن العلم الذى نحطه ما هو إلا تصورنا عن حقائق 
الكون ؛ وليس هو الكون ذاته » ومن ثم فهو ليس مستقلا عن ذاتية الإنسان ٠‏ وليس 
نهائيا فى آية مرحلة من مراحل تطوره , وما أيلغ تشبيهات العلماء لجوانب من طبيعة 
العلاقة المتيادلة بين الباحث وموضوع بحثه , فقد كتب كلود برنار يقول : " إن ايتعاد 
المعرفة عن الباحث فى اللحظة التى يظن أنه قد قبض على زمامها هى فى الوقت نفسه 





. راجع : عياس العقاد . التقكير فريضة إسلامية‎ )١( 


7,4 


سر عذايه وسعادته ' وكتي ماكس يلاتك يقول : ' إن الياحث يستمد الرضا والسعادة 
من التجاح الذى يصاحب اليحث عن الحقيقة لا قى امتلاك ناصيتها ' ويقول العالم 
الفيزيائى أليرت ايتشتين : ' الفيزياء هى محاولة للقيض على ناصية الحقيقة كما هى 
فى الفكر ٠‏ دون نظر إلى كونها موضوع مراقية " )١(‏ 

على أن نتطلق قى مقهومنا لتسبية المعرفة العلمية ومستويات موضوعيتها أو 
حقائقها الجزئية مما تشير إليه بعض معانى الآيات القرآنية الكريمة فى مثل قولة 
تعالى: " وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ( الإسراء : 80) ٠‏ وقوله : ' وقل رب زدتى 
علما "( طه: 4) وقوله : " وقوق كل ذى علم عليم ' ( يوسف : الم , 

ومما تجدر الإشارة إليه فى هذا الصدد أن الناس بيالغون كثيرا فى تصورهم 
لمعنى "الحقيقة العلمية " آى " الموضوعية العلمية ' إلى درجة أنهم يخطئون أحياتا فيما 
يظنون أنه قواتين فيزبائية معيرة عن السلوك الفعلى للمادة » وهى فى حقيقة الآمر 
قوانين لا سيطرة لنا عليها لأنها أوامر الله المتظمة لحركة الكون . فالصيغ والنتائج 
التى يتوصل اليها العلماء وفق متاهج تقوم على خبرتهم الذاتية ‏ ويعتقدون أتها قوانين 
فيزيائية موضوعية , لا تكون بالطبع تعبيرا كاملا عن حقيقة الستن الكوتية وريما لا 
تمت إليها فى يعض الأحيان يأية صلة . وحتى وإن كاتت تبدو لهم خاضعة للعالم 
الخارجى ومستمدة من وقائعه ولا علاقة لها يأمور ذاتية فعلى سبيل المثال . اعتقد 
أرسطى أنه قد اكتشف أحد قواتين الطبيعة عندما قال يأن الأجسام الثقيلة تسقط إلى 
الأرض أسرع من الأجسام الخقيقة وكان ذلك بناء على منهج فلسقى يخصه ويستند 
إلى القياس النظرى المجرد مع أن مثل هذا القاتون لا وجود له قى عالم الواقع على 
الإطلاق , ولا يعثل حقيقة ما من حقائق الوجود . وكل ما قى الأمر أته استتتاج مضلل 
من موضوعية زائّفة فى جوهرها لأنها اتخدعت يما يدركه الحس القاصر واستتدت إلى 
تأملات العقل الخالص ٠‏ وارتيطت قى الاستدلال عليها يمنهج سليى عقيم . 

أما القانون الطبيعى الذى يتطيق على هذا الموقف فقد سعى إليه علماء الحضارة 
الإسلاميية بعد أن دعتهم تعاليم الإسلام إلى المنهج العلمى السليم , ورفضوا قبول 
البراهين الفاسفية للآراء التى يمكن اختيارها تجريبيا , واهتدوا إلى تحديد الكثير من 
المفاهيم العلمية المتعلقة بوصف حركة الأجسام وأتواعها حسب حالة العلم فى 
عصرهء!(")وفى عصر التهضة الأوربية استطاع جاليليى أن يستخدم ما توقر لديه من 
أجهزة لقياس الزمن أن يثيت بالتجرية أن جميع الساقطة ذاتيا تتسارع بعجلة ثابتة 
قيمتها مر؟ مترا لكل ثانية مريعة وهى من الثوايت القيزيائية التى لا تتطوى على 
(1) ريقية ديبى , وؤى العقل ٠‏ ترجمة : قؤاد ضروف . صن عى 143 + 511/517 سيروت 11717 
(9) راجع مؤلقنا : التراث الطمى لاحضارة الإسلامية ومكانته قى تاريخ الطم والحشارة ٠‏ القاهرة 1144 


144 


علاقات علية . إلا أن هذا بدوره لم يكن قانون عاما وكاملا » فقياسات جاليليى لم تكن 
بالغة الدقة بحيث تكشف أن نقس الجسم يتسارع بدرجات مختلفة تحت تأثير الجاذبية 
فى أماكن مختلفة على الأرض. كما أن هناك أنواعاً كثيرة للحركة يعتير السقوط الحر 
للأجسام جزءاً منها . والأجسام التى نراها الآن فى سفن الفضاء تتصرف بطريقة 
تختلف كثيرا عن أجسام جاليليى يملك الوسيلة لمعرفة ذلك أو لنقل أن المنهج العلمى 
الذى اتبعه كان عاجرا عن تحقيق المعرفة الكاملة » فجاءت الحقيقة العلمية على يديه 
جزئية ومحدوده بحدود العجز والقصور فى العناصر والوسائل التى اعتمد عليها منهجه 
التجريبى؛ وهى فى جوهرها من ' متغيرات ‏ المنهج العلمى المتجددة والمتطورة مع تقدم 
العلم وتطور التقنية, كما سنذكر فيما بعد . وهكذا يجد الإنسان دائما أن ما يصل إليه 
من علم فى أى عصر ليس هو القانون النهائى , ولكنه مرحلة معرفية أرقى من سسابقتها 
وأدنى من لاحقتها فى سلم الترقى المعرفى اللانهائى . 

ولعل ادراج التصور الإسلامى لنسبية المعرفة العلمية وموضوعيتها وحقيقتها )١(‏ 
ضمن مسلمات المنهج العلمى الإسلامى يساعد على تصحيح الاستخدام الإنسانى 
الخاطئ للعلم ونظرياته من الناحيتين الفلسفية والتقنية . خصوصا بعد أن بالغ 
أصحاب التزعة العلمية والتقنية المتطرفة فى تقديسه وتاليهه بأكثر مما بالغ أنصار " 
الحتمية ” وأصحاب الفلسلفات العلمية الحديثة . 


(ب) متغيرات معرفية منهجية : 

وتعتى بها مجموعة العناصر والخطوات البنائية فى نسق المنهج العلمى الإسلامى , 
والشن تمي باراطها الوق يغرايث المتيج ومسلماته من جهة , وبامكاضة تقدرها ان 
تطورها أو تحورها كما وكيفا وترتيبا لتفى بمتطلبات اطراد التقدم العلمى والتقنى من 


: وسائل البحث العلمى‎ -١ 
لقد رقع الإسلام من شأن العلم باعتباره أساسا لهم العلاقة السليمة بين الله‎ 
والكون والإتسان . والقرآن الكريم لايكاد يدع موطنا فى الكون دون أن يطوف‎ 


)١(‏ لم تحظ إشكالية ' الموضوعية ' فى العلوم الطبيعية باهتمام الباحثين اذا ما قورنت بنظيرتها فى العلوم الإنسانية 
وريما كان السيب فى هذا راجها إلى تلك الصورة المثالية الشائعة لموضوعية العلم ‏ الصارمة " كما روج لها أنصار 
الفلسفات العلعية لكن تاريخ العام يحدثنا بأن القاتون الطبيعى الذى يصف حقيقة علمية مالم يكن فى يوم من الأيام 
قانون عاما على إطلاته ولكته مددود دائما بعوامل الزمان والمكان والخبرة الذاتية للإنسان . وهذه القضيه الهامة 


.م 


الراجحة وذوى القلوب المؤمنة إلى المنهج الصحيح فى التعامل مع الكون واستقراء لغته 
وإشارته , باعتباره كتاب معرفة للا نسان المؤمن الموصول بالله ويما تبدعه يد الله . 
وقراءة الآيات المنبثة فى جنبات الكون وظواهره تتم بالاستخدام الأمثل لملكات الإدراك , 
والعلم التى وهبها الله للإنسان لتلمس الحقائق الكونية بالاختبار والرصد والتجريب 
والقياس والاستدلال » مستعينا فى ذلك بحواسه , والعقل من الحواس 
ويعمقها من أ.جهزة وأدوات تبدأ منها وتعود إليها . 

وقد أشار القرآن إلى حواس الإنسان وملكاته المعرفية فى أماكن متفرقة , فتذكر 
"الذوق ' فى قوله تعالى ١‏ فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سؤاتهما » ( الأعمراف )ا 
وأشار إلى ' اللمس ' فى قوله تعالى : ( ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم 
لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين 4 ( الأنعام : )١‏ وأشار إلى حاسة " الشم ” فى 
قوله تعالى: ( ولا فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ربح يوسف لولا أن تفندون» ( يوسف : 
١ )14‏ وذكر السمع والبصر والفؤاد (أى القلب) فى مثل قوله تعالى :9 والله أخرجكم 
من بطون أمهاتكم لا تعلمون شينا وجعل لكم السمع والأبصار والأفددة لعلكم تشكرون > 
(التحل : 78) : وقوله : 9 أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أوآذان 
يسمعون بها فإنها لاتعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور» ( الحج :45) , 
وقوله : < كذلك يطبع الله علي قلوب الذين لا يعلمون > (الروم : 9 ) , وقوله : ١‏ أفلا 
يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها 1( محمل 54). 

وقد فطن علماء المسلمين الأوائل إلى حقيقة الدعوة القرآنية إلى القراءة والعلم 
وإمعان النظر والفكر فى ملكوت السموات والأرض سعيا إلى الهداية واليقين . فهذا أيى 
عبد الله القزوينى يوصى فى كتايه ' عجائي المخلوقات وغرائب الموجودات ' بإعادة 
النظر فى ظواهر الكون والبحث عن حكمتها وتصاريقها لتظهر لنا حقائقها وتنفتح لنا 
عين اليصيرة وتزداد من الله هداية ويقينا , فليس المراد بالنظر تقليب الحدقة تحى 
السماء فإن اليهائم تشارك الإنسان فيه , ومن لم ير من السماء إلا زرقتها . ومن 
الأرض إلا غبرتها » فهى مشارك للبهائم فى ذلك وأدنى حالا منها وأشد غفلة كما قال 
تعالى : " لهم قلوب لا يققهون بها , ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون 
بها أوئتك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " ( الأعراف : )١17/8‏ . 

بهذه الروح الإيمانية الخلاقة أحسن المسلمون الأوائل استخدام وسائل المعرفة 
والبحث العلمى ؛ واندقعوا فى مطلع عصر الرسالة الإسلامية إلى الأخذ بمنهج النظر 
والبحث العميقين فى مختلف مجالات العلوم » وقدموا للحضارة الحديثة رصيدا هائلا 
من كتب وأبحاث واتشافات وتقنيات , لولاها لتأخر سير المدنية عدة قرون . 


٠‏ أو ما يعززها 


1م 


ومع القدة العلمى والتقنى لم تتفير وسائل البحث الطلمن فى :ذاتها ولكن تطورت 
الأجهزة التى تمزز أداعها » قعندما اقتحم العلم عالم الذرة والنواة والخلية الحية » 
وعندما غرا أعماق القضاء الخارجى لاكتشاق المزيد من الكواكب والنجوم والمجرات » 
وانتقل من عالم المقابيس البشرية العادية إلى عالم المتناهيات فى الصغر والكبر » ولم 
تعد العين المجردة ويقية الحواس قادرة على مواصلة القراءة والبحث فى المخلوقات 
الدقيقة أو البعيدة . وكان الختراع المقاريب , والمجاهر البصرية والالكترونية تعزيزا 
لحاسة الإابصار مما كانت سماعة الطبيب تعزيرًا لحاسة السمع وكانت الترمومترات 
الحرارية تعميقا لحاسة اللمس . وكان الحاسب الآلى مساعدا للعقل فى إجراء 
الغمليات الحساننة والتخطيطية المعقىة . ويستمن تطور الأجهزة العلفية مواكيا لتطون 
العلم ؛ ومرتبطا فى تقس الوقت بأصولها الثابتة كما خلقها الله فى الإنسان . 

وتكمن عظمة المنهج العلمى الإسلامى فى أنه تجريبى عقلى فى أن واحد ويعتير 
الأفسان كافله تحواسهوعقله وآرائتة ويمصيرخة وحدسه: هن الوشلة الأولى والآخيرة 
لتحصل المعرفة العلمية . والأجهزة التى يستخدمها ويطورها لتعزيز قدراته وامكاناته 
فى فى نفس الوقت من صتع ملكاته ٠‏ ويهذا يبطل أئ اقتضار مصطنع على إهدئى 
وسائل المعرفة . متلما يقعل العقليون والحسيون ( أو التجريبيون ) وأصحاب النزعة 
التقدية والنزعة الاجتماعية وغيرهم . 


؟- خطوات البحث العلمى : 

يجمع فلاسفة العلم وعلماء المناهج على أن الخطوات الرئيسية فى المنهج العلمى هى 
الملاحظة والتجرية والقرض العلمى ‏ لكنهم يختلفون حول أهمية كل منها وفاعليته 
وترتيبه فى النسق الينائى المنهجى العام والتأصيل الإسلامى لهذه الخطوات يؤكد سبق 
علماء الحضارة الإسلامية إلى اتباع المتهج التجريبى بما يتفق وحالة المعرفة العلمية فى 
المرحلة التى وصلتها فى عصرهم . ققد كشفت قراعتنا لعلوم التراث الإسلامى عن 
ممارسة علماء الحضارة الإسلامية لمستويات مختلفة من الملاحظة والتجرية والحدس 
العقلى مع إدراكهم لطبيعة العلاقة بيتهما والشروط العلمية اللازمة لممارستها , 
والضوابط المنهجية المؤدية إلى استقراء النتائج العلمية على أساسها . أما الفرض 
العلمى فى تراث الحضارة الإسلامية فقد كان أوليا فى أغلب الأحيان ؛ ولم يصل إلى 
مرتبة التعميم أى التجريد فى صيغة قانون شامل أ نظرية عامة , ذلك لأن طبيعة علوم 
التراث الإسلامى يغلب عليها الجانب الوصفى أكش من التعبينر الكمى الذى يميز العلم 
عادة فى مرحلة متقدمة من تطوره كما فى علوم الفيزياء والكيمياء الحديثة والمعاصرة 
لكن الاستدلال التحليلى : من ناحية أخرى » يؤكد ثراء الفكر العلمى الإسلامى يأهم 
مقومات الفرض العلمى متمثلة فى إضقاء مقولات العقل على نتائج الملاحظة والتجربة , 


4 


واستخدام الخيال العلمى فى المماثة بين الظواهر المختلفة والكشف عن الوحدة التى 
تربط بين وقائع متناثرة وابتكار المفاهيم العلمية المطابقة للواقع والخيرة ) . 

البحث العلمى فى ذاتها ٠‏ وقابلة لمواكبة التقدم العلمى والتقنى بتطوير أدائها والطرق 
الاستخقدمة فى إهرائها » وسنوف يظل المتيج الإسلامى يشهادة الصنفين من مؤرخى 
العلم والحضارة» هى الينبوع الأول لحضارة العلم الطبيعى . 

*- العلوم المستحدثة والمتولدة : 


من يتتيع تطور مذاهج اليحث العلمى عبر العصور لن يجد صعوية فى الوقوف على 
نقاط ضعفها وأوجه العجز فيها ‏ ذلك أنها جميعها مناهج مؤقتة ومحدودة يحدود 
النظرة الفلسفية الضيقة لأصحابها ومنظريها . ولهذا جاء القياس الصورى عقيما , 
والبناء الاستنباطى متداعيا والنسق البيكونى هزيلا كل ذلك بسيب التقدم المستمر للعلم 
واستحداث علوم جديدة ومتولدة لايجدى معها أى من قوائم المناهج التقليدية المطروحة. 
أما المنهج العلمى الإسلامى بثوابته ومتغيراته فيترك المجال مفتوحا لأى علم جديد 
يحدد الباحثون قيه منهجهم من واقع ممارساتهم القعلية لعملية البحث العلمى بدقائقها 
وتفاصيلها ‏ فبعض هذه العلوم على سبيل المثال » وهى علم " السيبر نطيقا" يحتاج إلى 
فريق من علماء ذوى تخصصات مختفة لأنه يقوم على علوم كثيرة مثل الرياضيات 
والمنطق والميكاتيكا والفسيولوجيا وغيرها وظهرت كذلك علوم ثنائية وثلاثية ومركبة مثل 
علوم الفيزياء الفلكية والهندسة الطبية والحاسبات الآلية وعلم البيئة وغيرها. 
4- تصنيف مناهج البحث الفرعية : 

لقد أصبح واضحا من واقع اليدث العلمى ومشكلاتة أن تقسيم مناهج البحث فى 
العلوم لا ينحصر فى أنواعها الرئيسية : الاستنباطى والاستقرائى والفرضى - 
الاستنباطى والاستردادى ؛ ولكنه يتعداها إلى مناهج خاصة تستخدم لمسائل جزئية 
تختلف من علم إلى علم ؛ بل وتختلف فى داخل فروع العلم الواحد . وهذا يتطلب عملية 
تصنيف مستمرة لأنوا ع المناهج الفرعية فى إطار منهج علمى عام يشدها إلى ثوابته 
ومسلماتة ويحتويها بمرونتة ومتغيراتة . 


)١(‏ ناقشنا هذه القضايا بدُئ من التقصيل فى دراستنا " فلسقة العلوم الطبيعية فى التراث الإسلامى , المسلم المعاصر, 
عى (اخذل) . 


م4 


خافة : 

لمكن الوؤغووان عا :ديق قن هده الإراسه هوكل س تسن الذي العلدن 
الإسلامى ٠‏ أى أن كل خصيصة قد وفيت حقها , فالموضوع واسع وعميق . وحسبى 
أننى اجتهدت فى وضع نقاط لتبادل الرأى والحوار البناء حول صياغة إسلامية لمنهج 
علمى شاملء يسهم فى الإعداد السليم للباحث المسلم ؛ وينقذه من متاهة الخوض قى 
إشكاليات المناهج الفلسفية والعلمية المطروحة . 


ّم 


تلازم الموضوعية والمعيارية فى الميثود ولوجيا الإسلامية 


د . محمد أمزيان 


تعود مشكلة الفصل بين مجال العلم ومجال القيم إلى مرحلة تاريخية حاسمة فى 
التاريخ الغريى وهى مرحلة التحول الفكرى والثقافى وقيام المذاهب الوضعية وسقوط 
المذاهب الفلسفية والميتافيزيقية واللاهوتية . 

حيث ارتبط قيام الاتجاه الوضعى بالدعوة إلى تحقيق الموضوعية العلمية فى مجال 
الإنسانيات تماماً كما تم تحقيقها فى مجال الطبيعيات ٠‏ واعتبرت الوضعية ابتداء أن 
ارتباط العلم بالأخلاق والقيم من مخلفات القرون الوسطى ومن سمات الفلسفات 
الميتافيزيقية التى ظلت منشغلة فى تحديد الأهداف والمثل وما ينبغى أن يكون عليه 
الواقع الاجتماعى بدل الاهتمام بالواقع نفسه فى لحظته الراهنة . وهذا المسلك فى نظر 
الوضعية . حصر اهتمام هذه الفلسفات فى مجال الانفعالات وحدد مجال بحثها فى 
دائرة الخير والشر وما يتفرع عنها من القيم وهى قضايا زائفة لأنها لا تعبر عن شئ 
قايل للتحقيق من الناحية التجريبية ومن ثم فهى تخرج عن دائرة العلم . 

أما العلم فمجاله دائرة الواقع بعيداً عن دائرة القيم والأخلاق ‏ فهى لا يهتم بما 
ينيغى أن يكون عليه واقع معين » ولا يهتم بتحديد الصورة المثالية لهذا الواقع » بل يهتم 
بما هى كائن ومتحقق فى علم الواقع والتجرية . 

والذى نسجله ابتداء أن مشكلة المفترض بين مجال العلم مشكلة مفتعلة أفرزتها 
ظروف شاذة تمثلت فى الصراع القاسى الذى عرفته الساحة الأوروبية بين قطب موغل 
فى المثالية الدينية المشوهة والمثالية العقلية المتطرفة » وقطب موغل فى الحس لا يعترف 
بوجوب حقيقة علمية خارج دائرة الحس. 

وجدير بالذكر هنا أن المشكلات المعرفية التى أقرزتها عقدة الصراع هذه تعبر 
بالضرورة عن هموم الغرب » وهى خاعنة من خصتوصيياة المعرفية التى وجهت مناهجه 
وعلومه وانعكست على تصوراته ‏ ولا يصح أبداً أن تصبح هذه المشكلة كونية تفرض 
نفسها على ثقافات ذات خصوصيات مغايرة نبتت فى جو خاص من الوئام الفكرى 
والانسجام الكامل بين ما هى عقلى ودينى وحسى ووجدانى . لقد بات من المسلم به أن 
الدراسات الإنسانية التى كان الغرب رائداً لها فى تاريخنا الحديث والمعاصر قد نشأت 
فى جو من ردود الفعل القاسية ولذلك كان المنطقى يل ومن المحتم أن تحكمها مثل تلك 
التصورات . لقد :.صل رواد علم الاجتماع الأوائل ومنذ اللحظات الأولى بين البحث 
الاجتماعى ويين مجال القيم أو بين ما يسمونه أحكام الواقع وأحكام القيمة وذلك 


ه46 


لاعتبارات ميثودولوجية ؛ فقد كانت القيم تمثل فى نظر علماء الاجتماع أخطر عائق في 
سبيل تقدم اليحث العلمى حيث اعتقدوا أن البحث العلمى لا بد وأن يكون بحثاً محايداً 
ومجرداً من كل القيم والمعابير الأخلاقية , ومن ثم فإن علم الاجتماع لا بد وأن يكون 
علماً وصفياً بحتاً , فالموضوعية العلمية تقتضى تحريره من طائفة البحوث المعيارية 
التى تهتم بإصدار أحكام تقويمية على الأشياء وييان ما تنطوى عليه من خير أى شر , 
ومدى اقترايها أو ابتماذها من التمودج المثاقى الذئ يؤمن به شخص ها أق جماعة ها : 

فالالتزام الأخلاقى أو النظرة المعيارية - فى نظر علماء الاجتماع - تعبر عن 
ميولات انسانية ذاتية ؛ وعلى الباحث أن يتخلى - إذا أراد أن يكون موضوعياً- عن 
كل القيم والأفكار التى يعتنقها » وكل التزام قيمى يعتير خروجاً عن المنهج العلمى . 

ومن المؤسف أن هذه القناعة المنهجية التي نادى بها علماء الاجتماع فى الغرب , 
وهى التى تعير عن مشكلات ثقافية ومعرفية خاصة به ؛ من المؤسف أتها وجدت 
طريقها إلى عالمنا الإسلامى وتسريت إلى القائمين على تدريس العلوم الاجتماعية فى 
الجامعات الإسلامية , وذلك من موقع التقليد والتبعية لما هو سائد فى الغرب دون وعى 
بخطورة المشكلة وخصوصياتها . 

تقول 3 هيو الجوفري : تقزرنا مو شيل وتوكه مر اخري ان طلم الالجكها 9 
يمكن أن يكون بديلاً للدين أوالأخلاق يمعنى أنه لا يمكن أن يقدم للناس أهدافاً معيارية 
ويحدد لهم مهام يتعين عليهم أن يؤدوها » وهى يقتصر فى هذا الصدد على وصف 
الظواهر الاجتماعية وتشخيص الظروف الاجتماعية التى تؤثر على ظهور الأفكار العامة 
والمثل العليا أى ما نسميه اليوم الأيديولوجيات )١(‏ . 

ومن المؤسف أن هذا التقليد لم يقتصر على المقلدين للتراث الاجتماعى الغربى 
فحسب بل انتقل إلى المنادين بالتأصيل الإسلامى للعلوم الاجتماعية الذين تبنوها 
بنقس الحماس معتقدين أن ذلك كفيل بأن يرتفع بأساليب ومناهج التفكير الاجتماعى 
الإسلامى من مستوى المواعظ إلى مستوى اليحث الوصفى المحايد والمجرد وهم يذلك 
يفترضون - على غرار الوضعيين - وجود تناقض بين المستويين : مستوى الواقع 
ومستوى القيم والقايات. 

لقد عمل كثير من هؤلاء على التاكيد على أن علم الاجتماع الإسلامى يخرج من 
طائقة البحوث التقويمية ويتجتب مطلقاًالحكم على قيم الأشياء وبيان حسنها أى قبحها 
وما تخطوى عليه من خير أو شر : وميلغ أتفاقها مع المثل الأعلى » قلا يدخل فى علم 


١1 : مقدمة الترجمة العربية لكتاب يوتومورى : تمهيد قى علم الاجتماع ص‎ -١ 
1١54٠ ترجمة محمد الجوهرى وآخْرين - دار المعارف -- ط. كر‎ 


كم 


الاجتماع الإسلامى الحث على التمسك بالفضائل والنهى عن الرذائل كما لا يهتم ببيان 
أثر اتباع القواعد الدينية ومزاياها » وليس من شأته أن يهتم ببيان ما يتميز يه الإسلام 
عن الأديان الأخرى .., فهو يترك هذه الأمور كلها للبحوث التقويمية ويصدر أحكامه 
على الوقائع لا على القيم ؛ وأهميته تكمن فى كونه علماً واقعياً يصف الظواهر كما هى 
لا كما ينبغى أن تكون , فهو علم تقريرى وصفى )١(‏ . 

وطرح القضية بهذا الشكل يوحى بأن المنهجين - الوصفى والمعيارى يقفان على 
طرفي نقيض , فالبحث الاجتماعى إما أن يكون بحثاً وصفياً تقريرياً ومن ثم يكون 
علميا وإما أن يكون بحثاً أخلاقياً وغائباً ومن ثم يحرم هذه الصفة وهذه الدراسة 

تقوم على الجمع بين الاثنين بمعنى أن منهج البحث فى علم الاجتماع الإسلامى وصفى 

تقريرى أولاً وعائى معيارى ثانياً ومن ثم ينتفى هذا التناقض . 

وقبل الدخول في هذا الموضوع بالتفصيل سنبين أن الدعوة إلي الالتزام بالنظرة 
المعيارية ليست بدعاً فى هذا المجال , فرغم التحذيرات والتاكيدات التى أطلقها علماء 
الاجتماع الوضعيين يشان التحرر من القيم والأهداف المعيارية » ظلت بحوثهم ذات 
صفة معيارية تنطلق فى دراستها وتحليلها من واقع القيم الغربية وذات نزعة إصلاحية 
تسعى إلى تغيير نمط اجتماعى معين بنمط آخر مغاير , كما قام اتجاه معاكس يدعو 
إلى التزام النظرة المعيارية ويؤكد على التزام الباحث القيمى ويعتبر ذلك ضرورة من 
ضروريات علم الاجتماع . 


التزام علماء الاجتماع بالنظرة ال معيارية 


بالرغم من أن علماء الاجتماع أكدوا وياستمرار على موضوعية هذا العلم وكانوا 
على قدر كبير من الجرأة والشجاعة فى إعلان التزا مهم العلمى إلا إن الإحايات 
الاجتماعية تدل دلالة واضحة على أن الباحث الغربى ظل فى كل ما كتب مغيزا عن 
القيم الغربية وملتزما أ بالنظرة الاستعلائية لهذه القيم تجاه بقية الشعوب خاصة وأن 
ظهور علم الاجتماع ونموه فى الغرب صادف فترة تاريخية حساسة تميزت بصراع 


-١‏ هذه العبارات جميعها ماخوذة من المحاولات الداعية إلى التأصيل الإسلامى للعلوم الاجتماعية والتأسيس المنهجى 
لعلم اجتماع إسلامى . وأذكر منها المراجع الآتية : علم الاجتماع الإسلامى ٠د.‏ زيدان عبد الباقى ؛ ص ٠ ١‏ علم 
الاجتماع الإسلامى د. سامية مصطفى الخشاب . ص : 7" . نحو علم الاجتماع الإسلامى: د. زكى محمد 
إسماغيل ص : ل . ندو علم اجتماع إسلامى 1١‏ . أحمد المكتارى ٠‏ مجلة المسلم المعاصر العدد : ؟'؟ بص : 55 , 
التفكير الاجتماعى دراسة تكاملية للنظرية الاجتماعية د. أحمد الخشاب , الفصل الخاص يعلم الاجتماع الإسلامى» 
ص :118 , 


/الم 


الحضارات والقيم والمبادئ والأقكار والمعتقات وكان الغرب فى كل ذلك ينطلق من موقع 
القوة والسيادة , ولم تكن الدراسات الاجتماعية لتأخذ شكلاً مغايراً لطبيعة هذا الموقع 
يحيث استقر فى ذهن الباحث الغريى وحجود نوع من التلازم بين التفوق العسكرى 
وإفلاس القيم فى المجتمعات المغلوبة من جهة أخرى وقد ظلت هذه الخلفية حاضرة فى 
ذهن الباحث الغربى فى دراسته الاجتماعية الانثرويولوجية لبقية الشعوب التى ينظر 
إليها نظرة مقارنة فى ضوء مقاييسه ومعاييره هى » ومن ثم تأتى أحكامه على هذه 
الشعوب التى يصفها بالتخلف والانحطاط والبدائية . وقد أكد هذه النظرة المعيارية 
المقارنة عالم الأنثرويولوجية الشهير أيفائز بريشارد الذى يقول : 

' يجب أن نتذكر أن عالم الأتشرويولوجيا حين يحاول تأويل ملاحظاته على 
المجتماعات البدائية فإنه يقارتها دائما ولى بشكل ضمنى بما يجده فى المجتمع الذى 
ينتمى إليه".(١)‏ 

لقد عمل علماء الاجتماع على تأكيد سيادة وتقوق النمط الغريى على 1 
الثقافى والسياسى والاجتماعى وعلى مستوى السلوك والأخلاق والقيم والنظم .. 
العيث أن تقول أن محاولاتهم هذه ع محاولات علمية ومحايدة وتستيعد الأحكام 
المعيارية وتتجرد عن المقاييس الأخلاقية 

لقد أكد ماكس فيبر - وهو واحد من أبرز من قام بالدعوة إلى ضرورة الحياد 
الأخلاقى وتجنب النظرة المعيارية - أكد على تفرد الحضارة الغربية والنمط الثقافى 
الفريى. فهى يعتقد أن العلم لم ينم إلا فى الغرب . والغرب وحده هى الذى أقام نظاماً 
سياسياً مقنناً . وليس هناك إطلاقاً ما يعادل البيروقراطية الأوربية المكونة من 
متخصصين ومشرعين «فنيين . وليس هناك اقتصاد منظم كما هى فى صورته 
الرأسمالية وحتى السلوك والديانات تتمتع بنفس التفوق . لقد انتهى ماكس فيير - كما 
يقول جوليان فروند- إلى التساؤل عما إذا كانت هذه الأصالة راجعة إلى صفات وراثية 
نظراً لما نصادفة فى الغرب وقى الغرب وحده ودون انقطاع من تعقيل أنموذجى إلى حد 
بعيد » لقد عكف فيبر وبكثير من الاهتمام والفضول على العالم الغربى فى أصالته حتى 
أنه - كما يقول جوليان فروند - يخلق فينا الانطباع بأن الدراسات التى خصصها 
للهندوكية والصين والثقاقات الأخرى لم تكن إلا برهاناً مضاداً غايته إيران أصالة 
الحضارة الغريية إيرازاً أحسن وأقوى .() 
-١‏ الانثرويولوجيا الاجتماعية ايفائز بريتشارد - ترجعة أحمد أبو زيد - الهيئة المصرية العامة للكتاب - ط /1/ 

القاهرة/ ١98٠‏ ص : .؟ 


7- علم الاجتماع عند ماكس فيبر - جوليان - ترجمة تيسير شيخ الأرض - منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومى - 
مشق / 159/1 - ص اك 170,177 


44 


وبالمثل يقول ريمون آرون :"إن المجتمع الصتاعى وهى مجتمع أورويا الغربية يتمتع 
تخاصة مولح بحاي عيدب الإنضانة كلما قلم يقم دليل على أن كونت كان 
خاطناً حدما اعتقد عتقد بأن يعض أبعاد المجتمع الصناعى فى أورويا كانت لها رسالة 
عالمية؛(1) 

واسنا فى حاجة إلى أن نذكر بالنزاعات العرقية التى طبعت علم الاجتماع الغربى 
والتى سبق الحديث عنها لكن حسبنا أن نقول هذا " أن المجتمعات التى تَعتُوها 
بالمجتمعات المتخافة والبدائية ؛ وهى المجتمعات المنتمية للعالم غير الغربى والتى كانت 
موضوع دراستهم كانت مجتمعات جامدة غير قادرة على رفع أصيع واحد بالانتقاد 
لساتذتها » وقد تم تكوين النظرية تلى النظرية لإيجاد صياغة لتلك الحقائق التى كانت 
تعد جزءاً لا يتجزأ من الرأى الغربى عن العالم , فالعقل الغريى كان بعيداً عن الإدراك 
بأن فهم الأديان الأخرى أو الحضارات الأخرى أو الثقافات الأخرى يتطلب نوعاً من 
التحيز المضاد وتعاطفاً مع الحقائق.(؟) 

- النزعة الإصلاحية عند علماء الاجتماع والتزام النظرة المعيارية: 

أكد علماء الاجتماع ويإلحاح على ضرورة تحليل الواقع الاجتماعى المطلوب دراستة 
دون تحديد للأهداف والغايات بمعنى أن مهمة علم الاجتما ع تقريرية استطلاعية وصفية 
وليست مهمة إصلاحية غائية » ونذكر هنا العبارة الشهيرة التى أطلقها دوركايم حين 
قال: ' إن علم الاجتماع لا يلتم بخلق المثال بل على العكس تماماً يتناوله كموضوع 
للدراسة ويحاول تحليله وتفسيره () . ولكننا حينما نترك الشعارات جانباً ونتعمق فى 
فهم ودراسة التراث ث الاجتماعى الوضعى نقف على النقيض تماماً » فبالرغم مما أبداه 
علماء الاجتماع من إصرار على هذا الشعار إلا أنهم لم يلتزموه » وقد كانت لهم مثلهم 
وأهدافهم ويرامجهم الإصلاحية . إن دوركيم نفسه لم يمل - كما سبق أن رأينا- من 
التصريح بأن مهمتة إصلاحية وتتمثل فى استبعاد المثل الدينية لتحل محلها المثل 
العلمانية 

إن دوركايم - يشير إلى ذلك نقاده - يؤمن بالتقدم الأخلاقى ويعتقد فى إمكان 
وصوله فى دراساته الاجتماعية إلى منظومة جديدة ة يمكن أن تكون صحتها مؤيدة 
بالعلم » وقد كان يأمل فى أن يكون علم الاجتماع قادراً على إحداث بنى اجتماعية أمتن 
لكى يقوم مقام البنى التى تداعت بسقوط التنظيم الامبراطورى السابق ؛) . 


0 رع نان أع 501010 ع6ددعم 18 06 5عم613 165 - 
7 لنقصئلة© 155زلظ, 2:68 دمعه 
؟- مقال بعذوان : صياغة العلوم الاجتماعية صياغة إسلامية د. اسماعيل القاروقى . 
مجلة المسلم المعاصير نعدد : ٠٠١‏ ص : "١‏ 
(.0.5آ.1957)60تععممط 141,رستعطلسط.ظارعءتطمهدهاتهم اء عزعم[امء50 - 
5- علم الاجتماع عند ماكس قدير , جوليان فروند ؛ من ,١6‏ 


4 


لقد سخر دوركايم علم الاجتماع لأهداف إصلاحية تقوم أساساً على أسس علمانية 
والحادية ومادية قصد إحداث تغيرات عميقة داخل البنية الاجتماعية والثقاقية والغربية 
ولم يمنعه التزامه العلمي من التصريح بأن علم الاجتماع لم يكن ليستحق ساعة من 
الاهتمام إذا لم يمكننا من تحسين المجتمع )١(‏ . 

وإذا رجعنا إلى الوراء نجد أن قيام علم الاجتماع فى الغرب حدد أهدافه منذ 
اللحظة الأولى مع جهود كونت بتحقيق إصلاحات اجتماعية تكون قادرة على القضاء 
على الفوضى الاجتماعية التى كان المجتمع الفرنسى يتخبط فيها بعد الثورة الفرنسية. 

على أن هذه النظرة الإصلاحية لم تكن من تقاليد الرواد الأوائل قحسب ؛ بل امتدت 
عند الأجيال التالية ولم يملوا من التاكيد علي أن من المهام التى يركز عليها علم 
الاجتماع القيام يتقويم ما هى موجود من نظم وطقوس وعادات وأيدولوجيات وما 
شاكلها على أساس كفاءتها الوظيفية وقابليتها للتحسين . ') وواضح أن أية نظرة 
إصلاحية إلى المجتمع وأية محاولة فى سبيل تغيير الوضع القائم نحى نموذج اجتماعى 
أمثل لا بد وأن يحمل تصوراً معيناً وأن ينبثق عن مقابيس معينة ويتم فى ضوء معايير 
تعير عن قناعة الياحث الاجتماعى وتستجيب لتلغايات التى بهدف إليها 5 

ويالرغم من وضوح هذه الرؤية » فإن علماء الاجتماع في العالم الإسلامى انساقوا 
وراء دعاوى الميثودولوجية الوضعية بشأن استيعاد علم الاجتماع لكل نظرة إصلاحية 
أى رؤية معيارية » وأكد آخرون أن علم الاجتماع الإسلامى لا يمكن أن يكون علمياً 
خالصاً ما لم يستيعد العناصرالمعيارية منه ويلتزم المنهج الوصفى على الخصوص. 
7# أرتباط علماء الاجتماع بالنظرة المعيارية رغم القيود النظرية : 

هذه النقطة التى نثيرها ذات أهمية خاصة من حيث أنها تكشف عن التناقضات 
التى وقعت فيها الميثودولوجيا الوضعية . قبالرغم من أن علماء الاجتما ع كانوا يحذرون 
ياستمرار من التوجيهات القيمية والمعيارية حيث أكنوا على أن الفصل التام بين وجهات 
النظر الأخلاقية والأيدولوجية والدينية عن وجهة النظر السوسيولوجية . بالرغم من هذه 
التأكيدات . فإن دراساتهم لم تكن لتخلى من هذه التوجيهات بحيث عكست انتماءات 
الباحث الأخلاقية والأيديولوجية التى يصدر في تحليلاته وفق أصولها ومقرراتها كما 
شهد بذلك الصراع الأيديولوجى الذى يعتبر المسئول الأول عن تقسيم النظرية 
الاجتماعية إلى قطبين متصارعين متناقضين على كل المستويات .لقد تعرض علماء 
-١‏ .369 رهوتفخ]آ رعدوأعه500101 ع 6ومعم 15 6ل كعمداء 15 - 
؟- مجلة الثقافة العالمية العدد : ه ص : 75 السنة : 1945/١‏ 


مقال بعتوان : حول مستقيل نظرية علم الاجتماع يقلم تيودور ايبل. 


0 


الاجتماع الذين دعوا إلى ضرورة الدراسة الموضوعية المتحررة من القيم لنقد شديدة 
يكشف عن الزيف الذى تحمله هذه الدعوة والتى كاتنت تهدف إلى تبرير سيادة القيم 
والمعايير والأيديولوجيات التى يدين بها الباحث . لقد أكد دوركايم أن علم الاجتماع 
لايمكن أن يكون علماً فردياً أو شيوعياً أى اشتراكياً , ولابد وأن يتحرر من التوجيهات 
السياسية والأيديولوجية ولكن التراث السوسيولوجى الذى يصدر عن وجهة النظر 
الرأسمالية يسعى جاهداً إلى التاكيد على أن علم الاجتماع لا يمكن إلا أن يكون 
رأسمالياً » فقد د'فع دوركايم عن هذا النظام ضد النظام الاشتراكى ٠‏ ودافع باريتى 
عن دور الصفوة فى المجتمع ؛ وهاجم الأنظمة الاشتراكية تحت تأثير القيم الرأسمالية 
التى يدين بها وهى تعبير عن مأزق المنهج الوضعى من حيث الانفصال التام بين 
التوجيهات النظرية والنتائج العلمية . وقد عبر جوليان قروند عن حقيقة هذا المأزق 
خاصة مع دوركايم الذى اعتبره النقاد رائد الالتزام والموضوعية فى زمانه » وأكد أن 
الخطأ العميق الذى وقع فيه دوركايم كان حينما أعاد خلسة إدخال أحكام القيمة فى 
عالم الاجتماع لديه وهى الذى استنكرها بحق نظرياً » وهى بذلك أسهم فى استمرار 
خلط كان أول من رفضه فوقع تحت طائلة منع علم الاجتماع من الوصول إلى مرتبة 
النظام الوضعى والاختيارى )١(‏ . 

لقد أكدت الميتودولوجيا الوضعية فى اصرار على أن العلوم الاجتماعية ملتزمة 
علمياً وأن الباحث لابد وأن يقف موقفاً محايداً تجاه الوقائع والظواهر الإنسانية ولكن 
هذا الالتزام لم يكن أكثر من قيود نظرية قلما يتم الالتزام بها علمياً وهو دليل على أن 
العلوم الإنسانية والاجتماعية هى بالفعل علوم قيمة وأن التحرر من القيم التوجيهات 
مناقض لطبيعتها الأصلية فهى أى هذه العلوم تنتقى وقائعها وتصوغ مسائلها من 
موقف القيمة(؟). 

هذه النتيجة الأخيرة التى انتهينا إليها والتى تتلخص فى أن العلوم الإنسانية علوم 
قيمية تعكس تصورات الإنسان ومعاييره , أصبحت تجد قبولاً عند كثير من علماء 
الاجتماع الوضعيين أنفسهم والذين رفضوا الاستمرار على تبنى تلك المقولات 
التقليدية الزائفة » وكانت حجتهم أن وجود علم الاجتماع الخالى من القيم لم يوجد قط 
ولا يمكن أن يوجد أبداً . يقول أليكس أنكلز : ' على الرغم من أن التطلع إلى علم 
اجتماع متحرر من القمة أو محايد سياسياً كان هو الاتجاه السائد بين علماء 


. ١6 : علم الاجتماع عند ماكس قيير ص‎ -١ 
؟- الموضوعية فى العلوم الإتسائية د. صلاح قنصوه .ص:14817.‎ 
١94. / دار الثقافة للطباعة والنشر / القاهرة‎ 


5١١ 


الاجتماع إلا أنه وجد من عارض هذا الموقف بشدة ومن هؤلاء رويرت ليند . فقد رفض 
فكرة عدم ارتباط العلوم وأكد أن العلوم الاجتماعية كانت وستظل دائماً أدوات أى 
وسائل لمعالجة التوترات والضغوط التى توجد فى الثقافة ومن ثم أخذ يحفز العلماء 
الاجتماعيين إلى الاستجابة للحاجات العامة إلى الإرشاد والتوجيه في السياسة عن 
طريق تخطى تقليد الموضوعية العلمية . ومن هؤلاء أيضاً يقول الكاتب جونار ميرال 
الذى عرض هذه المسألة فى مقال له عن النظرية الاجتماعية والسياسية حيث كتب 
يقول: ' إننا يحاجة إلى وجهات نظر على أن تسلم بالتقويم » والعلم الاجتماعى الذى 
ينفصل من وجهة النظر هذه شيئاً قارغاً تعامأً ولم يحدث أن وجد هذا العلم كما لن 
يكون له وجود ومن هؤلاء الذين ساروا فى اتجاه مماثل رأيت ميلز الذى صاغ أفكاره 
بشكل ممائل فى كتابه عن الخيال السوسيولوجى ١(‏ 

ولعلنا نجد قى هذا النص ما يكفى للدلالة على هذا المنحى الجديد الذى سار فيه 
كبار علماء الاجتماع فى وقت ظل فيه أتياع علماء الاجتماع الوضعيين فى بلادنا 
ملتزمين بالصيغ التقليدية والقوالب الشكلية الزائفة للموضوعية هى نفس المقولات التى 
رددها بعض المهتمين بالصياغة الإسلامية للعلوم الاجتماعية معتقدين أنهم بذلك 
يكسيون هذا العلم أكير قدر من الموضوعية والعلمية ليدفعوا يذلك تلك التهمة التى واجه 
بها العقل العريى والإسلامى بخصوص التزامه النظرة المعيارية والقيمة ؛ تلك النظرة 
التى قال عنها البعض أنها نظرة اختزالية تختصر الشئ في قيمته وبالتالى فى المعنى 
الذى يضفيه عليه الشخص أو المجتمع أو الثقافة 0 
الموضوعية التى تبحث فى الأشياء عن مكوناتها الذاتية وتحاول الكشف عما هى 
جوهرى وتحلل الشئ إلى عناصره الأساسية!') . وهذه النظرة تحمل كثيراً من 
المغالطات على عادة العلمانيين وسوف نتبين فى هذا المبحث المقبل ما سبقت الإشارة 
إليه من أن العقلية الإسلامية لا تقوم على النظرة المعيارية فحسب بل تتلازم فيها 
النظرتان المعيارية والوصفية معاً وهى نظرة ليس أمام العلمانيين سبيل إلى إنكارها أو 
التقليل من قيمتها العلمية ويالذات بعد أن قامت الدعوة إلى التزام التحليل 
السوسيولوجى بالنظرة المعيارية والقيمية . إن وجهة النظر هذه كما يقول التقاد 
الاجتماعيون أصبحت تشكل أحدث قناعات علماء الاجتماع وقد صرح بذلك الكاتب 
الانجليزى لوى ووث الذى يقول : إذا كانت المناقشات التى دارت حول الموضوعية فى 
الماضى تنطلق مؤكدة ضرورة إزالة وحذف كافة التحيزات الفردية والتعرضات 


-١‏ مقدمة فى علم الاجتماع , لألكس أنكلز , ص : 18/4 , ترجمة: محمد الجوهرى وآخرين الطيعة الرايعة , دار المعارف. 
القاهرة /ر 154٠‏ 
؟- تكون العقل العربى صن : ١؟ ٠‏ د.محمد عايد الجايرى ٠‏ دار الطليعة بيروت ؛ الطبعة الأولى 15414. 


35 


الجماعية فإن منهج اليحث الحديث يدعو إلى المزيد من استرعاء الانتباه للأهمية 
الإيجابية الخاصة والمعرفة بكل تلك التحيزات والتعرضات . فبينما كان منهج البحث 
القديم يحدد الموضوعية بقصل الموضوع وعزله عن الذات فإن منهج البحث الجديد يؤكد 
العلاقة الوثيقة القائمة بين الموضوع والذات العارفة المدركة . وتقول أكثر وجهات النظر 
حداثة بأن الموضوع يبرز من الذات حيث تتركز مصاحة المذات فى مجرى الخبرة على 
مظهر خاص من مظاهر العالم" () . 

كثيراً ما يريد أتباع النظرية الاجتماعية الوضعية فى بلادنا أن علم الاجتماع - بما 
فى ذلك علم الاجتماع الإسلامى - يهتم بما هو كائن لا بما ينبغى أن يكون ؛ ولكن 
نقاد الوضعيين المتحررين من ثقل التبعة يقفون موقفاً معاكساً تماماً . لقد استقر فى 
عرف علماء الاجتماع بالفعل ألا يكلفوا أنفسهم عناء التورط فى رسم الأهداف 
والغايات ولكننا - يقول لوى ورث - عندما ندرس ما هو كائن لا نستطيع أن نتحاشى 
كلياً ما يجب أن يكون ؛ فحوافن العمل وأهدافه تكون فى الحياة البشرية جزءاً من 
العملية التى يتم بموجبها إنجاز العمل ومعرفة الحوافز جوهرية وأساسية فى البحث 
عن العلاقة القائمة بين الجزء والكل . وإذا كانت العلوم الاجتماعية يقول الكاتب - تهتم 
بالمواضيع ذات المعانى ولها قيم فيجب على الباحث الذى يرغب فى معرفتها القيام بذلك 
عن طريق وضع مقولات تعتمد بدورها على ما لديه من قيم ومعانى يسبغها على تلك 
المواضيع . ونشير هنا إلى أن هذا المنحى الجديد ليس مجرد وجهة نظر قد تكون 
مقبولة أو مرفوضة, وإنما أصبح يشكل اتجاهاً متميزاً بعد أن نال العنصر القيمى 
الاعتراف الرسمى فى المعرفة الاجتماعية كما يذكر الكاتب () . 

ومن هنا فإن الدعوة إلى ضرورة التزام علم الاجتماع الإسلامى بالنظرة المعيارية 
ان تكون دعوة خجولة أمام الاعتراضات الشديدة التى تواجهها وإنما يجب أن يتم 
طرحها على أساس أنها تشكل تحدياً يتجاوز النظرة الاجتماعية نفسها . 


علم الاجتماع الإسلامى والتزام النظرة المعيارية 


-١‏ المعيارية بين المعنى الوضعى والإسلامى 
تكد لدينا من خلال المبحث السابق أن التزام النظرة المعيارية والقيمة قد رافقت 
النظرية الاجتماعية منذ بذورها الأولى حيث ارتبطت بالنزعة الإصلاحية , كما أن علماء 





-١‏ مقدمة الترجمة الانجايزية لكتاب كارل مانهايم : الايديواوجيا والطبائية ص : ١؟‏ ترجمة عبد الجليل الطاهر ‏ مطبعة 
الإرشاد يقداد/ 1514. 
؟- المصدر السايق : ص : ”8 عع 


4 


الاجتماع بالرغم من كثرة تحذيراتهم من خطرالتوجيهات القيمية وتظاهرهم بالتزام 
المنهج الوصفى التقريرى ظلوا ملتزمين بقيمهم ومعتقداتهم. وأخيراً وقفنا على هذا 
المتعطف المنهجى الخطير الذى دعا إلى ضرورة تجاوز النظرة التقليدية لمعنى 
الموضوعية , وهذا يعنى أن النظرية الاجتماعية سواء اعترف بذلك أم لا قد ظلت عملياً 
مرتيطة بالتوجيهات القيمية وملتزمة بالنظرة المعيارية فى تفسيراتها وتحليلاتها » وفى 
ما يصدر عنها من قرارات ومن أحكام . 

على أن الدعوة إلى الالتزام المعيارى لن تكون دعوة مقدمة وزائفة » بمعنى أننا لن 
نعيد مأساة الميثودولوجيا الوضعية بحيث نؤكد على المستوى النظرى التزامنا بالمنهج 
الوصفى التقريرى فى الوقت الذى تعمل فيه على تبرير قيمنا ومقاهيمنا وتسويغ 
معاييرنا. قالتزمنا بالنظرة المعيارية يأخذ شريعته وأصالته من المنهج الذى يؤكد على 
ضرورة تجاوز المستوى الوصفى إلى المستوى المعيارى كما سنوضح يالتفصيل . 

إن كثيراً من المحاولات التى سعت إلى تأسيس علوم اجتماعية إسلامية رغم 
الجهود المشكورة التى قدمتها لم تكن قادرة على الإقناع بهذه الفكرة والسبب فى ذلك 
يرجع إلى تصورهم الخاص لمعنى المعيارية التى ارتبطت فى أذهانهم بالمعنى الغريى 
والوضعى ٠‏ وهى معنى سلبى إلى حد بعيد ‏ وهذا يقتضى أن نميز بين المعيارية 
المتعارف عليها وهى المعنى الشائع فى الكتابات الاجتماعية الوضعية ويين المعنى 
الإسلامى لهذا المقهوم . وفى رأيى أن هناك فارقين أساسيين يحددان استعمال هذا 
المفهوم فى كل من النسق الوضعى والإسلامى . 

أ- الفارق الأول : تطلق كلمة معيار بمعناها الوضعى على النموذج المتخذ أساساً 
للقياس وما ينيغى أن يكون عليه السلوك العام والمواقف الجماعية بالنسية للمشاعر 
السائدة فى المجتمع ) . 

ويطلق مصطلح المعيارالاجتماعى على قاعدة أو مستوى سلوكى تحدده التوقعات 
المشتركة لشخصين أو أكثر اعتماداً على السلوك الذى يعتبر ملائماً من وجهة نظر 
المجتمع(”) 1 

وواضح أن تحديد معنى المعيار أى المعيار الاجتماعى أو المعيارية بهذا الشكل يحيث 
يستتد إلى المقاييس المتعارف عليها اجتماعياً وعرفياً معناه فتح الباب أمام النزعات 
الذاتية ووجهات النظر الشخصية التى تتعدد بقدر تعدد المثل الاجتماعية ومن ثم فهى 
معايير نسبية قابلة للاختلاف والتعارض زماناً ومكاناً مع العلم . إن السوسيولوجية 
-١‏ معجم العلوم الاجتماعية ص : 051 . تاليف مجموعة من الأساتذة مراجعة د. إبرأهيم مدكور . الهيئة العامة للكتاب 


سمتة : ولاوا. 
-٠‏ قاموس علم الاجتماع د. محمد عاطف غيث . الهيئة المصرية العامة للكتاب 181/4 ص : 7١4‏ . 


5 


قامت أساساً لمحارية النزعات الذاتية والشخصية لتحل محلها النزعة ا موضوعية 
العلمية الخالصة . ومن هنا استهدفت استيعاد الأحكام المعيارية وعلى العكس تماماً 
من هذه النظرية الوضعية فإن المعيارية فى المفهوم الإسلامى لا تستند إلى المقأييس 
الاجتماعية بل تأخذ معاييرها من الوحى تفسه الذى يتجرد من كل النزعات الشخصية 
والذاتية » وهذا هو الفارق الأساسى بين المفهومين , فالمفهوم الأول له معنى ذاتى 
والثانى له معنى موضوعى . ومن ثم قليس لنا أن نستيعد النظرة المعيارية ما دامت 
العلة الأساسية التى من أجلها استبعدتها الميتودولوجيا الوضعية منفية . 

ومن هنا نقول وفى غير تردد إن المحاولات التى استهدفت استبعاد النظرة المعيارية 
من علم الاجتماع الإسلامى لم تكن مؤسسة على فهم واضع ولم تكن قادرة على 
التمييز الوأعى بين المعنيين بقدر ما كانت تنبثق عن تقليد لما هو سائد وشائع فى 
الغرب. 

ب- الفارق الغاني : بخصوص الدلالة العلمية للمعيارية ؛ يستخدم هذا اللفظ للدلالة 
على المتهج المعيارى الذى يقابل المنهج الموضوعى أو الوصفى التقريرى. قلفظ 
المعيارى" كما ورد فى معجم العلوم الاجتماعية صفة مشتقة من معيار.وتستخدم فى 
وصف ما ليس تقريراً أو واقعياً بل ما ينبغي أن يكون بالنسبة إلى مقابيس معينة 
واستخدم هذا المصطلح فى التقسيم التقليدى للعلوم ؛ فهى إما علوم وصفية أى علوم 
معيارية : الأولى تهتم بدراسة ما هو كائن مثل علوم الطبيعة والبيولوجيا... والثانية 
تهتم بدراسة ما ينيغى أن يكون )١(‏ ويناء على هذا التصور ركزت الميتوبولوجيا 
الوضعية على النموذج الطبيعى وطبقته فى مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية . 

وهذا التتصور يقوم فى أساسه على وجود تعارض بين المنهجين بمعنى أن 
الدراسات الإنسانية إما أن تكون وصفية تقريرية ومن ثم تكون علمية وإما أن تكون 
معيارية وغيرعلمية . وقد عكس هذا التصور الوضعى علماء الاجتماع فى بلادنا » ومن 
بينهم بعض الباحثين الذين سعوا إلى تحقيق التأصيل الإسلامى للعلوم يقول الدكتور 
زكى محمد اسماعيل : " إن علم الاجتماع يدرس النظم والظواهر الاجتماعية لا فى 
كونها ظواهر مطلقة من قيود الزمان والمكان وإنما من خلال وجودها فى رمان ومكان 
معين وهذا هو الأساس الذى يميز علم الاجتماع كعلم عن الفلسفة كفكر تقديرى يعبر 
عما أن يكون من أقكار وتصورات الفلاسقة "9) , 

أما الميثودولوجيا الإسلامية فهى لا ترى وجود مثل هذا التعارض مطلقاً » فالمسالة 
ليست مسالة تعارض وتقابل بقدر ما هى مسالة تكامل وتطايق ؛ يمعنى أن هناك 


ساس مه 


. معجم الفلوم الاجتماعية : ص لاولا‎ -١ 
. 1441 / ؟- نحى علم الاجتماع الإسلامى . ص : 4 . زكى محمد إسماعيل دار المطبوعات الجديدة : الأسكندرية‎ 


5 


تلازماً بين المعيارية والوضعية , فالمنهج الإسلامى منهج وصفى تقريرى أولا معيارى 
قيمى ثانياً . وهذا الفارق الأساسى مع الميثودولوجيا الوضعية التى تفصل بين الاثنين 
وتقايل بينهما وهى افتعال لا نرى له ميرراً على الإطلاق . هذه الفكرة الأخيرة التى 
انتهينا إليها نعتقد أنها متفقة تماماً مع مضمون الوحى ومنطوق الكتاب والسنة وهى 
مستوحاة من دلالة الآيات التى سنعرض لنماذج منها » ومن ثم نرى أن دعوة المهتمين 
بعلم الاجتماع الإسلامى بالذات إلى الفصل بين المنهجين لم تكن منطلقة من وحى 
الإسلام بقدر ما كانت تعكس الأقكار المعاصرة الشائعة . 
"- تلازم الوضعية والمعيارية فى الميقودولوجيا الإسلامية : 

هناك طائقة من السوسيولوجيين الإسلاميين رفضوا المعنى الشائع للمعيار ية 
وألحوا على ضرورة التزام الباحث الاجتماعى المسلم بمرحلتين متتايعتين قى عملية 
البحث . فى المرحلة الأولى يجتهد الباحث من أجل أن يقهم الواقع الاجتماعى المدروس 
ويكتشف قوانين الحركة والتطور والكتاب فيه » ويقف على عوامل الاتحطاط والارتقاء 
وفى أثناء هذه العملية لا يكون لديه أى التزام أى تعصب ما أو إدراك الحقيقة ومعرفة 
الواقعة المطروحة للبحث . ويعد أن يتعرف عليها ويكتشف أبعادها تأتى المرحلة الثانية 
وهى التى يحدد فيهاأهدافه وغاياته ويعطى فيها تقويماته ويعلن فيها عن مواقفه )١(‏ , 

فالمرحلة الأولى من البحث تعتبر مرحلة تقريرية محضة يهدف فيها الباحث إلى 
اكتشاف الواقع الاجتماعى موضوع الدراسة وهى مرحلة أساسية ياعتيارها تجسد 
الواقع الاجتماعى أمام البياحث كما هى فى حقيقته وتدرسه دراسة موضوعية تكشف 
عن مدى العيوب التى يعج بها المجتمع . واكتشاف هذه العيوب عن طريق مراقبة سلوك 
الناس وتصرفاتهم تعتبر بالقعل خطوة أساسية لأى إصلاح أو تقويم ولن يتأتى إصلاح 
ما إلا بالمرور بهذه المرحلة إذ بالوقوف على هذه الاتحرافات نستطيع تشخيصها 
ومعالجتها . ومفرق الطريق بين نظرتنا هذه ويين النظرة الوضعية تكمن فى أن 
الوضعية تقف عند حد الوصف ومن ثم يكتسب السلوك الاجتماعى السائد صيغة 
الشرعية بيتما يتجاوز الباحث المسلم مرحلة الوصف إلى مرحلة التقويم وطرح البديل 
فى ضوء مقاييس يستقيها من انتمائه الأيديولوجى أو المذهبى المستمد من الوحى . 

فعملية التقويم تأتى بعد عملية البحث الموضوعى الذى يستوفى شروط الاستقصاء 
والتحرى والضبط ؛ وهى تجسيد نظرتنا إلى العلم على أنه ملتزم أخلاقياً وليس حيادياً 
كما هى الأمر مع العامانية أى الوضعية التى تقوم على مبدأ العلم للعلم . 


: ترجمة إبراهيم دسوقي دار الزهراء للإعلام العريبى / القاهرة ط‎ . ١١5 : العودة إلى الذات د. على شريعتى ص‎ -١ 
11ر١‎ 


13 


إن الاقتصار على الدراسة الوصفية الاستطلاعية يجعل من العلم أداة عقيمة يفقد 
معها دلالته ووظيقته » فالباحث الاجتماعى لابد وأن يتخذ موقفاً بالنسية لما يعلم وما 
ثبت له من الحقائق ؛ وهو أولى وأحق بهذه العملية من السياسين والمتعصبين والعامة 
والجهال(١).‏ 

وهذا التصور الذى تقدمه نعتقد أنه متفق مع مبادئ الوحى ومقرراته ومطايق 
لحديث القرآن عن الظواهر الاجتماعية حيث يتجاوز تقرير الحقائق إلى تقييمها وتحديد 
موقف حاسم منها سواء كان هذا الموقف سلبياً أى إيجابياً . فحين يتحدث القرآن عن 
ظاهرة ما فإنه يجسدها كما هى فى حقيقتها وكماعيشت فى واقعها ويحدد مواصفاتها 
ولكنه يتجاوز هذا الأسلوب التقريرى ليعطى تقويماً محدداً ويسجل موقفاً معيناً إزاء 
تلك الظاهرة . 

وتوضيحاً لهذه الفكرة نعرض لهذه الآية كمثال يبين تلازم هذين المستويين . يعرض 
القرآن وصفا لطبيعة الأعراب كفئة منعزلة ويعيدة عن مراكز التاثير تكونت لديهم 
الكريمة: ١‏ الأعراب أشد كفرآ ونفاقآ وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله » 9) . 

فالقرآن يسجل هنا ظاهرة فى حياة الأعراب وهى الجفاء والبداوة المستحكمة وما 
يستتبع ذلك من شدة الكفر والنفاق وعدم مراعاة الحدود الشرعية ....... وهذه كلها 
مواصفات يسجلها القرآن فى حق جماعة معينة . غير أن المتعمق فى فهم النص 
القرآنى يجد النص أو الآية توحى بدلالة أبعد من هذا الوصف الظاهرى حيث تشعر 
القارئ بأن هذه الحالة غير مطلوية ولا مرغوب فيها وهنا يتجاوز الحديث القرآنى 
وسجلت موقفاً سلبياً إزاء هذه الظاهرة . ويالمثل فإن حديث القرآن عن تجارب 
السابقين فيه استقصاء لأحوالهم وتعرف على أخلاقياتهم ووصف لسلوكهم وتصرفاتهم. 
وهذه الأمثلة التى ساقها القرآن تعبر عن تجارب بشرية سابقة عيشت فى ظروف معينة 
كانت لها ملايساتها الخاصة بها ولكن حديث القرآن عن هذه التجارب سرعان ما 
يتجاوز الأسلوب الوصفى إلى إعطاء تقييم شامل لتلك الوقائع التاريخية وإبراز الدوافع 
الكامنة وراء الدمان والانحطاط أو السمى والارتقاء ومن ثم يدعى إلى أخذ العبرة بتلك 
التجارب وفهم مغزاها . فلم يكن الوحى ليحصر هدفه فى مجرد الإخبار عن تجربة 
بشرية اجتماعية مذست دون أن يستثمر بعمق هذه التجربة ولذلك نجد التركيز على 
الحدث وأسبابه ونتائجة دون التركيز على عناص رالحدث ومكانه وتاريخه ... » والغرض 
-١‏ العودة إلى الذات ص : ١91١‏ 
؟- التوبة /إهة 


ع5 


ثابت لا يتخلف : إعطاء تقييم صحيع للواقعة والاستفادة منها فى التجارب البشرية 
المعاشة أو اللاحقة وهى ما تنص عليه الآية صراحة : ١‏ يريد الله ليبين لكم ويهديكم 
سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم »> () 

فالقرآن حين يتحدث عن ظاهرة ما يتناولها من الوجهتين : الوصفية والمعيارية معاً » 
وهما أسلويان متلازمان عل الدوام لا ينفصل أحدهما عن الآخر ومن ثم نقول: إن 
المنهج القرآنى فى الحديث عن الظواهر الاجتماعية منهج هادف ؛ وليس مجرد وصف 
وتقرير فهى إلى جانب كونه موضوعياً يعبر عن الحقائق الاجتماعية كما هى فى الواقع» 
ويبرز الأسباب والمؤثرات الفاعلة ولا يسقط من حسابه النظرة المعيارية التى تبرن 
العتاصر الايجابية أى السلبية قى الظاهرة . 

ونسجل هنا أن كل إخلال يأحد الجانبين إخلال بالمنهج العلمى ككل , فالاكتفاء 
بتحديد المثل والغايات تجاهل للواقع بحيث يتيه الباحث فى المثاليات وتحديد المثل 
والغايات دون أن يكتسب أرضية صلبة يقيم عليها بناءه ؛ كما أن الاكتفاء بالوصف 
والتقرير يفقد العلم رسالته فى الحياة ويجعله مجرداً من أهدافه المرجوة . 


الحياد الأخلاقى بين الميغودلوجيا الوضعية والإسلامية 


: الميفودولوجيا الوضعية والحياد الأخلاقى للعلم‎ -١ 

كان لهذا التوجه المنهجى الذى سارت فيه الوضعية نتائج خطيرة على المستوى 
الاجتماعى والأخلاقى , فلم يعد الأمر يقتصر على تجاهل القيم الأخلاقية واستبعادها 
من مجال الدراسة فقحسب , بل إن هذا القصل المنهجى أدى إلى تبرير الواقع 
الاجتماعى الفاسد بالتأكيد على القيم السائدة أي كان طبيعتها ويفض النظر عن 
سلبياتها أى ايجابياتها. إن استبعاد النظرة المعيارية النقدية من مجال الدراسة معناه 
قبول هذا الواقع كما هى , لأن السبيل الوحيد إلى إدراك حقيقة المجتمع هى استقراء 
المحسوس كما يمثله سلوك الناس وتصرفاتهم , والقيم السائدة فى وسط اجتماعى ما 
- حسب الوضعية - مهما كانت طبيعتها تعبر عن ظواهر صحية وسليمة لأنها تعبر 
عن رغبات المجتمع واتجاهه الأخلاقى » ولا يملك أحد أن يفير من هذا الاتجاه فى 
ضوء نظرة نقدية معيارية تحدد مثلاً وقيماً غير التى يرتضيها السير الطبيعى للمجتمع. 
فالمقياس الذى تحدد وفقه المثل الاجتماعية يتحدد وفق ما هى موجود وشائع بين الناس. 
ويدلنا على ذلك المقياس الذى يستخدمه علماء الاجتماع فى اعتبار ظاهرة ما سليمة أو 
مرضية . فالظاهرة الاجتماعية تعتبر ظاهرة سليمة يالنسبة إلى نموذج اجتماعى معين, 


-١‏ النساء /7؟ 


14 


وفى مرحلة معينة من مراحل تطوره إذا تحقق وجودها فى أغلب المجتمعات التى تحدد 
مع النموذج السابق فى النوع؛ وإذا لوحظت هذه المجتمعات فى نفس المرحلة المقبلة فى 
أثناء تطورها هى الأخرى )١(‏ ' فتنوع الظاهرة وامتدادها عبر فترات زمنية فى 
مجتمعات متشابهه هى المقياس المعتبر , والمعيار هنا هى ما يقوم به أكثر عدد من 
الناس وليس ما تذمتع به الظاهرة فى حقيقتها من حيث كونها ظاهرة مستحسنة أو 
مستهجنة . فظاهرة الزنا مثلاً وفق هذا المقياس تعتبر ظاهرة سليمة » وقد كانت نتيجة 
البحث الجنسى المتحرر من القيم الذى أجراه الباحث الاجتماعى كينزى هى تحول 
الانتباه عن الزنا والتركيز على منع الحمل ') » فالزنا فى حد ذاته لا يشكل ظاهرة 
مرضية ولا يعبر عن انحطاط أخلافى وهو ليس مشكلة اجتماعية لأن الرذيلة فى عرف 
علماء الاجتماع تطلق على السلوك المنافى لعرف الجماعة فى زمن معين ومكان معين 
ولذلك يقول عالم الاجتماع سمنر ' إن العفة الجنسية هى التوافق مع تيار التحريم 
السائد فى العلاقة الجنسية ' وهى نفسه يقول : ' إن الأعراف تصنع المجتمع"() . 
"- الميفودولوجيا الإسلامية والحياد الأخلاقى 

إن طرح القضية بهذا الشكل ينتهك مطلباً حاسماً للميثودولوجيا الإسلامية التى 
تقوم على الالتزام الأخلاقى وليس الحياد الأخلاقى . إن علماء الاجتماع الوضعيين 
حينما قرروا أن الحياد الأخلاقى شرط فى الموضوعية العلمية كانوا متأثرين بالجى 
الاجتماعى والثقافى اللذين يعيشونهما ٠‏ فالقواعد الأخلاقية فى بيئاتهم لا تحددها 
مقررات سماوية وإنما ترجع إلى عوائد الناس وما استقرت عليه أعرافهم » فيكون دور 
الباحث هى مراقبة الأحداث ورصدها من الخارج . وهذه الممسألة تشكل الفارق 
الأساسى الذى يميز الميثودولوجيا الوضعية عن الإسلامية التى تفترض وجود نمط 
اجتماعى مثالى ينبغى العمل على تحقيقه واقعيا فى حياة الناس وقطاعات المجتمع . 
والباحث الاجتماعى المسلم حينما يتعرض بالتحليل لما هو كائن وواقع فى المجتمع لا بد 
وأن يضع نصب عينيه هذا المثال وهذا النموذج الذى يريد أن يرتفع إليه الواقع 
الاجتماعى ؛ فهو يعمل دوماً على النقد والتقويم . 

إن عالم الاجتماع الإسلامى لابد وأن يهتم بالقيم باعتباره يقوم بدراسات مقارنه 
بين الحالة المدروسة وبين النمط الاجتماعى المثالى أو النموذج الالهى وهو المجتمع الذى 
ينشد تحقيقه »..فى ضوء هذه المقارنة يجد نفسه مضطراً لكى يطرح البديل النافع » 
فمهمته التغيير نحى الأحسن , وكل عمل من هذا القبيل لن يتأتى فى التزام الحياد . 
-١‏ قواعد المنهج فى علم الاجتماع , اميل دوركايم مى : 1١8‏ ترجمة محمود قاسم مكتبة النهضة المصرية 1 
؟- مقال سابق للدكتور اسماعيل راجى الفاروقي مجلة المسلم المعاصر عدد ٠١‏ صى 714 


؟- نقلا عن القيم والعادات الاجتماعية : فوزية دياب ص : 53 - قوزية دياب - دار الكتاب العربى للطباعة والنشر - 
القافرة - 19455 


13 


يقول الدكتور اسماعيل القاروقى : * إن إضفاء الصيغة الإسلامية على العلوم 
الاجتماعية لابد وأن يبين العلاقة بين الواقع المدروس بذلك الجانب أو الجزء من النموذج 
الالهى المناسب له , وما كان النموذج الالهى هى العادة أى الناموس فإن الواقع ينبغى 
أن يحققه , وتحليل ما هى كائن ينبغى ألا يغيب عن نظرة ما ينبغى أن يكون . 
بالإضافة إلى ذلك فان النموذج الالهى ليس غائبا فقط ومتمتعا بشكل وجود منقطع 
الصلة بالواقع , انه واقعى بمعنى أن الله تعالى قدر احتواء الواقع إياه , إنه نوع من 
الوجود القطرى غرسه الله برحمتة فى الطبيعة الإنسانية وفى الفرد الؤتسانى أو 
المجموع وفى الأمة بوصفها تياراً مستمراً للوجود يستخرجه العمل المعنوى إلى حيز 
الفعل والتاريخ . ولهذا فان كل تحليل عملى يحاول - إذا كان إسلامياً - أن يكشف 
هذا النموذج الإلهى الموجود بالقوة فى الشؤون البشرية وأن يبرز ذلك الجزء الفعلى منه 
وذلك الجزء الموجود بالقوة » وأن يكشف عن عوامل تحقيق اكتمال عملية الاحتواء أو 
قاعليتها . () فالباحث المسلم الذى يدرس ويقارن مجتمعاً ما فى ضوء الصورة التى 
يحملها عن النموذج الإسلامى أو النمط المثالى لا يمكن أن يلتزم الحياد الأخلاقى فعمله 
نقدى تقويمى . إن التزام الحياد الأخلاقى فى اليحث الاجتماعى يعود بالنقض على 
جوهر المنهج الإسلامى نقسه لأثه ينكر الأساس الذى يقوم عليه وهى مبدأ الأمر 
بالمعروف والتهى عن المنكر بالمصطلح الشرعى أو الأحكام التقويمية بالمصطلح 

إن الباحث المسلم يوجه جهوده إلي اكتشاف العناصر السلبية داخل المجتمع 
الإسلامى قصد اقتلاعها واكتشاف العناصر الإيجابية قيه قصد تثبيتها » فهى عملية 
تترواح بين النفى والإثيات » نفى السلبيات وتثبيت الإيجابيات , وبالمصطلح القرأنى 
هى عملية بين الأمر بالمعروف والتهى عن المنكر . 

وهذه العملية التى د تعتبر بالفعل جوهر الإسلام , لا يمكن أن تتحقق فى عالم الواقع 
فى عياب هاتين العمليتين المتلازمتين : الوصف الدقيق للواقع المعاش قصد اكتشاف 
لوجة الخال فيه .ثم تقريته تقبيما ليها عبد تمقيق قيق النموذج الاجتماعى المطلوب 
والمزاوجة بين هاتين العمليتين تمثل بحق المساحة المشتركة بين الدراسات الققهية 
والدراسات الاجتماعية فى الثقافة الإسلامية » فأثناء عملية البحث نجد كلاً من الفقيه 
وعالم الاجتماع يجتاز نفس المراحل وإن اختلفت الفاية عند كل منهما .. 

فالفقيه يوجه اهتمامه إلى ملاحظة سلوك الناس قصد التعرف على وجه المصاحة 
التى تكون مناطأً للحكم الشرعى » فإذا تحقق من وجود مصلحة معتيرة شرعاً فى 
-١‏ مقال يعنوان : إضفاء الصيقة الإسلامية على العلوم الاجتماعية ‏ د. اسماعيل راجى الفاروقى » ضمن كتاب: العلوم 

الطبيعية والاجتماعية من وجهة النظر الإسلامية ص : ”1 شركة مكتبة عكاظ / جامعة الملك عبد العزيز / 1444. 


005 


اعتراف الناس وعوائدهم كانت مناطاً للحكم الشرعى ؛ وأخذت بعين الاعتبار فى عملية 
التشريع. وهى فى هذه المرحلة من البحث التى تعتمد التتبع والملاحظة والمعايشة يصب 
اهتمامه على الفعل الإنساتى فى حد ذاته باعتبار أن كل فعل يصدر عن إنسان ما هو 
إلا فعل اجتماعى يعبر عن سلوك اجتماعى ما , وكل سلوك اجتماعى لابد فيه للإسلام 
من حكم. فعمل الفقيه هذا عمل ميدانى من حيث أنه يهدف إلى التعرف على أفعال 
الناس والكشف عن طبيعة المعاملات والسلوكيات التى تريط بينهم واكتساب خبرة 
دقيقة بالوقائع والنوازل التى ستكون محل تقييمه وأحكامه , وهى فى نفس الوقت عمل. 
معيارى فى حد ذاته لأنه لا يقف عند حدود الاستقصاء للنوازل بل يتجاوز ذلك إلى 
تقييم الفعل من وجهة نظر الشرع . 

وعمل عالم الاجتماع لا يختلف كثيراً عن عمل الفقيه , فهو وصفى ميدانى ومعيارى 
فى نفس الوقت فعلى المستوى الأول من الدراسة ؛ مستوى التعرف على أحوال الناس 
وعوائدهم وأعرافهم وأخلاقياتهم وسلوكياتهم وكل ما يصدر عنهم من تصرفات 
اجتماعية يتفق مع عمل الفقيه تماما , ولكن عالم الاجتماع يختلف عمله عن الفقيه من 
حيث الغايات والأهداف التى يرمى إليها ؛ فإذا كان الفقيه يهدف من وراء عمله الميدانى 
إلى إصدار حكم شرعى فإن السوسيولوجى يهدف إلى التعرف على مواقع الخلل قصد 
القارنة الدقيقة بين ما هو عليه واقع الناس وبين المجتمع النموذجى المطلوب تحقيقة 
وفق توجيهات الوحى فكل منهما ينظر إلى الواقع الاجتماعى نظرة موضوعية فاحصة 
ونظرة نقدية معيارية » والأول يقصد الفتوى وإصدار الحكم وهذا بحد ذاته عمل 
إصلاحى قيمى؛ والثانى يقصد اكتشاف الخلل والعمل على الترشيد والتوجيه . 


٠١.١ 


المناهمج بين النظرتين الأحادية والتعددية 


د . محمد على محمد الجنددى 


يراد يمنهج اليحث حث - فى أي فرع من فروع المعرفة البشرية - الطريقة التى يتبعها 
العقل في دراسته لموضوع ما للتوصل إلي قانون عام أو مذهب جامع , أى هى في 
ترتيب الأفكار ترتيبا دقيقا يحيث يؤدى إلي كشف حقيقة مجهولة أى البرهنة علي 
صحة حقيقة معلومة . والباحثون على حق حين يحرصون علي تحديد المناهج التي 
يعالجون يها دراساتهم قبل مزاولة البحث في موضوعاتهم إن اليحث عن الحقائق 
ومحاولة التوصل إلي قوانين عامة , لايكون قط بغير منهج واضح يلزم الياحث نفسه 
يتتبع خطواته ومراحله ٠‏ ومن هنا أضاف المحدثون من المناطقة إلى مباحث المنطق 
فيخكاً جديدا هو طرائق أى مناهج البحث العلمي ه15ه26)509 () . 

ويقسم المناطقة وعلماء المناهج الصور الشائعة للمنهج فى صورتين من صور 
الاستدلال : 

منهج الاستنباط ومنهج الاستقراء ء وييدى أولهما فى صورتين القياسي 
الأرسططاليسي (الاستنياط الصوري) والاستئياط الرياضي البرهاني : 

وموضوع دراستنا في هذا البحث ينصب علي قضية المناهج بين «النظرتين 
الأحادية والتعددية» أي إنه يهدف إلي معالجة المنهج من وجهة النظر الواحدة في 
التفسير والني تتعلق بالرؤية العلمية لتفسير الظواهر علي أساس النظرة الأحادية في 
إبراز قضايا العلم المختلفة . كما يهدف إلي إيضاح جوانب التعددية في التفسير 
المنهجي للقضايا المطروحة: أى بمعني آخر استخدام أكثر من منهج فى معالجة مسائل 
العلوم المختلفة . 

والذي نود أن نؤكد عليه بداية هى أن سيطرة فكرة أحادية المنهج في تفسير قضايا 
العلم ارتبطت بعصور معينة يميل معظم مؤرخي العلوم إلى ريطها بالتراث العلمى 
القديم » وهى حكم يميل إلى نعت الحقية اليونانية التي امتدت إلي العصور الوسطي 
ومابعدها . والتى كانت السيادة معقودة منها للمنطق الأرسطي علي التفكير الإنساني 
نيف وعشرون قرنا من الزمان () بأنها فترة المنطق التقليدي القديم ؛ والذى يقوم منهج 
البحث فيه على الصورية المجردة » دون اللجوء إلى الحس والتجريب فى معالجة أمور 
العلم . ِ 
)١(‏ انظر : د. توفيق الطويل : أسس الفلسفة , طبع القاهرة سنة ه54١1‏ . ص 51١‏ 
(1) د. عزمي إسلام : مقدمة لفلسفة العلوم ؛ طبع القاهرة سنة /181/1 ؛ ص ه4 


ردلا 


أما فترة العصور الوسطى على وجه التحديد » إذا كانت قد تميزت قى أورويا 
وحدها دون غيرها بالطايع « الدينى المتزمت » » قد وجدت فى هذا المنطق الأرسطى 
أداة طيعة نافعة لخدمة أغراضها . فإن نفس الحقبة فى العالم الإسلامى لاتتسم 
ولاتتصف بتلك الصفة .. والنزاهة اللمية تقتضى التوقف والتامل فى دور علماء 
المسلمين وقلاسفته فى التخلص من ربقة سيطرة المنطق الأرسطى , والاتجاه باقتدار 
نحو إقامة مناهج علمية أخرى كانت ولاتزال هى الأساس الذى نهض عليه العلم فيما 
بعد . 

وهى مناهج وليس متهج واحد . حيث أن التعددية فى المنهج لدى علماء المسلمين 
واختلاف طرق الاستدلال عليها » وجعلت النظرية العلمية فى مجال التطبيق ذات أركان 
ودعائم لاتختلف فى قليل أو كثير عن نظريات العلم الحديث . 

ومن ثم لايجون إطلاق الحكم على عواهنه - كما يميل البعض - وجعل متاهج العلم 
الحديث هى من نتاج العقلية الأوروبية دون غيرها من العقليات . 

وأمام هذه الحقيقة الجلية الواضحة , سوف تتطرق معالجتنا لقضية النظرة 
«الواحدية والتعددية فى المنهج » فى الفكر الإسلامى إلى التواحى التالية : 

أولا : معالجة فكرة النظرة الواحدية فى المنهج من خلال منهج القياس الأرسطى 
الصورى ومدى تأثير هذه النظرة على جمود نظريات العلم . 

ثانياً: موقق المسلمين من المنطق الأرسطى ومنهجسه الصورى » وجهودهم فى 
أخرى كمنهج القياس ومنهج التمثيل والمنهج الفرضى والمنهج الرياضى فى البحث . 
وهى أمر يشهد يتضلعهم فى تعددية المناهج لإثراء الطريقة العلمية. 

الغا: موقق علماء المناهج الغرييين من قضية تعددية المنهج » ومدى قصور 
مناهجهم عن الوصول إلى هذا المفهوم المتكامل للبحث فى مناهج العلم . 

ولعل الأمر يذلك يلقى الضوء على د بعض الأمور المتعلقة يقضية المنهج عتد المسلمين 
التى تنيت سيقهم للأوروبيين - بمئات ا لسئين - والكشف عن خصائص التقكير العلمى 
من منظور تعدد المناهج وإرشاد خلفائهم إلى معرفة مافاتهم متها . 
- موقف أرسطو من قضية المنهج : 

تدور قضية المنهج عند أرسطو حول محورين يردان فى حقيقة الأمر إلى محور 
واحد. ققد عالج أرسطى نظرية القياس ؛ ومفهوم الاستقراء بمعنى واحد . 


أ- القياس الصورى : 

ذهب أرسطو إلى أن القياس هو استدلال إذا سلمنا فيه بيعض الأشياء لزم عنها 
بالضرورة شىء آخر « )١(‏ , ثم كرر هذا التعريف فى كتايه « التحليلات الأولى » حين 
قال« القياس هى صور الاستدلال الذى إذا سلمنا فيه بمقدمات معينة لزم عنها 
بالضرورة شئ آخْر غير تلك المقدمات » 9) . 

والقياس على هذا النحو كان معادلا للبرهنة الرياضية , لكن أرسطوه لم يطبق هذا 
التعريف تطبيقا تاما » بل قصره على حالة خاصة »(') يتألف فيها القياس من قضيتين 
تحتويان على ثلاثة حدود يرتبط منها اثتان - وهما موضوع الصغرى ومجمول الكبرى 
فى الشكل الأول مثلا - وحد ثالث . فيترتب على ذلك يالضرورة أن يكون محمول 
الكبرى محمولا لموضوع الصغرى كما فى المثال التالى : 


سقراط إنسان كل إنسان قان .'. سقراط فان 
ومعنى هذا أنه قصر القياس على القضايا التى تتضمن فيها الحدود بعضها 


والقياس الأرسطى لهذا المعنى يعد معيباً للأسباب التالية : 

أولً : إن أرسطى درس المنطق دراسة صورية شكلية . ولم يحلل العلاقات بين حدود 
القضايا تحليلا كافيا . 

ثالنا : كانت غاية المنهج الصورى عند أرسطى هو الاستنباط الصادق أو عدم تناقض 
الفكر مع نفسه ٠‏ لأن نتائجه تكون صادقة بالقياس إلى المقدمات لا بالقياس 
إلى الواقع » ومن هنا اعتبره المحدثون عقيما مجديا لأنه لايكشف جديدا / إذ 
أن نتائجه متضمنة فى مقدماته (!) . 
كان شكليا كالرياضة صلحت قواعده للتطبيق على مختلف أنوا ع الموضوعات. 

خامسا : وقد زع , المنطق فيما عدا ذلك أنه مطلق , أى أنه يصل إلى حقائق ثانية لاتقبل 
التطور , وأدعى أنه انتهى إلى النظرية النهائية الكاملة التى تفسر طبيعة 

(1) لاحظ : أرسطى ( منعلق أرسطى ) - نشر د. عبدالرحمن - ثلاثة أجزاء - طبع القاهرة سئة 1544 : 

(1) نفس المصدر 


(4) أسس القلسفة / 50 


م16 


منطق ومنهج الاستقر قراء دكشاك على الحد من طمرج اشع ارميطق دن ىدا 
الجانب . 
سادسآ : يجمع علماء متاهج اليحث على أن المنهج لايد أن يكون أداة لكشف علم جديد 
والقياس الأرسطى لايحقق هذا الشرط من حيث كون النتائج التى يتوصل 
إليها متضمنة فى المقدمات )١(‏ . 
الاستتباط ومتهج الاستقراء . 
ب - منهج الاستقراء عند أرسطو : 
أشار أرسطو إلى منهج الاستقراء ولم يتوسع فى بيانه » ولم يفهمه على حقيقته 
كمنهج للعلم والتجرية . وقد أراد بالاستقراء « كل استدلال يقوم على أساس تعداد 
الحالات والأفراد . وعلى هذا الأساس قسم الاستقراء إلى كامل وناقص لأن تعداد 
المستدلة بالاستقراء . قالا ستقرا ء كامل , «وإذًا لم يشتمل الفحدن والشعداد إلا عددا 
محددا متها قالا ل »(), 
ولقّد أثارت مشكلة الاستقر ١‏ الكامل عند أرسطى مناقشات عديدة سجلت عدة 
تواحدا على ونا 0 عر 0 
الخاص إلى العام 7) بأ ف .أى هى تبين « الكلى من قيل ظهور الجزئى .2 . كما يعبر 
أرسطو عن ذلك , ومن هنا تأتى النتيجة فيه أكثر من المقدمات . فى حين أن الاستقراء 
الكامل لا يسير من الخاص إلى العام ورائه استدلال مقدماته كلية ونتيجته كلية » ومن 
ثم فالنتيجة لازمة من المقدمات وأن ليس بالنتيجة غير ما قررته المقدمات من قيل » ©), 
وهذا النوع من الاستدلال هو الاستنباط بعينه , وبناء على وجود هذه الظاهرة 
سجلت على أرسطو فى استقرائه العام ملاحظات كثيرة لم تتفق معه على هذا النوع 
من الاستقراء(') . 


. 54 / المصدر السابق‎ )١( 

(؟) السيد محمد ياقى الصدر : الأسس المنطقية للاستقراء ؛ بيروت "151 .ص ١4‏ , 

2 122 .7 ,1959 مهلهمآ بفعتهمداءرظ 013لعمم1ء نزعرظ - 
2 .2 ,1959 رآ .]1 ره[أماوتث : .1717.1 روو180 - 

(غ) منطق أرسطو : تحقيق د. عيدالرحمن بدوي : طيع القاهرة ١5149‏ "/١؟,‏ 

)( د. محمود فهمي زيدان : الاستقراء والمنهج العلمي : بيروت 15537 .ص 74. 

(1) نفس المصدر : تقس الموضوع وأيضا : الصدر : مرجع سابق ص ١/‏ - /ا؟, 


ك1 


: الاستقراء الناقص عند أرسطو‎ - ١ 

وما يعنينا هنا هى أن نلقى مزيداً من الضوء على قضية الاستقراء عند أرسطى , 
فهى فى تفصيلاته عبارة عن « إقامة البرهان على قضية كلية , لابإرجاعها إلى قضية 
أعم منها , بل بالاستناد إلى أمثلة جزئية توب يد صدقها () ؛ ولهذا يشير أرسطو إلى أن 
العلم بالكلى لايكو. إلا بالاستقراء(') , وتؤكد أن الطريقة الاستقرائية ترتبط يالحس 
ارتباطا وثيقا » ذلك أن الاستقراء ينصب على الأشياء الجزئية » ولا يمكن التعامل مع 
الجزئى إلا من خلال الحواس ؛ لكن ذلك يمتل عند أرسطى خطوة فى طريق العلم » 
وليس هو العلم . لأن طبيعة العلم لدية هى« الكلى » والكلى هذا لا يستغنى عن 
الاستقراء الذى يمثل أولى مراحله » وبذلك يرى أنه لا« يمكننا ان نستقرئ إذا لم يكن 
ثمة حس ؛ لأن الحس هى للأشياء الجزئية » فإنه لايمكن أن نتناول العلم بالجزئى , لأنه 
لايستخلص من الكليات بدون الاستقراء » ولايستخلص بالاستقراء بدون الإحساس , 
قالعلم هو بالكلى » 9) . 

ومادام الاستقراء عند أرسطى يؤدى هذه الوظيفة , فلنا أن نتسال ماذا يقصد 
أرسطو من إحصاء الأمة الجزئية التى يتعامل معها أولا لكى تؤدى إلى العلم الكلى 
ثانيا . لاسيما وأن البناء« المنطقى كله عند أرسطى أساسه فى النهاية عملية 
استقرائية يتحتم فيها - من وجهه نظره - أن تستقصى الأمة الجزئية كلها حتى 
نضمن اليقين ولى انهار هذا الأساس انهار فى إثره البناء كله »(؟). 

ونعود الآن إلى طبيعة الأمثلة الجزئية التى يشملها الإحصاء فى العملية 
الاستقرائية, فقد اشترط أرسطى لإقامة البرهان على قضية كلية استنادا إلى طريقته 
الاستقرائية أن تحصى الأمظة الجزئية كلها » وهذا يعنى أنه لا يقصد من الأمثلة 
الجزئية معنى الافراد » فذلك أمر غير ممكن من الناحية العملية » وإنما أراد من الأملة 
الجزئية معنى الأنواع منهاء يتبين ذلك من المثال الذى ساقه قى معرض حديئه عن 


الموضوع بقوله : 
الإنسان ٠‏ والحصان , والبغل , ..... إلخ طويلة العمر . 
الإفسان , والحصان ٠‏ والبغل ..... إلخ هى كل الحيواتات التى لامرارة لها. 


... الحيواذات التى لامرارة لها طويلة العمر" 0 , 


١93/7 , 19357 د. زكي نجيب محمود : المنطق الوضعي , القاهرة‎ )١( 

(5) منطق أرسطو : 776/7 

(1) المصدر السابق : الموضع نقسه . 

(4) د. زكي نجيب محمود : المصدر السابق ؛ "رمه ١‏ 

)0( 3 8 12 .7 ,85138013 إعم8 - 


٠.7 


وبذلك فإننا لانستطيع أن نثبت القضية القائلة بأن « الحيوانات التى لامرارة لها 
طويلة العمر » إلا إذا أحصينا الحيوانات الطويلة العمر فى المقدمة الثاتية إحصاءٌ تاما 
فوجدتاها لامرارة لها ومن هنا قإن الاستقراء بمفهومه الأرسطى يتولى مهمة إثبات 
الحد الأكبر للأوسط عن طريق الحد الأصغر , ويمثل لذلك بقوله : 

' أن يكون أ طويلة العمر 

» قليلة المرارة 
ىج » الجزئيات الطويلة الأعمار » كالإنسان , والفرس والبغل , فإن رجعت ج, 

على ب , الواسطة ؛ فإنه يجب لامحالة أن تكون أ موجودة فى كل ب " ١(‏ 

ومن هنا وثق أرسطى علاقته بهذا النوع من الاستقراء لإمكان الحصول على العلم 
الكلى للقضية النهائية » ونلاحظ أن الصورة التى مارسها أرسطو للحصول على 
النتيجة تشيه تماما صورة الاستدلال القياسى الذى تذكر الجزئيات فى مقدماته 
بالقياس الاستقرائيء لأنه قياس من حيث صوررته العامة . واستقراء من حيث 
استقصاء الجزئيات فى المقدمات ولايد لصحة الاستدلال أن يكون الحد الأوسط كما 
يقول أرسطى - شاملا « لجميع الجزئيات » 9() . 

وهذا يعنى أن أرسطو وجه الاستقراء بمستوى الطريقة 8 الغرانت؟ فى الاننط اط من 
خلال مايمكن أن نسميه بالنظرة الأحادية للمنهج عنده « فكما أن البيرهنة بطريقة 
قياسية على ثبوت المحمول للموضوع ( أى ثيوت الحد الأكبر للحد الأصغر يواسطة 
الحد الأوسط ) تؤدى إلى اليقين بأن هذا المحمول ثايت للموضوع كذلك أيضا البرهنة 
على ثيوت المحمول للموضوع عن طريق استقراء جميع أفراد الموضوع ؛ فإنها تعطى 
نفس الدرجة من الجزم المنطقى التى يعطيها القياس » (). 

ومن هنا كانت غاية أرسطى الوصول إلى العلم اليقينى عن طريق اليرهان 
والاستقراء. وهو هذا النوع من الاستقراء الذى يستند إلى الحس فى حين تكون 
مقدمات اليرهان كلية!؟) , 


)١(‏ منطق ارسطى 5944/١‏ -6ؤ؟ 

(1) د زكي نجيب محعود: المصدر السابق 101/7 وأيضا: يوهسف كرم : تاريخ الفلسفة اليوناينة 1977اص177, 

(؟) المصدر : الأسس المنطقية للاستقراء : صن ١6‏ . 

(؛) « ولهذا السبب بالذات يتضح أن أرسطو حط من قيمة الاستقراء , ذلك أن العلم عنده , هى العلم بالعلل الأولي ٠‏ 
والماهيات الثابتة , وأن المعرفة الحسية ٠‏ لايعكن أن توصلنا إلي هذا اللون من العلم اليقيني الثابت ؛ في حين أن 
الطريق الذي أعتمده أرسطو للوصول إلي تلك المعرقة إنما هى الاستتباط الصحيح الذي تكون مقدماته كلية « لاحظ : 
أين سينا : اليرهان من كتاب الشفاء , بتحقيق د. عبدالرحمن بدوي , طبع القاهرة 15804 , ص ١١8‏ 


1١4 


ويتدبر دقيق لطبيعة العلم البرهانى الذى مارس أرسطو طريقته فى النظرة الأحادية 
لمناهج البحث نجد أنه " فى صميمه منهج لإقامة اليرهان على حقيقة معلومة لايكشف 
عن حقيقة جديدة » وهى يعد ذلك منهج يراد به ٠‏ الإقتاع , إقناع من يختلف وإياك فى 
الرأى (). 
؟ - موقف أرسطو من التجربة : 

والمسالة على هذا النحى تجعل العلم البرهانى الأرسطى لايلتقى بنتائجه مع الواقع 
لأن العلوم البرهانية ليست بالعلوم الواقعية » وأن كونها صورية تعتمد على الأشكال 
والصيغ فقط يجعلها مستقلة عن التجرية تماما »() , 

إلا أن هذا لايعنى أن أرسطى أهمل التجربة » فقد أشار إليها باعتيارها الطريقة 
التى يستقر « الكلى » بواسطتها فى النفس (') . لكن أرسطو حين عالج الاستقراء لم 
يميز يصورة أساسية بين الملاحظة والتجرية : واعتيره إضافة إلى ذلك مجرد معرفة 
محذدة يتصف بها الشياب » وأنه لايستخدم إلا للدفاع عن حجج العامة أو رفض 
آرائهم » التى قد تجئ بصورة مغايرة للنسق البرهاتى الذى يقوم عليه الأساس المعرفى 
والمنهجى فى الميتافزيقا الأرسطية!؛) . 

والتجرية عند أرسطو على هذا النحى , لاتصل إلى مرتبة التجرية المعروفة فى العلم 
الحديث والتى تهدف إلى الكشف عن القانون العام الذى يحكم سير الظواهر الطبيعية. 
ومرد ذلك أن العلم الإغريقى فى جملته حينما اتجه إلى دراسة الكون بظواهره وحوادثه 
الطبيعية » درسها وفقا للطريقة الاستدلائية والتأويل العقلى المجرد « الأمر الذى أدى 
إلى بناء نظريات ومفاهيم عقلية لاتدت بصلة إلى النظام الواقعى للكون , ولاتتطابق مع 
القوانين الطبيعية المسقلة عن النظريات الفلسقية المجردة » *) . 


* - موقف ١‏ أقطاب العلم » اليونانيين من التجربة : 

اتضدح مما سبق أن الاتجاه الفكرى عند اليونان يعتمد على الاستدلال المجرد « 
لأنهم يستنفذون سعيهم فى الاهتمام بالعلوم الصورية التى تستند إلى النظر العقلى 
المجرد ويستخفون بالتفكير العلمى التجريبى ومناهجه . فأدى ذلك إلى تدهور العلوم 
الطبيعية عندهم وتقدم العلوم النظرية الاستتباطية على نحى ماهو معروف » () . 


.173/7 د. زكي تجيب مح ود : المنطق الوضعي‎ )١( 

(1) د. ياسين خليل : متطق المعرفة العلمية , بيروت سنة 191/١‏ , ص 1717 

(؟) منطق أرسطو : "7ر158 . 

9) ,1963 0500آ ,د ؛ه2ه .1787.5 برط اكتاعدع مندز لعندامهةا ,علاماكاتة كه رهلا 116 - 
4 - 157 2.2 .8 1م80 

(0) جورج سارطون : تاريخ العلم » ترجمة لقيف من العلماء ؛ في مصر سنة لا40١‏ 70/1. 

(1) مجلة عالم القكر , المجلد الثالث . العدد الرابع ‏ الكويت 1517 , مقال الدكتور / توقيق الطويل يعنوان ه خصائص 

التفكير العلمي بين تراث العرب وتراث القربيين ص ١٠١‏ . 


حل 


وكاكعسده اتلك التؤعّة فى الحظ من قيغنة البحة العلمى الكتعريين ما أفانة 
اكسوتوفان يقوله ه إن الحرف التى تسمى فنونا آلية تحمل وصمة اجتماعية » وتعتير 
حقاً أعمالا غير مشرفة فى مدنتا »(1) . 

ولهذا مال الأغريق إلى وضع الطريقة الاستقرائية فى البحوث الطبيعية والعلم 
التجريبى فى مرتبة أقل أهمية من مرتبة الطريقة الاستدلالية واعتيار العلم الرياضى 
والمنطقى أكثر دقة ويقينية من العلم التجريبى »() . 

ويرى برايفون أن « الإغريق قد نظموا وعمموا » ووضعوا النظريات ولكن دوح 
اليحث , وتركيم المعرفة اليقينية وطرائق العلم الدقيقة والملاحظة الذاتية المتطاولة كانت 
غريبة عن المزاج الإغريقى »() . 

وكان بسيب إقصاء منطق البحث العلمى الاستقرائى فى العلوم الطبيعية تطور 
منطق البحث الاستدلالى المجرد وتطبيقه قى دراسة العالم الخارجى » ومن ثم فرض 
وصاية الفلسقة الميتافزيقية ونتائجها على العلم إلى حد كبير (؟) , 

وقد يقال فى هذا الشأن أن قسما من الإغريق مارسوا البحث العلمى والتجرية فى 
موضوعات مختلفة . وهذا صحيح , إلا أن التفكير العلمى لدى هؤلاء قى معظم أحواله 
تأثر بالطريقة الاستتباطية التى كان عليها اليونان جميعا والتى باعدت بينهم وبين 
إجراء التجارب »") , 

ولهذا نرى أن الهندسة ذات التطبيقات العملية . افتقدت هذه الصفة فى المهد 
الاغريقى من فيثاغورس حتى اقليدس ( 71١‏ ق.م) (') بحيث أصبحت الهندسة تعتمد 
من حيث المنهج والموضوع نظاما هندسيا منطقيا تتوفر فيه الاشتقاقية واليرهانية ). 

وَعَنْ هذا امت يفْهن الدراسنات بملاخطة الخصضائصن المتكزرة ليعش الممسوؤسات 
الخارجية من أجل صياغة بعض المبادئ العلمية عن سلوك جزئيات الموضوع: كما فى 
دراسة ارسطو لبعض أنواع الحيوات #) , 


. 771/١ بنيامين فارتجقن ؛ العلم الاغريقي , ترجمة أحمد شاكر . مصر سنة 15808 م‎ )١( 

(9) 022010 ععطاعء5 [قأم اندع ود 01 سنع 0 ع1 لهة أوعاء01055 أرع1205 : .لاق برأطددمت - 
26 

(؟) روم لاثدي : الاسلام والعرب . صن 7405 

(؛) فراتكفورت . ه : ماقيل الفلسقة , ترجمة جيرا ابراهيم جبرا , مراجعة . محمود الأمين , طبع القاهرة سنة .155 , 


ص 84> . 
(5) د. زكي تجيبٍ محمود : المصدر السابق , ١95/١‏ . 
)0 . 13 .م 1010 : 0 عق ,اتطصرمن - 
0 5.م, 1958 عع لقطسهف) ,معتهن50 تعأكم لعة عرماعء8 نزطمه11050ط2 : 1'.84 ,0121010 - 
0( . 92 .م : لأ[ - 


1١16١6 


كما اهتم تيوقراست "7١١‏ -1م؟ ق.م) تلميذ أرسطو بدراسة أنواع النيات ونموه, 
وتجربة إمبانوقليدس فى إثبات مادية الهواء ٠‏ وأثره على مايحيط به من المحسوسات 
واعتباره إياه شيئاً ذا كيان موضوعى مستقل عن الذات المدركة () , 

يضاف إلى ذلك قيام يعض الدراسات الفلكية التى اعتمدت المشاهدة والرصد 
للظواهر الكونية , قلقد قام العالم الفلكى ارسترخس )5 .9" ق.م) سلسلة من 
المشاهدات وعمليات الرصد المستمرة للظواهر الفلكية باختلاف أطوال الفصول والأيام؛ 
واستطاع طرح فرضية حركة الأرض ودورانها حول نفسها فى فلك لها وأن الشمس 

كذلك استفاد يطليموس (1ام) من الكشوف الفلكية ونتائجها قيل العمصور 
الإغريقية .وما توصل إليها العصر الإغريقى فى حقل الفلك والرياضيات المرتبطة 
السماوية والكواكبي المخطقة () , 

وعليه تجسد نظام بطليموس الفلكى فى كتابه « المجسطى » الذى يمثل علم الفلك 
النظرى , القائم على فروض وعلاقات رياضية بحته وذلك بتصور الأجسام الفلكية , 
ونظامها وحركاتها تصورا مثاليا . 

ولهذا فإن النظرة الغالية والشاملة فى المنهج فى مدرسة الاسكندرية ولدى اقليدس 
٠(‏ ق.م) ويطليموس بوجه خاص هى الأسلوب الرياضى والمنطقى وأن هذا الموقف 
انتهى من حيث المنهج إلى مثالية رياضية ٠‏ ومن حيث النتائج العلمية إلى نظريات 
بصرية وفلكية كانت فى أغلبها غير منطبقة على الواقع (؛) . 

وقد لاحظ « رسل » على اقليدس عيويه المنهجية وهى نفس العيوب التى يتصف بها 
التفكير اليونانى عموما » فقد أشار إلى كتاب« المبادئ »« لاقليدس » وبأنه من « أكمل 
الآثار التى يتحلى بها الفكر اليونانى ٠‏ ولو أنه بالطبع معيب بالعيوب التى يتسم يها 
الفكر اليوذانى كله , فالمنهج قياس خالص ؛ وليس فيما يحتويه سبيل لتحقيق الفرومض 
الأولى التى تيدأ منها عملية الاستدلال ٠‏ فتلك البداية المفروضة كان الغفرض منها أن 
تكون بديهية لا تحتمل شكا )١»‏ . 

. ١ة/١٠١ بنيامين فارنجتن ؛ المصدر السايق‎ )١( 

(9) .82 م(1905) صملنرمآ رعامءط 6 5علهط) منما لإتمقدمياكق 2ه نرماولط خاظ هآ .ل ,تع لع:0[- 
) (204 .م 1934 مملهمآ ) برطمه5ه1ئطط علعع:0 02 بوماولط) لأمعتاقت ل : '1' .ل ر ععقاذ - 
(4) حسن علوان خلف : فلسفة الحسن بن الهيثم الطبيعية ‏ يقداد سنة #لاكلام ص 14 , 

(5) برتراند رسل : تاريخ الفلسفة الغربية ؛ الكتاب الأول » ترجمة د. زكي تجيب محمود ؛ مراجعة د. أحمد الأمين » ط", 

القاهرة سنة/1551 , ص 770 . 


11١ 


ولكن أمر بداهة المصادرات الاقليدية المفروضة لم يكتب له الدوام فى النسق 
الهندسى البرهانى فقد أوحى نقيض المصادرة الخامسة لاقليدس للعالم الرياضى 
الرويسى نيكولاى ايفاتوفتش لوياتشيفسكى كأةل9ء63مآ1 55(1011012/ا١‏ - .وىام) 
بهندسة جديدة تفترض المصادراأت الأريع الأولى »ومعها نقيض المصادرة الخامسة . 
وهذه الهندسة تختلف عن هندسة اقليدس فى نظريات عديدة هامة , من ذلك « مجموع 
زوايا المثلث تكون أقل من (140 درجة) وانه من نقطة ما خارج خط يمكن رسم أكثر 
من خط واحد تكون كلها متوازية مع الخط الأصلى مع أنها تكون كلها فى مستوى 
أفقى واحد٠(١)‏ . 

ووضع الالمانى برنارد ريمان هقتع8 3750مرء8 (1451 -14811 م) هندسة أخرى 
جديدة افترض فيها عدم صدق المصادرة السادسة من مصادرات اقليدس . 

فقى هندسة: ريمان » يستحيل فى أى مستوى أفقى واحد أن ترسم خطوط 
متوازية , لأن كل الخطوط التى ترسمها فى أى مستوى لايد أن تتقاطع , كذلك من 
نظريات هندسة ريمان أنه لايمكن من نقطة ما خارج خط معين أن يرسم أى خط مواز 
له وقى مستواه » ومن نظريات هندسة ريمان أيضا ه أن مجموع زوايا المثنث اكبر من 
٠‏ درجة ١‏ 

والأمر فى هذا كله يرجع إلى أن تصور المكان فى هندسة لوياتشفقيسكى على هيئة 
السطح الداخلى لاسطوانة , فعندئذ تستطيع أن تتصور كيف أن الخطين غير المتوازيين 
قد لايلتقيان أبدا . على خلاف ما قال به اقليدس - وأن تصور المكان فى هندسة ريمان 
على هيئة سطح الكرة . وعندئد تكون الخطوط المرسومة كلها متقاطعة , ويستحيل أن 
يتوازى معها خطان بحيث يظلان متوازيين مهما امتدا الى اللانهاية . وذلك على خلاف 
ما قاله اقليدس أيضا . لأن الخطوط فى هذه الحالة ستكون شبيهة بخطوط الطول على 
الكرة كلها تتلاقى ثم تتقاطع عند القطبين . (؟) 

ويعبارة أخرى إن هندسة اقليدس تختص يسطح يكون اتحتاؤه صفرا » ويذلك 
تصتل مركزا متوسطا بين هنسة ريمان التى تطبق على السطوح ذات الانحناء 
الايجابى (كالكرة) وبين هندسة لوياتشوفسكى التى تطبق على السطوح ذات الانحناء 
السلبى (كالاسطوانة) . 

نخلص من ذلك إلى أن اقليدس أقام هندسته ينظرياتها ويراهينها على أساس 
افتراض بديهية عدة مصادرات فى نسقه الاستنباطى . وقد اتضح أن تلك المصادرات 
)١(‏ جون دبوي : المتطق (نظرية البحث ) ترجمة د. زكي نجيب محمود طبع القاهرة 1570 ص-77 , 


(؟) جون ديوى : المصدر السايق . ص ١؟7؟.‏ 
(؟) 13 .م,(1963 «ملهمة) ععوعاء5 لقصده1 ع عتوه! ذه كادعممع81 : أقه717 .0 مقصطء تناطك - 


1١1 


يمكن نقدها وتعديلها ويذلك نتشأت هندسات أخرى تفوقها حجة فى ينائها الرياضى 
الاستنياطى . 

ولايفوتنا أن نشير إلى أن أسلوب إقليدس قد أخذ طريقه إلى (أرشميدس) (01؟ - 
7 قمم) أيضا ؛ فكان للنزعة الاستدلالية فى بناء النظريات الفلسفية والهندسية 
الدور الرئيسى لديه فى البحث الطبيعى عن صياغة مبادئه ومايترتب عليها من نتائج 
تتصل بالموضوع )١(‏ , 

ويذلك بدأ أرشميدس بيعض التعريفات الأولية واليديهيات الأساسية من أجل البناء 
النظرى للعلم دون النظر إلى مايحتويه النظام من معان واقعية ونتائج تجريبية » غير 
ملتفت إلى التحقق التجريبى منها وما نشير إليه من دلالات واقعية 9) . 

ولذلك لم يعتبر البعض أهمية لارشميدس فى تاريخ العلم ٠‏ إلا إدراكه البناء النظرى 
له وصداغة مبادئه العامة 9) . 

تلك ملاحظات على سبيل المثال لا الحصر , توخينا من عرضها إيراز طبيعة النظرة 
المنهجية فى الفكر اليونانى عموما حتى طلائع مدرسة الإسكندرية . وقد تبين مدى تأثر 
هذه النظرة المنهجية (بالطريقة الاستدلالية) دون غيرها وهى مانعير عنه بأحادية النظرة 
منهج العلم ؛ حيث تكون صحة التفكير فى هذه الحالة متوقفة على فرضية المنهج 
الاستدلالى الذى تستمد فيه النظريات قمتها من المسلمات الأولى - البديهيات 
والمصادرات - ولا شان لهم بعد ذلك بالصبغة الواقعة - ولاحاجة لهم إلى ملاحظتها أو 
إجراء التجارب على أشيائها وظواهرها , إذا ما حاجتهم إلى ذلك مادام « العقل وحده 
كافيا لإتمام البناء كله»(؟) . 

ذلك هى طابع المنهجية » واتجاه التفكير العلمى فى الفكر اليوتاتى عموما , الأمر 
الذى أدى إلى عجز هذه النظرة الأحادية فى المنهج عن الوفاء بمتطلبات الطريقة 
العلمية المتكاملة التى تقوى على كشف وتفسير قوانين الطبيعة وصياغة النظريات 
العلمية . 


(1) 271.772 رملعطعءععة 2ه ل0طاء384 عط طاتت 5ولعستدععق 01 ص15رمللآا م15 :ءا 1 , طاوء1] - 
.27ظ1ظ1 

9( 8 .2 (1961 مه0همة) ,لضنمرواعة8 15( 0هة ععمعءء5 : 2 .11 ,رممطامق - 
(©) 1985 ,طعنصطهتن8 ععمعاعة آه لوطاء لمة لرمماكلط عطا هز 5000165 مل .2 عق عأعسطال8 - 
.2.84 


- 1510, : 2. 8 (5 


1١1 


موقف المسلمين من قضية المنهج فى الفكر اليونانى : 

حاول بعض اللمفكرين أن يتخذ من التقاء التفكير الاسلامى بالفكر اليوذانى ميررا 

تأثر منهج البحث العلمى لدى المسلمين بالفكر اليونانى وخاصة منطق ارسطو )١(‏ , 

ولنا على هذا الموضوع عدة ملاحظات نتتاولها بالتفصيل : 

أولا : إذا سلمنا بأن الفكر اليونانى كان قد دخل إلى العالم الإسلامى منذ وقت 
ميكرء وخاصة ما عرف من الكتب المنطقية لأرسطى(') فهذا لايشكل حجة على وجود 
التأثر والتأثير فى المنهج الإسلامى بقدر ماهى مساألة التقاء فكرى » أى هى ظاهرة 
أطلاع على علوم الأوائل - كما وضعها الإسلاميون - ولاتستبطن مسالة الاطلاع هذه 
ضرورة التأثير , فالاطلاع قد ينتهى إلى ميول أو رفض من الجانب المطلع , ولقد قوم 
هذا الفكر لدى الإسلاميين بعد أن اطلعوا عليه , وانتهى هذا التقويم إلى موقفين 
متباينين فى الفكر الإسلامى . موقف رفض هذا الفكر وأتكره ورد عليه وحفظ الموقف 
الذى يمثله جمهور المسلمين يما فيهم علماء الأصول ؛ وهذه الفئة هى التى نشأ على 
يديها أصول المنهج العلمى . وموقف تلقى هذا الفكر , وهذا المنهج وأقبل عليه بالدرس 
والتحقيق » والفلاسفة وجملة علماء تطبيقيين هم الذين يمثلون هذا الموقف . ويختلف 
موقف العلماء عن القلاسفة فى هذا الجانب . فالعلماء هنا محصوا الآراء العلمية فى 
ذلك الفكر ودرسوها ويينوا عيويها بحيث أبانوا الخلل فى النظريات العلمية المختلفة 
لاعتمادها على طرق لم يرتضيها هؤلاء . أما الفلاسفة فان بحوثهم العلمية اتسمت 
بنقس الموقف الذى مثله العلماء التطبيقيون إلا أن أبحاثهم الفلسفية جارت إلى حد ما 
الاتجاه القلسفى وخاصة النزعة الأرسطية » ولهذا السبب بالذات اتصفت الابحاث 
العلمية بأصالة فكرية تفوق البحث الفلسفى بشيئ كثير (') . ورغم تفوق البحوث العلمية 
فى اصالتها ونتائجها على البحث الفلسفى لدى الإسلاميين فان الفلسفة الإسلامية 
امتازت بمقاهيم وافكار عارضت فيها الاتجاه اليونانى فى مفهومه الفلسفى عن الكون 
والحياة ©) , 


)١(‏ وواحدة من هذه المحاولات ما أفاده الدكتور إيراهيم بيومي مدكور في كتايه ( الأورجانون الأرسطي في العالم 
الإسلامي ) . من أن المتطق الأرسطي قد سيطر علي جميع دوائر القكر الإسلامي » فلاسفة وعلماء وفقهاء ومتكلمين 
( لاحظ : مقال الدكتور علي سامي النشار رحمه الله - يعنوان منهج اليحث التجريبي في العالم الإسلامي ص 77١‏ - 
مجلة كلية الآداب والعلوم - يفداد سنة لاه9١‏ . 

(؟) د. التشار : منافج البحث عند مقكري الإسلام ؛ ص .١6١١‏ 

(؟) جوستاق لبون : حضارة العرب :من 147 

(4) فرانتز روزتتال : متاهج العلماء المسلمين في البحث العلمي ؛ ترجمة د. أتيس فريحة , مراجعة د. وليد عرفات طيع 
بيروت سنة 1551١‏ , ص 31145 . 


1. 


ثانيا : كانت الحملة الموجهة من قبل الإسلاميين للمنطق الأرسطى أقسى وأكبر « لآن 
المنطق يتوقف إلى حد كبير على عبقرية اللغة اليونانية . ولما كانت اللغة وخصائصها 
مظهرا من أوضح مظاهر روح الحضارة فيها خصائصها وبها مميزاتها وطابعها , 
فحظ المنطق من الروح اليونانية إذا كبيرا جدا . إلا أن إشارتهم إلى الاختلاف بين 
اللغتين العربية واليونانية يجب أن تفهم باعتبار ذلك رمزا على الاختلاف بين جوهر كل 
من الروحين اللتين انتجتا هاتين اللفتين : )١(‏ 

وقد صور لنا أبوحيان التوحيدى طبيعة هذا النفور بين اللغتين العربية واليونانية , 
ورفض المنطق القائم على هذه اللفة فى كتاب « المقايسات » فى المناظرة التَى جرت بين 
أساسها تباين اللغتين واختلاف خصائصههما 9) , 

ويرى الدكتور النشار أن العلة الأساسية فى رفض المنطق لدى الأصوليين خاصة 
هى « أنهم لم يقيلوا الميتافزيقا الأرسططالية لأنها مخالفة لإلهيات المسلمين . وهذا 
المنطق الارسططاليسى وثيق الصلة بالميتافزيقا . وكثير من أصوله يتصل بأصولها 
ولهذا رفضه المتكلمون . وهذه فكرة فى الحقيقة من أدق الأفكار التى وصل إليها 

نستخلص من ذلك أن الإسلاميين الذين خاضوا فى العلوم الإسلامية من الرعيل 
الأول والذين نشات على أيديهم أصول المنهج العلمى لم يخضعوا لوصاية الفكر 
اليونانى عامة والمنطق الأرسطى خاصة ؛ ولم يكن انطلاقهم العلمى إلا تجسيدا لتلك 
الروح الإسلامية التى حصنتهم بذاتية فكرية متكاملة . فكل مانتج عن هؤلاء ما هو إلا 
خلق وابدا ع لعقلية هذه الأمة وأصالتها . فالشافعى ( 6 -504ه) مثلاه هى أول 
من وضع منهجا لعلم أصول الفقه , انطلق فى منهجه هذا مستوحيا الفكر الإسلامى 
دليلا فى الصياغة والتصنيف رغم معرفته بالمنطق الأرسطى ٠‏ والمتكلمون من الأصوليين 
كانوا على مساس بذلك العلم لكنهم لم يلتفتوا اليه »©) , 

وقد صنف فى الإسلام علوم النحو واللغة والعروض والفقه وأصول الفقه , والكلام 
وغير ذلك ٠‏ وليس في أئمة هذه الفنون من كان يلتفت إلى المنطق ') . 

ومما يدل على ابتعاد المسلمين فى هذه الفترة عن اتباع المنطق الارسطى هى تعليق 
الغزالى على قانون التويل فكان « يرى أنه لكى يتخلص المسلمون من الخطأ فى 
)١(‏ الدكتور عبدالرحمن بدوي : التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية , مصر سنة ٠ 194٠‏ المقدمة . 
(؟) د. النشار : مناهج البحث عند مفكري الإسلام .ص 8/؟ - 7574 , 
(4) المصدر السابق : ص 7١‏ . 
(0) ابن تيمية : نقض المنطق , طبع القاهرة سنة 1401 .ص ١81‏ . 


وذخا 


الاستدلال فى شتى علومهم » يجب عليهم أن يستخدموا! المنطق الأرسطى . وكان 
يزعجة استخدام الأصوليين لغير هذا القانون » )١(‏ . 

ويذلك فإنه يؤكد هذا المعنى بقوله « وليكن البرهان بينهم قانون متفق عليه . يعترف 
كلهم به » فاتهم إذا لم يتفقوا فى الميزان لم يمكنهم رفع الخلاف بالوزن , وقد ذكرنا 
الموازين الخمسة فى كتاب « القسطاس المستقيم » وهى لايتصور الخلاف فيها بعد 
فهمها أصلا , بل يعترف كل من فهمها يأنها مدارك اليقين قطعا 07 / 

وهذا يؤكد ابتعاد الأصوليين عن الأخذ بمنطق أرسطو وممارستهم لمنهج آخر انتهوا 
من خلاله إلى استدلالهم العلمية ‏ والعلم الذى قصلت له الأدلة والمقاييس العلمية لديهم 
هى القياس الأصولى فعلى الرغم من« كثرة مااستقيل من تيارات فكرية كالمنطق 
الأرسطى , والفلسقفة اليونانية إلا أنك لاتستطيع أن تنسيه إلى أمة غير الأمة الإسلامية 
لوضوح معالم شخصيتها فيه » وفى هذا العلم تتجلى عبقرية هذه الأمة وقدرتها الخلاقة 
المبدعة »() , 

ومن ذلك يتبين أن الإسلام هى الدافع والمؤشر الحقيقى الذى اتخذ منه هؤلاء العلماء 
التصور التام لعلومهم ومناهجها . 

ثالنا : من خلال دراسة تاريخ وضع المنهج الأصول يتبين أن أوليات هذا المنهج 
وجدت فى العصر الإسلامى المتقدم لدى فقهاء الصحابة قعن هؤلاء « أخذت القوانين 
يحتاج إليها فى أستفادة الأحكام » فاين عباس مثلا ٠‏ وضع فكرة الخاص والعام 8 
وذكر عن يعض الصحابة الآخرين فكرة المفهوم (')» بل إن فكرة القياس .وهى غاية 
الأصول - لم توضع فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم وفى عصر صحابته كقياس 
للأشياه بالنظائر وللامثال بالأمثال فحسب - بل وضع أيضضا فى العصر الأول والعصر 
الثانى قواعد للقياس وشرائط للعلة » (*) يقول صاحب البحر المحيط « إن الصحابة 
تكلموا فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم فى العلل »() . 

ويؤكد اين خلدون ممارسة الصحابة للاستدلال بالكتاب والسنة وفق منهج محدد 
فكانوا ه يقيسون الأشباه بالأشباه منها ويناظرون الأمثال بالأمثال » بإجماع منهم 
وتسليم بعضهم لبعض فى ذلك ٠‏ فان كثيرا من الواقعات بعده » صلوات الله وسلامه 


. ١95 النشار : المصدر السايق , ص‎ )١( 
. 124 (؟) الفزالي ( أبوحامد) : قيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة , تحقيق سليمان دنيا جا » مصر سنة 14571 ص‎ 
. 5-7 المقدمة ص‎ ٠ (؟) مصطفي جمال الدين : القياس حقيقته وحجيته , النجف , سنة 1577م‎ 

(5) النشاى : المصدر السابق , ص 501 . 

(0) د. علي سامي النشار : مناهج البحث عند مفكري الإسلام ص 58 . 

(1) المصدى السايق : الموضمع نقسه . 


اللمدذا 


عليه لم تندرج فى النصوص الثانية » فقاسوها يما يثيت والحقوها بما نص عليه , 
بشروط فى ذلك الإلحاق تصحح تلك المساواة بى الشبيهين أو المثلين . حتى يغلب على 
الظن أن حكم الله تعالى فيها واحد وصار ذلك دليلا شرعياً بإجماعهم عليه , وهو 
القياس 0 

إن هذه العمليات الفكرية فى استنباط الحكم الشرعى تشكل بمجموعها أصل منهج 
القياس الأصولى ٠‏ وهذا ما سنعرفه فيما بعد - وهى منهج يعتمد الدليل الاستقرائى 
لتعليل الحكم الشرعى ٠‏ وعليه فاننا لى أخذنا بأصل النشأة التاريخية لذلك المنهج » فان 
ذلك سابق على أقدم فرض تاريخى يذهب إلى اللقاء الفكرى بين المنطق الصورى 
والفكر الإسلامى . 
مبحث القياس الأصولى فى الفكر الإسلامى (منهج الاستقراء التجريبى ) : 

لعب القياس الأصولى دوراً كبيراً فى بلورة منهج العلم فى حقل التشريع ؛ والإمام 
الشافعى هى الذى حدد أركانه وأسسه ووضع المنهج الذى يحقق ثمرة القياس فى 
الاحكام الشرعية » وينطوى القياس على عدة عمليات فكرية يمارسها المجتهد للاستدال 
على الحكم , فان « كل مانزل يمسلم ففيه حكم لازم » وعلى سبيل الحق فيه دلاله 
موجودة ٠‏ وعليه اذا كان فيه بعينه حكم اتباعه , واذا لم يكن فيه بعينه طلب الدلالة على 
سبيل الحق فيه بالاجتهاد والاجتهاد القياسى 0 

ولقد رسم الشافعى للمجتهد المنهج فى تحقيق القياس الأصولى من خلال الأركان 
التى يتحقق فيها فان« كل حكم لله ولرسوله وجدت عليه دلالة فيه أو فى غيره من 
أحكام الله أو رسوله بأنه حكم به بمعنى من المعانى فنزلت نازلة ليس فيها نص حكم , 

ويتحليل لفقرات النص يتبين أن القياس الأصولى يسير وفق المراحل التالية: 
١‏ - بحث المجتهد عن واقعة منصوص على حكمها تشبه الواقعة التى لانص فيها . 
" - بحثه بعد ذلك عن علة الحكم فى الواقعة المنصوص عليها . 
” - الرجوع للواقعة الجديدة للبحث عن وجود تلك العلة فيها . 
5 - الحكم بتساويهما فى الدكم لمساواتهما فى العلة!؟) . 


١ ١ك مقدمة ابن خلدون : تد يق د. علي عبدالواحد وافي ؛ طبع القاهرة سنة لوا ا‎ )١( 
5.” الرسالة للأمام الشافعي » تحقيق وشرح أحمد محمود شاكر , القاهرة سنة -194 .ص‎ )1( 
, 577 المصدر السابق : ص‎ )( 

(5) مصلفي جمال الدين : القياس ٠‏ حقيقة وحجية ص 177 وما بعدها . 


1١11/ 


الأصل ٠‏ والفرع ؛ وحكم الأصل ؛ والوصف الجامع (أى العلة) "إل 
فالقياس بالمعنى المتقدم هو الاستدلال على إثيات حكم لشئ لوجود ذلك الحكم فى 

شئ مشايه له » يوجد جامع بينهما ولهذا يصرح الشافعى بأن « صحيح القياس إذا 

قست الشئ يالشئ أن تحكم له بحكمه »(') ويقوم التبرير الذى يكتسب يه الموضوع 
الجديد حكم الموضوع الذى قدس به . على التعليل وهذا المنهج فى الاستدلال على 
طبيعة الحكم ما هى إلا خطوة استقرائية يتحقق من خلالها منهج القياس لدى 

ومن هنا كانت العلة من أهم أركان القياس فعليها مدار تعدية الحكم من الأصل إلى 
وشروطها وكيفية التعرف على طرقها . ومن الطبيعى أن تحتل العلة هذه المنزلة فى 
البحث لأنها مناط الحكم فى القياس . والحقيقة أن منهج البحث العلمى بمعناه الدقيق 
أسس وقواعد فكان لها الأثر اليعيد فى المعرفة الإنساتية على صعيد مناهج البحث 

عموما . 

وسموف تعرض لقواعد هذا المنهج - بيشئ من الإيجاز - على مستويين , الأول فى 
شروط العلة والثانى فى طرق تحقيقها أو التعرف عليها وه مايسمى لديهم بمسالك 
العلة. ويسنتبين من خلال دراسة هذين المجالين أهمية المتهج الذى سلكه علماء الأصول 

وقيمته العلمية » حيث يمثل اكتشافه سيقا للمسلمين على علماء المناهج الغربيين . 

١‏ -« أن تكون العلة مؤثرة فى الحكم , فإِنْ لم تؤثر فيه لم يجز أن تكون علة .. ومعنى 
كون العلة مؤثرة فى الحكم هو ان يغلب على ظن المجتهد أن الحكم حاصل عند 
ثبوتها لأجلها دون سواها ٠‏ وقيل معناه , إنها جالبة للحكم ومقتضية له »(؟). 

؟ -« أن تكون العلة وصفا ضايطا بأن يكون تأثيرها لحكمة مقصودة للشارع لا 
لحكمة مجردة . لخفائها » فلا يظهر إلحاق غيرها بها» (©) ومعنى هذا أن تكون 

. ١١5هر/و بيروت‎ ٠ التهانوى : كشاف اصطلاحات الفنون‎ )١( 

(؟) الشيخ الخضيري : أصول الفقة , طبع مصس سنة 1975 , ص 718 . 

(؟) الشوكاتي ( محمد بن علي بن محمد ) : ارشاد الفحول إلي تحقيق الحق في علم الأصول . طبع مصر سنة 1701 , 


ص 717 
(؛) تقس المصدر : ص /1-؟. 


1١14 


العلة واضحة محددة حتى يمكن أن يعتمد عليها الأصولى فى نقل الحكم إلى 
الفرع : 
"' -« أن تكون مطردة أى كلما وجدت وجد الحكم لتسلم من النقض والكسر , فإن 
عارضها نقض أو كسر يطلت « )١(‏ فالعلة هنا تدور مع الحكم وجودا فكلماً 
المعنى ذاته هى الذى مهد له فرنسيس بيكون فى منهج» الجديد بقائمة 
الحضورء("). ثم جاء بعده جون ستيورات مل فجعله من أول القواعد التى تبناها 
فى طرقه لتحقيق الفروض وهى طريقة الاتفاق أى التلازم فى الوقوع ("). 
8 -أما الشرط الرابع فهو« أن ينتقى الحكم باتتفاء العلة , والمراد انتفاء العلم أى 
وهذا يعنى أن العلة الحقيقية للحكم هى العلة التى يدور فيها الحكم , فكلما اختفت 
تلك العلة اختفى حكمها وهذا الشرط هو عين ماتبناه بيكون فى قائمة الفياب من 
منهجه العلمى . حيث أخذه بعد ذلك « مل » وجعله الشرط الثاني من شروط تحقيق 
الفرض وهو طريقة الاختلاف أى التلازم فى التخلف 0 , 
وقد تبين من ذلك طبيعة وعمق المنهج الذى مارسه الأصوليون . 
مسالك العلة : 
أولا : السير والتقسيم : وقد قصد به الأصوليون حصر الأوصاف التى يمكن أن تكون علة 
للحكم ثم يحذف بعضها لقيام الدليل على عدم صلاحيته )١‏ فالعملية هنا ليست 
أكش من عملية تصنيف وترتيب ثم حذف الأوصاف التى لاتشكل دليلا على العلة 
الحقيقية للحكم , وبالتالى نخلص إلى التعرف على العلة يواسطة هذه العملية 
)١(‏ نفس المصدر : تقس الموضع . 
(1) وقائمة الحضور - عند بيكون هي أولي القوائم الثلاث التي يحتويها منهجه في الورجانون الجديد وتتمثل هذه القائمة 
بإحصاء للاجسام الساخنة بقية اكتشاف طبيعة الحرارة التي افترضها من خلال منهجه . 
. 142 - 141 .2.27 1952 .ف .5 ,لآ , م8001 1681) ,اتنادع01 تاناناوا1 : ممعد83 ."1 - 
(؟) وتنص طريقة الاتقاق 55661177611 ش. 01 1161100 علي أنه : اذا كان لحالتين أو أكثر العلة أى المعلول لظاهرة قيد 
البحث ظرف واحد مشترك فقط , قان الظلرف الذي تتفق فيه جميع الحالات هو العلة أو المعلول للظاهرة . 
. 388 .2 ,1973 ,2001مآ , عأعم] 01 «امعاذزو ى : 5 .ل ,التلة - 
(؛) الشوكاني: المصدر السابق  5١4‏ 
(0) وتنص طريقة الاختلاف 01116176066 01 1161100 علي انه إذا وجدت حالة تحدث فيها الظاهرة وحالة لم تحدث 
فيها واتققت الحالتان في كل شئ إلا شئ واحد فقط كان الظرف الذي تختلف فيه الحالتان هو علة هذه الظاهرة . 
(1) الشيخ محمد الخضري ٠‏ أصول الفقة ص 558 . 


1. 


وهذا ما أجمع عليه قسم كبير من الأصوليين بأن هذه القاعدة تشمل مرحلتين » 
الأولى فى الحصر ويمثلها التقسيم , والثانية الإيطال ويملها السير )١(‏ . 
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه القاعدة تيناها قرنسيس بيكون فى منهجه وفى 
طريقة الحذف التى مارسها من خلال قوائمه الثلاث (') ثم جاء بعده جون ستيورات مل 
فاشار إليها فى بحثه وأسماها طريقة « اليواقى » وهى الطريقة التى بها تعرف علة 
شئ ما فى حادثة تعددت فيها العلل » (7) 
والحقيقة أن هذا المسلك أخذ طريقة فى اليحوث العلمية لدى المسلمين وطبقوه فى 
موضوعات مختفة , فقد تناوله جاير ين حيان والحسن ين الهيثم وأشاروا إليه 
بالتصريح من خلال منهجهم العلمى . 


ثانيا : الطرد والدوران : الطرد هى « مقارنة الوصف للحكم فى الوجود دون العدم » (4) 
أما الدوران فهى مقارنه الوصف للحكم وجودا وعدما »(*) , 

ففى الدوران يوجد الحكم فى جميع صور وجود الوصف وينعدم ياتعدامه , ولهذا 
أطلقوا على الطرد والعكس ) )١‏ ويضرب الأصوليون مثلا لدوران بالتحريم للخمر مع 
السكر , فإن حرمة الخمر ناتجة من كونه مسكرا فإذا ارتفع عنه الإسكار انتفى 
التحريم 0 وهكذا دان التحريم مع الإسكار وجودا وعدما 0( . 

ولقد ريط الأصوليون بين الدوران والتجرية بشكل وثيق ولهذا اعتبروا « الدورانات 
عين التجرية ا ا لع ا 
كثيرة من قواعد علم الطب إنما تيت بالتجربة وهى اران بيه »0 . 
اليقين » ومال آخرون إلى القول بأنه يفيد الظن (') ومهما يكن ممكن من أمر فإن هذا 


. ١١5 د. النشار : المصدر السابق ص‎ )١( 

0( وقائمة الحذف 121672183107 01 21611100 هي القائمة الثابتة من منهج بيكون والتي دون فيها الأجسام التي 
لاتظهر فيها الحرارة وتسمي أيضا بقائمة الفياب . 141 .2 1010 : 2307 .1 

(1) وطريقة البواقي عند مل تنص علي أنه : إذا استيعد من أية ظاهرة ذلك الجزء المعروف بواسطة استقراءات سابقة 
بانه المعلول لحوادث معينة سايقة قان ماتيقي من الظاهرة هى المعلول لهذه الحوادث الياقية 2 10610 : 5 .1 أانقة 

397. 

(4) د. الثشار : المصدر السابق ص ١١7‏ . 

(5) الصدر السايق : نفس الموضع . 

(1) التهانوى : كشاف إصطلاحات القنون ؟/ر5ا] . 

(/) التهانوى : المصدر السايق / الموضع نفسه . 

(4) النشان : المصدر السايق صن ١١١‏ ومابعدها . 

(1) الشوكاتي : المصدر السايق ص ١؟؟‏ 


1١ 


المسلك لايختلف عن طريقة الجمع بين الاتفاق والاختلاف التى نادى بها « مل » فيما 
بعد وهى القاعدة القائلة بأن العلة تدور مع معلولها وجودا وعدما »() . 

هذا هى المنهج الذى أسس وجوده الأصوليون . وينظرة فاحصة لقواعده نتبين 
القيمة العلمية ويدرز الابدا ع والتفوق الذى أحرزه الإسلاميون على منطقة اوريا . من 
شال سيكون وغل في مجال تتصدل عتهع «"الاستقراء التمزيبى + الذئ تكلمها قى 
أسسه التى يقوم عليها . ولقد تبين لنا أن تلك الأسس أصيحت فيما يعد المنطق العلمى 
لعلماء المناهج على المستويين الإسلامى والأورويى . 

إن هذه النزعة الاستقرائية تشكل الأصول الحقيقية لمنهج البحث العلمى فى الفكر 
الاسلامى » حيث تطور المنهج بعد ذلك على أيدى العلماء التطبيقيين فقصلوا مراحله 
وكشفوا قواعده » ومارسوه فى بحوثهم العلمية فتوصلوا من خلال ذلك المنهج إلى نتائج 
مهمة فى ميادين العلوم المختلفة . 


منهج الاستقراء التجريبى لدى علماء المسلمين : 

تبين لنا - مما سيق - أن العلوم الإسلاميه: اتخذت من الطريقة الاستقرائيه دليلا 
فى نزعتها العلمية - وتمثلت هذه الطريقة بيصورة دقيقة قيقة لدى الأصولبين من المسلمين 
فى التثيت من طبيعة الحكم الشرعى ٠‏ وخاصة فى مجال القياس الفقهى » حيث فصلوا 
مراحله بمدلول استقرائى يضمن سلامة الحكم بالنتيجة . 

ولاتقل أهمية هذه النزعة فى بقية العلوم الأخرى لدى العلماء الإسلاميين ٠‏ فقد تنبه 
هؤلاء إلى دور الاستقراء وأهميته فى البحث العلمى , الأمر الذى يعطى للظاهرة 
تفسيرها الحقيقى ٠‏ وبالتالى وضع القانون الذى تسلك على مقتضاه تلك الظاهرة , 
ولقد اتخذ هؤلاء العلماء من مرحلتى الملاحظة والتجربة فى استنتاجاتهم العلمية 
أساسا للأحكام والقوانين , ولهذا وضعوا لهما شروطا ورتبوا عليها أحكاماً لإعطاء 
منهج الاستقراء كامل مواصفاته العامية , وكانت مرحلة الفروض من المراحل العامية 
التى أولاها الإسلاميون الكثير من الافتمام بحيث وجهوا هذه المرحلة بأسلوب علمى 


دقيق:(3) 
وسنحاول أن نعرض لذلك بشئ من الايجان : 
أولً : مرحلة الملاحظة : 


أدرك علماء المسلمين على اختلاف اختصاصاتهم أن الملاحظة مرحلة أساسية فى 
البحث العلمى لاكتد اف خصائص وأسياب الظواهر » ونتيجة لأبحاثهم المعمقة فى هذا 
)١(‏ تنص هذه الطريقة علي انه« اذا وجدت حالتان أو أكثر تحدث فيهما الظاهرة ويتفقان في أن لهما ظرف واحد 
مشتركء ووجدت حالتان أو أكثر لم تحدث فيهما هذه الظاهرة وليس لهما شئ مشترك إلا غياب ذلك الظرف» فإن 
الظرف الذي تخظف فيه مجموعتان في الحالات هى المعلول أو العلة أى جزء ضروري من علة الظاهرة » 
(؟) لاحظ : عبدالزهرة محمد بندس: منهج الاستقراء في الفكر الإسلامي ٠‏ رسالة دكتوراه . القاهرة سنة 8/ا151, 


فد 


الجانب استطاعوا كشف الكثير من الظواهر وتشخصيها يقول الطبيب أبوالحسن 
الطبرى « إن الدلائل على الأمراض البأطنة سبع ؛ الأول منها المنظر » كما تدل صفرة 
اللون وبياض الشفة . وورم القدم على برد الكبد وكما يدل سواد اللون وبيياض الشفة 
على ورم الطحال ؛ وتدل حمرة الوجة مع الحمى الحارة على ورم الرئة » وتدل صفرة 
اللون والعين على اليرقان »(1) . 

ويدعم هذا الاتجاه فى الملاحظة الرازى (أبوبكر محمد بن زكريا) (١4؟‏ -؟١51ه)‏ 
الذنى شدد على وجوب استخدام النظر (الملاحظة) فى الصناعة الطبية » وليس لأحد أن 
يدعى إتقان تلك الصتعة إلا عن طريق المنهج الصحيح , تقول « الا تظن بامى ولا عامى 
لا درية معه بالقياس والنظر حذقا بالصناعة الطبية , ولاعمل صواب - إن كان منه - 
إلا على حسن اتفاق »() . 

والنظر فى الصنعة الطبية الذى ينادى يه الرازى هى مزاولة المرضى مباشرة عن 
طريق الطبيب » وهذا مايسمى بالمفهوم الحديث بالملاحظات السريرية (الاكلينكية) ولهذا 
يرى أنه« لايكفى فى أحكام صناعة الطب وقراءة كتبها بل يحتاج مع ذلك إلى مزاولة 
المرضى إلا أن من قرأ الكتب ثم زاول المرضى يستفيد من قيل التجربة كثيرا »7() . 

ولقد اتصب عمل الرازى فى الطب على اتخاذ الملاحظة المباشرة لمرضاه ورصد 
النكتائج التى يحصل عليها من جراء تلك الملاحظة وأودع نتائج تلك الملاحظات فى 
موسوعته الطبية « الحاوى » الذى يدل على علو كعبه فى هذه الصناعة . 

ولايقل شسأن ابن سينا ( 1/؟ - 5758 ه ) فى هذا المجال فى الصناعة الطبية 
باستخدامه الملاحظة المباشرة لمرضاه ورصد النتائج وعلاج الأمراض ٠‏ وموسوعته 
الطبية « القانون » تدليل واضح على مدى ممارسته منهج الملاحظة » بحيث توصل الى 
اكتشاف عملية دقيقه فى ميدان الطب ويذلك يرى أن العلاج يقوم على مايحقق أفضل 
تتيجة يحققها الطبيب لمرضاه عن طريق ابتكار أساليب تهدى إليها المشاهدة ٠»‏ () . 

ويؤكد ابن سينا أن الملاحظة يجب أن تنصب على حالة أو ظاهرة معينة ثم تستمر 
لكى تستخلص النتيجة الصحيحة لتفسير أسبابها ') . ولايمكن صياغة القانون الكلى 
فى المعالجة إلا بعد تفحص الأحكام الجزئية للدلالة على ذلك القانون )١(‏ . 


(1) الطيري ٠‏ أيوالحسن علي ين سهل بن زين : قردوس الحكمة في الطب , طبعة برلين 1578 ص ١7‏ 
(؟) الرازي ؛ كتاب المرشد أى القصول ٠‏ تحقيق ألبير زكي إسكندر . مصر سنة 1553 ص ١١8‏ 

(؟) المصدر السايق : ص ١١5‏ 

(5) ابن سينا : القانون في الطب ٠‏ طبعة بولاق ١717//1؟‏ 

(5) المصمر السايق : 1751/1 

(1) المصير السايق : ١/؟‏ + 


تفن 


وترسم البيرونى 45١ - 75١(‏ ه ) فى منهجه لعمل الأدوية طريقة الملاحظة للوقوف 
على أحسن النتائج التى يتوصل إليها صاحب الدواء ولهذا يشير فى معرض حديئه عن 
الأدوية المفردة « ثم حمل الأدوية إلى ماقبلها لاوصفها عن عيان ؛ فقد كنت طالعت لأبى 
بكر الرازى كتابيه فى الصيدلة والابدال لم أفز منهما بالكفاية »() . 
ضرورة جمع المعلومات بالمشاهدة , ولكنهم فى الوقت ذاته أدركى ضرورة الاستعانه 
بأجهزة تكون مساعدة فى الكشف عن حركات الكواكب , والظواهر الفلكية فبنوا 
المراصد وحسنوا الاصطرلاب . وجمعوا المعلومات الفلكية المختلفة عن الكون الذى 
يحيط بهم» (') ونتيجة لممارستهم الملاحظة العلمية توصلوا الى نتائج دقيقة فى هذا 
الجانب مما تعد فتحا رائعا فى مسار علم الفلك. ولقد نيه الفيلسوف الكندى -١65(‏ 
الظواهر . فاللون اللازوردى للسماء لايمكن التحقيق من طبيعته وذلك « لبعد الأرض 
وعدم إمكان الأقيسة الرياضية التحقيق من ذلك »() . 

ويذلك أشار فيلسوف العرب إلى محاولة الاستعانة بالأجهزة العلمية لملاحظة ؛ ما 
لايمكن ملاحظته بالحواس المجردة . 

واستطاع أبوعبدالله البتانى (540؟ -7١؟‏ ه) ان يأتى على كشف الكثير من 
الظواهر الفلكية نتيجة لإرصاده العلمية المتواصلة « ولكننا لم نر فيما رصدنا من أقدار 
الإيصار » (؛) ثم يشير إلى أن جميع النتائج التى أودعها فى كتابه « الزيج الصابى » 
جاءت عن طريق الرصد *) ونتيجة لمنهجة فى الملاحظة العلمية » أثيت على عكس 
ماذهب إليه بطليموس ففير القطر الزاوى الظاهرى للشمس ؛ واحتمال حدوث الكسوف 
الخلفى وصحح البتانى جملة من حركات القمر والكواكب السيارة » واستبنط نظرية 
جديدة تشف عن شئ كثير من الحذق وسعة الحيلة لبيان الأحوال التى يرى بها القمر 
عند ولادته وضيط تقدير بطليموس لحركة المبادرة الاعتدالية وله رصود جليلة 
حركته خلال قرن من الزمان »(1) , 
)١(‏ البيروني ٠‏ أيوالريحان : كتاب الصيدنة في الطب ( بدون تاريخ ومكان طبع ) صن ١١‏ , 
(؟) د. ياسين خليل : منطق ' 'عرفة العلمية ‏ ص .١‏ 
(؟) رسائل الكندي القلسقية .١١7/‏ 
(6) أبوعبدالله بن سنان اليتاني : كتاب الزيج الصابي , تصحيح دكارلوناللينى , طبعة روها سنة 1445 ؛ ص84. 
(5) المصدر السايق : ص . 
(1) دائرة المعارف الإسلامية , الترجمة العربية , */4؟7 مادة البتاني بقلم نيلليتي . 





يفن 


ويؤكد الحسن بن الهيثم طريقته فى تقصى الأجرام الفلكيه ياستخدام الملاحظات 
وقد طبق منهجه هذا فى تفسير طبيعة الضوء وخاصه ضوء القمر بعد ملاحظة أحوال 
جميع الأجرام المضيئة للانتهاء إلى التفسير الصحيح لطبيعة ذلك الضوء ولهذا يقول « 
دعتنا هذا الحال إلى البحث عن كيفية ضوء هذا الجرم واستقصاء النظر منه وكشف 
ما هى ملتيس من أمره ء فجلعنا ابتداء نظرنا فى تفقد أعراض جميع الأجرام المضيئة 
واعتيار أحوالها » () . 

ولايرتضى البيرونى قى منهجه العلمى فى هذا الجانب إلا الممارسة الشخصية 
لللاحظة الظواهر القلكية توخيا للحقيقة والعلم الصحيح « فإذا كان الحال على هذا 
وليس فيه غير التقليد يعد حصول الهداية للمقصود والتهدى لمآخذه . مع الحرص على 
الحق والثيوت على الأمانه والصدق , لم تسكن نفسى إلى غير المشاهدة » (5) 

ولس بوسعنا هنا أن نسجل لكل أنواع الممارسات العلمية التى حققها العلماء 
المسلمون ولكنا اخترنا منها ما يبرهن على تبنيهم منهج الملاحظة فى أيحاثهم المختلفة. 


ثانيا : التجربة الختبرية : 

تناول العلماء قيمة التجرية فى البحث العلمى وأكدوا على ضرورة ممارستها للوقوف 
على الحق ومعرفة الصواب . 

يقول جاير بن حيان « ويجب أن تعلم أنا نذكر فى هذا الكتب ضواحى مارأيناه 
ققط دون ماسمعناه أو قيل لتا أى قرأناه يعد أن امتحناه وجريناه . مما صح أوردناه 
ومابطل رفضتاه , واستخرجناه نحن وقايسناه على أقوال هؤلاء القوم »29) . 

وجاير هنا باعتياره واحد من أكير أئمة المناهج فى الفكر الإسلامى يبتدئ يبرسم 
منهجه العلمى موصيا بأن التجرية العلمية هى أساس النتائج التى أودعها كتبه دون 
الالتفات الى أساليب السمع والقراءة أ النقل مالم تؤيدها التجارب . 

أما القيسوف الكندى ١40(‏ - ”07” ه) ققد أكد أهميه التجربة ودورها فى التثبت 
العلمى « فان الشئ إذا كان خبرا عن محسوس لم يكن نقصه إلا بخير عن محسوس » 
ولاتصديقه إلا بخبر عن محسوس ») . 

ولهذا كان لايطمئن إلى طبيعة الحكم - مهما كان مصدره - إلا من خلال إجراء 
التجرية للتثبيت من صدقه . 
)١(‏ البيروتي ( ايوالريحان ) : القانون المسعودي ؛ حيدر أياد .ستة 1985 . 514/1 . 


(4) رسائل الكندي الفلسقية : رسالة في القاعلة للمد والجزر ١١4/*‏ 


15 


واحتلت التجرية فى منهج الرازى (01؟ - 5١7‏ ه ) فى الطب والصيدلة مكانا 
كبيراء فلقد تضمنت آثاره العديد من التجارب الطبية للوقوف على التفسير الصحيع 
لطبيعة ظاهرة المرض )١(‏ . أى لتحديد خاصية الدواء الملائم » ولهذا يقول « لاتلتفن إلى 
الأدوية الغريبة والمجهولة ما أمكنك إلا أن يصيح عندك أمر أقوى بالتجربة 
والمشاهدة»!'). وكان لايتبنى رأيا أى حكما ما لم تؤيده التجارب والمشاهدات « ولانحل 
شيئًا من ذلك عندنا محل الثقة إلا بعد الامتحان والتجرية » (). 

واكتسبت الأبحاث الطبيعية التى قدمها ابن الهيثم ( 4 - 47.١‏ ه) درحة عالية 
من التثبيت بفضل استخدام التجربة التى اتخذ منها منهجا فى تحقيق النتائح العلمية, 
فقد كان يلجأ إلى التجرية فى تصحيح الآراء التى يتبناها أو التى يرفضها وأن «السير 
والاعتيار » هما الطريق الحقيقى لمثل هذا التبنى أو الرفض » ) . 

ولقد بلغ الاهتمام بالتجربة لدى ابن سينا ( 51/١‏ - 428 ه) مبلفا كبيرا بحيث دلل 
على القيمة العالية لها من خلال تطبيقاتها فى علوم مختلقة ؛ فالمجرب على صعيد 
الأدوية مثلا خير من عديم التجربة وذلك « أن كل دواء مركب فله حكم من بسائطه 
وحكم من جملة صورته ؛ وغير المجرب إنما يفيد من اعتيار يسائطه فقط , ولاندرى 
مايوجبه مزاجه الكائن عنها هل هو زائد فى معناها أى غير زائد » وهى مناقض 
والمجرب يكون قد تحقق منه الأمران . ولربما كانت الفائدة فى صورته المزاجية أكثر 
من المتوقع من بسائطه »(©) . 

ولذلك فان ابن سينا يرى أن التعرف على قوى الأدوية يأتى عن طريقين , هما 
طريق القياس , وطريق التجربة(١)‏ ثم يرى أن للأيدان طبائع وأمزجة لايمكن حصرها 
بالقياس ويهذا يوحى بتغليب التجربة عليه 0" , 

ولقد نادى بالتجربة أسلويا للتحقيق فى أعماله الكيماوية ورسالته فى الأكسير خير 
دليل على مانقول . 

« وإن الامتحان هو الذى يكشف وهى الحواس ويؤدى إلى قلب أحكامها »2) . 


.114/١4 ١586 الرازي : الحاوي في الطب » حيدر اياد سنة‎ )١( 

(؟) الرازي : كتاب المرشد أى الفصول ن ص 57. 

(") د. محمد كامل حسين : طب الرازي ».ص 57 

(4) اين الهيثم : مجموع الر سمائل ؛ حيدر اياد لاه ١"‏ ه ؛ رسالة في الضىء ص 8 ومابعدها . 
(5) اين الهيثم : القانون في الطب . ”ا/ر١١؟‏ . 

(1) المصدر السابق : ١/ره؟؟.‏ 

(1) المصدر السابق : ١/ره"١.‏ 

(4) اين سينا : رسالة في الاكسير ( بدون مكان وزمان طبع ) ص ١؛‏ ومابعدها. 


1١ 


وتضمنت أبحاث البيرونى ( 70١‏ - ١5؛‏ ) المختلفة منهجا تجريبيا دقيقا قدم من 
خلاله جملة نتائج صحيحة : يحيث كان عمله بأكمله فى استخراج الأوتار قائمه على 
الامتحان ( التجرية ) )١(‏ . 

واعتمدت القياسات التى حدد لها طول وعرض بعض اللمدن » تجارب دقيقة , كان 
يرى من الضرورى تبنيها لاستخراج الأقيسه الدقيقة (') . وكان يؤكد قيمة التجرية فى 
إيحاثه الفلكية لتفسير ومعرقة طيبيعة الظواهر () . وأن استمرار التجرية وتكرارها هو 
المعيار للتثبت من طبيعة قوى الأدوية ) . 

يتيين مما تقدم أهمية التجرية فى البحث العلمى لدى علماء وفلاسفة الإسلام : 
بحيث دللوا فى بحوثهم المختلقة على دور التجرية ومكانتها فى التثيت وأنها شرط 
أساسي فى المعرفة العلمية وهذا تحليل لطبيعة المعرفة وكشف الأسس وال معايير التى 
تقاس بها تلك المعرقة العلمية , وهم يهذا تجاوزوا القهم التقليدى لطبيعة المعرفة 
فانتقلوا بها إلى مستوى جديد لم يكن مألوفا للفكر اليونانى ('): وذلك « أن المسملين 
أدخلوا الملاحظة الدقيقة والتجارب العلمية والعناية برصد نتائجها فى الميدان الذى 
افتقر قيه اليونان - على ما نعلمه - على الخيرة الصناعية والفقروض الغامضة »() . 

ومن هنا حرص الإسلاميون على تحديد معالم التجرية المختبرية ومواصفاتها 
العلمية . بحيث وضعوا لها شروطا وقواعد من أجل سلامة تطبيقها للحصول على 
النتائج العلمية المطلوية . 
ثالثا : الفروض العلمية : 

تعرف الفروض بأنها التكهنات التى يضعها الباحثون لمعرفة الصلات بين الأسياب 
ومسبباتها 20 ولكى يكتسب التكهن درجة كافية من الإقناع ينبغى - فى أى بحث 
علمى - أن يدلل الواقع على صدقه وذلك عن طريق التثبت علميا بواسطة التجرية 
والملاحظة عن مقدار ذلك الصدق . 

وهكذا ينتقل الفرض فى مراحل التثيت حتى درجة الاطمئنان إلى صدقه » وعندما 
يتحول قانون علمى لتقسير الظاهرة المدروسة . 


)١(‏ رسائل البيروني : رسالة في استخراج الأوتار ؛ صى .؟؟. 

(؟) البيروني : تحديد نهايات الأماكن » ص ؟0١.‏ 

0( الييروتي : القانون المسعوي , 65/5 5. 

(؛) الييروتي : كتاب الصيدلة قي الطب ( يدون ماكان وزمان طبع ) ص ١5 ٠١‏ . 

)م( قدري طوقان : تراث العرب العلمي في الفلك والرياضيات . القاهرة ١561‏ . ص ٠١5‏ . 
(1) ول ديورانت : قصة الحضارة , 141/15 

(1) د. محمود قاسم : المتطق الحديث .ص .١5١‏ 


1١1 


وقد عبر الرازى عن الفرض العلمى يمفهوم « الحدس » على اعتبار أن الفرض 
تكهن عقلى , ثم نبه الرازى إلى أن هذا الحدس مساله تقريبية لايمكن البت لصدقها إلا 
بعد التجرية وملاحظة تكرر آثارها . ويذلك يشير إلى طريقة معرفة فعل الدواء 
واستخلاص الحكم المترتب من جراء استخدامه فيقول « إتما يحتاج أن يعرف فعل 
الدواء فى كل واحد منها ٠‏ فذلك وجب أن يعرف فعله فى اليدن المعتدل » مثل يحدس 
منه على غير المعتدل حدسا مقريا . ثم هذا الحدس ان التمر متى كان يسخن البدن 
المعتدل فهى يسخن اليدن الخارج عن الاعتدال إلى الحصر اسخانا أشد والبدن الخارج 
عن الاعتدال إلى اليرد اسخانا أقل » () . 

وهكذا يشكل « الحدس » مرحلة التكهن العلمى بحدوث ظافرة ما . ولايليث هذا 
التكهن بالحدس أن يصبح قانونا بمجرد مطايقته للواقع الموضوعى ‏ أو بعبارة أخرى 
امكان تحقيقه تجرييدا . 

ولقد تكرر لدى الرازى مفهوم الحدس للتعبير عن الفرض ال موقف الذى يتكهن من 
خلاله لطبيعة عله المرض ؛ ثم يمارس التجرية الطبية للتثبت من طبيعة ذلك الحدس 
فيقول « وآخر كان به جراحة فى البنية فانكشف عنه فى العلاج اللحم فلما برء بقيت 
رجله عسرة الحركة , فعلمنا بالحدس أنه أبقى من الورم الذى كان به بقية فى بعض 
تلك الأعضاء , فوضعنا عليه أدوية تحلل فير »() . 

وهكذا تثبت من قيمه الحدس الذى تكهن به بأن استخدم من الأدوية مايضاد ذلك 
المرض فثبت لديه فرضه . 

ولقد أطلق ابن سينا على الفرض اسم« الظن الفكرى » (') وهذا يدل على أن 
التثبت من الفرض ليس مطلقا , فمن الممكن أن تؤدى المعرفة المستمرة إلى نقض 
الفرض بالوسائل التى يستعان بها لمعرفة بعض الجوانب التى خفيت فى الفرض الأول» 
وهذا ال معنى من المعانى التى يعتد بها فى البحث العلمى الحديث » إذ أن التثبت من 
الفرض العلمى لايمكن أن يكون مطلقا » وليس من الضرورى اليرهنة على صدقه 
التجريبى لصورة كاملة وقطعية (؛) ويذلك يضع ابن سينا المفهوم الدقيق لمعنى القانون 
وعلاقته بالحتمية » فيناء على تصوره لايمكن اعتبار حتمية القانون مطلقة لأن ذلك يؤدى 
إلى « إغلاق باب الاجتهاد فى البحث العلمى وقطع الطريق على الإمكانيات المتعددة فى 


.5 الرازي : المرشد .ص‎ )١( 
.//١١ الرازي : الحاوي‎ )١( 

(1) أبن سيتا : رسالة الأكسير صن 48 وما بعدفا. 
(4) د. ياسين خليل : منطق اليحث العلمي ص 157. 


1/ 


مجال التجرية , وإغقال ماعسى ان يتمخض عنه المستقيل من كشوف لا تطرأ على 
البال » (0) , 

ويناء على ماتقدم فان ابن سينا كان يضع عدة فروض مستخلصة من طبيعة 
مشاهداته يعلل من خلالها احتمالات سلوك الظاهرة تبعات لتعدد الحالات التى تظهر 
فيها العوامل والأسياب التى تحد سلوك الظاهرة ولهذا يرى أنه « إذا برد الدخان فى 
الجو قبل الانتهاء إلى حيز الاشتعال هبط ريدا , وهذه الأبخرة والدواخن إذا احتبست 
فى الأرض ولم تحلل » حدث منها أمور »(') . 


خلص المسلمون بعد أن درسوا طبيعة منهج الاستقراء إلى أنه ظن احتمالى , 
ويزداد هذا الاحتمال قوة كلما زادت الحالات الجزئية المستقرأة ويقل بقلتها ؛ ولذلك 
يشير جاير ين حيان إلى أن « قوته ( يقصد الاسقتراء ) وضعفه بحسب كثرة النظائر 
والأمثال المتشايهة » () . 

ويستشهد جابر هنا يمثالين للتدليل على قوله يتناول فى المثال الأول الحالة التى 
يكون فيها الاحتمال ضعيفا نتيجة لاعتماده على دليل واحد لتعميم الحكم » وهى التعميم 
القائل بأن امرأة ها ستلد غلاما ٠‏ والدليل الذى اعتمده صاحب هذا التعميم بأن تلك 
المرأة « ولدت فى العام الأول غلاما ؛ ولم تكن تلك المرأة ولدت إلا ولدا واحدا فقط » (؛) 
أما المثال الثانى فهى الذى يتناول التعميم فى أعلى درجة من الاحتمال نتيجة لاعتماده 
على سلسلة طويلة من الأدلة والقرائن » بحيث تكون كافية لاكتساب التعميم تلك الدرجة 
العالية من الاحتمال وهو مثال صاحب التعميم الذى يقول بأن « ليلتتا هذه ستنكشف 
عن يوم يتيعها ويكون بعقيها » فسالناه : من أين لك علم ذلك فأجاب : بأن قال : من 
قبلأنى لم أجد ليلة إلا وانكشق عن يوم » فظاهر ألا يكون إلا على ماوجدت »(0) وهكذا 
اكتسب التعميم الدرجة من الاحتمال كافية لأن تؤدى إلى اطمئنان بسلامة التعميم » إلا 
أن هذا الاحتمال وإن بلغ هذه الدرجة ؛ من الوثوق لايدلل على العلم الضرورى اليقيني. 
لأن نتيجة الاحتمال هنا أساسها الظن باطراد الظواهر المتشابهة وليس القطع , ويهذا 
يقول « ليس فى هذا الباب علم يقينى واجب ٠‏ وإنما وقع منه تعلق واستشهاد بالشاهد 


(1) د. محمد فتحي التيطي : أسس المتطق والمنهج العلمي ٠‏ بيروت ١151ام.‏ 
(؟) ابن سيتا : عيون الحكمة ص .5١‏ 

(؟) جابر بن حيان : مختار الرسائل صى 415. 

(8) الصدر السابق : ص .5١6‏ 

(5) المصدر السايق: ص .8١5‏ 


158 


على الغائب لباقى النفس من الظن والحسبان » فإن الأمور ينيفى أن تجرى على نظام 
ومشابهة ومماثئة )١1(»‏ . 

وهذا يعنى أن تكرار الحدوث نتيجة لاطراد الظاهرة هو الذى ينمى درجة الاحتمال 
فى النفس البشرية » وجاير فى هذ التعليل يشير إلى آخر ماقرره المنهج المعاصر بشآن 
التعميم الاستقرائى عندما يعالج مشكة التعميم وعلاقتها بالاحتمال : قمهمة الدليل 
الاستقرائى فى هذا المنهج هى تنمية الاحتمال بدرجة تحقيق الاطمئنان لطبيعة الحكم 
المفحة. , ونهذا يقول وس ضحد اقتران كا هرمن »وقسيا ري حاتفكن أ نيكلدل الوصنول 
إليه هى إنه كلما كثرت المرات التى يحدثان فيها مع ازداد رجحان حدوثهما معا فى 
مرة أخرى . وكلما يلغت مرات حدوثها معا حدا كافيا زاد رجحان حدوثهما معا فى 
قرة أخرى:: حطت :تصل إل و:دريحة اليقنة تقرييا ء وهذا الاعتمال أو الريجهان الابصفل 
إلى درجة اليقين المطلق .. ويذلك فالاحتمال أو الرجحان هو كل ماينيفى أن تسعى فى 
طليه » () . 

إن هذه النتيجة التى انتهى إليها جابر بن حيان بعد مناقشته مشروعية الاستقراء 
تشكل ه سيقا لرجال المنهج العلمى قى العصور الحديثة الذين أوشكوا اليوم - منذ 
نيفين هيوحت أن يكوتوا على إجفا ع فى :هذا حت لقد استزم من أبرة التبائض 
التى تميز العلم اليوم أنه احتمالى النتائج مادام قائما على أسس استقرائية »() . 

ومن هذا المنطلق بالذات أسهم العلماء الإسلاميون فى إثراء المعرفة العلمية » ولم 
يحقق العلم اليوم ماحققة من نتائج فى هذا المجال إلا انه أخذ بالمنهج الدقيق لقيمة 
الاستقراء وهى المفهوم الذى نادى به علماء وفلاسفة الإسلام من قبل وعليه فقد أصبح 
الاحتمال اليوم « يلعب دورا كبيرا فى المعرفة العلمية واطراح الاحتمال معناه القضاء 
على العلم » 9©) , 

بهذا المعتى مو التظيل والتفشين لطنيعة مشروعية القيل الاستقرا كون 
الاسلاميون قد استيهيؤا طبيعة الشكلة إلى حد كير وعافقوها با يتناس ومغطيات 
عصرهم . 


)١(‏ المصدر السابق : الموضع نفسه . وهذا المعني هو الذي أفاده الاصوليون من أن القطع في القياس يكون نتيجة 
لسلسلة طويلة من الجزئيات التي تشكل مجموعها دليلا يفيد العلم الكاقي ؛ على العكس مما هو عليه القياس 
المستقاد من آحاد الأدلة التي لاتنهض لعلتها بالدليل القاطع علي الحكم التام ؛ ولهذا نشأت فكرة ترجيح سلسلة من 
الجزئيات على ساسلة أخري لاشتمال الأولي علي اطمئنان نفسي يفيد القطع ( راجع : الشيغ محمد الخضري : 
أصول الفقه , .١7‏ ) 

(1) رسل ( برترائد ) : مشاكل الفسلغة ‏ ص ه٠‏ 

(1) د. زكي نجيب محمود ٠‏ جابر بن حيان » ص 41 

(4) د. عبدالرحمن بدوي : مدخل جديد إلى الفسلفة . بيروت ؛ ه/ا5١‏ , صن /الا . 


15 


بعد أن درس الإسلاميون - كما رأينا - طبيعة منهج الاستقراء وخلصوا إلى أن 
نتائجه محلة غير يقينية ؛ تنبهوا إلى أن هذه الطريقة لاتمثل سوى مرحلة منهجية 
واحدة من مراحل الاستدلال العقلى » وهذا يعتى أن الاستقراء لاينهذى بمقردة على 
تغطية دائرة اليحث العلمى المتكامل . فمن الضرورى إذن تطوير طبيعة البحث ؛ 
وممارسة عمليات ذهنية أخرى تستوعب متطلبات البحث العلمى لاعطائه كامل 
مواصقاته العلمية . 

وعليه فان عملية التطوير هذه ليست استقرائية بالطبع 2 مادام الاستقراء لايمثل 
سوى مرحلة من تلك المراحل المتعددة فى منهج البحث العلمى 1 

ومن هنا استعان الإسلاميون بطرق ومناهج أخرى مارسوها فى عملية البحث 
وصياغة النظرية العلمية وخرجوا من مجموع تلك المناهج بنتائج تؤدى إلى استيعاب 

فإلى جانب ممارستهم الاستقراء قى مختلف بحوثه العلمية . استعاتوا بمنهج 
القياس ٠‏ والتمثيل ٠‏ والمنهج الفرضى ‏ والمنهج الرياضى . 

وسنحاول أن نعرض فى إيجاز لهذه المناهج من خلال ممارسة علماء المسلمين لها 
فى بحوثهم العلمية المختلفة. 


أولة : منهج القياس :)١(‏ 

تجلى هذا المنهج بصورة خاصة فى البحوث العلمية لدى ابن الهيثم حيث استعان 
به لتدوين النتائج المترتبة فى ضوء التجارب العلمية , فلقد استنتج ابن الهيثم أن 
القياس , بعد التثبت التجريبى من استقامة الضوء , وذلك فى تجريته التى أثبت من 
خلالها أن الضوء يسير فى خطوط مستقيمة عند مروره من وسط متجانس 9( ولهذا 
واصل ابن الهثيم تجريته باستقراء بعض الأضواء الأخرى ليبرهن أن جميع الأضواء 
تسير بحطوط مستقيمة , ثم ينتهى من ذلك الاستنتاج بأن « إشراق الأضواء من 
الأجسام المضيئة من ذواتها إنما يكون على سموت خطوط مستقيمة فقط »() ولهذا 
انتهى إلى أن الكواكب المضيئة تكون أضواؤها على خطوط مستقيمة أيضا . ولقد 
)١(‏ المقصود بالقياس هتا هو ذلك الشكل المنطقي المكون من مقدمتين تلزم عنهما نتيجة بالضرورة » ( منطق أرسطى 

. )١هرلا‎ 


(1) ابن الهيثم : ربسالة في الضوء , ص ٠‏ 
(؟) المصدرالسايق : نفس الموضمع . 


ين 


اعتمد هذا الاستدلال شكلا قياسيا منطقيا استعان بواسطته ابن الهيثم لتقرير هذه 
النتيجة : فيما أن الضوء يمتد على سموت الخطوط المستقيمة , وأن الكواكب يكون 
بعضها مضيئا » فإذن تكون أضواؤها على سمت الخط المستقيم , ولهذا يؤكد ابن 
الِيكم ه أن الأجزاء الكيان من الأجساء المضيئة من ذواتها + والأجزاء الصفار منهاام 
وإن كانت فى غاية الصغر مادامت حافظة لصورتها فإنها أيضا مضيئة والضوء يشرق 
منها على الصفة التى تشرق من الأجزاء الكبار ‏ () . 

من هنا أشار المرحوم مصطفى نظيف إلى أن« عناية ابن الهثيم بالقياس تتجلى 
هى أيضا فى جميع بحوثه » فهى بعد أن يثبت المبادئ الأولية بلا اعتبار (التجرية) لتجد 
تلك المبادئ قضايا يستنبط منها بالقياس النتائج التى تفضى إليها . ويشرح على هذا 
التمط كثيرا من الظواهر العامه فى الضوء »() . 

وهكذا يلتحم القياس إلى جانب الاستقراء لبناء مفاهيم علمية أكثر قدرة على 
صياغة النظرية العلمية ليكون هذا البناء شاملا لعناصر البحث العلمى بصورة دقيقة . 


ثانيا : منهج التمغيل '[ع210هلل : 

استعان المسلمون قى جملة ما استعانوا به من مناهج بمنهج التمثيل « ياعتباره 
مرحلة أخرى تسهم فى إطار البحث , والتمثيل أو الاثالوجى » يقصد يه فى العلم كما 
يقصد به فى المنطق القديم والحديث نقل حكم ظاهرة إلى ظاهرة أخرى تماثظها فى أمر 
من الأمور»(؟) ' 

فالحكم الذى يطلق على ظاهرة مدروسة يمكن الاستعانة به لإطلاقه على أى ظاهرة 
أخرى تتصف بنفس الصفة التى من أجلها نالت الظاهرة الأولى حكمها , ولهذا 
تكتسب الظاهرتان حكما كليا انطبق على الأولى بالدراسة والمشاهدة وعلى الثانية 
بالالحاق نتيجة لوشيجة مشتركة اعتمدها ذلك الحكم الكلى يقول الفارابى: ه التمثيل 
إنما يكون بأن يوجد أو يعمل أولاً أن شيئاً موجوداً لأمر جزئى فينقله الانسان من ذلك 
الأمر إلى أمر جزئى شبيه بالأول » فيحكم به عليه إذا كان الأمران الجزئيان يعمهما 
المعنى الكلى الذى هو من جهة وجود الحكم فى الجزء الأول وكان وجود ذلك الحكم 
فى الأول أظهر وأعرف وفى الثانى أخفى فالأول له مثال والثاني ممثل بالأول وحكمنا 
بذلك عليه تمثيل الثانى بالأول»!؛) 


(1) نفس المصدر : ص 4. 

(؟) مصطفي نظيف : الحسن بن الهيثم .55/١ ١‏ 

(؟) مصطفي نظيف : الحسن بن الهيثم .19/١ ١‏ 

(5) الغارابي (أبوالنصر) : كتاب المجموع , المسائل الفلسفية والاجابة عنها .ص 1١7‏ . 


تحن 


والحقيقة أن أول من طبق مدلول هذا المنهج هم الأصوليون من المتكلمين فى قياسهم 
الغائب على الشاهد لاشتراكها بصفه معينة توجب نقل الحكم بينهما )١(‏ . ثم سرى هذا 
المنهج لتمثيل مكانه فى البحوث العلمية لدى الاسلاميين ؛ فلقد تيناه جابر بن حيان فى 
بعض بحوثه الكيماوية وخاصة فى الأحجار التى يراد منها عمل الاكسير 9) . 

ولنهج التمثيل جانب واضح فى بحوث ابن الهثيم وخاصة فى مجال انعكاس 
الضوءء فمثل لهذا الانعكاس بظاهرة الممانعة فى الجسم المتحرك , ثم قاسه عليها , 
وبذلك « ايتدأ بيشرح مايحدث اذا كرة صلبة صغيرة متحركة وقعت على سطح جسم 
صلب يمنعها من الاستمرار فى الحركة على السمت الأول . وكيف ترتد الكرة عن هذا 
الجسم , ثم قاس انعكاس الضوء على ارتداد هذه الكرة ؛ وصقيل السطح العاكس 
للضوء على صلابة الجسم المانع احركة الكرة ؛ فهى على هذه الصفة تمثيل لانعكاس 
الضوء يمثال ميكانيكى!!') . 

ولذلك اعتير مصطفى نظيق ابن الهثيم من جملة علماء الطبيعة فى أواخر القرن 
الميكانيكية » وذلك لتمثيلهم للأمور الطبيعية بمثل ميكانيكية (؛). 

والظاهر من استعراض ابن الهيثم لمنهج التمثيل أنه كان متأثرا إلى حد بعيد يعلماء 
الأصول من المتكلمين والفقهاء حتى إنه كان غالبا مايستعير مصطلحاتهم للتعبير 
بواسطتها عن طبيعة هذا المنهج وحدوده العلمية ©) , 
ثالغا : المنهج الفرضى الصورى 8461500 - 21هناعطاهم:119 : 
تبعا لطريقة استخدام الكلمة وتحديد مجالها () . 

ولا نريد هنا أن نفصل لتلك المجالات بقدر مايعنينا المعنى الذى نحن بصدده ؛ ذلك 
أننا أشرنا قيما سبق إلى مدلول الفرض فى الاستقراء لدى الإسلاميين » بحيث وضح 
أنه ليس أكثر من جملة تكهنات لتفسير مجموعة من الظواهر الجزئية . خاضعة للتثيت 





)١(‏ يلاحظ أن القياس نوعان , قياس علة وقياس شبه , فقياس العلة أن تجمع المقيس والمقيس به علة , وقياس الشبه أن 
لاتجمع المقيس والمقيس به علة ولكن يقاس به علي طريق التشبيه . وكثير من الققهاء لايفرقون بينهما. 
(راجع : د. مصطفي محمد حلمي : متاهج البحث قي العلوم الإسلامية : طبع القاهرة سنة 1544 , ص .؟). 

(1) هوليارد : مصنقات في علم الكيمياء , كتاب اسقطس الاس الثاني . ص 40 

(1) مصطقي نظيف : المصدر السايق ١ ه٠ - ؛ة//١ ١‏ 

(؛) المصدر السايق : ١/١‏ 

(5) د. جلال موسي : منهج اليحث العلمي عند العرب » ص 1١١١‏ 

(1) بول موي : المنطق وفلسقة العلوم ,ص 144 وما بعدها . 


تحن 


التجريبى ؛ ويذلك يكون الفرض فى الاستقراء لاحق لجملة مشاهدات أو تجارب تؤدى 
إلى صياغة ذلك الفرض . أما الفرض فى هذا المنهج فلا يشايه ذلك الفرض فى 
الاستقراء التقليدى وانما هو يمائل الفرض الصورى فى المنهج المعاصر وهو« أشبه 
بمصادرة تميل إلى الأخذ بها لكى تدعم هذا القانون أو ذاك » )١(‏ , 

وإذا كان المنهج الفرضى يمثل المصادرة فهو بذلك لايكون فرضا يصاغ يعد 
الملاحظات أو التجارب ٠‏ وإنما يمكن أن يكون هو النظرية العلمية التى تدعم عن طريق 
المشاهدات والتجارب ويذلك يصبح المنهج الفرضى فلسفى أكثر منه تجريبى . 

ولكى يكون المنهج الفرضى بمثابة النظرية العلمية ينيغى أن تساق الأمثلة من 
مشاهدات وتجارب لاثبات مايؤكد المنهج » وهذا يعنى أن تلك التجارب لاتثبت الفرض 
مباشرة , وانما تيرهن على مايلزم عن ذلك الفرض فى المنهج , ولهذا يكون الفرض 
الصورى « موضوع لتحقيق تجريبى غير مياشر » 9) . 

ولقد ظهرت نظرية العنصر المشترك للمعادن لدى قدماء المصريين واليونانيين » 
ولهذا آمن هؤلاء بإمكانية تحويل معدن الى معدن آخر أكثر منه نقاوة وأعلى قيمة » (). 

وهذا يعنى أن فرضية العناصر المشتركة كانت معروفة قيل الإسلاميين ؛ والمفروض 
أن تقام التجارب العلمية لتأييد مايلزم عن هذه الفروض إلا أن التجارب التى ساقها 
قدماء المصريين واليونان وخاصة فى حقل الكيمياء لم تكن تجارب علمية دقيقة ترتفع 
إلى مستوى الفرض فى هذا المنهج : ويذلك فقدت التجارب طابعها العلمى وامتازت 
بعيل« مفرط فى التجريد النظرى » 97©) . وهذا ما امتاز به منهج البحث فى الفكر 
اليونانى عموما - كما أسلفنا القول بذلك . 

أما التجرية فى المجال الطبى فيصدق عليها مايصدق على التجرية فى الكيمياء . 
قهى تجربة « لم تكن محددة القواعد والأحوال » ('). بل إن ابقراط نفسه لم يكن 
واضحا فى بحوثه الطبيعية ونتائجها , الأمر الذى أخذ عليه الرازى عند تعرضه 


)١(‏ د. محمود ريدان : الاستقراء والمنهج العلمي . ص ١١١‏ ويلاحظ : أن المنهج الفرضي بمعناه المعاصر يختلف عن 
الفرض في الاستقراء التقليدي من عدة وجوده : اولا : في عم اتخاذ مب العلية أساس للبحث العلمي . ثائيا : عدم 
اتخاذ ميدأ اطراد الحوادث مصادرة أولي وأصبح العلماء علي يقين من استحالة البرهنة عليه . ثالثا: الفرض 
المموري ليس خطوة تاليه للملاحظة والتجرية كما هو الحال في الفرض في الاستقراء التجريبي , وإتما الفرض 
المموري يصنع تفسيرا لأمور وصلنا إليها فعلا وليس في صياغة قانون ( مثال افتراض الذرة ٠‏ أى القرض الذري 
الذي ساعد تفسير خواص الفغازات وقوانيتها ) , 

(؟) المصدر السايق : ص ١65‏ . 

(؟) د. ماكس مايرهوق : العلم والطب ؛ ص .١8/‏ 

(4) د. ماكس مايرهوق : المصدر السايق ؛ الموضمع نقسه . 

(5) د. جلال موسي : المصدر السابق بص 1375 , 


رونا 


لفصوله يقوله « دعانى ماوجدت عليه فصول أبقراط من الاختلاط وعدم النظام 
والغموض والتقصير عن ذكر جوامع الصناعة كلها أى جلها وما أعلمه من سهولة حفظ 
الفصول وعلقها بالنفوس » إلى أن أذكر جوامع الصناعة الطبية وجملها عن طريق 
الفصول وأتحرى فى ذلك الإيضاح والتمثيل وترك الاغراق والوغول فى الغوامض » (). 

وبذلك يتضح أن الرازى قد أدرك المحتوى العلمى لطبيعة التجرية الطبية لدى 
أيقراط ومايمتاز به من اغراق وميل إلى الغموض وعدم التحديد . ولذلك لم ينهيضش 
البحث العلمى لدى اليوذان فى المنهج الفرضى ليؤدى نتائج علمية . وهذا على العكس 
مما هو عليه المنهج الفرضى فى الفكر الإسلامى , حيث استطاع الإسلاميون - بناء 
على تحديدهم لطبيعة التجرية العلمية - أن يأتوا على العديد من الإنجازات العلمية فى 
حقل الكيمياء والطب . ولهذا إسهم المنهج الفرضى فى اشراء البحث العلمى على 
مستوى النظر والتدقيق بصورة شاملة , بالرغم من أن نماذج المنهج الفرض التى 
اعتمدها الإسلاميون وخاصة فى حقلى الطب والكيمياء هى النماذج نفسها التى كانت 
متعارفة لدى مفكرى اليونان » فلقد ظهرت نظرية العناصر الأريعة فى الكيمياء لدى 
بعض الإسلاميين إلى جانب نظرية العنصر المشترك للمعادن . لدى البيعض الآخر كما 
اعتمد البحث العلمى نظرية الأخلاط الأربعة , وكانت التجارب الطبية والمشاهدات تسير 
فى ضوء هذا الميدأ لتقدير طبيعة صحة بدن الإنسان . 

ففى ضوء نظرية الأخلاط أخذ الأطباء الإسلاميون « يعللون وظائف الجسم ونشوء 
المرض فيه . ويعنى ذلك أن الطب العربى لم يخرج فى تاحيته النظرية عن النظريات 
التى سادت فى عهد اليونان » ولكن ذلك لم يكن مانعا للأطباء العرب من الاعتراض 
على بعض آراء اليونان وتفنيدها تفنيدا قد يكون أحيانا قياسيا عنيفا » () . 

والحقيقة أن طبيعة المنهج الفرضى فى مجال الطب بقى هى نفسه فى الفكر اليونانى 
والإسلامى ٠‏ إلا أن التمييز بين الفكرين هى فى نتائج التثبت التجريبى بما يلزم عن ذلك 
الفرض . فلقد كانت التجربة الطبية لدى الإسلاميين ذات أصول وقواعد علمية ؛ وكان 
للملاحظة المستمرة والمشاهدة الطويلة الأثر الكبير فى تحقيق نتائج أكش دقة عما نجده 
فى الطب اليونانى » رغم أن نظرية الأخلاط بقيت هى المرشد للإسلاميين فى تجاريهم 
الطبية وملاحظاتهم , ولهذا يرى الرازى أن« من علامات زيادة المرارة صفرة اللون . 
م القم وجفوفه » وتقلب النفس وسرعة النبض » والقشعريرة التى كأتها غرز 
الإبر»(؟). 





. ١١ الرازي : كتاب المرشد . ص‎ )١( 
٠ ١الا/ (؟) د. جلال موسي : المصدر السايق ,ص‎ 
(؟) الرازي : المرشد .ص ه.‎ 


1 


وامتد تأثير نظرية الأخلاط لدى الأطباء المسلمين حتى أن الشيخ الرئيس اين 
سينا يؤكد على أن فعل الدواء يجب أن يراعى فيه موافقته لماج اليدن , وإلا لم تكن له 
قيمة إذا انفصل تأثيره عن موافقة ذلك المزاج المتغير بسبب اضطراب الأخلاط . ولهذا 
يقول: « إنا إذا قلنا للدواء إنه معتدل ؛ فلسنا نيفى بذلك معتدل على الحقيقة . فذلك 
غير ممكن ولا أيضا إنه معتدل بالاعتدال الإنسانى فى مزاجة وإلا لكان من جوهر 
الانسان بعيته . ولكنا تعنى انه اذا انفصل عن الحار الفريزى فى بدن الإنسان فكيف 
بكيفية لم تكن تلك الكيفية خارجة عن كيفية الإنسان إلى طرف من أطراف الخروج عن 
المساواة . فلا تؤثر فيه أثرا مائلا من الاعتدال . وكأنه معتدل بالقياس إلى فعله فى بدن 
الإنسان(١)‏ : 
من الفرض الصورى مستهدين به فى تجاريهم الطبية على يد أشهر شخصين فى 
المجال الطبى الرازى وابن سينا . 

رابعا : المنهج الرياضى 26500 203621 تدء3: 

أما عن المنهج الرياضى فقد توسع المسملون فى استخدامه . فقد استطاع الحسن 
ابن الهثيم أن يجعل من الهندسة والجبر وسيلة لحل يعض المسائل الضوئية . 

ولهذا اتخذ ابن الهيثم من المنهج الرياضى أداة لتقرير جملة مسائل فى الضوء 
كعلامة الزاوية بطبيعة الوسط , الذى ينعكس من خلاله الضوء وأن هناك علاقة بين 
سعة الزاوية وطبيعة الوسط »() . 

وظهر المنهج الرياضى فى البحوث الفلكية لدى المسلمين » حيث ترجموا النتائج 
الفلكية إلى لفة رياضية , واستعانوا بالبراهين الهندسية والحسابية فى جداولهم 
الفلكية» يقول ابن عراق « وإذ قد اتينا على ماتقدم الوعد به فى تسهيل السبيل إلى 
البراهين الهندسية الحقيقية »() . 

وهذا المنهج هو الذى مارسه البيرونى فى بحوثه الفلكية . فقد كان يبرهن على نتائج 
أرصادهة بطريقة هندسية وحسابية 9) . 

ويذلك جات النتائج التى ضمنها الإسلاميون فى جداولهم الفلكية دقيقة , ذلك أن 
المنهج الرياضى يقوم بمهمة أساسية عن طريق جعل المبادئ العلمية واضحة ودقيقة 
)١(‏ ابن سينا : القانون / 755/1 . 
(؟) ابن الهيثم : رسالة في الضوء : ص ١١ - ١4‏ 


(؟) رسائل ابن عراق , رسالة جدول الدقائق »ص 70 


١ 


ويعيدة عن كل غموض والتباس » عن طريق اللغة الرياضية المركزة ياعتبارها لغة 
رمزية» وهذا ما أكده الإسلاميون فى منهجهم الرياضى ؛ وعليه يضيف ابن عراق 
جدوله الممسمى يجدول الدقائق قوله « وركبته على ما أوجبته الهيئة راليراهين الهندسية 
ثم جردته منها ومن أشكالها وصورها إن كنت نحوت فيه نحو الإيجاز والاختصار دون 
التطويل بالإكثار» .)١(‏ 

كذلك ساهم المنهج الرياضى وتطبيقه فى مجال القلك على اتساع هذا العلم وتحقيق 
نتائج واسعة فى مسار المعرفة الإنسانية «٠‏ فقد كان أهم انقلاب فى البحث العلمى فى 
ميدان الفلك هو استهانة العلماء بالرياضات وخاصة علم المثلثات فى دراستهم لمواقع 
الأفلاك والنجوم وفى رسم الخرائط الجغرافية والفلكية , وقد ظهرت أهمية هذا الانقلاب 
فى أبحاث جوهان كبلر الذى استعان بالمثات للكشف عن القوانين الفلكية لمركة 
الأقلاك» 9) , 

وعلى الجملة فان العلوم الإسلامية التى ارتكزت على دعائم قوية من المنهج 
التجريبى ومن الحقائق الرياضية الدقيقة ؛ كان واحداً من أهم العوامل التى أدت إلى 
ظهور النهضة الأوربية الحديثة 9) , 


خامسا : المنهج التاريخى : 

ويعرف عند المسلمين بالمنهج « الاستردادى » وقد أقاموه على أسس علمية دقيقة , 
قيما يعرف « بعلم مصطلح الحديث » . وطرق تحقيق الحديث رواية ودراية هى منهج 
البحث التاريخى الحديث كما عرفه فلنج وستيبور ولانجلوا »(؟) . 

وقد توصل المسلمون إلى كل ماتوصل إليه علماء مناهج البحث التاريخى من نقد 
النصوص الداخلى والخارجى ٠‏ كما عرفوا طرق التحليل والتركيب التاريخية » وفحص 
الوثائق ٠‏ ومنهج المقارنة والتقسيم والتصنيف . 

وعلم مصطلح الحديث عند المسلمين يعرف بأنه علم « الرواية والدراسة » . فعلم 
«الحديث رواية » يقوم على النقل المحرر الدقيق لكل ما أضيف إلى النبى صلى الله عليه 
وسلم من قول أى فعل أى تقرير أى صفة , ولكل ما أضيف من ذلك إلى الصحابة 
والتايعيت (0) : 


.5 رسائل ابن عراق : المصدر السايق . ص‎ )١( 

(1) د. ياسين خليل , منطق المعرفة العلمية . ص .31١‏ 

(؟) د. قؤاد زكريا : التفكير العلمي ‏ ساسلة عالم المعرفة الطبعة الثالثة 1844 , ص 155 . 
(غ) دء النشان : مناهج البحث ؛ ص هلالا ,. 

)0( ل صبحي الصالح : علوم الحديث ومصطلحه» 0 دار العلم للملايين سنة 565ام : 


امنا 


وأحوال راوى الحديث ( من حيث القبول والرد ) قهى تخضعلمنهج التعرف على 
أحواله جرحا وتعديلا ومعرفة موطنه وأسرته ومولده ووفاته ضمانا للوثوق من صدق 
روايته والتثبت منهجيا من معاصرته للحديث أو صدق مانقل عنه الرواية . 

ويطلق العلماء « على الحديث دراية اسم ؛ علم أصول الحديث « (') . ويرتبط هذا العلم 
بالدراسة التاريخية التحليلية لأقوال الرسول العظيم وأفعاله . وهذه الدراسة التحليلية . 
هى من متن الحديث يمنزلة التفسير من القرآن ؛ أو الأحكام من الوقائع » ولقد تعددت 
المباحث المتعلقة بعلم الحديث دراية من حيث الموضوع والغاية والمنهج : فكثرت العلوم 
المتعلقة بهذه الدراسة التحليلية وانطوت جميعا تحت اسم واحد هو« علوم الحديث » 
وأهم هذه العلوم هى : 


١‏ - علم الجرح والتعديل : وهى علم يبحث عن الرواة من حيث ما ورد فى شأتهم مما 

يشينهم أى يزكيهم بالفاظ مخصوصة . 

وقد تكلم فى هذا العلم كثيرون منذ عهد الصحابة إلى المتأخرين من المشتغلين بعلوم 
الحديث . 

فمن الصحابة ابن عباس ( 97 ه) وأنس بن مالك ( 35 ه ) ومن التابعين الشعبى 
٠١5(‏ ه ) وابن سيرين ( ٠١١‏ ه ) ويرتبط علم الجرح والتعديل بقضية التزام 
الاسناد إذ لم يكن المسلمون فى صدر الإسلام - منذ عهد الرسول صلى الله عليه 
وسلم إلى فتنة عثمان يكذب بعضهم بعضا » بل كانت الثقة تملأ صدورهم . والإيمان 
يعمر قلويهم » حتى إذا ما وقعت الفتنة الكبرى : وتكونت الفرق والأحزاب , ويد الكذب 
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يتخذ مطيه لأهل الأهواء ؛ وقف الصحابة 
والتايعون من هذه الظاهرة وقفة منهجية قوية للحفاظ على الحديث الشريف ؛ وأصيحوا 
يشددون فى طلب الإسناد من الرواة ‏ والتزموه فى الحديث , لأن السند للخير كالنسب 
للمرء ؛ ويخبرنا الإمام محمد بن سيرين عن ذلك فيقول « لم يكونوا يسألون عن 
الإسناد: فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم ‏ فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ 
حديثهم ؛ وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديتهم »(') , 

واستمر الأخذ بمنهج فحص الإسناد مستمرا ٠‏ وحظى بالعناية والاهتمام فى عهد 
التابعين وتابع التابعين » حتى أصبح من واحب المحدث أن يبين نسب ما يروى » وقد 
شبه بعضهم الحديث من غير إسناد مسنده كالبيت بلا سقف ولا دعائم » ونظموه فى 


قولهم: 


. 8 عبدالوفاب عبداللطيق : المختصر في علم رجال الأثر » ص‎ )١( 





ذذا 


والعلم ان فاته إسناد مسنده كالبيت ليس له سقف ولاطنب وكان المحدث باسناده 
الحديث يرفع العهدة عن نفسه ويطمئن إلى حجة ماينقل عندما ينتهى سنده المتصل إلى 
الرسول صلى الله عليه وسلم » )١(‏ , 

ونذكر هنا من الكتب الجامعة فى منهج الجرح والتعديل« طبقات ابن سعد «الزهرى 
النصيرى (١12ه‏ ) يقع فى ٠‏ مجلدا . وقد اختصره السيوطى ( 1١١‏ ه) تحت 
عنوان « ايجاز الوعد المنتقى من طبقات ابن سعد » وللبخارى ( 251 ه ) تواريخ 
ثلاثة منها تعديل وتجريح )١(‏ . ولعلى بن المدينى ( 55 ه ) تاريخ يقع فى عشرة 
أجزاء , ولابن حيان ( 54" ه ) كتاب فى أوهام أصحاب التواريخ » فى عشرة أجزاء 
وللعماد بن كثير ( 7/14 ه ) كتاب التكميل » قى معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل . 
؟ - علم رجال الحديث : وهى علم يعرف به رواة الحديث من حيث أنهم رواة للحديث(). 

وآول من عرف عنه الاشتغال بهذ العلم البخارى ( 51" ه ) وفى طبقات ايبن سعد 
»”'٠0(‏ ه ) الكثير من ذلك . 

وقى القرن الهجرى السابع جمع عز الدين بن الأثير ( "1١‏ ه ) أسد الغابة فى 
أسماء الصحاية ؛ وجاء بعدة ابن حجر العسقلانى ( 8065 ه ) بكتايه « الإصاية قى 
تيز الصحاية :زفق اخحضرة تلنيةه الشيوطى (511ه) فى كتان سعاء (غين 
الإصاية) 9 , 

ويرتيط بهذا العلم النشاط العلمى المنهجى الذى كان يتبعه المسلمون فى التثيت من 
صدق الحديث بالرجوع الى صحابة رسول الله المنيثين فى الأمصار والبلدان فكانوا 
إذا ماسمعوا من غيرهم حديثًا أسرعوا إلى من عندهم من أصحاب رسول الله عليه 
الصلاة والسلام ليتاكدوا مما سمعوا فكانوا يبيتون لهم الغث من السمين ‏ من هذا ما 
فعل اين عباس مع ابن أبى مليكة , قال ابن أبى مليكة : « كتبت إلى اين عباس أساله 
أن يكتب لى كتابا ويخفى على . فقال : ولد ناصح أنا اختار له الأمور اختيارا وأخفى 
عنه . قال: فدعا بقضاء على قجعل يكتب منه أشياء ويمر به الشئ فيقول والله ماقضى 
بهذا على إلا أن يكون ضل » (©) , 

وقى سبيل التأكد من صدق الرواية على منهج التثبت الذى اتبعه المسلمون , فقد 
كان كثيرون من طلاب العلم يرحلون إلى الصحابة ٠‏ يقطنون الفيافى والقفار للتاكد من 
)١(‏ د. محمد عجاج الخطيب : السنة قبل التدوين . طيع القاهرة سنة 15715 .ص 154؟ ومابعدها . 
(؟) طبع منها في الهند التاريخ الصغير سنة ه7؟١ه‏ ء والجزءان الأول والرابع من« الكبير » سنة.5؟1 -11571اه 
(؟) المنهل الحديث : للزرقاني : ص ١١‏ 
(4) د. صيحي الصالع : المصدر السايق ء صن ١١١‏ 
(5) صحيح مسلم يشرح النووي جا »ص 5 


رذ 


صدق حديث سمعوه من تأبعى عندهم وهذا معنى قول أبى العالية السابق : كنا نسمع 
الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسسلم بالنضيرة فلم نرضى حتى ركبنا 
عبدالله إلى عبدالله بن أنس فى حديث (') وغير هؤلاء . 


" - علم مختلف الحديث : وهو علم يبحث من الأحاديث التى ظاهرها التناقض من 
حيث امكان الجمع بيتها ' إما بتقييد مطلقها » أى بتخصيص عامها أو حملها على 
تعدد الحادثة أى غير ذلك » ويطلق عليه علم « تلفيق الحديث » . 
ومثال ذلك قوله عليه الصلاة والسلام « لاعنوى » وقوله فى حديث آخر « فر من 
المجذوم كما يفر من الأسد » وكلاهما حديث صحيع » فيجمع بينهما « بأن هذه 
وقد يختلف ذلك عن سيبه ‏ كما فى غيره من الأسياب . 
وقد ألف فى مختلف الحديث الإمام الشافعى ( ٠١4‏ ه ) وابن قتيبة ( اا" ه) 
وأبى يحى زكريا بن يحيي الساجى ( 7١1‏ ه ) وابن الجوزى ( 1ه ه) () , 
- علم علل الحديث : هى علم يبحث عن الأسباب الخفية الغامضة من حيث أنها تقدح 
فى صحة الحديث كوصل منقطع ؛ ورفع موقوف , وإدخال حديث فى حديث 
وماشايه ذلك . 
وممن كتب فى هذا العلم ابن المدنيي ( 5؟؟ ه ) والإمام مسلم ( 5١1١‏ ه ) واين 
أبى حاتم ( 71 ه ) وعلى بن عمر الدارقطنى ( هلا" ه ) . 


ه - علم غريب الحديث : يبحث عن بيان ماخفى على كثير من الناس معرفته من حديث 
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن تطرق الفساد إلى اللسان العربى . 
أول من ألف كتابا فى هذا العلم أبوعبيدة معمر بن المثنى النصيرى ( 5٠١‏ ه ) 

وابن قتيبة ( 1/1؟ ه ) ثم الزمخشرى ( 5798 ه ) كتابه « الفائق من غريب الحديث » 

ثم ابن الاثير ( 507 ه ) كتاب « النهاية فى غريب الحديث والأثر ». 

5 - علم ناسخ الحديث ومنسوخه : وهو علم يبحث عن الأحاديث المتعارضة التى لايمكن 
التوفيق بينها من حيث الحكم على بعضها بأنه ناسخ » وعلى بعضها الآخر بأنه 
منسوخ فما ثبت تقدمه يقال له منسوخ وما ثيت تأخره يقال له ناسخ . 

45 المصدر السابق ؛ جا .ص‎ )١( 

(1) تهذيب التهذيب جه ٠‏ ص ١٠١ - ١49‏ 


(؟) فارن : شرح النخبة لابن حجر العسقلاني ص ١١‏ 
(4) علوم الحديث مصطلحه ؛ ص .١١7‏ 


18 


والناسخ قد يعرف من رسول الله صدلى الله عليه وسلم كقوله « كنت نهيتكم عن 
زيارة القيور قزوروها , وكنت نهيتكم عن لحوم الأضاحى فوق ثلاث قكلوا منها مابدا 
لكم » رواه مسلم من حديث بريدة . 

وقد يعرف الناسخ بالتاريخ وعلم السيرة كما فى حديث « أقطر الحاجم والمحجوم » 
وذلك فى شآن جعفر ين أبى طالب , قبل الفتح » وقول ابن عباس: « احتجم وهو صائم 
محرم » وإنما أسلم أبن عياس مع أبيه زمن الفتح . 

وقد آلف فى« ناسخ الحديث ومنسوخه » أحمد بن إسحاق الديتارى ( 5١4‏ ه ) 
ومحمد ين بحر الأصيهاتى ( ؟5" ه ) وهية الله ين سلامة ( 5٠١‏ ه ) ومحمد بن 
موسى الحازمى ( 584 ه ). وابن الجوزى ( /اوه ه ) (0). 

تلك أهم قروع « علم الحديث » التى تأسست لدى علماء المسلمين على أحد المناهج 
العلمية وهو المنهج التاريخى »؛ الذى ظهر لدى دوائر علماء الحديث ياسم المنهج 
الاستردادى . ومارسوه على أعلى مستوى منهجى معروف ؛ ومازالت دراساته حتى 
الآن تحتاج إلى مزيد من العناية والتمحيص لاستقصاء جوانيه المختلفة والقاء المزيد 
من الضوء عليها . 

ولايفوتنا أن نشير فى نهاية عرضنا لهذا المنهج أن نؤكد على دور اين خلدون 
البارع فى استخدام المنهج الاستقرائى فى براعة نادرة لتفسير الظواهر التاريخية التى 
قابلها تفسيرا يستند على التحليل والتركيب ومستخدما قياس الفائب على الشاهد من 
ناحية » واستقراء الحوادث العارضة فى المشاهدة للتوصل إلى أحكام عامة ؛ فكان 
عمله الباهر فى نطاق التاريخ هو وأمثاله من علماء الطبقات - السبكي والبخارى - 
يساوى تماما عمل فقهاء الأشاعرة وعلماء أصول الفقه والدين منهم قى الفقة والكلام . 

وينظرة فاحصة لطبيعة المناهج التى مارسها مفكرى الإسلام فى بحوثهم العلمية 
المختلفة , إضافه إلى منهج الاستقراء يتبين إدراكهم المعمق لطبيعة منهج البحث 
ومستطزماته العلمية » وأن منهج الاستقراء لايقوى بمفرده على استيعاب كافة متطليات 
البحث ؛ وعليه فلايد من الاستعانة بمناهج أخرى تكون أكثر فاعلية وأكبر قدرة على 
تطوير البحث العلمى . ومن ثم فإن الأخذ بالنظرة التعددية للمنهج كان واضحا فى 
بحوث علماء المسلمين فى شتى فروع العلم والمعرفة , الأمر الذى أدى إلى تكامل 
النظرة العلمية لديهم . 

ومايعنينا أن نؤكد عليه هنا من قضية النظرة الآحادية والتعددية فى المنهج عن 
علماء المسلمين . أن استخدامهم لجملة المناهج التى عرضنا لها لايعنى أنهم خصصوا 


,١1١4 علوم الحديث ومصطاحه . ص‎ )١( 


1 


لكل علم منهج مستقل على حده . إذ أن عرض هذه القضية قد يؤدى بالبعض إلى فهم 
فكرة التعددية فى المنهج على أنها محاولة من علماء المسلمين لوضع كل علم فى قالب 
منهجى مستقل به فى ذاته وأن كل منهج من هذه المناهج يعالج قضايا علم بعينه دون 
غيره وهذه نظرة قاصرة. 

فاستعانة علماء المسلمين بأكثر من منهج فى معالجة القضايا العلمية يتأسس فى 
جوهرة على نظرتهم المتكاملة لطبيعة النظرية العلمية وفهمهم المعمق يأن تكامل المناهج 
وتعددها والتى يعالج موضوع علم بعينه يثرى الطريقة العلمية ويحقق أدق النتائج 
المطلوية. 

وليس أدل على ذلك ما رأيناه من استخدام علماء المسلمين لأكثر من منهج لمعالجة 
ظاهرة واحدة من ظواهر العلم بغية الوصول إلى قانون شامل يعبر يصدق عن صحة 
الظاهرة ولايترك من الثغرات مايمكن أن يعد مقللا من يقينها ٠‏ وما أمكن التوصل إليه 
من نتائج عن طريقها . 

ولعل هذه النظرة التعددية للمنهج عند علماء المسلمين هى التى صارت بعد ذلك 
سمة المنهج العلمى المعاصر . 

فاسحق نيوتن ( 1747 - 1/97 م ) )١(‏ مثلا ممن تحمسوا للمنهج الاستقرائى 
التقليدى ‏ ولكن حين نحكم على نيوتن من أعماله نجده من رواد المنهج العلمي المعاصر 
الذى يستخدم ه« المنهج الفرضى » والفروض الصورية إلى جانب منهجه الاستقرائى 
للوصول إلى قانونه المعروف فى الجاذبية » الذى صاغه بعد ذلك فى صورة رياضية . 
اعتمد فيها على طبيعة المنهج الرياضى الاستنباطى . 

لذلك جاءت النظريات الحديثة للضوء عند نيوتن « وكريستيان هويجنز فى القرن 
الحالى » قائمة على منهج التمثيل من جهة , والمنهج الفرضى من جهه أخرى » فقد 
شبهه « هويجنز » الضوء بالصوت وحيث أن الصوت يسير فى موجات عبر الهواء » 
كذلك الضوء . مع فارق أن الضوء يمكنه أن يسير فى خلاء كذلك فيما يتعلق بالمنهج 
الفرضى فقد تحدث أصحاب النظرية الموجيه فى طبيعية الضوء » حيث أشاروا إلى أن 
المهجة ليست مما ترى بالعين المجردة أى من خلال أدق المكبرات (الميكروسكويات ) 
وليس مما تدرك إدراكا حسيا يأى صورة اخرى . ويالرغقم من ذلك فلها وجودها 
الواقعى الذى لايتطرق الشك إليه الآن , أما دليل وجودها الواقعى فهو أن هذا التصور 
حقق أغراضا علمية كثيرة . ولانملك أمامه إلا أن نفرض وجوده صوريا .... هكذا إلى 
آخر النظريات العلمية المعاصرة التى أمكن التوصل إليها باستخدام أكثر من منهج 
علمى فى تحقيقها ولايتسع المجال هذا لسرد تفاصيلها . 


)0( د. محمود زيدان : الاستقراء والمنهج العلمي » ص ١17‏ ومابعدها . 


١.١ 


وعلى ذلك فإن النظرة المنهجية المتكامله لعلماء المسلمين توافرت فيها الروح العلمية 
المعاصرة . وسجل لها السيق فى هذا المجال . فقد أصلحت الأخطاء القديمة وأتمت 
النقص واستحدثت المبتكر من المناهج , .وأضافت الجديد من الكشوف واستوفت 
مناهج اليحث إجمالا وتفصيلا . وسلكت فى اليحث مسلكا يأخذ بالنظرة التعددية 
للمنهج قتوافرت بذلك لديهم كل مقومات اليحث العلمى بمعناه المعاصر - كما أوضحتا. 


من المعروف أن فرنسيس بيكون ( 1771-1071 م) يعد أول من تبنى الطريقة 
العلمية فى البحث التجريبى ٠‏ حيث اعتمد الطريقة الاستقرائية فى البحوث الطبيعية . 
الا إنه قد تطرف فى هذه الطريقة لاعتماده وقصره البحث العلمى على المشاهدة وجمع 
الملاحظات والتجرية , ثم نتائج التجرية المبنية على تلك الملاحظات » ويهذا يصبح عمل 
الباحث عملا آليا . الامر الذى أدى إلى فقدان العلم هدفه الأساسى فى وضع أبنية 
وطرق حديدة تشتق من الحالات السايقة لتفسير وتبرير الظواهر المماثلة , ولهذا 
اعتبيرت جهود بيكون عبارة عن عملية وصفية مدعمة بالتجرية قحسب )١(»‏ . 

ولهذا وصف رايشنياخ منهج الاستقراء لدى بيكون بأنه ه ساذج » 2() ولذلك لم 
يتطرف منهج الاستقرا ء لديه إلى اثا رة مشكلة التعميم ؛ وعلاج الفجوة التى تستتبطها 
تلك المشكلة ‏ ولذا لم يناقش بيكون المشكلة المنطقية لمشروعية الاستقراء (') . 

ويهذا الاعتقاد البيكونى يقترق بيكون عن الأصوليين المسلمين يما يرونه من « 
احتمال فى مناهجهم . وفى الوقت الذى يتقدم الأصوليون من وجهة نظر العلماء 
المحدثين فى قضايا العلم , فان بيكون يتخلف عنها . 

أما جون ستيوارت مل ( 18.5 - الا14 م) فقد آمن بأن الاستقراء يؤدى إلى 
نتائج يقينية (؟) . ولقد انطلق مل فى نظرته إلى الاستقراء من ايمانه يميد الاطراد فى 
الطييعة . وهى المبداً الذى فسره وفى تصوره للعلية لاعتقاده ان « لكل حادثة علة وأن 
الوقائع يرتبط بعضها ببعض ارتباطا عليا , وأن العلية تحكم ظواهر العالم 
الطبيعىء!("). 

بالإضاقة الى ذلك فإن « مل » حمل المحتوى العلمى لقيمة الفرض بناء على تصوره 
لمفهوم الاطراد فى الطبيعة ويذلك فان القرض لديه يجب أن يتفق مع طبيعة الوقائع 
التى أمن باطرادها وبالتالى فإن نتيجته صادقة )١(‏ , 


وهذه نتيجة طبيعية انتهى إليها مل بعد أن اعتقد باطراد الطبيعة . 





)١(‏ مصطف نظيق : الحسن بن الهيثم ١‏ ١/رة؟‏ - .؟ 
)1١(‏ رايشئياخ : نشأة الفلسفة العلمية . ص 45 

(؟) المصدر السايق : نفس الموضع . 

(4) د. توقيق الطويل : جون ستدوارت هل . ص ١414‏ 
(0)د . محمود زيدان : الاستقراء والمنهج العلمى . صن ه/ا 
(1) المصدر السايق , ص .4 


1 


النزعة اللامبهجية : (7) 

ومحتوى هذه النزعة فى الفكر المنهجى المعاصر يقوم على رفض دعوى الأخذ بفكرة 
المناهج المسبقة من قياس واستقراء واستنباط عقلى وغيرها من المناهج العقلية . حيث 
يرى صاحب هذا الاتجاه أنه يمكن استخدام فروض من شأتها أن تناقض النظريات 
والنتائج التجريبية السابقة المدعمة بطرق الإثبات المختلفة ويمكن لها تحقيق تقدم فى 
العلم . ففرضيات جاليليى وكوير نيكس على سبيل المثال عن دوران الأرض حول 
الشمس جاءت مناقضة لنظريات قديمة سابقة وقائمة على أسس من المناهج 
الاستقرائية والاستنباطية . ومع هذا أثيتت الطرق العلمية المختلفة يقينيتها رغم 
معارضتها لهذه المناهج التقليدية . 

ويرقض أصحاب هذا الاتجاه من جهة أخرى فكرة اطراد الطبيعة كميدأ استقرائى 
أول يعطى للاستقراء مشروعيته حيث يرون أن مثل هذا المبدأ من شأنه أن يحد من 
حرية تطور النزعات العقلية الفردية فى مجال العلم ويغلق أمامها السبيل للابتكار . 

وهذا الأمر من شأته أن يفسر الصراع الذى نشأ بين الحقائق المثالية والنظريات 
فى العلم وهى أمر يفسر على أنه من قبيل تطور النزعة العلمية . 

أما عن الملاحظة بشكلها التقليدى فإنها لاتصلح لديهم لتفسير طبيعة العلم الحديث 
فالذى يقتضيه هذا العلم هو نوع من الملاحظة العالية التجريد والمرتبطة بمسائل 
وقضايا العلم المعاصر ( كنسبية الحركة مثلا - وقانون القصور الذاتى فى تطبيقاته 
الحالية ). والتى يحتاج إليها على وجه العموم لتفسير التطور غير المتوازى للعلم . ذلك 
التطوير الذى يجعل من مادة الطبيعة شئ منفصل عن وضع أى تصورات سابقة وقبلية 
المنهج الذى نظن أنه يصلح للتطبيق على ظواهر دون غيرها. 


ماوصلوا إليه وما وصل إليه غيرهم ٠‏ فمما لاشك فيه أن الأصوليين سبقوا مل 
وغيره إلى هذه« المناهفج » وأنهم تناولوا كل منهج بالتعريف ؛ والشرح والتمثيل » 
والنقد على تحى لم يُسبق اليه » ولم يصل إليه أحد من بعدهم , كما أن مناهجهم 

(1) اتجاه معاصر يعالج قضايا المنهجية برؤية مختلفة تهاجم الاتجاه التقليدي الذي يؤسس قضايا العلم علي أساس 
المنهج الذي نتأدي منه إلي اليقين المتمثل في صياغة النظريات العلمية وصاحب هذا الاتجاه قيلسوف الماني هو ( بول 
فايرأتبد ) ويعمل حاليا أستاذ للفسلفة في جامعة كاليفورنيا ( يركلي ) . ويعمل أستاذا لقسلقة العلوم في المعهد 
الفيدرالي التكنولوجيا ( يزيورخ ) . وقد صدر هذا الاتجاه في كتايه 1ط أووتدعق عام «لاكام حيث 
صدرت النسخة الاصلية منه باللغة الالمانية ثم ترجم إلي الفرنسية والإنجليزية الصينية . وسوف نحاول أن نعرض 
لقضايا هذا الكتاب من خلال ( عرض وتحليل ) لأهم الأفكار التي تضعتها في وقت قريب بإذن الله . 


1١ 


استوعبت مناهج الفلاسفة الأوروييين المحدثين وفاقتها كما ونوعا . وتميزت مناهج 
الأصوليين باتقاقها مع وجهة نظر العلم الحديث . 

؟ - يتشابه كل من « بيكون » و« مل » إلى حد كبير فى عرض منهجيهما ٠‏ فطرق 
الاتفاق والاختلاف , والتغيرات النسبية . هى جداول« بيكون » فى الحضور 
والغياب والتدرج . وكلها فى جملتها لاتخرج عما اثبته الأصوليون فى مبحث العلة 
د كنا املفقاا تب 

؟ - ان المؤاخذات التى سجلت على متهج البحث لدى رواد المناهج فى أورويا الحديثة 
كانت يسيب اقتضاز عتيهيء علن الاستقراء التجريين الأمن الذى لع نطو اليجة 
العلمى لديهم بالشكل المطلوب , ولهذا أخذ على بيكون بأن طريقته « لاتتوافر فيها 
جميع العناصر الازمة فى البحوث العلمية » )١(‏ 
ويرى رايشنباخ أن يوجه اللوم فى هذا التقصير « إلى التجريبيين المتأخرين 
ولاسيما جون ستيوارت مل الذى وضع يعد مائتين وخمسين عاما من وفاة بيكون 
متطقا استقراتيا لايكاد يرد فيه ذكر المنهج الزداضئ + وكان فى أساسة صناغة 
جديدة لأفكار بيكون () . 


الخحاتمة : 

اتضح لتا مما سيق أن مسالة المناهج يين النظرتين الأحادية والتعددية مرت 
بمراحل مخظقة ارتيطت فيها بنظرية العم فى كل حقبة من الأحقاب التى حاول فيها 
العقل البشرى مواجهة مشكلات الواقع ومحاولة تحليلها بغية الوصول الى نتائج محددة 
شواء على صيفض لكان التعلى الممرى + أن التظل التدريبى التطبيقى + أق فى مساولة 
الربط بين كلا الاتجاهين الاستدلالى والتجريبى لبناء نسق متكامل للنظرية العلمية . 

وأول مانجده ممثلا لاتجاه النظر العقلى المجرد هى الفكر اليونانى الذى حرص على 
أن تظل العلوم العقلية محتفظة بنقائها من خلال النظرة المنهجية الصورية والاستدلالية 
بعيدا عن أدران العالم المادى : حيث أدى هذا بهم الى اتفصال العلم الطبيعى عن 
العلوم الزياضية ,:فتمت الرياضيالت.- كما رايا - على ايد البونا تدين تدا ملحوظط) : 
واكثهم لم يحاولوا تطبيقها على مشاكل الطبيعة ولم يحاولو] ‏ الامنتعانة يمتاشع علمية 
اخرى . 


, 47 رايشنياخ : نشأة الفسلقفة العلمية . ص‎ )١( 
. زفة المصدر السابق : نقفس الموضع‎ 


غ1 


وهكذا كان العلم الطبيعى يعانى من الإهمال أولا : ومن الانصراف عن تطبيق 
الرياضيات فى صياغة القوانين ثانيا . وكانت نتيجة ذلك أن اتسمت نظرة اليونانيين 
إلى العالم الطبيعى بالتخلف الشديد , وبالتعويل على منهج واحد فى تقسير أمور 
الطبيعة وهى نظرة قاصرة لاتساعد على تكامل المفهوم العلمى فى معالجة أمور الواقع. 

أما فى العصر الإسلامى فقد اتسعت النظرة المنهجية وتشعبت لديهم على نحو ما 
عرضنا ٠.‏ 

فقد عرفوا مناهج الاستدلال العقلى » كما أسسوا منهج التجرية ( منهج الاستقراء 
اللعى ) يكامل هنو ضفناتة العامية::وانتهوا بعد :ضياعته إلى انه لايمثل سوئ هريلة 
واحدة من مراحل الاستدلال العقلى ‏ وبهذا أكدوا على ضرورة تطوير منهج البحث 
فاستعانوا بمناهج علمية أخرى حققت لهم عملية التطوير هذه والأخذ بوجهة النظر 
التعددية فى المنهج . منهج القياس والتمثيل والمنهج الرياضى . فتكاملت لديهم أبعاد 
النظرة العلمية الشاملة التى تطابق ماوصل إليه علماء العصر الحديث . 

أما بالنسية لعلماء المناهج الغربيين , فقد تخيرنا لهم نموذجين معبرين على النظرة 
المنهجية لقضايا العلم وهما « بيكون »و« مل » حيث اتضح مدى تأكيدهما على النزعة 
الاستقرائية دون غيرها فى العلوم المختلفة وهى نظرة تأخذ بالتفسير الواحدى للمنهج 
فى قضية العلم . 

لذا وجدنا أن علماء المنطق ومؤرخى فلسفة العلم من أمثال ه رايشتباخ » وغيره 
أوضحوا مدى قصور هذه المناهج الغربية وعجزها عن الوفاء بمتطلبات البحث العلمى . 
خاصة وأن الطريقة العلمية الحديثة , يعد أن تأكدت من احتمالية النزعة الاستقرائية 
فى العلم » فقد عولت على مناهج أخرى من أهمها المنهج الرياضى - التعبير بدقة عن 
نتائج التجربة وصياغة نظريات العلم فى صورة كمية دقيقة , وهذا هو عين ماذهب إليه 
المناطقة الأصوليون , والعلماء التطبيقيون المسلمون , الذين اثروا الطريقة العلمية , 
وحققوا النظرة « التعددية » فى فهم مسالة المنهجية العلمية . وهى أمور تستحق كل 
التقدير والإجلال . 


م1 


عناصر المنهج العلمى فى القرآن والسنة 


د. غازى عناية 


فقى أصل الفكر الإسلامى بمصدريه الأساسيين القرآن الكريم » والسنة النبوية 
أساسات » لمناهج العلوم والمعارف العلمية #وإسلويا يعيفا عن هوامل الأمواء » 
ياعتباره فكرا حضارياً له الأسبقية دائماً فى النقلة الحضارية يتأصيله وعنايته بالفطرة 
الإنسانية فى حبها وتتاولها للعلوم ‏ ويتأصيله لقواعد المذنهج العلمى فى البحث , 
والتعمى :وكسمن وين خادل فناقج ٠‏ وأساليب » ووسائل » وطرق تشكل فى 
مجموعها منهجاً علمياً مميزاً يتقيد به أثناء عمليات البحث , والتقصى للحقائق العلمية. 

وقد أرسى الفكر الإسلامى معالم وقواعد المناهج العلمية لمختلف العلوم الإنسانية 
النظرية منها , والتطبيقية . العملية التجريبية » وذلك أيضاً ضمن إضافات متعددة أى 
على يده صقلت مثل تلك المناهج صقلا وأودعتها أحقية الفكر الإسلامى دون غيره فى 
تبنيها وبحيث أصبحت تلك المناهج تنسب إليه نشأة » وصقلاً , «وتطبيقا : 

والفكر الإسلامى ساهم فى تأصيل الحضارة الإنسانية تأصيلا سوياً وصائباً 
ووضعها فى مسارها السوى الصحيح ؛ ومن ثم نقلها من العشوائية , والتخبط إلى 
التحضير العقلانى السوى فى التفكير , واستجلاء حقائق المعرفة للكون , والإنسان , 
والوجود , والخالق . والعبرة من الخلق 0 أيضاً أصل الحضارة 
الإسلامية كمضارة إنسانية أضلت بدورها النظرة المبدئية الصائبة لحقائق المعارف , 
والعلوم » وأساتيدها من مبادىء » وقواعد عامة يجب الانطلاق منها . لاستجداء حقائق 
الأمور , والمعارف . 

ولقد أصل الفكر الإسلامى من تلك المبادىء والقواعد العامة للمعارف مناهج علمية 
صائية لها قواعدها ‏ ولها أسانيدها , ولها مبادئها النقلية فى البحث عن المعرفة » 
والتأصيل للحقائق العلمية سواء عن طريق الفريزة القطرية » أ الأسلوب المنهجى فى 
البحث والتأصيل , والاستدلال والاستقراء بالنسبة لجميع المعارف , وبالنسبة لجميع 
العلوم النظرية ؛ والتطبيقية . واضعا الحضارة الإسلامية » وناقلاً لها إلى عصر علمى 
منضيط ؛ تستند أساليب المعرفة قيه إلى منهج علمى سوى » وأصيل . 

ولقد أرسى القرآن الكريم , والسنة النبوية قواعد ؛ الموضوعية , والشكلية فى 
الالتزام الأدنى فى التقل ؛ والبحث » والتقصى , والصياغة ؛ سندها المفاهيم الأولى 
الحلا الإسلامية فى تأدية رسالة الخلق بالإيمان , والاستقامة , والأمانة حتى 
بالنسبة لأمور التحصيل المعنوية فرسالة المفسر , والبحث , والأديب يجب أن يكون 
انطلاقها من قواعد الحق , والاستقامة ؛ دفاعاً عنها . 


1١غا/‎ 


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' مايمنع الذين تنصروا رسول الله يسلاحهم 
أن ينصروه بالسنتهم " 
ووقسم القكر اللتلسن تارهاع بالتدة العلتن دوعق اناس الالحزاع >« التعيد 
يخي على كايت معن + متيتى على قراغه غامةامتحارف تطيها # لها ارصاطه) بالدحة 
الدائبء والأصيل عن .حقائق المعرفة وو النشدةالجمزع الطوم النظرية والتطبيقية علي 
حد سواء . 
وبالنسبة للغة قال بعضهم : ' إننا نستطيع أن نتحقق من أن اللغة الأسبانية وجدت 
نفسها مصضطرة طيلة مراحل تموها إلى أن تأخذ من العربية كل ما كان ينقصها 
للتعبير عن المفاهيم الجديدة + وعدا التحقيق غنى بالمعلومات بصورة فريىة*. 
ووالشنية للكسنوق مقو وشت غلماكء | نلعن فؤامن وا الي طني 1 مسحكب 
وبالنسبة للحديث فقد وضع علماء المسلمين قواعد عامة يستند عليها منها : 
١‏ -اقواض متوئ البحت العلشن التى تعثة. علدها ف تقل منصنادر الزواية : 
# ]عن تسن قرزا . 
4- قواعد البو فى القبول للروايات والآثار . 
الا ار 0 9 تارمس أيقضاً قوامد سرد الوقان 
الثاريخية والحقائق التاريخية .وكتايتها ولعدة عصور واستتاداً إلى مصدرى 
القرآن الكريم : والسنة النبوية ؛ على اعتبار أتهما أهم مصادر ء ومتابع المواد 
التاريخية ؛ وقصص ء وأخيار الأمم السالفة . 
لام على الدقة ‏ والضيط فى البحث ‏ والتقصى .و السياغة :طفع .واس 
قالقكر الإسلامى عن تالت 0 المتهج التجريبى 0000 عتناصرهة 
الأساسية المتمثلة فى التجرية » وحدد قواعده التنظيمية المتمثلة فى قوانين الاستقراء . 
ويعبارة أخرى فقد وضع علماء المسلمين قواعد المنهج الاستقرائى المتمثلة فى التناسق 
التام بين ظواهر النظر » والتأمل » والتفكر . والحس , والعمل . 


١44 


تحديد عناصر المنهج في القرآن والسنة النبوية 

إضافة إلى عناصر المنهج التقليدية فى البحث العلمى عند الأمم » أضاف الفكر 
الإسلامى على البحث العلمى سمات التكامل والوضوح سواء بالنسية للمنهج ؛ أو 
الأسلوب , فضلاً عن أنه أضاف إلى مناهج التأمل ؛ والتفكر والاستدلال فى البحث 
أضاف اليها مناهج الاستدلال , والقياس المنطقى وأضاف التحديد الكمى , واستعان 
بالأدوات العامية فى القياس - وإضافة إلى منهج الاستقراء أضاف مناهج الملاحظة 
والمشاهدة , والتجرية والإدراك الحسى - ويمكننا على ضوء القرآن الكريم أن نحدد 
عناصر المنهجية فى هذا البحث بالتالى : 


أولا : منهاج الاستدلال العقلى : 

ينبنى على قواعد التأمل ؛ والتفكر . والاستدلال العقلى , وكذلك القياس المنطقى فى 
الوصول إلى حقائق المعارف , والعلوم وقد امتدت محاولات الفلاسفة القدماء فى 
استخدام قواعد التأمل , والقياس المنطقى فى استنباط المعرفة عن حقائق الوجود الى 
عصر اليونانيين القدماء . حيث استطاع فلاسفة الإغريق القدامى استخدام قواعد . 
ومبادىء المنطق , والاستدلال الفطرى وصحة القياس المنطقى . وقد بلور الإسلام 
أسلوب الاستدلال العقلى , ويناء على دلالات المنطق فى الاستنباط ؛ والتامل الفطرى 
لظواهر الوجود المتعددة » وصولاً إلى حقائق المعرفة المبتغاة : كدلالة أن الصنعة تدل 
على الصانع » وأن البعرة تدل على البعير » وأن الدخان يدل على النار . وأيضا كدلالة 
أن الأسباب تؤدى إلى النتائج . وأن الكل أكبر من الجزء ..... إلخ . فبالتامل الفطرى 
لظواهر الكون من مخلوقات ؛ وسماوات وأرض ٠؛‏ وجن »٠‏ وإنس » وماء » وهواء؛ وجمادء 
ونبات استدل العقل الإنسانى فطريا على وجود الله الخالق لها قال تعالى: ( ولعن 
سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأني يؤفكون »> .)١(‏ 

فبناء على قواعد التأمل الفطرى ٠‏ ويناء على مباديء المنطق الفطرى آمن العقل 
الإنسانى منذ البداءة بتوحيد الريوبية » واستدل على حقيقة خالق الكون والوجود : 
وعلى اعتبار أن مباديء الفطرة , والعقلانية السليمة توحى بأن لهذا المخلوق خالقا , 
ويأن لهذا المصنوع صانعاً قال تعالى : ( قل من رب السموات السبع ورب العرش 
العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون » 9) , 

وبالفطرة استدل العقل الإنسانى على حقيقة هذا الكون الواسع , وبأن له خالقا 
مدبراء ويأنه مخلوق يإحكام » وانضياط » ويما فيه من سموات وأرض ٠‏ ومخلوقات 


51١ سورة العنكبوت آية‎ )١( 
(؟) سورة المؤمئون آية 81 , /ل4.‎ 


15 


إنسانية وغير إنسانية » وخضوعها لظواهر طبيعية منضبطة : كالتعاقب ‏ والدوران , 
والاكتمال . والنقصان , والظلمة والتور : والجدب ؛ والخضب , والغيث....إلخ قال 
تعالى: 9 ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الحلق غافلين © 9) . 
ضبط ريانى لمخلوقاته بحكم نظامها » وحركتها : ويضبط أوضاعها 
وقال تعالى ١:‏ الذي خلق سبع سموات طباقا ماتري في خلق الرحمن من تفاوت 
فارجع البصر هل تري هن فطور » 7() . 
كمال فى التصور الالهى فى الإبداع فى الخلق , والضبط دون تفاوت أى اعوجاج أو 
ميل أى انشقاق فى مخلوقات الله . وقال تعالى : ١‏ ومن آياته الليل والنهار والشمس 
والقمر لاتسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون » 
(). قدرات إلهية فى الخلق . والإبداع » والدقة فى الإعجاز تنيىء عن قدرة الإله فى 
الصنع فآيات الله ومعجزاته باقيه إلى قيام الساعة توجب الإيمان بصانعها . وقال 
تعالى : ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك 
يسبحون 4 (؛) . دقة الصانع الإله فى الخلق , والضبط , والتحكم دون تجاوز ؛ أ تعد 
» أى انحراف . وقال تعالى : 3( ومن آياتة أنك تري الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء 
اهتزت وربت إن الذي أحياها محى الموتى إنه على كل شىء قدير »> ©) . قدرة الإله فى 
إعادة الخلق , ويث الحياة فى الموتى » ويأسباب يهيئها موجدها . وبالتامل القطرى 
العقلانى لشواهد الظواهر الخلقية , نشأة فأثرا » ودلالة , وإحياء , وإماتة . يستدل 
الإنسان العاقل على حقيقة تلك الظواهر الحية , والمعقدة وعلى مخلوقات الله , 
ومعجزاته » وآياته الدقيقة والعظيمة . والكثيرة . 
وبناء على مقتضيات القياس المنطقى تسعفنا القدرة على الاستدلال العقلى والمنطقى 
للاله الخالق » والصانع , والمنشيء لتلك الآيات والمعجزات والمخلوقات . واستنادا إلى 
مقتضيات المنطق الفطرى السليم حاول القرآن الكريم مرارا أن يعلى بالمشركين ؛ وأن 
ينقلهم من فطرية الربوية بالتعبد » والتعدد , والاشتراك إلى قطرة الإلوهية بالتعبد , 
والتوحيد , والإيمان » وياستخدام أبسط مفاهيم وشواهد المنطقية الفطرية ؛ وضرب 
الأمثال » والحوار المنطقى , وحفز العقول على التمعن , والتفكر. قال تعالى : ١‏ لوكان 
فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون » () . 





.١1/ سورة المؤمنون آية‎ )١( 
سورة الملك آية 7ا.‎ )١( 
. (؟) سورة قصلت آية لا‎ 
- 4٠ سورة يس أية‎ )4( 
.79 سورة قصت آية‎ )5( 
سورة الأنبياء آية /الا.‎ )1( 


١6 


فبالمنطق القطرى السليم يوجد الفساد , والخراب للعابد المخلوق عند وجود التعدد 
للخالق المعبود . وقال أيضا : ١‏ أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد» .)١(‏ جحود 
واستغراب بإعادة الخلق بعد الموت . وقال أيضا : ١‏ أفعيينا بالحلق الأول بل هم في 
لبس من خلق جديد 4 (') . الرد الإلهى أساسه المنطق السليم فى عدم تحقيق الأعباء 
بالنسبة للخلق الأول . فالعقلانية المنطقية تقتضى عدم تحققه بالنسبة للخلق الثانى , 
وقال أيضا : ذ وقالوا أءذا كنا عظاما ورفاتاأءنا لمبعوثون خلقا جديدا » 9) ٠‏ وضرب 
لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحيي العظام وهى رميم » () . إنكارا للبعث من بعد خلق 
وقال تعالى ١:‏ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم » ') . الرد 
الإلهى أساسه المنطق السليم قى القدرة على الإحياء ؛ والإنشاء والانبعاث مادامت تلك 
القدرة قد تحققت من قيل . 

ولقد أرسى القرآن الكريم قواعد المنهاج العقلى فى الاستدلال على حقيقة الإله . 
بناء على التأمل الفطرى لدقائق هذا الوجود بدءا بحقيقة النفس ٠‏ وانتهاء بحقيقة 
الظواهر الكونية . قال تعالى : ( سدريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم 
أنه الحق أو لم يكف بربك أنه علي كل شىء شهيد > )1١(‏ .وقال أيضا : ( فلينظر 
الإنسان مم خلق » خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والعرائب » ("). وقال 
أيضا: ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الحلق ثم الله ينشىء الدشأة الآخرة إن 
الله علي كل شىء قدير 4 (8) .وقال أيضا : ( أولم ينظروا في ملكوت السموات 
والأرض وما خلق الله من شىء » () . وقال أيضا : ١‏ أفلا ينظرون إلي الإبل كيف 
خلقت والي السماء كيف رفعت وإلي الجبال كيف نصبت وإلي الأرض كيف سطحت » )1١(‏ 

وقد ربط القرآن الكريم قواعد المنهاج العقلى فى الاستدلال والاستنباط , الفطرى 
السليم بقواعد الإيمان والهداية ‏ والترجيح لقواعد الفطرية العقلانية فى التفكير 
المنطقى , والعلم الفطرى السليم . قال تعالى :9 قل هل يستوي الذين يعلمون والذين 
لايعلمون إنما يتتذكر أولوا الألباب )١»‏ . وقال أيضاً : «ألم تر أن الله أنزل من 


." سورة ق أية‎ )١( 

(؟) سورة ق آية ٠١١‏ 

(؟) سورة الإسراء آية 44 . 
(١‏ سورة يس آية ٠‏ 

(0) سورة يس آية 4ل 

(1) سورة قصملت آية 1ه . 
)١(‏ سورة الطارق آية ه-لا. 
(4) سورة العنكبوت آية ١؟.‏ 
)3( سورة الأعراف آية ٠1/66‏ 
)٠١(‏ سورة الفاشية آية ٠151‏ 
)١١(‏ سورة الزمر آية 5. 


١6و‎ 


السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه 
مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكري لأولي الألباب > (). وقال أيضا : ١‏ الذين 
يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولعك الذين هداهم الله وأولتك هم أولوا الألباب »> 9) , 

فالقرآن الكريم هنا يربط بين منطق التفكير القفطرى السليم » وبين حدمية الضرورة 
المنطقية . للوصول إلى الهداية ٠‏ والإيمان بالله الخالق . وهى يصف الذين يستخدمون 
عقولهم فى التفكير المنطقى السليم , والذين يتيعون أحسن القول بأنهم المهتدون 
المؤمنون أصحاب العقول الكبيرة . ويالمقايل فالقرآن الكريم يربط بين منطق التفكير 
الفطرى الشاذء وغير العقلانى وبين حتمية الضرورة المنطقية لعدم الهداية » وعدم 
الإيمان بالله الخالق . وبالتالى قهو وصف الذين يمتنعون عن استخدام عقولهم فى 
التفكير المنطقى السليم بأنهم لا يعقلون شيئًا , ولايهتدون صم ؛ عمى » فهم لايعقلون . 
قال تعالى ١:‏ وإذا قيل لهم اتبعوا ماأنزل الله قالوا بل نتبع ماألفيئا عليه ءابآءنا أو لو 
كان آباؤهم لايعقلون شيئا ولايهتدون 4 () . وقال أيضا : «ومثل الذين كفروا كمثل 
الذي ينعق بما لايسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لايعقلون » (©) . وأيضا 
يربط القرآن الكريم بين دلالات الخلق من معجزات . وآيات ريانية . وبين التفكير 
المنطقى فى حقيقه هذا الخلق ؛ دنيويا » وأخرويا . قال تعالى : ( كذلك يبين الله لكم 
الآيات لعلكم تتفكرون »> *) . 

وكذلك يريط القرآن الكريم بين دلالات الخلق وبين التذكر . والاعتبار . والصحوة 
دون الغفلة . قال تعالى : ١‏ ويبين أياته للناس لعلهم يتفكرون 4 )١(‏ . وكذلك يريط القرآن 
الكريم بين دلالات الخلق من معجزات ٠‏ وآيات ريانية » ويين التعقل . قال تعالى: ١‏ 
كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون 4 () . وكذلك يربط القرآن الكريم بين دلالات 
الخلق من معجزات وآيات ربانية ويين الإيمان . قال تعالى : ١‏ وقال لهم نبيهم إن آية 
ملكه أن يأتيكم العابوت فيه سكينة من ربكم وبقية ما ترك آل موسي وآل هارون تحمله 
الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين » 8) . 

ويربط القرآن الكريم بين منطق العقلانية فى الاستنباط , والإلمام بالحقائق العلمية , 
وبين النجاة ‏ والفوز فى الدنيا والآخرة , معبرا عنه بالخير الوفير والتعقل المهدى 
)١(‏ سورة الزمر آية 1١‏ 
(؟) سورة الزمر آية 14. 
(؟) سورة البقرة آية -/ا١.‏ 
(4) سورة البقرة آية 11[/1. 
(5) سورة اليقرة آية ١715‏ 
(1) سورة اليقرة آية .١‏ 
(7) سورة اليقرة آية 587. 
(4) سورة اليقرة آية 5144 


١ 


الناجي. قال تعالى : ( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا 
ومايذكر إلا أولوا الألباب > (0), 

ولعل أبلغ تأصيل يؤصله القرآن الكريم لمنهج المنطق العقلانى فى الاستدلال » 
والاستنباط يكمن فى ربطه بين العلم لآيات الله ويين الاختبار فى الإيمان : والهداية » 
أى الزيغ والضلال . وكذلك فى ربطه بين العلم والتأويل لآيات الله وأحكام القرآن وبين 
الرسوخ قى العلم والإيمان بالله , والالتجاء إليه بالدعاء . وكذلك فى ريطه بين العلم , 
والتذكر , والهداية ويين العقلانية الراجحة فى التفكير . قال تعالى ( هو الذي أنزل 
عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى 
قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله 
والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب © 9) . 
ثانيا : منهاج الاستقراء التجريبيى : 

يقوم هذا المنهاج على الشك » والتجرية : والملاحظه , وكذلك على الحى ٠‏ والمشاهدة 
للظواهر الطبيعية . والكونية » ودراستها دراسة تجريبيية ؛ لاكتشافها , والتأكد من 
حقيقتها . ولتحقيق ذلك يقتضى الاستقراء وضع القواعد ؛ وصياغة القوانين العامة 
التى ينطلق منها الباحث ٠‏ ويطبقها على تلك الظواهر ؛ يفهمها . والإلمام بها . 

ولاش أن المتييدة الاستقرائدة من ابا المسلفين . وليس من المبالغة القول : بأن 
المسلمين هم أول من أرسى قواعد المنهجية الاستقرائية فى العلوم التجريبية , 
والتطبيقية , والكونية » وكذلك فهم أول من أرسى قواعد المنهجية العلمية الحديثة فى 
الدراسة , والبحث , وعلى أسس من الاتجاه العلمى . والفكرى السديد . 

فأسلوب التفكير المنطقى , والاستدلال بالمعقولات تجلى واضحا فى بحوث المسلمين 
واكتشافاتهم العلمية . فى مجال العلوم التطبيقية والإنسانية : كعلم الطب » وعلم 
الحيوان ؛ وعلم الصيدلة , وعلم النبات » وعلم الطبيعة ؛ وعلم الكيمياء , وعلم الكون, 
وغيرها . وكذلك فإن أسلوب التفكير العلمى الدقيق لدى المسلمين الأوائل اتسم 
بالموضوعية , والالتزام بالأمانة العلمية . والتجرد الموضوعى فى البحث عن الحقائق 
العلمية لتول الحدن ابن الديشرء راذا طريقتة في البحث العلفى كنا جاء فى 
مقدمة كتاب '« المتاظن »:« ونبتديء » فى البحث باستقرا قراء الميجودات » وتصقح 
أحوال المبصرات ؛ وتمييز خواص الجزئيات ؛ وتلقط باستقراء ما يخص اليصر فى 
حال الإيصارء وماهى مطرد لايتغير » وظاهرة لايشتبه من كيفية الإحساس , ثم تترقى 


18 سورة البقرة آية‎ )١( 
سورة آل عمران آية /ا-‎ )5( 


وا 


فى اليحث والمقاييس على التدرج ؛ والترتيب مع انتقاد المقدمات ؛ والتحفظ فى النتائج. 
ونجعل فى جميع مانستقريه ٠‏ ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى . ونتحرى فى 
سائر ما تنميزه؛ ونثنتقده طلب الحق لا المبل مع الآراء ل 

وليس من الغرابة فى شيء أن يشهد المفكرون الغربيون بأسبقية المفكرين المسلمين 
فى ايتداع منهج الاستقراء التجريبيي قى البحث ؛ وتحديد قواعده » وعناصره . يقول 
العلامة « يريقوات » : « إن مناقشات عدة تقوم حول واضعى المنهج التجريبيي . وإن 
هزه المناقشات تعود قى آخر الأمر إلى تصور فاسد محرف لمصادر الحضارة الأوربية. 
أما مصدر الحضارة الأوروبية الحقة فهو منهج العرب التجريبى )١(:‏ . ويقول أيضا : 
«إن » روجر ييكون "« درس العلم الإسلامى دراسة عميقة وإنه لا ينسب له , ولا لسميه 
الأخر أى فضل فى اكتشاف المنهج التجريبى فى أوروبا . وإن« روجر بيكون « لم يكن 
إلا واحدا من رسل العلم , والمنهج الإسلامى إلى أورويا المسيحية . ولم يكف « ييكون » 
عن القول بن معرفة العرب » وعلمهم هما الطريق الوحيد للمعرفة الحقة » (') . ويقول 
العلامة « تريئلق : » أن لجابر ين حيان « فى الكيمياء ما لأرسطو فى المنطق » 2) , 
ويقول العلامة « حماردانو » : إن الكندى من الاثنى عشر عبقريا هم من الطراز الأول 
فى الذكاء »(2) . ويرى « لالاند » : إن « البتانى » من العشرين فلكيا فى العالم »(') . 

ويلخص العلامة المسلم « جاير بن حيان » : « الطريقة التجريبية فى كتاية الحدود » 
(الوصول إلى معرفة الطبائع ميزانها . فمن عرف ميزاتها عرف كل ما فيها ؛ وكيف 
تركبت » (") . ويلخص العلامة المسلم « ابن البيطار » , عالم الخبات منهج الاستقراء 
التجريبى قى مقدمة كتايه 3 الجامع لمفردات الأدوية والأغذية »: فما صح عندى 
بالمشاهدة , والنظر , وثبت لدى بالخبرة لا الخير » ادخرته كنزا سريا » وعذرت نفسى 
عن الاستعانة بفيرى فيه سوى الله غنيا . وما كان مخالفا فى القوى , والكيفية » 
والمشاهدة الحسية فى المنفعة , والماهية للصواب ؛ والتحقيق ٠‏ وإن ناقله أى قائله عدلا 
فيه عن سواء الطريق نبذته ظهريا ؛ وهجرته مليا ؛ وقلت لناقله أو قائله : لقد جئت 
شيئا فريا » 8) . 


)١(‏ د. يوسف السويدي ٠‏ كتاب الإسلام والعلم التجريبي . الكويت ١1٠٠١‏ ه 

(؟) المرجع الآنق الذكر مياشرة ص 5١‏ 

(؟) المرجع الآنف الذكر مياشرة ص ١.5١‏ 

(4) د. محمد زيان عمر ؛ كتاب : البحث العلمي . مناهجه وتقنياته . جدة . دار الشروق ١541‏ م. ص١؟.‏ 
(5) المرجع الآنف الذكرمياشرة ص 5١‏ . 

. "١ المرجع الآنف الذكر مياشرة ص‎ )١( 

(7) د. يوسق السويدى . الإسلام والعلم التجريبي - ص »١‏ . 

(4) د. يوسق السويدى . المرجع السايق ص 7١‏ . 


١6 


اننا نجد أن القرآن الكريم ومنذ أربعة عشر قرنا قد ساهم فى ابتداع » وصياغة 
عناصرء وقواعد ٠‏ ومنهج الاستقراء التجريبى : بوضع قوانينه التى يستعان يها , 
يستند إليها فى فهم حقيقة الظواهر الكونية , والطبيعة المخلوقة . وقد عبر عن تلك 
القوانين بالأسباب . والتى يعتبر الإلمام بها والإحاطة بها عنصر فهم » وإلمام بتلك 
الظواهر . ومن ثم عنصر كشف والمام لتلك القوانين والأسباب . فلكل ظاهرة انسانية 
أى غير إنسانية « طبيعية » أسباب » ومسببات , ومعرفة الظاهرة . وكشف حقيقتها 
انما يتوقف على معرفة السبب . قال تعالى : ( كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ثم 
أتبع سبب!4 )١(‏ . وقال أيضا : ١‏ واتيناه من كل شىء سببا فاتبع سببا 4 9) . 

وإننا نجد أيضا أن القرآن الكريم قد حدد عناصر المنهج الاستقرائى بالحس , 
والمشاهدة, والنظر فى مخلوقات الله : من ظواهر إنسانيه » وغير إنسانية , للإحاطة 
بالحقائق العلمية , والإلمام بعناصر المعرفة سواء للمخلوقات ٠‏ أو الخالق . 

فالقرآن الكريم دعا إلى المشاهدة ؛ والنظر فى ملكوت السموات والأرض . قال 
تعالى ١:‏ قل انظروا ماذا في السموات والأرض 4 () . 

وقال أيضا : ١‏ أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وماخلق الله من شىء» 
(). وقال أيضا : ١‏ ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين » ") . 
وقال أيضا : ١‏ أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت . وإلي السماء كيف رفعت ٠‏ وإلي 
الجبال كيف نصبت ٠‏ وإلي الأرض كيف سطحت »4 )١(‏ . وأيضا دعا القرآن الكريم 
إلى الحس ؛ والمشاهدة لما خلق من ظواهر كونية ‏ وأحاطها بأسباب الحياة؛ والديمومة 
. قال تعالى : ١‏ والأرض بعد ذلك دحاها , أخرج منها ماءها ومرعاها , والجبال أرساها 
) . وقال أيضا : ١‏ وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون 
» وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ؛ ليأكلوا من ثمره وما 
عملته أيديهم أفلا يشكرون » سبحان الذي خلق الأزواج كلها ما تنبت الأرض ومن 
أنفسهم وبما لايعملون 4 1) . وقد دعا القرآن الكريم إلى السير فى الأرض ٠‏ والنظر 


. -؟5‎ ١ سورة الكيف آية‎ )١( 
. 86 - 44 سورة الكهف آية‎ )5( 
. ٠١١ (؟) سورة يونس آية‎ 

(4) سورة الأعراف آية م14 . 

(0) سورة الملك آية ه . 

(1) سورة الفاشية آية لاا - ١؟‏ . 
)١(‏ سورة النازعات آية .؟ -؟3 , 
(4) سورة يس الآيات :9" :71 , 


1١ه‎ 


فى دابة الخلق » ومعرفة النشأة الأولى » والآخرة . قال تعالى : ١‏ قل سيروا في الأرض 
فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله يدشئ النشأة الآخرة إن الله علي كل شئ قدير 4 () . 

وقد دعا القرآن الكريم إلى السير فى الأرض ٠‏ والنظر فى عواقب الأمور . قال 
تعالى :< قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقيه الذين من قبل كان أكثرهم 
مشركين ؟ (') . وقال أيضا : 

١‏ أولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد 
منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر ما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان 
الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون » 9() . 

ويذكر شيخ الإسلام ( رحمه الله ) : « إن الإيمان بالله » أساسه القطرة وليس 
العلم». ولنا القول فى هذا المجال : إن الفطرة يؤازّرها البحث ‏ والنظر , والمشاهدة » 
والحس بالعقل لمخلوقات الله , وآثاره مما يقود إلى الإيمان بالله . والوحدانية له » 
والعظمة , والجلال , والقدرة . والتى تتتفى معها آيات الشرك ؛ والتظيث الدالة : 
والمنيئة على خراب الكون » ودماره » وفساده . قال تعالى : ١‏ ما اتخذ الله من ولد وما 
كان معه من إله إذآ لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم علي بعض سبحان الله عما 
يصفون 0>4) . وقال أيضا ١:‏ وقال الله لا تمخذوا إلهين اثين إنما هو إله واحد فإياي 
فارهيون » "2 . وقال أيضا : ١‏ لوكان فيهما إلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب 
العرش عما يصفون » () . 

ولاشك أن دعوة الإسلام للوحدانية , والإيمان أنما قامت على قواعد البحث , 
والتقصى ؛ والمناقشة , والاستنتاج العقلى مما رسخ من مفاهيم , وعقائد الأولين . 

فالقرآن الكريم يخاطب العقول الكبيرة والنيرة » ويناقشها , وفى أكثر من موقع 
حافزا لها على التفكر . ومزيد التقصى ء والبحث . ومعجزا لها فى قدرتها . ومؤصلا 
للقدرة الإلهية فى الإبداع » والخلق . قال تعالى : ( ويقول الإنسان أءذا ما مت لسوف 
أخرج حيا » أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل قبل ولم يك شيئا » () , 


. 2١ سورة العنكبوت الآية‎ )١( 
. 5 (؟) سورة الروم‎ 

. 4 سورة الروم الآية‎ )١( 
. 1١ سورة المؤمنون آية‎ )4( 
. ه١ سورة التحل آية‎ )0( 
. سورة الأنيياء آية ؟”‎ )1( 
51/- 35 (؟) سورة مريم آية‎ 


كما 


وقال أيضاً : « أفرأيتم ماتحرثون ؛ أعنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ' )١(‏ . وقال 
أيضا: " أفرأيتم الماء الذى تشريون أعنتم أنرلتموه من المزن أم نحن المنزلون 9 , 
وقال أيضا : «أفرايتم ماتمنون عأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون » () . 

ولعل أبلغ تأصيل يواصله القرآن الكريم لمنهج المنطق العقلانى فى الاستقراء . 
والملاحظة . والمشاهدة يكمن فى الريط بين العلم بآيات الله ومعجزاته , والتفكر 
والمشاهدة للظواهر الكونية » وبين العلم بأسباب تلك الظواهر , وتلك القوانين العلمية 
التى يستند إليها المنهج العقلانى فى الاستقراء , والتجرية , والملاحظة . قال تعالى : 
«ان الله يمسك السموات والأرض أن تزولا وائن زالتا إن أمسكهما من أحد من 
بعده»!؟). وقال أيضا : « ومن آيته خلق السموات والأرض واختلاف السنتكم وألوانكم 
إن فى ذلك لآيات للعالمين » (©) . 


النآ : منهج الاسترداد التاريخى : 

يقوم هذا المنهاج على استرداد الماضى تبعا لما تركه من آثار . وهو المنهج 
المستخدم فى العلوم التاريخية , والأخلاقية » ولقد أوحى القرآن الكريم فى الكثير من 
الآيات تؤازره السنة النبوية فى الكثير من الآحاديث بفحوى ؛ وأسس المنهج 
الاستردادى ‏ وبالأسلوب القصصى ء وبالإخبار عن أحوال الأمم السالفة » وقصصهم 
مع الأنبياء . ومن قبيل تبليغ الأحكام الشرعية المتعلقة بالثواب للمتعظ , والعقاب 
للمتمرد » وسواء على النطاق الفردى أو الجماعى . قال تعالى : « نحن نقص عليك 
أحسن القصص بما أوحيينا اليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين » () . 
وقال أيضا : « كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا » (). 
وقال أيضا : « ذلك من أنباء الغيب نوحيه اليك ":() . وقال أيضا : « وكذلك يجتبيك 
ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك 
من قيل ابراهيم واسحق ان ربك عليم حكيم :11) . وأخبار الغيب » وتأويل الأحاديث 
طمأنة له ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين معه ؛ ومن بعده بحسن الثواب لمن أمن » 


, "5 سورة الواقعة آية‎ )١( 
. 14 سورة الواقعة آية‎ )1( 
. (؟) سورة الواقعة آية لاه‎ 
. 4١ سورة قاطر آية‎ )4( 
. "١ سورة الروم آية‎ )0( 
. سورة يوسف آية ؟‎ )1( 
. 18 سورة طه آية‎ )1( 
. ٠١ سورة يوسف آية لا‎ )4( 
, 7 سورة يوسف آية‎ )9( 


ا١وا/‎ 


الأمم البائدة ؛ ومصائرها . والتى ذكرها القرآن الكريم . وكذلك أخبار السير , 
والمفازى التى تشكل السنة النبوية مصدرا هاما لها . ولقد ساهمت «اسنة النبوية أيضا 
الدقيقة الصارمة لقبول صحه الحديث النبوى . كما أقيمت الموازين , لتصحيع الأخبار 
واستخدمت من قبل العلماء المختصين بالفنون النقلية المختلفة . ولقد طبق المؤرخون 
المسلمون قواعد ذلك المنهج فى عمليات النقد التاريخى , الدالخلى والخارجى للوثائق , 
وتحفيق النصوص التاريخية 08 ودراسة الآثار وفلسفة التاريخ 0 وعملية التقويم )0( 8 
وقد استند إلى قواعد منهج الاسترداد فى رواية الحديث . ودراسة السند , والمتن , 
وكيفية التحمل والأداة 0 وطيقات الرجال ٠‏ ويعدلهم 8 
ويعيارة أخرى فقد استخدم منهج الاسترداد فى تحقيق الروايه ؛ للتاكد من 

صسحتها, وتحقيق شروط قيولها وحال الرواة . ومن جهة ثانية استهدف استخدامه 
ضبط أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم , للتأكد من صحة الأحاديث المنقولة عنه , 
وضع التصائيف, والمجامع للأحاديث النيوية وأشهرها - كتب الأئمةالستة فى 
الحديث.!(١)‏ , 

للحديث النبوى الشريف قد شكلت منهجا متميزا للتفكير العلمى السليم عند المسلمين 
مستمدة فى معظمها من التشريع الإسلامي ؛ لدراسة نص الحديث الشريق . وحال 
الرواة ٠‏ وصفاتهم » وتقسيماتهم . وكذلك لنقد الخنص وفق ضوابط الشريعة الاسلامية 2 
وقواعد اللغة العربية . 

وكذلك لدراسة القرائن . للتفريق بين الأحاديث الصحيحة وبين الأحاديث الموضوعه 

وفتح أبواب النقد ؛ لتحقيق النص 4 ودراسة مايستحدث من الألفاظ والمعانى فى 
الأحاديث النبوية ؛ وغيرها من القواعد التى تتعلق بقبول الحديث النيوى . من حيث 
النص ٠‏ والرواية والتى تشكل أسلويا علميا فذا فى التحرى , والتحقيق فى اعتماد 
الأحاديث النبوية , ولقد اتسم منهاج العلماء المسلمين فى علم الحديث بالتشدد » ووضع 
القواعد الصارمة فى قبول الحديث النبوى الشريف بمر<لتيه : التحمل ؛ والأداء : 
وكذلك أتسم متهاجهم فى استخدام المنهج العلمى وقد استهدف القرآن الكريم فى 
)١(‏ د. محمد زيان عمر , المرجع السايق ص 71 . 
(؟) د. محمد زيان عمر , المرجع السايق ص 58,74 , 





موا 


تأصيله لمنهج الاسترداد فى الأخبار عن قصص الأمم السالقة من أنبياء . ومصلحين 
وعلاقتهم بأممهم ؛ طمانة للرسول صلى الله عليه وسلم ؛ والمؤمنين ؛ تكريما للاتعاظ , 
والاعتبار, والتقيد بالستن الفطرية للحياة الاجتماعية السليمة ‏ والعلائق . والحدود 
الاجتماعية , والمبينه للثواب للطائعين , والعقاب الأليم للمخالفين المتمردين قال تعالى : 
« ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم باليأساء والضراء ء لعلهم يتضرعون 0 , 
إخباراً من الله تعالى بارساله الرسل للأمم السالفة واختيارهم بالبأساء والضراء 
للاتعاظ . 


ومن ذلك يتضح أن قواعد منهج البحث الاستردادى التاريخى قد وجدت أصالتها 
فى الفكر العلمى الإسلامى » وتعتبر من نتاج المفكرين المسلمين . وتشكل مع غيرها من 
القواعد المنهجية الأخرى الأسس العلمية لمناهج البيحث العلمى فى العصر الحديث . 
ونتبع أصالة منهج البحث فى الاسترداد التاريخى من ضرورة ارتباط الإنسان بتاريخه 
الطويل ؛ للمعايشة والاتعاظ ؛ عزز تلك الأصالة بالنسبة اللباحثين المسلمين ؛ وضوح 
الرؤيا للتاريخ الإسلامى , والسالف فى القرآن الكريم ٠‏ والسنة النبوية , ويالأسلوي 
الشيق الجذاب . 


ربعا : المنهج الوصفى 

يقوم هذا المنهج على وصف الظواهر الاجتماعية , والطبيعية . ويستند هذا المنهج 
إلى قواعد الانتقاء من الظواهر المحسوسة المشاهدة ؛ ومن الظواهر الغيبية غير 
المشاهدة : كالجنة والثار » وأحوال القيامة ... إلخ وهذا ما يفرق المنهج الوصفى فى 
الإسلام عن نظيره الوضعى الذى يقصر الوصف على الظواهر المشاهدة الحاضرة » 
والماضية . ويعتبر الوصف المحور الأساسى لهذا المنهج الوصفى فى اثياته للحقائق 
العلمية . وتوصيلها لأذهان الأفراد . 

ولقد أغنى القرآن الكريم فحوى المنهج الوصفى بتحديد قواعده : وضرب الأمثلة » 
والتى من شأنها أن تقرب الايمان إلى النفوس , والتصديق برسالات الأنبياء , 
وبلطلوب قنرق سوا فى سجال لترغيب+ الوسجالاك الواقغ الاجشاع:«والباريس يب 


(1) منهج الوصف فى الواقع الاجتماعى : 
يقصله القزات الكويم » والسكة النبوية ,يوون سبال الشرفيي » والتوفيي زويف 


)0( سورة الانعام آية . 


ا 


المؤمنين برسالات الأنبياء بالفون » والسعادة سواء فى الدنيا أى فى الآخرة . قال تعالى: 
« إن الذين يخشون ريهم بالفيب لهم مغفرة وأجر كبير » )١(‏ . دياهم الله يالمغفرة 
والثواب الكبير . وقال تعالى : « إن الذين قالوا رينا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم 
الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا يالجنة التى كنتم توعدون » (') . وقال تعالى : 
«هل آتاك حديث الفاشية » وجوه يومئذ خاشعة , عاملة ناصبة » تصلى ناراً حامية , 
تسقى من عين آنية » ليس لهم طعام إلا من ضريع , لايسمن ولايغنى من جوع » () . 
وصف قرآنى لأحوال أصحاب النار فى السمة , والشراب ء والمأكل . وقال تعالى : 
«الذين كذبوا بالكتاب ويما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون , إذ الأغلال فى أعناقهم 
والسلاسل يسحبون قى الحميم ثم فى الثار يسجرون » (؟) . وصف قرآنى لأهل الكتاب 
من المكذبين» مقيدين بالأغلال ‏ والسلاسل ؛ ويسجرون فى جهنهم . وقال تعالى : «ويوم 
القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس فى جهنم مثوى للمتكيرين»!*). 
وقال تعالى : « يوم يسحبون قى النار على وجوههم ذوقوا مس سقر »() . وصف 
قرآنى للمتكبرين المكذبين باسوداد وجوههم ومثواهم التار . وقال تعالى : « ووجوه 
يومئذ عليها غبرة » ترهقها قترة ؛ أولئك هم الكفرة الفجرة » () . 


(ب) منهج الوصف فى الواقع الطبيعى : 

يؤصله القرآن الكريم . والسنة النبوية وفى نطاقى الترغيب والترهيب » ويالصور 
المتقايلة : كالجنة والنار وأحوال السماء والأرض.» واليحار » والجيال والسحاب 2 
يوم القيامة وغيرها . 

وصف الجنة فيه ترغيب لمن يؤمن . وألا يبخس من عمله الصالح شئ .قال تعالى : 
« فى جنة عالية , لاتسمع فيها لاغية , فيها عين جارية » فيها سرر مرفوعه , وأكواب 
موضوعة وتمارق مصفوفة ' وزدابى مبثوئة » (8) : قال تعالى : « ولمن خاف مقام ربه 
جنتان فبآى آلاء ريكما تكذبان ٠‏ ذواتا أفنان » قبآى آلاء ريكما تكذبان » فيهما عينان 
تجريان » فبأى آلاء ربكما تكذيان » فيهما من كل فاكهة زوجان ؛ فبأى آلاء ريكما 
تكذيان » () . وقال تعالى : « مثل الجنة التى وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير أسن 
)١(‏ سورة الملك آية ١7‏ 
)١(‏ سورة فصلت آية ١؟‏ . 
(؟) سورة الفاشية آية ١‏ -/ا . 
(؟) سورة غافر آية 7/٠‏ - 75 
(0) سورة الزمر آية 5٠‏ . 
(1) سورة القمر آية 54 . 
(7) سورة عبس آية 8٠‏ - 45 . 
(8) سورة الفاشية آية ١١‏ -15, 
(9) سورة الرحمن أية 45 - ؟ه. 


ك1 


وأتهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأتهار من عسل مصفى 
ولهم فيها من كل الثمرات ومغقرة من ريهم كمن هو خالد فى التار وسقوا ماء حميما 
فقطع أمعاعهم » )١(‏ . 

حباهم الله يعدم الحزن ؛ والبشرى بالجنة . وقال تعالى : « قد أقلح المؤمنون , 
الذين هم فى صلاتهم خاشعون , والذين هم عن اللفو معرضون . والذين هم للزكاة 
فاعلون » () . 

وصف الله المؤمنين بالفلاح دنيا » وآخرة . وقال تعالى : « إن الذين آمنوا وعملوا 
الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا » خالدين فيها لايبقون عنها حولا » () . 

- ويستوى الوصف فى القرآن الكريم لأحوال المؤمنين فى الآخرة أيضا . قال 
تعالي: « وجوه يومئذ مسفرة . ضاحكة مستيشرة ») . وقال تعالى : « عاليهم ثياب 
ستدس خضر واستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ريهم شرايا طهورا » )١‏ , 
وقال تعالى : « إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا » )١‏ . وقال تعالى : 
«ويطاف عليهم بأنية من فضة وأكواب كانت قواريرا » قواريرا من فضة قدروها تقديرا. 
ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبدلا » 0) , 

وصفا للمؤمنين فى الأخرة يرتعون فى الجنة . وأحوالهم فى الضحك , وعدم الحزن, 
وفى اللبس » وفى الماكل والمشرب . وقال تعالى : « وجوه يومئذ ناعمة . لسعيها 
راضية؛ فى جنة عالية » (4) , 

وفى الجهة المقابلة يصف القرآن الكريم أحوال الكفار , والعاصين يرسالات الأنبياء 
بالشقاء . والحرمان للسعادة فى الدنيا ‏ والآخرة . قال تعالى : « ومن أعرض عن 
ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ؛ قال رب لم حشرتنى أعمى 
وقد كنت بصيرا ٠‏ قال كذلك آتتك آياتنا ففسيتها وكذلك اليوم تنسى » )١(‏ . عاقب الله 
الإعراض عن الذكر بالمعيشة المتعبة فى الدنيا » والعماء فى الآخرة . قال تعالى ": 
«الذين يأكلون الريا لايقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بانهم 


,١6 سورة محمد آية‎ )١( 

(9) سورة المؤمنون آية ١‏ - 5. 
(؟) سورة الكهف آية /ا١١ .١١84-‏ 
() سورة عبس آية 14 -/8؟, 
(0) سورة الإنسان آية .١‏ 

(1) سورة الإنسان آية ه. 

(1) سورة الإتسان آية .١9/- ١‏ 
(4) سورة الفاشية آية 4 - .٠١‏ 
(3) سورة طه آية ١155‏ -1895. 


1 


قالوا إنما البيع مثل الربى وأحل الله البييع وحرم الربا » )١(‏ . وصف إلهى لآكل الريا 
بالمتخبط المجنون من المس الشيطانى . وقد أسيع القرآن على الجنة صفة الكمال . قال 
تعالى : « وسارعوا إلى مغفرة من ريكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت 
للمتقين»(') . وقد أوجزت السنة النبوية الوصف الخير للجنة مما لاعين رآت » ولا أذن 
سمعت ٠‏ ولاخطر على قلب بشر () . 

وكذلك يتناول الوصف الطبيعى القرآنى النار , ترهيبا للمتعظ , وجزاء للكافر . قال 
تعالى : « إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهى تقور » (؟) . أبلغ الوصف بأن جعل لها 
شهيقا يسمعه الظالمون . وقال تعالى : « كلا إنها لظلى » نزاعة للشوى » )١(‏ , 

ويتناول الوصف الطبيعى فى القرآن الكريم أحوال يوم القيامة وأهوالها . قال 
تعالى: « إذا وقعت الواقعة . ليس لوقعتها كاذبة » خافضة رافعة » ) . وقال تعالى : 
«يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه » وصاحيته وأخيه » وفصيلته التى 
تؤويه»("). وقال تعالى : يصف أحوال الناس ؛ والجبال والسماء وغيرها من الظواهر 
الإنسانية » والطبيعية . قال تعالى : « القارعة ما القارعة » وما أدراك ما القارعة ‏ يوم 
يكون الناس كالفراش المبثوث . وتكون الجبال كالعهن المنفوش , فأما من ثقلت 
موازينه» فهى فى عيشة راضية » وأما من خفت موازينه » فامه هاوية » وما أدراك 
ماهية» نار حامية»). وقال تعالى : « إذا السماء انشقت , وأذنت لريهها وحقت , وإذا 
الأرض مدت ء وألقت ما فيها وتخلت » *) . 

انشقاق السماء , وانيساط للأرض . وقال تعالى : « يوم تكون السماء كا مهل , 
وتكون الجبال كالعهن ‏ ولايسال حميم حميما » )٠١(‏ . وصفاأ للسماء يوم القيامة بأتها 
كالزيت » والجبال بأنها الصوف : وقال تعالى : « اذا رجت الأرض رجا » وبست 
الجبال بسا . فكانت هياء منبثا » )١١(‏ . وصف لارتجاج الأرض ؛ واندثار الجبال , 
وقال تعالى : « فإذا النجوم طمست .ء وإذا السماء فرجت , وإذا الجبال نسفت » )1١(‏ , 


)١(‏ سورة البقرة آية ه/91. 
(؟) سورة آل عمران آية .١51‏ 

(؟) الشيخ محمد علي الصايوني . مختصر ابن كثير . المجلد الثالث ص ؟45. 
(4) سورة الملك آية /. 

(5) سورة المعارج آية 11-16. 

(1) سورة الواقعة آية ١‏ -5. 

(1) سورة المعارج آية 11 -؟١.‏ 

(8) سورة القارعة آية .1١- ١‏ 

(1) سورة الانشاق آية ١‏ - 4. 

.١٠١ - سورة المعارج آية له‎ )٠١( 

.1- سورة الواقعة آية ؛‎ )١١( 

.١١ - 8 سورة المرسلات آية‎ )1١( 


1١1 


انطماس للنجوم ' وانقشاع للسماء ؛ ونسف للجيال « وانشقت السماء فهى يومكذ 
واهية , والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية » (') . وصف 
للغيبيات يوم القيامة من : اتهيار الأرض ٠‏ والجبال » وانشقاق السماء . ووصف عددى 
للعرش يحمله من الملائكة ثمانية . 

فالمنهج الوصفى بواقعيه الاجتماعى والطبيعى ينبه الأذهان إلى رسالة الخلق الأولى 
والسامية ؛ ألا وشى العبادة لله وحده فقط , وما طلب العلم , وما التعليم »وما كسب 
العيش والرزق » وماالتمتع بملذات الحياة الدنيا »وما إشباع الفرائز وما إلا فقط , 
لضمان استمرار الحياة الانسانية » ولضمان أداء الرسالة التى خلق الانسان من أجل 
أدائها ألا وهى العبادة . 


يؤّصل هذا المنهاج الداعى المسلم لأن يريط حقائق » ومقاهيم العلم بدلالات 
الإعجاز والإبدا ع الريانى فى الدعوة إلى العلم مفهوما »وأسلويا . وصولا إلى الحقائق 
الجمالية ؛ والعاطفية قى النصوص المدروسة ٠‏ والملقنة . 

قهو أى : (الداعى المسلم) مطلوب منه إبراز النواحى ؛و الظواهرالجمالية فى 
النصوص ,؛ وذلك لإثارة الأحاسيس والاتفعالات العاطفية فى الإنسان ٠‏ وعلى اعتبار أن 
الناحية الجمالية تشكل مطلبا أساسيا , وحاجة أصيلة من حاجات النفس الإنسانية(), 
فدلالة الاعجاز الربانى تزداد قوة بإيراز النواحى الإبداعية ؛ والجمالية فيه . 

ومن هنا على الداعى المسلم أن ييرز النواحى الجمالية والإبداعية فى دعوته للعلم 
مثيرا بذلك النواحى العاطفية والجمالية فى النفس الإنسانية تزداد معرقة , والماما » 
وقدرة لفهم الدقة الريانية فى الخلق والصنع وعلى اعتيار أن إشباع النواحى العاطفية؛ 
والجمالية فى النفس الإنسانية تقربه إلى الإيمان » وإلى الاعتراف بالقدرة الإلهية 
فالإعجاز , والإبداع . . 

ولقد تضمنت النصبوص القرآنية الكثير من الصور الجمالية » والإبداعية , كان لها 
الأثر الكبير فى تحريك النواحى , والغرائز الجمالية فى الإنسان فتقوده إلى الإيمان . 
قال تعالى : ' لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم " () . وقال تعالى : ' وصوركم 
فأحسن صوركم ورزقكم من الطبيات ” 4) : 





.١7- ١4 سورة الحاقة آية‎ )١( 
د. جاك فرج جودى . كتاب : الإنسان معجزة الخلق . ص ؟5.‎ )1( 
.4 (؟) سورة التين آية‎ 


(4) سورة غافر آية 14. 


11 


دقة فى الخلق . وحسن فى التصوير يثير غرائز الفطرة الإيمانية يالله المصور .تبرز 
النصوص القرآنية أيضا الظواهر الجمالية للكثير من المخلوقات المادية » والكونية . قال 
تعالى : " ولقد زينا السماء الدنيا يمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين " )١(‏ , 

وقال تعالى : ' ولقد جعلنا قى السماء بروجا وزيناها للناظرين " (") . وقال تعالى: 
' إنا زينا السماء الدنيا بزيتة الكواكب " () . وقال تعالى : " أفلم ينظروا إلى السماء 
فوقهم كيف بنيناها وزيناها" (؟) . 

إبدا ع فى الخلق » وجمال فى الصنع » وسلاسة فى التعبير تثير كوامن الشعور , 
والايمان الخفى فى النفس البشرية . وقال تعالى : ' والأنعام خلقها لكم فيها دفء 
ومنافع ومنها تأكلون , ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ؛ وتحمل أثقالكم 
إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس » إن ريكم لرؤوف رحيم " *) , 

وقال تعالى : ' والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزيئة ويخلق مالا تعلمون " )١(‏ . 
تصوير قرآنى مادى : وجمالى أضاف إلى الحاجات المادية فى التمتع بالأكل » والدفء, 
والحمل حاجات معنوية فى التمتع بالزينة , والمناظر . وقال تعالى : " وأنزل لكم من 
السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ماكان لكم أن تنبتوا شجرها أطه مع الله بل 
هم قوم يعدلون ' (") . وقال أيضا : ' أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا 
وجعل لها رواسى وجعل بين اليحرين حاجزا أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون " 8) . 

إعجاز قرآنى ينتقل من جمال النص , والسرد , والأسلوب إلى جمال التصوير , 
والإبداع فى الخلق وكل هذا من شأنه أن يثير جوانب العاطفة ؛ والبهجة , والسرور فى 
النفس البشرية . إن الزينة . والجمال , واليهجة سواء فى الخلق المادى ؛ أى التصوير 
المعنوى , أو الأسلوب اللفظى من شأنه أن يثير عواطف الجمال فى النفس الآدمية » 
ويقودها إلى الشعور بدقة الإبداع الإلهى . 

وتبرز النصوص القرآنية الجوانب الجمالية قى الأمور المعنوية أيضا . قال تعالى : 
'يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ' (1) , وقال تعالى : " قل من حرم زينة الله 





)١(‏ سورة الملك آية ه. 

(؟) سورة الحجر آية 11. 

(؟) سورة الصاقات آية 5". 

(4؛) سورة ق آية 5”. 

(0) سورة النحل آية ه-5 - لا, 
(1) سورة النحل آية 4. 

(1) سورة التمل آية 30. 

(4) سورةالنمل آية ."١‏ 

(1) سورة الأعراف آية ,3١‏ 


11 


التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق " )١(‏ . دعوة قرآنية » بوجوب الزينة » وإبراز 
النواحى الجمالية للجسم الإنسانى . إعجاز قرآنى مثاله التواضع فى السلوك , 
والمسلك مع النفس , ومع الآخرين يؤصل مبادئ الحاجات المعنوية فى السمو الأخلاقى» 
ورفعته. وقال تعالى : " فلا تقل لهما أف ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريما ‏ واخفض 
لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا " 9() . دعوة قرآنية 
بوجوب التادب ٠‏ والتزين بحسن السلوك , والتعامل الأخلاقى مع الوالدين » وقال 
تعالى: * ولا تصعر خدك للناس ولا تمش فى الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال 
فخور ؛ واقصد فى مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير "9 . 

وتنتقل النصوص القرآنية من الجوانب الظاهرية إلى الجوانب الباطنية فى وجوب 
إبراز الظواهر الجمالية فى النفس البشرية . قال تعالى : "يا أيها الذين آمنوا لا 
يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا 
منهن ولا تلمزوا أتفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان . ومن لم 
يتب فأولتك هم الظا مون " ), 

أمر ربانى بعدم إبراز النوازع الشريرة بالسخرية ٠‏ والتنايز بالألقاب . 

وقال تعالى : ' يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا 
تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه 
واتقوا الله إن الله تواب رحيم " ) . 

أمر ريانى باجتناب النوازع الشريرة بإساءة الظن » وحسن الظن حكم شرعى 
يتناول كل مسلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :* حسن الظن من حسن 
العيادة"(). وقال أيضا : " من ساء بأخيه الظن فقد أساء بريه " ) . وأيضا قال الله 
تعالى : “قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن " (8) . 

دعوة ريانية بتطهير النفس الإنسانية من دنايا الرذائل . وقبح الفواحش 
الظاهرمتها والباطن . 





.77 سورة الأعراف آية‎ )١( 

(؟) سورة الإسراء آية ؟' , 515. 

(؟) سورة لقمان آية ١14‏ -15. 

(4) سورة الحجرات آية .١١‏ 

(0) سورة الحجرات آية ؟١.‏ 

(1) كتاب التاج الجامع الأصول قي أحاديث الرسول. 

(1) كتاب منتخب كثز العمال في هامش متسد الإمام أحمد. 
(4) سورة الأعراف آية 7. 


1١16 


لعل من المفيد القول : بأن إيجابية هذا المنهاج فى الربط بين الحقائق الطمية 
النظرية والعملية , المادية , والروحية ويين دلالات ‏ وظواهر الإعجاز الربانى فى 
الإبداع؛ وظواهر الجمال فى الخلق , والصياغة , والتعبير . هذه الإيحابية تكمن فى 
إثارة النواحى الجمالية , والفطرية الكامنة فى النفس البشرية فتنمى فيها القيم 
الجمالية والخلقية , والشعورية . يصاحبها نمو فى المدارك الفكرية , والعاطفية , 
والوجدانية » والروحية , والتفكرية , والتأملية . يؤدى كل هذا إلى تكوين الشخصية 
الإسلامية المتكاملة » والتى تسخر بدورها تلك الظواهر , والعواطف والأفكار فى 
الاستدلال على الله الخالق الصانع المبدع لتلك الظواهر , والقيم فى مجموعها . 


سادسا : منهاج التأمل » والتفكر العقلي » والاعتبار . 

سنده التأفل المنطقى , والتفكير العقلانى » توضحيا للمجهول إلى المعلوم » وكشفا 
للغموض إلى الوضوح » وتأصيلا للقيم الحياتية ؛ الدنيوية » والروحية ؛ وتوصلا , 
وإلماما » وتفسيرا للظواهرء والحقائق » ومن ثم وصولا إلى معارف الهداية , والإيمان 
مؤشرات ودلالات السعادة الدنيوية : والأخروية . 

إن منهاج التأمل ٠‏ والتفكر فى دقائق الحياة هو سند الداعى المسلم فى نشره , 
ودعوته للعلم » وهى أسلويه فى حفز الأذهان . وإثارة العقول , ميزة الآدمى يسمو بها 
على الحيوان . إن منهاج التأمل , والتفكر باستخدام العقل هويطبيعته حكم شرعى 
تناولته الشرائع السماوية الأصيلة ؛ ونصت عليه شريعة الإسلام السمحة ‏ حيث 
توافقها » ويما جاعت به من دعوات » وأحكام » ونصوص ., وتكاليف مع حاجات العقل 
البشرى داعية إليه وإلى التبحر , والبحر فى تلك الأحكام ‏ والنصوصء والتكاليف . 

ولقد تأصل منهاج التامل والتفكر فى استخدام العقل فى النصوص القرآنية , 
والنيوية الكثيرة . وجعلت من ذلك الاستخدام العقلى مؤشرا على دلالات الإيمان 
والهداية. وهى أى التصوص تعيب على العقول تحاشيها لدلالات التأمل والتفكر , 
وتعتبره مؤشرا على العصيان ٠‏ وعدم الهداية , والغياء . 

قال تعالى : * إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون " )١(‏ . 

إن تأصيل هذا المنهاج أبرزته النصوص القرآتية , والنبوية بدعوة العقول والأذهان 
إلى التأمل , والتفكر فى آيات الله ومعجزاته » وبيناته .ومخلوقاته , وفى نفس الوقت 
أقرنت دلالات ذلك المنهاج بالايمان . قال تعالى : " قل انظروا ماذا فى السموات 
والأرض " 7 . وقال تعالي : ' أى لم ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق 


)١(‏ سورة الأعراق آبة زفرة 
و( سورة الإسراء أية ا عك, 


ك1 


الله من شئ " )١(‏ وقال تعالى : * فلينظر الإنسان مم خلق , خاق من ماء دافق » يخرج 
من بين الصلب والترائب * )١(‏ . وقال تعالى : ' فانظروا إلى آثار رحمة الله كيف يحيى 
الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيى الموتى وهى على كل شئ قدير " () . وقال تعالى : * 
أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا 
تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور 7؟) . نصوص قرآنية » ودعوات 
الإيمان . وقال تعالى : ' ومن آياته خلق السموات والأض واختلاف السنتكم وألوانكم 
إن فى ذلك لآيات للعالمين *) . آيات إلهية فى الخلق توجب على العقول السليمة التفكر 
بها . 
تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن فى ذلك 
لآية لقوم يتفكرون " () . 
الايمان . و قال تعالى : « وسخر لكم 'لليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات 
بأمره إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون » ") . ربط قرآنى آخر بين آيات الله من الليل , 
والنهار » والشمس . والقمر » ويين العقلانية لها . وقال تعالى : 

«وما ذرأ لكم فى الأرض مختلفا ألوانه إن فى ذلك لآية لقوم يذكرون » (') . ريط 
قرآنى آخر بين آيات الله مما ذرأ فى الأرض وبين التذكر لها . وقال تعالى : 

« وهو الذى سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تليسونها 
وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون » 7) . وى الشكر هنا دليل 
العقلانية لآيات الله . وقال تعالى : « وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم وأنهارا 
وسبلاً لعلكم تهتدون » )1١(‏ , 
)١(‏ سورة الأنفال آية 77. 
(0) سورة يونس آية .٠١١‏ 
)١(‏ سورة الأعراف آية 148. 
(؟) سورة الطارق آية ه -1- لا. 
(؟) سورة الروم آية .6٠‏ 
() سورة الحج آية .4١‏ 
(ه) سورة الروم آية 17؟. 
(1) سورة النحل آية .1١- ٠١‏ 
0) سورة التحل أية ؟١.‏ 
(4) سورة النحل آية 15. 
(1) سورة النحل آية 15. 
)٠١(‏ سورة النحل آية .١١‏ 





16 


تمتد الهداية يالسيل المادية إلى الهداية الروحية بالتفكر والإيمان بآيات الله , 
ومخلوقاته. 

وقال تعالى : « أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون » )١(‏ . حفزا للعقول السليمة؛ 
وإثارة الأذهان المتعقدة العاقلة بالتذكر : والاعتبار » وعدم مساواة الخالق بالمخلوق . 
دعوات ريانية صريحه باستخدام العقل فى التأمل , والتفكر فى آيات الله » وأحكامه , 
تتهاوى أمامها تخرصات المفتريين » وبآن شريعه الإسلام تحجر على العقل » وتمنعه 
من التفكر . وكشف الحقائق . ولعله من قبيل التفكير القول : بأن استخدام العقل 
بالتأمل والتفكر هى من دلالات النبوة . ويشائرها . فالنبى صلى الله عليه وسلم نزل 
عليه الوحى ( عليه السلام ) بالرسالة . وهو فى أحوال الاستخدام العقلى فى التأمل , 
والتفكر فى مخلوقات الله . وعجائيه » وآياته عندما كان فى غار حراء . ولا شك أن 
دلالات الإيمان تتلازم » وتتزامن مع ظواهر التأمل والتفكر » فالمتهج الإلهى يالفطرة » 
والوحى , والأدلة يتلازم مع مناهج العلم فى التأمل والتفكر والتبحر فى الحقائق . 
فالمنهج الروحى يتواقق مع المنهج العلمى فى أن كلا منهما يقودان إلى الهداية , 
ويؤشران إلى دلالات الإيمان بالله الخالق المبدع الصانع لهذا الوجود » وما فيه من 
مخلوقات , وحقائق مادية . 


سابعا : منهاج الإبداع 2 والتحصيل العلمى 5 والقدوة ْ 

قالذاعن الممطلم قبوة والاندا ع فى التحصيل العلمى »والتدايعشوقة وهو يل 
عليه أن يؤسس منهاجه فى التحصيل ء والتعليم ‏ والدعوة للعلم على قواعد الإبداع فى 
التحصيل ء والإحاطه بالحقائق العلمية , ودقائق المعرفة , تحدوه , فى ذلك تعاليم 
الشرع؛ وقواعده الكلية فى الإلمام . والتتحصيل , والإتقان , والإخلاص فى التية ؛ 
والسمو فى التناول ؛ والدقة فى التلقين , إن منهاج الابداع ؛ والتحصيل العلمى تؤصله 
قواعد الشرع الكلية فى الاتقان . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله يحب 
إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه و 

وتؤصل ذلك المنهاج أيضا قواعد الشرع الكلية فى الإخلاص بالنية . قال رسول الله 
صلى الله عليه وسلم : « إنما الأعمال بالنيات ولكل امريء ما نوى » فمن كانت هجرته 
إلى الله ورسوله قهجرته إلى الله ورسوله ٠‏ ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها , أى امرأة 
ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه » () . وتؤصل منهاج الإبداع العلمى أيضا قواعد 


.11/ سورة النحل آية‎ )١( 
متفق عليه.‎ )1( 
(؟) رواه الإمامان مسلم والبخاري.‎ 


138 


الشرع للكلية فى السمى بالدعوة , وعدم الكتمان . قال تعالى : « إن الذين يكتمون ما 
أتزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعتهم الله ويلعنهم 
اللاعنون » إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولتك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيمء(!). 
وقال تعالى : « إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولتك 
ماياكلون فى بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامه ولا يزكيهم ولهم عذاب 
أليم»(") .وقال تعالى : « وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا 
تكتمونه » 9) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تعلموا العلم وعلموه 
للناس٠').‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سئل عن علم ثم كتمه ألجمه 
الله بلجام من نار يوم القيامة » 0) . وتؤصل منهج الإبداع ‏ والتحصيل العلمى أيضا 
قواعد الشرع الكلية فى الأمانة العلمية » وعدم التحريف . قال تعالى : « أفتطمعون أن 
يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم 
يعلمون » )١(‏ . وقال تعالى : « ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون»!") 
وتؤصل ذلك المنهج العلمى أيضا قواعد الشرع الكلية فى البحث والسؤال عن العلم. 
قال تعالى : « فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون » ©) . وقال تعالى : « الذى خلق 
السموات والأرض وما بينهما فى سسةة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به 
خبيرا» (') . وتتناول قواعد الإبداع المنهجى فى التحصيل العلمى كذلك حسن السماع, 
وتبذ اللغى . قال تعالى : « والذين هم عن اللغى معرضون 6 )٠١‏ . وقال تعالى : «وإذا 
مروا باللغى مروا كراما » )١١(‏ . وقال تعالى : « إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أى 
ألقى السمع وهى شهيد الى 


وعلى اعتبار أن الداعى المسلم ملتزم فى علاقاته بريه وعلاقاته بنفسه ‏ وعلاقاته 


.١5.- 165 سورة البقرة آية‎ )١( 
.١1/4 سورة البقرة آية‎ )1( 

(؟) سورة آل عمران آية ١41‏ . 
(؛) سنن الدارمي . 

)2( مختصر سان أبي داوود . والجامع الصحيح للترمذي. 
(1) سورة اليقرة آية هلا. 

(/) سورة البقرة آية ؟"4. 

(4) سورة الأنبيام آية لا. 

(9) سورة الفرقان آية 05. 

)٠١(‏ سورة المؤمتون آية ؟. 

)١١(‏ سورة الفرقان آية ا/. 
)١1١(‏ سورة ق آية /اا. 


11 


ملتزم بالتعلم قبل أن يعلم » وهى ملتزم بالعمل قبل أن يدعى . يطبق ما يدعو إليه 
واضعا من نفسه القدوة الحسنة , والأنموذج الأمثل فى الاقتداء , والتعليم . قال تعالى: 
« وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ووستردون إلى عالم الغيب والشهادة 
فيئيئكم بما كنتم تعملون » )١(‏ . ولقد أنكر القرآ ن الكريم عدم اقتران العمل بالعلم . 
وقال تعالي: « يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا 
مالا تفعلون»("). ويقتضى منهاج الاقتداء العقيدة بالعمل . سواء أكان العمل علما » أو 
سلوكا ؛ أى مسلكا , أى كسيا , أو تعاملا ؛ فالعمل دليل الإيمان . ويقتضى منهاج 
الاقتداء الالتزام بالعلم تعلما وعملا . قال رسول الله صلى الله وعليه ووسلم : « تعلموا 
تعلما فاذا علمتم فاعملوا »() . ويقتضى أيضا الالتزام بالعلم تعلما . وانتفاعا . قال 
رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا حملة العلم اعملوا به , فإنما الألم من عمل يما 
علم » وواقق علمه عمله ؛ وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاور تراقيهم يخالف عملهم 
وتخالف سريرتهم علانيتهم » 9) . 

وقد اقترنت السنة النبوية الإيمان بالعمل . 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يقبل الإيمان يلا عمل » ولا عمل يلا 
إيمان » © , 

قال تعالى ٠:‏ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى 
أحسن إن ربك هى أعلم يمن ضل عن سييله وهى أعلم بالمهتدين » )١(‏ . 

ويقتضى منهاج التدرج أيضا مراعاة نوعية العلوم ؛ والموضوعات فيجب التركيز 
على أكثرها ضرورة , وأكثرها سهولة فى التحصيل ؛ فقد بين علماء سيكولوجية التعليم 
وجود فروق بين الناس ليس فقط بالنسبة لمستوياتهم الفكرية , والإدراكية , وإنما 
أيضا بالنسبة لقدراتهم النوعية فى التحصيل , ولاشك أن تفاعل الإنسان المتعلم مع 
الموضوعات والمعلومات ‏ والتى هى أكثر التصاقا بالشخص ؛ وحاجته إليها . فحاجة 
الإنسان اليالغ الراشد لنوعية من المعلومات تختلف عنها بالنسبة للإنسان اليالغ غير 
الراشدء أو الصفير غير البالغ وكذلك يختلف أسلوب المناقشة بالنسية للبالفين , 
المتعلمين عن أسلوب الترديد بالنسية للصغار . 


١١ سورة التوية آية‎ )١( 
(؟) سورة الصف آية ؟.‎ 
سان الدرامي.‎ )1( 

(؛) سان الدرامي . 

(0) الجامع الصغير . 
(3) سورة التحل آية 8؟١.‏ 


1١/. 


ثامنا : منهاج الأصاليب التربوية فى التعليم : 

تستند مناهج الشريعة الإسلامية فى الدعوة إلى العلم إلى أساليب » ووسائل تريوية 
عديدة تتنوع بتنوع المستويات الفكرية » والعلمية . والعقلية للمتعلمين . وكذلك يتنوع 
العلوم الملقئة بحكم استخدامها قوة تأثيرها فى الأفراد , وقوة أدائها فى التحصيل 
العلمى للمتعلمين » وتوصيل ا معلومات إلى أذهانهم . ولعلنا لا نبالغ فى القول : بأن 
المناهج الإسلامية قى التعليم تستخدم أفضل وأحدث الأساليب التريوية المعروفة الآن . 
والتى تعتبر فى معظمها من استحداث الإسلام . وأهم هذه الأساليب التربوية : - 

أولا : أسلوب المحاولة 8 

ثانياً : أسلوب الحوار . 

ثالثا : أسلوب القصة . 

رابعا : أسلوب الإدراك الحسى والمشاهدة . 
أولا - أسلوب الحاولة : 

وهى أسلوب تريوى يستند إلى المماولة » والتجرية قى الوصول إلى الحقيقة العلمية 
والإلمام بالمعرفة . ويتناول أسلوب المحاولة القول ٠‏ والعمل معا . ويجد هذا الأسلوبي 
أساسه فى السنة النيوية حيث استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم . مع أصحابه 
حافزا لهم على التعلم والعبادة بالاعتماد على أنفسهم , ومحاولاتهم . 

ففى الحديث الشريف أن صحابيا دخل المسجد فصلى فى ناحية منه ؛ ثم جاء إلى 
الرسول صلى الله عليه وسلم ‏ وكان يجلس مع بعض أصحابه . فقال : السلام عليك 
يارسول الله . فقال الرسول : وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل ؛ فصلى وعاد 
فراجعه الرسول ثلاث مرات ... فقال الرجل فى الثالثه : والذى بعثك بالحق لا أحسن 
غير هذا فعلمنى ؟ فعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم وتركه يعيد صلاته حتى أتقنها » 
والمسلمون يشاهدون ما يحدث . 
الآيات والأدعية , وكذلك القرآن الكريم » والاستخارة . 

ويجد أسلوب المحاولة بين الأساليب التربوية الحديثة » وينسبه المربى ه جون ديوى » 
الأمريكى إليه . وسماه طريقة المشروع ٠‏ ويهدف إلى تكوين الشخصية العلمية للتلميذ 
بالاعتماد على نفسه . ومحاولاته للإلمام بالحقائق العلمية . 

وتستند طريقة المشروع إلى إثارة الإحساس لدى المتعلم بوجود مشكلة , ثم يحيطها 
بالفروض التى قد تساعد على حلها , ثم الشروع فى حل المشكلة بترجيح أحد الفروض 


١و‎ 


حتى يتوصل للحل النهائى للمشكلة . ولعل هذه الطريقة لا تخرج فى كنهها عن طريقة 
المحاولة التى استنها الرسول صلى الله عليه وسلم » والتى يستند إلى إجراء المحاولة , 
والتجرية , والاعتماد على النفس فى الفهم للحقائق والمعارف ٠‏ ولعلنا نستطيع القول أن 
أسلوب المحاولة هى أسلوب نيوى فى نشأته » وبسابق لنظيره الحالى . 


ثانيا - أسلوب الحوار : 

وهو اسلوب يستند إلى الحوار والتكرار » وينسبه الفلاسفة الحديثون إلى « سقراط» 
حيث استخدمه بالأسئلة التى كان يوجهها لتلاميذه ؛ لاثارة أذهانهم إدراكا للمقصود . 
ولعلنا لا نجاقى الصواب لو قلنا : أن أسلوب الحوار قديم بقدم الإسلام نقسه . ويجد 
أساسه فى القرآن الكريم ‏ والسنة النبوية . قال تعالى : « قل يا أيها الكافرون , لا 
أعيد ماتعبدون , ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عايد ما عيدتم » ولا أتتم عايدون ما 
أعبد ؛ لكم دينكم ولى دين2!١)‏ . حوار مع الكاقرين على لسان محمد صلى الله عليه 
وسلم ؛ يحدد لكل دينه قى الاتباع . وقال تعالى : « قل هو الله أحد , الله الصمد , لم 
يلد ولم يولد , ولم يكن له كفوا أحد » 9) . حوار إلهى لرسوله وللمؤمنين يجسد قواعد 
الإلوهية . والتوحيد فى العبادة . وقال تعالى : « قل يا أهل الكتاب لم تليسون الحق 
بالياطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون » (') . حوار قرآنى مع أهل الكتاب يدعوهم إلى 
قول الحقء وعدم كتمانه » أى لبسه بالباطل . وقال تعالى : « قل يا أهل الكتاب تعالوا 
إلى كلمة سواء بيننا وييتكم ألا نعيد الا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ يعضنا بعضا 
أربايا من دون الله فإن تولوا ققولوا اشهدوا بأتا مسلمون » (؟) . 

دعوة ريانية إلى أهل الكتاب إلى قول الحق : والعبادة لله والوحدانية له . وقال 
تعالي: « قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا يه شيئًا » (*) . ويالنسية للسنة 
النيوية : ( أتدرك ما حق الله على العياد يامعاذ ) ؟ وكررها ثلاثا ومعان يجيب فى كل 
مرة ( الله ورسوله أعلم ) . ويعد الثالثة قال الرسول : « إن حق الله على العباد أن 
يعبدوه ولا يشركوا به شيئا » )١(‏ .و أيضا ففى الحديث الشريف إن الرسول صلى الله 
عليه وسلم سال معاذ بن جبل حين أرسله قاضيا إلى اليمن . بم تقضى ؟ فأجابه معاذ: 
بكتاب الله . قال : فان لم تجد ؟ قال فبسنة رسول الله . قال : فإن لم تجد ؟ قال : 
أجتهد رأيي ولا ألى ) , 
)١(‏ سورة الكافرون , 
(؟) سورة الصمد . 
)1١(‏ سورة آل عمران آبة الا. 
(4) سورة آل عمران آية 514. 
(5) سورة الأتعام آية .١51‏ 
(1) متفق عليه . 
(1) متفق عليه . 


يفن 


وأيضا فى الحديث الشريف ان الرسول صلى الله عليه وسلم سال أصحايه : 
أتدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . قال : المفلس من 
أمتى من يأت يوم القيامه يصلاة » وصيام , وزكاة , ويأتى وقد ضرب هذا ٠‏ وقذف 
هذاء وشتم هذا » فيأخذ هذا من حسناته » وهذا من حسناته » فإن فنيت حسناته قبل 
أن يقضى ما عليه » أخذ من خطاياهم فطرحت عليه . ثم طرح فى النار (') . ويؤوصل 
أسلوب المحاورة أيضا الحديث الشريف عن محاورة وأسئلة رسول الله من الملائكة 
جيريل « عليه السلام » رسول الله من البشر محمدا صلى الله عليه وسلم : فقد روى 
عمر بن الخطاب أن رجلا حسن الثياب ليست عليه متاعب السفر دخّل على الرسول 
صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام ‏ وعن الايمان , وعن الإحسان » وعن علامات 
الساعة, والرسول صلى الله عليه وسلم يجيبه , والسائل يصدقة , ونحن نعجب لذلك . 
ويؤفصل جدوى أسلوب الحوار فى التعليم القرآنى . والتيوى مخاطبته الحواس 
العقلانية» والمنطقية فى الإنسان للتفكر ؛ والبحث عن الحقيقة , والإيمان بها » ومن ثم 
تشبتها فى النفوس ., والأذهان ؛ ولقد تجلى الأسلوب الحوارى القرآنى واضحا فى 
إثارته للكثير من القضايا الايمانية جعلها محورا للنقاش , والتفكير » والتبحر . قال 
تعالى : « وقالوا ماهى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ومالهم بذلك 
من علم إِنْ هم إلا يظنون , واذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا 
ائتوا بآياتنا إن كتتم صادقين » 9) , 

وقد أجابهم الله سبحانه وتعالى بقوله : « قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى 
يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون » 29 . 

وقال أيضاً : « هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ماكنتم تعملون »(؛). 

وقد بين سبحانه وتعالى قضية الحياة , والموت ٠‏ والجمع يوم القيامة » وأنها من 
صنع الله » وهى قادر على ذلك ؛ وكذلك التدوين لكل ما يعلمونه من شواهد الكفر , 
والضلال سيرونه عيانا فى كتاب معلوم يشهد عليهم يوم القيامة ؛ ومن تلك الشواهد 
انكارهم للساعة . وقال تعالى : « واذا قيل ان وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم 
ما ندرى ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين » ') . وفى أكثر من موضع 
يحاور سبحانه وتعالى الكفار مثيرا قضية الخلق , وانه الخالق الوحيد . قال تعالى : 
«قل أرايتم ما تدعون من دون الله أرونى ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك فى 
(1) متفق عليه . 
(؟) سورة الجاثية آية 714 . 70. 
(؟) سورة الجاثية آية ؟. 
(4) سورة الجاثية آية 74. 
(0) سورة الجاثية [آية 7؟. 


١ 


السموات أئتونى بكتاب من قبل هذا أى أثارة من علم إن كنتم صادقين » )١(‏ . وبالنسبة 
لقضية الكتاب المنزل حاورهم سيحانه وتعالى : ويلسان ثبيه صلى الله عليه وسلم . قال 
تعالى : « أم يقولون افتراه قل إن أفتريته فلا تملكون لى من الله شيئًا هو أعلم بما 
تفيضون فيه كفى به شهيدا بينى ويينكم وهو الغفور الرحيم » (') . ويتتايع الرد القرآنى 
عليهم مفحما اياهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : « قل ما كنت 
بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلى وما أنا إلا 
نذير مبين » (') . ففى هذا النص القرآنى يضع الرسول نفسه مع غيره من الرسل فى 
الحق فى الانيعاث , وأثه لا علم له لمصيره . ومصيرهم أى الكفار » وما جاعهم به ما 
هو إلا ما أوحى إليه فقط . وتجيء ثمرة المحاورة تعلمينا للرسول « صلى الله عليه 
وسلم » وللمؤمنين . وخزيا للكافرين الجاحدين ٠‏ وذلك فى قوله تعالى : « وهذا كتاب 
مصدق لسانا عربيا ليثتر الذين ظلموا ويشرى المحسنين , إن الذين قالوا رينا الله ثم 
استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون » 9) . 

وفى محاولته للكافرين دعاهم الله إلى العقلانية . والتفكر فى قضيه بعث الرسول 
صلى الله عليه وسلم . ومن قبيل النصح ء والإنذار قى آن واحد . قال تعالى : « قل 
إنما أعظكم يواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن 
هى إلا نذير لكم بين يدى عذاب شديد » (*) . وكذلك فكثيرا ما يتأمل أسلوب الحوار 
القرآنى فى قواعد المنطق فى رده على الكافرين . فقى إحدى القضايا القرآنية 
المطروحة قضية البعث فإننا نجد أن الرد القرآنى كان يبنى على المنطق العقلانى . قال 
تعالى : «وقالوا أعذا كنا عظاما ورفاتا أعنا لمبعوثون خلقا جديدا » (1) . تساؤل من 
الكافرين تحده ظواهر الاستغراب , والدهشة كيف ؟ وأى » ومن سيعيد خلقهم اذا ما 
أصيحوا رفاتا عطانا 59 اتساؤل كدددوعوامل التهدى والتعدى على اط قواعن 
العقلانية . والمنطق فى قضية الخلق . والبعث » ومن هذا اتسم الرد القرآنى يظواهر 
التحدى , وقواعد المنطق العقلانى . فقد تحداهم مثبتا القدرة الإلهية فى الخلق » 
والبعث . فقال تعالى : «قل كونوا حجارة أو حديدا » "). فهى قادر على ايتعاثكم : 
وخلقكم من جديد لاتعجزونه. 
)١(‏ سورة الأحقاف آية 4. 
(5) سورة الأحقاف آية 8. 
(1) سورة الأحقاف آية 4. 
(5) سورة الأحقاف أية 11 -15. 
(5) سورة سمي آية 57 . 
(1) سورة الإسراء آية 44. 


(1) سورة الإسراء آية 0 


1/ 


ويأبسط قواعد المنطق فكما خلقكم أول مرة يعيد خلقكم وابتعائكم مرة أخرى . قال 
تعالى ": « أو خلقا مما يكير فى صدروكم فسيقولون من يعيدنا قل الذى فطركم أول 
مرة فسينفغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قرييا » )١(‏ . 
وبالنسبة للسنة النبوية تؤصل جدوى الأسلوب الحوارى النبوى قواعد الإثارة للأتهان , 
والاستيعاب للمغاتى باستخدام آساليب التساؤل : والتكرار دعائم أسلوب الخوار فى 
المناقشة . ففى الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه مرة: 
آلا أنبئكم بأكبر الكبائر : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ‏ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر , قلنا بلى 
يارسول الله . قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين . وفى رواية وقتل النفس ٠‏ وكان متكا 
فتجاس : قال + الا وقول الزون + الا وقول الزون ,'قما ذال يكررها حت قلنا ليقته 
سكت:!(!) , 

الغا - أسلوب القصة : 


وهو أسلوب يستند إلى سرد القصص والأحداث ؛ إثارة للأذهان » والعواطف فى 
التفكر , والاتعاظ . وعلى سبيل الترغيب , والترهيب . 

وبالأسلوب القصصى أثار القران الكريم والسنة النبوية كثيرا من القضايا 
الإيمانية, والعلمية ويسردهما للعديد من قصص الأنبياء والرسل , والأمم ٠‏ للعبرة ؛ 
والاتعاظ . قال تعالى : « نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن 
وإن كنت من قبله لمن الغافلين 6() . وقال تعالى : « وكلا نقص عليك من أنباء الرسل مأ 
نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين » (؟) . 

وفى مخاطبته للأحاسيس والعواطف , والوجدان » والشعور ٠‏ يواصل أسلوب 
القصة أفضل جوانب العقلانية فى الدعوة , والتبليغ للعلم : ومن ثم إما إلى الإيمان 
بالاتعاظ ‏ وإما إلى الجحود بالنكران . وفى الأسلوب القصصى يكون أسلوب الدعوة 
إلى العلم بحقائق الديانات والإلوهية . وحقائق الوجود , والكون والمخلوقات » وحقائق 
الخلق ‏ والبعث . وإلى الفوز بالرحمة الربانية , والثواب الإلهى لكل متعظ » ومعتبر وإلى 
الخسران المبين للرحمة الربانية ‏ والطرد منها لكل جاحد ناكر . فهذه قصص الأمم 
المؤمنة ‏ وكيف سعدت بإيمانها . وتلك قصص الأمم الكافرة ؛ وكيف شقيت بجحودها. 
والسرد الإلهى لتلك القصص وإرد بالأمثلة المحددة لها . وأسمائها » فهذا رسول الله 
(نوح ) أرسل إلى قومه لينذرهم فكذبوه إلا قليلا منهم فأغرقوا بالطوفان . قال تعالى : 





ه١ سورة الإسراء آية‎ )١( 
. (؟) صحيح البخاري - فتح الباري‎ 
. سورة يوسف آية‎ )'( 


ا١ا/و‎ 


« قال نوح رب انهم عصونى واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراء!(١).‏ وهذا 
مصيرهم أن أغرقوا بالطوفان » وادخلوا النار خالدين فيها . قال تعالى : « مما 
خطيئاتهم أغرقوا قأدخلوا نارا قلم يجدوا لهم من دون أنصارا )١(»‏ . وهذه قصة 
رسول الله (هود) مع قومه عاد الذين طغوا فى البلاد ‏ وأكثروا فيها الفساد فصب 
عليهم ربك سوط عذاب . وأهلكوا بريحج صرصر عاتية - قال تعالى : « وأما عاد 
فأهلكوا بريح صرصر عاتية » سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى 
القوم قيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية » (') . وهذه قصة رسول الله ( صالح ) مع 
قومه أصحاب الحجر . وكيف عقروا الناقة , آية الله لهم . وكيف عوقيوا بيوم الظلة . 
قال تعالى : «ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين .وآتيانهم أآياتنا فكانوا عنها 
معرضون » )١(‏ . وعاقبهم الله بالصيحة . قال تعالى : « فأخذتهم الصيحة مصبحين » 
#) . وفى موضع آخر قال تعالى : « ويا قوم هذه ناقة الله لكم أية قذروها تأكل فى 
أرض الله ولا تمسوها بسوء قيأخذكم عذاب قريب فعقروها ققال تمتعوا فى داركم 
ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب » (1) . وعاقبهم الله بالصيحة . قال تعالى : « وأخذ 
الذين ظلموا الصيحة فأصيحوا فى ديارهم جاثمين » ) . وهذه قصة رسول الله 
(شعيب) مع قومه أصحاي الأيكة » وكيف كذبوه » وهددوه فعاقبهم الله . قال تعالى : 
«قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك 
وما أنت علينا يعزين»() . فعاقيهم الله يالصيحة ؛ والرجفة . قال تعالى : « ولما جاء 
أمرتا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه يرحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة 
فأصيحوا فى ديارهم جاثمين » (') . وقال تعالى : « فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا 
فى ديارهم جائثمين» ١١!‏ . وهذه قصة أبى الأنبياء رسول الله« إبراهيم » خليل الرحمن 
مع قومه وزعيمهم « النمرود » الذى حاج إبراهيم فى ريه . قال تعالى : « ألم تر إلى 
الذى حاج إبراهيم فى ريه أن آتاه الله الملك إن قال إبراهيم ربى الذى يحيي ويميت قال 
أنا أحيي وأميت قال إبراهيم قإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المقرب 


,"١ سورة نوح آية‎ )١( 

(؟) سورة نوح آية 60؟. 

(؟) سورة الحاقة آية 1 - لا. 
(؛) سورة الحجر آية 4 .41١-‏ 
(5) سورة الحجر آية 47. 

(7) سورة هود آية 56-515. 
7) سورة هود آئة /. 

(4) سورة هود آية 51. 

(4) سورة هود آية 54. 

)٠١(‏ سورة العنكيوت آية لا" 


لاا 


قبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين )١(»‏ . وقد استجاب الله سيحانه وتعالى 
لدعوة خليله « إبراهيم » يرزق أهله والذين أمنوا من الثمرات إلا أنه عمم الرزق لمن كفر 
ولكن على أن يعقب التمتع العذاب؛ جزاء للكفر . قال تعالى : «ومن كفر فأمتعه قليلا ثم 
أضطره إلى عذاب النار ويئس المصير » (') . وهذه قصة رسول الله ( لوط ) مع قومه 
الذين فسقوا بإتيان الذكور . دون النساء , فعاقبهم الله بجعل قراهم عاليها سافلها . 
قال تعالى : « فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل 
منضود » 7 . وهذه قصه رسول الله (موسى ) كليم الله مع قومه قوم « فرعون ٠و‏ 
«قارون » وكيف استكيروا عن آيات ريهم؛ فأذاقهم الله وبال أمره وأغرقهم » قال تعالى: 
« وقال فرعون يا أيها الملا ما علمت لكم من إله غيرى فأوقد لى يا هامان على الطين 
فاجعل لى صرحا لعلى أطلع الى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذيين » واستكبر هو 
وجنوده فى الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون » 9 ) . وعاقبه الله بما 
استكير وأغرقة باليم هو وجنوده . قال تعالى : « فأخذناه وجنوده فنيذناهم فى اليم 
فانظر كيف كان عاقيه الظالمين » ©) . وهذه قصة رسول الله ه عيسى » كلمة الله مع 
قومه بنى اسرائيل » وكيف أتاه المعجزات دلائل صدق نبوته » وكيف حاولوا قتله فرفعه 
الله إليه . وأولى آياته معجزه خلقه . قال تعالي: « إن قالت الملائكة يامريم إن الله 
يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى اين مريم وجيها فى الدنيا والآخرة ومن 
المقربين» )١9‏ . وآخر معجزاته رفعه إلى السماء دون قتال؛ تكريما له وإكمالا للرسالة 
المحمدية بالنزول إلى الأرض ثانية. قال تعالى : « ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين, 
إذ قال الله يا عيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين 
اتبعوك فوق الذين كفرو! إلى يوم القيامة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه 
تختلفون » 9) . ويسرد النص القرآنى قصة خلق « عيسى » عليه السلام؛ وكما خلق 
آدم وينى أدم من تراب . قال تعالى : « إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من 
تراب ثم قال له كن فيكون » ) . وتسرد النصوص القرآنية تؤازرها السنة النبوية . 
القصص العديدة للأنبياء مع أقوالهم .ولا يتسع المجال للسرد الأكثر ويكفينا القول : 
إن حكمة الله فى السرد القصصى ما هى إلا الدعوة لبنى البشر للإيمان , والاتعاظ . 


)١(.‏ سورة البقرة آية 04؟. 

(؟) سورة البقرة آية 151. 

(؟) سورة هود آية 47. 

(4) سورة القصص آية 74 - 55. 
(5) سورة القصص أية .1١‏ 

(7) سورة آل عمران آية ه4. 

(7) سورة آل عمران آية 4ه - ه8ه. 
(4) سورة آل عمران آية 58. 


يفنا 


رابعا - أسلوب الإدراك الحسى والمشاهدة : 

وهو أسلوب يستند إلى الإدراك » والحس , والمشاهدة للأمور المادية والحسيه . أو 
ضري الأمثال بها ؛ وذلك تقريبا للمعنى إلى الأذهان , وللمحسوس إلى المعقول . 
وينسب الفلاسفة المربون هذه الطريقة الى المربية الإيطالية « منتسورى » حيث 
استطاعت بهذه الطريقة علاج ضعاف العقول . وذلك بالاستشهاد بالأمور الحسية 
المشاهدة , وعيانا أمامهم تقريبا للمعنى إلى أذهانهم . ولعل أسلوب الإدراك الحسى 
يجد أساسه فى النصوص القرآنية والنبوية وانه إسلامى فى نشأته . فالنصوص 
القرآنية فى تقريبها للمعنى إلى الآذهان تستخدم هذا الأسلوب بالاستشهاد 
بالمحسوسات . وضرب الأمثال للأمور الحسية ؛ والمشاهدة . ومن هنا تتجلى فاعلية 
هذا الأسلوب فى تثبيت المعانى فى الأذهان» واستظهارها . ويصور النص القرآنى 
حالة المشرك بالذى قطع حيل النجاة بيده؛ ولم يعد هناك أحد ينصره من دون الله . 
قال تعالى : « من يشرك بالله فكائما خر من السماء فتخطفه الطير أى تهوى به الريح 
فى مكان سحيق » )١(‏ . إنه تشبيه فنى رائع لحالة الكافر المشرك ؛ وكأنه يخر من 
السماء وإلى مكان سحيق لا يجد ملجأ له من دون الله . وفى حالة تشبيهية أخرى , 
يصور النص القرآنى عظم الأجر للنفقة ومضاعقتها بأمر محسوس هو السنبلة التى 
يتضاعف ثمرها . قال تعالى : « مثل الذين يتفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة 
أنبت سبع سنايل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم »(9). 
ويصور النص القرآنى وهن الأساس الذى يقوم عليه الشرك ٠‏ بأوهن البيوت هى بين 
العنكيوت . قال تعالى : « مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت 
بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لى كانوا يعلمون » () . ويصور النص القرآنى 
متاع الحياة الدنيا القليل بالفناء . والاضمحلال ؛ وكالهشيم الذى تزوره الرياح . قال 
تعالى : « واضرب لهم مثل الحياه الدتيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات 
الأرض فأصبح هشيما تنوره الرياح » (؛) . وتجد النصوص القرآنية أسلوب الإدراك 
الحسى أيضا فى ضرب الأمثلة الحسية العديدة . وفى مقايلة الأمثلة المتضادة فيما 
بينها . قال تعالى : « أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زيدا 
رابيا ومما يوقدون عليه فى النار ابتغاء حلية أى متاع ربد مثله كذلك يضرب الله الحق 
والباطل فأما الزيد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض كذلك يضرب 
الله الأمثال » (©) . فالنص القرأنى يصور الباطل بالزيد الذى يحمله السيل لا قيمة له » 
)١(‏ سورة الحج آية 51. 
(؟) سورة البقرة آية 511. 
(1) سورة العنكبوت آية .4١‏ 
(5) سورة الكهف أية 14. 


(0) سورة الرعد آية /9ا١.‏ 


ليكن 


ولا فائدة منه . ويصور الحق بالماء الباقى فى الأرض تستفيد منه » ويستفيد الناس 
منه. ومن الأمثلة المحسوسة تضمنها النصوص القرآنية أسلويها الادراكى فى الحس, 
والمشاهدة الجنة ‏ والتار وكصور متضادة تصور احداها جزاء الخير » وتصور الأخرى 
جزاء الاثم . تمثل الصورة الأولى أحوال أهل الجنة » ونعيمها . قال تعالى : «وجوه 
يومئذ ناعمة » لسعيها راضية » فى جنة عالية , لا تسمع فيها لاغية » فيها عين جارية , 
فيها سرر مرفوعة » وأكواب موضوعة » ونمارق مصفوفة , وزرايى مبثوثه .)١(»‏ وتمثل 
الصورة الثانية أحوال أهل النار . وجحيمها . قال تعالى : « هل أتاك حديث الغاشية . 
وجوه يومئذ خاشعة , عاملة ناصية ؛ تصلى ناراً حامية , تسقى من عين أتية» ليس لهم 
طعام إلا من ضريع , لا يسمن ولا يغنى من جوع » (') . صورة أخرى يجسدها النص 
القرآنى بصرب الأمتلة الحسية , وتتعلق بالبعث » والتشور , وأحوال يوم القيامة . قال 
تعالى : « فاذا نفخ فى الصور نفخة واحدة , وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة, 
فيومئذ وقعت الواقعة , وانشقت السماء فهى يومئذ واهية » () . وقال تعالى : « إذا 
وقعت الواقعه , ليس لوقعتها كاذبة » خافضة رافعة , إذا رجت الأرض رجا , ويست 
الجبال بسا » فكانت هباء منيثا » (©2) . وقال تعالى : « القارعة , ماالقارعة . وما أدراك 
ما القارعة ؛ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث , وتكون الجبال كالعهن المنفوش » 8*) . 
وقال تعالى : « ونفخ فى الصور فإذا هم من الأجداث إلى ريهم ينسلون » () . 
وتستشهد النصوص القرآنية بالأمثلة الحسية الدنيوية فى محاجتها للتاس واإثبات 
القضايا الإيمانية . قال تعالى : « الذى جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم 
منه توقدون » 7) .وأيضا تجد النصوص النبوية أسلوب المشاهد الحسية فى كثير من 
الأحاديث . 

فقد روى الأمام احمد عن جابر قال : « كنا جلوسا عند النبى صلى الله عليه وسلم 
فخط خطا أمامه وقال : هذا سبيل الله . وخطين عن يمينه » وخطين عن شماله وقال : 
هذه سيل الشيطان . ثم وضع يده فى الخط الأوسط وتلا قوله تعالى : وأن هذا 
صراطى مستقيما فاتيعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم 
تتقون»(8). 
(؟) سورة الفاشية آية ١‏ - ا 
(؟) سورة الحاقة آية ؟١ .١1-‏ 
(4) سورة الواقعة آية ,5-1١‏ 
(0) سورة القارعة آية ١‏ - ه. 
(1) سورة يس آية ١ه.‏ 
)1١(‏ سورة يس أية .4٠‏ 


1/4 


وفى حديث آخر : سال الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يارسول الله 
هل نرى رينا يوم القيامة » ؟ أجاب :ه هل تضارون فى رؤية القمر ليلة اليدر ؟ قالوا 
لايارسول الله » . وقال : « هل تضارون فى رؤية الشمس ليس دونها سحاب » ؟ قالوا: 
لا يارسول الله . قال : « فانكم ترونه كذلك » () , 





)١(‏ جامع الاصول 


14 


احور الثانى 
قضايا إشكالية فى المنهجية 
١‏ - أزمة المنهج فى العلوم الإنسانية . 
؟ - نقد مناهج العلوم الإنسانية وخطوات صياغة مناهج إسلامية 
للعلوم الإنسانية . 
- العلوم الاجتماعية بين التنظير العلمى والتنظير الأيديولوجى . 
4 - منهج التعامل مع المصطلحات . 


ن - المنبهج العلمى والروح العلمية عند ابن حلدون . 


14١ 


أزمة المنهج فى العلوم الإنسانية 


تهدف العلوم جميعها إلى التوصل للمعرفة العلمية : وتحاول أن تستقى هذه 
المعرفة من الواقع ويمثل الواقع السياق الذى تقع فيه الوقائع الطبيعية والظواهر 
الاجتماعية والإنسانية , فالواقع موجود قبل أى تصورله أى إدراك فهو خارج أى 
معرفة ولا يمكن لأى معرفة أن تزعم أى تدعى أنها هى الواقع . 

وكى يصل العلماء إلى المعرفة العلمية » كل فى مجاله , لا بد من اصطناع مسار 
وهكذا يعتير المنهج جوهر العلم » ويدونه لا يمكن أن توجد أى معرفة , ويتعين ونحن فى 
هذا السباق أن نميز بين المنهج وأساليب البحث أو أدواته » فالأخيرة تتمثل من 
مجموعة من الإجراءات تتخذ من أجل تحقيق العمليات المتوافقة مع خطوات المنهج فهى 
إذاً أنوات يستعين بها المنهج » ضمن أشياء أخرى ليصل إلى المعرفة؛ وإذا كنا بصدد 
الحديث عن المنهج فى إطار العلوم الإنسانية فإننا كثيراً ما نصادف تسميات أخرى 
تطلق على نفس مجموعة العلوم » مثل "علوم الإنسان ' أى ' علوم اجتماعية " .وفى 
التسمية الأفضل لهذه المجموعة من العلوم التى تشمل كل من علم الاجتماع 
والانثرويولوجيا 0 وعلم الاقتصاد ٠‏ والعلوم السياسية والقاتون واللغويات ٠‏ ويعلم 
النفس » والتاريخ . وتفضيلنا لتسمية دون الأخرى لا يعنى أولويه للفرد على المجتمع ؛ 
وإنما نحن نفترض دائما أن الحديث يدور عن الفرد داخل إطار المجتمع الذى يمثل 
إطاره الطبيعى .واذا حدث أننا استخدمنا 5 علوم إنسانية " أى" علوم اجتماعية 1 
فإننا نستخدمها كمترادفات , وتسميتنا لهذه المجموعة بالعلوم يعنى أنها تهدف إلى 
الكشف , وإلى إجلاء ما غمض من حياة البشر الفردية والاجتماعية . ويشير لفظ " 
علم' إلى قابلية الظواهر الإنسانية للدراسة العلمية الجادة القائمة على الملاحظة 
والوصف والتحليل والفهم والتفسير , وإن كان التنبق والتحكم عسير المنال فى هذا 
المجال. 

وقد جاعت فلسفة العلوم الإنسانية ؛ أى فلسفة العلوم الاجتماعية (والتسميتان 
سواء) وليدة اهتمام نش لدى الفلاسفة للإجابة على أسئلة يثيرها الواقع الاجتماعى 


187 


والبحت العلمئ + والتئ لم جد إجابات غنافيه لها من حاكن العلماء اللتخصضية فى 
نلك العلوم . وموضوع هذا الفرع من القلسفة هى تلك العلوم » ومهمته هو التحلل 
النقدى لمتاهحها وافتراضاتها ومضبادراتها ومغطياتها : وناك بهدك إقامة س إن [مكن 
- نظرية تحاول أن تجيب على كافة التساؤلات التى يستدعيها الواقع الاجتماعى .فاذا 
كانت " قلسفة العلم ' هى القاعدة التى تقوم عليها العلوم الطبيعية , فلا أقل من أن 
تكون "فلسفة العلوم الإنسانية ' أى ” قلسفة العلوم الاجتماعية " هى القاعدة التى تقوم 
عليها العلوم الإنتسانية أى العلوم الاجتماعية )١(‏ . 


أزمة المبهج : 

إن الأزمة فى المنهج وليدة أزمة فى العلم ذاته . فبالنسبة للعلم الطبيعى , يقال أن 
وظيفته هى الفهم والتنفس والتنيق والتحكم , إلا أن العلوم الطبيعية ذاتها لم تستطع 
بواسطة منهجها التجريبى المعروف التوصل إلى تحقيق الدقة والأحكام التى تطمح 
إليهما . بدليل ظهور دعوات تطالب بعدم التقيد بمنهج واحد محدد للبحث » ويترك حرية 
الاختيار مفتوحة أمام الباحث العلمى ‏ فالطبيعة تكشف عن نفسها بواسطة مجموعة 
من المناهج وليست بواسطة منهج بعينه » ومن الخطأ أن نقيد أنفسنا مقدماً ') فإذا 
كانت العلوم الطبيعية تمر يبهذا المأزقء فكيف يكون الوضع بالنسية للعلوم الإنسانية ؟ 
وفى الواقع إن الأزمة تنشأ من الخلاف حول بعض القضايا , نذكر أهمها وهى طبيعية 
موضوع الدراسة ثم إختيار المنهج الملائم لدراسة كافة الظواهر الإنسانية : اجتماعية 
واقتصادية وسياسية ونفسية ... وتبدى المشكلة أكثر حدة فى المجال البحثى المحلى 
حيث لا زالت المناهج التقليدية سائدة ؛ أى حيث يغيب المنهج تماماً . 


للك موضوع الدراسة : 

تعددت الآراء إزاء موضوع الدراسة الإنسانى والاجتماعى . فالبعض رأى الظاهرة 
الاجتماعية فى بساطة الواقعة الطييعية »ومن ثم تخضع للدراسة العلمية الدقيقة , 
والبعض الآخر جاهر بتعقدها وصعوية إخضاعها للمنهج العلمى . وبين الطرقين ظهرت 
آراء متعددة . بعضها يعترف يصعوية مادة الدراسة مع إمكان دراستها دراسة علمية, 
والبعض الآخر وصل إلى درجة من التطرقف جعله يرفض النظر إليها على أنها علوماً 
على الإطلاق . بحجة غياب الاطراد والتجرية ونسبية قوانينها (") . ويمثل الفريق الأول 
-١‏ علا مصطفى أنور . التفسير فى العلوم الاجتماعية . دراسة فى فلسفة العلم القاهرة , دار الثقاقة للنشر والتوزيع ٠‏ 
خدذاء ص ل. 
*- مث 01 عم نلأن0 .لمطاء/1 أكمتقعث. .عقلع083:1م]1 2ه معط" أمتطتدهة .2 بلدعطورعيره:1 

.5 20015 أالع1 بباع3 :200123مآ1 

؟- انظر توفيق الطويل ' إشكالية العلوم الاجتماعية ' إنها ليست علوما فى إشكالية العلوم الاجتماعية فى الوطن العريى . 
المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية , .١54816‏ ص 6-117" 





غ18 


الموقف الطبيعى الذى رأى أن الاختلاف الظاهرى من معطيات العلوم الإنسانية والعلوم 
الطبيعية قد نش من الفشل فى الاعتراف يأن المعطيات المباشرة فى كل العلوم ما هى 
سوى استجابات إنسانية لشئ أثار تلك الاستجابات فالمعلومات فى عالمنا تعرف عن 
طريق الاستجايات الإنسانية ومنها نستخلص وجود أى ظاهرة وخصائصها . فالعادة 
أى الفكرة أى المعتقدة كمعطيات ؛ حقيقية وملموسة وملاحظة وقايلة للقياس » أى تخضع 
للدراسة العلمية مثل قطعة الحجر أو المنضدة أو الحيوان )١(‏ . معنى ذلك أن تصنيف 
الموضوع إلى " طبيعى " أو " مادى " أو ' حضارى ' أو ' اجتماعى ' أو " إنسانى " لا 
غبار عليه بشرط ألا يترتب عليه افتراض أن هذه التصنيفات تؤثر على الطريقة التى 
نتعرف بها على الظاهرة موضع اليحث والدراسة . 
ويرى هذا الفريق أن الفارق الأساسى بين مجموعتى العلوم يكمن قى عدد العوامل 
التى لايد من أخذها فى الاعتبار أثناء عمليات التفسير والتتبئ بالنسية للأحداث 
الطبيعية والاجتماعية , إلا أن هذا الاختلاف ؛ فى رأيهم ‏ ليس إلا اختلاف فى الدرجة. 
وكما أن الظواهر فى العالم الطبيعى ليست متجانسة كما يظن الكثيرون . فإن الظواهر 
فى العالم الإنسانى ليست متعايرة بالصورة التى يخشى كثيرون أن تكون عليها 0 
وقد رفض هؤلاء التمييز بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية على أساس أن الأولى 
علوم دقيقة 8:0 والثانية علوم غير دقيقة فالفارق بين النوعين هو فرق فى الدرجة 
وليس من حيث المبدأ » فالدقة لا تنطبق على كل العلوم الطبيعية ؛ ولكن على بعض 
مجالات الفيزياء فقط فمثلاً الهندسة المعمارية والطب يعتبرا “علمين"' إلا أنهما غير 
دقيقين وذلك لاعتمادهما على عمليات استنتاجية غير منهجية . بينما نجد أن علوماً مثل 
الاقتصاد وعلم النفس يعطيان استنتاجات دقيقة » وفى نفس الوقت لديهما اعتماد على 
أحكام حدسية. وهذا يدل على عدم وجود حد فاصل بين العلوم الدقيقة وغير الدقيقة . 
كما أن عدم الدقة ليست صفة قاصرة على العلوم الاجتماعية وحدها . 
وينتمى هذا الفريق الذى عرضنا رأيه قى موضوع الدراسة الإنسانية والاجتماعى 
إلى المدرسة الوضعية 205105152 كما تبلورت على يد كونت عأوصدمن) عأكدو نظ 
ودوركايم ماعنا ء1نصسظ . وكما تطورت لدى الوضعيات المحدثه 
7160-1103 والمدرسة السلوكية 86539101550 . وقد قام موققهم الفلسفى فى 
مجمله على رفض قيام أى نظرية أى فلسفة , والبعد عن أى اتجاه تأملى » وذلك لصالح 
الدقة والوضوح , وتفضيل المسائل القابلة للحل علمياً » والمفيدة عملياً. 
18-1 تروهامء50 07 كدمتاء تامصم1 كزعط) لهة ععمعءك5 2ه 5غ 2 [سأمهط عطارفة) ,ممع طلدسآ 
ص1 .71332050270 .1/1 لاط للع جع2220 لل .5ععوة أعف لوتعه5 عط ذه نزطمه5ه11ثام 
.2--33-72.مم 1963 رعء5نا110 


؟- لم50 عطا آه برطممدوهلتطام مز 7بمتمعكهآ المع مععدءكء5 لد50 عط ععف .1 .ملااطاعدل8 
.0.158-180م أت.م0.قعء لزع ك5 


مما 


أما أصحاب الاتجاه المقابل وهو الاتجاه اللاطبيعى أو اللاوضعى -ناهث 
16 0 230581158 ء فيقولون يتميز الظاهرة الإنسانية من الواقعة الطبيعية , 
ويؤكدون على وجود فارق واضح بين وحدة المجتمع ووحدة الطبيعة . فوحدة الطبيعة 
تنبع من ملاحظة شخص ء بينما وحدة المجتمع لا تحتاج إلى ملاحظة , إذ أنها شئ 
مدرك بواسطة عناصره ؛ قهذه العناصر نفسها وحدات مركبة واعيه (') . وأبرز ما 
يميز الظاهرة الإنسانية هو تعقدها بسبب قلة تكرارها ٠‏ إلى درجة أنها قد تحدث مرة 
واحدة فقط , فى بعض الأحيان . هذا علاوة على تفيرها ‏ فإذا كنا نستطيع قى مجال 
العلم الطبيعى أن ننظر إلى أن كل وحدة نتطابق مع الأخرى » فإن هذا لا يتحقق فى 
المجال الاجتماعى سوى فى حدود ضديقة للغاية . ومثل الإحصاء السكانى ( المواليد 
والوفيات مثلاً ) . 

وإذا كان من السهل عزل عامل واحد فى مجال العلم الطبيعى وإجراء الدراسة عليه 
فإن هذا شيه مستحيل فى المجال الإنسانى حيث يتميز الواقع بتشابك مواقفه 
وإستحالة تغيير عامل واحد دون التأثير على بقية العوامل المتداخلة معه . 

ولما كانت الدراسة فى المجال الإنسانى تتخذ كموضوع لها الفرد والمجتمع » فيرى 
هذا الفريق أن هذين القطبين لا يتمثلان فى مجرد سلوك يخضع للدراسة بطريقة آليه , 
وإنما توجد علاقة ديالكتيكيه بينهما. فالداخل والخارج بين الفرد والمجتمع ليسا بشيئين 
منفصلين , وإنما هما يحددان معاً الموقف المتسق للإنسان باعتباره حيواناً اجتماعياً . 
ووجود الفرد إذا ما حللنا محتوياته ليس مجرد جزء اجتماعى وجزء فردى » ولكنه 
منتمى إلى الفئه الأساسية والحاسمه والثابتة للوحدة التى نستطيع أن نقول عنها أتها 
تركت أو تعاقب لخاصيتين متعارضتين منطقياً للإنسان : الخاصية الخاصة بوظيفته 
كعضو فى المجتمع ونتاج ومحتوى له ٠‏ والخاصية المقابله التى تقوم على وظائفه ككائن 
مستقل , والتى تتوجه إلى حياته من خلاله هو ومن أجله هو . 

أن المجتمع لا يتكون من مجرد أفراد غير مجتمعين » ولكن من كائنات تشعر , 
من جهة ؛ أنها موجودات فردية كاملة ...ان الصفات القفطريه والعلاقات 
الشخصية والخبرات الحاسمة تجعل لكل شخص فرديه وعدم تكرار » سواء فى تقدير 
الشخص لنفسه أ فى تفاعله مع الآخرين9) . إن فهم الآخر إذاً وهو يمثل هنا موضوع 
الدراسة لا يمكن أن يصل ؛ فى رأى هذا الفريق , إلى الدقة الموجودة فى علوم مثل 
الفيزياء أى الكمياء » لتميز تلك العلوم ببساطة موضوع الدراسة . 
١2[1-1ق53‏ عط 01 لإأممدم1لطم سز2ع51زو5ومم لإأعزء50 01 ععمعاء5 2 ؤز 8م10 ,.0,[عسسناك 

.م0 , قع670[ع5 


110, 0.8567 5 


141 


9 المنهج 

يواجه من يتصدى لدراسة منهج العلوم الإنسانية بعدم اتفاق العلماء وقلاسفة العلم 
فيمأ بينهم بشأنه . وقد ظهر هذا الخلاف واضحاً منذ النشأة الحديثة للعلوم الإنسانية 
أى الاجتماعية » فى القرن التاسع عشر -علما بأن إرهاصات علم الاجتماع قد ظهرت 
على يد ابن خلدون المتوفى عام 107١م‏ فى ' مقدمة ' وأطلق عليها " علم العمران 
والاجتماع البشرى" . 

فنجد من جهة من ينادى بوحدة المنهج بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية . فيرى 
أصحاب هذا الاتجاه أن العلوم الطبيعية قد وصلت إلى درجة كبيرة من التقدم مما 
يجعل مناهجها تقدم مثالاً جديراً بالاحتذاء والتطبيق فى المجال الإنسانى . فالإنسان , 
فى رأيهم ليس إلا جزءاً من العالم الطبيعى , » ويفسر فى نطاق التفسير العام للنظام 
الطبيعى . ومادة العلاقات الإنسانية , إذا أريد لها أن تكون علماً فلا مندوحه لها عن 
السير فى نفس الطريق المنطقى الذى تسير فيه بقية العلوم الطبيعية . وليس فى مادة 
العلاقات الإنسانية ما يتناقى مع استيفاء الشروط المنطقية الضرورية لكل بحث علمى , 
فالفرق بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية الأخرى هو فرق فى تعقد التفصيلات 
وكثرتها ؛ مما يجعل مواقفها أعسر تناولاً من المواقف الطبيعية الأخرى ؛ ولكن ذلك 
يحعل تطبيق المنهج العلمى على العلوم الإنسانية أكثر صعوبة ولا يجعله من الناحية 
المنطقية مستحيلاً ) , 

لقد أصر أصحاب هذا الاتجاه على ضرورة تطبيق مناهج البحث المستخدمة فى 
العلوم الإنسانية ويقدر تطبيق تلك المناهج بقدر ما تعتبر العلوم الإنسانية واقعة فى 
مجال العلوم الطبيعية , وبالتالى 5 تعتبر علوماً مستقلة . وقد اعتبروا أى تقاعس فى هذا 
الاتجاه مسئولاً عن البطء فى تقدم تلك العلوم فى مواجهة تقدم العلوم الطبيعية ٠‏ وقد 
مثل هذا التقدم تحدياً ؛ يتعين عليهم مواجهته الوصول بعلومهم إلى مستوى يقارب 

مستوى العلوم المتقدمه. واتساقاً مع اتجاههم هذا , فهم يقولون بإمكانية وجود قوانين 

عامة فى العلوم الإنسانية . فيرى فيلسوف العلم ' جرانبوم ' أن السلوك الانسانى 
-الفردى والاجتماعى- إذا لم يعرض لتتابعات عله ومعلول » أو سبب ونتيجه فإنه يعنى 
أن المنهج العلمى غير صالح لكشف طبيعة الإنسان ٠‏ وان يستطيع علم النفس أو العلوم 
الاجتماعية الوصول إلى مكانة العلوم ورداً على القول بأن كل إنسان فريد ولا يشبه 
أى فرد آخر وبالتالى فإن سلوكه لا يخضع للوصف السببى ولا يمكن التنبؤ به . رداً 
على هذا يرى ' جرانبوم' إن كل جزئية فى العالم ولا شك فريدة . سواء كانت شيئاً 


0000 


1١م‎ 


مادياً أى حدثاً أى كائناً يشرياً » وتفرد الأحداث المادية لا يمنع من إتصالها بالقوانين 
السبييه لأن القوانين السيبيه المهجودة الآن ترتبيط يعض مظاهر مجموعة من الأحداث 
بمجموعة أخرى..وما دامت العلاقة بين السبب والنتيجة فى علاقة بين أنوا ع من 
الأحداث » فإته ليس من الضرورى أن تكون كل خصائص سبب ما مكررة يالكامل 
كى تعطى نفس النتيجة . ويترتب على ذلك أنه حين يتعارض مع وجود اختلافات 
متعددة بين البشو ٠‏ ولا يقثر على تفرد وكرامة كل قرد !ا . 

ولهذا الفريق موقفه الواضح من القيم التى قد ترتبط بالباحث وتؤثر على موضوع 
تكله . فعلى الوضم من اعترافهم بأن الأحكام القيمية قد عب دوراً فى الختيار 
المشكلات وطرق تناولها , إلا أنهم يرون أنها لا يدخل كجزء من العلم نقسه ؛ فهى مثل 
اعتبارات النفع والاحتمال التى تدخل فى التخطيط العقلى للموضوع العلمى . ويهذا 
المعنى قهى تسعى وراء النشاط العلمى وليست محتوى معرفياً له 9) وإذا كان العلماء 
الاجتماعيون يدخلون قيمهم فى تحليل الظواهر الإنسانية » فإن دارسى العلوم الطبيعية 
فنا قد احتاجوا قروناً كى ينموا عادات وأساليب للبحث تمنع دخول عوامل شخصيه 
غير مرتبطة بالموضوع , وإن كان الوضع أكثر تعقيداً فى دراسة الشئون الإنسانية . 
إلا أن فيلسوف العلم ناجل يرى الحل فى إقامة تفرقة بين أحكام الواقعية والأحكام 
القيمية . فتوجد خطوات تساعد على التعرق على التحيزات القيمية فإذاٍ تمت يمكن أن 
تحاول مقدر الإمكان التقليل من تأثيرها , إن لم نستطع استيعادها نهاكيا © 

أما الرافضون لفكرة الوحدة المنهجية بين علوم طبيغية وظوم إنشاتية فقد ساروا 
على التفرقة التى وضعها ' دلثانى ' ومن قيله كو ٠ى‏ فندلياتد ' بين علوم 
أيديوجرافية عنطم10108:3 فردية وعلوم نوموطيقية عتاءط710:201 عامه » رافضين النظر 
إلى العلوم الطبيعية كمثل أعلى للقهم العقلى للواقع . فهم يؤكدون على وجود تعارض 
بين علوم » مثل الفيزياء أى الكمياء أى الفسيولوجيا » تهدف إلى تعميمات عن ظواهر 
متكررة ومطردة ويمكن التنيؤ بها ويين علوم مثل التاريخ تريد إدراك الخصائص 
الفردية لوضوعاتها , 

إن العلوم تختلف لأن الوضع فى ميادينها مختلف , وما نتناوله بالدراسة باعتباره 
مجالاً للفيزياء قد يكون مجموعة من الظواهر . حيث عدد المتغيرات المرتبطة ذات المعنى 


-١‏ عط ما كعم 1ل2ع12 مل عناه أ تقطعء8 سمممسسط 2ه سععمعءك5 ع8 لمة 'زاالةوندت ,سنو مم6 
لاتنااطع© ومتاءاصجة.لآ.71 ,عاءعء 34.8700 لصة أوتء1.5 نزط . لع عمعلءة 2ه بإطممومااطم 
10160 767,0.م,760-778 مم ,1956 .ع15 00115 

علا مصطقى أثور ؛ مرجع سايق ص 15 : 
35 8 ميم . أأع.مه بععدعاعة 0 زطامدمائطم عط هأ رعدألدع 1. للاراواء18 
أل ,0 القصة[م)<8 عقاتادعزعع أو عنومآ عطا صة مدع [م؟م ,ععمعك5 01 عرناعنا5 عط راععدلط 
. 488.م.1968,.عم[ 1770210 لسة ععورظ رأامع 3ط ل.ل 


4لا 


صغير ؛ بحيث يسمع لنا يدراستها كأنها تكون نسقاً مغلقاً ؛ نستطيع أن نلاحظه 
ونتحكم فى كل العوامل المحددة ونميز بينه و بين العوامل الأخرى التى تقع خارجه . 
ويكون من التناقض أن نفرض طرقا لم تقم إلا عن طريق شروط فى مجالها )١(‏ . فهذا 
ما يحدث عندما ننقل منهج العلوم الطبيعية إلى العلوم الإنسانية . وبينما تتعامل العلوم 
الطبيعية مع علاقات ثابتة وموضوعات مادية قابلة للقياس وتخضع للتجارب ؛ فإن 
العلوم الإنسانية تفقد التجارب والقياس وتتعامل مع موضوعات معنويه ونفسيه تند عن 
الات . 

من الخطأ إذاً » فى رأى أصحاب هذا الاتجاه ؛ تطبيق المناهج التى ثبت نجاحها 
فى العلوم الطبيعية فى العلوم الإنسانية , لأن هذا سوف يؤدى إلى خلط كبير ؛ بل وهى 
السبب فى تخلف العلوم الإنسانية . فالوحدة المنهجية فى رأيهم مرفوضة لأنها تقوم 
على افتراض غير مؤكد ؛ فحواه أن الطرق المستخدمة من قبل العلماء الطبيعيين هى 
وحدها المتصفة بالعلميه . 

وإذا كان المنهج الملائم للعلوم الطبيعية يستند إلى التفسير , فإن المنهج الملائم 
للعلوم الإنسانيه لا بد أن يقوم على الفهم . فبينما يهدف التفسير إلى إيجاد علاقة من 
الخارج بين شيئين فإن " فهم ' الظواهر الإنسانية يهدف إلى الحصول على ' معنى " 
من الداخل ؛ فلا يكقى التوصل إلى قانون عام ؛ ولكن يجب على الباحث أن يضع 
نفسه.؛ بشكل ما , فى موضع الأفراد الذين يقوم بدراستهم » ويفهمهم عن طريق 
التواصل . ويقول ناتانسون فى هذا الصدد : ' إن الواقع الاجتماعى مكون من معان 
يضفيها القائمون بالأفعال على أفعالهم ومواقفهم » فوعى الفاعل أى ذاتيته هى الدعامة 
التى يقوم عليها الفعل الاجتماعى . والموضوع الرئيسى فى فلسفة العلوم الاجتماعية 
هو إلقاء الضوء على النظرة الذاتيه » وإعادة بناء خصائصها الرئيسية ‏ إذ أنها 
تؤسس وتبنى العالم الاجتماعى ('). 

ويرفض المتبنون لهذا الموقف إمكانية التوصل إلى قوانين فى المجال الإنسانى فإذا 
كانت القوانين الفيزيائية صالحة فى كل زمان ومكان » فمرجع ذلك إلى أن العالم 
الطبيعى يحكمه نسق من الاطرادات لا تتغير عبر المكان والزمان ٠‏ فالتعميم يعتمد على 
اطراد الطبيعة . بينما إذا تم صياغة قوانين إنسانية فسوف تختلف باختلاف الزمان 
والمكان ذلك أن المجتمع يخلى من الاطراد » وإذا وجدت اطرادات اجتماعية فإنها 
ستختلف من مرحلة تاريخية إلى أخرى ذلك أنها من صنع الإنسان . والإنسان قادر , 


01-1١‏ لإطمهدوهلتطم عط زه اتناو اوتاك8 لترمه 2 مقامدظ 02 وعمروء2 ع15 ره 1اراءاة11 
.209-225.مم ,1955 أقناع نلق ,1/1 ,[70ارعء مع 501 
ا ..أأعرمه0 رك عق مععموءك5 لو50 عط ذه 'زطمهده11طم (0ع).4[ردمدمة غدل 


1468 


بسبي تمتعه بالحرية » على تغييرها . حقاً قد توجد أوجه للتشايه بين عادات وتقاليد 
البشر , وقد يتشايهون قى الشكل والسمات النفسية » وفى التعبير اللفوى أو الأدبى 
والفنى , إلا أن وجود هذه التشابهات وحده غير كاف لإمكانية إقامة قوانين فى مجال 
الشئون الإنسانية . 

وكما أنكر الرافضون لفكرة الوحدة المنهجية بين العلوم وجود قوانين عامة تحكم 
النشاط الإنسانى » فقد رقضوا أيضاً أى استبعاد للقيم والأحكام القيمية من هذا 
المجال فالمجال الإنسانى متصل بعالم القيم والمصالح والغايات والأمانى . فالعالم 
الطبيعى يبحث موضوعات محايدة » والنتائج التى ينتهى إليها فى أبحاثه يتساوى 
تأثيرنا فيها . وليست لدى الإنسان مصلحة خاصة فى تغليب نظرية فى العلم الطبيعى 
على الأخرى . أما فى حالة العلوم الإنسانية فإن الموضوعات التى تتناولها ذات 
حساسية خاصة ء والنتائج التى تتوصل إليها تؤثر تأثيراً بالغاً فى قيمنا وغاياتنا 
وتمس مصالحنا وإهتماماتنا وتثير خلافاتنا وحساسيتنا . وحين تقترب من المجال 
الإنسانى فإن العلم لابد أن يتدخل مع المصالح ومع القيم ‏ ويصبح الحياد والموضوعية 
التامة أمراً عظيم الصعوية (). 
محاولات تحاوز الأزمنة : 

وفى الواقع أن هناك بعض المدارس التى حاولت تقديم الحلول للأزمة القائمة فى 
العلوم الإنسانية نذكر منها الاتجاه البنيوى والاتجاه الفنومنولوجى . 
1- الاتحاه البنيوى + 

لقد مثل هذا الاتجاه محاولة أصيلة لحل مشكلة العلوم الإنسانية بشكل عام 
والصراع بين الاتجاهات المثالية والوضعيه بشكل خاص . فيهدف المنهج البنيوى إلى 
إعطاء الإنسان إستيصار جديد بذاته ووعى جديد بالمجتمع الذى يشكل الإنسان جزءاً 
منه » ويتضمن دراسة كافة الظواهر الإنسانية مهما كان شكلها , فيهتم بالإضافة إلى 
المواقف الاجتماعية الخالصة الموجودة فى الانثرويولوجيا وعلم الاجتماع وعلم السياسة 
وعلم النفس وعلم الاقتصاد , يهتم بالإنسانيات كالأدب واللفويات , وذلك بالإضافة إلى 
الفن وترجع إمكانية هذا إلى أن كل صور النشاط الاجتماعى ؛ سواء كانت الملايس 
التى ترتدى , أم الكتب التى تدون أم أنساق القرابة والزواج التى تمارس فى أى 
مجتمع ٠‏ تكون ما يسمى باللغات بالامعنى الشكلى ؛ وبالتالى يمكن رد اطرادات هذه 
الصور إلى نفس مجموعة القواعد المجردة التى تحدد وتحكم ما يسمى فى العادة باسم 
اللفة , ذلك أن المجتمع يتكون من أنساق شبيهة بالأنساق الموجودة فى اللغة . 
-١‏ قؤاد زكريا ٠‏ دور الدراسات الاتساتية قى عصر العام والتكنولوجيا . الطبيعة . السنة العاشرة ٠‏ ابريل 1514 . 
صلالم ١‏ 


15. 


وتشومسكى؛ ثم انتشر بعد ذلك فى كافة العلوم الإنسانية : فى علم الاجتماع 
والانثرويولوجيا مع كلود ليفى ستروس » وفى علم السياسة مع التوسير » وفى علم 
النفس مع جان بياجيه وجاك لاكان , وفى الثقافة وتاريخ العلوم مع ميشيل فوكوه , 
وفى الأدب مع رولان يارت : 

وأبسط تعريف للبنية هى أن يقال " أنها نظام - أى نسق - من المعقوليه' فليست 
الينية هى صورة الشئ أوق هدكله أو وحدته الماديه أى التعميم الكلى الذى يريط أجزاءه 
فحسب . وإنما أيضا ' القانون ' الذى يفسر تكوين الشئ ومعقوليته . ويعبارة أخرى 
يمكننا أن نقول أن البنيويين حينما ييحثون عن بنية هذا الشئ أى ذاك : فإنهم لا 
يتوقفون عند المعنى التجريبى الذى يضعه الواقع بين أيدينا - على نحو مباشر - وكأن 
كل ما يهمهم هى الوصول إلى إدراك العلاقات المادية الظاهرية التى تحقق الترابط بين 
يزوننا بتفتبنين للعمليات الجارية فى قطاق مجموعة يعيتها (0:: 

وقد قدم عالم النفس المشهور دياجيه أحد التعريقات الهامة للبنية . فيذكر أنها تعتبر 
نسقاً من التحولات يحوى قوانين ( فى مقابل خصائص النسق ) ويحافظ النسق على 
ذاته ويثريها عن طريق الدون الذى تقوم به التحولات وذلك دون أن تخرج هذه 
التحولات عن حدودها أو تستدعى أى عناصر خارجية . وياختصار تتصف البنية 
بخصائص هى الكلية أى الجملة10111]6' , والتحول 153551050208 والضبط الذاتى 
عوقاع6-مانتة 99 , 

وقد اهتم ليفى ستروس » عالم الانثروبولوجيا المعروف , بنظرية المعرفة ومنهج 
العلم, وحاول تعريف الثقافة بالرجوع إلى مكونات العقل الإنسانى . لقد أراد التوصل 
إلى وعى جديد بالمجتمع عن طريق التحليل البنيوى . ويقوم هذا التحليل على رد كافة 
العناصر الثقافية إلى عناصر بنيوية ٠‏ ومن هنا أمكن تعريف علاقات التقايل والارتباط 
والتعديل والتحويل بين العناصر . ومن ثم استطاع ليقى ستروس أن يتوصل إلى 
تفسير التماثلات بِسن الأنظمة داخل مجتمع واحد أى بين مجتمعات متعددة . وقد 
استعان من أجل تسجيل الاتفاق والاختلاف بالأشكال النسقية أى بالنماذجء التى 

ويهتم التحليل البنيوى بالبنيات المتزامنة فى مقابل البنيات المتعاقبة . ويركز اهتمامه 
على العلاقات الموجودة فى لحظة معينة من الزمان وليس عبر الزمان . وتعتبر البنية 
-١١‏ زكريا إبراهيم . مشكلة البنية . أى أضواء على البنيويه , القاهرة سكتية مصر 15171١‏ ص ؟؟ . 
-.10.1*.,1968.آى وسح" . عتتتكتلةتناأء تناد ع[ مقع ر أعع213 
انظر أيضا جان بياجيه : البنيوية. ترجمة عارف قيمنه ويشير اويرى بيروت منشورات عويدات 111/١١‏ . 


15١ 


المتزامتة محددة بواسطة العلاقات البنيوية الممجودة حالياً وليس بواسطة أى عملية 
تاريخية . وكنتيجة لهذا الاهتمام يعتير الاتجاه البنيوى معارضا للسببية أو العليه فإن 
لغة التحليل البنيوى فى شكلها الخالص لا تستعين بمفاهيم السبب والنتيجة أو العلة 
والمعلول , فهى ترفض هذا التصور للعالم . مفضلة عليه " قوانين التحولات" . وتعنى 
هزه القوانين الاطرادات المشابهة للقوانين , والتى لا يمكن ملاحظتها أى اشتقاقها من 
الملاحظة وعن طريقها يتحول الشكل الينيوى إلى شكل أخر . 

وقد ميز ليفى ستروس بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنساتية . ووجد أن هناك 
اختلافات بيئها . أولاً : العلوم الطبيعية تهتم , على عكس العلوم الإنسانية , 
بموضوعات لا يهتم بها غالبية أفراد المجتمع , لذا يتابع العلماء الطبيعيون بحوثهم فى 
عزلة وانحصر اهتمامهم فى أشياء ظنوا أنهم يستطيعون تفسيرها ٠‏ وذلك بدلا" من 
تفسير أشياء تهم الآخرين. ثانياً : رأى ليفى ستروس أن كل بحث علمى يصادر منذ 
البداية بتنائيه بين الملاحظ وموضوعه , فيلعب الإنسان فى مجال العلوم الطبيعية دور 
الملاحظ والعلم هى موضوعه . فإذا كانت العلوم الإنسانية علوماً بحق فلا بد من أن 
تحافظ على هذه الثنائية وعليها أم تحركها حتى تصل بها إلى داخل الإنسان ويرى 
ليفى ستروس أن الصعوية فى العلوم الإنسانية تأتى من أن مخطف الأنساق لا تقع 
على نقس المستوى من الناحية المنطقية ؛ فى تلك العلوم . كما أن المستويات التى 
ترتبط بها متعددة ومعقدة وكثيراً ما تكون تعريفاتها غير دقيقة . 

وأخيراً فقد حاولت البنيوية التوصل إلى معرفة بالعلاقات بين العناصر المكونة 
للموقف , ولم تكتف بالسطح الظاهر أو الشئ الملاحظ فحسب ؛ بل حاولت التوصل إلى 
النماذج أو البنيات العميقة , كما أرادت التوصل إلى مستوى العلوم الطبيعية دون 
احتذاء نموذجها حيث أرادت الاحتفاظ بنوعية الظاهرة الإنسانية مع تحقيق الصيغة 
العلمية الموضوعيه . ويعد هذا كله تطوراً بالنسبة للاتجاهات السابقة عليها . إلا أنه 
يؤخذ على البنيوية أنها أهملت عنصر التاريخ وتأثيره على الموقف , كما استبعدت 
الأسباب أو العلل التى تساعد على التوصل إلى التفسير , وأغفلت الجانب التاريخى 
الظواهر الاجتماعية ذاتها , مما جعلها لا تحسم ما هو متعلق بالجانب التطورى لتلك 
الظواهر . 

وإذا كان البعض يرى أن البنية هى نموذج وصفى يفيد فى وصف الواقع بشكل 
شامل » إلا أن الواضح أن ليقى ستروس اعتبر البنية نموذجاً نظرياً مجرداً يستخدم 
لتأويل وتفسير الوقائع » ويؤسسه الباحث من خلال التفكير المنطقى مع ملاحظة الواقع 
ولكن تبقى البنية أو النموذج الذى حاول البنيويون من خلاله حل كافة الخلافات : 
والصراعات تصوراً ذهنياً يعيداً عن الواقع . والتساؤل المطروح هى : كيف تكون البنية 


دحل 


ستروس بأنه يظل باستمرار متطابقاً مع نفسه , مساوياً لذاته؟ 


؟' الاتجاه الفنومنولوجى 6 

إذا كان البعض رأى أن حل أزمة المنهج لا يتسنى سوى بالتميز بين ما هى علمى 
وغير علمى » عن طريق صياغة قضايا العلوم الإنسانية على نحى يجعل الحكم عليها 
غير قائم على مقاييس الفلسفة أو الأيديواوجيا أو القيم () , فإن الفنومنولوجيا على 
العكس رأت أن حل الأزمة يكمن فى الربط بشكل خاص بين الفلسفة والعلوم الإنسانية 
لا الفصل بينهما فيريد هوسرل 170556:1 مثلا التوصل إلى منهج يتبح فى أن واحد 
التفكير فى الخارج وهى ميدأ علوم الإنسان والتفكير فى الداخل وهو شرط الفلسفة ("), 
ومنذ نشأة الفنومنولوجيا مع هوسرل ؛ بدت كمحاولة لحل المشكلة التى أثارتها أزمة 
الفلسفة وأزمة العلوم الإنسانية بل وأزمة العلم يشكل عام ٠‏ وقد أرجع هوسرل الأزمة 
فى العلوم الإنسانية ‏ إلى نوع من التطور طرأ على البحوث النقسية والاجتماعية 
والتاريخية جعلها تقدم كل فكر أو رأى محدد بواسطة فعل مشترك بين كل من علم 
النفس وعلم الاجتماع والتاريخ . فكانت النتيجة صيل علم النفس إلى التطرف فى 
العلمية وكذلك الأمر بالنسبة لعلم الاجتماع والتاريخ فإذا كانت الأفكار والمبادئ 
المهجهة الفكر ليست إلا نتيجة للأسباب الخارجية التى تؤثر عليها ؛ فإن الأسباب التى 
تجعلنى أؤكد شيئًا ما ليست فى الواقع هى الأسباب الحقيقية لتأكيدى. والفلسفة أيضا 
سوف تفقد كل مبرر لوجودها , فكيف لها أن تقول بأنها تتمسك بالحقائق الأزلية بينما 
مختلف الفلسفات ليست إلا تعبيرات عن الأسباب الخارجية عند وضعها داخل الأطر 
النفسية والاجتماعية والتاريخية ؟ ولكى تعبر الفلسفة عن الفلسفة , ولكى تميز بين 
الصواب والخطأ , فلايد أن تعبر معطياتها عن احتكاك مباشر وداخلى للعقل مع العقلء 
ولا تكون تعبيراً عن بعض الشروط الطبيعية أى التاريخية الخارجية . لقد شعر هوسرل 
بأن المشكلة تكمن فى جعل الفلسفة وعلوم الإنسان والعلوم عامة ممكنة من جديد » 
وإعادة التفكير في أسسها وفى أسس العقلانيه (7), 

وفى الواقع أن الفلسفة الغربية قدمت نوعاً من الحل لأزمة المنهج » جدير بالعرض 
والتحليل ؛ لعله يساعدنا فى اجتياز عقبات المنهج التى ما زالت مثارة حتى اليوم 
وسوف نتبنى هنا النظرة التى قدمتها *' الفنومنولوجيا الوجودية كما تبلورت لدى 
-١‏ أنظر صلاح قنصوه . الموضوعية فى العلوم الإنسانية . عرض نقدى لمناهج البحث , القاهرة ؛ دار الثقافة للطباعة 
والنشرء و٠54١‏ ص؛ .5١‏ 
؟- عل عقامعه نقعقم زعزعه[ممةدممعطم ذا عسسصمط ”1 عل كععمعك5 دعا ,ا ,لزأومم-بقعرعل1 


4 مرمع؟ ةلقرع ا لمنآ مم لأقارعلرنء120 
3 1101 


155 


قيلسوف فرنسى هو موريس ميرلى يونتى (1404- )191١‏ . وقد يساعدنا هذا , فى 
مرحلة لاحقة ؛ على تبنى موقف خاص بنا ٠‏ باعتبارنا نعيش حقبة زمنية معينة » ونملك 
ترائاً خاصاً بنا مستمداً من ديننا ولغتنا وعاداتنا وتقاليدنا . وسوف نقصر الحديث فى 
هذا السياق على ثلاثة موضوعات ؛ قتومنولوجيا الإدراك الحسيى » دور الفلسفة فى 
إثراء منهج العلوم الإنسانية , الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع. 


(أ) فتومنولوجيا الإدراك الحسى: 

لقد قامت الفنومنولوجيا ( فلسفة الظواهر أو الظاهريات كما يقال أحياناً على منهج 
وصفى ؛ يتأسس على الرجوع إلى الأشياء ذاتها » وهو ما يمثل فى البداية إنكار للعلم. 
إلا أن هوسرل كان معنياً بوضع أسس المعرفة الإنسانية . وقد مثل هذا الخلفية التى 
أعجب بها ميرلويونتى وينى عليها تصوره للعلم والفلسفة .لقد رأى ميرلويونتى أن 
الإنسان ليس نتيجة أو إلتقاء أسباب مختلفة تحدد جسمه أو" كيانه النفسى " » إذ أنى 
لا أستطيع أن أفكر فى ذاتى كجزء من العالم ؛ أى كموضوع مبسط لعلم البيولوجيا أو 
علم النفس أو علم الاجتماع ؛ كما لا أستطيع أن أغلق على ذاتى عالم العلم . فإن كان 
ما أعلمه عن العالم - حتى من خلال العلم - أعرقة ابتداء من وجهة نظر خاصة بى , 
أى من خبرة بالعالم بدونها لا تفصح رموز العلم عن أى شئ . دابة فى دقة ؛ ونقدر 
بدقة معتاه ومداه ٠‏ فلا بد من أن توقظ منذ البداية تلك الخبرة بالعالم التى تعتبر 
تعبيراً ثانياً له ... والرجوع الى الأشياء ذاتها ما هى إلا عودة إلى هذا العالم الموجود 
قبل المعرفة , والذى تتحدث عنه المعرفة دائماً . وفى مواجهته , يعتبر كل تحديد علمى 
مجرداً وتابعاً . مثل الجغرافيا فى مواجهة المنظر الطبيعى )١(‏ . 

إن محاولة الذهاب إلى "الأشياء ذاتها "وإعطاء تقرير علمى لها تعنى بالنسبة لميرلى 
بونتى نوعاً من الاحتجاج ضد العلم ٠‏ إذا نظرنا إلى العلم على أنه دراسة موضوعية 
للأشياء ولعلاقاتها السببية الخارجية . كما أنها تعنى العودة إلى عالم الحياة أى العالم 
كما ثقايله فى الخبرة المعاشة - بالمعنى الموجود فى الكتابات المتأخرة لهوسرل . إن 
الرجوع إلى العالم كما نعيشه يعتبر بالنسبة لميرلويونتى حاجة ملحة وهامة » أكثر مما 
نظر إليها هوسرل . قبالنسبة لهوسرل ؛ لم يكن عالم الإدراك الحسى بالرغم من كونه 
أكثر مستويات الوعى أصاله » سوى مرحلة واحدة فى البحث الفنومنولوجى الذى يسير 
فى مستويات الوعى من أدناها إلى أعلاها , بيتما عرف ميرلويونتى الإدراك الحسى ” 
بانه ليس علماً للعالم , وهو ليس بفعل , ولكنه إتخاذ لموقف مقصود . إنه القاعدة التى 
تشتق منها الأفعال . وهى مفترض من جانبها " (") . وهكذا رفض ميرلويونتى اعتبار 


841 11-111.م.03111310,1945: 5اع3م .له اأمعععم 13 عل عأع26201ه0ق6طم,./ة ,لإأممم نوع‎ -١ 
1م10‎ 8 


15 


العالم مجرد موضوع أملك فى يدى قانون تكوينه » بل نظر اليه على أنه البيئة 
الطبيعية: والمجال لكافة أفكارى وإدراكاتى الواضحة . فالإنسان موجود فى العالم 
ويتعرف على نفسه داخل هذا العالم ) , 

ومن هنا فقد رأى الفيلسوف ضرورة الاستعانة يبمنهج الفهم 108ك5د66:م2دمء 12 
فى الدراسات التى تتناول الشئون الإنسانية . فإذا كنا بصدد شئ مدرك ؛ أى حدث 
تاريخى أو مذهب ما فالقهم يعنى التوصل إلى القصد بأكمله وليس فقط ما تمثله هذه 
الأشياء وإذا تساءلنا كيف يتم الفهم ؟ هل يتعين أن نفهم التاريخ ابتداء من 
الأيديولوجيا » أم من السياسة , أم من الدين أم من الاقتصاد ؟ هل عليتا أن نفهم 
مذهياً معيناً من خلال مضمونه الظاهر أم عن طريق سيكولوجية واصفة أحدث 
حياته ؟ ...ويجيب ميرلويونتى بأن علينا أن نفهم بكل الطرق فى أن واحد » فكل شئ له 
معنى » وسوف تجد ينية واحدة للوجود خلال كل العلاقات » فكل وجهات النظر صادقة 
بشرط ألا نعزلها » ويشرط أن تذهب إلى عمق التاريخ وتنضم إلى المحور أو النواه 
الوحيدة للمعنى الوجودى التى تتضح فى كل وجهة من وجهات النظر (") . وهكذا نجد 
أن ميلويوتتي يحاول التوحيد بين المنظور الذاتى والمنظور الموضوعى من خلال ما يمكن 
تسمية بالفنومنولوجيا ذات القطبين . 
(ب) دور الفلسفة فى إثراء م: منهج العلوم الإنسانية : 

إن الاعتقاد بأهمية العلم الطبيعى والاعتراف بمنهجه وبالنتائج التى توصل إليها لا 
يعنى أنه يقدم النموذج الذى يجب أن يحتذى بالنسية للعلوم الإنسانية أى الفلسفية ؛ بل 
على العكس , أن الفلسفة هى التى تساهم فى تطور العلم , والعلم الإنسانى بصفة 
خاصة . ومن هنا فقد رأى ميرلوبونتى أنه لا بد للفلسقة أن تكون احتكاكاً مستمرا بين 
الواقعة والماهية ععمع55 » والماهية والواقعة مما يؤدى إلى إطلاق كم هائل من المعنى 
والى إستبعاد القضايا المزيفة وإفساح الطريق أمام حقائق وحلول جديدة . وفى انفتاح 
الفلسفة على كل خيرة ذات معنى كان عليها ألا تستبعد طرق التعبير غير المباشرة أو 
الخيالية مثل الفن والأدب والدين قهى طرق للتعالى الذاتى الإنساني , وتملك قيمة 


حقنقلة , 


وقد أكد الفيلسوف على عدم وجود أى عداوة بين المعرفة العلمية 20131553310 
انم 50 والمعرفة الميتافيزيقية عناوأوزطام418 537011 فالثانية تضع الأولى أمام 
المهام المكلفة بها . فالعلم بدون الفلسفة يجهل ما يتحدث عنه , والفلسفة يدون دراسة 
-١‏ علا مصطفى أتور . القنومنولوجيا عند ميرلى بونتى وإرتباطها بالعلوم الانسانية . رسالة دكتوراه غير منشورة . كلية 


الآداب : جامعة القاهرة ‏ 1947 .ص١ .٠١‏ 
37 217 .. أك .م0 بهم [أمععرعم عل عتعه1[ممةمرمسصكطم.84 ,لإتصدم- دوع أرع 84 - 


و15 


منهجية للظواهر لن تصل سوى الى حقائق صورية أو شكلية ؛ أى إلى أخطاء . إن 
دراسة الميتافيزيقيا لا تعنى قى رأيه الدخول إلى عالم منفصل للمعرفة أو ترديد 
شعارات جدياء , بل إنها تعنى المرور بخبرة مليئة بالمتناقضات , كما تعنى المراجعة 
المستمرة لأداء التواصل الإنسانى . هى محاولة للتفكير إلى أقصى مدى فى نفس 
الظواهر التى يبحثها العلم عن طريق استعادة الظواهر لكل من التعالى والتمايز 
الأصيل )١(‏ . ومن هذا أهمية الفلسفة بالنسبة للعلوم الإتسانية والإضافة التى يمكن 
بواسطتها أن تثرى تلك العلوم ‏ إذا لم تحصر نفسها فى قضاياها المحدودة ومناهجها 
المتناهية . ولعل الحديث عن الفلسفة وعلم الاجتماع يعطى مثالا ملموسا للإضافة التى 
يمكن أن تقدمها القلسفة للعلم . 
( ج) الفلسفة وعلم الاجتماع : 

إن القاسفة المعاصرة يما تحمله من تطور ؛ وكما تتمثل بالذات فى الفتومنولوجيا 
الوجودية قادرة على إثراء علم الاجتما ع » ومن الخطأ فصل المجاليين للتداخل الكبير 
الميجود بيئهما . لقد تحدث ميرلويونتى عن الجسم أى الذات أو الكوجيتى * أو الوجود 
وأوضح العلاقة بينه ويين الموضوع أى الآخر أن المجتمع أو العالم وكل طرف فى هذه 
العلاقة يشير إلى الطرف الآخر » إذ أنها طرق ومستويات متداخلة . 

ويحقق كل من اللغة والمجتمع علاقة الريط بين كل من المتعال والوصفى وهى ما 
يشكل منهج الفنومنولوجيا الوجودية , فاللغة توجد باعتبارها تنظيما يتعالى على الفرد, 
إلا أنها تعجز فى الوقت نفسه عن الوجود فى انعزال عن الكلمات الحية التى 
نستخدمها فى التعبير عن حياتنا اليومية ؛ وينفس الشكل يتعالى المجتمع على الذات 
بمعنى أن الممارسة العلمية والعلاقات الاجتماعية تخلق عبر الزمان الاتفاقات والقوانين 
والأنظمة التى تشكل وقائعية المجتمع » وتحوله إلى شئ ضسخم فى مواجهة الفرد , إلا 
أن الواقع الاجتماعى يعتمد فى وجوده على إستعداد الأفراد أى اتفاقهم على رؤيته 
كواقع ما دام المجتمع يوجد فقط من خلال الممارسة العملية للأفراد الذين يعملون فى 
إنسجام . ومن هذا يمكن أن نرى كيف تشكل الحرية بنية ضرورية للوجود فى العالم , 
ما دام البششر هم الذين أقاموا العالم الاجتماعى الذى نعيش فيه , وبالتالى فهم 
القادرون على تغدير ما سبق ايتداعه أى تحطيمه (') . 

وما اللغة بالنسبة لكل من هوسرل وميرلويونتى سوى رابطة اجتماعية هامة؛ إذ أنها 
تريط بين الفرد والآخرين » وبين الفلسفة وعلم الاجتماع. 


- ,1966 وتققم ,كضع5-ره11 أء ممع 5. انا اصمم- نوع 1ر1 
؟- 0مة ععلع انمآ تصملدمآ ىمع1ئه/17 [واءه5 ع5 لمة نزعه10مدع تمممع لامع انضرع م[[كنام5- 
.77,170 ,اقم مووعء] 


151 


وإن كانت اللغة هامة بالنسبة للفلسفة والعلم , فإن التاريخ أيضا لا يقل أهمية . 
والمعنى العميق للتصور التاريخى لا يكمن فى حيس الذات المفكرة فى نقطة واحدة من 
الزمان والمكان » بل يتمثل فى فكر قادر على الخروج من كل محليه و من كل زمانيه كى 
يراه فى مكانه وفى زمانه ... إن تأصيل فكرى فى موقف تاريخى معين » وتأصله من 
خلال هذا الموقف فى مواقف تاريخيه أخرى مثيرة لاهتمامه يجعل من معرفة البعد 
التاريخى معرفة بذاتى : ويستدعى وجهة نظر إلى التواصل بإعتبارى أمتلكه , وهذا ما 
ينساه العالم أى الباحث ٠‏ على الرغم من استخدامه له » وهو ما يشكل صميم الفلسفة. 
فإذا كان التاريخ يضمنا جميعاً , فعلينا أن نفهم أننا لا نصل إلى الحقيقة عن طريق 
وكرقةا اجو التاسدل التاريك كل برا شظلكة : 

ولا تعرف الحقيقة إلا داخل الموقف . فيمثل بالنسبة لميرلوبونتى ميد للفضول ؛ أو 
البحث ؛ والاهتمام بالمواقف الأخرى باعتبارها مغايرة لمواقفنا . كما يمثل الموقف ما 
يريطنا بمجمل الخبرة الإنسانية وما يفصلنا عنها فى الوقت نفسه . وسنسمى » مع 
ميرلويونتى , علم اجتماع كل محاوله من أجل بناء متغيرات مثالية تقوم بتجريد 
وتصوير هذا الاتصال الفعال وسنسمى فلسفة ذلك الوعى الذى يتعين الاحتفاظ به 
التجتمع الفتوج + حية “تفال الذات + الع جنا فتتهرن وتفكر كل مكها قن جرد 
الأخرى . وكلها فى علاقة مع الطبيعة كما تقع أمامنا ووراعنا ومن حولنا وعلى حدود 
مجالنا التاريخى ‏ كما هى كائنة على حدود الواقع الأخير الذى تقوم البنيات النظرية 
الموجودة لدينا بتحديد أداءه , ولا يمكنها أن تحل محله .لا تُعرف الفلسفة إذاً من خلال 
مجال معن يقتصن غليها : إذ انها مها فى ذاك مثل غلم الأحتباع:, ولا تحت 
سوى عن العالم والبشر والعقل ؛ وتتميز بنمط معين من الوعى موجود لديتا إزاء 
الآخرين وإزاء الطبيعة وإزاء أتفستا. الفلسفة لازمة إذاً لعلم الاجتماع كنداء مستمر 
إلى مهامه : وكلما رجع عالع الاجتماع إلى المصادرة الحية لمغرقته ٠‏ إلى ها يعمل 
بداخله ارالك انك قات لويد و9 فعل ذلك يكون عندئذر 
ممارساً للفلسقة بشكل تلقائى١‏ 

كيف تتكامل إذاً هذه العلاقة الضرورية بين الفلسفة وعلم الاجتماع ؟ والرد هى عن 
طلريق المهج..:: فَإِذاكاتت بعذق الاتجافات فى طلم الاجتماع تحة الفلماء على 
الاتجاه إلى الملاحظة وكشف الوقائع واللجوء إلى التحليلات والحدوس وما إلى ذلك » 
فإن مدرلروئيكن موص أن هذا لن يؤدى إلن تناقم ها دننا تقفنوعلى أركن الفكن الس 
والموضوعى » فلا يمكن رد أو اختزال السلاسل السببية إلى إحداها كما لا يمكن أن 
نفكر فيها كلها . وهكذا لا يمكن لهذا الاتجاه أن يعد سليماً إلا بشرط أن يمر بنمط لا 


-١‏ .137-1-8.م1960 ,2115:021111350م .قعمع 51 .10 ,لإأهمم ندع [رع4/ة 


1 51/ 


سيبى من القكر . هى نمط الفلسقة . فلا يد أن نفهم فى ذات الوقت كيف تحدث 
الدراما الفردية بين أدوار سيق تسجيلها فى الكل التنظيمى ويناء على ذلك فإن الطفل 
يمضى منذ بداية حياته » بواسطة الإدراك البسيط للعناية التى يحظى بها والأدوات 
التى تحيط يه كى يصل إلى كشف المعانى التى تقوم فى مجموعها بتحويل الدراما 
الخاصة به إلى دراما الثقاقة... وإذا كانت السببيه ترى إستحالة تحقيق الحركة 
الجاذية والحركة الطاردة معاً » ففى الموقف الفلسفى وحده يمكن تصور هذه التحولات 
ورقيتها ٠‏ وكذلك الاقتراب والابتعاد من الماضى ومن الحاضر ؛ من القديم ومن الحديث, 
كما يمكن تطدون هذا الالتفناف الزمان والمكان :وهذا التحديد المسحمى للأكدات 
الإنسانية التى تجعل الواقعة الاجتماعية تبدى كتغير فى حياة واحدة » تشكل حياتنا 
جزءاً منها » كما تجعل كل حياة أخرى وجهاأ آخر انا ... وهكذا يعلن ميرلويونتى إنه لا 
يعكن أن بحل شئ ةمكل الفلسفة . لأنها كشف لنا الحركة التى تحول بواسطتها 
الحياة إلى حقائق . كما تكشف الحركة الدائريه 316:ةآنه:© لهذا الوجود المتميز أو 
هذا الكائن المتميز الذى يتمثل فيه بمعنى من المعانى ٠‏ كل ما يفكر فيه )١(‏ , 

يشكل الموقف إذا الخلفية التى يتم من خلالها فهم الإنسان فى المجتمع . وإذا كان 
التعبير ' دور" 7016 قد استخدم فى علم الاجتماع ليعنى نقطة دخول الفرد فى البنية 
الاجتماعية , فإن هذا يعنى أنه لم يكن يوجد فقط لاعبى أدوار » منزوعى القدرة على 
الابتكار والإبداع . وعندما تم تحدى هذا التعريف للدور . وزالت الجواني المنطقيه أو 
المعياريه له بإزاء الأداء الواقعى , اتضضح أننا ما زلنا نجد الفرد الواقعى ميدداً فى 
داخل تعدد الأدوار , أما الموقف فإنه يأخذ فى الاعتبار كلا من عمومية البشر الواقعيين 
وخصوصيتهم , كما يأخذ فى اعتباره أن أغلبٍ سلوكهم يقهم فى ضوء لعب الدور , 
بينما فى الواقع أن السلوك يعبر عن قدرة على التعالى ٠‏ وتجاوز المعطى وتحويل 
المعنى. إذاً الموجودين هم بشر فى مواقف , لا مجرد بشر . ومفهوم الموقف يسمح 
بالحديث عن الفرد فى علاقته بالآخرين ؛ أى عن المجموعات الاجتماعية » بقدر وجودها 
فى الخبرة العامة وفى الممارسة العملية للأفراد . إن مفهوم الموقف يجعل البشر واعين 
بتعقد الظواهر الاجتماعية وما الإنسان سوى جزء من موقفه . 

وإذا ما طرح التساؤل : ماهى الموقف ؟ هل هو حياتى الماضية , أم أسرتى أم 
مهنتى , أم انتمائى العرقى ٠‏ أم الجنس الذى أتتسب إليه » آم تكوينى الاجتماعى » أم 
خليط من هذا كله ؟ وإذا كان كذلك فأى خليط ؟ ... وفى الواقع أن الباحث الذى يريد 
فهم سلوكه ويسلوك الآخرين » وخيرته وخبرة الأخرين » لا يجد أمامه الرأى خاصيتة 
المميزة . إلا أنه لا توجد مواقف فى الخارج , ننظر إليها كوقائع اجتماعية , وإنما 


140-2.م.1010 - 1 


1534 


توجد طرق لفهم الناس فى المجتمع » طرق مفتوحة أمام جميع التأولات » حسب 
الافتراضات والاهتمامات العملية للباحث ... ويختلف هذا الباحث الفنومنولوجى عن 
الباحث الوضعى فى نظرته إلى الأمر باعتباره دعوة إلى مزيد من التنظير ٠‏ الذى يأخذ 
فى حسبانه موقف الشخص الذى يقوم بالتنظير أى الباحث بافتراضاته فى علاقته يما 
ببحةه(١)‏ . 


خاتمة : 

إن محاولة الخروج من الأزمة التى تواجه العلوم الإنسانية عن طريق تقديم وجهة 
نظر ومبادئ تبلورت لدى العف معينة . وشعرنا من خلال دراستها وعرضها أنها 
يمكن أن تقدم مدخلاً مناسباً لتجاوز الأزمة » هذه المحاولة لا تمثل نهاية المطاف وإنما 
هى بداية تحتاج إلى خطوات تتلوها كى نصل إلى القول بأننا بإزاء التوصل إلى 
مناهج بحث تلائم العلوم الإنسانية » ولا يكفى الحديث عن علوم إنسانية بشكل عام » 
وإنما علينا أن نتحدث عنها بشكل خاص », كما نحياها ونشعر بها فى منطقتنا » وفى 
المرحلة التاريخية التى نمر بها » وفى إطار ظروف واقعنا وتقاليدنا وتراثنا . 

ولعلنا نستطيع من خلال ما سبق عرضه أن نستخلص عناصر أريعة لا يمكن 
الاستغناء عنها عند تناول موضوع العلوم الإنسانية » والحديث عن المنهج الملائم لها ألا 
وهى : الفاسفة , والاغة , والدين » والتاريخ . ولعل هذا يجعلنا نتجه منذ البداية » كى 
نبنى العلم الإنسانى ٠‏ إلى المصادر الأولى للمعرفة , والتى نحتاج إلى اليحث عتها 
داخل الوعى الإنسانى » وفى الأسس التاريخية » فالعلم لا يوجد فى فراغ وإنما هو 
دائماً منتمى . والانتماء الأول هى إلى عالم الحياة بما تزخر به من خبرات إنسانية , 
وتجارب للشعوب والحضارات ٠‏ 


اي 


.89م أك .مم.مم نم5 - 1 


ل 


نقد مناهج العلوم الإنسانية 
وخطوات صياغة مناهج إسلامية للعلوم الإنسانية 


د . محمد أمزيان 

المنهج الغربى فى إطاره التاريخى : 

من المهم جدا أن نضع المنهج الةربى الذى طبق فى مجال العلوم الإنسانية 
والطبيعية على السواء فى إطاره التاريخى لكشف الحيثيات التاريخية التى كان 
النصيب الأوفر فى توجيه هذا المنهج إلى الاستقرار فى صياغته الأخيرة وهى صياغة 
ذات بعد ايديولوجى أكثر منه علمى . 

لقد استقر اليوم عند كثير من الباحثين أن السمة التى طبعت العقلية الغربية فى 
فترتها القروسطية هى سمة الوهم والخرافة ومضايقة الفكر العلمى الحر وكل ذلك كان 
يتم بإسم الحفاظ على قدسية الدين والخضوع لسلطة النص المقدس مع العلم أن 
النصوص المقدسة كانت تتداخل مع تفسيرات رجال الدين التى اعتبرت بدورها مقدسة 
وكان هذا التداخل قويا جدا بحيث يتعذر الفصل بينهما , 

وكنتيجة مباشرة لهذا التداخل احتكرت الكنيسة مجال التفكير وحرمت كل تفكير 
يخالف تقاليد البابوية وسادت النزعة النصية أى ما يسميه بعض مؤرخى الفكر الغربى 
بالتقديس العقلى للكلمة المنقولة (!) وفرضت حلولها الوهمية ليس فقط فى مجال الفكر 
والعلم بل فى مجال الحياة حيث تميزت فترة الألف عام التى احتكرت فيها 
الكنيسة ( 0.٠.‏ - ١70١م‏ ) بتخل الكنيسة قهرا فى تنظيم كل ما يتعلق بحياة الإنسان 
إلى درجة أن تمتع الإنسان فى حقوقه فى الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية كان 
مشروطا بأن يكون كاثوليكيا ويتبعيته للكنيسة الرسمية ويقبوله لكل الأحكام والتعاليم 
والأوامر التى كانت تصدر عن هذا الجهاز . 

لقد كان القكر الدينى ممثلا فى المسيحية الكاثوليكية وكان رجال الدين يعبرون 
أصدق تعبير عن هذا النظام الفكرى البابوى وعندما بدأت أورويا تسير فى طريق 
التحرر وقامت الثورة ضمد تعاليم رجال الدين وكل ما ينسب إليهم من ثقافة وفنون , 
كان من المنطقى أن تتجه المقاومة إلى الدين نفسه . فقد استقر فى أذهان المفكرين 
الأحرار وجود تلازم بين الدين ورجاله خاصة وأن اليابا كان يعتبر نفسه تائيا عن الله 
فى الأرض . 


.١950 أفكار ورجال - قصة القكر الغربى - كرين برنتن , ترجمة محمود محمود - مكتبة الاتجلى المصرية , القاهرة‎ )١( 


الم 


فإذا كانت الكنيسة قد فرضت النمط الدينى فى السياسة والاجتماع والتعليم والفن 
والبحث العلمى .. إذا كانت قد فعلت كل ذلك ياسم الدين فإن حركة علمانية الحكومة 
المؤسسات الإدارية والتشكيلات الاجتماعية يعنى تحويل المجتمع وال ياة الاجتماعية 
إلى حياة إنسانية » وتجعل من الإنسانية شرطا قى الحياة بدلا من الإنسان 
الكاثوليكي ومن هذا فإن المحتم والمنطقى أن المفكر المحب للإنسانية لا يسعه إلا أن 
يكون علمانيا )١(‏ . 

لقد استمرت المواجهة بين النظامين الدينى القديم وبين الحركة العلمانية الناشئة 
قرونا من الزمن انتهت لصالح هذه الأخيرة بقيام الثورة الفرنسية سنة ١784‏ ولقد 
كانت هذه الثورة أعظم سند للحركة العلمانية فى صورتها الوضعية وقد قال عنها 
كونت رائد الوضعية أنذاك " لولاها - يقصد الثورة الفرنسية - لما أمكن أن توجد 
نظرية التقدم وما أمكن تبعا لذلك أن يوجد العلم الاجتماعى ولما أمكن بالتالى أن توجد 
الفلسقة الوضعية(') , 

وإذا كانت مرحلة الثورة الفرنسية مرحلة انتقالية كانت لا تزال فيها الأوضاع 
الفكرية والسياسية مضطرية بين النمطين الدينى والعلمانى , فإن مرحلة ما بعد الثورة 
شكلت مرحلة الحسم وإعادة البناء الاجتماعى والسياسى والفكرى ... حتى غدت 
العلمانية ويتعبير أدق الوضعية روحا سارية وتيارا جارفا ترك أثرا قويا فى المفكرين 
وانعكس على إنتاجهم العلمى والأدبى والفنى . 

هذه الشروط الثقافية التى أصبحت تحكم وتؤطر البنية الفكرية للغرب » وهى شروط 
تجد لها جذورا عميقة فى التاريخ الثقافى والسياسى والدينى للغرب , هى التى كانت 
وراء صياغة المناهج التى تحكم البحث العلمى قى شقيه الإنسانى والطبيعى ؛ فجاءت 
هذه المناهج انعكاسا طبيعيا لتلك المؤثرات . 

ولم يكن بالإمكان أن تخضع هذه المناهج لتعديل ممكن خارج البنية الفكرية الغربية 
بحكم الظرف التاريخى والشروط الحضارية التى طبعت القرن التاسع عشر ( الفترة 
التى تحددت فيها هذه المناهج ) والتى تميزت بالهيمنة الغربية سياسيا وعسكريا 
وثقافيا مما أدى إلى تدويل هذه المناهج وفرضها على أجزاء واسعة من العالم يما فى 
ذلك العالم الإسلامى . 


: ترجمة ابراهيم دسوقى شتا , مكتبة الزفراء للإعلام العربى طا‎ ٠ 107 . ١ على شريعتىكالعودة إلى الذات ص‎ )١( 
. 1.6لأ‎ 


(؟) ليقى يريل . فلسفة أوجست كونت ص 7 . ترجمة د . محعود قاسم ود . سيد بدوى , مكتية الأنجلى المصرية , 
لوا . 


5 


نقد منطلقات الفكر الغربى فى صياغة مناهج العلوم الإنسانية : 

لا يمكن هم واستيعاب أخطاء المناهج التى تحكم سير العلوم الإنسانية فى 
صيغتها الحالية ما لم نقف على الخلفيات الفكرية التى توجهها داخل بنيتها الأصلية 
التى أفرزتها . 

إن مناهج العلوم الإنساتية فى صورتها الحالية هى بحق إنتاج غريى مرتبط أشد 
الارتباط بالتاريخ الثقافى للغرب يعبر عن خصوصياته ومشكلاته الفكرية » وقد كان 
تسرب هذه المناهج إلى جامعات ومراكز البحث العلمى فى العالم الإسلامى أمرا 
تفرضه الحاجة نتيجة الفراغ العلمى مع شدة الحاجة إلى التجديد ؛ فكان لابد من 
استيراد العلوم الغريية أى استيراد مناهجها الجاهزة بدون تعديل أو تغيير . 

ومع التحولات الثقافية والفكرية والاجتماعية التى أصيحت تفرض نفسها على 
الساحة الإسلامية أصبح التفكير فى تطوير مناهج العلوم أمرا ضروريا يفرضه الواقع 
الجديد ؛ هذا الواقع الذى أصبح يعنى ذاته ويعى موقعه من الصراع الحضارى . 

ولعل الخطوة الأوتلى فى هذا السياق هى ضرورة استيعاب أخطاء هذه المناهج وهى 
تعود فى غالبها إلى الظروف التى تباورت فيها . وقد بات مسلما به أنها لم تنش نشأة 
طبيغية بقدر ما كانت إفرازا لردود فعل قوية تجاه الواقع الثقافى القائم آنذاك + ومن 
هنا ضرورة كشف المنطلقات الفكرية الى أسست هذه المتافج: :وضصرورة التركيق على 
الفترة التى نضجت فيها هذه المناهج : فترة القرن التاسع عشر . 
١‏ - تضخم العقائدية العلمية أوتحويل العلم إلى موقف عقائدى : 

فى التاريخ الثقافى الوسيط للغرب : كان الدين يمثل مذهيا عقائديا يفسر كل شئْ 
فى الوجود ويعطى تصورا كاملا حول الكون والإنسان . ومع سيادة الفلسفة الوضعية 
وتراجع الفلسفات الدينية اللاهوتية والميتافزيقية العقلية أصيح المنهج العلمى يفرض 
نفسه كخيار وحيد توكل إليه مهمة تفسير مظاهر الوجود وظواهر الحياة . 

ولكن العلم لم يطرح كبديل منهجى أو طريقة فى البحث فحسب ٠‏ يل اعتبر وريثا 
للدين ويديلا عنه . ولم يخف أقطاب الوضعية آنذاك قناعتهم بهذا الموقف العقائدى للعلم 
فقد قال دوركايم ' إن العلم وحده هى الذى أعد المفاهيم الأساسية التى تهيمن على 
تفكيرنا ... وقيل أن تتكون العلوم كان الدين يقوم بنفس المهمة لأآن كل ميشولوجيا 
تشتمل على تصور مهيئ مبدئى للإنسان والكون » وقد كان العلم وريثا للدين )١('‏ وعند 
هذا الموقف العقائدى للعلم يقول الكاتب الفرنسى ايميل بوترى : * من المهم أن نقف عند 





(.1.7.م) , 1980 هممناتك6 رع , 56 . 5 , عزوم اماع50 اع موناهءمل8 , عاسنا عانتسظ (1) 


رين 


التغيير الذى حدث فى العصر الحاضر فى الموقف العلمى الصحيح فالعلم إلى أيامه 
الأخيرة كان أو أراد أن يكون دحماطيا واعتير أن بعض أجزائه المحكمة قد تكونت 
تهائيا وتطلع إلى بلوغ مثل هذا الكمال فى البعض الآخر 0 

إن هذا التغيير الجذرى للموقف العلمى من أسلوب فى البحث إلى دعوة عقائدية قد 
تجعل العلم محل تهمة لا تقل خطرا عن التهمة التى وجهها هو نفسه إلى العقائد 
الدينية فقد كان ينكر على الدين ادعاءه أنه وحده الذى يملك الحقيقة والقادر على 
تفسير كل شئ فى الكون .... وهى نفس التهم التى توجه إلى العلم الوضعى . فهو 


5 - اختزال المنهج العلمى فى عناصره التجريبية الحسية : 

منذ انطلاقاتها الأولى » كانت مناهج العلوم تهدف إلى مقاومة كل تفكير يخرج عن 
دائرة الحس سواء كان تقكيرا دينيا » أى ميتافيزيقيا أو عقليا . هى لا ترى المنطق 
السليم سوى أن المعرفة الواقعية المنتزعة من الحس . ومصطلح الوضعية الذى أطلقه 
كونت نقسه يدل على أن كونت كان يرغب فى إشباع الحاجات الواقعية للعقل البشرى 
أن يقف عند هذه الحاجات فقط () , 

وتأكيدا على هذا المنحى الحسى سعت العلوم الإنسانية إلى استعارة متناهج العلوم 
الطبيعية والقزيائية منذ تأسيسها » فإيتداء قرر كونت : إننا ما دمذا نفكر بشكل 
وضعى ( حسى تحريبى ) فى مادة علم الفلك أى الفيزياء » لم يعد بإمكانتا أن نفكر 
بطريقة مغايرة فى مادة السياسة أوالدين فالمتهج الوضعى الذى نجح فى علوم الطبيعة 
غير العضوية يجب أن يمتد إلى كل أبعاد التفكير " () , 

إن هذه النزعة التجريبية التى سادت متاهج العلوم الإنسانية أصيحت منتشرة ولها 
ممثلون فى مختلف المدارس ؛ وقد اصطلح على تسميتها ' بالتجريبية العلمية " وتسين 
فى طريقها مذاهب وتنظريات منها الوضعية المحدثة والنقدية والتجريبية والوضعية 
التجريبية والمنطقية والاجرائية والسلوكية ... 

ولا شك أن الاستعانة بالمنهج التجريبى بالشكل الذى يوافق طبيعة العلوم الإنسانية 
فى بعض جوانيها أمر مطلوب ولكن التجريبية الوضعية لا تعنى مجرد أداة معرفية 
فحسب فإتها تستعمل التجرية كأداة ايديولوجية لسد الطريق أمام التفكير الدينى الذى 
قامت على أنقاضه ولقد تنبه نقاد الفكر الغريى أنفسهم إلى هذا المنزلق . يقول هنرى 
)١(‏ العلم والدين قى الفلسقة المعاصرة ترجمة أحمد فؤاد الأهوانى ص ١؟‏ الهيئة المصرية للكتاب , سنة ١51/7‏ 
(0) المرجم السابق : ص ]١‏ . 


,و1967 , لمقدستالة© : ه6110 ,عناو نومام 50 ع6ددعم 18 عل معمداة دعآ ,دمعة . 3(5) 
7- 2.86 


>53 


أيكن : * إن تجريبية كونت وضعية . وهى يستعملها بوضوح وصرامة أيدولوجية لتهديم 
أغاليط التفكير غير العلمى بأجمعها , كان يهدف كفيلسوف إلى غرس عقلية لا تفكر 
باصطلاحات غير علمية وترفض قضايا اللاهوت التقليدى وال ميتافيزقى بكل بساطة على 
أساس أنها غير علمية " )١(‏ , 

من القواعد المنهجية التى استقرت عليها العلوم الإنسانية أن تتحرر بحوثها العلمية 
من كل فكرة سابقة وتتجنب الملاحظات الداخلية!') وهذه المقولة ليست خاطئة فى 
أساسها فهى واحدة من مقومات المنهج العلمى الصحيح ولكنها فى صورتها الطبيقية 
تعنى ضرورة سد الطريق أمام كل تفكير لا يستند إلى الحس والتجرية واعتبار كل 
مصدر معرفى مخالف فى ذلك الدين القائم على الوحى وما يقدمه من حقائق إنسانية , 
تفكيرا داخليا استنباطيا يخرج من دائرة العلم لكونه ينطلق من مقولات جاهزة سلقا . 

إن وظيفة هذه التجريبية وظيفة عقائدية توظف المفاهيم العلمية لعلمنة أساليب 
التفكير وإعادة تفسير كل الظواهر الإنسانية بما فى ذلك الدين والأخلاق .. وفق 
المنطق الوضعى . 
- اخحتزال الحقيقة الإنسانية فى جوان.ها المادية : 

هذا المنطلق المنهجى هو فى النهاية نتيجة مباشرة للمنطاق السابق . فإذا كان 
المنهج التجريبى لا يؤمن إلا بالحقائق الحسية ؛ فمن الضرورى أن يختزل الكلية 
الإنسانية ومجموع العناصر المتفاعلة والفعالة فى الحياة الإنسانية فى عناصرها 
الحسية الملموسة . 

إن النظرة الوضعية للإنسان تكمن فى إدراك جانبه الفيزيقى وسلوكه الواقعى , 
وإذا كانت للإنسان حقيقة أخرى غير جانبه الفيزيقى وسلوكه الواقعى »كالعاطفة 
الدينية والتعلق بالمثل الأخلاقية وغيرها من العناصر التى لا تخضع للقياس الكمى فهى 
ليست نابعة من مصادر خارقة وفوق طبيعته . ولقد لخص كونت نظرة الوضعية إلى 
الحياة الداخلية للإنسان فى هذا النص الوجيز : " إن الوضعية تطرح بشكل منهجى 
كل ما هى خارق وفوق طبيعى وترفض قبول كل نظام خاص بالحياة الداخلية مجرد 
من تبريراته العقلية"(؟) , 

إن مناهج العلوم الإنسانية المتشبعة بهذه الروح الحسية لا تعترف بأى شعور أو 
نظام خاص بالحياة الداخلية للإنسان إلا ما كان قابلا للإدراك » فهى قادرة على إعطاء 





0( عصر الايديواوجيا .ص 147 , ترجمة محى الدين صبحى - منشورات وزارة الثقافة ؛ دمشق ١541‏ 
(1) ينظر شرح هذه القاعدة عند دوركايم : قواعد المنهج فى علم الاجتماع : ص ؟ ؛ ترجمة محمود قاسم ؛ مكتبة 
النهضة المصرية , 146٠‏ , ط؟ 
معطت 6وموعنا©ط ععرواط هم عأدمن عأكناوناك عط وولاتسطمة أء علمطاة84 (3) 
. 2.386 ,1939 , سأموط , مقع اه 1611 


0 


تفسير عقلى مقبول لسلوك الإنسان الداخلى والخارجى معا . ونستطيع أن نعثر على 
نماذج من هذا الاختزال فى الكتابات النفسية والاجتماعية والأخلاقية ... الغربية . 
فعلى مستوى الدراسات النفسية مثلا فرويد فى كتابه المحاضرات التمهيدية الجديدة 
فى العلاج النفسى يقول : ' إن الظواهر الدينية تفهم من خلال نموذج الاضطرايات 
العصبية المالوقة تماما والتى تعتبر صدى لأحداث ماضية طواها النسيان ترجع إلى 
التاريخ البدائى للعائلة الإنسانية (') » وعلى مستوى الدراسات الاجتماعية والأخلاقية 
تختزل العلوم الإنسانية الظواهر الدينية والأخلاقية فى بعض مظاهرها السلوكية , 
فالدين لم يعد مصدر إلهام للإنسان يتجاوز حدود الزمان والمكان بل أن الإنسان ذى 
العقل العلمى كما يقول كونت لم يعد بإمكانه الايمان بالوحى والتعليم المسيحى للكنيسة 
أى بالألوهية وفق المفهوم التقليدى (') ولكن هذا ليس مدعاة لإنكار ظاهرة التدين فهى 
موجودة ونحس بها " والإفسان نفسه فى حاجة إلى الدين لأنه فى حاجة إلى شئ 
يتجاوزه والمجتمعات فى حاجة إلى دين لأنها فى حاجة إلى سلطة روحية » والدين الذى 
يستجيب لهذه الحاجات الثابتة للإنسانية ويسعى إلى تحقيق الحب والوحدة سيكون 
دين الإنسانية نفسها " 9) . 

وكذلك الشأن فى الدراسات الأخلاقية » لقد تعرضت الدراسات الأخلاقية التقليدية 
لنقد شديد لا يخلو من عنف وتعسف ليتم اختزال الظواهر الأخلاقية فى بعدها 
السلوكى كما يمثله واقع الناس مع استيعاد القيم والمثل التى يتعلق بها الناس والتى لا 
تنيع من واقع حياتهم الاجتماعية فالمثل الأخلاقية الجديرة بالاهتمام والدراسة هى المثل 
التى تفرزها تفاعلات الناس ويصنعها الحدث اليومى يما تفرضه من حاجات وليست 
تلك المثل المطلقة والمبادئ الأخلاقية الكلية التى كان يتحدث عنها فلاسفة الأخلاق , 
؛ - تعميم المنهج الوضعى فى دراسة الجوانب الميتافيزيقية للعلوم الإنسانية : 

تتحدد العلوم الإنسانية فى شقين متباينين فى موضوعاتهما : - 

الأول : يتعلق بالوقائع الاجتماعية الحسية القابلة للإدراك الحسى والملاحظة 
المباشرة والإحصاء وهى دراسة نتعلق بالعلاقات الاجتماعية والمظاهر السلوكية , 
والعلاقات المهنية والصناعية والعسكرية وعادات الناس المختلفة .. 

الغانى : منها يتعلق بقضايا لا يمكن إخضاعها لنفس طرائق البحث العلمى 
لاختلاف موضوعها كاليحث فى أصل اللغات ونشأة النظم الدينية والأخلاقية والقانونية 
)١(‏ نقلا عن مقال يعتوان : علماء الثفس المسلمون فى جحر الضبي مالك يدرى , المسلم المعاصر ع ١6‏ .ص ١١‏ , 
سنةكخة ١‏ 


2 . 8 عناوأعه1ماء50 ع 56معم 15 عل 5عم613 5ع[ (2) 
2 . 7 عناوأع 10و50 ع ثم5هعم 13 ع0 كعمدهاة دعا (3) 


امن 


والاجتماعية ونظم الأسرة والزواج .. فضلا عن البحوث التى تتصل بفلسفة التاريخ 
والتى تتعلق بتخمينات علماء الاجتماع والتاريخ حول ماضى الإنسانية والمراحل التى 
قطعتها اعتمادا على بعض الشواهد الانثرويولوجية والتاريخية والاثنوفرافية » وكذلك 
تنبؤاتهم حول مستقيل المجتمع البشرى اعتماد! على دراسة التطور التاريخى للمجتمع 
الإنسانى من جهة ومعطيات الحاضر من جهة أخرى . 

إن هذا اللون من الدراسات لا يمكن أن يكون علميا دقيقا لتعلقه بقضايا هي فى 
حكم الغيب الذى لا يمكن كشفه إلا بدرجة نسبية لتعذر الحصول على بيانات كافية فى 
هذا الموضوع ٠‏ وهذا اللون من الدراسات هو الذى كان غالبا على الجيل الأول من 
علماء الاجتماع الذين جعلوا موضوع اهتماماتهم الشعوب البدائية باعتبارها تمثل 
أقدم صور الحياة الإنسانية ويمكن اعتبارها نقطة انطلاق لفهم نظمنا المعاصرة 
لإفتراضهم أن الشعوب البدائية لم تخضع فى نظمها لعوامل التأثير وتحتفظ بالصور 
الأولية لهذه النظم وهى افتراض لا أساس له . 

وقد ظهرت فى هذا المجال عدة دراسات منها القانون القديم لهنرى مين والمدنية 
القديمة لفوستيل دوكولين والثقافة البدائية لإدوارد تايلور وكتاب مرجان عن المجتمع 
القديم وكتب فريدريك أتجلز عن أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة وكتاب فريزر 
الشهير عن دراسة السحر والدين قضلا عن دراسات كونت ودوركايم وليفى بريل 
وغيرهم من مختلف هذه النظم 5 

ولقد تعرضت هذه الدراسات للنقد من قبل الغربيين أنفسهم فقد أكد أحد نقاد علم 
الاجتماع الديتى روجى ياستيد الفرتسى أن المجتمع ( البدائى ) الذى يتخذ نقطة بدء 
للدراسة ؛ مجتمع فرض على وجه العموم أكثر من أن يكون مجتمعا حقيقيا (') ومع 
كثرة النقد الذى يوجه إلى هذه الاتجاهات فقد فشلت هذه الدراسات فى تقديم بدائل 
منهجية ناجحة لأنها تبقى فى نهاية المطاف عاجزة عن إدراك أبعاد التطور الإنسانى 
الضارب فى التاريخ مادامت تصر على ضرورة الاعتماد على وسائلها النسبية 
لملعتودة:: لقد قال روج بأشكين * لبس من المنكن أن رقنا طلم احيشبا ءاهنا إلا 
بالقدر الذى يمكئنا الوقوف فيه بوسائلنا الخاصة فى البحث على هذه العلاقات 
الضرورية (') يقصد العلاقات بين الأسباب ونتائجها . 

وهذا القيد رغم أهميته العلمية قهى لا يستوعب كل حالات البحث العلمى على 
الإطلاق فهناك حقوق معرفية كثيرة لا تثبت حقائقها بإدراك الروابط الضرورية بين 
الأسباب ونتائجها وفى كثير من الأحيان تقدم كمعطيات جاهزة . وقد كان هذا القيد 
(1) مبادئ علم الاجتماع الدينى حص 774 ٠‏ ترجمة محمود قاسم مكتب الاتجلو المصرية 150١٠‏ 
)١(‏ المرجع السايق .ص 554 . 


لا 


عاملا حاسما فى فشل جهود علمية مضنية فى تحقيق أهدافها » فقد حرمهم من 
الامتداء إلى كثير من الحقائق التى لا يعتبر الحصول عليها من قبيل المستحيلات » 
فهذا القيد يستيعد الوحى كمصدر معرقى مهم جدا فى كثير من ا'جواني الميتافيزيقية 
الشكانب عام الإنفنان سواء تماق الأمز بالماضى أو البستقيلقيإمكان الويدي أن يقدم 
كشفا دقيقا حول هذه المشكلات على الأقل قى بعض جوانبها » وهذا كفيل بأن يجعل 
هذه الدراسات تتجاوز الحيرة التى انتهت إليها وهى الحيرة التى عبر عنها روجى 
باستيد بعد استعراض مفصل لمختلف النظريات المتضارية التى صيغت حول أصل 
بعض النظم وانتهى إلى هذا التساؤل يقول : فأى النظريات نرتضى من هذه النظريات 

المختلفة إلى أكبر حد ؟ ليس من الممكن أن نقتنع بأى برهان جدلى ؛ هذا إلى أن 
المنطق يعجز أمام الظواهر(') . 

وهنا يتحتم على العلوم الإنسانية أن تبحث عن مصدر معرقى غير المعلومات 
التاريخية والاثنوغرافية والانثروجولوجية مهما كانت طبيعة هذه المعلومات فإن نسبة 
اليقين فيها حد نسبى ؛ وهذا المصدر المعرفى لن يكون سوى الوحى الصحيح الذى 
يملك إمكانية تقديم معلومات مهمة ويقينية تغطى الحقبية الماضية للإنسائية وتفسر 
تحولاتها ونظمها » كما تقدم مؤشرات واضحة حول مستقبل المجتمع البشرى يناقض 
تماما تخمينات علماء الاجتماع وفلاسفة التاريخ وهى تخمينات لا تخلى من نقمة 
أيديولوجية تكرس مفاهيم عقائدية جاهزة ') . 

إن قبول العلوم الإنسانية يهذا المبدأ سيمكنها من تنوع طرقها فى إدراك الحقيقة 
العلمية ويفتح المجال أمام مناهج علمية آخرى طالما وصفها علماء الإنسان بالميتافزيقية 
والأسطورية كما يمكتها من التمييزالواضح بين المجالات المعرفية التى يستوعبها المنهج 
الوضعى الحسى وتلك التى يعجز عن إدراكها ويذلك تضع حدا لهذا التعميم الذى 
أفرزته شروط ثقافية تاريخية قبل أن يكون اختيارا علميا مدروسا . 
ه - إنعدام إطار مرجعى موحد وتقطيب الاتجاهات والمذاهب المتباينة : 

إن التشتت الذى تعانى منه النظريات المختلفة حول قضايا الانسان هو فى الواقع 
اتعكاس طبيعى التشتت الذى تعاتى منه الحضارة المادية ككل حيث عجزت المناهج 
الوضعية عن تقديم بديل موحد تخضع له كل الأطراق . لقد حصل, تصدع هائل فى 
المنطلقات الفكرية الغربية بعد أن تولت الرؤية الدينية التى فتحت الطريق أمام التيارات 
الذاتية والززعات الشخصية » وهى حقيقة يعترف بها المصنفون من مفكرى الغرب 
(1) على سبيل المثال نظرية كونت حول مراحل تطور الإنسانية ونظرية روسو عالم الاجتماع الغريى حول حتمية تحول 
المجتمع الإنسانى إلى الرأسمالية , والنظرية الماركسية حول حتمية المرحلة الشيوعية . 


48 


أنفسهم . لقد اعترف مؤرخ الفكر الفريى لوى ورث أن انقسام العالم القربى إلى 
أجزاء مبعثرة لا عد لها ولا حصر يطابق التفكك الذى طرأً على الحضارة الغفربية 
والتصدع الذى حدث فى الأواصر التى كانت تشد الفئات الاجتماعية وتؤكد انسجامها 
ولم يقلت النشاط العقلى من هذه التأثيرات . فالمراحل الماضية فى تاريخ العرب تميزت 
بوجود إطار مشترك استطاع أن يقدم معيارا للتثيت من صحة الحقائق ؛ أما العلم 
المعاصر فلم يعد نظاما كونيا شاملا ومشتركا وإنما هى بالأحرى يمثل مشهدا لساحة 
قتال تصطرع عليها أضراب متنازعة لكل فئة صورتها الذهنية على العالم تصيغ على 
نفس المواضيع معانى وقيم مختلفة كل الاختلاف فكان من الطبيعى أن يهبط الاتفاق 
فى عالم كهذا إلى الحد الأدنى(١)‏ . 

هذا النص فى الواقع نراه فى غاية الأهمية » فهى يكشف عن جوهر القضية . لقد 
اتجهت العلوم الإنسانية منذ نشأتها إلى اتخاذ العلم سلطة مرجعية تشكل الخلفية 
المعرفية التى تصدر عنها وهى مهمة يعجز عنها العلم لطابعه النسيى » إن العلم وسيلة 
للبحث فى عالم الممكن بقدر الجهد البشرى ولكنه لا يملك أن يتحول إلى عقيدة تقفسر 
كل شئ فى الوجود . 

إن العلم لا يمكنه أن يحقق نجاحه الفعلى فى عالم الإنسانيات إلا إذا كان يتوفر 
على رصيد هائل من المعلومات الضرورية التى يجب التسليم بصحتها لتكون منطلقا 
فى البحث وتشكل القاعدة الأساسية والإطار المرجعى الذى يجب أن تتمحور حوله 
الأبحاث . 

والمشكلة الكبرى التى تعانى منها العلوم الإنسانية الغربية ليست فى كونها لا تملك 
مثل هذا الإطار المرجعى الموحد فحسب ؛ رغم ما تدعيه من إمكانية ذلك - بل إنها 
تنكر أن يكون هناك منهج علمى آخر يملك هذه الخاصية . 

لقد كانت الأهداف التى رسمتها مناهج العلوم الوضعية وناضات من أجلها بكل قوة 
أن تزحزح مجموعة من المسلمات الفكرية ألتى كانت تشكل قاعدة للتفكير عن الساحة 
المعرفية , ولقد نجحت بالفعل فى إحداث تصدع عميق فى القكر الدينى الذى كان يمثل 
تلك القاعدة وجعلته يتولى عن تقديم تلك الرؤية الشاملة التى كانت تخضع له كل العقول 
والفئات داخل المجتمع الفربى » ولكن العلوم الإنسانية التى قدمت نقسها بديلا عن 
النظام الفكرى السابق عجزت عن الوفاء بإيجاد هذا المطلب البديل . لقد راهنت العلوم 
الإنسانية على العلم بمعناه الإنساتى المحدود زمانا ومكانا ولكن طبيعة هذا العلم 
جعلها تخسر الرهان . 


48 - ينظر مقدمة ترجمة لكتاب كارل مانهايم : ايديولوجيا والطوبائية مقدمة قى علم اجتماع المعرفة ص ا4‎ )١( 
1974. ترجمة عبد الجليل طاهر , مطبعة الإرشاد ؛ بقداد‎ ٠ بتصرق‎ 


5.8 


لقد جاءت التتائج معاكسة لتوقعات الوضعيين نظرا لشدة التناقضات التى شهدها 
النصقف القانى عن القرن التاسع عشى والاتقسام الهائل فى النظريات الاجتماعية 
والنفسية والاقتصادية .. وما صاحب ذلك من تطبيقات علمية إضافة إلى الصراع 
الأنيواوصى الجاد الذى مين القرن العشرين ونا تمكح هته من اتقنيتام العاله إلى 
معسكرين متصارعين فضلا عن استعمار شعوب العالم المفلوية وهى أمر لعبت فيه هذه 
العلوم الدور الأكير . 

إن النقد الغربى التخصص فى هذه العلوم يؤكد بما فيه الكفاية حاجة العلوم 
الإنستائنة وى مثل هذا الالاالعرقي الوحد لتحتقق لتفنسينا قرا من المنقولية 
والانسجام وهى أمر يتطلب حتما عودتها إلى أحضان الدين الحق المؤسس على الوحى 
ولقى الذين الذئ:غارت علت وقافث على انتاضنة . 

إذنا لسن فى التق الغترين تسمه خائمكة العة إلى :هه لقاع ة الضلية لكو 
المنطلق الفكرى . فهذا ميشيل ديوان يقول : إن علم الاجتماع تجتازه التيارات الفكرية 
الأكثر اختلافا تتحول فجأة إلى حزبية ويمكن أن نقول يوجد تقريبًا من أتواع علم 
الاجتماع بقدر ما يوجد من علماء الاجتماع )١(‏ وهى ما يؤكده نيقولا تيماشيف أحد 
النقاد المتخصصين يقول : انقسم علم الاجتماع خلال الريع الأخير من القرن التاسع 
عشر بصورة تدعو إلى اليأس إلى المدارس الرئيسية والفرعية يحيث أصبح من العسير 
أنانجة آى عدن مق الالتقاء ينطوم الاجشباع المتعندة )وهو كلسة بها عدو حته يودق 
مورى إذ يقول ألا يوجد فى هذا الوقت ( فى السبعينيات ) بناء متكامل لنظرية علم 
الاجتماع حظى بالصدق أو بالقيول العام .. ' (') وما يقال عن العلوم الاجتماعية يقال 
عن بقية العلوم الإنسانية التى تشاركها فى نفس الحقل المعرفى ونفس المنهج العلمى 
وإن بدرجات متفاوتة ... 
5 - التوظيف الأيديولوجى لنتائج الأبحاث : 

لقد وظفت العلوم الإنسانية توظيفا أيديولوجيا يخدم الأهداف القومية للغرب على 
المستوى السياسى والاقتصادى والعسكرى بل والثقافى , وظهر فى هذا التوظيف 
شاقوا مكشدوها فى كقير من السائع التى انيت إليها الدراسات الاجتماعية 
والانترويولوجية . 


. 1973 . 28115 , 5002[65 6011308 43 . 2 ,ه810 [عطءتل8 , عع 106010 اك ونع ه[مك50 (1) 
(؟) نظرية علم الاجتماع طبيعتها وتطورها ص : 2١٠‏ ء ترجمة محمد عودة وآخرون ؛ دار المعارف القاهرة . .لإا , 
(1) تمهيد فى علم الاجتماع ص 45 توجمة محمد الجوهرى وآخرون - سلسلة علم الاجتماع ؛ الكتاب الرايع ط؛ , دار 
المعارق . القاهفرة . 154٠‏ . 


56 


لقد وظفت هذه الدراسات بشكل مباشر أو غير مباشر فى تبرير مشروعية استغلال 
الاستعمار الأورويى فى مرحلته العسكرية السابقة كما فى مرحلته الثقافية والاقتصادية 
الحالية وجاءعت نتائج كثيرة من هذه الدراسات لتعكس نظرة الرجل الغريى المأقل 
برواسب التاريخ إلى غيره من أجناس العالم » وظهرت النزعة العنصرية التى تعمل على 
تمجيد ثقافته كنسيج حضارى نموذجى ينيغى أن يهيمن على بقية الحضارات 
والثقافات . 

نجد أن هذه النزعة العنصرية تطبع أبحاث العاملين فى العلوم الإنسانية فى بداية 
تأسيسها كما فى مراحل لاحقة من تطورها . 

أن جوبنو وهى واحد من المؤسسين الأوائل كرس أبحاثه لإثبات فرضية تفوق 
الأجناس الشمالية والآرية صانعة الحضارة وضرورة الحفاظ على نقائها وعدم 
اختلاطها بغيرها من الأجناس المتدنية بإعتبار أن هذا يهدد العقلية الخلاقة والفرداتية 
للجنس الأبيض الذى تدين له الحضارة المعاصرة بوجودها )١(‏ . وهى نفس الفكرة التى 
نجدها عند لابوج الذى أعطى للجنس الآرى كل الصلاحيات يتصرف فى العالم كيف 
يشاء » والأرض كلها أرضه والعالم كله وطنه (") ولم تختف هذه النزعة العنصرية حتى 
عند المعاصرين فماكس فيبر من كبار رواد علم الاجتماع الألمان يؤمن بتفرد الحضارة 
الغربية والنمط الثقاقى الغربى , والعلم فى نظره لم يتم إلا فى الغرب وهى وحده الذى 
صاغ تاريخا علميا » وهى وحده الذى يتمتع بنظم سياسية وقانونية واقتصادية مبنية 
على أسس عقلية متينة ‏ ولقد انتهى به الأمر إلى التساؤل عن إمكانية غزى هذه 
الأصالة إلى صقات وراثية نظرا لما نصادفه فى الغرب وحده دون انقطاع من تعقيل 
أنموذجى إلى حد بعيد () , 

ولم يخف مارسل موس هذه النزعة الاستعلائية » أن الشعب الأورويى فى نظره 
وحده الذى يستحق أن يسمى أمة من بين شعوب العالم . فالأوكرانيون لم يكونوا أبدا 
أمة وكذلك البولونيون لم يكن لهم وجود مستقل , وكل شعوب أسيا ٠‏ وتبقى أورويا وهنا 
تأسس القانون العام القومى والعالمى لهذه الأشكال من المجتمعات حيث ظهرت عدد من 
الحكومات التى تستحق لقب الأمة ) , 


ركقة2 (. « . لآ . #) 1941 . 1,2[ عمره! , معتطقى8 . ا , عتطممدماتطم و1 عل ععتمنأواكا (1) 
1044 


1 , 28215 ( . 7 . 1 . 2 ) 82 . 2 , [نامطأناه8 . 0 , عأعه1اماعمة 15 عل مزه أولك1 
() عن تمهيد فى علم الاجتماع عبدالكريم الباقى » ص ١78‏ مطبعة جامعة دمشق , ط 7 , 1537 . 
() علم الاجتماع عند ماكس فيير ٠‏ جوليان فروند , ترجمة تيسير شيخ الأرض , منشورات وزارة الثقافة والإرشاد 
القيمى » دمشق ,15517 , ص 579 -110 . 
. لمتلنلة 167 1968 (2.17.5) 53-55 . 8 رعلالاعمعمةء لمعل عدم . 313055 (4) 


51 


ولم يكن ريمون آرون الناقد الاجتماعى الفرنسى مغايرا فى موقفه كما لم يكن أقل 
مثالية من سلفه أوجست كونت حينما قرر أن المجتمع الصناعى وهى مجتمع أورويا 
الغربية يتمتع بخاصية نموذجية وسيصيح مجتمع الإنسانية كلها ... فالتنظيم العلمى 
للعمل هو خاصية مميزة المجتمع الأورويى وهى بالتأكيد أكثر فعالية من كل التنظيمات 
الأخرى حتى أنه أبتداء من الوقت الذى اكتشف فيه السر من قبل شعب كان على 
أطراف الإنسانية أن نأخذ به لأنه شرط الازدهار والتقد.!(!) . 

هذه بعض المنتخبات تأكد مدى تغلغل الخلفيات الأيديولوجية التى تصدر عنها 
العلوم الإنسانية مما يفقدها طايعها العلمى . ولعله من المسلم به عند النقاد الغرييين 
أنفسهم أن الأهداف الأيديولوجية التى تعترض طريق هذه العلوم فى تحقيق علميتها . 

إن العلم حينما يتحول من أداة معرفية إلى أداة ايديولوجية يفقد أخص خصائصه 
ويبتعد عن أهدافه ويتحول إلى دعوة عقائدية وفى أحيان كثيرة إلى جدل عقيم . إن 
هناك اختلافا جوهريا بين العلم والأيديولوجيا , فالعلم كما يقول أحد النقاد يحمصر 
مهمته فى الكشف عن الحقيقة بينما يبحث الأيديولوجى عن الحقائق التى تثبت عقيدة 
اختيارها ووافق عليها سلفاء فالنزعة الأيديولوجية سواء كانت محافظة أو ثورية تسعى 
إلى تحقيق مصالح أو المحافظة على مصالح معينة ؛ على خلاف العلم الذى لا نجد لديه 
أى إلتزام سياسى لأنه حصر معمته فى الكشف عن الحقيقة(") . 

لقد وظفت العلوم الإنسانية توظيفا أيديولوجيا يخدم أهداف الدول الاستعمارية 
سياسيا واقتصاديا وعسكريا . 

١‏ - فى امجال السياسى : فقى المجال السياسى توجه البحوث التى تقام حول الدول 
المتخلفة لتقديم بيانات تفصيلية حول وضعية هذه البلدان لإحكام السيطرة عليها باسم 
تحضير هذه الدول وحاجتها إلى معونة تقوم على تنظيم شئونها . 

ولقد كشف أحد النقاد الغرييين عن الدور الذى قامت به هذه العلوم فى تثشبيت 
السياسة الأمريكية الخارجية وهى - كما يقول - مسيرة من قيل أحد المتخصصين فى 
العلوم الاجتماعية وهى الأستاذ كسنجر المتخرج من جامعة هارفرد » وأن الأيديولوجيا 
المهيمنة على العلوم الاجتماعية المنتشرة بشكل واسع فى الولايات المتحدة وعلى 
مساحات واسعة من العالم تستنتد إلى دراسة موضوعية للواقعة الاجتماعية وقائمة 
باسم علم يزعم الحياد وعلى تتائج ستكون رهن إشارة الجميع بشكل ديمقراطى() . 

. 86 . 8 ,عناوأع 501010 ع56معم 12 ع0 5عم6]3 5ع[ (1) 
)١(‏ البنائية الوظيفية فى علم الاجتماع والانثرويولوجيا المقاهيم والقضايا . ص 8 , د . على ليلة ؛ طبعة دار المعارف , 


1 
.0 . 2 ,112116 هل 2 لممك8 10-18 . 60 ,ناقنامآ فصع , عسوم امك 50 هل ع:زه597 621 ع1 (3) 


51 


ولطنا نجد فى تصريحات علماء الاجتماع الأمريكيين ما يغنى عن كل تأويل . يقول 
أرنولد جرين ' إذا كانت حكومات الولايات المتحدة ترغب فى إقامة روابط اقتصادية 
وسياسية وثيقة مع بلدان شعوب العالم بأسره ' فعلينا تحن ( يقصد علماء الاجتماع ) 
أن نعرف أكثر ما نعرفه عن هذه البلدان وعن شعويها ما هى ثقافتهم . ما هى 
اتجاهاتهم السائدة نحو الولايات المتحدة ونحو النمو التكنولوجى » ما هى معتقداتهم 
وانحيازاتهم التى يمكن التعرف عليها والإفادة منها بجذيهم إلى ملك تفوذها , ما هى 
المعتقدات والانحيازات التى يجب أن نعد لها أو نتقيلها قبل أن نتمكن من تحقيق ذلك , 
ما هى الأبنية الاجتماعية الطبقية السائدة ومركز القيادة ومن هم هؤلاء الذين نحتاج 
تعاونهم أشد الاحتياج قبل الشروع فى تنفيذ مختلف البرامج ويعد البدء فى هذه 
البرامج » فإن علينا أن نواصل جمع الإجايات على هذه الأسئلة جميعها والتاكد 
منها"() . 

؟ -فى امجال الاقتصادى : حاولت بعض الدراسات المتعلقة بالتنمية أن تيرر 

الدور الذى يمكن أن تلعبه الدول المتقدمة فى القضاء على التخلف داخل دول العالم 
الثالث » وفى هذا الإطار قدمت نظريات كان ظاهرها إضفاء الصبغة العلمية على 
السبل الكفيلة بالقضاء على أسباب التخلف وهى فى حقيقتها تعمل على تعميق 
الاستغلال والسيطرة الاقتصادية وتثبيت التبعية الاقتصادية للدول الاستعمارية . 

ولقد كشف اندرجوندر فرانك أحد النقاد الغربيين الزيف العلمى الذى تخفيه تلك 
النظريات الاقتصادية وأيعادها الاستعمارية . ففى مجال القروض وانتقال روس 
الأموال الأجنبية قصد التنمية ظهرت نتائج معاكسة تماما فقد كان الهدف من هذه 
الاستثمارات خاق مشكلات تعمل على الحيلولة دون تحقيق استقلال اقتصادى لهذه 
الدول حيث يقوم الاقتصاد القومى بتقوية رأس المال الأجنبى وإضعاف نفسه فى نفس 
الوقت . وفى مجال نقل التكنولوجيا كشف هذا النقد على أن الدراسات التى أنجزت 
فى الميدان وعملت على نقل التكنولوجيا التى تتفق مع أهداف الدول الرأسمالية 
الاستعمارية مع القضاء فى نفس الوقت على التكنولوجيا المحلية التى كانت سائدة فى 
تلك البلدان مما مكنها من احتكار الإنتاج الصناعى واستخدام التكنولوجيا لممارسة 
السيطرة والتحكم فى تلك الدول(') . 

" - فى امجال العسكرى : يكشف النقد الغربى ذاته عن الإسهامات الخطيرة للعلوم 
الاجتماعية والانثرويولوجية على الخصوص فى تثبيت السياسة الاستعمارية » ويذكر 


)١(‏ نقلا عن كتاب أوسيوف : قضايا علم الاجتماع دراسة نقدية لعلم الاجتماع الرأسعالى ٠ص ٠ 27١‏ ترجعة سمير تعيم 
- أحمد فراج , دار المعارف , القاهرة , ةا 

(؟) دراسات فى التغير الاجتماعى : ص ١/4 ١531‏ : ترجمة د . محمد على وآخرين : طا ١5/4‏ ء دار الكتب 
الجاممية , 


اندقف 


فرانك العديد من المؤلفات التى وضعت خصيصا لهذه الأهداف تحت رقابة وكالة 
المخايرات الأمريكية(١)‏ هذا فضلا عن توجيه اليحوث الجامعية والأكاديمية وتجنيد 
الكليات العلمية ومراكز البحث العلمى لنفس الأغراض ياسم البحث العلمى الخالص(")., 

وتدعيما لهذا التوجه المكشوف أنشأت الحكومات الفربية فرعا جديد! للعلوم 
الاجتماعية عرف يطم الاجتماع الاستعمارى » وظهرت أهداف هذا القرع من 
الدراسات الاجتماغية واضحة فى المؤتضر الدولى لعلم الاجتماع الاستعمارى الذى 
العقف خشديهنا ليذ لامو فى بارسن شق 15 هده وقبوعة كنا كف اند 
المؤتمرين فى التقرير التمهيدى فى دراسة المسائل الأخلاقية والمجتمعية المرتبطة لحركة 
الاستعمار () . 

وفى مجال الدراسات الانثروبولوجية كرست الاتجاهات العلمية لخدمة نفس 
الأهداف ويكفى أن المجال الذى تعمل فيه هذه الأبحاث هى المجتمعات المتخلفة أو ما 
نسميه بالبدائية وقد ربط كثير من التقاد الاجتماعيين بين اختيارها لهذا المجال وبين 
كرفا لأهداف استعمارية وأوضهوا الضلة بينها ونين الاستعمان مذ نفناتها انان 
القرن التاسع عشر حيث عملت الدراسات الانثرويولوجية على الحفاظ على الوضع 
التريئ والحذلق ليذه المجتنحات لليقاء على السيادة الاستعهارية واحكار 
مواردها(؟). 

قد اكد هذا الثوجه الاستسارى نيذه الحو عمدةالأناريواوجدين ابقاقق برعشارد 
واعترف بخضوعها لإشراف وتوجيه وتنظيم الوظائف الإدارية الاستعمارية وأكد أن 
المرشحين لشغل هذه الوظائف هم فى الأصل متخصصون فى الانثرويولوجيا وظلوا 
أعشباء فى معزي الانرو بواجا لمكن( , 


: الفصل بين العلم والقيم وتحرير البحث العلمى من التوجيه الأخلاقى‎ - ١ 

لقد فصل المؤسسون لمناهج العلوم الإنسانية بين البحث العلمى ويين مجال القيم أو 
بين ما يسمونه بأحكام القيمة وأحكام الواقع وذلك لإعتبارات منهجية » فقد كانت القيمة 
تمثل أكبر عائق فى سبيل تقدم اليحث العلمى حيث اعتقدوا أن البحث العلمى لابد أن 


. ١45 المرجع السابق , من‎ )١( 
)2( رقت[2 50 دععوع ك5 دعل 5ع146)800 2.121 ,غنوه اماء50 نال عزه53 0201 هآ‎ 2. 319, 
2/1. 030 كتهقم 1221102 ,هتالت 36907 رهاا‎ 0 
. 1947 . (؟) العلوم الإنسانية والايديواوجيا . صن 171 , محمد وقيدى . الشركة المغربية للناشرين المتحدين , طا‎ 
: 44 قصة الانثربولوجيا . صن 177 , حسين قهيم : سلسلة عالم المعرقة عدد‎ )4( 
يكذلك . 319 . 2 روع[هك50 5ععترع ك5 وع0 5ع00طا1/16‎ 
. الهيئة المصرية العامة للكتاب‎ , 198٠ , الاتثريولوجيا الاجتماعية . ص 177 ؛ ترجعة أحمد أبو زيد , طلا‎ )( 


51 


يكون بحثا محايدا ومجردا من كل القيم والمعابير الأخلاقية يقتصر على الوصف , 
وصف ما هو كائن دون التعرض لما ينبغى أن يكون . 

إن الالتزام الأخلاقى فى نظرهم يعبر عن ميولات إنسانية ذاتية وعلى الباحث أن 
يتخلص إذا أراد أن يكون نزيها وعلميا وموضوعيا عن كل القيم والأفكار التى يعتقدها 
وكل التزام قيمى يعتبر خروجا عن المنهج العلمى . 

إن العلم كما يقول بعض الرواد المؤسسين للعلوم الإنسانية ينيقى له أن يبحث عن 
الغايات التى نسعي وراء تحقيقها وهو لا يميز بين الخير والشر لأنه لا وجود للخير 
والشر فى نظر العلم وهى لا يتدخل فى تحديد الغايات التى ينبغى تحقيقها ويجب أن 
نقلع عن تلك العادات التى مازالت شديدة الانتشار ونعنى بها تلك العادات التى 
تدعونا إلى الحكم على النظم والتقاليد الاجتماعية والحكم على العادات الخلقية كما لى 
كانت حسنة أو قبيحة فى ذاتها وفى جميع النماذج الاجتماعية دون تفرقة ما )١(‏ , 

إن الدوافع إلى اتخاذ هذا الموقف المنهجى تجد لها جذورا عميقة فى التاريخ 
الفكرى الغريى نفسه لقد كان الفكر الغريى فى المرحلة السابقة يترفع عن الأسلوب 
العلمى الذى يقوم على وصف الوقائع لغرض أفكار ومثل معينة كما يتصورها 
الفلاسفة ورجال الدين . وفى ظل هذا النظام اللاهوتى والميتافزيقى يعجز العلم عن 
التطور والنمى ويبقى محكوما بتصورات قيلية ومفاهيم جاهزة . فقد كان المنهج سائدا 
أحاديا يهتم فقط بما ينبغى أن يكون عليه الواقع الاجتماعى كما يتصوره الفلاسفة فى 
وقت يغيب فيه المنهج الوصفى التحليلى للوضع الاجتماعى السائد . 

ومع التوجيه الجديد للعلوم الإنسانية وسيادة النظرة الوضعية , وجد العلماء أن 
النظرة المتعالية والانطلاق من مثل وقيم سابقة وجاهزة يوّمن بها الفرد , كل ذلك يعبر 
عن نزعة ذاتية تحول دون تحقيق الموضوعية المرجوة فى مجال العلوم الإنسانية . فلقد 
رفضت المناهج الوضعية الطرق الفلسفية التقليدية فى البحث باعتبارها نظريات تأملية 
ميتافزيقية لا تكشف عن حقيقة الظاهر بقدر ما تعبر عن المثال الأخلاقى الذى تتصوره 
هذه النظريات . 

إن القضية الرئيسية التى شغلت المذاهب الفلسفية هى اختيار نظام أفضل من 
غيره وإصدار أحكام ذات قيمة خلقية وليست تلك وظيفة العلم حسب اعتقاد الوضعيين 
ومن هنا تأتى ضرورة تحديد مجال هذه الدراسة الجديرة بأن تحمل لقب العلم ؛ ولم 
يكن هذا المجال سوى ما يوجد فعلا وواقعا لا ما يوجد افتراضيا ومثالا فليس العلم إلا 
نتيجة لإنكباب العقل على دراسة جزء أى مظهر من مظاهر الحقيقة الواقعية (' , 





1١6375 دوركايم : قواعد المنهج فى علم الاجتماع بص‎ )١( 
ينظر هذا المجال : ليقى بريل الأخلاق وم العادات الأخلاقية . ص 58 , ترجمة محمد قاسم مطبعة مصطفى‎ )1( 
اليابى الحليى 0 القاهرة 0 هذخا‎ 


نلف 


وإذا كانت مناهج النظريات الفلسفية السابقة أحادية تهتم فقط بما ينبغى أن يكون 
دون استطلاع ما هى كائن فى مناهج العلوم الإنسانية فى شكلها الوضعى لم تنج من 
هذه النظرة الأحادية إن تقتصر فقط على دراسة ما هو كائن دون الاهتمام يما ينبغى 
أن يكون فجردت الباحث من كل إلتزام أخلاقى وجعلت منه مجرد آلة استطلاع وهى 
منهج لس أقل خطورة من سابقه لما يؤدى إليه من إعطاء تبرير مشروع لأنواع 
السلوكيات المنحرفة والظواهر المرضية ما دامت وظيفته تقتصر فقط على الوصف دون 
إصدار أحكام تقويمية . 
8 - تعميم مبدأ النسبية فى مجال الغوايت : 

لا نجانب الصواب إذا قلنا إن شعار الحياد الأخلاقى فى العلم قد وضع أساسا 
لتبرير الواقع الاجتماعى بكل إنحرافاته وفرض القيم السائدة التى تظهر فى أعراف 
الناس والبرهنة على مشروعية العادات الاجتماعية كما هى فى المجتمع بغض النظر 
عما تحمله من معانى خلقية مستحسنة أو مستهجنة . فالمجتمع أو الوسط الاجتماعي 
هو الذى يحدد سلوكنا وأخلاقياتنا والعرف هى منيع مثلنا , وكل عادة أقرها المجتمع 
فهى مشروعة , مهمة العلم هى تتبع التقاليد والأعراف الشعبية بالدراسة والتفسير 
وليس لهم أن يرفضها استنادا إلى مقاييس يؤمنون بها ويعتقدون فيها , فالمقياس 
الحاصل هو الوسط الاجتماعى وما يفرزه من أنماط السلوك والقيم . 

فى هذا الإطار يقول بعض الرواد المؤفسسين لمناهج العلوم الإنسانية : إن المجتمع 
هو وحده الذى يشعر بذاته شعورا يكفيه ليشرع هذا النظام الذى يرمى به إلى التعبير 
عن نفسه على النحى الذى يدرك به ذاته » فالنتيجة التى تتحتم منطقيا هى إذا كان 
المجتمع هو غاية الأخلاق فإنه أيضا ميدعها )١(‏ . فإذا كان المجتمع هى متبع القيم 
ومبدعها فإن التعرف على هذه القيم ينبغى أن يتم بملاحظة ما تفرزه سلوكيات الناس. 
فحسب الوضعية لا يمكن أن تأتى المعرفة بالحقيقة الأخلاقية إلا عن طريق القواعد 
الخلقية التى تسود فى بيئتنا والتى تقع تحت حواسنا فيتردد صداها فى تفكيرنا على 
هيئة بعض المعانى العامة فإذا كنا نريد معرفة المعتقدات والأخلاق الشعبية فى مجتمع 
ما عليتا إلا أن نأخذ فى دراسة الأمثال والحكم الشعبية التى تعبر عن هذه الأخلاق 
والمعتقدات 9) , 

وإذا تتبعنا هذه الطريقة العلمية حسب الوضعية ؛ فسندرك حقيقة أنه ليس هناك 
مثال تتعلق به الإنسانية قاطبة , والعكس هو الصحيح إن كل مجتمع يضع لنفسه مثالا 


. دوركايم التربية الأخلاقية . ص 8ه‎ )١( 
بتصرف‎ 1١١ ٠١ , (؟) دوركايم : قواعد المنهج فى علم الاجتما ع . ص 5ه‎ 


املف 


حول الإنسان وما ينبفى أن يكون عليه سواء من وجهة النظر العقلية أو المادية أى 
الأخلاقية ‏ وهو مثال إلى حد ما ثابت لكل المواطنين وإن كان يختلف عند حد معين 
عسنى الأنفان1لا) . 

لم يعد ممكنا فى ظل هذا التوجه الجديد للعلوم الإنسانية أن نتحدث على وجود 
نموذج اجتماعى مثالى نعتقد فيه ونتطلع إليه ونعمل على صياغة سلوكنا وفق أهدافه 
ومقرراته » فالنظرة النسبية تقتضى أن تثيت لكل نمط اجتماعى وثقافى مثله وقيمه 
الخاصة التى تحدد زمانا ومكانا » مادام مقياس الخطأ والصواب يخضع للمتواضعات 
الاجتماعية . 

ولقد عملت مناهج العلوم الانسانية على تكريس النظرة الوضعية إلى أبعد الحدود 
حينما جعلت من المتواضعات الشائعة بين الناس مقياسا للحق والعدل والخطأً 
والصواب والخير والشر » واعتبرت شيوع نمط أخلاقى معين دليلا على صحته 
لإستجابة الناس له , وبالمقايل اعتبيرت صور بعض القيم دليلا على مرضيتها . 

لقد كان لهذا التوجه نتائجه الخطيرة على المستوى العلمى فقد شكل قناعات الناس 
بضرورة الانصياع للقاتون الأخلاقى السائد مهما كان موغلا فى الانحراف » بل إن 
البحث العلمى على المستوى الميدانى تأثر بهذا التوجه تأثرا بليفا وقد اعتبرت البحوث 
التى قامت حول ظاهرة الزنا أن هذه الظاهرة سليمة مادامت تجد قبولا عند الناس 
وكانت نتيجة البحث الجنسى المتحرر من القيم الذى أجراه الباحث الاجتماعى كينزى 
عن تحول الانتباه عن الزنا والتركيز على منع الحمل (') فالزنا فى حد ذاته لا يشكل 
ظاهرة مرضية ولا يعبر عن سلوك مضاد للأخلاق . فالرذيلة فى عرف علماء الاجتماع 
تطلق على السلوك المنافى لعرف الجماعة فى زمن بعيد ومكان معين » ولذلك يقول عالم 
الاجتماع سمنر : إن العفة الجنسية هى التوافق مع تيار التحريم السائد فى العلاقات 
الجنسية ؛ وهى نقسه يقول : " إن الأعراف تصنع المجتمع " 9) . 

كانت المسيحية بالرغم من تهافت معتقداتها تقدم تصورا موحدا باعتبارها عقيدة 
وحيدة تشكل عقلية الناس وتصوراتهم حول الكون والإنسان والحياة : وكانت وحدة 
الحقيقة سمة من سمات العصر الوسيط الغريى المسيحى ٠‏ 

ولقد أكد هذه الحقيقة مؤرخو الفكر الغربى كما عبر عنها كرين يرنتن وهى يقول : 
"إن اللفظة التى ينتهى إليها المرء إن عاجلا أى آجلا عند البحث فى العصور الوسطى 





5 . 2 رعأعو[م كن 50 اع مملأهعنالة , ماع طعلسط (1) 


(1) عن مجلة المسلم المعاصر ص "١‏ .ص 74 . 
9 ثقلا عن فقوزى دياب : القيم والعادات الاجتماعية ص 8ه . دار الكتاب العربى للطباعة والنشر , القاهرة , ٠ ١5015‏ 


"1/ 


هى الوحدة قى تلك السنوات كانت ثقاقتنا الغربية فى الواقع واحدة عندما كان هناك 
مجتمع مسيحى موحد يرتبط فيه الروحانى بالدنيوى بصورة لا تتجزأ حيث لا توجد 
مذاهب دينية معارضة أو قوميات متنافسة )١(‏ . 

وعندما تولى النظام الدينى أمام الصدمات العنيفة حلت محله مذاهب فلسفية ودينية 
واجتماعية شتى زعزعت النظام الفكرى والاجتماعى السائد على السواء وشككت فى 
كل القيم السائدة ولم يعد هناك نظام يقينى ثابت يمكن للإنسان أن يطمئن إليه ويرجع 
إليه فى حالة الاختلاف . 

لقد كانت الفلسفة الوضعية تعمل جاهدة لتقديم نظام يقينى موحد يقضى على 
الانفصام الموجود فى الفكر الغربى بتعميم المنهج الوضعى فى طرق التفكير وأساليب 
العيش والتشكيلات الاجتماعية والسياسية ... مع استئصال وإقصاء كل مظاهر 
التفكير الديتى عن تلك الميادين ولكن اليديل الوضعى مع تغلغله العميق فى كل مظاهر 
الحياة الغريية فشل فى استيعاب كل القئات والتيارات الفكرية والفلسقية والدينية ... 
فقد ظل له معارضوه وظل مع هذه المعارضة الانقصام قائما فى الشخصية الغربية 
المسيحية . إن الرجل الفريى المسيحى لم يجد أمامه سوى أمرين : إما أن يرفض 
المسيحية ويحاول تكوين نظرة موحدة للكون دون الارتكاز على الأساس اادينى وإما أن 
يصبح شخصا ممزقا بين ما يؤمن به عقيدة وما يعيشه فكرا وواقعا . وقد كتب جوليان 
هكسلى فى تحليل هذا التمزق يقول : ' إن مثئنا العليا تكون عرضة للهجوم لأنها غير 
انشقاقها إلى قسمين بين الطبيعى والخارق بين الله والبشر بين المادة والرووح » سوف 
تظل مدينتنا الغربية تعانى من انفصام يكل ما تعنيه الكلمة وسوف تفشل مكنا العليا 
فى تزويد القوة الفعالة للقيام يعمل هادف حقيقى 9) , 

وهذا التمزق الذى عبر عنه هكسلى بين الطبيعى والخارق هو حصيلة التفكير 
الوضعى الذى استطاع فعلا أن يهدم التصورات الدينية دون أن يوطد البديل الوضعى 
الذى كان يحلم به . والرجل الغريى اليوم كما عبر عن ذلك يعض مفكرى الغرب لا يأمل 
فى التحرر من هذا الانفصام والتمزق وقد عبر كرين برنتن عن خيبة الأمل هذه يقول : 
' إن الاحتمال بأن الأجيال المقبلة لن تشهد تحولا فى النظرة الكونية الغربية » وإنتا 
سوف نستمر إجمالا على قبول الإجابات عن المشكلات الكبرى التى نقبلها اليوم بكل 
ماقيها من تتوع يحير الألباب وتناقض متبادل . إن هذا الاحتمال قائم دائما 
واستمرار هذه الحالات العقلية القائمة ممكن طببيعة الحال " ( . 





"79 أفكار ورجال قصة الفكر الغريى ؛ ص‎ )١( 
. ١5ص.‎ ١1 (؟) الدين بلا وحى . ص 8 » نقلا عن المسلم المعاصر ع‎ 
. 559 (؟) أفكار ووجال . ص‎ 

الف 


: تبرير مشروعية النزعة الإلحادية‎ - ٠ 

هناك من الغربيين أنفسهم من يقول إن الإلحاد والوثنية خاصيتان شكلتا المضمون 
الآمناس اللقكر الغريى ولع كن السسحنة تفي طارئةعاين سترعان ها كجاوده لعو 
إلى أصله القديم . قإذا كانت مناشج العلوم المماصرة تسعى إلى إزاحصة الأسلوب 
الدينى عن ساحتها » وترسيخ المفاهيم المادية للكون والحياة فهى إنما تعمل ذلك لتزيح 
عنها أسلويا غريبا عن مزاجها وروحها وتاريخها الثقافى والفكرى والاجتماعى . 
المسيحى يقدر ما هى متغلغلة فى التاريخ تمتد إلى التراث الرومانى واليونانى » فقد 
كانت هاتان الحضاراتان متشيعتان بالروح المادية والايمان بالمحسوس والاضطراب 
فى العقيدة « وحتى الحياة الروحية صيغت بالصيغة المادية وتحولت إلى حركة عقلية 
وذهنية محضة كما يقول الكاتب الغربى " ليكى ' صاحب كتاب أخلاق أورويا : * إن 
المصريين كانوا يعظمون آلهتهم بالرقص والفناء ولا نعلم دينا من الأديان يزاحم دين 
اليونان وتقاليده فى كثرة الأفراح والأعياد والألعاب " )١(‏ , 
صفقات الله وقدرته إلا فى شكل آلهة نحتوا لها تماثيل وينوا لها الهياكل والمعايد وهى ما 
انتمت إليه الفلسفات الأورويية الحديثة والمعاصرة . 

لقد تميزت الحضارة الاغريقية بشدة إيمانها وقلة اكتراثها بالدين وشدة الاعتداد 
بالحياة ومنافعها وشدة الاعتزان بالقومية والتعصب لها ') وهى نفس المبادئ التى 
اتطلقت منها وانتهت إليه النمضة الأوروبية إيمان عميق بالعالم الطبييعى على أنه 
العالم الوحيد الذى يسعد فيه الانسان ويجد فيه مطالبه ويلبى حاجاته المادية والروحية 
إيمان عميق بالانسان على أنه مركز الثقل فى العالم والعامل الفعال فى التطور 
والابداع والايمان بالعقل وحده على أنه الوسيلة الوحيدة التى تضمن السيطرة على 
العالم وتسخير إمكاتاته بالاعتماد على العلم وحده (9) . 

إن هذه النظرة المادية إلى الكون والإنسان هى سمة الفكر القريى وهى السمة التى 
ستحكم سير العلوم الإنسانية . وتعمل على ترسيخها بطريقة علمية لوصول إلى 





, دار الكتاب العربى .طة‎ , ١631 ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين . ص‎ ٠ نقلا عن كتاب أبى الحسن الندوى‎ )١( 
. ١4 

0( المرجع السابق : ص لا6١.‏ 

(؟) قسطنطين زريق ؛ مقال يعنوان المنهج العصرى محتواه وهويته , إيجابياته وسلبياته ه ص 1١1‏ . مجلة المستقيل 
العربي » عدد 65 . 


51 


لقد طرجت العلوم الإذسائية نفسها بديلا للدين فى تنظيم الشئون الحياتية والروحية 
للإنسان فكان عليها أن تصبغها يقيمها ومفاهيمها الجديدة لتعيد تشكيل تصوراتها 
وأخلاقياتها ومثلها وفق معطيات العلم الذى لا يؤمن بقير المحسوس ولا يعترف بوجود 
قوة خارقة تتجاوز قوة الإنسان كفرد إلا فى إطار الإنسانية ككل . ككائن جماعى 
يسمو عن الفرد . 

تلك كاتت محور الفكرة التى حام حولها الرواد المؤفسسون وعيروا عنها بأساليب 
وصياغات مختلفة ولكنها تلتقى حول نفس الأهداف الصياغة المادية للمثل والقيم 
والأخلاقيات التى تؤطر سلوك الإنسان . وننقل هنا نصا لأحد هؤلا ء الرواد المؤفسسين 
وهى تموذج للتبريرات العقلية لمجموع التصورات المادية يقول فيه : ' إذا كان أثر 
السلطة الأخلاقية فى اعتقاد الناس راجعة إلى الإرادة الإلهية التى تفوقهم فإن 
استبعاد الإرادة الإلهية سيحل محلها إرادة الكائن الجمعى الذى يتميز بنقس القوة , 
وإذا كان الدين لا يصور الوجود الإلهى على أنه مشرع النظام الأخلاقى فحسب بل 
وأيضا المثل الأعلى للإانسان , وإذا كانت تلك هى نظرة فى تحديد العلاقة بين الله 
والانسان فإن علم الاجتماع يطرح هذه العلاقة نقسها بين الفرد والمجتمع حيث تتعلق 
الإرادة البشرية هنا بغاية فوق الفردية وترتبط بمصدر أعلى تذبع عنه . وإذا كان الدين 
يلهمنا بمشاعر نحو أولئك الذين يسيرون معنا نحى تحقيق فكرة الله ويظل بيننا الله 
متمثلا فيهم فإن علم الاجتماع يلهمنا بمشاعر نحى أولئك الذين يسيرون معنا نحو 
تحقيق فكرة الكائن الجمعى ويظل بيننا متمثلا فيهم , وكما يرى المؤمن فى الجزء 
الرفيع من ضميره قبسا وشعاعا من النور الإلبى كذلك ثرى نحن قيسا وشعاعا من 
المجتمع . إن التطايق بين النظرتين كامل إلى حد يجعله هو وحده أبلغ دليل على ذلك 
الفرض الذى طالما أشرنا إليه هنا أعنى به أن الألوهية هى التعبير الرمزى عن دوح 
الجماعة )١‏ , 

لقد وجدت هذه النزعة الإلحادية المكشوفة معارضة داخل الأوساط القغريية نفسها 
ولكنها لم تكن قادرة على الوقوف ضد التيار الجامح فقد غابت فكرة الإله عن ساحة 
اللوم الانساتية ولم يعد مستساغا أن يتجه البمت الامى إلى التعزف :على القدزة 
الإلهية المبدعة الفاعلة فى الطبيعة والمجتمع فالتحليل العلمى فى شكله الوضعى لا يؤمن 
بوجود قوة فاعلة داخل حدود الواقع المحسوس وهو يعتبر ذلك خروجا عن اهتمامات 
العلم وميدان بحثه ودائرة اختصاصه . 


مقترحات خول صياغة منهج إسلام يديل .: 
لقد شهدت الساحة العلمية قى العالم الإسلامى محاولات نقدية متعددة تناولت 
مناهج العلوم الإنسانية وقد استنفذت قواها دون أن تقدم بديلا منهجيا يسير بهذه 
المناهج نحو تجاوز أزمتها , 
)١(‏ دوركايم ؛ التربية الأخلاقية . ص١ ٠١‏ . 
كفم 


لقد تبلورت مناهج العلوم قى صيفتها المعاصرة فى أحضان الثقافة الغربية ولا 
والكا خهو العربيان م سكم رفن كارو جتافج هله الجلوع رامت مكازلات تقد 
باستمرار غيرت كثير من المفاهيم التقليدية ولكنها فشلت فى إحداث تغيير جذرى فى 
متاقج هذه الطرد لي وك رمو أن :إزمة هته | لناهح وه لا يكدوا من أرمة الذكر 
الفربى الثقافة الغربية والقيم الغربية » وهى نتاج طبيعى لمنطلقاته تلك تشكلت فى 
ظروف تاريخية وثقافية حرجة . 

وإذا كانت المحاولات التقدية لمناهج العلوم قد فشلت على المستوى الغربى لأنها تنيع 
من داخل المنظومة الفكرية الغربية نفسها فقد كان من المنتظر أن تقوم محاولات نقدية 
خارج هذه الخطونة الفكرية تكن قادرة على إكراكها لما قدمة من تجارب ثقافية 
ومفاهيم معرفية مغايرة للتجربة الغربية حتى يحدث التلاقح الفكرى والتواصل المعرقفى 
وتثمر الجهود فى تصحيح مسيرة هذه المناهج : 

لفك امت مَكاولاك تقدنة بن هِذا النوع فى العالم الفرمئ عد تمدقت قرن رخدي 
على اقتحام العلوم الانسانية لجامعات العالم الإسلامى والعريى . فقد قامت بعض 
المحاولات النقدية فى السبعينيات من هذا القرن ولكن تدويل المناهج الغربية وهيمنتها 
على مؤسساتنا الجامعية ومراكزذا العلمية جعل من تلك المحاولات الثقدية مجرد صدى 
للتيار النقدى الذى نش فى الغرب فكان نقدا من داخل المنظومة الفكرية نفسها يحرر 
مفاهيمها ويترجم مقولاتها ويقتطف بعض أزهارها دون أن تكون له القدرة على تمثلها 
وهضمها قصد تجاوزها . ولقد كان من الممكن أن تلعب الحملات التقدية فى الجامعات 
والمراكز الإسلامية دورا تاريخيا حاسما فى مناهج هذه العلوم لى أنها حققت لنفسها 
قدرا من الإستقلالية الفكرية وتحررت من ثقل التبعية المذهبية والمدرسية واستثمرت ما 
تملكه من رصيد معرفى وفكرى وعقدى غنى وزآخر يتجاوز منطقة الظنون والنظريات 
إلى عالم اليقين والحقيقة لإنبثاقه عن أصول معرفية تتصل بالوحى الإلهى الصادق 
الثايت وهى الأساس الذى تفتقر إليه المنظومة الغريية مما جعل أزمتها أزمة هيكلية 
وجعل تجاوزها لهذه الأزمة مشروطا بتلقيح التجرية الغربية وهى تجرية رائدة فى هذا 
الميدان بعناصر فكرية ومعرفية مغايرة لما استقرت عليه المناهج الغربية من مفاهيم 
مادية جاهزة . 

تلك هى جوهرالأزمة كما أتصورها وهذه بعض الخطوات المقترحة لإعادة صياغة 
هذه المناهج صياغة علمية خالصة بعيدة عن تلك الضغوط التى تفرضها الخلفيات 
الفكرية الغربية . 


لفق 


أولا : إعادة الاعتبار للوحى كمصدر معرفى فى مجال علوم الإنسان 

إن الوظيفة التى يقوم بها الوحى فى المجالات المعرفية المخلفة ليست على درجة 
متساوية وحضور النص القرآنى أى الحديثى ليست له تفس الأهمية المعرفية من حيث 
الوظيفة التى يؤديها . إن النص قد يستقل بإعطاء إجابات نهائية فى بعض القضايا 
ولكنه فى قضايا أخرى قد يكون حضوره لمجرد التوجيه والترشيد » فحاجتنا إلى النص 
قد تقوى أى تضعف بحسب طبيعة المجال المعرقى الذى نعمل فيه . 

وعلاقة الوحى بالعلوم الإنسانية علاقة متعددة الجوانب من الصعب أن تلم بمختلف 
أطرافها فى هذا الحيز الضيق . وأهمية العلاقة بين الوحى والعلوم الإنسانية تكمن فى 
أن كلاهما يعالج موضوعا مشتركا هو عالم الإنسان بكل أبعادة المادية والنفسية 
والعقلية والتنظيمية والأخلاقية ... وهى مواضيع لابد وأن يقول فيها الوحى كلمته 
الفاصلة ولا يتصور أن يستقل بدراستها الإنسان بمعزل عن رقابة الوحى وتوجهيه . 

ودون الدخول فى تفاصيل الموضوع نحدد طبيعة هذه العلاقة فى اتجاهين , الأول 
يخص بعض التوجيهات والقيود المنهجية التى يفرضها الوحى لتقترب هذه العلوم من 
الصوان الثاني يخمن يعقى المعلوهات الجاهزة الت كفي عنها الوه والتى :من 
شأتها أن تعين هذه البحوث . 

)١‏ المسعوي الأول : يمكن أن تستفيد من الوحى مجموعة من القواعد المذهجية 
تمكن هذه العلوم من تحقيق موضوعيتها نعرضها مختصرة :- 

أ) شمولية الوحى واستيعابه لمختلف النشاطات الإنسانية المادية منها والروحية من 
شأته أن يفتح آفاقا واسعة أمام العلوم الإنسانية لتخرجها من إطارها المادى الضيق 
الذى وجدت فيه والذى انتهت معه إلى اختزال الإنسان فى جوانبه المادية مع إغفال 
جوانبه الروحية والنفسية والعناصر الجمالية . 

ب) إن هذه الشمولية يمكن أن تفتح آفاقا جديدة بإمكانها أن تغير الصورة 
التقليدية لمفهوم العلمية الذى استقرت عليه هذه العلوم فتحرر العلمية من سلطة النزعة 
التجريبية كما تمارس فى العلوم الطبيعية والفيزيائية البحتة وتعيد الاعتبار للأنساق 
المعرفية التى تعتمد الدين مصدرا معرفيا . وهنا فقط تتحرر العلمية من رواسب 
التاريخ الثقافى الغربى الذى يقيم تعارضا بين الأسلوب العلمى والأسلوب الدينى فى 
البحث العلمى . 

ع) إن الوحى من شأنه أن يحرر العلوم الانساتية من المنحنى المادى الذى يكرس 
النزعة الإلحادية وهى إشكالية غربية محضة ارتبطت يتاريخ الغرب الثقافى . وفى أفق 
التوحيد الذى يفرضه الوحى تتحول العلوم الإنسانية من مهمة تبرير مشروعية 


51 


التصورات المادية حول الإنسان والمجتمع إلى العمل على اكتشاف القدرة الإلهية 
المبدعة فى الإنسان والمجتمع . 

د) إن تعاليم الوحى التى تدعو إلى الصدق والأمانة واحترام الحقوق وحسن الجوار 
يمكن أن تلعب دورا أساسيا فى إنقاذ العلوم الإنسانية من التوجيهات الايديولوجية 
التى كرست العلوم الإنسانية لأهداف قومية وحكومية استعمارية ... والعلوم الإنساتية 
لن تتحرر من ثقل الايديولوجيا الذى يفرضه الوضع الطبقنى للباحث وانتماؤه 
الاجتماعى والقومى والسياسى إلا فى ظل عقيدة التوحيد التى ترتفع عن مجموع هذه 
الآنتماءات . 

ه) العلوم الإنسانية تفصل بين أحكام الواقع وأحكام القيمة بين مجال البحث 
العلمى ومجال القيم وذلك لأسباب منهجية باعتبار أن القيم التى يدين يها الباحث تقف 
حائلا دون تحقيق الموضوعية العلمية المرجوة . والمنهج الإسلامى الذى يرتبط بالوحى 
يربط الباحث بقيم الحق والعدل ويحرره من ثقل العادات والتقاليد التى يبنيها وسطه 
الثقافى والاجتماعى ويجعله يحتكم إلى القيم العادلة التى تأخذ شرعيتها من الوحى 
ويذلك تتحقق المعادلة الصعبة فى الجمع بين البحث العلمى الموضوعى والاحتكام إلى 
القيم العادلة التى يفرضها الوحى ؛ وهى المعادلة التى فشلت العلوم الإنسانية قى 
تحقيقها فى ظل القيم الذاتية المنحازة . 

و) العلوم الإنسانية تحكم المتواضعات الإنسانية بما فيها من أعراف وتقاليد وهى 
بذلك تعمل على تبرير الواقع الاجتماعى الفاسد وتعطى للسلوكيات المنحرفة شرعية 
الوجود لإفتقارها إلى المقاييس التى تضبط بها قيم الحق والعدل والجمال والتى نتيح 
لها التمييز بين الثوايت والمتغيرات » وهى ثغرة لن نتمكن من سدها إلا فى ضوء حقائق 
الوحى الذى يفصل بين المجالين فيحترم الثوابت ويفرض ضرورة الخضوع لها ويكيف 
المتغيرات وفق مقتضيات الحق . هذه القواعد المنهجية التى نستخلصها من الوحى 
سنعود بصورة مفصلة خم حديثنا عن البدائل المطروحة لتجاوز أزمة العلوم الإنسانية. 

؟) المستوى الثانى : أما عن المستوى الثانى فى علاقة الوحى بالعلوم الإنسانية فإن 
اعتبار الوحى ضمن المصادر المعرفية للعلوم الإنسانية يمكن أن يصحح كثيرا من نتائج 
هذه العلوم ويقدم معلومات جزئية إضافية تعين على كشف حقائق قد لا يتوصل إليها 
بمعزل عن الوحى . 

إن الوحى يستوعب التاريغ الإنسانى فى خطوطه العريضة ويرسم حركته على 
الأرض ليس فقط فى ماضيه بل فى مستقبله أيضا . وتلك خاصية من خصائصه لا 
تشاركه فيها المعارف الإنسانية باعتباره " أحكاما إلهية نهائية تظهر قى صيغة الخبر 


ارقف 


عما كان وسوف يكون ' ولقد أخبر الوحى عن قطيعة الوحى كمصدر معرفى فى أكثر 
من مناسية كما تدل هذه الآيات قال تعالى : ' فلنقص عليهم بعلم وما كنا غائبين * 
(الأعراف 7 ) ' قما بال القرون الأولى » قال علمها عند ربى فى كتاب لا يضل ربى 
ولا ينسى * ( طه .ه )0١-‏ ' ذلك من أنياء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد " 
(هود ٠٠١‏ ) إلى غير ذلك من الآيات . 

وخلاصة ما تفيده هذه الآيات أن الوحى يمكن اعتباره وثيقة تاريخية فريدة فى 
تغطية حياة الإنسان الممتدة قي أعماق التاريخ وهذا أمر له أهميته فى إضاءة جوانب 
باتت غامضضة فى تاريخ الإنسان الاجتماعى والسياسى والمالى والقانونى والأسرى 
والدينى ... وَهذّه أمظة توضح ذلك .- 

أ) يقدم القرآن حديثا مقصلا عن الجوانب المتعلقة بالحياة الدينية وأنوا ع العيادات 
والمعتقدات والصراع الذى اشتد بين أنصار العقيدة القائمة على التوحيد وأصحاب 
العقائد الوثنية وأتواع الممارسات التعبدية وأنواع العبادات القائمة على الوحى 
كالصلاة والصيام والحج ... وعبادة الأصنام والكواكب .. 

ب) يكشف القرآن عن النظم القانونية التى كانت سائدة عند الأمم السالفة 
كالقصاص فى التشريع ؛ ويعض المعاملات المصرفية فى البيوع » وبعض الأخلاقيات 
التى تميزت يها بعض الشعوب وأصيحت ظاهرة تستحق التسجيل كالعادات السيئة 
التى انتشرت بين قوم لوط ويعض الجوانب النفسية التى حددت شخصية بعض 
الشعوب عبر التاريخ توارثها جيل بعد جيل كما هى الحال مع بنى إسرائيل الذين 
رسخت فيهم الوثنية وسفك الدماء وقتل الأفراد وإباحة المحرمات وشدة الكراهية 
والحسن + 

ج) يكشف القرآن عن يعض الظواهر الاجتماعية التى سادت تلك المجتمعات 
كظاهرة التقليد والترف والظلم والاستبداد فى الحكم والاجرام ووأد البنات واحتقار 
المرأة وظهور الطيقة , طبقة رجال الدين » طبقة الحكام المستكبرين . طيقة 

د) يكشف الوحى عن الصور الأولية لنشأة النظم الاجتماعية التى سادت عند 
الإنسان الأول » وقد اعتقدت النظريات الانثروبولوجية أنها نظم بدائية فى أصلها 
بصورة تلقائية واعتيرت المجتمع يعادته وتقاليده هى المسئول الأول عن إيجادها . 

وهذه الصور المشبوهة يعاكسها الوحى كلية إذ يؤكد أن الأصل فى النظم التى 
عرفها الإنسان الأول ليس الصورة التى تعكسها مظاهرها المرضية لأن المظاهر تعتير 
أمرا طارئًا فى حياة الشعوب والمجتمعات لم تتجدر فيها إلا بعد ما فقدت القطرة قوتها 
الدافعة لتبتدع أشكالا من النظم المنحطة , كما ينكر الوحى تجاهل الأصل الإلهى لهذه 
النظم . 


55 


و) بخصوص تطور المجتمعات اليشرية » حاول علماء الاجتماع أن يتطلعو!ا إلى 
اكتشاف القوانين الاجتماعية التى تخضع لها المجتمعات اليشرية فى مراحل تطورها » 
ظهرت نظريات متعددة متضارية كنظرية الانتقاء الطبيعى ونظرة كونت فى قانون 
الأحوال الثلاثة والنظرية الماركسية , وكلها تقع فى التعميم إذ أن صياغة قانون من 
هذا النوع يعد ضرب من الوهم عبر عن ذلك منتقدوهم . 

وحيئما نعود إلى الوحى نستقرئ من خلاله القانون المحتك فى سير المجتمعات 
وضبط حركتها عبر التاريخ والموجه لمؤسساتها ونظمها والذى يرسم آفاقها المستقبلية 
نجده يرتبط بوجود عقيدة دينية » فنقطة الانطلاق فى تكوين المجتمعات كانت عقيدة 
دينية كما أن الثورات الاجتماعية العظمى والانقلابات التاريخية الكبرى فى تاريخ 
الإنسانية كانت مرتيطة بالأنبياء » والرسالات السماوية . وقد سجل القرآن العلاقة 
الطردية بين سلامة العقيدة واستقامة الناس عليها وبين توازن واستقرار المجتمعات 
وبالعكس . وفى مجموع الأحداث التاريخية التى عرفتها البشرية فى نهوضها 
ونكوصها يسجل القرآن سننا مطردة تحكم يسير هذه الحركات وهى لا تخرج عن 
كونها سننا هادية أو مدمرة . 

ن) التنبق بمستقبل المجتمعات البشرية : التنيؤ بمستقبل المجتمعات البشرية كان 
مطمحا تسمى إلى تحقيقه العلوم الانسانية , ولكن هذا التنيؤ أخذ طابعا ايديولوجيا 
بعيدا عن البحث العلمى . لقد أصرت النظريات الرأسمالية على حتمية تحول الإنسانية 
إلى قلك الرأسمالية , ويالمقايل أصرت النظريات الماركسية على حتمية تحول الإنسانية 
إلى فلك الشيوعية . وإذا تركنا هذا الجدل الايديولوجى جانبا نجد أن الوحى يحكم بأن 
المستقبل للإسلام وهى أمر له أهمية بالنسبة للباحث المسلم فى إعادة الثقة إلى الأمة 
بمستقبلها ويعيد إليها روح الحركة والانطلاق . 
ثانيا : اعتبار التوحيد أساسا نظريا ومنهجيا فى تأطير البحوث العلمية : 

يشكل مبدأ التوحيد الأساس الاعتقادى والإطار النظرى الذى ينبغى أن يوجه 
البحث العلمى وتنتظم فيه الدراسات الميدانية الجزئية وتفسر فى ضوءه كل الظواهر 
الاجتماعية والنفسية والتاريخية ... 

إن أية محاولة نقدية جادة تسعى إلى تخليص العلوم الإنسانية من نزعتها المادية 
والإلحادية لابد من إبراز الأساس الاعتقادى الصحيح الذى تنطلق منه مترتكز عليه فى 
نظرتها إلى الإنسان والمجتمع والحياة ككل بدل الأسس الأيديولوجية المادية التى ظلت 
تحكم سيرها . 


1 


إنه من المسلم به أن كل مذهب أيديولوجى يرتكز على أساس فلسفى يقوم عليه 
نثاؤه كله ووحدن تمنورة للوجون وتظرته العامة إلى الاضان والفجتهع والكؤن والحياة 
وهذا الأساس الفلسفى عنه تتقرع نظمه أى قواعد سلوك الإنسان فردا وجماعة فى 
الأخلاق والاقتصاد السياسة والأسرة )١(‏ ... 

والتوحيد هو الأساس الفلسقى والاعتقادى الذى ترتكز عليه المذهبية الإسلامية 
وتقيم عليه تصورها وتحدد وفقه أهدافها ؛ فالعلوم الإنسانية التى تتأسس فلسفيا على 
العقيدة الإسلامية لابد وأن تعترف أن الإنسان يعيش فى ملكوت الله ويخضع لنظامه 
وسنته فى الوجود والاجتماع وأن كل ما فى الكون يرجع إلى الله فى الخلق والمعاد 
والمبدا والمصير .. ومن ثمة فإن المهمة الأولى لهذه العلوم. تعمل على اكتشاف النمودج 
الإلهى فى الأخلاق والسياسة والاجتما ع والتنظيم وأن تعيد تنظيم نفسها فى ضوء هذا 
المبدا . 

إن النظريات الفلسفية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية .. التى تهيمن على الفكر 
الإنسانى اليوم رغم ما بينها من اختلافات تلتقى حول النظرة المادية لقضايا الإنسان 
والمجتمع والطبيعة ‏ وهنا تكمن الفوارق الأساسية مع المذهبية الإسلامية التى تهدقف 
إلى التاكيد على اكتشاف القدرة الإلهية المبدعة فى الإنسان والمجتمع والطبيعة . 

بالرغم من الاتفاق الظاهر بين هذه النظريات حول مشروعية التصورات المادية 
للعالم إلا أن لكل منها نسقها الخاص ومنطلقاتها المنهجية الخاصة . إن النظرية 
الماركسية على سبيل المثال عندما قامت بتأسيس مقاهيمها عملت على رفض كل 
التصورات الغريية حول القضايا الاجتماعية والإنسانية والطبيعية وعملت على إعادة 
صياغتها قى ضوء مقاهيمها وقى ضوء منطقها الداخلى الذى تمليه منظومتها الفكرية. 

إذا كنا نحن اليوم يصدد التأصيل المنهجى للعلوم الإنسانية فإن مهمتنا الأساسية 
أن نعيد هيكلة هذه العلوم ونعيد إعادة صياغة جهازها المفاهيمى فى ضوء متطليات 
النسق الفكرى الذى تفرضه المذهبية الإسلامية , 

إن إسلامية العلوم الإنسانية تقتضى ضرورة تحريرها من الأنساق المعرفية الأخرى 
التى تقف على النقيض تماما من نسقها الغريى , ويذاءها من جديد على ضوء منطقها 
الداخلى وصياغة مفاهيمها قى ضوء تظامها المعرفى ككل . 

إن الدعوة إلى تأصيل المنهج الإسلامى لعلوم الإنسان ينبغى أن يكون يالضرورة 
مؤسسا بالشكل الذى يجعلها تنظر إلى مجموع القضايا التى تطرحها وفق النسق 
الداخلى لإإسلام وفلسفته فى الوجود حتى لا تفقد خصائصها الذاتية وتفقد هويتها 
وتذوب فى أنسساق ومناهج أخرى معارضة لها . 
(1) فى هذا المجال ينظر محمد المبارك ؛ مجلة المسلم المعاصن : حصن 17 . 


احرف 


إن العلوم الإنسائية قد كرست مفاهيمها المادية فقن إعاذة هجياغة عمف 
المؤفسسات الحديثة وأخذت هذه المؤسسات طايعا نضاليا ضد كل ما يتصل بالمظاهر 
الايتية وفق أمر كانت له تشائجه الخطيرة ققد فرضت اللنطومة العلمانية والخادية 
والإلحادية هيمنتها على كل المستويات وأصبح النموذج العلمانى للمجتمع يقرض نفسه 
بالقوة ويلقى كل قهرية اجتفاعية ذات تنتق مخالك.: 

لقد عملت العلوم الإنساتية التى تبلورت فى الغرب وامتد تأثيرها إلى خارج حدوده 
الجفرافية عملت على صبغ كل مظاهر الحياة أخلاقيا واجتماعيا وسياسيا واقتصلديا 
وفكديا وتربوها + يضديكتها الادية وتوينها تلوكها (الطاعائي ».زم عن مؤيستاتا على 
مستوى العالم الإسلامى من هذا التأثير الى غير بنيتها من أساسها وحواتها من بنية 
دينية تقليدية هشة إلى بنية مدنية حديثة ولكنها علمانية مناقضة لمبادئنا ومنظومتنا 
الفكرية : 

وإذا كنا اليوم على مستوى العالم الإسلامى على الأقل نسعى إلى إعادة الاعتبار 
للنموذج الإسلامى وتعمل على إعادة هيكلة مؤسسساتنا على اختلاف تخضصصاتها ينا 
والفكرى والثقافى وهى أمر يمس البنية المعرفية للعلوم الإنسانية اللهيمئة على ساحتنا 
الفكرمة +ولة افون إمكانية تفن عدو قن مؤسسا تنا هادانت البنية المدركفة القن 

: إسقاط المنهج التجريبى على العلوم الإنسانية‎ )١ 
فيد خاما بالخمن فى ممسويع الحقلنات المرعيطة والمال لصوي امزال‎ 
لقن فرك ظليها الكموةح‎ ١ اللمالاة اذاف الطلبيعة غيو العسينة فن جوافنها الكافية‎ 
التجريبى كمنهج معرفى وحيد يستيعد كل نسق معرقى آخر ؛ وحتى البدايات الأولى‎ 
لمحاولات التأسيس المنهجى لهذا العلم كانت تتجه تحو هذا الأسلوب كما يدل على ذلك‎ 
كان السبق الزمانى للعلوم الطبيعية على العلوم الإنسانية وها حققته من إنجازات علمية‎ 
. والطبيعة إلى عالم الإنسان‎ 


يفف 


لم تكن هذه القناعة المنهجية عامة عند كل الباحثين فى العلوم الإنسانية ومع ذلك 
سيكت هده الورامالك يعبر عدها الفسيية الوحد عرد .توفط| القروق من الباحقين 
النين يسلكوخ :هذا الماك يفترهدوق أن الوصوفات الى يدرشوتها لها طبيعة ماذية 
صرفة , ويفترضون أفرادا عديمى الإرادة يخضعون لجبرية القوانين الاجتماعية التى 
تقابل القوأنين الطبيعية ى بذلك يتجاهلون الفوارق الموضوعية والمنهجية التى تفصل بين 
لحان مهال الطويعة الجامنة ومجتال الانتساق الح يكل تفاعلاته وضتراعاته 
ورغباته وميولاته وتقلباته 

إن الفوارق القائمة بين المجال الطبيعى والإنسانى فوارق متنوعة وجوهرية تصادفنا 
على مستوى العلاقات المنظمة لكل منها كما تصادفنا على مستوى طريقة الإدارى . 

على المستوى الأول نجد أن العلاقات القائمة بين الظواهر الطبيعية تتمين بنوع 
السبيية والعلية وهى قايلة للقياس وتستعمل مصطلحات كمية وعددية تتصل بالحجم 
والمسافة » أما فى العلوم الإنسانية قمع أتنا نسلم بكون الحوادث الإنسانية تمضى وفق 
سان اجتماعية إلا أنه يتعذر استعمال وحدات قياسية مماثلة بالرغم من اعتمادها 
إحرانات ناقة كالإخصاء والاستسارة ..: إن هذه الإجراءات لا تغير من طبتعة 
الموضوعات الإنسانية شيئًا , فتحن على سبيل المثال لا نستطيع أن نقدم قياسات كمية 
أو عددية لعادات الثخاس وأخلاقهم وسلوكهم وأفكارهم وتصوراتهم ومعتقداتهم ٠‏ ولكننا 
فى مقابل ذلك نستعمل تقويما مغايرا يتصل بالكيف والنوع وتبرز مقاييس أخرى 
تتصل بالواجب والفاية والدوافع والأغراض .. 

ولقد ظهر فى المهتمين بالعلوم الإنسانية فريق من العلماء اعترضوا على تطبيق 
المنهج الطبيعى فى عالم الإنسان , ولعل العالم الألمانى فلهم دلثيى من الأوائل الذين 
أثاروا هذا الموضوع . وقى رأيى أن العالم الطبيعى لا يمكن ملاحظته إلا من الخارج 
وبالعكس لا يمكن أن نفهم العالم الإنسانى إلا من الداخل ؛ كما أن العلاقات الموجودة 
بين ظواهر العالم الإنسانى ليست علاقات علمية آلية كما هى الحال بالنسية للعالم 
الطبيعى فهى تخضع للقيمة وترتبط بالهدف وهو أمر يتعذر معه سعى الدراسات 
الإنسانية إلى صياغة قوانين اجتماعية عامة وشاملة )١(‏ , 

ومع أننا نسلم مع دلثيى يكون الفعل الإنسانى ليس فعلا آليا سكونيا يقدر ما هو 
فعل حر ميدع ومتغير وشديد التعقيد إلا إن هذه الخصوصيات لا تنفى خضوع عالم 
الإنسان لقوائين اجتماعية عامة وشاملة وإمكان صياغة هذه القوانين بالنظر إلى سير 
الحركة الإنسانية عبر التاريخ . 


)١(‏ تمهيد قى علم الاجتماع . ص 18 , يوتومورق 


118 


إن الحوادث الإنسانية إذا نظرنا إليها كأحداث آنية جسدتها فترة تاريخية معينة 
ستظهر بلا شك أحدائا فردية وفريدة لا تتكرر عبر التاريخ . ولكتنا إذا نظرنا إليها فى 
سياقها التاريخى الذى ينتظمها ولاحظنا تمائل الأسباب وما ينتهى إليه من تماثل فى 
النتائج ؛ أدركنا أن الحوادث الإنسانية تمضى وفق قانون عام ينظمها . 

إن الوقائع الإنسانية تختلف عن بعضها البعض حسب الظروف الزمانية والمكانية 
التى تفرزها وهذا ما يعطيها صورتها الفردية والقريدة فى التاريخ الإنسانى , ولكن 
استقراء هذه الحوادث فى سياقها التاريخى العام يكشف عن الترابط المنطقى بين 
النتائج وأسبابها , وهذا الترابط هى الذى يتيح لنا استخلاص القانون العام الذى 
تخضع له هذه الوقائع التاريخية الجزئية . 

وإذا عدنا إلى حديث القرآن عن تجارب السابقين تجد أنه يركز على هذه العلاقات 
السببية الكامنة بين ظاهرة وأخرى أكثر مما يركز على تقديم وصف لوقائع متناهية » 
فحديثه عن تبدل المجتمعات تغلب فيه الصبغة المجردة على ذكر الحوادث المنفردة . وفى 
مجموع هذه الحوادث التى تكررت وقائعها مع اختلاق ظروفها الزمانية والمكانية 
يسجل القرآن الكريم وجود قانون أى سنة اجتماعية تحكم سير هذه المجتمعات . ويذكر 
القرآن الكريم أن لله سننا فى الأمم والجماعات ويدعى إلى التفكر فيها التدبر لفهم 
مغزاها واستكشاف دلالتها الاجتماعية ولس معانيها التاريخية كما تسجل ذلك الآيات 
القرآنية التالية : " سنة الله فى الذين خلوا من قبل ولن تجد فى سنة الله تبديلا” 
(الأحزاب 6؟ ) . " قد خلت من قيلكم سنن فسيروا فى الأرض فانظروا كيف كان 
عاقبة المكذبين ( آل عمران /ا؟١‏ ) . 

أما على المستوى الثانى المتعلق بطريقة الإدارى فتظهر هذه الفوارق واضحة حيث 
تعتمد العلوم الطبيعية على الملاحظة المباشرة فتقدم المادة نفسها كمعطى خارجى بينما 
تقدم الظواهر الإنسانية نفسها فى صورة مجموعة تفاعلات ونظام من العلاقات شديد 
التعقيد لا يخضع لحركة جبرية ثابتة . ونتيجة لهذه الخصوصيات دعا بعض العلماء 
إلى ضرورة تجاوز الملاحظة الخارجية - فى عالم الإنسان - إلى الملاحظة الداخلية 
وهى ما أسماه لوى ورث ' بالاستيصار " )١(‏ وعبر عنه دلثيى بالفهم (') . وهذه الفكرة 
تقوم على أساس أن تصرفات الإنسان وتفكيره .. لا يمكن التعرف عليها بطريقة 
الملاحظة الخارجية فقط بل عن طريق الملاحظة الداخلية أى بفهم المعانى التى تعبر عنها 
هذه التصرفات وهى معانى نابعة من شعوره وإحساسه الداخلى : 


)١(‏ ينظر مقدمة ترجمته الانجليزية لكتاب كارل مانهايم الايديولوجيا والطوابائية مقدمة فى علم اجتماع المعرقة ص1 
60110 16 .(..0آ.5) بإعطالئط 15.م ركعستقصسسط كععمعء؟ كعل علباة”1 َه صه 101001 (2 
2 ققعةط 


5589 


ومن حيث الأدوات المستعملة نجد العلوم الطبيعية كما تقول الناقدة مادلين جرافيتى 
تطورت يقعل اكتشاف الأدوات المناسبة لنوع الظاهرة المشاهدة وهى أمر لا نملكه فى 
مجال الإنسانيات والوسائل المستعملة فأدوات التسجيل المرئية والصوتية .. توفر لنا 
:إمكانية إعادة التجرية وتمديد المشاهدة أكثر من التعمق فى الكشف عن الظاهرة , 
وهى لا تسمح لنا بأن ندرك أمورا أخرى أ أشياء أخرى أيعد () . 
* - تتنوع الأساليب المنهجية العلمية : 

ليس بإمكاننا أن نجعل مفهوم العلمية مقتصرا على أسلوب معين دون آخر وهذه 
الحقيقة يعترف بها الوضعيون أنفسهم . يقول د. زكى نجيب محمود " الحق أننا لو 
أردتا أن تعطى للعلم تعريفا جامعا مانعا يحيث يصدق على كل العلوم ويمئع ما ليس 
علما من الدخول فيه لما وجدنا الأمر هينا ميسورا شأنه شأن التعريف الجامع المانع 
بالنسبة إلى معظم الأشياء. قلأن رأينا أن ما يميز علما ما لا يميز علما آخر فلن نعجز 
عن حصر طائفة من الخصائص لايد أن تتوافر بعضها على الأقل فيما نسميه علما 
وقيمن تسميه عالما . على أننا واجدون من الصفات الأساسية ما يصدق على كل علم 
إلى جانب ما يميز العلوم يعضها عن بعض (') وعلى مستوى الحضارات والمنظومات 
المعرفية التى شهدها التاريخ المعرفى الإنسانى يعترف الكتاب والنقاد الغربيون أنفسهم 
أن كلمة " علم " لم يكن لها دائما المعنى الخاص الذى نفهمه فى أيامنا هذه وهو المعنى 
الحسى للكلمة . قأرسطى أكد أن العلم يتعلق بالضرورى والخالدء والعصور الوسطى 
اعتبيرت الحقيقة القصوى فى النظام الدينى : وتعنى هذه الكلمة فى الخطاب الدينى 
(الكنسى ) معرفة الله عن العالم » وفى القرن التاسع عشر أقصت الاستيمولوجيا 
(الغريية ) ' الله " عن العلم وهذا المنظور يسمح لنا أن نثيت بإن فكرة العلم متفيرة 
تاريخية وإنه فى الوقت الحالى يمكن أن نميز بين عدة تصورات للعلم 9) . 

إن اعتراف النقاد الغربيين باعتبار كلمة العلم متغيرة تاريخيا تكفى للدلالة على أن 
الجمود على صيغة معينة للعلم ليس أمرا إلزاميا ولا مطلويا وأنه بإمكاننا أن نبحث 
على أنواع من الأساليب العلمية تختلف فى طريق استدلالها وتتفق فى أهدافها , 
والنتيجة التى يمكن أن نخلص إليها أن العلم أسلوب فى المعرفة يهدف إلى اكتشاف 
الحقيقة » ولابد أن تتوافر خصائص معينة فى النتائج التى يقررها لكى تثبت العلمية 
كالصدق والتعميم والموضوعية . 

إن فكرة ما أو نظرية ما تكون علمية إذا كانت مطردة مهما اختلت الظروق الزمانية 
والمكانية وتكون علمية إذا كانت صادقة فى أخبارها بحيث تكون مطابقة للواقع وتكون 


8 .م رقع [9اء50 5ععرع1ه5 دعل 5ع5461500 (1 


(؟) المنطق الوضعى ؟/ر؟؟ . 
8 - 27 .م 5013165 قعع رع 501 قعل 5عل0طا846 (3 


كرى 


علمية إذا كانت موضوعية مجردة من الأهواء الشخصية والتخمينات الذاتية بحيث 
تكون تأكيداتها مؤسسة على حجج أو أدلة سواء كان هذا الدليل استنتاجيا أو 
استنباطيا أى تجريبيا أى تاريخيا مؤسسا على الوثائق والشهادات () , 


ولقد أدرك علماء المناهج الفوارق الموجودة بين مجالات العلوم ومن ثم ضرورة تتوع 
المناهج العلمية المتبعة فى التحطيل والدراسة وهى متاهج متنوعة ومحل اختلاف بين 

من هذه المنافج المنهج ألاستنباطى وهو يعتمد على طريقة الاستنتاج المنطقى 
ويعتمد على قرائن دالة وآثار معيرة ‏ يسير فيه الباحث من مبدأ محدد مسلم به سلقاً 

ومنها المتهج الاستقرائى الذى يعتمد على الانتقال من الحكم على البعض إلى 
الحكم على الكل على سييل المثال التعميم وذلك بملاحظة الجزئيات وإيراد التجارب 
عليها كلما أمكن ثم الارتقاء إلى نتائج عامة فى صورة قوانين : 

ومنها المنهج التاريخى أو الاستردادى الذى يقوم على الوثائق ونقدها وتحقيق 
الوقائع التاريخية والتأليف بينها رتفسيرها .. 

ومنها المنهج الفلسفى الذى يقوم على صياغة الفروض من أجل الوصول إلى 
تعميمات نظرية؛ وهى رغم ما يؤخذ عنه من تجريد يمكن اعتياره مكملا للمنهج 
التجريبى إذ يمكن أن تكون الحقائق العلمية أساس النظريات الفلسفية كما تخضع 
هذه بدورها للبحث العلمى , 

ومنها المنهج التجريبى الذى يخضع للملاحظة والتجرية وقياس وضبط المتغيرات 
المخطفة . 
الحديث وحددوا ضوابطه فى الرواية والثقل والتوثيق والإسناد وهدفه الوصول إلى 
تحقيق المرويات من جهة المتن والسند ٠‏ وشى منهج اختصت به المنظومة المعرفية 
الإسلامية باعتباره مصدرا معرفيا تثبت عن طريقه كثير من معلوماتنا ويكشف على 
كثير من الحقائق فى مجالات مختلفة إنسانية وطبيعية » ويتمتع بأكير قدر من اليقينية 
والصدق والموضوعية () . 


6 ,7207316 12 أع عناواع10 هآ ,عتطامه105ئطم عل كسمن ,اقعكة< . .6 اء لعوءتط. ل (1) 
. 1964 ,20:05 .60 ,22.136 
5( لزيد من التفصيل ينظر المصادر الآتية : عائشة عبد الرحمن مقدعة فى المنهج . صفحات 1ه .لام ءكلا. معهد 
اليحوث والدراسات العريية . ١417/١‏ وأحمد فؤاد باشا , فلسفة العلوم ينظرة إسلامية . ص 1١7-1١١4‏ . » أحمد يدر : 
آصول البحث العلمى ومناهجه . ص ؟؟؟ وكالة المطيوعات الكويت ‏ ط؛ , 141/4 , عبد الرحمن يدوى : مناهج اليحث 
العلمى ص ه . دار النهضة العربية , ١9515‏ . 


تغرف 


وإذا كان غرض الرواد المؤفسسين مناهج العلوم من تمثل المنهج التجريبى هو تحقيق 
أكبر قدر ممكن من الموضوعية والعلمية فى مجال العلوم الإنسانية فإن الشئ المهم فى 
المنهج التجريبى أكثر من عملية التجريب نفسها هو منطقها الذى يمكن أن يتوافق مع 
العلوم الإنسانية , فالمنهج التجريبى يهدف إلى دراسة علمية صرفة » وأى منهج علمى 
لا يقصد به التزام قوالب وخطوات معينة لذاتها يلتزمها الباحث فى كل الظروف وإنما 
القصد من المنهج هو ترتيب خطوات البحث بالشكل الذى يضمن للباحث التوصل إلى 
نتائج علمية مهما اختلقت الوسائل المعتمدة . هذه القناعة كما تقول مادلين جرافيتس لم 
تكن مقبولة دائما غير أن أعمال وتأملات علماء الاجتماع حملت الباحثين فى العلوم 
الاجتماعية على اعتبار أن منطق المنهج التجريبى يجب أن يلهم كل تفكير علمى سواء 
فى هذا المجال أو فى غيره وسواء تمت التجرية أم لا )١(‏ , 

والقاعدة العامة التى نصل إليها بعد هذا التحليل هى ضرورة التوسع فى مفهوم 
العلمية وتحرير البحث العلمى من نزعته الحسية التجريبية الضيقة التى قرضت عليه 
لأسياب موضوعية تعود إلى الحيثيات التى نما فيها الفكر الفريى ولا يصح تدويلها 
وتعميمها . 
رابعا: تحقيق الالتزام العلمى وتحربر البحث العلمى فى الانحياز الأيديولوجى : 

لقد قامت محاولات تقدية داخل الحقل المعرفى تسعى إلى تحقيق موضوعية البحث 
العلمى فى العلوم الإنسائية بتجريدها من نزعتها الايديولوجية » ولكن يبدو أن هذه 
المحاولات قشلت فى تحقيق مهمتها الصعبة ؛ مما جعل البعض يعتقد أن العلوم 
الإنسانية علوم ايديولوجية بالضرورة وأنه لا مناص من التخلص من النزعات الذاتية 
والأهداف الخاصة مادامت هذه العلوم مرتبطة بالإنسان » وما دام الإنسان نقسه 
مرتبط بأهداف ومحكوم بقيم تمليها مصالحه الطبقية والسياسية ومتأثر ببيئته وظروف 
نشأته . 

لقد ظهر تأثيرمئل هذه المواقف الإنسانية على نتائج البحث بشكل حاد إلى درجة 
أن بعض النقاد أعلنوا " أن الموضوعية الكاملة فى العلوم الإتسانية مستحيلة التحقيق 
ومن العيث أن نتوقع من العلوم الإنسانية أن تقدم إجماعا أو إتفاقا حول الوقائع 
وتفسيرها("') . 

عند هذا الحد من التحليل يظهر أن هناك تعارضا بين الالتزام الايديولوجى الذى 
يقتضى من الباحث أن يلتزم بالدفقاع عن قضايا مجتمعه والاحتكام إلى القيم التى 


)1( 9 . م 502165 وععمعك5 065 1806150065 
0( 2 . وععلدأء50 وععمعوك5 كعل 5ع00] 806 


يحرف 


يدين بها » ويين الالتزام العلمى الذى يقتضى منه الحياد وعدم التحيز والتجرد من كل 
هذه المؤثرات 

إنه من المسلم يه عند النقاد أن الإنسان محكوم بقيمه وأن إنسلاخه عن تكويته 
المعرفى والفكرى أمر متهذر إطلاقا » وفى نفس الوقت هناك تاكيد وإصرار على 
ضرورة تحقيق الموضوعية العلمية فى مجال الدراسات الإنسانية . والسؤال المطروح 
هو كيف يمكن أن نحقق هذه المعادلة الصعية ؟ كيف يمكن أن نحقق موضوعية البحث 
العلمى دون أن نطالب الباحث بالانسلاخ عن مكوناته الفكرية والقيمية ؟ قد يبدو هذا 
الأمر لأول وهلة من قييل المستحيلات لأنه جمع بين المتنافرات ولكن النظرة التحليلية 


المتأنية تؤكد إمكانية تحقيق هذا الأمر إذا توافرت شروط ومواصفات معينة فى القيم 
التى يدين بها الباحث ويحتكم إليها . 


لا أحد يذكر كون القيم والمبادئ التى يعتنقها الإنسان ليست كتجانسة ومتققة فى 
تصوراتها ونظرتها إلى مشكلات الحياة الإنسانية , ومن جهة أخرى نرى أنه من الخطأ 
أن نعتبر هذه القيم والمبادئ والمثل على مستوى واحد ودرجة واحدة من الصدق 
واليقين: والتسليم بهذين المبدأين يترتب عنه بالضرورة أن نعيد النظر فى التصور 
الغربى لتحقيق موضوعية البحث العلمى . 

إن السؤال المطروح هنا لا يتعلق بتجريد الإنسان من قيمه ومبادئه باعتباره أمرا 
مستحيل التحقيق , بل إن السؤال المطروح يتعلق بطبيعة تلك القيم والمبادئ التى توجه 
الباحث وتدفعه إلى تينى موقف أو إعطاء تفسير ما . 

إن طرح السؤال بهذا الشكل يكشف عن الزيف الذى يكتنف كثيرا من القيم التى 
يدين بها الإنسان وهى الزيف الذى ينعكس بشكل سلبى على استنتاجاته وتخيلاته , 
وبالمقابل يكشف عن مبادئ وقيم الحق والعدل التى تنعكس على تفكيره ونتائج بحثه . 

إن هذا التميز الذى نقيمه على مستوى القيم يجد مبرراته داخل المنظومات الفكرية 
السائدة نفسها لاختلاف الدلالة المعرفية والايديولوجية التى تحملها كلمة القيم من بيئة 
إلى أخرى . إذا عدنا إلى القواميس الغربية الملتخصصة نجد أن القيمة تطلق على ' 
الاعتقاد أن شيئًا ما ذا قدرة على إشباع رغبة إنسانية وهى صفة الشئ التى تجعله ذا 
أهمية لفرد أى جماعة . والقيمة على وجه التحديد حقيقة سيكولوجية قابلة للقياس بأى 
وسيلة من وسائل القياس التى توصل إليها العلماء حتى الآن ... " (1) , 


والقيمة فى معناها الغربى ترتكز أساسا على عنصر التقدير الشخصى فهى تعود 
إلى اهتمام الشخص وتقديره : أو اعتقاده ورغيته واستهجانه وقبوله أو رفضه 





)١(‏ فريتشلد وأخرون ؛ قاموس علم الاجتماع . ص 11١‏ نقلا عن : فوزية دياب القيم والعادات الاجتماعية . ص١"‏ » دار 
الكتاب العريى للطباعة والنشر , القاهرة ‏ 1137 . 


ارخف 


ومفاضلته أو اختياره وميوله أى تصوره .. وكل هذه المعانى تلعتير عناصر شخصية 
وذاتية يحسها الإنسان على نحو خاص به وهى عناصر وجدانية وعقلية غامضة تعتمد 
على الشعور الداخلى للشخص وعلى تأملاته الباطنية ومزاجه وذوقه وهواه مما يجعل 
القيمة غير خاضعة القياس )١(‏ . 

إن أهم ما تميز القيم فى عرفها الغربى أنها شخصية وذاتية والمقياس فيها هو 
الشيخمقن تقمزة وليت مو نوعة ولأامستتفلة عن ذاه و إفناسه وركياته وله تكداق 
بمقاييس خارجية تضبطها ولا وجود لمثل هذه المقاييس . 

هذا المعنى الذى توحى به دلالة الكلمة فى الثقافة الغربية يتصادم تماما مع المعنى 
الذى تحمله دلالة الكلمة قى سياقها الإسلامى . إن القيم فى الإسلام إذا استثنينا 
دائرة المباح التى يملك فيها الإنسان حرية الأخذ والترك والقبول أى الرقض .. قيم 
محكومة يمقاييس موضوعية خارجة عن رغيات الإنسان واختياره واستهجانه أو 
استحسانه ؛ فليس له أن يقبل شيمًا ما أى يرفضه أى يصدر حكما ما بالإيجاب أى 
السلب إلا إذا كان هذا الحكم مؤسسا على قيمة موضوعية تجد شرعيتها فى الوحى 
كمعطى خارجى مستقل عن ميولات الإنسان ورغباته . فى هذا السياق يمكن أن 
نستأنس ببعض الشواهد القرآنية والحديثة الواردة فى الموضوع والتى يرجع مقياس 
الحب والكراهية إلى عناصر موضوعية تقع خارج دائرة الإنسان ؛ من ذلك قوله تعالى: 
( فلا وريك لا يؤمدون حتي يحكموك فيما شجر يبنهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا ثما 
قضيت ويسلموا تسليما » ( النساء 0 ) ١‏ وإن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تعبع أهوائهم» 
( المائدة 49 ) ١‏ وما كان لمؤمن أو مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرآ أن يكون لهم الحيرة من 
أمرهم 4 ( الأحزاب 77 ) «كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسي أن تكرهوا شيئا وهو 
خير لكم وعسي أن تحبوا شينا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون » ( البقرة 5١4‏ ) . 
وفى الحديث * لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ' .. فهذه بعض 
النصوص وأمثالها كثيرة , تجعل مسالة القيم التى يتعلق بها الإنسان ويستوحى منها 
مثله مسالة خارجة عن ذات الإنسان ورغياته وميولاته » يل إنها على العكس من ذلك 
تماما قد تقف فى أحيان كثيرة ضد هذه المدولات والرغيات . 

ونفس الأمر يقال بالنسية للميولات الايديولوجية ؛ إن الايديولوجيا فى معناها 
الغربى تعنى نظاما من الأفكار المتداخلة كالمعتقدات والتقاليد والمبادئ والأساطير التى 
تؤمن بها جماعة معينة أى مجتمع مأ وتعكس مصالحها واهتماماتها الاجتماعية 
والأخلاقية والدينية والسياسية والاقتصادية والنظامية وتبريرها فى نفس الوقت . وتقوم 


. المرجع السايق ء ص 5؟‎ )١( 


>52 


الايديولوجيا بمهمة التبريرات المنطقية والفلسفية لنماذج السلوك والاتجاهات والأهداف 
وأوضاع الحياة العامة السائدة )١(‏ , 


إن الباحث الملتزم ايديولوجيا حسب هذا المعنى هى الذى يلتزم بالقيم التى تمليها 
مصالحه الطبقية ومن هنا يتحول من البحث العلمى المحايد إلى تبرير مجموع الأفكار 
والمعتقدات والمدولات التى يعتنقها وهو أمر يتعارض بالضرورة مع الموضوعية العلمية 
لتعدد وجهات النظر الشخصية بتعدد الفئات الاجتماعية ومصالحها . 

وهنا لا سبيل لتحقيق الموضوعية العلمية إلا فى إطار ' ايديولوجيا ' ترتفع عن 
المصالح الطبقية والنزعات الشخصية والتى لا تعكس مصالح طبقية بعيتها ولا تخدم 
قومية دون أخرى ولا تنتصر لفئة دون أخرى ولا تتأثر بالبيئة الثقافية ولا تخضع 
لمجموع التقاليد الاجتماعية . وليست هناك ايديولوجيا بشرية يمكن أن تزعم امتلاكها 
مثل هذه المواصفات وترتفع إلى مستوى هذا الحياد غير المذهبية الإسلامية باعتبار 
مصدرها الإلهى الذى يرتفع عن المصالح والأهواء البشرية ويأخذ شرعيته مباشرة من 
المصدر الإلهى الحق الذى يقوم على الحق والعدل وقى هذه الحالة فقط يكون الباحث 
وتفسيراته إلى مجموعة من المبادئ والقيم الموضوعية لا يكون معبرا عن مصالح ذانية 
ولا يعكس مصالح طيبقية وإنما يهدف إلى إقرار الحق المجرد . 

وفى ظل هذا التطو. فقط تحقق تلك المعادلة الصعبة التى سيق الإشارة إليها والتى 
تقتضى رفع التعارض بين الإلترام الايديولوجى والإلتزام العلمى » وذلك من خلال 
التأكيد على أن تحقيق الموضوعية العلمية فى العلوم الانسانية لا يكمن فى تجريدها من 
طابعها العقائدى وإنما يكمن قى تعيين المذهبية الصحيحة التى تتجاون المذاهب صراع 
عنصرى أو طبقى أو محلى ... فالمعتنقون للإسلام لا يتميزون عن غيرهم بعنوان معين 
كالعرب أو الساميين أى الشرقيين أى الغربيين ... ولا شئ من هذه العناوين يعتيرها 
ملكا للجماعة الواقعية لأتباعه 9) , 

إن المذهبية الإسلامية تقوم فى جوهرها على تجاوز التكتلات والتحيزات والخلافات 
كما تدل على ذلك نصوص الوحى الواردة فى هذا الشأن «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي 
كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من 
دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون 4 ( آل عمران 15) 3 يا أيها الناس إنا 
خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلداكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله 
عليم خبير » ( الحجرات ١7‏ ) . 


. ؟١‎ 84 قاموس علم الاجتماع ؛ محمد عاطف غيث , الهيئة المصرية العامة للكتاب . 141/4 . ص‎ )١( 
. 1541 الشيخ مرتضى المطهرى المجتمع والتاريخ . ص 141 , مؤسسة الوفاء . بيروت , الطبعة الأولى . سنة‎ )1( 


.زف 


خامسا : إعادة الاعتبار للعنصر الأخلاقى فى البحث العلمى : 

سبقت الإشارة إلى أن فصل البحث العلمى عن التوجهات الأخلاقية كان لأسباب 
منهجية باعتبار أن التوجهات الأخلاقية تعبر عن نزعة معيارية بمعنى مجموعة من 
المعايير التى يؤمن بها الباحث ويفرضها كمقياس الحقيقة وهذا أمر ينأ به الموضوعية 
التى تقتضى التجرد من كل المؤثرات الذاتية والوقوف موقف الحياد تجاه القضايا 
المطروحة . 

لعله من المسلم به أن تجريد الإنسان من قيمه وميولاته أمر متعذر كما أوضحنا ذلك 
فى العنصر السابق ويؤّكد ذلك أن أكثر العلماء رفضا للنزعة المعيارية كانوا فى بحوثهم 
معياريين إلى حد يعيد فقد كانوا فى بحوثهم الاجتماعية والتاريخية ملتزمين بمعاييرهم 
يحاكمون وفقها ثقافات الشعوب الأخرى وأخلاقياتهم وعاداتهم التى اعتبروها بدائية 
بالنسبة لنمطهم الحضارى والثقافى والاجتماعى وعلى مستوى العالم الغربى نفسه 
كانت السمة التى تطبع الدراسات الإنسانية هى الانحياز والانقسام تبعا للتوجهات 
الايديولوجية التى يعتنقها أصحاب هذا المذهب أو ذلك . ومن جهة أخرى لم تخل 
البحوث الإنسانية الغربية من نزعة إصلاحية وفق معايير جديدة تحل محل المعايير 
الغربية القديمة » فى مجال العلوم الاجتماعية على سبيل المثال وهى البحوث التى أصر 
روادها على تجنب المواقف المعيارية نجد أن هذه العلوم منذ انطلاقتها الأولى قد حددت 
أهدافها فى تحقيق إصلاحات اجتماعية تكون قادرة على القضاء على الفوضى 
الاجتماعية التى خلفتها الثورة الفرنسية , ولم تكن هذه الإصلاحات لتتم إلا وفق 
معايير آمن بها الإنسان الغربى الحديث . وقد رسخت هذه النزعة عند الأجيال التالية , 
وحسب بعض النقاد لم يمل العلماء من التأكد على أن المهام التى يرتكز عليها علم 
الاجتماع القيام يتقويم ما هى موجود من نظم وطقوس وعادات وايديولوجيات وما 
شاكلها على أساس كفاءاتها الوظيفية وقايليتها للتحسين () , 

هذه المعطيات جعلت النقاد الغربيين يلحون على ضرورة ريط البحث العلمى بالتقويم 
وعدم الاكتقاء بتقرير ما هو واقع . ولقد كتب أحد هؤلاء يقول : " إننا بحاجة إلى 
وجهات نظر على أن تسلم بالتقويم , والعلم الاجتماعى الذى ينقصل عن التطبيق يعد 
من وجهة النظر هذه شيئًا فارغا تماما ولم يحدث أن وجد هذا العلم كما لن يكون له 
وجود(") , 

ورغم هذه التأكيدات الذاتية إلى إعادة الاعتبار للجانب التقويمى فى البحث العلمى 
فإن اتجاه العلماء إلى الفصل بين العلم والقيم كانت له مبرراته الموضوعية ‏ وهذه 
)١(‏ مجلة الثقافة الجديدة . عدد ه ص 4؟ . 
(؟) آلكس اتكلر » مقدمة قى علم الاجتماع . ص 188 , ترجمة وتقديم محمد الجوهرى وآخرين ؛ ط؛ ؛ دار المعارف - 


١54. القأهرة‎ 


هرف 


المبررات لها جذور عميقة الصلة يالفكر الغريى الذى يعتبر القيم والمعايير الأخلاقية من 
قبل المتواضعات الاجتماعية مما يعنى قابليتها للتغير والتلون حسب رغيات الناس 
وميولاتهم وهذا يعنى بالضرورة تغليب ما هى ذاتى على ما هو موضوعى . 

ويمنظور إسلامى يتعذر ايجاد حل حاسم لعلاقة العلم بالقيم قى نطاق الفكر 
الغريى» فقد وقف الغربيون تجاه المسألة فريقان الأول يقول بضرورة ربط البحث 
العلمى بالتقويم وهى يقع بذلك فى منزلق الذاتية لنسية المعابير التى يحتكم إليها 
ياعتبارها إفرازا اجتماعيا منحازا . 

إن الخروج من هذا الإشكال فى المنظور الإسلامى يقتضى أن نميز بين نوعين من 
المغابير الأولى موضتوعية مستقلة عن تقدرات البية الفكرية والثقافيةى الشعوط 
الاجتماعية والثانية ذاتية مرتبطة يما يفرزه الوضع الاجتماعى من مثل وأخلاقيات : 
وهذه الأخيرة هى التى تحكم الفكر الغربى فيعترف بها فى الوقت الذى يستبعد الأولى 
ويتكرها . إن كلمة معيار فى عرفها الغريى تطلق على النموذج المتخذ أساسا للقياس 
وما ينبغى أن يكون عليه السلوك العام والمواقف الجماعية بالنسبة للمشاعر السائدة فى 
المجتمع )١(‏ ويطلق المعيار الاجتماعى على قاعدة أو مستوى سلوكى تحدده التوقعات 
المشتركة لشخصين أى أكثر اعتمادا على السلوك الذى يعتير ملائما من وجهة نظر 
المجتمع (') وتحديد المعايير الخليقة بهذا المعنى يعود فى نهاية المتواضعات الاجتماعية 
جَما يفت المجال واسيفا أمام وجهات النطن التخنارية بتختارب امل السائدة فى كل 
وببظ ا دتماضن' : 

ويخصوص الدلالة المعرفية للمعيارية يستخدم هذا اللفظ فى عرفه الغربى للدلالة 
على المنهج المعيارى الذى يقابل المنهج الموضوعى العلمى . فلفظ " المعيارى ' كما ورد 
فى معجم العلوم الاجتماعية صفة مشتقة من معيار ويستخدم قى وصف ما ليس 
تقريرا أو واقعيا يل ما ينبغى أن يكون بالنسبة لمقاييس معينة , واستخدم هذا 
المصطلح فى التقسيم التقليدى للعلوم » فهى إما علوم وصفية أى علوم معيارية , الأولى 
تهتم بدراسة ما هى كائن والثانية تهتم بدراسة ما ينبغى أن يكون () . 

هذا التصور يضع العلوم أمام خيار صعب فهى إما أن تكون تقريرية وصفية ومن 
ثم تكون علمية وإما أن تكون معيارية ومن ثم غير علمية , ولا أتصور إمكانية الجمع 
بين الاثنين فى عرف المناهج الغربية , 


)١(‏ معجم العلوم الاجتعاعية . ص 55ه ؛ تاليف مجموعة من الأساتذة . مراجعة ابراهيم مدكور: الهيئة المصرية العامة 
للكتاب , ولا5ا . 

(1) قاموس علم الاجتماع , ص 5١4‏ ؛ محمد عاطف غيث , الهيئة المصرية العامة للكتاب , 18198 . 

(؟) معجم العلوم الاجتماعية , ص /ه/ . 


يضف 


هذ! التقايل , من الوجهة الإسلامية يبدى مفتعلا وغير مؤسس منطقيا خاصة فى 
مجال العلوم الإنسانية حيث يشكل التقويم مسنندها الأساسى ؛ وهنا يتحول التقايل 
إلى التلازم يمعنى أن البحث العلمى قى مجال الدراسات الإنسانية ينيغى أن يمر 
بمرحلتين متلازمتين الأولى وصفية تقريرية يجتهد فيها الباحث فى تعرف أسياب 
الظاهرة ونتائجها والعوامل الفاعلة فيها والثانية تقويمية يحدد فيها موقفه منها إما 
سلبيا أى ايجابيا )١(‏ . وتظهر فعالية وأهمية هذه القاعدة قى الدراسات الاجتماعية على 
الخصوص فاكتشاف العيوب التى يعج يها المجتمع خطوة ضرورية نحى إصلاح حقيقى 
مبنى على تقديرات علمية ومؤّثرات واقعية وقد أدى إهمال هذه القاعدة عند الغرييين 
إلى تيرير الواقع الاجتماعى الفاسد وإعطاء الشرعية لكل المظاهر الأخلاقية الفاسدة 
كما سبقت الإشارة وهذا أمر لا يقره الإسلام ' 

إن مهمة العالم المسلم من هذه الزاوية إلى جانب كونها مهمة وصفية استطلاعية 
هى كذلك مهمة تقويمية » إصلاحية نقدية . وهذه القاعدة ليست مجرد وجهة نظر قد 
تصيب وقد تخطئ ٠‏ بل إن نصوص الوحى ومبادئ الإسلام تؤكدها بكل وضوح وجلاء 
فحديث القران عن الظواهر الاجتماعية يتجاوز تقرير الحقائق إلى تقييمها وتحديد 
موقف حاسم منها وعلى سبيل المثال فإن حديث القرآن عن تجارب السايقين فيها 
إخبار عن أحوالهم ووقائع حياتهم ولكن سرعان ما يتجاوز هذا الموقف التقريرى إلى 
الحكم القيمى . 

وهاتان المرحلتان نقول أنهما متلازمتان وضروريتان لقيام بحث علمى جدير بهذا 
الزصنق لأنهما مرتيطتان ارتباظا ععمويا + فالاكتفاء يتجديد المثل والانات وإصدان 
أحكام تقويمية عاطفية لا تستند إلى شواهد واقعية إخلال بالمنهج العلمى كما أن 
الوقوف فى حدود الوصف والتقرير فيه إقرار لكثير من المظاهرالمرضية وإعطائها صفة 
الشرعية . إن الإسلام يفرض نمطا اجتماعيا مثاليا ينبغى تحقيقه فى عالم الواقع كما 
يقرض نموذجا للشخصية الانسانية السوية التى ينيغى العمل على تجسيدها سلوكيا 
وأخلاقيا وتحقيق هذا النموذج يتطلق عملا نقديا تقويميا لطرح البديل النافع والتغيير 
نحو الأحسن وكل عمل من هذا القبيل ان يتأتى إذا التزمتا مبدأ الحياد فى البحث 
العلمى . 
سادسا : العمييز بين الثوابت والمتغيرات فى مجال الدراسات الإنسانية : 

المنهج القربى يعتبر مسألة نسبية القيم مسالة مسلم يها على الإطلاق دونما تمييز 
بين مجال الثوابت والمتفيرات ما دام يعتير القيم إفرازا مجتمعيا متجددا تفرضه 


. 7١7 قى هذا المجال ينظر على شريعتى , العودة إلى الذات : مص‎ )١(. 


رف 


أعراف الناس وعوائدهم ومتواضعاتهم حيث يستقل كل وسط اجتماعى يرسم مثله 
وأخلاقياته وما ينبغى أن يكون عليه من الناحية العقلية والمادية والأخلاقية والدينية . 

هذه الوجهة - رغم التأييد الذى لقيته على مستوى الكتابات الغربية - تتعارض 
تعارضا مبدئيا مع الموقف الإسلامى من المسالة . إن الإسلام كدين ينظم حياة 
الإنسان فى جوانبها المادية والروحية ‏ العقلية والأخلاقية يقوم على مجموعة من 
الثوابت التى لا تقبل بطبيعتها أى شكل من أشكال التطور أو التغير ياعتبارها تمس 
الوضع الانسانى بغض النظر عن زمان ومكان وجوده . 

لقد طرحت المناهج الغربية مسالة المعتقد والأخلاق والقوانين التى تمس مختلف 
الجوانب الحياتية على أنها مسالة ثقافية تخضع لاجتهاد الإنسان وهى بذلك قابلة 
للتجدد غير المشروط وممكنه التجاوز عن الزمن . أما فى المنظور الإسلامى فإن المسألة 
تاكن يعاذا اخوى قف صن التقكن اما من ومبة لظو الفريية :إن التي 
الإسلامى يستمد معرفته من الوحى المنزل , واعتبار الوحى ضمن الأصول المعرفية 
للمنهج الإسلامى يقرض عليه ضرورة التكيف والانسجام مع ميادئ الإسلام فى كل 
أبعاده فى ثوابته ومتغيراته . فهى لا يملك أن يتجاوز الثوابت التى أقرها الإسلام إذ 
يعتبر كل اجتهاد فيها إهدار للوحى ومصادمة لليقينيات التى أثبتها . وهى فى مجال 
المتغيرات يملك أن يجتهد ويبدع ولكن عملية الاجتهاد والإبداع تظل بدورها مشروطة 
بموافقة الحق ومحكومة بالمقاصد العامة التى أراد الإسلام تحقيقها . 

انطلاقا من هذا الموقف المنهجى الواضح فإن الباحث الإسلامى المسلم لم يطرح 
قضية المعتقد كظاهرة ثقافية عايشتها مختلف شعوب العالم فى القديم والحديث , ولن 
يطرح قضية القيم والمثل والقوانين الثابتة أيضا كقضية ثقافية اجتماعية تفرضها 
الأوضاع المستجدة . بل أن يميز فى هذه المجالات كلها بين جوانبها الثابتة والمتغيرة . 
١‏ - قضية المعتقد : 

فى قضية المعتقد ركز علماء الاجتماع والانثرويولوجيا اهتمامهم على مظاهر التدين 
كمعطيات خارجية يمكن ملاحظتها وانتهوا إلى اعتبار العقائد الدينية ظاهرة اجتماعية 
تنمى فى وسط ثقافى واجتماعى معين وتعد جوابا عن مشاكل تعترض جماعة ما ولهذه 
يتعذر فى نظرهم فهم عقيدة ما بمعزل عن شروط نموها ويمعزل عن بيئتها الاجتماعية 
والثقافية . ولقد أدى هذا المنهج فى دراسة العقائد إلى الخلط بين ما هى أساسى 
وجوهرى وثابت فى الدين وبين مظاهر دينية مرتبطة بتقاليد الناس وممارساتهم 
التعبدية وهى تختلف زمانا ومكانا . 


أكرف 


ولتجنب هذا الخلط الذى تقع فيه هذه الدراسات ؛ ينيغى التمييز فى دراسة العقائد 
بين مستويين متباينين : الأول مستوى العقيدة من حيث أصلها الإلهى على إنها وحى 
ثابت يعلى على الزمان والمكان مستقل عن تقليات أحوال الناس » والثانى مستوى 
التدين الذى يجسده تطبيق الأفراد فى عبادتهم وهو قايل للتبديل والتغبير والتعديل . 
ومقتضى هذا التمييز الفاصل أن الصورة التى تنتهى إليها العقائد الدينية بفعل 
التتديل لا مجعل هنا عتائد شترعية تظل مكل التقائد السبابقة . 
؟ - قضية القيم والأخلاق : 

لتجاوز طروحات المنهج الغريى الذى يعتير مسأالة القيم متغيرات نسبية ويمحوى كل 
قيمة موضوعية للأخلاق يجب أن نميز فى المسالة الأخلاقية بين مستويين متباينين . 
الأول أصولى معيارى يتعلق بأصول الأخلاق وقيمتها فى ذاتها » وهى عبارة عن المبادئ 
الأخلاقية العامة التى لا تختلف العقول البشرية السليمة على صدقها وثبات صحتها . 
وهذه المبادئ تتردد بين مجموعة من الأوامر والنواهى التى يحددها الشرع وتوافق 
القطرة كتسرورة إلتزام الصدق والإحسان والحفاظ على العهود وآداء الأمانات وإلتزام 
العقة .. 

والثانى يتعلق بالجانب السلوكى وهو ما يعبر عنه الفعل الإنسانى ويظهر من خلاله 
تفاعلاته وعلاقاته وهذا الجانب هو الذى يمكن اخضاعه للدراسة الأميريقية الوضعية 
باعتباره واقعا حيا حركيا ملحوظا يمكن أستقصاؤه وتتبعه باعتباره يعكس تصرفات 
الناس وملوكيه الاجتماض» 

ولقد ميز النقاد بين هذين الجانبين فاعتيروا الجانب المعيارى فعلا أخلاقيا بينما 
اعتيروا الثاتى فعلا اجتماعيا وكان خطأ الوضعيين أنهم خلطوا بين الاثنين فأفقدوا 
بذلك الأخلاق مصداقيتها وثباتها )١(‏ . 

والذى يجب تثبيته هى تأكيد الفصل بين الجانبين . فالأخلاق تتصل من جهة بالمثل 
العليا وتأخذ أصولها من الدين ومن ثم تكتسب صفة الثبات وتتصل من جهة أخرى 
نسناوك الئاس وين كم تعتبر ظاهزة حسئية قابلة النلفحظة والإدراك ..وإذا تان المنهج 
الوطنشئ :قن معده امكنافة هذا الجاني الاتطوكن اماد واختزال الخاني المسيان 
واعتبر الأخلاق متغيرات اجتماعية فإن المنهج الإسلامى يلتقى معه فى دراسته للجانب 
السلوكى دراسة وصفية ولكنه لا يعمل على تبرير المظاهر المرضية للأخلاق وهى يعمل 
من أجل تحسين هذه السلوكيات وفق قيم الحق والعدل . 


. ينظر المجمل فى تاريخ علم الأخلاق : د. ه. سد جويك‎ )١( 
. مقدمة الترجمة العريية ج١/رة١ , طا . 1555 ء دار النشر الثقافية , الاسكندرية‎ 


"5 


- قضية النظام التشريعى : 

النظام التشريعى هو الذى يحدد للمجتمع صيغته وشكله إنه يفرض سلوكيات معينة 
يجن التزافها :والمنظور الوضعى يغتير النطام التشدريعى فى كلية متغيزة اجتماعية 
أفرزتها ظروف ثقافية واجتماعية وسياسية ... وهى تتجدد حسب تجدد هذه المعطيات 
فلا شئ يمكن أن يوصف هنا بالثبات . 

آنا ف المتيع الأسلانى فهو لا نتطلق من هذه العطبات اك هده فتحسب إنه 
يعترف بها ويأخذها يعين الاعتبار ولكنها ليست كل شئ » فالوحى المنزل يعتبر الركيزة 
التى تؤسس النظام التشريعى . وحتى اعتبار المتغيرات الاجتماعية فى تنطيم النواحى 
التشريعية لا يأخذ صفة مطلقة كما هو الحال فى المنهج الغريى بل أن المعطيات معتبرة 
فى حبون اشيجافها مع أفداقك الوجى ومقاضد هنح لا تكون اعتارها ظريقا لتدرين 
السلوكيات الخاطئة والمصالح المتوهمة . 

وهنا يعود المنهج الإسلامى ليميز فى النظام التشريعى بين ثوابته ومتغيراته » وهى 
يعتبر الثوابت قضايا مسلمة لا يلتفت إليها . وعمله ينحصر فى جانب المتغيرات ومهمته 
فيها ضبطها بمجموعة من المعابير تضمن لها مصداقيتها وتحميها من الانحرافات 
التى قد تنجم عن ضغوط المجتمع وهى ضغوط تفرضها المصالح الطبقية أى القومية أى 
الشخصية ومن أنها أن تنحرف عن المقاصد التشريعية . 

وقد استقرت هذ المشعة فى القشس الاسلتس وعر لياه التشر ع عن شترورة 
هذا التمييز الفاصل بين الجانيين صيانة لاثوابت وضبطا للمتغيرات وهذا نص كلام 
الشاطين يلخن لنا: هذخ الفكرة يقول : * إن العواد: السدمرة متريان + القوائد 
الشرعية التى أقرها الدليل الشرعى أو نفاها .. والضرب الثانى هى العوائد الجارية 
بين الخلق بما ليس فيه نفيه ولا إثباته دليل شرعى . فأما الأول فثابت أيدا كسائر 
الأمور الشرعية وأما الثانى فقد تكون العوائد ثابتة وقد تتيدل )١(‏ , 

هذه جملة ملاحظات أولية تستوعب جوانب من الحقل المعرفى الذى تنشط فيه 
العلوم الإنسانية ووظيفتها ‏ لا تعدى أن تكون توجيهات منهجية يلتزمها الباحث فى هذا 
المجال حتى يتسنى له تجاوز السلبيات التى تعانى منه هذه الدراسات وتحقيق قدرا 
كبيرا من العلمية والموضوعية . 


(1) الموافقات قى أصول الأحكام , ح؟/.17 . تعليق محمد حسنين مخلوف , دار الفكر . 


غ5 


يبن التنظير العلمى والتنظير الأيديولوجى 
د . مصطفى عشوى 


هل التنظير العلمى يتناقض مع التنظير الأيديولوجى أو أن كل واحد منهما يكمل 
الآخر ؟ وما هى وضعية التنظير العلمى والأيديولوجى فى المنظومة الجامعية الجزائرية 
وما هى أحسن منهجية لتحقيق التنظير العلمى ؟ هل أفضل منهجية هى التى يقوم فيها 
الباحث بالانطلاق من الاستنباط ( الاستنتاج ) إلى الاستقراء أو العكس ؟ هذه بعض 
الأسئلة التى نرغب أن تشكل محور نقاش بين الدارسين والباحثين فى العلوم 
الاجتماعية بالجزائر وغيرها من البلدان العربية والإسلامية . 

إن النقاش فى هذه الأسئلة وما يشايهها قد بدأ منذ فترة قصيرة بين الياحثين 
الاجتماعيين الغرييين , ولا يختفى - منذ البداية - أن أى إجابة عن هذه الأسئلة 
ستعبر عن مواقف أيديولوجية خاصة » وعن تناول مختلف عليه لقضايا البحث العلمى 
فى العلوم الاجتماعية بصفة عامة وفى علم النفس بصفة خاصة . 
- تحديد المفاهيم: 

إن مفهوم العلم في إطار العلوم الاجتماعية مازال مفهوما غامضا وفضفاضا يستخدم في 
أحيان كثيرة للإشارة إلي مواضيع أقرب ما تكون إلي الفنون . وفى هذا الإطار فإن 
روسكو(576١)‏ وهى مؤلف لكتاب بعنوان ' أسس اليحث الإحصائى فى 
العلوم السلوكية ' ينتقد الاعتقاد المحاطئ عند كثير من الباحثين الاجتماعي 
والسيكولوجين الذين يروا العلم في ميادين العلوم الاجتماعية إنما يقوم علي اليقينيات 
واصفا هذا الاعتقاد بأنه أبعد ما يكون عن الصواب » ذلك لأن ميدان العلم إنما هو ميدان 
الاحتمالات وليس ميدان اليقينيات . فدراسة العلاقة بين متغيرين أى أكثر عن طريق 
إجراء معامل الارتباط ممثلا لا تدل على أى علاقة سببية بين المتغيرين بل كل ما فى 
الأمر هى وصول الباحث إلى استخلاص وجود علاقة بين متغيرين تحت شروط معينة . 
ويعتمد الباحث على قواعد رياضيات الاحتمالات للتعبير يصفة كمية عن درجة الثقة 
أثناء التنيؤ بوجود علاقة بين متغيرين أى أكثر وكلما كانت درجة الثقة عالية : فإن 
احتمال الخطأ يكون منخفضاً إلى أن يصل إلى حد ١..ر.(‏ واحد من ألف ) وهو 
الحد الأدنى من الخطأً . 


ردن 


ورعم اعتماد السيكولوجيين فى بحوثهم الميدانية ( التجريبية ) على درجات الثقة 
التى يحصلون عليها بواسطة التحليل الاحصائى فإن أغلب مفاهيم علم النفس مفاهيم 
غامضة لا تخضع للقياس الكمي بسهولة . فالذكاء والإدراك وتحقيق الذات وغير ذلك 
مفاهيم لا يمكن أن تخضع للقياس الكمى إلا بتحديد الوظائف التى يؤديها كل مفهوم 
بدلا من التساؤل عن ماهية المفهوم . والتغلب علي هذه المشكلة فإن الباحثين يعمدون إلي 
تقديم تعاريف إجرائية للمفاهيم المدروسة , وتحقيق التعريف الإجرائى لمفهوم ما ليس أيضا 
بالسهولة التى يتصور البعض ذلك لأن بعض ال مفاهيم لاتخضع للتعريف الإجرائى بكل 
سهولة ومهما يكن ويالرغم من تحديد وظيفة المفهوم وتعرفه تعريفاً إجرائياً قابلا للبحث 
الميدانى أو التجريبى فإن هذا التحديد وهذا التعريف الإجرائى هو الذى يفتع الياب 
لتأثير الإطار العقائدى للباحث أى للهيئة المشرفة على البحث فى توجيه البحث 
واستخلاص النتائج . 

وهنا قد يتساط البعض , وما هى العيب فى تدخل الايديولوجية فى توجيه البحث 
العلمى إذا كان هذا اليحث يتم حسب أصول موضوعية ؟ إن الإجابة عن هذا السؤال 
تنقلنا إلى تحديد مفهوم الايديولوجية وارتباط الدراسات الاجتماعية والنفس - 
اجتماعية بمفهوم الأيديولوجية . 


لانيو لوجية والتظير الأيذ يوجن ا 

يعرف قاموس ويبستر(15457) الأيديولوجية بأنها : دراسة لطبيعة ومصدر الأفكار ؛ 
أي أن الأيديولوجية هي مجموعة الأفكار العى تشكل أساس نظام سياسى 0 اقتصادي 
واجتماعى معين. أما شابلن ١51/5(‏ «لئام2ط) ) فيعرقها فى قاموسه بأنها عبارة عن 
نسق معقد من الاعتقادات التى تريط مفاهيم معينة كالديمقرطية والماركسية . واذا 
انتقالنا من هذه التعاريف المقتضبة الن تميق مفهؤع الأبديزاوجية فإننا. تحب كارل 
ماتهايم (193) يوضع بأن الأيديواوجية تتركب من أريع جواني : 

-١‏ وحود نسق من الاعتقادات يشكل مجموعة الأفكار التى تيرر الينية الموجودة 
يدم الأقتيازات التى تتمتع .يها 'طبقة اجتبامية معيتة: 

له وجود عنصر تشويه الواقع وذلك بهدف تبرير الامتيازات الطيقية : 

- الايديولوجية غالبا ما تكون لا شعورية ؛ لان الذين يشوهون الواقع لا يكونون 

5- الحقاظ على النظام القائم والتشديد على المحرومين . 

ويدون مناقشة هذه الجوانب فإنثا نسجل مع ' مانهايم ' وجود عوامل لا شعورية 
فى كل أيديولوجية توجه قيم الإنسان وسلوكه . وهكذا فالايديولوجية - رغم قيامها علي 


>35 


العقلانية - ترتبط بمجموعة من القيم .وهذا الارتباط - كما يري السمالوطى(191/8) - هو 
الذي يميز الايديولوجية عن العلم ذلك لأن الأيديولوجية لا تقسصر علي تفسير الواقع بل 
تحاول أن تصدر أحكاما علي هذا الواقع بعد تقبيمه وهذا التقييم الذي تقوم به الايديولوجية 
للواقع يعني الالتزام بمجموعة من الأفكار والتصورات المسبقة وهذا عكس المنهج العلمي 
الذي يقعضي عدم الارتباط المسبق بتوجيهات أيديولوجية محددة وأفكار وتصورات وأحكام 
تقييمية مسبقة ( السمالوطى :181/8) . 
ارتبط التنظير الأيديولوجى بالاتجاهات الماركسية التى حللت البنيات الاجتماعية 
والاقتصادية للمجتمعات الأوروبية وقدمت تفسيرات للواقع الاقتصادى والاجتماعى 
وحلولا نظرية لمختلف المشاكل الاقتصادية والسياسية والثقافية التى طبقت فيها 
الاتجاهات الماركسية . وقد إرتبط مفهوم الأيديولوجية بالماركسية إلى حد أن بعض 
الباحثين الغرييين يرفض استعمال هذه الكلمة . 
ومهما يكن . فإن التنظير الأيديولوجى به فى هذا المقال . مختلف النظريات 
الفلسفية التى قامت على الجوانب الأيديولوجية التى أشار إليها مانهايم فى كتايه 
"الأيديولوجية والطوياوية ' فالتنظير الأيديولوجى بهذا المعنى يتأثر بالعوامل التالية : 
-١‏ النسق الفكري المهيمن علي مجتمع ما والذي تحميه طبقة معينة أو نظام قائم . 
؟- مجموعة من التصورات المسبقة والأحكام التقييمية التي تكون اتجاهات ومواقف 


سلوكية قد تخفي دوافع لا شعورية لحماية الذات والجماعة التي ينتمي إليها الفرد . 


التنظير العلمى :- 

يعرف بلدرج (1975, [8310110) النظرية بأنها عبارة عن مجموعة من المبادئ العامة 
النتي تقدم شرحا منطقيا للأحداث الملاحظة في الماضي والتي ستظهر صحتها في المستقبل إذا 
كانت صحيحة أما روسكو (1976) فيعتبر النظرية العلمية الإطار أو النموذج الذى 
ينتظم مجموعة الحقائق والنتائج التى توصل إليها الباحثون فى ميدان ما : بحيث يقدم 
هذا الإطار تفسيراً منطقياً العلاقات الموجودة بين مختلف الظواهر بالاضافة إلى وضع 
فرضيات لدراسة العلاقات الممكن إيجادها بين مختلف الظواهر . ولا تكتفى النظرية - 
كما يؤكد روسكو - بترتيب وتركيب المعرفة العلمية المتوفرة بل تمكن الياحث أيضا من 
تقديم التفسير المناسب للظواهر الطبيعية , تفسيراً لم يخضع بعد للبحث الميدانى أو 
الفحص التجريبى ؛ والمهم فى البحث العملى أن يخضع التفسير الذى تقدمه نظرية ما 
للبحث الميدانى وذلك لتاكده أو رفضه وإذا تحقق هذا الشرط قإن النظرية فى هذه 
الحالة تكون منيعا للبحوث العلمية القيمة . 


06 


ورعم أهمية البحوث الميدانية والتجريبية فإن البناء النظرى يعتبر من أهم الأعمال 
الإبداعية لأى باحث ذلك لأن التنظير العلمى يتطلب القدرة على إدراك وتصور العلاقات 
بين مختلف المتغيرات من خلال منظور محدد قادر على التفسير والتنبق وقد أخفقت 
اليحوث الميدانية - التجريبية ( الاميريقية ) فى بعض ميادين البحث النفسى - 
الاجتماعى كميدان الاتصال التنظيمى فى تكوين أى نظرية علمية انطلاقا من النتائج 
التى حصل عليها الباحثون من تحليل البيانات الميدانية . وأقصى ما وصل إليه 
الباحثون فى هذا الميدان تعميمات تعبر عن انتماءات أيديولوجية الى المدرسة الوظيفية 
( ريدينغ: )١915‏ ورغم سيطرة المذهب التجريبى - الامبريقى على دراسات علم 
النفس فى الغرب ورغم التغنى بالمنهج الاحصائى والتجريبى المستعمل فى هذه 
البواسنات كدان الإتعناء السرية الذي سنله هوة وزاشنات بانكضن سه يننا 
(ريديتغ» 5إ15١)‏ يدعو إلى الاهتمام أكثر بالتنظير العلمى . يقول دويين «أطء2 
(1970)- بهذا الصدد - يبدى أننا نهتم فى العلوم الاجتماعية بالتنظير القائم على 
الاستنياط أكثر من التنظير القائم على الاستقراء أما فى العلوم الطبيعية فإن التنظير 
- الاستقرائى أهم من الاستقراء الاستنباطى وذلك قد يرجع إلى تأثير البحث التجريبى 
فى هذه العلوم . ورغم قدم المنهج الاستنباطى فى الفلسقة الأرسطية وتحول العلوم 
الطبيعية عن هذا المنهج إلى المنهج الاستقرائى فإن الاستنباط كمنهج يقوم على 
الانتقال من الكل إلى الجزء أى من العام إلى الخاص يصل فيه الباحث وخاصة عند 
تطبيقه لمذهج الاستنباط الاستدلالى إلى نتائج تعتبر كسبا فى التفكير ( أحمد زكى , 
) وهكذا الكسب فى التفكير هى أيضا كسب فى عملية التنظير. 

وقبل الانتقال إلى الحديث عن العلاقة بين النظرية والتطبيق من جهة ويين 
الاديولوجية والنظرية العملية من جهة أخرى فإننا نستعرض مع روكسى أهم خصائص 
النظرية الجيدة وهى كما يلى : 

-١‏ ضرورة إنسجام النظرية مع الحقائق المعروفة وتعتبر هذه الخاصية أساسا 
هاما لتقيل النظرية من طرف أغلبية الباحثين وعلى كل فإن انعدام هذا الانسجام لا 
ينفى الأهمية العلمية للنظرية حيث قد تكون هذه النظرية غير المنسجمة إطارا لعمل 
إبداعى فى مجال جديد أى ميدان قديم . 

؟- ينبغى أن لا تشتمل النظرية على أفكار متناقضة حيث يدل التناقض على إنعدام 
الانسجام الداخلى النظرية . 

'5- ضرورة وضوح التفسيرات التى تقدمها النظرية بحيث يكون فى إمكان الباحثين 
الآشرين :وضع الفرضعنات المختلقة لفمص هذه التفسيزات تجرينيا أنعبدائيا 
(امبريقيا) ويرى روسكو بأن النظرية التى لا تخضع للفحص التجريبى أو الميدانى لا 
تعتبر نظرية علمية . 


521 


4- من الأحسن أن تكون النظرية بسيطة قدر الإمكان رغم تقديمها لتفسير عام 
لظواهر متعددة . ولتحقيق هذه اليساطة يستحسن الاعتماد على لغة الأرقام لوصف 
الظاهرة . 

ه- القدرة على التنبؤ بالسلوك , فبالرغم من وقوع النظريات السلوكية فى الخطأ 
عند التنبق فإن الخطأ يكون قليلا أى صغيرا فى حالة توفر النظرية الجيدة . 

قد نتساعل "إذا كانت النظرية الجيدة هى النموذج الذى ينتظم مجموعة الحقائق 
والنتائج التى توصل إليها الباحثون فى ميدان ما " فمن أين حصل الياحث على هذه 
الحقائق والنتائج ؟ فى الحقيقة هناك علاقة تفاعلية - تكاملية بين النظرية والتطبيق فى 
العلوم الاجتماعية فقد كان التأكيد على وضع النظريات إلى جانب التجريب من أهم 
المبادئ التى قام عليها عهد البحث العلمى بجامعة متشيغان حيث كان كورت ليفين 
أحد الباحثين البارزين فى هذا المعهد . كان ليفين يؤكد على التكامل الموجود بين 
النظرية والتطبيق حيث يلح بأنه * لا يوجد أى شئ تطبيقى كنظرية جيدة " 
وكان يقول " لا عمل بدون نظرية ولا نالرية بدون عمل" (5144١رططةء!‏ ع 1[[عصصةء) 
ما أشبه هذا الكلا م بالحديث الشريف " لا إيمان بلا عمل ولا عمل بلا إيمان وبالقوة إن 
النظرية وليدة الممارسة ‏ فالمطلوب إذن أثناء إجراء البحث العلمي الربط بين الاستنباط 
والاستقراء أي الجمع بين الكليات والجزئيات » مما يستدعي قيام الباحث بالانطلاق من إطار 
كلي إلي دراسة جزئية ومن دراسة جزئية إلي إطار كلي ثما يضفي معني ويعطي بعدا كبيرا 
للبحث العلمي » ذلك لأن أي بحث يقعصر علي جمع البيانات دون إدماجها في نظرية 
مناسبة لا يعتبر عملا علميا جادا . وهذا التاكيد لا يعنى عدم ضرورة إخضاع النظرية 
تفسها إلى البحث الامبريقى وذلك لاختبار الفريضة لتأكيدها أو لرفضها ( بلدن 
)١‏ . ولعل توضيح العلاقة بين النظرية والتطبيق سيكون خير مدخل إلى توضيح 
العلاقة بين الايديولوجية والتنظير العلمى فى ميدان العلوم الاجتماعية بصفة عامة . 


- العلاقة بين التنظير الايديولوجى والتنظير العلمى: 

إن مراجعة أى كتاب فى علم الاجتماع أو علم النفس الاجتماعى ستبين بوضوح 
ويسرعة لأى باحث متفحص تنوع الاتجاهات الفكرية والفلسفية التى تسيطر على 
الدراسات الاجتماعية بل وحتى على دراسات علم النفس التنظيمى حيث يؤكد كل من 
باريل ومورغان(1905١)‏ علي أن كل نظريات التعظيم مؤسسة علي فلسفة علم 
(ابستيمولوجيا ) وعلى نظرية اجتماعية سواء كان منظرو هذه النظريات علي شعور بذلك أو 
لا . ومهما يكن » فإن الدراسات الاجتماعية والتنظيمية لا يمكن فصلها عن الاتجاهات 


/اء5 


الفلسفية والايديولوجية التى تسيطر على توجيه العلوم الاجتماعية بل وتؤثر فى عملية 
التنظير مما يؤدى إلى إدخال التشويهات الايديولوجية - إِنْ صح هذا التعبير - فى 
مفهوم التنظير العلمى سواء كان هذا التشويه عن وعى أى عن غير وعى. 

من استعراض أهم الاتجاهات النظرية التي تسيطر علي الدراسات الاجتماعية والتنظيمية 
كما لمحصها لايت وكلير (1915) سيتبين لنا مدي تأثير الاختلافات الايديولوجية على مستوي 
التعظير في التنظير في ميدان يسمي العلوم الاجتماعية . هذه الاتجاهات النظرية الاساسية هي: 


أ- المدرسة البيوية - الوظائفية . 
ب- المدرسة الراديكالية. 
اج مدرسة الفاععل. 


ش وإذا اقتصر تحليلنا على المدرسة الأولى والثانية فإننا نلاحظ بأن المدرسة الوظائفية 
تركز على دراسة الطريقة التى يسهم فيها كل قطاع اجتماعي في وظيفة أو نشاط امجتمع 
ككل 5 وتؤكد هذه المدرسة علي مفهوم العوازت وضرورة تحقيق العوازن بين مختلف القطاعات 
الاجتماعية وتتفادي هذه المدرسة التعرض بالبحث لمواضيع حساسة كالصراع ين مختلف 
الأطراف والطبقات » وتقسيم السلطة الاجحماعية والتنظيمية وتوزيعها وغير ذلك وتدافع هذه 
المدرسة علي النظام القائم بكل قوة وتحاول وضع النظريات تلو الأخرى للحفاظ على توازن 
هذا النظام وتعارض أى تغيير جذرى فى المؤسسات والهيئات الاجتاعية . ْ 
أما المدرسة الثانية فهى مناقضة للمدرسة الوظائفية من الناحية الأيديولوجية 
حيث تركز على الصراع الطبقي ومختلف التناقضات بدلا من التوازن والانسجام بين مختلف 
القطاعات الاجتماعية . وباختتصار فإن المدرسة الأولي وما تفرع عنها تمثل الايديولوجية 
الرأسمالية بيدما المدرسة الغانية تمغل الايديولوجية الماركسية . ورغم تعارض هاتين المدرستين 
وتناقضهما فى الميدان الايديولوجى إلا أنهما يتفقان على الوضعية كمذهب فى تحصيل 
المعرفة .. ورغم ذلك فقد اتعكست الاختلافات الايديولوجية بين المدرستين على مستوى 
التنظير فى ميدان العلوم الاجتماعية وخاصة فى علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعى 
وكمثال فإننا نجد ماكس قيبر ( العالم الألمانى الاجتماعى) يؤكد بأن نسق 
الأفكار ونسق القيم أهم من العوامل الاقتصادية فى عملية التغيير الاجتماعى والانتقال من 
مجتمع تقليدي ( زراعي ) إلي مسجتمع عصري « صناعي ) ٠‏ وأن أهم تغير يحدث فى 
المجتمع - فى رأية - هو الانتقال من المرحلة التقليدية الى المرحلة العقلانية . أما 
ماركس فيرى بأن الوضع الاجتماعى والاقتصادى.هو الذى يحدد وعى وأفكار الناس 
وليس العكس وأن أهم تفير يحدث فى المجتمع - حسب ماركس - هىو الانتقال من 


"54 


المرحلة الرأسمالية إلى الاشتراكية فالشيوعية . لذا فإن ماركس يري بأن نمو الرأسمالية 
في أورويا هو الذي أدي إلي الإصلاح الديني ١‏ البروتستاني ) فى القرن السادس عشر فى 
حين يرى فييبر العكس تماما إذ يؤكد بأن الاصلاح البروتستانى هو الذى أدى إلى نمو 
الرأسمالية ( كول )١916,‏ ء وبدون شك فإن هذا الاخحلاف على المستوي الأيديولوجي 
يؤدي إلى الاختلاف في فهم السلوك الفردي والجماعى وخاصة عندما يدرس هذا السلوك 
فى اطار تنظيمى معين كما هى الحال فى دراسات علم النفس الصناعى / التنظيمى 
.فتايلور مثلا يضع كتابا تحت عنوان " الإدارة العلمية ' فى ١5١١‏ ويضيف كلمة 
' العلمية " إلى الإدارة ويستعرض نتيجة بحوثه التى أعتير فيها العامل كالة ميكانيكية 
لا تحتاج إلا إلى صيانة مادية للبقاء فى دورة الإنتاج الرأسمالى وكأن هذه النتيجة 
حقيقة علمية وبعد تايلور يأتى رواد مدرسة العلاقات الإنسانية مغل التون مايو ليؤكدوا بأن 
مشكلة الحضارة الانساني في الغرب انما هي بسبب اهمال الدوافع الاجتماعية والعلاقات 
الإنسانية فى المؤفسسات الصناعية مما جعل العامل الفربى يحس بالتفاهة والملل . 
فوضعت عدة نظريات جديدة فى الحوافز مثل نظرية ماك ريغور(10١1١)‏ وغيره 
ووضعت نظريات فى الادارة والتسيير كنظريات أرجريس (82ك155ا) وليكرت 
(69ذ1) وغيرهما ولكن هذه اننظريات رغم تنوعها بل وحتى رغم تقض بعضها 
للبعض الآخر فإنها لا تخرج أبدا من الاطار الرأسمالى ولا تتعرض باليحث إلى 
مواضيع حساسة مثل التغيير الجذرى لهيكل السلطة فى المجتمع أى فى المؤسسات ولا 
تتعرض إلى الأسباب الرئيسية للصراع التنظيمى . 

وإذا انتقلنا الى ميدان علم الاجتماع فإننا نجد كما يشير إلى ذلك السمالوطي 
(151070) " بأن الصراع فى علم الاجتماع المعاصر لم يعد صراعا بين أنصار التنظيم 
وأنصار الامبريقية بقدر ما هو صراع أيديولوجى بين انصار الاتجاه المادى أو 
الماركسى ويين أنصار الاتجاه الوظيفى فى العالم الفريى ' فأتصار الاتجاه الأول 
ينطلقون من بناء نظرى مسبق يقوم فى جوهره على المادية التاريخية فى حين يرفض 
أنصار الاتجاه الثانى الالتزام بصياغات نظرية مسبقة ويرون ضرورة الاعتماد على 
نتائج الدراسات الميدانية . ولكن هذا لا يعنى أن أنصار الاتجاه الرظيفي لا يستندون إلي أي 
مبادئ نظرية مسبقة فهم على حد قول ' جولدز يستندون ضمنيا إلى مجموعة من 
الفروض الخلفية مثل فكرة الحقوق الطبيعية والمبادئ النظرية البرجوازية '. 

إن العلاقة بين التنظير العلمى والتنظير الأيديولوجى علاقة معقدة لا يمكن 
إخضاعها - فى حدود طاقتنا الحالية إلى مقاييس كمية مما يضطرنا إلى إصدار 
أحكام كيفية قد تكون متأثرة بمنطلقاتنا الأيديولوجية . ورغم تأكيد الباحثين 
الاجتماعيين الذين يمثلون الاتجاه الواقعى فى الدراسة السوسيولوجية مثل ريموند 


اد 


رايسء على أن المشتغلين بالعلوم الاجتماعية قد أصبحوا يهتمون بالدراسة الامبريقية 
متجاوزين الأيديولوجيات بعد الحرب العالمية الثانية فإن الواقع ما يزال يشهد علي أن 
العلوم الاجتماعية لا تزال مفقلة بقيود أيديولوجية تعراوح بين الشدة والضعف وذلك حسب 
حساسية الموضوع ومدي ارتباطه بمصلحة فئة أو طبقة معينة أو نظام قائم ما وبحسب مدي 
ارتباط الباحث بالأيديولوجيات ويمدي تدخل المؤسسات والهيئات التي تمول المشاريع 
والبحوث النفسية والاجتماعية وغيرها في توجيه البحث . 

وكل ما يمكن أن ندعى إليه لكيلا يغرر بنا بعض الباحثين بنظرياتهم هو ضرورة 
توضيح الباحث منذ البداية للإطار الأيديولوجى الذى يجرى ضمنه الدراسات وإننا 
تعتقد بأن هذا التوضيح - إذا كان ضروريا - لا يكون أبدا مدعاة للانتقاض من أهمية 
الدراسة أو البحث وإذا لم يقم الباحث بهذا الإجراء فإننا نرى أهمية توضيح الإطار 
الأيديولوجى الذى أجريت فيه الدراسة حتى لا ينخدع طلاب العلم بنتائج أو تصورات 
نظرية تخدم أهدافا اديولوجية معينة تتناقض مع عقيدتنا وأهدافنا العلمية . 

وفى الواقع , فإن هناك عدة مدارس غربيية متفرعة عن المدرسة الوظائفية وعن 
المدرسة الراديكالية لا ترى بأن تحصيل المعرفة لا يكون إلا باتباع المذهب الوضعى بل 
يذهب بعضها مثل المدرسة الظواهرية ( الفنومينولوجية ) والمدرسة الراديكالية 
الإفسانية أن تحصيل المعرفة يمكن أن تتدخل فيه العوامل الذاتية ويمكن أن يتم 
بواسطة التأمل والتجرية الذاتية ؛ بل إن المدرسة الظواهرية مثلا ترفض أن يدرس 
النشاط البشرى بمثل الأسلوب الذى تدرس به العلوم الطبيعية ( باريل ومورغان 
(253 .م ,1980)) . وعلى هذا الأساس فإن شولتز مثلا - وهو من أتباع المدرسة 
الظواهرية - الوجودية - يرى بأن المهمة الأساسية للعلم الاجتماعى تتمثل فى فهم 
العالم الاجتماعى من وجهة نظر الذين يعيشون داخل هذا العالم . وبناءً على هذا فإن 
شولتز يتفق مع فيبر بأن الوظيفة الأساسية للعلم الاجتماعى هى التفسير أى فهم 
المعنى الذاتى للفعل الاجتماعى إلا أنه يرى بأن فيبر قد أخفق فى ذكر الخصائص 
الأساسية لقهم ( المعنى الذاتى ) و( الفعل ) (باريل ومورغان.154١)‏ . 

ومن المقالات التى نشرت حول ما يرتبط بهذا الموضوع ما جاء فى المجلة الأمريكية 
للاقتصاد وعلم الاجتماع فى يوليى (1989) حيث ورد فى مقال لأحد أساتذ ة علم 
الاجتماع فى أمريكاء (1989,ا013) بأن التحليل السوسيولوجى الكلاسيكيى لم يكن 
خلوا من القيم وعليه , فإن أعمال ماركس ( الاغتراب ) وفيبر ( عقلانية الحياة 
الاجتماعية ) ودوركايم ( اللامعيارية ) لم تكن محايدة من الناحية الاجتماعية والفلسفة. 
وقد اختتم هذا الأستاذ مقاله يالتأكيد على الفرق الأساسى الموجود بين العلم الطبيعى 
والعلم الاجتماعى ملحا على أن ما تحتاجه العلوم الاجتماعية ليس مزيدا من تقنيات 


؟ 


لحيل الاسراقات يله التجلزل الاتضامى هو الأ قام ورقوم بط انس من لقي 
المرتبطة بالواقع الاجتماعى . 

وإذا كنا ندعى إلى ضرورة تكامل النظرية والتطبيق وتكامل التنظير العلمى والتنظير 
الأيديولوجى فإن هذا ليس بهدف اقتراح منهج تلفيقى بل يتمثل الموضوع فى اقتراح 
أسلوب للبحث العلمى فى ميدان العلوم الاجتماعية لا يتنكر للقيم والمثل والمبادئ ولا 
يرفض الأسس العامية - المنهجية للبحث ذلك كله بهدف خدمة القيم والمثل التى يسعى 
الإنسان لتحقيقها بخدمة لعقيدته ومضبالعه المادية والمعدوية والروحية ومهما يكن ورقم 
اعترافنا بصعوية تخلى العلوم الاجتماعية عن الذاتية وعن المعيارية فإن هذا لا يؤدى 
بنا إلى الشطط واستنتاج استحالة صياغة نظريات علمية فى ميادين علم النقس 
والاجتماع وغيرها إن أن هذه الميادين فى العالم الغريى قد حققت كثيرا من الإبداع 
ان المستوئ القطرى والتطيفى حت وتدتفدو هذه اللو فى كفيرين اللجالات 
التربوية والإعلامية والإشهار والعلاج وغيرها كما توصلت هذه العلوم إلى صياغة بعض 
النظريات التى يمكن أن تشكل قوانين عامة فى فهم السلوك الإنسانى بغض النظر عن 
الإطار الثقافى والحضارى الذى يمكن أن يحدث فيه هذا السلوك » ومن أوضح الأمثلة 
على ذلك قوانين الأشراط فى علم النفمى . 

وعلاوة على كل هذا فإن التنظير العلمى قد يتدرج وفق مستويات هرمية فقد يبدأ 
بنظريات صغيرة على مستوى الفرد إلى نظريات متوسطة ( جماعات ؛ منظمات ) 
ليتسع إلى نظريات كبيرة ( مجتمعية أو إنسانية ) .. كما أن اتباع المتهج فى البحث 
هو الذى يميز الأسلوب العلمى فى الوصول إلى الهدف عن الأساليب الأخرى التى لا 
تستند الى أى منهج , وإذا تأملنا نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف فإنها كلها 
دعوة للتأمل فى مخلوقات الله وسننه فى كونه ... فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد 
لسنة الله تحويلا. 


ذه" 


- المراجع العربية : 


- السمالوطى » نبيل محمد توفيق .الايديولوجيا وأزمة علم الاجتماع المعاصر , 
الهيئة المصرية العامة للكتاب الإسكندرية , 1975 , 


- المراجع الأجنبية 
دمل 7ع11 ,21100 تسدع01 ع1 لمث 120170131 عغط]!' عمستام عوعام] .0 دالرروويمق - 
.1964 . عد , كهه5 عك 1771/1116 معطمل 
11لا بتحع11 121 رقمه5 عل 171163 مطل ,نوع501010 ,7 .[ عع23102108 - 


172110031مقع018 لسمفث لدعم 23:303 [2ء(ع5021010 © سدوءره81 .0 [اعدن8 - 
.79 ,امآ 80015 011210881 2ش تتتماء 11 معاد ,213:515هم 
01 الع منمو1ء67 10 320 تلع 021 12 1321015 عدده5 1[ صسطمك] عى .2 لاعممدة 
م اتتقو7طء111 01 251197 159دلآ عط ,طعتهعوع8 50121 102 غعأناألاقم1] 
.39,1256-6 ,1984 ,151ع 2572010 

11 [11ع12: علرملا بمع[8 , نزع[مطء257 01 [(10110231 .1.2 «ل1امقطن - 
05) 

د لاع5061010 0غ 1217001011012 مكل : تلتأقادعء021 لوعتع50010 56 .5 ع1اه0 

00100311 28لط15[طناط ععع02011) /إالهدء11 لمهخا :مع3ع 01 

(.(81),. .ا .(آ عأاعمقناط مز .موعمكث لعتاممة 2د 105ل1تتاط لإتمعط1 .1 صلطن2[ - 
سق : معدعتلطن , 01089طءئز25 22610231 1مدع01 320 515121نالهآ 02 عاه 11320560 
.0 ) ع لتطلكتاطنام عععء011) :19لقدء ك1 

ل50نا0ل 1م116 لتث. أدء متصدمء ذش : تإع1امم 50021 20ة ععدعك5 50131 .10 م0123 - 
م.م (1989, نإآد2 ) 3 ه]ك.ر48. 1ما,نوج 501010 0ه كع1تطمممء8 01 

أمممكا.ةف لعظلم بعطتملا بنع11 .2110 ,لزع10م50 عع 1اعا 1.2[ .[ أطوارآ - 
١١‏ 


8001 11111 01:39 1100 : علاعملا بتععل[1 .221108 1ممع01 مقصسط غ115 أرعع1را - 
2017 


الاء لال,.1 كققط5 ع .مآ طاره171 69 12160كصة13.1مه:[ا مسة نروم1مع10. 1 ستأعطمم ]1 - 
.6 ,.عس1 7/210 0مة ععمد8 أرنامء: 13 : عازه ا 


11111 :5ةجت) 810 , عادولا مجع1[1 , ع5 عامط 01 5106 مقصسط عط1' , مآ تموع02 ع7 - 
.02,1960 80014 


"1 


طة : وع010ع106 لضة 160197" 21105ءللتتسسسمن) 2123031ع01 ,.11.6آ 8م2001 - 


09 ,8001 :3ع 101011216211098مل) (.8.10.)810 1118111 ع1 .مجع ار 09 
50200 كم و0 نأتء [دناصسطره2) 300231 سرع أه1 -110531اء2 55 قم :علا كستر8 ججع3.107 


-22.309 
5 0531 1/تقطعءط6 ع5 101 51351125 طعتدعوة: [203121:69212ناآ .1.1 7205008 - 


5 771125103 220 3م11 11011 , علعملا بعل[ 


كلتمل بجع11! , أدء طدععة5ة11 عقمتامعك5, .1 عم1بيه1- 
,.810 عع6 011 لدمعع5 (.8.18.)1810 ع مالدعط© تإمقدوتاء101 17170210 بج لل 'و رع اواء/18 - 


00.2 مرعاوء71/ ع 5122005 : علرملا بجع[ 


"0 


منهج التعامل مع المصطلحات 


د . محمد عمارة 


من العبارات الشائعة على ألسنة المثقفين وفى كتابات المفكرين والعلماء . عبارة : 
« إنه لا مشاحة فى الألفاظ والمصطلحات » .. 
تتردد هذه العبارة على الألسنة وفى الكتابات يمعنى : أنه لا حرج على أى باحث أو 
كاتب أو عالم فى أن يستخدم المصطلح ؛ ويصرف النظر عن البيئة الحضارية أ الاطار 
الفكرى أو الملابسات المعرفية أى الفلسفية العقدية التى ولد ونشأ وشاع فيها .. 
فالمصطلحات والألفاظ ذات الدلالة الاصطلاحية هى ميراث لكل الحضارات : وأجميع 
ألوان المعرفة . ولكل بنى الانسان . 
وهذه العبارة فى تقديرنا صادقة تماما .. لكنها - أيضا - تحتاج إلى ضبط 
لمفهومها , حتى لايشيع منها الخلط ؛ بل والخداع . كما هو حادث لها ومنها الآن لدى 
عديد من دوائر الفكر التى ترددها , دون ضبط وتحديد لما يوحى به ظاهرها من 
فنحن إذا نظرنا إلى أى مصطلمح من المصطلحات باعتياره « وعاء » يوضع 
فيهه مضموتث » من المضامين . ويحسبياته « أداة » تحمل « رسالة : المعنى » فستجد 
صلاح وصلاحية الكثير من المصطلحات والألفاظ الاصط لاحية لأداء نور 
«الأوعية» و« الأدوات » على امتداد الحضارات المختلقة , والأنساق القكرية المتعددة , 
والعقائد والمذهبيات المتميزة .. وهنا » سنكون حقا وصدقا أمام المعنى الدقيق والصادق 
لهذه العبيارة - عبارة : « إنه لامشاحة فى الألفاظ والمصطلحات 6 
أما إذا نحن نظرنا إلى الألفاظ والمصطلحات من زاوية « المضامين » التى توضع فى 
أوعيتها » ومن حيث « الرسائل الفكرية » التى حملتها « الأدوات : المصطلحات » 
فسنكون بحاجة ؛ وحاجة ماسة وشديدة . إلى ضيط معنى هذه العيارة . وتقييد 
إطلاقها ‏ وتحديد نطاق الصلاح والصلاحية التى يشيع عمومها من عموم ما تحمل من 
ألفاظ .. 
هنا سنجد أنفسنا عند الفحص والتدقيق - وفى كثير جدا من الحالات » ويازاء 
العديد من المصلحطات - أمام « أوعية » عامة« وأدوات » مشتركة بين الحضارات 
والأنساق الفكرية والعقدية والمذهبية ؛ وفى ذات الوقت , أمام ه مضامين » خاصة ».وى 
«وسائل » متميزة » تختلف فيها وتتميز يها هذه « الأوعية » العامة .و« الأدوات » 


ه؟" 


المشتركة لدى أهل كل حضارة من الحضارات المتميزة » وعند كل نسق أى مذهب أو 
عقيدة من الأنساق الفكرية والمذاهب الاجتماعية والعقائد الدينية» وخاصة منها تلك التى 
امتلكت وتمتلك من السمات الخاصة والقسمات المميزة » ماجعلها ويجعلها ذات مذهبية 
خاصة وطابع خاص ... 

وليس كضرب الأمثال سبيلا لجلاء هذا المعنى » وتأكيد صدق هذا المفهوم .. 


مصطلح «١‏ الشارع »؛ .. 

فمن المصطلحات الشائعة فى ميدان « التشريع » أو القانون . مثلا مصطلح 
«الشارع» ٠‏ يوصف به من « يشرع » القانون . فردا كان أى جماعة - مؤسسة - 
فواضع القاتون : «ه شارع »و لا مشرع » له .. والمجالس النيابية » التى تمثل سلطان 
الأمة فى « تشريع » القوانين » هى « هيئات تشريعية » تشرع القوانين . 

« فالشارع » - هنا -و« مصدر التشريع »و« واضع الشريعة : هو انسان فرد 
كان أو هيئة تشريعية » .. 


هذا فى حال مصطلح « الشارع »ىم التشريع »وى« الشريعة » فى ميدان 
« القانون » ... قهل - حقا - « لامشاحة » فى هذا المصطلح الشائّع . وقيما يحمل « 
وعاوؤة » من « مضمون » ؟؟.. 

إن الإجابة عن هذا السؤال ان تكون واحدة لدى أبناء كل الحضارات الإنسانية , 
وفى إطار كل الأنساق الفكرية » ومن قبل كل المعتقدين بمختلف المذاهب والمعتقدات .. 
ومن ثم هناك « مشاحة » أكيدة فى هذا المصطلح .. مشاحة تامة فى مضمون » 
ومشاحة كبيرة فيه كوعاء صالح وكأدأة دقيقة وصالحة لحمل الرسالة والمضمون . 

إفاابى الحضارة القزيية الذى لانؤين وجوه شتريمة إلهية تنظم الحاتب مدقن 
والاجتماعى والاقتصادى والسياسى للدولة والاجتماع البشرى والعمران الانسانى 
يؤمن بأن الاتسان ؛ فردا كان أى طيقة أو أمة . هى المصدر الأول والأخير للشريعة 
والتشريع .. قفالاتسان هو« الشارع » سواء أكان ذلك فى إطار أصول الشريعة - 
قواعد وميادئ القانون الطبيعى - كما تسمى فى الحضارة الغربية أى فى إطار قروع 
الشريعة - القانون - .. 

فهذا المصطلح - « الشارع » يهذا المعنى - طبيعى وصادق فى هذا الاطار , واطار 
الحضارة التى لاتؤمن يوجود « شارع » غير هذا الإنسان » وخارج هذا « الواقع 
المادى » سواء أكان السيب فى ذلك هو الطايع المادى الالحادى لهذه الحضارة » أم 
المنحى والتوجه العلمانى الذى يرفض تحكيم « الإلهى » فى شئون « الدولة والاجتماع 
والعمران م 


1م؟ 


ولا كان هذا الموقف هوه شأن غريى » . وسمة من سمات الحضارة الغربية , 
وقسمة من قسمات طابعاها المادى ومذهبها العلمانى , فاته ليس من المشترك الانسانى 
العام .. حتى يصبح مصطلحها فيه ومضمون هذا المصطلح مما « لامشاحة فيه » فى 
أية حضارة من الحضارات .. 

ففى الحضارة الإاسلامية . التى مثلت العقيدة الإسلامية » وتمثل أيديولوجيتها 
ومذهبية أمتها منذ أن أصبحت الروح السارية قى كل علوم تمدنها المدنى وإبداعها 
الإنسانى فى الحضارة - بما فيه من سياسة واجتماع واقتصاد ودولة وعمران - .. قى 
هذه الحضارة الاسلامية : يدل مصطلح « الشارع » على واضع أصول الشريعة , 
ويختص به .. وهذه الأصول ليست إبداعا إنسانيا - كالقانون الطبيعى - فى الحضارة 
الفربية - وانما هى « وضع الهى » » نزل به الوحى ؛ دينا يتدين به إنسان هذه 
الحضارة .. ١‏ شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به 
ابراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه 4 . (1) 

ولما كانت هذه الشريعة الإلهية » هى خاتمة الشرائع الإلهية لبنى الانسان فلقد وقف 
ه شارعها » بالله » سبحانه وتعالى - فيها ويها عند الأصول والمبادئ والقواعد , التى 
حددت النهج قيما هى متغير ومنظور من شئون الدنيا ؛ مع التفضيل لما هو دينى » 
أى ما هى من الثوابت الدنيوية التى لايلحقها تطور أو تغيير .. « فالشارع » للشريعة 
هى الله (ثم جعلناك علي شريعة من الأمر فاتبعها »4 (') < لكل جعلنا مدكم شرعة 
ومنهاجا»9) 

ومن ثم فان انسان هذه الحضارة الاسلامية لايستطيع - وهو مؤمن بدينه - أن 
يعطى سلطة التشريع ووصف « الشارع » لغير الله .. أما إيداع هذا الإنسان المسلم 
فى القانون الإسلامى . وسنّه القوانين التى تفرع عن أصول الشريعة وتواكب 
المستحدثات والمتغيرات . وتستوجب كل ما لم تعرض له النصوص والحدود والأصول 
الالهية .. أما كل هذا الإبداع القانونى الإسلامى فهو« الفقه » .. فقه المعاملات .. ومن 
هنا كان تميز « الفقه »عن « الشريعة »فى الحضارة الإسلامية ‏ وكان الله هو 
«الشارع » لا الإنسان : وكان الإنسان هو« الفقيه » وليس الله ! .. 

هنا » تنجد أنفسنا أمام نموذج من نماذج « المشاحة فى الألفاظ والمصطلحات » 
ليس فى « المضمون » فقط ولا« الرسالة » فحسب . بل وفى« اللفظ والوعاء 
والأداة » أيضا ! .. 


١١ : الشورى‎ )١( 
. 14: الجاثية‎ )9( 
, 18: المائدة‎ )5( 


/آام؟ 


مصطلح الزارع : 

ومثال ثان » يجلى وبدعم هذا المعنى الذى نؤمن به .. نجده إذا نحن وقفنا - فى 
المصطلحات الاقتصادية - أمام مصطلح « الزارع » .. 

فإنسان الحضارة الغربية , الذى لا يرجع فى المسببات المادية إلا إلى أسبايها 
المادية - سواء لماديته , أى إلحاده » أى لمناهجه الوضعية - لايرى قى « الزارع » إلا 
الأسباب المادية والعوامل الطبيعية والمؤثرات الإنسانية .. ومن ثم فالإنسان عنده هو 
«الزارع » ولا « زارع » غير هذا الإنسان ! 

أما إنسان الحضارة الإسلامية : الذنى سرت عقيدته الدينية روحا شائعة فى كل 
علوم حضارته » فانه وان آمن بوجوب الأسباب المادية , التى هى طاقات فاعلة فى 
مسيباتها ,إلا أنه يؤمن يأن هذه الأسباب المادية الفاعلة , إنما هى - بدورها - 
مخلوقة لمسبب الأسياب وخالقها - الله . سبحانه وتعالى - القادر على إيقاف فعلها , 
وعلى استبدالها بأسياب غيرها , إن هى شاء ذلك وأراد .. وهو هذا الإنسان المسلم - 
يؤمن أيضا بأن للفعل الانسانى آفاقا محدودة بحدود صلاحياته وقدراته كخليفة عن 
الله » سبحانه وتعالى فى عمارة الأرض ؛ وأن الفاعل فيما وراء هذه الآفاق - آفاق 
الخلافة - هو المستخلف , سيد هذا الوجود ‏ ومبدعة , وراعيه .. ومن ثم فان للانسان 
فى « الزّرع» عملا وفعلا وإيداعا , لكنه لايتعدى هذا النطاق فيجور على ماهو فعل الله 
فى هذا المبدان .. قفى « الذرع ل » هناك أفعال إنسانية من مثل « الحرث »و« اليذر » 
وتهيئة التربة وسقيها وتسميدها .. إلى آخر الأفعال الإنسانية , التى هى فعل الإنسان 
وإبداعه فى ما هى مقدور له .. والتى -- للتعبير عنها - اصطلحت العربية على وصف 
هذا الإنسان ب« الزارع » .. أما أقعال من مثل : انبات البذرة ٠‏ وتنميتها ورعايتها » 
أى الفعل والمسيبات الراجعة لكل الأسباب التى هى من خلق الله » والتى ليست من 
مقدورات الإنسان »؛ فهى التى اصطلحت العريية على وصف فاعلها - الله سبحانه 
وتعالى - بأنه « الزرع » ! فالزارع - فى اصطلاح حضارتنا - هو الله ؛ أما الإنسان 
فهى : الزْراع .. ولذلك وجدتا حقيقة الزرع ٠‏ بمعنى الإنبات والإنماء , هى لله سيحانه 
وتعالى » بينما البذر والحرث والسقى - وكل الأسباب الإنسانية - منسوية إلى صانعها 
: الإنسان فهى فى ه« الزرع » فاعل , لكنه - بحكم ايمانه - وحضارته المؤمنة - ليس 
القاعل الوحيد ! .. ومن هنا يأتى معنى الآية القرآنية التى تقول : ١‏ أرأيعم ما تحرثون . 
أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون 4 )١(‏ فهنا - مرة أخرى - يثمر الطابع المؤمن للحضارة 
المؤمنة موقفا متميزا » يؤدى إلى المشاحة فى الألفاظ والمصطلحات!! .. 





, 54-5 الواقعة‎ )١( 


"4 


مصطلح ‏ الابق » إ 

ومثال ثالث على امكانية ؛ بل وجوب« المشاحة »فى الكثير من« الالفاظ 
والمصطلحات » نحده اذا نحن وقفنا أمام مصطلح « الآيق وه الإباق » : قى عالم 
الرقيق - أيام شيوع هذا النظام فى التاريخ الحضارى . 

ففى الحضارة الغربية - المؤسسة على أصولها وتراثها الاغريقى , والتى فضلت - 
فى هذه الأصول وذلك التراث - بين العمل الذهنى للأحرار ويين العمل اليدوى للعبيد » 
فخصت الأول بكل الشرف ؛ وجردت الثانى من أى شرف واختصت الأحرار بكل 
الحقوق » وضنت على العبيد بأيه حقوق .. فى تلك الحضارة نجد العبد « الآبق »: هو 
مطلق الفار والهارب من الخضوع لسيده , أيا كان السبب فى هذا «الإباق » .. 

أما فى الحضارة الإسلامية : حيث كان الهدف المبتغى : هو التحرير التدريجى 
للرقيق » بتضيق والغاء العديد من الروافد والمصادر التى تمد نهر الرق بالأرقاء الجدد 
- كالحروب غير المشروعة - والاغارة العدوانية والريا » والقروض غير الحسنة ... الخ 
- ويتوسيع مصب التحرير لنهر الرقيق - بالترغيب فيه - ويجعله مصرقا من مصارف 
الزكاة - وبالكفارات - ويجعل الاسترقاق عبئا ماديا على مالك الرقيق » بالحقوق التى 
شرعها الإسلام للأرقاء , بعد أن كان مصدرا للثراء المالى إلخ .. 

فى هذه الحضارة الإسلامية - التى ضبطت الاسترقاق - فى المرحلة الانتقالية - 
بالضوابط الدينية - نجد « الآبق » - فى مصطلحها - ليس مطلق العبد الفار والهارب 
من الخضوع لسيده , وانما الإياق - هو الفرار الذى لايكون الظلم أى تكليف ما لايطاق 
سببا فيه .. فهناك فرار مشروع ء أو على الاقل لا يبلغ ميلغ « الإباق » - هى الذى 
يكون الظلم وتكليف ما لايطاق سببا فيه . ومن ثم قهى ليس على فاعله عقوية « الآبق », 
بنظر الإسلام: إن كان هرويه واستخفاؤه ( الخوف من سيده ء أو لكّد عمل » ! .. 
فانعدام الأمن والعمل الشاق ؛ ظلم للرقيق ٠‏ يبرر له « المقاومة » بالهروب ؟! .. 
مصطلح الاقطاع » : 

ومثال رابع على إمكانية « المشاحة فى الألفاظ والمصطلحات « تجده إذا تحن وقفنا 
أمام مصطلح « الإقطاع »! .. 

ففى الحضارة الغريية » حيث فلسفتها المالية تجعل الملكية المطلقة - الملكية الحقيقية 
- ملكية الرقبة - فى الثروات والأموال للإنسان - فردا كان فى التمودج الليبرالى - أو 
طبقة الأجزاء - فى النموذج الشمولى - الماركسى - نجد « الإقطاع » - كمصطلح - 


"65 


إنما يعتى : الملكية الكاملة للسادة الإقطاعيين لوسائل الإنتاج - الأرض الزراعية - مع 
الملكية المقيدة للعاملين فيها - الاقنان .. 

أما فى الحضارة الإسلامية . حيث صاغت الوسيلة الإسلامية مذهبا اقتصاديا 
وسطيا متميزا . جعل الملكية المطلقة - ملكية الرقبة - فى الأموال والثروات لله 
سبحانه وتعالى » مع تقرير حقوق الملكية المقيدة - ملكية المنفعة - أى ملكية الوظيفة 
الاجتماعية للمال - مع تقرير هذه الحقوق للإانسان الحائز للمال - باعتباره مستخلفا 
فى حيازته واستثماره والانتفا ع به عن الله سبحانه وتعالى » من حيث صفته كانسان 
مستخلف - مطلق الإنسان المستخلف - وليس بصفته كفرد أو كطبقة - فى هذا 
النموذج الحضارى » ذى الفلسفة المالية المتميزة » نجد لمصطلح « الإقطاع » مضمونا 
متميرًا : فهى تمليك « للمنفعة » لا « للرقية » . ولقد كان - فى التطبيقات الاسلامية - 
وسيلة لإحياء الأرض المواد والانتفاع بها مع بقاء ملكية الرقبة - الملكية الحقيقية فى 
الأرض - لله سبحانه وتعالى - أى للإنسان - الأمة - الناس المستخلفين عن الله ؛ فى 
الأرض وفى كل الثروات والأموال .. 

فنحن - هنا - بإزاء مصطلح « لامشاحة فى لفظة » , ولكن « المشاحة واردة فى 
المضمون » على نحو أكيد ! .. 


مصطلح ٠‏ الاحتكار » ! 

ومثال خامس ؛ على هذا الذى تقول . تجده اذا نحن وقفنا أمام مصطلح 
«الاحتكار».. 

ففى الحضارة الغريية , بتياراتها الاجتماعية المختلفة » وحتى عند الذين يدركون 
المساوئٌ الاجتماعية لسيطرة الاحتكارات على التظام الاقتصادى لمجتمع من المجتمعات 
.. نجد النظرة إلى « الاحتكار » هى النظرة إلى مرحلة حتمية من المراحل التى لايد 
وان يمر بها المجتمع على درب تطور الامتلاك لادوات الانتاج .. فالاحتكار - فى هذه 
النظرة الغريية - هو نبت طبيعى » حتمى .. حتى وإن رآه البيعض ضارا .. ! .. 

أما فى هذه المذهبية الاقتصادية الاسلامية » التى حكمت وتحكم حيازة الانسان 
للمال يبنود عقد وعهد استخلاق الله - المالك الحقيقى للمال - للافسان فى هذا المال 
.. قان الاحتكار ممنوع . ومرقوض من الأصل والأساس . ومحال أن يتسق وجوده - 
فضلا عن سيادته - مع مذهبية الاسلام فى الاموال .. ف « من احتكر للمسلمين طعاما 
ضربه الله بفقر وإفلاس -)١( ٠‏ كما يقول الحديث التبوى الشريف - وذلك وعيد للمجتمع 


. رواه ابن ماحة والإمام أحمد‎ )١( 


ان 


والحضارة التى تبيح الاحتكار - الذى يقودها إلى فقر الأمة وإفلاس نظامها وعجزه 
عن تحقيق الفاية من تحضر الإنسان ! - .. وهذا الاحتكار الذى يقتل الأمة , عندما 
يغتال العدل فى حياتها الاقتصادية والاجتماعية , هى الذى يتحدث الرسول . صلى الله 
عليه وسلم , عن أهله » فدقول : « يحشر الحكارون وقتلة النفس فى درجة واحدة » ؟! 
.. كما يقطع بأنه « لايحتكر إلا خاطئ » ! .. )١(‏ 

فالمشاحة هنا - فى « الاحتكار » - قائمة بين العربية - لسان الاسلام - وبين 
الحضارة الغربية فى « مشروعية » النظام الذى يعبر عنه مصطاح « الاحتكار » .. بل 
وفى معناه » وفى آفاق هذا المعنى لا الحضارة الغريية تقصر « الاحتكار » على مرحلة 
من مراحل النمو والتركيز لملكية أدوات الإنتاج ووسائله - أى المصالع التجارية 
والمصرفية - فى أيدى قلة قليلة من الملاك ..(9) أما فى المذهبية الاقتصادية الإسلامية , 
فإن التحريم يشمل أبسط ألوان الاحتكار - فجمع الطعام , انتظارا لغلاء سعره ؛ مدة 
من الزمن هى احتكار محرم فى عرف الإسلام .. كما يقول الحديث النبوى الشريف : « 
بئس العبد المحتكر » إن أرخص الله الأسعار حزن ؛ وإن أغلاها فرح.ان سمع 
يرخص ساءه ٠‏ وإن سمع بقلاء فرح »! .. ذلك أن « الجالب مرزوق والمحتكر 
ملعون»(') كما قال عليه الصلاة والسلام 


مصطلح ١‏ اليسار» و« الصراع » : 

ومثال سادس - شائع وجيد اليرهنة على هذا المعنى الذى نلح على تجليته وتأكيده, 
نطالعه إذا نحن وقفتا أمام مطلح « اليسار ». 

فمن الناس من ينطلق من مقولة : « إنه لا مشاحة قى الألفاظ والمصطلحات » إلى 
الدرعوة لاستخدام هذا المصطلح - مصطلح « اليسار » - فى الدلالة على التيار 
الاجتماعى الداعى إلى استخدام ) الصراع الطبقى « أداة لتسويد طيقة الملاك » 
تمهيداً لإلغاء التمايز الطبقى ٠‏ وإقامة المجتمع اللاطبقى , الذى تلقى فيه سائر ألوان 
الملكية الخاصة .. 

من الناس من يدعو إلى اس تخدام هذا المصطلح - ذى النشأة الغربية - 
والمضمون الفريى -- بدعوى - انه لا مشاحة فى الألفاظ والمصطلحات » ! ٠.‏ ومنهم من 
يحاول « أسلمته »و« أسلمة » مضمونه » عندمأ يدعوة « اليسار الإسلامى 6ه ؟!. 


(1) رواه مسلم واين ماجة والإمام أحمد . 
(؟) تتخذ الاحتكارات قى تلك المرحلة عدة أشكال منها ' الترست ' الأفقى أ الرأسى والذى يتخذ عادة صورة الشركات 
القابضة , أو المتعددة الجنسية , ومنها " الكارتل " القائم على التنسيق والتخطيط - ' الاثدماج - بيم المؤسسات 
المحتكرة . 
(؟) رواه اين ماجة والدرامى . 


51 


أما نحن فاننا نرى ان« المشاحة » واردة وقائمة » بل وواجبة . تجاه هذا المصطلح 
- مصطلح « اليسار - قم اليسار » - فى العربية - لغة أمتنا وترائنا وديتتا 
ويحضارتنا وأداة أبداعنا - انما يعنى اليسر - المقايل للعسر - والغنى - المقايل 
للفقر والاعسار - (يريد الله يكم اليسر ولايريد بكم العسر )» ( وأن كان ذى عسرة 
فنظرة إلى ميسرة ) , ومن ثم فان « أهل اليسار » والاتجاه الفكرى والاجتماعى لأهل 
اليعبار ‏ فى اصسطلاح العرنكة حأهم آهل الغنى بلا القنققواتجاة التسسن حي 
اليؤس ع فكديف تقر لغتنا على أن يقيل جسمها الاصطلاحى هذا الضد الغريب ١‏ 
الذى ييلغ قى الاغراب درجة التقيض ؟! .. 

ان بعض علمائنا وأئمة عصرنا - مثل الامام عيد الحميد ين باديس (6١؟١‏ - 
١86‏ ه)(/44ا .غ9١1‏ م . كان بدعوا لله فيقول ": « اللهم اجعلنى فى الدنيا 
من أهل اليسار . وفى الآخرة من أهل اليمين » ؟! .. فاليسار فى : غنى الدنيا .. كما 
أن أهل اليمين هم أهل السعادة , الذين أقاموا العدل فى الدنيا . فاستحقوا ان 
يتناولوا كتاب أعمالهم العادلة باليمين فى يوم الدين .. وذلك هى منطق العربية الحاكم 2 
والذى لاسبيل إلى الفكاك منه ؛ يدعوى التعميم لعبارة : « أنه لامشاحة فى الالفاظ 
والمصطلحات » .. 

كم .إن للعتذهبية الإسانية فى الفغن الالاتضادئ عسماك ميو : لاشتكر التقاية 
الاكتماعى قن الأمة إلى عليقات مصذزة , الكتها ترط تاستسن التنايق على الأسعان 
والعوافل | لبر رعة ب.وتحكيد افاق لهذا التسايز كعول ينه وين يلوم درجة و الاتنتقناء» 
الذى يؤدى إلى الاستيداد التايع من سلطان الانفراد بسلطة المال . فترى هذه المذهبية 
الاقتصادية الاسلامية فى التعددية الطبقية : الأمر الطبيعى » وتدعى إلى إيقاء العلاقة 
بين الطبقات محكومة باطار العدل - أى « التوازن » الاجتماعى - وليس « المساواة » 
- وذلك حتى تكون علاقاتها هى علاقة التساند والتآزر والاتفاق - كحال أعضاء الجسد 
الواحد - فى تميزها وفى تكافلها وتساندها - فإذا ما اختل التوازن الاجتماعى » وحل 
الظلم الاجتماعى محل العدل الاجتماعى » قان السييل الإسلامى لعلاج هذا الخلل 
الطارئ . ليس هو« الصراع الطيقى » . الذى يستهدف فيه ومنه طرف - طيقة - 
الغاء الطرق الآخر - الطبقة النقيض - بصرعة بالصراع - لينفرد بالثروة والسلطة 
فن مسككم الاطبتن:.. لذن هذا عو السيول الاستاكي كما السبيل.فتى» الذقغ 
الاجتماعى ا الذى يعيد حراك وتحريك المواقع الطيقية وامتياز الطيقات من درحجة 
الظلم - الى يختل فيه التوازن - إلى نرجة العدل - الذى هو التجسيد التوازن 
الاجتماعى يين الطبقات - وذلك لتظل التعددية قائمة . وليظل التمايز قائما . وليظل 
العدلت الوسط - الترازن فى الرايط الجامع بن القرقاه المتسيزين قن التمودح 
الاقتصادى والاجتماعى لمذهبية الإسلام فى هذا الميدان .. 


51 


قم الصراع » - فى المصطلح القرآنى - يعنى ان يصارع طرف الطرف الأخر » 
بهدف أن يصرعه , قيفنيه - ١‏ فتري القوم فيها صرعي كأنهم أعجاز نخل خاوية » )١(‏ .. 
أما « الدفع » : فهو التحريك لمواقع الأطراف المختلفة من درجة إلى أخرى » تصحيحا 
للعلاقة بين أطراف متعددة , وليس يهدف افناء طرف لآخر كى ينفرد بالميدان 
والامكانات : ١<‏ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم 04 
فالهدف من وراء« الدقع » - هنا - ليس « صرع » العدى وافناءه , وانما تحريك موقعه 
من « درحة العداوة » إلى « درجة الولى الحميم » ! 55 

فقانون الحركة الاجتماعية قى المذهبية الاقتصادية الإسلامية هوه« الدفع 
الاجتماعى» وليس « الصراع الطبقى » < ولولا دفع الله اناس بعضهم ببعض لفسدت 
الأرض 4 77 ١‏ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد 
يذكر فيها اسم الله كثيراء ولينصرن الله من ينصره ء إن الله لقوي عزيز»1؟).. 

ففى المضامين أيضا « ترفض » - وليس فقط « تتميز » - المذهبية الاقتصادية 
الاسلامية - « ترفض » ذلك المحتوى الاجتماعى الذى وضعته المزذهيبية الغريية فى 
« وعاء» مصطلح « اليسار » » ومصطلعح « الصراع » الأمر الذى حتم « المشاحة » فى 
هذين المصطلحين , ان فى الدلالة اللغوية ؛ أى المضمون الاجتماعى على حد سواء !.. 

واذا كانت هذه الامتلة - وهى مجرد أمثلة بل إنها قطرة من بحر لجى - كافية 
للبرهنة على مشروعية - بل ووجوب - « المشاحة » فى كثير من المصطلحات والألقاظ, 
عندما تتميز أو نتباين المذاهب الاعتقادية , والانساق المعرفية , والطبائع الحضارية .. 
فان هذه الحقيقة تقودنا إلى اشارات لابد منها .. فى هذا المقام - للرسالة الحضارية 
للقاموس المنشود 2 الذى يتعدى عرويته حروف اللفة إلى حيث المضمون« المتمين 
لحضارة الاسلام 6 1.. 

إن عاقلا من العقلاء لاينكر الآثار والبصمات التى أحدثتها المؤثرات القكرية الغربية 
فى عقل أمتنا - على امتداد وطن العروية وعالم الإسلام - خلال القرنين الماضيين » 
اللذين هما عمر الغزوة الاستعمارية الغربية الحديثة , والهيمنة الحضارية الغربية على 
بلادنا وأمتنا وما مثلها من البلاد والأمم التى طالتها هزه الغزوة وهذه الهيمنة 
الحضارية .. 

وإن عاقلا من العقلاء لا ينكر أن « القاموس » - فى أى فن من الفنون أى علم من 
العلوم - قد غدا فى واقعنا الفكرى أداة شديدة الفعل والتأثير فى تلوين الفكر والمذهب 
والرؤية والهوية : ود ثم تلوين الاتجاه الحضارى أن يستخدم هذا القاموس بالفلسفة 
الحضارية لواضعيه ومنشئيه .. 


. 74 : الحاقة 7 , (9؟) قصلت‎ )١( 
. 5٠: (؟) البقرة : 01؟ . () الحج‎ 


نف 


فالياحث والقارئ الذى يريد معرفة مضمون مصطلهح من المصطلحات : قفيمد يده 
إلى القاموس ٠‏ ياحثا عن هذا المضمون , إنما يزرع فى عقله ووجدانه بذرة فكرية تنمو, 
فتلوق مدوطاحة من قله ووهز اه والسيدة المضارية التن حكفى لون وكد فى مهافت 
سيط لهات 138 القاقوس > 

فإذا كان هذا القاموس - كأغلب قواميس العلوم والفنون فى ثقافتنا المعاصرة - 
هى بضاعة غربية » ترجمت وعريت » أدركنا دور القاموس - فى مكتبتنا المعاصرة - 
دوره فى احتلال العقل العريى والمسلم ؛ وفى تلوينه بلون الحضارة الغربية » وإسهامه 
فى ( تغريب « هذا العقل . وخاصة فى ميدان العلوم الإنسانية . التى تتمايز فيها 
العضارات ».ومن ثم ماين فيها مقامين الكشو من مصبطلحات هذه العلوم والقتون > 
على النحو الذى ضرينا عليه بعض الأمثال - .. 

إن الباحث فى الميدان الاقتصادى مثلا- وكذلك القارئ فى هذا الميدان والذى لايجد 
لديه سوى قاموس « غربى » قد ترجم إلى العربية » لابد وأن يرى كل قضايا هذا العلم 
الاقتصادى » وتطبيقاته , بعيون المذهبية الاقتصادية الغربية والتى تتميز عنها المذهبية 
الأتبلامية فى المتطلقات:والمعابير والغايات على تكو كبين واكيد .. 

كذلك ؛ فإن هذا الباحث وهذا القارئ . ان يستطيع فهم ترائنا الاقتصادى - 
النظرى منه كما صيغ فى كتب الأموال والخراج والكسب والتجارة والأسواق 
أوالحسية.: الغ الح > أن القلسيقى منة .كما عرقةه اللسثرة :| لحضارية لأنتنا ... 
لن يستطيع هذا الياحث وهذا القارئ فهم تراثنا هذا بواسطة القاموس ذى المنطلقات 
والمفاهيم الغريية بحال من الأحوال .. فانزال المفاهيم الغربية على المصطلحات 
الاقتصادية الإسلامية هو لون من« خداع الرؤية » ! يستوى فى « الجهل بالحقيقة » 
مع« اتعدام الرؤية » على نحو كلى » من حيث الإقضاء إلى عزل العقل الاقتصادى عن 
تراثه الحمسبارئ فى هذا اليدان 1: 

وهنا تبرز الرسالة الفكرية والمهمة الحضارية للمصطلح والقاموس . 

فهو الأداة الطبيعية لرؤية وفهم وتفسير تراث أمتنا - إن الفكر النظرى منه ٠‏ أى فى 
التطبيقات التى مثئلت واقع الأمة وتجريتها بهذا الميدان - قيه المعانى المنضبطة 
لمصطلحات « الفكن » وى« لواقع الحياة » . 

وهو السبيل إلى وضع لبنة فى صرح الاستقلال الحضارى لأمتنا عندما يضع 
وبيسر للعقل العربى والمسلم سيل إدراك ما لحضاراتنا من " خصوصية " فى المعاني 
والمضامين والمفاهيم : فيسهم يذلك فى تحرير العقل من أآثار التبعية وأسر التغريب .. 

وهى خطوة على طريق طويل هى طريق الاستقلال الحضارى .. الذى هو جوهر 
الاستقلال ! . 


5 


المبهج العلمى والروح العلمية عند ابن خلدون 
د . عماد الدين خليل 


هناك مدى قد بيدى شاسعا بين « المنهج العلمى »وى« الروح العلمية » قالمنهج إنما 
هو تقنية عمل فى هذا الحقل أو ذاك من حقول المعرفة البشرية للكشف عن حقيقة ما أو 
مقاريتها تحليلا وتركيباً . وهى بهذا قد يكون مسالة « موضوعية يتحكم فيها قانون 
تراكم الخبرة ويتلقاها الباحث عن الخارج مضيفا إليها حينا ؛ منقذا مطالبها دونما أى 
قدر من الإضافة أو التعديل حينا أخر .. وهذا يبدو أكثر ما ييدى فى العصر الحديث 
الذى تبلورت عبره الملامح الأساسية لمنهج البحث العلمى بمقاطعة ومراحله جميعا . 

أما الروح العلمية فهى أقرب إلى أن تكون أمرا ذاتيا مرتبطأً بالباحث نقسه ويصبغ 
- أى يحكم - رؤيته للعالم والظواهر والأشياء » وهو يتعامل معها بحثا وكشفا وتحليلا 
وتركييا . 

لكننا يجب أن نكون حذرين ٠‏ فإن :ذه الرؤية التى قد تيدو ذاتية ليست منفصلة 
بالكلية عن الخارج ؛ عن الموضوع .. ويعبارة أخرى فإن البيئة الحضارية التى ينتمى 
إليها الباحث ستلعب دورا مؤثرا فى تشكيل روحه العلمية سليا وإيجابا . 

بالنسية لابن خلدون ؛ حيث لم يكن منهج البحث العلمى قى التاريخ على وجه 
الخصوص قد قطع شوطا كبيرا صوب النضج والاكتمال » تبدى محاولته قى « المقدمة » 
خطوة جرئية بمقدار ما تضمنه من قدرة على ارتياد آفاق عمل جديدة من أجل صياغة, 
أى إضافة ‏ تقنينات وضوابط منهجية فى هذا الحقل . ولاريب أن تكون الروح العلمية 
فى حالة كهذه ذات دور فعال فى صياغة المنهج » وأن تكون المرتكزات الأساسية 
للحضارة الإسلامية ذات تأثر لايقل خطورة . 

وهكذا فإن المدى المتباعد بين المنهج والروح سيتقارب ها هنا . وسيكون الحديث 
عنهما أو اعتمادهما كمفردتين أمراً متصلا متداخلا بقدر ما يتعلق الأمر باين خلدون . 

ثمة مسألة أخرى يجب التأثير عليها قبل المضى فى الموضوع .. 

إن المنهج نفسه ليس طبقة أ دائرة واحدة وانما هى طبقات ودوائر تنداح من بؤرتها 
المركزية الحرفية الصرفة باتجاه التأثر بالمعطيات الحضارية ذات الخصوصية ٠‏ 
وتعمضى لكى تكون فى مداها الأكثر اتساعا مرادفا للشريعة التى تتولى مهمة تتفيذ 
مطالب العقيدة على أرضية العالم . 


مك" 


إذا بدأتا من هاهنا قاتنا ستجد القرآن الكريم يعتمد اللفظة للدلالة على هذا المعنى. 

ابن كثير - مثلا - وهى يتناول الآية الثامنة والاربعين من سورة المائدة » يفسر قوله 
تعالى ( ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) بالسبيل والسنة أى (الطريقة )» وأن 
الشرعة هى الشريعة .. أما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل ؛ والستن : الطرائق(١)‏ 
وقى « صفوة التفاسير » أننا حجعلذا لكل أمة شريعة وطريقا بينا واضحا خاصا يتلك 
الأمة . واختلاف المناهج هذا ينصب على الأحكام أما المعتقد فواحد لجميع الناس : 
توحيد وإيمان بالرسل وجميع الكتب وما تضضمنته من المعاد والجزاء 9) » أى لكافة 
اللتمين اللدنانات السماوية فى خوفرفا الأضيل , 

ما الذى يقوله المعجم العربى بصدد المفردة ؟ 

التيع هو الطزيق الواختع لبن المع فبجات : 

وطرق نهجه أى واضحة كالمتهج والمنهاح .. 

وأنهج أى أوضح ء قال يزيد العيدى 

ولقد أضاء لك الطريق وانهجت سبل المكارم والهدى تعدي 

أى تعين وتقوى .. 

ونهج الطريق أى سلكه , واستنهج الطريق صار نهجا واضحا بينا 1 

وأنهج الطريق إذا وضح وأستيان 6 

وفلان استنهج طريق قلان إذا سلك مسلكه .. 

وطريق ناهجه أى واضحة ييئخة ... 5) 

فالمعرفة - إذن - لا تتجاوز هنا حدودها اللغوية باتجاه المصطلح الأكثر حداثه 
والذى يدل على حرفية البحث العلمى حينا » كما يدل فى مداه الواسع على رؤية جماعه 
ما . ويرنامج عملها , أى شريعتها التى تتولى مهمة تحويل مفردات الرؤية إلى واقع 
عفاش , 

بما أن هذه الورقات ليست حديثًا عن المنهج ؛ وإنما هى متابعة موجزة لملامح 
«العلمية الإسلامية » فى منهج ابن خلدون فان هذا يكفى .. كل ما هنالك هو ضرورة 
أن نضع هذه المسائل قى الحسبان ونحن نتحدث عن الرجل . فإن المنهج عنده مزيج 
من التقنيات الحرفية « الموضوعية » التى لعب دورا كبيرا فى إغنائها » بل فى 


سيد 


)١(‏ تفسير ابن كثير 848/7 (دار الاتدلس ؛ بيروت - 1577م) 
(1) محمد علي الصايوني : صفوة التفاسير 545/١‏ - 487 (الطبعة الرابعة دار القرآن الكريم ؛ بيروت - ١154م)‏ . 


كف 


تأسيسهاء والروح التى تمثل حصيلة رؤيته المعرقية ( الايستمولوجية ) .. ثم » وهذا هو 
المهم » رؤيته الإسلامية التى طبعت بصماتها على منهجه وروحه العلمية معا .. 

ويما أن المنهج العلمى لابن خلدون فى حقول المعرفة عامة , والتاريخ على وجه 
الخصوص ؛ قد قيل فيه كثيرا وكتب كثيرا فان الصفحات التالية ستتجاوز هذه المسألة, 
قدر الإمكان » صوب محاولة للكشف ء أو التأكيد , يعيارة أدق ٠‏ على طبيعة الارتباط 
بين الإسلامية والمنهج فى مقدمة ابن خلدون . وصولا إلى أن العملية التى أخذ بها 
الرجل ودعا إليها , لم تكن هبة قادمة من الفراغ , وهى لم تتشكل فى عقل اين خلدون 
ابتداء . ولكنها وليدة البيئة الحضارية الإسلامية التى قدر له أن يكون ابنها البار . 

وقد يكون غريبا التاكيد على هذه المسألة التى قد تبدى للبعض أمرا بديهيا ٠‏ ولكنتا 
إذا تذكرنا عددا من استئتاجات الباحثين والمقكرين المحدثين والمعأصرين بصدد 
المقدمة, عرفنا أن تأكيدا كهذا ضرورى كنوع من إعادة الأمر إلى تصابه ؛ بعد إن 
جنحت به التحليلات الخاطئة التى لم تقف عند حد إقامة جدار عازل » أو حفر خندق 
عميق بين الإسلامية و« المقدمة » فى المنهج والمعطيات , وانما مضت خطوات أكثر 
تطرفا بجعلها « المقدمة » بشكل من الأشكال ؛ نقيضة للإسلامية . انثا نجد - مثلا - 
أن احد الباحثين الغربيين وهى دى بوير 8065 1.3.06 (الهولندى ) يذكر « أن الدين لم 
يؤثر فى آراء ابن خلدون العلمية بقدر ما أثرت الأرسطوطاليسية الافلاطونية » )١(‏ , 
ويشير باحث آخر هو ناتانيل شميت 0104تطء31.5 الأستاذ بجامعة كورنل بأمريكا إلى 
أن ابن خلدون « إذا كان يذكر خلال بحثه كثيرا من آيات القرآن ٠‏ فليس لذكرها علاقة 
جوهرية بتدليله » ولعله يذكرها فقط ليحمل قارئه على الاعتقاد بأنه فى بحثه متفق مع 
نصوص القرآن » ()! . وثمة مستشرق ألمانى هو فون فيسندنك 081هءوع77 صما 
يقول : ان ابن خلدون « تحرر من أصفاد التقاليد الإسلامية فى درس شئون الدولة 
والإدارة وتميرهما , وأنه حرر ذهنه - كذلك - من القيود الفكرية التى ارتبطت فى 
عصره بالعقائد العربية الصحيحة » () . 

ويهذا سيكون المنهج العلمى لابن خلدون متشكلا فى الفراغ وستكون روحه العلمية 
فى حالة انشقاق عن مطالب الرؤية العقيدية للإسلام الذى ينتمى إليه؛ وستكون النتيجة 


(1) محمد عبدالله عنان : ابن خلدون , حياته وتراثه الفكري ص /ا/ا١‏ - 1/8 (الطبعة الثالثة ؛ لجنة التاليف والترجمة 
والنشر , القاهرة - 0كذم) عن كتاب 151380 18 16م 11050م 065 عطاطء 06501 للباحث المذكير . 
(1) عنان : ابن خلدون ص - 15 عن : 
ععطامهد010ط2 لصة أكنعه[ماء50 ,رمقترهم)1115 ,دمل 1[قطعا درطل 
(؟) عنان : نفسه ص >4١‏ تعن 
5 طن طعطة1 14 دعل عع 1 أماكتطسسطانز معطءعتطدعةق مط : ممللقط] دآ 


51 


التهائية أن « العلمية » لاصلة لها « بالإسلامية » بل قد تكون فى حالة اصطرا ع معها , 
وقد بقود هذا إلى تكرار الصورة المحزنة للصراع بين العلم والدين » وإلى أن يضوع 
ابن خلدون فى قائمة واحدة مع بروذى ونيكوس وغاليليه » وإلى جعل الحضارة 
الإسلامية وجها آخر للحضارة النصرانية بقدر ما يتعلق الأمر بطبيعة الارتياط بين 
العلم والإيمان ! 

بل إن التحليل المادى للتاريخ يمعضى خطوة أبعد فيحاول أن يصور منهج ابن 
خلدون كما لو كان منهجا جدليا » ومعطياته كما ل أنها وليدة رؤية للعالم والظواهر 
والأشياء لاعلاقة لها بالإسلامية من قريب أى بعيد » بل هى نقيضة لها من أول الرحلة 
حتى منتهاها . 

إذكا ترا على سميل لقال ت واددةاهن المحاولات الأكثن راث اف هذا الاق +* 
فى عملية الفكر الخلدونى » )١(‏ ونجد الناشر يلخص المحاولة بالاستنتاج التالى أن « 
ثورة ابن كلدوح الفكزية كين + فن اتهحزر الفكر التاريفى من هيبتة الفكن الديقن.: 
يأن اكتشف فى واقعات التاريخ عقلها المادى فاحل ضرورة العمران محل الله - أو 
مايشيهه - قى تفسير الظاهرات جميعا - فاستبدل التأويل بالتفسير ‏ فكان التفسير 
بالضرورة ماديا - وكان علميا من حيث هو مادى ؛ دون أن يعنى هذا رفضا للدين أو 
الشرع وميادئه : فالشرع شيئ والتاريخ - أ العمران - شئئ آخر , وليس هذا ذلك » 
ولاذاك هذا . ولئن دخل الشرع ؛ أو الدين ‏ فى حقل العمران ؛ أو التاريخ . كما هو 
راقع الأمن فى المقدمنة : فكامن عمراتي” أن تاريض عاد لا كادن هبي أو اله : 
وينظر فيه حينئذ بعين العمران وقوانينه » لابعين الدين ومبادئه , أى بعين الشرع 
وأحكامه . فلمسائل الشرع منطقها ولمسائل العمران والتاريخ متطقها . ولايصح , فى 
المعرقة , الخلط بين المتطقين » 9) , 

والمسألة فى أساسها ليست لعبة اجر الهيل بين الإسلاميين والطرف الأخر , 
نصرانيا كان أم علمانيا أم ماديا ولكنها محاولة للإضاءة يتبين من خلالها الموقع 
الذى وقف عليه ابن خلدون والدائرة التى تحرك فى إطارها. 

وقى حالة كهذه قإن تفئيد حجج الآخرين ستيضمن - ابتداء - موافقة على الدخول 
فى اللعبة . ومن أجل ألا نمسك بالميل من طرفه الآخر لكى نجر الينا ابن خلدون 
بطريقة معتسفة , فإن علينا أن نتابع بعض ال ملامح المنهجية والموضوعية فى معطايته 
لكى نعرف الأرضية التى نشط عليها ٠‏ دونما حاجة لاقناع الآخرين » أو ارغامهم - 
بقوة الشد - على إعادة الفكر الخلدونى إلينا . 
)١(‏ مهدي عامل (الطبعة الثانية . داو القارابي ‏ بيريت - 1581م) . 
(1) هن تعليق الناشر علي غلاق المرجع السايق . 





534 


والمدى واسع » وما قاله ابن خلدون فى هذا السياق أوسع بكثير من أن تتحمله 
صفحات بحث كهذا . ولذا سيكون الإيجاز أمرا لامفر منه وستتحرك المقاطع التالية 
على محاور أساسية ثلاثة فحسب فى الفكر الخلدونى من بين محاور عديدة أخرى , 
مواثرة على عملية الرجل ؛ وعلى ارتباط هذه العملية بمنظورة الإسلامى الأصيل : 
النشاط المعرفى , الرؤية التربوية وحركة التاريخ . 


أولا : النشاط المعرفى 

فى حديث ابن خلدون عن طبيعة النشاط المعرفى ٠‏ وضوابطه ؛ لايكفى أن تقول بأنه 
كان يملك « روحا علميا» ولكن أن نضيف إلى هذا صفة « الإسلامية » التى كانت 
تشكل هذه الروح وترسم ملامحها . 

يتحدث فى مقدمة له بعنوان « الإنسان جاهل بالذات عالم بالكسب » عن الفكر يما 
أنه الخصيصة التى تميز الإنسان عن سائر الحيوانات وتمكنه من أداء دوره العمرانى 
فى العالم كخليفة عن الله سيحانه فيه .. وهى هنا يشير إلى ثلاثة أنماط من النشاط 
العقلى الذى يمارسه الإنسان ويطرح فى هذا المجال - كما فعل فى مجالات أخرى من 
الياب السادس - جوانب عديدة من نصوره لنظرية المعرفة » ولايكاد وهى يتوغل فى 
الموضوع أن يفارق طريقته التى اعتادها : الإحساس الدائم بالحضور الإلهى المستمر 
فى التاريخ . واستشهاد بآيات من كتاب الله . وهما أمران لهما دلالتهما على عمق 
الحس والرؤية الدينية لدى ابن خلدون « قد بينا أن الإنسان من جنس الحيوانات وأن 
الله تعالى ميزه عنها بالفكر الذى جعل له : يوقع به افعاله على انتظام وهى العقل 
التميزى , أو يقضى به العلم بالأراء والمصالح والمفاسد من ابناء جنسه وهى العقل 
التجريبى » أو يحصل له بعد كمال الحيوانية قيه » ويبدأ من التمييز » فهى قبل التميز 
خلى من العلم بالجملة . معدود من الحيوانات , لاحق بمدئه فى التكوين من النطفة 
والعقلة والمضغة . وماحصل له بعد ذلك فهى بما جعل له الله فى مدارك الحس والأفئدة 
التى هى الفكر . قال تعالى فى الامتنان علينا + وجعل لكم السمع والأبصار والافندة» )١(‏ 
فهى فى الحالة الأولى قبل التمييز هيولى فقط لجهله بجميع المعارف » ثم تستكمل 
صورته بالعلم الذى يكتسبه بآلاته فتكتمل ذاته الإنسانية فى وجودها . 

وانظر إلى قوله تعالى مبدأ الوحى الى بيه ١‏ اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان 
من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم 4(') » أى أكسبه 
من العلم ما لم يكن حاصلا له , بعد أن علقة ومضغة ٠‏ فقد كشفت لنا طبيعته وذاته ما 





74 سورة الثمل آية‎ )١( 
.5 - ١ (؟) سورة العلق الآيات‎ 


امف 


هى عليه من الجهل الذاتى والعلم الكسبى . وأشارت إليه الآية الكريمة تقرر فيه 
الامتنان عليه بول مراتب وجوده وهى الإنسانية وحالتها الفطرية والمكتسبة فى أول 
التتزيل وميدأ الوحى وكان الله عليما حكيما » () . 

بصدد الفلسقة كطريقة للمعرفة يتحدد موقف ابن خلدون المرتبط برؤيته الدينية 
الواضحة تحت هذا العنوان « فصل فى إيطال الفلسفة وفساد منتحلها » وهو يرد فى 
الباب السادس من مقدمته والذى يتتاول فيه « العلوم وأصنافها » () حيث يقوده تحليله 
العميق إلى القول يتعارض الفلسفة والدين . وهى موقف إسلامى ذكر مقنع يصدر عن 
فهم دقيق للعلاقات المتبادلة بين العقل والشرع ؛ ويين العقل والعالم , لولا أن ابن 
كلنئن أحظأ التوان ؛ أد أت العترات آخطا الرحل »كحادبية: الضيفة التسيمعة وى 
(التعميم ) هى إحدى ثقرات « المقدمة ». 

« إيطال الفلسقة » وللوهلة الأولى يبدى أنه يرفض الفلسفة بانماطها وحقولها 
واختصاصاتها جميعا , ولما كانت هناك أنماط شتى من الفلسفة : كفلسفة الأخلاق , 
فلسفة الجمال » فلسفة الفن , وفلسفة التاريخ .. إلى آخره .. وكان هى نقفسه فيلسوفا 
على هذا المستوى الأخير ؛ وان لم يكن مصطلح ( فلسفة التاريخ ) قد برز يعد 
وتبلور .. تيدى لنا كيف ان الرجل يناقض نفسه بنفسه , وكيف يعلن عن ايطاله 
للفلسفة وقيها من القروع ما هى ضرورى جدا للتقدم الجاد فى حقول المعرفة » ولفهم 
الارتياطات الشاملة بين الحقائق والظواهر التى تتضمنها هذه الحقول . 

لكننا بتجاوز العنوان يتبين لنا . بمجرد اجتياز الأسطر الأولى ؛ أن الرجل لا يقول 
بايطال عموم الفلسفة , واثما نوع واحد متها فقط هى المسمى بفلسفة الالهيات او ما 
وراء الطبيعة (الميتاقيزيقا) . بما أن العقل البشرى . والأدوات الحسية التى يعتمدها , 
غير قادرين على سير أغوار هذا العالم الذى يتحتم - على ذلك - أن يبقى فى دائرة 
اختصاص الشرائع الفوقية الموحى بها من الله الذى لايخفى عليه شئ فى الأرض ولا 
فى السماء والذى أحاط - سيحاته - بكل شىئ علما . 

وطالما تجاوز العقل وأدواته الحسية حدود اختصاصاتها المعقولة حيثما انتهى بهما 
المطاف إلى الضياع . وحيثما مورس نوع من التبذير فى الطاقات البشرية التى كان 
أحرى بها ان نتجه للعمل فيما هى أقرب إليها وأجدى عليها ‏ وأن تترك ما وراء العيان 
لأصحايه الحقيقيين . فتسلم وتعرف كيف تضع خطاها . مستمدة الضوء فى تلك 
الدائرة اللامتناهية من مصادر أخرى تفوق العقل والحواس قدرة على رؤية ما يجرى 
هناك . 
)١(‏ مقدمة ابن خلدون 145/5 - 46 (الطبعة الثانية ؛ تحقيق د. علي عبدالواحد وافي ٠‏ لجنة البيان العريي , القاهرة - 


ماكام) 
(؟) المقدمة اكرحةا1 - ١9.107‏ 


32 


إن ابن خلدون يذكرنا : بموقفه الملتزم هذا ٠‏ بالغزالى . الذى كان فيلسوقا هو 
الآخر » ولكنه سدد ضريات قاسية للفلسفة يمعناها الميتافيزيقى هذا فى كتابه (تهافت 
الفلاسفة ) على وجه الخصوص ؛ ويذكنا - فى الجهه الأخرى - بجهود حشد كبير من 
الفلاسفة المسلمين : الكندى , الفارابى , ابن سينا .. إلى آخره : كانوا أشيه بظلال 
الفلاسفة اليونان ؛ أفنوا أعمارهم فى هذا الحقل وكتبوا كثيرا فى الالهيات ؛ واجهدوا 
عقولهم فى تحليل معطيات ما وراء الطبيعة بحثا عن العلة والمعلول و واجي الوجود 
ومتنافى الأول: .وام فصلوا فى تهانة الأمر ت إلا إلى تعميمات واشارات معقدة 
غامضة . صحيح أنها فى معظمها أكدت التوجه صوب الله الواحد سبحانه , إلا أنها 
استنزفت من قدرات العقل البشرى جهدا أكبر بكثير من النتائج التى بلغتها لأنه ضرب 
فى ما ليس من السهولة بمكان الوصول إلى مرافئه وشواطئه فى وقت كانت الشرائع 
الموحى بها من الله سيحانه قد حسمته بوضوح » واعجاز بالغين » ولأن جهدا كهذا كان 
أحرى أن يبذل فيما هى أجدى على الانسان والعمران البشرى فى تقدمه ورقيه . 

ونا اننا إلا ترجع إلى ابن كانوة تفتسة مك در ما الذى يريد أن يقدوله 2 هذا 
الفصل وما بعده )١(‏ مهم لأن هذه العلوم عارضة فى العمران كثيرة فى المدن » 
وضررها فى الدين كثير » فوجب أن يصرح بشأنها ويكشف عن المعتقد الحق فيها » 
وذله اؤزاثؤعاا من عقلاء الثم الانقنائى وعموا ان الوجو كلة ‏ الس متة وما ورا 
الحى » تدرك ذواته وأحواله بأسبابه وعللها بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية » وأن 
تصحيح العقائد الايمانية من قبل النظر أى العقل , لا من جهة السمع أى النقل عن 
الشرائع المهحى بها من الله سبحانه قانها بعض من مدارك العقل . 

وهؤلاء يسمون فلاسفة » جمع فيلسوف , وهو باللسان اليونانى محب الحكمة . 
فبحثوا عن ذلك وشمروا له ووضعوا قانونا يهتدى به العقل فى نظرة إلى التمييز بين 
الحق والباطل وسمو بالمنطق « ويعد ان يعرف المنطق يقول » .. ثم يزعمون أن 
السعادة فى إدراك الموجودات كلها . ما فى الحس وما وراء الحس ٠‏ بهذا النظر وتلك 
البراهين » (") 

فهى إذن يرفض ما يريده هؤلاء الفلاسفة من تحكيم كلى للعقل فى مسائل الحس 
وما وراء الحس ٠‏ ومن اخضاعه - حتى - للعقائد الإيمانية التى تند عن دائرة المعقول 
والمحسوس ,٠‏ ويرى فى ذلك ضررا كبيرا يلحق بالدين , لأن هذا الموقف هى فى نهاية 
التحليل تجاوز للاختصاص الذى اختصت به طاقات الإنسان وقدراته . وهذا التجاوز 
سيكون على حساب المعطيات الدينية التى وان جاءت فى كثير من جوانبها مساوقة 





.1516 - ١501/1 ابطال صناعة النجوم : المقدمة‎ )١( 
,1101- المقدمة ا/رحةاا‎ )١( 


ا" 


ليداهات العقل والحس السليمين , إلا أنها بصدورها عن مصدر هى أكير يكثير فى 
رؤيته من العقل والحس , وأكثر شمولية وموضوعية واستشراقا » مجالا يقبل القياس 
يجعلها لا تخضع للحصر الحسى أن العقلى , والا كانت النتائج التى سنصل اما 
خاطئة من الأساس ء أو أنها - على أقل تقدير - ستجعل العقل فوق الدين » وستفقد 
الآخير بالتالى الزاماته الفوقية وأبعاده الغيبية » وتجعله فى نهاية الأمر لعبة يتلهى بها 
الفلاسفة فى ضوء معطيات عقولهم النسبية دون أن يحاول أحدهم يوما التزام مقولاتها 
.. وحاشا للدين من هذا التاريخ 

بل يحدث ما هى أبعد من ذلك : رفض لشريعة الله الموحى بها إلى انبيائه ( عليهم 
السلام ) واتباع للشرائع التى يسنها العقل البشرى , ابتكار طريف لمعنى النعيم 
والعذاب لم يقل يه دين من الأديان . وهذا مايصل اليه ابن خلدون من خلال تحليله 
لطرائق هؤلاء الفلاسفة فى التدرج من الحس إلى ما وراء الحس , وفى الحكم على 
مجريات السماء البعيدة استنادا إلى ما يلحظونه فى الأرض القريبة .. يقول « وحاصل 
مداركهم فى الوجود على الجملة ؛ وما آلت اليه وهى الذى فرعوا عليه قضايا 
انظارهم؛ انهم عثروا أولا على الجسم السفلى بحكم الشهود والحس , ثم ترقى 
ادراكهم فقضوا على الجسم العالى السماوى بنحى من القضاء على الذات الإنسانية و 
وجب عندهم أن يكون للفلك نفس وعقل كما للانسان . ثم أنهوا ذلك نهاية عدد الآحادن 
وهى العشر ؛ تسع مفصلة ذواتها جمل وواحد أول مفرد وهى العاشر )١(‏ ويزعمون ان 
السعادة فى إدراك الوجود على هذا النحى من القضاء مع تهذيب النفس وتخلقها 
بالقضائل , وإن ذلك ممكن للإنسان ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرذيلة من 
الأقعال بمقتضى عقله ونظره وميله الى المحمود منها , واجتنابه للمذموم بقطرته له , 
وإن ذلك إذا حصل للنفس حصلت لها اليهجه واللذة ؛ وان الجهل بذلك هو الشقاء 
السرمدى . وهذا عندهم هو النعيم والعذاب فى الآخرة .. إلى خبط لهم فى تفاصيل 
ذلك معروف من كلماتهم»("), 

فلا معنى لنزول الأديان اذن » ولاحاجة لاتصال الوحى يبنى آدم عن طريق رسل 
الله سبحان , مادام أن مجموعة الفلاسفة , قادرة بمنهجها الذى يبدأ من الأسفل 
ويصعد إلى الأعلى . على منح الإنسان الدين الذى يسعده ويبهجه !! وهكذا يتبدى لنا 
الضرر الذى حذر منه ابن خلدون فى بداية فصله هذا . 

إننا هنا قبالة منهج مقلوب : أن نصل الى الدين السماوى من خلال الأرض 
السفلية » وأن نحظى ينعيم الكلى الخالد من خلال رؤية المحدود الفانى ؛ وفضلا عن 





)00 يشسيريذلك الي نظرية العقول عند الفارابي ويقية فلاسفة المسلمين , انظر بالتفصيل الهامش رقم ”175 المقدمة 
ص١‏ ة. 
(؟) المقدمة /را ١‏ ؟١.‏ 


هف 


ذلك , فان هذا الجهد المقلوب ؛ المستنزف من العقول البشرية طاقات كبيرة وهى تعمل 
غير حقلها : كان أحرى أن تبذل فى مجال تنمية العمران قى العالم من خلال قهم هذا 
العالم القريب ومحاولة كشف سننه والسيطرة عليها وتسخيرها لصالح الإنسان قيما 
هو من اختصاص العقل والحس البشريين . 

أما المنهج الدينى فهى على العكس من ذلك ؛ يجعلنا نعتمد منهجا يقف دائما فى 
وضعه الصحيح : إن السماء هى التى تمنح الأرض الهدى الذى تسير فيه إلى غايتها , 
والله سبحانه . الذى هى أدرى بخلقه , هو الذى يبعث بوحيه الأمين . بين الحين 
والحين, ينقله الأنبياء الكرام إلى أجيال البشرية حقبة فى إثر حقبة حتى خاتم الأنبياء 
عليهم السلام ؛ وهكذا قان الكلى هى الذى يقود المحدود , وان الخالد هى الذى يحدو 
الفانى , مادام عالم السماء ؛ عالم ماوراء الحس والإدراكات العقلية النسبية » يند عن 
طاقة الإنسان وسعيه فيه لايعدى أن يكون سعيا ظنيا » فأحرى بالعقل والحس البشريين 
أن يتجها للعمل فى قلب العالم » فى دراسة مادته وفهم علاقاته وادراك ستنه . 
وحينذاك سيعرف الإنسان ؛ ليس فقط الطرائق التى تمكنه من إعمار العالم كخليفة عن 
الله فيه , وانما سيزداد إيمانا بالله والتزاما بوحيه الأمين من خلال إدراكه للحكمة 
الملقصودة فى خلق هذا العالم » والتناسق المعجز فى وظائفه وتركيبه » وهكذا فيينما 
ينتهى الأمر بالفلسفة إلى أن تقف نقيضا للعلم الفعال » وأدواته عقلا وحواسا ينتهى 
الدين إلى تأكيد لهذا العلم وتنشيط لأدواته . 

ويعد أن يشير ابن خلدون إلى أن أمام هذه الفلسفة الذى استوقى مسائلها هو 
أرسطو المسمى بالمعلم الأول , يلتفت التفاته ذكية بقول« .. ثم كان من بعده فى 
الإسلام من أخذ بتلك المذاهب واتبع فيها رأية حذى النعل , إلا فى التعليل » وذلك أن 
كتب أولئك المتقدمين لما ترجمها الخلفاء من بنى العباس من اللسان اليونانى إلى 
اللسان العربى . تصفحها كثير من أهل الملة » وأخذ من مذاهبهم من ضله الله من 
منتحلى العلوم ( الفلسفية ) وجادلوا عنها واختلفوا فى مسائل من تقاريعها وكان من 
أشهرهم أبونصر القارابى وأبى على بن سينا .. وغيرهم » )١(‏ . 

ولكن مهما يكن من أمر هذه الاختلافات فان فلاسفة المسلمين الأول ما كانوا باكثر 
من ظلال لأسلافهم اليونان , اتبعوا رؤيتهم فى الفلسفة «حنى النعل بالتعل » ! 

يأخذ ابن خلدون يعد ذلك بمناقشة وجهات هؤلاء الفلاسفة وتفتيد ما يستحق مها 





. نفسه‎ )١( 
.1707.11- 7/6 (؟) انظر المقدعة‎ 


زذفا 


وظواهرها « ثم يشير إلى الثمرة الوحيدة التى نحظى بها من شجرة الفلسفة هذه 
تلك هى شحذ الذهن البشرى وتمكينه من ترتيب الأدلة المنطقية وسوق البراهين على ما 
يسعى إلى إثياته . وهذا يدل على انفساح صدر ابن خلدون لكل علم بشرى وملاحظة 
سلبياته وايجابياته على والسواء ؛ فى محاولة منه أن يخذ الحكمة من أى وعاء خرجت 
كما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون ٠٠‏ وأما مضارها - أى الفلسفة - 
فهى ما علمت . فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطبها ٠‏ وليكن نظر من ينظر 
فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والاطلاع على التفسير والفقة , ولايكن احد عليها وهو 
خلو من علوم الملة » فقل أن يسلم لذلك من معاطبها . » () وأما الذين يختارون أن 
يتحصنوا - ألا - بكتاب الله وسنة رسوله عليه السلام » فلهم أن يبحروا حيث يشاعن, 
وأن يسبروا غور الفلسفة أيا كانت , فإنهم سوف يصلون شاطئ الأمان وقد ازدادوا 
إيمانا ويقينا . 

إلا أن ابن خلدون يحبذ « الإعراض عن النظر فيها إذ هو من المسلم ما لا يعنيه » 
فان هذه المسائل « لاتهمنا فى دينا ولا فى معاشنا فوجب علينا تركها » . (5) 

فكالف» الظلاوةا ع مركا 1 مداع افع ا يرو ا قات اي ا 00 
طاقته الفعالة فلا تستنزف قيما هى غير مجد , ولاتعمل إلا فيما يعود على الإنسان 
الحم :لك ل ينه ماه و أن إن نشي جب بغائقى مقي القلمة لا فيما وراء 
العالم حيث اختصاص الأديان . 

ومن زادية الرؤية الدينية المتسلحة بالعقل , نفسها , يدعو ابن خلدون إلى إبطال 
خرافة التنجيم , تماما كما دعا إلى إبطال خرافة فلسفة الإلهيات وما وراء الطبيعية . 
كلتاهما خراقة ‏ بما انهما تقودان العقل البشرى إلى مساحة الكون غير المنظور » بما 
لم يهيأ له أساسا . والخرافة » بمعنى ما هى أن نتحرك إلى أهدافنا بدون الوسائل 
المنطقية التى تبلقنا تلك الأهداف . وإذا كانت الممارسة القلسفية لما وراء الطبيعة تغطى 
على عبثها ولا عقلانيتها بنوع من المنهجية المدعاة » ويحشد أسلوبا فى العلم ما أنزلت 
معطيات العقل والمنطق ويداهاتها يه من سلطان » .. فهذه الصناعة - يقول ابن 
خلدون: يرّعم أصحايها أنهم يعرقون بها الكائنات فى عالم العناصر قبل حدوثها من 
قبل معرفة قوى الكواكب وتأثيرها فى المولدات العنصرية مفردة ومجتمعة , فتكون لذلك 
أوضاع الأفلاك والكواكب دالة على ماسيحدث من نوع من أنواع الكائنات الكلية 
والشخصية .. » 7) إلى آخر هذا الغثاء . 
)١(‏ نقسه ك/رلاء ١7‏ 
(1) نفسه ار .؟1. 


() تفسه ا/رلا-15. 


نيف 


وهو ينفى أن يكون الأنبياء عليهم السلام قد مارسوا هذا المنهج الخاطء 
وحاشاهم « .. ذهب ضعفاء - من أصحاب التنجيم - إلى أن معرقة قوى الكواكي 
وتأثيراتها كانت بالوحى » وهى رأى قائل ( خاطئ ضعيف ) وقد كفونا مؤونة ابطاله .. 
ومن أوضح الأدلة فيه أن نعلم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبعد الناس عن 
الصنائع » وأنهم لايتعرضون الإخبار عن الغيب ٠‏ إلا أن يكون عن الله » فكيف يدعون 
استنباطه بالصناعة ويشيرون بذلك لتابعيهم من الخلق ؟ » )١(‏ , 

وبعد أن يستعرض ابن خلدون مقولات بطليموس وتلامذته فى هذا الميدان ؛ يتقدم 
لتنفيذها بجميع عقلية بينه ويصل إلى القول بأن « تأثير الكواكب فيما تحتها باطل ؛ إذ 
قد تبين فى باب التوحيد أن لا فاعل إلا الله » بطريق استدلالى كما رأيته » واحتج له 
أهل علم الكلام بما هى غنى عن البيان من أن إسناد الأسباب إلى المسببات مجهول 
الكيفية , والعقل متهم على ما يقضى به فيما يظهر بادئ الرأى من التأثير . فلعل 
استنادها على غير صورة التأثير المتعارف , والقدرة الإلهية رابطة بينها كما ريطت 
جميع الكائنات علوا وسفلا . سيما والشرع يرد الحوادث كلها إلى قدرة الله تعالى 
ويبداً مما سوى ذلك . والنبوات أيضا منكرة لشأن النجوم وتأثيراتها واستقراء 
الشرعيات شاهد بذلك مثل قوله (صلى الله عليه وسلم ) ( إن الشمس والقمر 
لاينخسفان لموت أحد ولا لحياته ) .. فقد بان لك بطلان هذه الصناعة عن طريق 
الشرع؛ وضعف مداركها مع ذلك من طريق العقل .لما لها من المضار فى العمران 
الإنسانى لما تبعث فى عقائد العوام من الفساد إذا اتفق الصدق فى أحكامها فى بعض 
الأحايين اتفاقا لايرجع إلى تعليل ولا تحقيق . فليلهج بذلك من لا معرفة له ويظن اطراد 
الصدق فى سائر أحكامها , وليس كذلك ؛ فيقع فى رد الأشياء إلى غير خالقها .. » . 
ثم يبين أن حظر الشريعة لهذا العبث المدعو عاما » دفع أصحابه إلى ممارسته بمعزل 
عن الجمهور . وتسترهم على الناس لكى لايتكشف أمرهم وهذا مما زاده الغازا 
وتعقيدا.9) 

ومن المنطلق نفسه يرفض ابن خلدون الكيمياء : لابعمفهومها التجريبى المختبرى 
الذى عرفته بمرور الوقت , ولكن بمفهومها السحرى القديم القائم على الدجل والخرافة 
والذى كن يطمح بتحويل المعادن الرخيصة إلى ثمينة بأساليب سحرية ملغزة لاتقل 
سخفا فى تعاملها مع حقائق الطبيعة والكون من الميتافيزيقا أو التنجيم . () 

إن ابن خلدون فى دعوته الجادة إلى إبطال تلك الفنون الثلاثة - ولا أقول علوما - 
الميتافيزيقا والتنجيم والكيمياء السحرية ٠‏ بقدر ما ينطلق من رؤية دينية واضحة 


(1) نفسه اره.؟١‏ - 1517 
0( عماد الدين خليل : ابن خلدون إسلاميا ص ١55‏ -1؟1 (المكتب الإسلامي بيروت - 45كام) . 


ا 


وعميقة؛ تستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم » بقدر ما يؤكد مدى 
احترمه للعقل البشرى ٠‏ وإنه يرفضه هذه الفنون لايقف بمواجهة العقل والروح العلمية 
وإنما معهما , وتلك هى طبيعة الرؤية الدينية كما يمنحنا إياها كتاب الله وسنة رسوله 
عليه السلام . )١(‏ 


ثانيا ‏ الرؤي العربوية 
التربية بايجاز شديد » عمل دينامى يستهدف صقل وتثمية قدرات الإنسان العقلية 
والروحية والجسدية والوجدانية , ويما أن الإنسان - بإيجاز أيضا - هى صانع 
الحضارة » قان التربية - يالضرورة - تغدو صيغة عمل حضارى يحمل قدرا كبيرا من 


الأهمية . 

واين خلدون هو واحد من المفكرين الروآد الذين أولوا المسألة الحضارية أهمية 
بالغة, وتجاوزوا المنظور التسطيحى لقراءة التاريخ البشرى صوب التوغل عمقا لفهم 
أيعاد معطياته الحضارية , والقواتين التى تحكمها ٠‏ بدء وصيرورة ونمواً وفناء .. وليس 
من قبيل الصدفة - إذن - ولا لمجرد استكمال الحديث عن كل موضوع وفق نزعة 
موضوعية فضفاضة , كما كان يفعل الكثير من الكتاب قيله » أو يعده » ليس من هذا 
القبيل تلك المساحات الواسعة التى يمنحها الرجل للمسالة التربوية فى العديد من 
شعبها واهتماماتها وأنشطتها , مادام أن العمل التربوى سعى متواصل فى صميم 
النشاط الحضارى للجماعة البشرية . 

وهو يمنحنا تحليلات طيبة » وعلى قدر من النضج , بالمقارنة مع المعطيات التربوية 
الحديثة : عن القيم والأهداف . وصمحتوى التعليم وطرائقه وأسالييه » والمعلم والمتعلم , 
كما انه يقف طويلا عند « نظرية المعرفة » ذات الارتباط الوثيق بالتربية » ويقدم - فى 
الوقت نفسه - رؤية للإنسان من خلال نظرة التربية الإسلامية إليه . 

ويما أن الرجل هو ابن بيئته الإسلامية لحما ودما وفكرا » فان معطياته التربوية 
كانت تتشكل بالضرورة من مادة هذه البيئة وتتداخل مع تنسيجها . 

بعبارة أخرى » انه يتحدث عن التربية الإسلامية على وجه الخصوص » لاعن أية 
تربية اخرى وضعية أو غير وضعية » كما حاول ويحاول يعض الباحثين » منذ أواخر 
القرن المأضى وعبر القرن الأخير ؛ أن يذهبوا - كما رأينا - ليس على مستوى التربية 
فحسب ٠‏ بل على كافة المستويات المعرفية التى تتضمنها المقدمة . 

وتتوزع المادة على مدى المقدمة . وتنتشس فى أبوابها الستة لكنها تتكائف هنا وتقل 
هناك . وققا لطبيعة الياب : أو الفصل الذى يتحدث عنه « موضوعه » ما قد ترتيط 
بالمنظور التربوى بشكل مباشر أى غير مياشر , وقد لاترتبط به أساساً . 


(1) نفسه ص 155 -/1519. 


ف 


يصدر ابن خلدون فى نظرته للإنسان , والتعامل التربوى معه بالتالى عن رؤية 
إسلامية واضحة تضع هذا الكائن المتفرد فى مكانه الحق من العالم . 

وهى يؤكد ١‏ ويعيد تأكيده المرة تلى المرة » على تميز الإنسان بالقكر الذى وهيه الله 
إياه » متجاوزا النظرة التجزيئية للإنسان : متعاملا معه بمكونه كافة : العقل والروح 
والوجدان والحس والغرائز والجسد , دونما عزل أى نقى أى فصل أو تقطيع ٠‏ الإنسان 
كما خلقه الله سبحانه وكما أراد له أن يكون .. كما يؤكد حتمية التبوات التى أعان الله 
الإنسان بها على اكتشاف الطريق ؛ وعلى استخلافه العمرانى فى العالم ؛ وتسخير 
العالم » بطاقته وسننه , ولهذا المخلوق المسستخلف عن الله فى الأرض ء لكى يقدر على 
مواصلة مهمته فى التقدم والتحضر والاعمار . )١(‏ 

هذه هى الخطوط الأساسية , أو مراكز الثقل الخمسة التى تميز التصور الإسلامى 
للانسان ؛ عن سائر المذاهب والتصورات ٠‏ والتى تنيثق عنها بالضرورة طبيعة التربية 
التى يتحتم اعتمادها لتنيمة قدرات هذا الكائن وتمكينه من أداء مهمته فى الأرض » 
كما تنبثق عنها ملامح وأسس نظرية للمعرفة تتميز هى الأخرى عن سائر النظريات 
الوضعية , باتساع مداها وتجاوزه لظواهر الأشياء صوب عالم الباطن والغيب . 

ويحمل التعليم قيمته الأساسية فى مقدمة ابن خلدون من حيث أنه ضرورة من 
ضرورات الاجتماع البشرى , وأداة لابد منها لتمكين الجماعة من التحقيق بالعيش 
والرفاهية من خلال الخبرات والصنائع التى تنالها بالتعليم . بل أن الأمر ليتجاوز هذا 
كله فيقدى التعليم ضرورة لقبول ما جاء له الأنبياء عليهم السلام والانتماء لدعواتهم . 
فمن خلال نظرة إسلامية شمولية يطل يها ابن خلدون على قيمة التعليم فيجدها تمتد 
لكى تشمل الأرض والسماء , الدنيا والآخرة على السواء . وتلك هى بحق واحدة من 
أهم ملامح التربية الإسلامية » بل أهمها على الاطلاق . 9) 

ويقف ابن خلدون طويلا عند قيمة العمل - الذى يبرمج له وتؤكده الممارسة التربوية 
التعليمية - ويراه ضرورة من ضرورات العمران » ثم هى كعادته يعالجه من زاوية رؤياه 
الإسلامية ويبلغ به الأمر القول بأن قيمة الأشياء إنما تقاس يمقدار ما بذل فيها من 
عمل ؛ وهو يربط - كذلك - بين ميدأ التسخير الذى يعرض له كتاب الله فيما ال محنا 
إليه قبل قليل , ويين العمل المحتوم للإفادة مما سخره الله للإنسان فى هذا العالم , 
وحيثما تلقتنا وجدنا الرجل يولى العمل قيمة كبرى كواحد من الوسائل الأساسية 
)١(‏ عماد الدين خليل : الرؤية قي مقدمة ابن خلدون , كتاب ( من أعلام التربية العربية الإسلامية ) المجلد الرابع ص 


8 (مكتب التربي العربي لدول الخليج , الرياض - 1588 م) 
(1) نفسه 4/ر1؟١ا‏ -179. 


ل 


لتحقيق مهمة الانسان فى الأرض واستخلافه العمرانى فى العالم على عين الله وهدى 

حتى إذا ما يلغنا المسائل المباشرة الأكثر ارتباطا بالعملية التربوية التعليمية وجدنا 

ابن خلدون يقدم مادة طيبة ٠‏ ويقق وقفات قد تطول وقد تقصر عند هذه المسالة أو 
تلك من مسائل التربية والتعليم . 

إنه يرى حتمية وجود « المعلم » كطرف أساسى فى هذه العملية ؛ سواء استهدفت 
تخريج العلماء أم الصناع .(") ليس المعلم فحسب ولكنه المعلم الجيد هى المطلوب 
لتحقيق النتيجة الأفضل . ونجد ابن خلدون يركز المسألة بمبدأ واضح بسيط ولكنه 
ضرورى .» إنه « على قدر جودة التعليم وملكة المعلم يكون المتعلم » وهكذا يحتل المعلم 
مكاته المناسب . 

والمهنة التى يمارسها المعلم ليست ارتجالا كيفيا , ولا عمل مستقلا بذاته لايحتاج 
الجماعة خطوات واسعة فى تحضرها . (أثم إن مهمة المعلم لاتنحصر فى تعليم هذا 
الجاتب أو ذاك فحسب من أمور المعرفة ‏ بل تمتد لكى تشمل الجوانب كافة » أى ما هى 
علمى وما هى عملى فى الوقت تقسه . (4) 

وهو يعتبر التعليم من « جملة الصنائع » ياعتياره فنا لابد من الإلمام يأصوله 
وقواعده لكى يتمكن المعلم الذى يمارسه من تأدية مهمته على الوجه المطلوب . (*) إنه 
يؤكد « مهنية » المعلم وأن ما يمارسه ليس مجرد علم فحسب ؛ وإتما هوه منهج » 
للتوصيل يختلف فيه هذا المعلم عن ذلك . ويتباين فيه هذا الجيل من المعلمين عن 
ذلك0). 

وابن خلدون يعرف كيف يريط بين ما يبلغه فن التعليم من مستوى ويين البيئة 
الحضارية التى نشط فيها . قالعلاقة بينهما طردية » وحيثما بلفت جماعة ما شأوا 
تقدما فى المضمار الحضرى حيثما تقدم معها فن التعليم ونفق سوقه . ") انه يجد 
فرصته للحذق والاكتمال فى البيئة المتحضرة يسيب ما تتيحه من مجالات أوسع 
)١(‏ المقدمة 71/7 ة. 
(؟) نفسه ؟راكة - 114 
(4) نقسه 4751/7 
(5) نقسه "/رد4؟. 
(1) نفسه ا/ردمة -441 


(1) تنقفسه 4487/5 - وانظر المصدر تفسه ؟/يكة - /4ة3. 


5/4 


للمناظرة والجدل والحوار فى مناحى العلوم ‏ وتسمح به من الاحتكاك والاتصال والأخذ 
والعطاء بين الطرائق والمناهج هنالك حيث يتالق المعلم الممتاز وحيث يجد طلبة العلم 
مبتغاهم فيمن يعرف كيف يوصل إليهم المعرفة التى يطلبونها . )١(‏ 

والتعليم ليس تحقيظا ‏ كما أن التعلم ليس حفظا وانما هو على جانبيه اعمال 
للقدرات العقلية وكسب للزمن من رجل التمكن من المعرفة فى هذا الحقل أو ذاك ؛ (") 
ان غياب المعلم الجيد يحرم الطلبة من الفرص المواتية للتعلم . كما يحرم الجماعات من 
كسب عامل الزمن فى الصراع من أجل المعرفة . 9) , 

واذا كان ابن خلدون - فيما سيق - يقف عند حدود العلاقة بين درجة التحضر 
عموما ومستوى التعليم والتعلم , فانه لاينسى أن يشير إلى بعض المفردات (المساعدة) 
التى تعين على تحسسين العملية التعليمية والتريوية عموما . منها - بطبيعة الحال - 
الإكثار من بناء المؤفسسات التعليمية من مدرسة وزاوية ومسجد ورباط . ومنها وقف 
الأوقاف المغلة على هذه المؤسسات من أجل أن تسير العملية ينجاح » ويجد ال معلم 
والمتعلم فرصته لتجاوز الانهماك بالضرورات فيتحرر متها , بالضمان المعاشى الأكيد 7 
لكى يتفرغ لما هى بصدده : ذاك لمهنته وهذا لمهمته . فحيثما كثرت الأوقاف والضمانات 
وعظمت الفلات والفوائد » حيثما كثر طالب العلم ومعلمه وأحسنوا مهمتهم « ونفقت 
أسواق العلوم وزخرت بحارها » . (؛) 

ويما أن التعليم يعنى توصيل الحقائق المعرفية بين طرفين » فإن ابن خلدون يقف 
بعض الوقت عند نوعين من صيغ التوصيل : الصيغة الشفاهية التى تتم مباشرة بينهما 
من خلال الكتب والمؤلفات *) , وهى الصيغة الأكثر ذيوعا وانتشارا بسبب من أن 
المؤلف كخزين للمعرفة أكثر دواما من صاحبه , وأكثر قدرة على الانتشار فى المكان . 
من يتقن توصيلها يمهنته المتخصصة وتمرسه فى فنه » إلى عقول المتعلمين . 9) 

وابن خلدون يتخذ أراء « الكتاب » كواحد من أهم الوسائل التعليمية , طريقا وبسطا 
جهة يرفض فكرة الإكثار من التاليف وتحميل المناهج التعليمية بالمزيد من الكتب التى 
تعالج موضوعا واحدا , لان ذلك يعوق الطالب على التحصيل ويحدث لديه نوعا من 
)١(‏ نقسه 5417/6. 
(؟) نقسه 5417/7. 
(1) نقسه 441/5 - انك 
(4) نفسه 491/7 
(0) انظر بالتفصيل نفسه ؛/ره؟؟١‏ - 17717, 


(1) تفسه. 


لحف 


الارتياك الذهنى )١(‏ . فضلا عن أن يستنزف وقته فيما لامبرر له . ثم إن اختلاف الكتب 
قى المادة الواحدة يعنى عند اين خلدون اختلاف الطرائق المنهجية فى العرض والشرح 
والتعليل الأمر الذى يقود إلى السلبيات آنقة الذكر , ويرى , بدلا من الدخول فى 
التقاصيل والجزئيات التى تكرر نفسها يصيغ مختلفة ؛ أن يقدم للطالب جوهر المادة 
العلمية وخطوطها العريضة - دون الحاح فى الايجاز - فى كتاب واحد لكى يعينه ذلك 
على كسب الوقت والتمكن من الإلمام بالملامح الأساسية للمادة . (9) 

وهى - بالمقابل - يتدد بالتلخيصات والاختصارات فى المؤلفات المنهجية ويرى أن 
ذلك بدوره يخل بالتعليم يسبب من الحاحه فى الايجاز الأمر الذى يجعل المادة عسرة 
على الفهم بتركيزه المعانى الكثيرة فى ألفاظ محدودة . (') 

ولاينسى ابن خلدون أن يقدم تصوره لعقلانيه التعلم » وصيغ توصل العقل لحقائق 
الأشياء , داعيا المتعلم إلى إدراك كنه هذا النشاط لكى يتمكن من تجاوز صعابه 
وعقاييله ؛ ولكى ينفذ إلى المعانى من وراء حجب الألفاظ والاستدلالات المنطقية 
الصناعية , باعمال الفكر« الطبيعى » مباشرة فى الحقائق المستغلة ‏ وصولا إلى 
الجوهر والمعنى . (!؟) 

كما أنه لاينسى أن يفرد فصلا لمسالة التتخصص العلمى ‏ أو المهنى » أو 
سيكولوجيته بعبارة أدق » ويرى أن المرء إذا أجاد مهنته ما ورسخت فى ناسه فإنه قد 
لايجيد بعدها مهنة أخرى . (5) 

ويصدد المراحل المبكرة للتعليم » فيما يسمى بتعليم الولدان يمنحنا ابن خلدون مادة 
مقارنة يستمدها من طرائق التعليم فى الأمصار الاسلامية واختلافها . ويكاد يكون 
تعليم القرآن الكريم القاسم المشترك , والأساس فى هذه الطرائق جميعا عبر مراحل 
التعليم المبكرة . فالقرآن كتاب هذه الأمة , وهاديها ودليلها » وهو دستور عقيدتها » 
ومتنهاج حركتها فى العالم .. وتعليمه للأجيال الناشئة ضرورة محتومة إذا أريد لهذه 
الاجيال أن تكون مسلمة حقا . () لكن الذى يختلف فيه بين مصر ومصر ومدرسة 
وأخرى ٠‏ هو منهج التعليم وها هنا يقدم ابن خلدون عرضا مقارنا لهذا المنهج فى تعليم 
كتاب الله فى كل من المغرب والأندلس , والمشرق ؛ والنتائج التى ترتبت عليه فى كل 
مكان من هذه الأقاليم . ”") 


.١؟8.ر/6 نقسه‎ )١1( 
.1791- ١؟9./5 (؟) انظر بالتفصيل المصدر تفسه‎ 
.1775/4 (؟) نقسه‎ 

(4) انظر بالتفصيل المصدر نفسه ١755/6‏ -8؟5١,‏ 
(ه) تقسه ؟/ ةو - اه 

(1) نقسه 4ر5١‏ -.1؟١.‏ 

(7؟) انظر بالتفصيل المصدر نقسه 6/ر. ١74‏ - 9749, 


54 


وابن خلدون وهى يتحدث عن محتوى التعليم يشير إلى صنقين من العلوم عقلى 
ونقلى دون ان يغقل عن أن هذا الأخير يتحتم ان يتم التعامل معه عقليا بالقياس 
والتفريغ والاجتهاد . كما أن الرجل لايفوته كذلك أن يؤكد هنا رؤيته الاسلامية 
وخصوصيته العقيدية أسوة بما كان يفعل فى جل مساحات مقدمته الخصبة ؛ بصيغ 
مباشرة حينا وغير مباشرة أحيانا فكأنه يرد بذلك على الذين جاءعا فى قرون تالية 
لكى يخرجوه عن الرحم الذى يخلق فيه » ويضعوه على غير إرادة منه فى دائرة «ه 
الوضعية » هجينا غريبا )١( ١‏ 


وضع اين خلدون « مقدمته » فى الأساس »؛ وكما يؤكد فى تمهيده لها أكثر من 
مرة(') لكى تكون أداة أى معيارا فى التعامل مع الواقعة التاريخية فهناك » فى نسيج 
هذه الواقعة » مايمكن قبوله والتسليم به » ومايستعصى على القبول والتسليم .. مما 
يمكن أن يصدق وما يخرج إلى دائرة الكذب والتلفيق . وإذا كان المؤرخون قبله ؛ فى 
معظمهم ؛ قد اكتفوا بأن يكونوا جمأعين للرواية » أو المادة التاريخية ؛ دونما أخذها 
بما تتطلبه من منهج نقدى يمحص ود مزل .. يقبل ويرفض .. يثبت وينفى .. كى لايمرٌ 
إلا ماهى متحقق فى حركة التاريخ ؛ أى ماقرب للحقيقة فى أقل تقدير » فإنه رأى أنه قد 
آن الأوان لاعتماد منهج مرسوم لكى يصير النشاط التاريخى علما منضبطا لاعواطف 
وتحرّيات وأهواء وميولا . 

ولقد قيل الكثير قى هذه المسالة , ولذا سنجد نفسنا مضطرين لتجاوزها صوب 
بعض التأشيرات التى تؤكد « إسلامية »هذا التوجهه العلمى »فى التعامل مع 
التاريخ؛ واستمداده الكثير من الخصائص والمواصفات من البيئة التى انتمى إليها 
الرجل لا من أية ييئة أخرى . وهكذا ستكون النتائج التى توصل إليها الرجل من خلال 
منهجه هذا متساوقة فى نسيجها العام » وفى معظم مفرداتها , مع المنظور والمعطيات 
الاسلامية . 

ابتداء ؛ وعلى سبيل المثال » يطرح ابن خلدون هذه المقولة الاستقرائية ذات التأثير 
البالغ فى صميم الحركة التاريخية للجماعات والشعوب .. انه ما من دولة « كبيرة » الا 
وأصلها « الدين «١»‏ إما من تبوة أى دعوة حق » والدول الكبيرة التى يسميها اليعض 
بالاميراطوريات ويسميها ابن خلدون « الدول العاملا الاستيلاء » العظيمة الملك « هى 
)١(‏ انظر بالتفصيل المصدر نقسه 51/7؟ - ؟ذة , ١174/4‏ - 1555 

ولزيد من التفاصيل عن المعطيات التربوية لابن خلدون انظر بحث المؤلف المذكور آنفا (الرؤية التريوية في مقدمة ابن 

خلدون من كتاب من أعلام التربية العربية الاسلامية ) .١51- ١57/4‏ 
(؟) انظر الصفحات 749 .8غ من المقدمة 


54١ 


الدول الأكثر ثقلا وتأثيرا فى حركة التاريخ : وليس فقط مجرياته السياسية » بل فى 
نموه الحضارى وهذا هو الاهم : 

كيف يفسر ابن خلدون ذلك « إن الملك - يقول الرجل - إنما ليصل بالتغلب ‏ 
والتغلب انما يكون بالعصيية واتفاق الأهواء على المطالب . وجمع القلوب وتاليفها إنما 
يكون بمعوتة من الله فى إقامة دينةً قال تعالى ١‏ لو انفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت 
بين قلوبهم > (') وسّره إن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدنيا حصل 
التنافس ونشأ الخلاف ؛ واذا انصرفت إلى الحق ورفضت الدنيا والباطل وأقبلت على 
الله . اتحدت وجهتها فذهب التنافس وقل الخلاف وحسن التعاون والتعاضد واتسع 
نطاق الكثمة لذلك فعظمت الدولة » (؟) 

إنه يتحدث عما يمكن تسميته بالمعامل العقائدى , ذلك الذى يشد طاقات الجماعة 
البشرية الواحدة التى تنتمى إلى عقيدة ما , ويوجهها صوب هدف واحد .. يؤرة 
واحدة . فتزداد قدرتها على الفعل التاريخى ؛ تماما كما تزداد قدرة أشعة الشمس 
على الإحراق من خلال تجميعها بالعدسات اللامة . فالدولة الكبيرة - إذن - هى تعبير 
تاريخى عن قدرة أمة ما على الفعل الموحد الذى صاغته وجهته صوب هدفه الواحد , 
عقيدة حيوية من بها الجميع . ويعكس هذا » فان غياب الدين يعنى تبعثر الفعل وتشتته 
صوب أهداف متفايرة متضارية : ومن ثم تضاوؤل دوره التاريخي . فليست الجماعة 
التى لاترتيط عقيدة بقادرة على أن تمتد فى الزمان والمكان » وإذا حدث وإن امتدت » 
فعلا . فان هذا يجئ استثناء للقاعدة : ولايحكم عليه ؛ ومصيره أن يتلاشى لأول تحد 
يبرز له فى الطريق » ولن يؤخذ يوما بالاستثناء , 

فى الانتماء الدينى ثمة حقيقة أخرى يشير إليها ابن خلدون تزيد فاعلية هذا 
الانتماء إنها رفض الانقياد للباطل والإقبال على الله . وتلك هى حجر الزاوية فى قدرة 
الإنسان القرد والجماعة البيشرية على التجرد الكامل فى مواجهة التاريخ بأقصى قدر 
من التوتر والفاعلية والتناغم , ويئقل من الجذب والشد والإعاقة .. ان القرآن الكريم 
يصف المؤمنين مرارا بأنهم (يسارعون فى الخيرات ) (") فيكشف ها هنا البعد الزمنى؛ 
والبعد التاريخى فى حركة الانسان المؤمن فى العالم لتحقيق أكبر قدر من الإنجاز فى 
أقل حيز زمني. 

وابن خلدون يختم مقولته تلك بهذه العبارة ذات الدلالة « .. اتسع نطاق الكلمة لذلك 
فعظمت الدولة « فالكلمة كما هى معروف , لاتتحول إلى فعل تاريخى إلا بالايمان الذى 
)١(‏ سورة الأثقال » الآية 31 . 
)١(‏ المقدمة ا/راا؛ 
(؟) سورة الأنبياء , الآية 40. 


م5 


يحيلها إلى طاقة حركية تعبر عن نفسها من خلال الجماعة المؤمنة وتكون نتيجة هذا 
التعبير : دولة عظيمة . وكذلك كانت دولة الإسلام الأولى فى أعقاب الفتوحات التى 
اختزلت الزمن والمكان ٠‏ وكذلك كانت الدول الكبرى فى التاريخ . 

وإذا كان ابن خلدون قد أكد مرارا على مفهوم العصبية , باعتياره أساسا لقيام 
الدول , فإنه لم يغفل عن أن الدعوة الدينية تزيد الدولة فى أصلها قوة على قوة العصبية 
التى كانت لها من عددها »كما يقول فى احدى فصول الباب الثالث من مقدمته .. لماذا؟ 
وكيف لله لآن السيب فى ذلك « أن الصيغة الدينية تذهب بالتنافس والتحاسد فى أهل 
العصبية وتفرد الوجهة إلى الحق . فاذا حصل لهم الاستبصار فى أمرهم لم يقف لهم 
شئ » لان الوجهة واحدة والمطلوب متساو عندهم وهم مستميتون عليه . وأهل الدولة 
التى هم طالبوها ؛ وإن كانوا أضعافهم فأغراضهم متباينة بالباطلء وتخاذلهم لتقية 
الموت حاصل ٠‏ فلا يقاومونهم وان كانوا اكثر منهم ٠‏ يل يغلبون عليهم ويعاجلهم القناء 
بما فيهم من الترف والذل كما قدمناه . وهذا كما وقع للعرب فى صدر الإسلامى فى 
الفتوحات .. واعتبر ذلك فى دولتى المرابطين والموحدين , فقد كان بالمغرب من القبائل 
كثير ممن يقاومهم فى العدد والعصبية أو يشف عليهم , إلا أن الاجتماع الدينى 
ضاعف قوة عصبيتهم بالاستبصار والاستماتة , كما قلناه ؛ قلم يقف لهم شئ » . 

ويواصل ابن خلدون تدليله قائلا ه واعتبر ذلك إذا حالت صيغة الدين وفسدت » 
كيف ينتقض الأمر » ويصير الغلب على نسبة العصبية وحدها دون زيادة الدين » فيغلب 
الدولة من كان تحت يدها من العصائب المكافئة لها أو الزائدة القوة عليها الذين 
غلبتهم» بمضاعفة الدين لقوتها ولو كانوا أكثر عصبية منها وأشد يداوة 01١‏ 

إن ابن خلدون هنا (يحيد) العصبية فى حالة دخول الدين فى الصراع ؛ فإذا ما 
غلب الدين كان للعصبية » كقوة عددية واجتماعية ؛ أن تلعب دورها . إما مع الدين 
فتكون أشيه بأداة » أى عامل مساعد , وهذا الموقف خطير لأنه رغم تاكيدات ابن خلدون 
المتكررة على العصبية , واقامة أقسام واسعة من نظريته على قواعدها فانه هنا يفوق 
الدين عليها ويجعله صاحب الفاعلية الأولى فى الغلبة السياسية , والقعل التاريخى 
عموما . 

فاذا ما استرجعنا الآن عبارته الدقيقة ذات الدلالة , والتى وردت فى ثنايا مقولته , 
لم ندهش لتاكيد ابن خلدون على دور الدين » فهى الذى أدرك بعمق أيعاد هذا الدور « 
إذا حصل لهم الاستبصار فى أمرهم لم يقف لهم شيئ ؛ لأن الوجهة واحدة والمطلوب 
متساو عنهم وهم مستميتون عليه« . ومن ثم ينهار منطق الإعداد فى الصراع 


.534- 881/6 المقدمة‎ )١( 


رذضف 


التاريخي ء وينهار حتى منطق الارتباط النسبى يالعصيية والقوة البدائية المجردة التى 
تنبثق عنه لكى يحل محلها جميعا (استبصار ) دينى لموقف الانسان فى العالم وعلاقته 
بالله خالق الكون والحياة والانسان . وعند ذلك يتحول الانسان المؤمن إلى طاقة حركية 
متقدة لايقف لها شئ , وهى مع الجماعة المؤمنة التى ينتمى إليها والتى وجهها الايمان 
الدينى والاستبصار صوب الهدف الواحد ء تقلب المقاييس الظاهرية للصراع وتقعل 
المعجزات . 

ويرجوع متبصر إلى واقعة الفتوحات الإسلامية وإلى العديد من التجارب التى 
شهدها التاريخ الإسلامى ؛ يمكن أن نعثر على النموذج التاريخى التطبيقى الذى أكذ 
عليه اين خلدون واستشهد يه . 

وبالمقايل « فان الدعوة الدينية من غير عصبية لاتتم » كما يؤكد الرجل فى فصل 
آخر من الباب الثالث نفسه : ويسعى للتدليل عليه بحشد من الأدلة المنطقية والأحاديث 
الصحيحة والوقائع التاريخية « ان كل أمر تحمل عليه الكفاة لايد له من العصبية . وفى 
الحديث الصحيح ( مابعث الله نبيا إلا فى منعة من قومه ) واذا كان هذا فى الأنبياء 
وهم اولى الناس بخرق العوائد » فما ظنك بغيرهم ؟الا تخرق له العادة فى الغالب يغير 
عصيية ؟ » . انه يشير ها هنا إلى قدرة الأنبياء عليهم السلام على تجاون التحديات 
التأريخية فوق العادة . كما حدث لكثير منهم ؛ لكنهم مع ذلك يعلمون فى التاريخ فى 
صياغة أبعاد جديدة مستمدة من معطيات الزمن والمكان فلايد من الإفادة من أسبابه 
الذاتية للانقلاب عليه . وحديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) هنا ييدى متساوقا مع 
معطيات الحركة الاسلامية كلها ؛ تلك التى جاعت لكى تنقلب على التاريخ من خلال 
التاريخ نفسه . على ضوء يرنامج آلهى فوقى هى بمثابة دليل عمل أى ( استبصار ) » 
إذا اعتمدنا تعابير ابن خلدون , فى هذا الانقلاب . ومن أجل مزيد من القناعة يقودنا 
الرجل إلى عديد من الشواهد التاريخية )١(‏ , 

ولاينسى ابن خلدون أن يطرح تحفظه الذكى وهى يتحدث عن دعوات الأنبياء عليهم 
السلام .. إنهم مؤيدون من الله سيحانه بالكون كله لى شاء , لكنه إنما أجرى الامور 
على مستقر العادة 9) . ان الله سبحانه قادر : حيث لايعجزه شئ فى الأرض ولا فى 
السماء . على حمل رسله بكلمته التى لاراد لهاء إلى آفاق الانتصار النهائى ؛ لكن 
حكمته سيحائه ؛ وعلمه المسيق بمصائر الدعوات » فى الوقت نفسه . شاعت أن يتحرك 
رسله فى قلب العالم » وفى صميم التاريخ .. أن يعانوا من أثقاله وعوائقه » وان 
يتجشموا واتباعهم عناء تحدياته وأوهاقه , وألا يبلفوا التصر النهائى إلا باتخاذ 
)١(‏ تقسه ؟/4 - الاء. 


(5) تقسه . 


4ظ»> 


الأسباب التى تمكنهم من هذا الصراع القاسى الذى لايرحم أحداً ولاينحنى لأحد . 
وذلك هى ما يعتيه ابن خلدون « يمجرى الأمور على مستقر القاعدة © أى ستن التاريخ 
ونواميس الكون . 

ذلك إذن هى التقايل الفعال فى نظرية ابن خلدون : الدين والعصبية .. الرؤية أى 
الاستيصار الإيمانى , والأداة التاريخية » إن العصبية بدون دين لاتحقق شيئًا كبيرا , 
والدين يدون عصيية لايتحرك وقتا طويلا .. لايد من اقتران الجانيين . واذا كانت رؤبة 
ابن خلدون للعصبية محدودة فى نطاق الروابط القبلية يومذاك فانها قد تنسحب فى 
الفترات اللاحقة وفى القرن العشرين , على التنظيمات البشرية التى تعتمد القوة 
والعصبية الحزبية وتحل فيها رابطة الولاء بدلا من رابطة النسب .. والأمر سواء . 

ولايقف ابن خلدون عند هذا الحد , بل ان رؤيته الدينية لاتفارق منهجه فى 
الاستقراء والتحليل وهو يطرح مقولاته ويبرهن عليها فى أبواب مقدمته الستة عن 
مسائل مختلفة تتعلق يصيرورة الواقعة التاريخية » ونشاط الجماعات البشرية وعوامل 
تكوينها ومؤثرات سلوكها التاريخى مما لايتسع المجال لاستعراضه وربما تغلى الاحالة 
عليه )١(‏ , 

بل اننا انلتقى فى تمهيده للمقدمة بهذا المقطع » اعلم ان فن التاريخ فن عزيز 
المذهب» جم الفوائد » شريف الغاية , إذا هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم فى 
أخلاقهم والأنبياء فى سيرهم والملوك فى دولهم وسياستهم حتى تتم فائدة الاقتداء فى 
ذلك لمن يرومه فى أحوال الدين والدنيا » 9) . 

فمنذ اللحظات الأولى يبرز جدوى علم التاريخ كأداة تستهدف خدمة الجماعات 
البشرية وترقية أحوالها دنيا ودينا » بجعلها تدحرك على هذين المستويين معا » وفى 
أكثر إدراكا وأعمق تجرية بما يمنحه التاريخ اياها من قيم وتعاليم . 

ومما يؤكد الرؤية الدينية الأصلية عند ابن خلدون » وكونها مسالة أساسية فى 
منهجه , ذلك الحشد من الاستشهادات المستمدة من كتاب الله حينا ؛ وسنة رسوله 
عليه السلام حينا آخر . وأقوال ومعطيات صحايته الكرام رضى الله عنهم حينا ثالثا : 
والتى طالما اعتمدها لتعزيز وجهات نظره وجعل استدلالاته أكثر حجية واقناعا . 

وللوهلة الأولى يبدى أن طريقة ابن خلدون هذه لاتعدى أن تكون مسالة تقليدية قد لا 
تعنى شيئًا , لكن المتمعن فى هذا التكرار المقصود . وفى النماذج التعييرية التى 
ينتقيها الرجل . يتضح له أن الأمر أبعد من هذا .. وأبعد حتى من دلالته على عمق 


)١(‏ انظ المصدس نفسه -/447 , 59٠‏ , ؟/ر4 ١غ‏ -4١أش‏ 116 - 15١‏ ,151ل 1/رعلة - دمل . مراكم تخف 
(1) نفسه ص 515 


و5 


الاحساس الدينى لدى ابن خلدون . فالرجل , فضلا عن ذلك , يرى فى حركة التاريخ , 
وقائع وسئنا » اتعكاسا لمشيئة الله سبحاته وقدره فى العالم . 

وثمة أخيرا مسالتان أساسيتان فى نظرية ابن خلدون طالما أكد عليهما وعلى 
ارتباطهما الوثيق يصلب النظرية وهما الترف وحتمية السقوط , اذ أننا لانعتقد أنه كان 
بمعزل عن معطيات القرآن والسنه وهى يتحدث عن هاتين المسألتين اللتين كان لهما فى 
المصدرين المذكورين مكان كبير () . 

هذا على المستوى العام للحركة التاريخية » أما على مستوى التاريخ الإسلامى , 
على وجه الخصوص ؛ فان ابن خلدون يمضى بالمنهج نفسه ؛ بالروح العلمية المنضبطة 
برئيتة الإسلامية والستمدة من حقائقها ومفرداتها ؛ لكن يناقش وينحطال عسائل شتئ 
تتميز بأهميتها وحساسيتها وهى ها هنا يؤكد موقفه الدينى من خلال تفسيراته الملتزمة 
لعديد من وقائع تاريخنا الإسلامى ‏ وهى الساحة التى انصبت جل اختباراته عليها 
والتى مارس فيها معظم جوانب استقرائه الذى قاده إلى صياغة قوانينه العديدة التى 
عسيتها واب كلدو فى هذا الأقماة يفنا رين 'نظيلة للكارت الاستلامى + أو بالأهرض 
لجوانب من التاريخ الإسلامى يلقى المزيد من الأضواء على خصائصه وصيرورته وفق 
معايير منهجية تنحت مفرداتها وأدواتها من معطيات هذا التاريخ وليس من أيه بيئه 
أخرى كما توهم بعض المفكرين والباحثين ممن المحذا إلى بعضهم فى بداية هذه 
الصقحات 9) , 


)١(‏ اتظر بالتفصيل : عماد الدين خليل : ابن خلدون إسلاميا ص 8ه - الا, 
(1) انظر بالتقصيل : المرجع السايق ص 7/6 .١١8-‏ 


"41 


انحور الفالث 
المنهج فى العلوم الإسلامية 


١‏ - المنهجية الاستدلالية فى القرآن للرد على خصوم الإيمان 
؟ -منهج البحث فى علم العقيدة فى ضوء التطور العلمى المعاصر . 
" - منهج المسلمين فى ملم الكلام . 
5 - قضية تجديد أصول الفقه . 


ه - المنهج فى علم أصول الفقه . 


المنهجية الاستدلالية فى القرآن 
للرد على خصو الإيمان 


أد. أحمد عروة 


١‏ ولا يأتونك بمثل إلاجناك بالحق وأحسن تفسيرا» ( القرقان ؟”؟) 

أنزل الله اتقرآن مصدقاً لما بين يديه من الكتاب وخاتماً لرسالة الإيمان ومؤكداً 
لعقيدة التوحيد وشريعة الإسلام وبلغ الرسول الأمين أمانة الهدى والتقوى والإحسان : 
فاستجاب لدعوته قوم كان قولهم : ١‏ ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم 
فآمنا4 (آل عمران 157 ) وغفل عنها قوم آخرون : ١‏ أولينك الذين طبع الله علي قلوبهم 
وسمعهم وأبصارهم أولئك هم الغافلون4 ( النحل ؟١٠)‏ ورفضها قوم كذبوا واستكبروا 
ومكروا : 9 وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق» ( غافر.؛) والكل يخاطبهم القرآن : 
فيخاطب المؤمنين ليقوم إيمانهم ويثبت عقيدتهم كما قال فى حقهم ١:‏ فأما الذين آمنوا 
فزادهم إيماناً وهم يستبشرون 4 ( التوية ١١١‏ ) ويخاطب الغافلون يدعوهم إلى صراطه 
المستقيم «سخرج الناس من الظلمات إلي النور بإذن ربهم إلي صراط العزيز الحميد »> 
(إبراهيم ١‏ ) ويخاطب المعاندين من المشركين والملحدين ليدحض أباطيلهم ويكسر 
شوكتهم : ١‏ بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق 4 (الأنبياء 16 ) ولقد كان 
الكفر عند نزول القرآن وقبله متعدد المناهج والمعتقدات » كانت الوثنية وهى الاعتقاد 
بألوهية الظواهر الطبيعية والأجرام السماوية والتماثيل التى ترمز إليها . وكان الشرك 
بالله وهى الاعتقاد بأن لله الخالق شركاء وأولياء وأرباب وربات من دونه كما تشير إليهم 
الآيات: 

- " والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقريونا إلى الله زلفى ' ( الزمر؟) 

- ' ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من 

دون الله إن أرادنى الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادنى يرحمة هل هن 
ممسكات رحمته * ( الزْمر 4؟) 

وكان الإلحاد وهى الكفر المطلق الذى لا يؤمن بوجود الله ولا غيره من الالهة ونجده 
عند الدهريين الذين كانوا ولا يزالوا يقولون : ' ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا 
وما يهلكنا إلا الدهر " وكانت الانحرافات العقيدية التى تخرج عن وحدة الدين وتحديد 
عن وحدانية الله وذلك شأن الديانات السايقة عند أهل الكتاب وغيرهم الذين يؤلهون 
الإنسان ويجسدون الصمد . 


كا 


تزل القرآن * هدى للناس ويينات من الهدى والقرقان ' وجاء ليصحح العقيدة 
الإيمانية من شوائب الشرك والأساطير وليثبت الحقائق الأساسية التى يقوم عليها 
الدين وفى 8+ 

- وجود الله وصفاته الأزلية 


- وحدأنية الله المطلقة وصمديده 


- حقيقة البعث واليوم الآخر 
ومن دون تلك الحقائق الأساسية حقائق أخرى تابعة لها وملازمة لها كالملائكة 
والفنة والذانوالههات ::. 


ولا زالت الحقائق الدينية تتعرض لمحاولات المكذبين ومجادلات المعاندين : 
ما هى أتواع الحجج والتحديات التى حاول بها المشركون والملحدون إحباط الحقائق 


الدينية ؟ِ 

- وما هى المقاييس والمذاهج الاستدلالية التى وضعها القرآن وسلكها لاثيات حقيقة 
وتكذيب المزاعم المعاندة ؟ 

اها هى الادعاءات الإالحادية الجديدة التى تعارض الحقائق الدينية فى العقصر 
الحديث ؟ 


وما هو دور المنهجية القرآنية فى الرد على محاولات الالحاد المعاصر ؟ 
تلك هى المسائل التى سنتعرض لها فى نقاط البحث الآتية والله نسأل أن يوفقنا 
جميعاً وأن يهدينا سواء السبيل . 
أولا : أنوا ع والتحديات التي حاول بها المشركون والملحدون إحباط 
الحقائق الد ينية 

ويجادل الذين كفروا بالياطل ليدحضوا يه الحق .." ( الكهف 1ه) 

من الحجج والاستدلالات والتحديات التى استعملها الكفار لمحاريه لحقائق الدينية 
نذكر أهمها وهى : 
-١‏ حجة التقليد وهى الالتزام بالمحافظة على المعتقدت والعادات الموروثه عن الأجيال 
السابقة بدون تعبير ولا تغيير وذلك ما تشير إليه الآيات التالية ‏ - 
' وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباعنا ..' ( البقرة 
4ه 
بل قالوا إنا وجدنا آباعنا على أمة وإنا على أثارهم مهتدون . كذلك ما أرسلنا فى 
قرية من نذير إلا قال مترقوها إنا وجدنا آباعنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " 
(الزخرف 77-9572 ) 


596 


؟- الاستدلال بالمشاهدة الحسية التى ترفض كل أنواع الغيب التى تخرج عن نطاق 
اليقين الحسى والعقلانى . 
قد يكتفى هذا الاستدلال بالاقرار بأنه ليس هناك حقيقة أخرى غير الحقيقة 
الملموسة كما فى قولهم : ' إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا 
الدهر " 
وقد يتعدى إلى التحدى بالمطالبة بالبرهان المعاكس كما فى قولهم : ' وقال الذين 
لايرجون لقاعنا لولا أنزل علينا الملائكة ونرى ربنا .." ( الفرقان ؟؟) 
' وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ' ( البقرة 50) 

؟- الاستدلال الجدلى وهى المناقشة بالمنطق الكلامى كما جاء فى الآية: 
"اشدوب انا اد -ونسى خلقه - قال من يحيى العظام وهى رميم '(يس) 
ب أعذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون " 

- التحدى الإعجازى وهى المطالبة باظهار المعجزات التى تخرج عن القدرة الانسانية 
1 فى قوله : 
' وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض يتبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل 
وعنب وتفجر الأنهار خلالها تقخيرا أو تسقط السما ء كما زعمت علينا قا أى تأتى 
بالله والملائكة قبيلاً أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى فى السماء وان نؤمن لرقيك 
حتى تنزل علينا كتاياً نقرؤه ' ( الإسراء 11]-95-51-5٠‏ ) , 

م0- التحدى الاستكيارى وهشهقى الإدعاء بالقدرة والسلطة اللتين تتنافسان القدرة الالهية 
كما فى قول صاحب ابرهيم الذى أعطاه الله املك " أنا أحيى وأميت ” وفى قول 
فرعون ' يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى ..' ( الزخرف 
١ه)‏ 

ثانيآ : المقاييس والمناهج الاستدلالية التي وضعها القرآن لإثبات حقيقته وتكذيب 

خصومه 

' بل نقذف بالحق على الياطل فيدمقه فإذا هى زاهق " ( الأنبياء 14) 

المقياس الأول : إن الاستدلال الصحيح يقوم على ثلاثة عناصر عرفانية متكاملة 


51١ 


" ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * 
(الحجر 4) 
- العنصر الأول هى " العلم ' ويعنى ذلك الاطلاع على حقائق الأشياء وكيفياتها 
وطبائعها وقوانينها. 
- العنصر الثاني هو " الالهام الربانى ' الذى ينير فطرة القلب أى الضمير ويهدى 
العقل إلى المقاصد الأولى والأهداف الأخيرة . 
- العنصر الثالث هو " الكتاب المثير " وهو الكلمة الصادقة التى تنزل على الأنبياء عن 
طريق الوحى لتعلم الناس ما لم يكونوا ببالقيه بمجرد الحواس والعقل وذلك هو 
الغيب غيب الزمان والمكان وغيب البداية والمال . 
هذه العناصر العرفانية الثلاثة نمثلها فى الجدول التالى :- 
العلم 
الهدى المعرفة الكلية 
الكتاب 


المقياس الغاني :- إن الاستدلال لا يقوم إلا على اليرهان اليقينى والبرهان قد يكون: 
- حسياً كما تشير له الآية : ( أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت والي السماء كيف 
سك سوا ع 0 ا 
- وعلماً وهى ما يكتسب بالبحث والاختبار والرياضة كما تشير له الآية : ' أى لم ير 
الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ' 
- عقلانياً وهو المطابق للمنطق السليم كما فى قنوله : ١‏ لو كان فيهما آلهة الا الله 
لفسدتا» ( الأنبياء ) 
- إعجازياً كمطالبة المعاندين يتقديم البرهان الذى يثبتون به مزاعمهم كما فى قوله 
«أءله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين 4 ( التمل 4" ) . 
المقياس الغالث : - ان الاستدلال لا يثبت بما دون الحقيقة العلمية كالظن والوهم 
والأمانى والانقعالات العاطفية أو الاستكبارية وذلك ما تشير اليه 
الايات التالية: 


2 (وما لهم من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيعا »> ( النجم 584" ) 


5 


- ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوي الأنفس » ( النجم ؟؟ ) 
- < تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنعم صادقين » ( النور 111) 
- (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إِنْ في صدورهم إلا كبر ما هم 
ببالغيه4 ( غافر 07) 
المقياس الرابع : - إن الاستدلال يرفض الاعتماد على الظواهر الخارقة لسنن الله فى 
الكون وفى هذا يتميز القرآن عن الرسالات السابقة التى لجأ فيها 
الأنيياء إلى المعجزات لإقناع المتشككين فى الدين كما كان ذلك فى 
حق موسي وعيسى وكما تشير له الآيات :- 
- (إذ قال الحواريون يا عيسي ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال 
اتقوا الله إن كنتم مزمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا وتعلم أن قد صدقنا 
ونكون عليها من الشاهدين .. » ( المائد ١١7,175‏ ) 
أما الموقف القرآنى فإنه يخاطب العقل بالعقل لا بالمعجزات وإذا كان رده على 
التحديات إلا عجازية أن قال : 
- ( قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرأ رسولا ( الاسراء 97 ) 
- ( قل ما كنت بدعآ من الرسل وما أدري ها يفعل بي ولا بكم إِنْ اتبع إلا ما يوحي إلى وما 
أنا إلا نذير مبين 4 ( الاحقاف 9 ) 
١ -‏ وقالوا متي هذا الوعد إن كنم صادقين قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين » 
(اللك 37 ) 
"- مناهج القرآن الاستدلالية 
يرد القرآن على أنواع الحجج والتحديات يأتواع مقابلة من الاستدلالات الصارمة 
والتحديات القاصمة نلخصها فى النماذج التالية ‏ - 
() الرده على حجة التقليد : 
هى أن التقليد بحد ذاته ليس بضامن للحقيقة وللصواب كما فى قولة : «أو لو كان 
آباؤهم لا يعقلون شيئآ ولا يهعدون > ( البقرة ١7٠١‏ ) 


55 


(ب) الرد على التحدي الذي يطالب بالغيبيات كرؤية الله والملائكة : 

وهو أن العقل الانسانى ليس من طييعته أن يستكشف ما هو خارج عن الادراك 
الحسى وانما فى وسعه أن يستشهد عن ذلك بالآثار المحسوسة والمعقولة وهى وجود 
الكون ونظامه وحكمته وتسخيره للحياة كما فى قوله : 

«إن في خلق السموات والأرض واخختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما 
ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل 
دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر يبن السماء والأرض لايات لقوم يعقلون > 

(البقرة 1784) 

كل ما فى الكون من جامدات وكائنات حية بما فى ذلك الانسان العاقل يشهد على 
وجود الخالق القدير العليم الحكيم وكلما توسعت وتعمقت معرقة الانسان العلمية لتتلك 
الكائنات كلما يزيدها ذلك ايماناً ويقيناً الامن عميت بصيرتهم من بعد ما لاحت لهم 
الحقيقة الساطعة ١‏ مثلهم كمتل الذى استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم 
وتركهم في ظلمات لا ييصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون 4 ( البقرة كلللاا) 
د(ج» الاستدلال الجدلى : 

وهو إحباط الأطروحة المعرضة بفضح الخلل الذى تحمله فى بنيته الجدالية 
وتصحيحها بحيث أنها تصبح حجة عليها بين يدى الحق المبين كما فى قوله : 

( وضرب ننا مثلاً ونسي خخلقه قال من يحبي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها 
أول مرة وهو بكل خلق عليم » (يس )/5-١4‏ 
(د) الاستدلال العقلانى : 
وهى إثبات العقيدة الصحيحة : 
إما بإحباط العقيدة الكاذبة كما نجده فى المنهجية الاستدلالية التى تبعها ابراهيم 
حين وضع الآلهية المزعومة فى ميزان العقل : 
( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه 
الليل رأي كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأي القمر بازغا قال هذا 
ربي فلما أفل قال لكن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأي الشمس بازغة 
قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم اني برئ مما تشركون » ( الأنعام 
تالالا 
- واما بتحديها البرهان كما فى قوله : 

' قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين " 


"55 


(ه) الرد على العتحدى الإعجازى : 
وهى إيطاله بقضح سفسطته الاستفزازية وانحرافه عن المقاييس العقلية كما فى 
قوله : 
«ويقولون متي هذا الوعد إن كنتم صادقين قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير ميين » 
(الملك 4؟-ه» ) 
(وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه . قل إنما الآيات عند الله وانما أنا نذير مبين أو لم 
يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلي عليهم » ( العنكيوت .ه- ١ه‏ ) 
(و) الرد على الجدل الاستكبارى : 
الذى يدعى لنفسه القدرة الالهية وذلك بكشف سخافة المدعى ومقارنتها بالقدرة 
الإلهية المطلقة كما فى قوله : 
' قال أنا أحيى وأميت قال إن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت يها من المغرب 
فيهت الذى كفر " ( البقرة ) 
' إن الذين تدعون من دونه لا يخلقون ذباباً ولى اجتمعوا عليه وإنْ يسلبهم الذباب 
شيئاً لا يقدرون عليه ' . 
"- إثبات الحقائق الدينية والرد على خصومها : 
( وجود الله - وحدانية الله - البعث واليوم الآخر) تلك هى الحقائق الغيبية التى 
يثبتها القرآن بالأدلة واليرهان. 
() اثبات حقيقة وجود الله : 
القرآنية ذاتها والآيات الكونية , 
آهاالآيات القرآنية فتشمل كل أنواع الإعجاز التى يتميز بها الكتاب المنزل من عند 
الله وليس هنا محل شرحها ولكننا نقتصر على التذكير بآيات التحدى فى قوله : 
(قل لواجعمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمقل هذا القرآن لا يأتون بمغله ولو كان 
بعضهم لبعض ظهيرا » ( الاسراء 84) 
(أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من غير عند الله لوجدوا فيه اختلافآ كثيرا» (النساء5م) 
وأما الآيات الكونية التى يستشهد بها القرآن لإ ثيات حقيقة الخالق فإنه المجال لا 
يتسع لحصرها وشرحها , وانما نذكر يعض التماذج التى تدخل فى منهجية القرآن 
الاستدلالية : 


م5 ؟ 


<أفلا ينظرون 0 ع خلقت 0 1 رفعت ران ماين نصبت 
وإلي الأرض كيف سطحت 4 ( الفاشية 184-11 19) 
(وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من 
نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون» 
(يس 777 18- 0”) 

- الاستدلال العقلاني : وهى التدير فى آيات الكون بالبحث والتأمل لاستكشاف الأدلة 
العلمية على وجود الله وقدرته وعمله كما تدعو إليه آيات كثيرة أعطاها العلم الحديث 
أبعاداً استدلالية لم تخطر ببال المسلمين الأولين . 
ذما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر 
كرتين ينقلب اليك البصر خخاسئا وهو حسير 4 ( الملك ".4 ) أو لم ير الذين كفروا أن 
السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حيا أفلا يؤمنون وجعلنا 
في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء 
سقفا محفرظأ وهم عن آياتنا معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل 
في فلك يسبحون» ( الأنبياء .1-95 9-55-17؟) 

- الاستدلال بالتحدى الجدلى : وهى الرد على المخاصمين المكذبين بنفس المنطقية التى 
يحتجون بها ليبين ضعفهم كما فى قوله : 
ألم تر إلي الذي حاج إبراهيم في ربه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى يحيبي 
ويميت قال أنا أحيبي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من 
المغرب ..» ( البقرة )١64‏ 
وتبين هذه الآية نسبية القدرة الإنسانية بالمقارنة مع القدرة الهيئة المطلقة . 

(ب) إثبات وحدانية الله : 

- الاستدلال العقلانى : 
- 3 لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا ..» ( الأنبياء ؟١؟)‏ 
- «أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار» ( يوهسف 4؟) 
- ١مها‏ تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان » 


511 


ب الاستدلال العلمى : 
وهو التدير فى قوانين الكون وطبائع الكائنات الذى ينفى ألوهية الظواهر الطبيعية 
وذلك ما رأيناه فى قصة إبراهيم : ' وكذلك ترى إبراهيم إلخ 8 
- الاستدلال بالتحدي الإعجازي : 
الإعجاز البرهانى : ١‏ أله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين > ( النمل185) 
الإعجان الخلقى : ( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الرض أم 
1 لهم شرك ف في السموات أنموني بكتعاب من قبل هذا أو أنا رة من 
ين > (الاحقاف ( 
«قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله بيدأ اخلق 
ثم يعيده فأني تؤفكون » ( يونس 4؟) 
الإعجاز الاستفزازى : وهو تحدى المشركين بفضح مهزلة الأرباب التى يعبدونها : 
( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلها جذاذا إلا 
كبيرأ لهم لعلهم إليه يرجعون 4 (الأنبياء 54) » وقال تعالى 
(قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم » 
(الأنبياء 15) 
(ث) إثبات حقيقة البعث واليوم الآخر : 
باليقين ورغم ذلك فإن الحضارات القديمة حتى الوثنية منها كما تشهد عن ذلك آثار 
ومقادر الأمم البالية كانت تعتقد تعتقد أن الإنسان يبعث فى عالم الموت . وجاءت الرسالات 
النبوية لتثبت حقيقة اليوم الآخر وحقيقة الحياة بعد ا موت. 
وكان رد الكافرين اما تكذيباً قطعياً وأما شكاً مريباً وحاولوا أن يظهروا استحالة 
البحث عن طريق الاستدلال الحسى والعقلانى وكان الرد القرآنى إبطالاً لحججهم 
وتثبيتاً لحقيقه . 
- الاستدلال القرآنى عن طريق المجادلة العقلانية نراه فى الأمظة التالية : 
«وضرب لنا مغلا ونسي خلقه قال من يحبي العظام وهي رميم ؟ قل يحييها الذي 
أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم » ( يس /الا -7/8) 
«ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا ؟ أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل 
ولم يك شينا » ( مريم 55 -110) 
(أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر علي أن يخلق متلهم بلي وهوالمحلاق 
العليم» ( يس )4١‏ . 


551/ 


- الاستدلال القرآنى عن طريق المشاهدة الحسية اخلق الإنسان التى تبين أن 
ظاهرة اليعث ليست بخارقة لقانون الحياة كما تبينه الظاهرة الحياتية ذاتها وذلك ما 

نجده فى الآيات التالية : 
يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من 

ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم وسكم من يدوفي ومنكم من يرد إلي أرذل العمر » 

(الحج ه) ويستخلص القرآن من هذه المشاهدة العلمية نتائجها المنطقية : 
< ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحبي الموتي وأنه علي كل شئ قدير وأن الساعة آنية لا ويا 

فيها وأن الله ييعث من في القبور) ( الحج 1) 
تتمثل تلك النتائج فى اثبات الحقائق التالية : 

-١‏ حقيقة الله فى قوله ' إن الله هى الحق " وذلك أن ظاهرة خلق الإنسان من عناصر 
التراب ثم من النطفة ثم من الأطوار التكوينية الدقيقة التى يمر عليها إلى أن يولد 
بشراً سوياً ويترعرع فى الحياة لأعظم دليل على وجود الصانع وحكمته . 

"- اثبات حقيقة اليوم الآخر فى قوله : " وان الساعة آتية لا ريب فيها ' وذلك أن الله 
الذى يرهن على قدرته وحكمته صادق فى وعده . 
ثم يذكر القرآن بأن الاستدلال الحسى الذى يثيت بالعلم والمشاهدة قدلا يكفى فى 

حد ذاته بإقناع المعاندين الذين يصرون على الكفر لأنه تنقصهم شروط المعرفة اليقيتية 

التى ترتكز على العلم والهداية والكتاب فيقول : 
( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير » ( الحج 8) 
- الاستدلال القرآنى عن طريق الظواهر الطبيعية المختلفة : 
يبين القرآن أن حقيقة الحياة والموت والبعث لا تنفصل عن الظواهر الطبيعية 

الأخرى التى تشهد عن قدرة الله الخلاقة كما فى قوله : 
( قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من 

الشجرالأخضر نارا فإذا أتعم منه توقدون » ( يس )4٠‏ 
( وكانوا يقولون أءذا متنا وكنا ترابآ وعظاما أثنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون» (الواقعة 54 ) 

( نحن خلقنكم فلولا تصدقون أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا 

بينكم الموت وما نحن بمسبوقين علي أن نبدل أمغالكم ونشيكم فى ما لا تعلمون ولقد 
علمتم النشأة الأولي فلولا تذكرون6(الواقعة ”1) 7 أفرأيتم ما تحرثون أنتم تزرعونه أم نحن 
الزارعون لو نشاء مجعلناه حطاما فظلتم تفكهون .انا لمغرمون بل نحن محرومون , أفرأيتم الماء 


554 


الذي تشربون أأنعم أنزلعموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون 
أفرأيتم النار التي توروت أأنعم أنشأتم شجرتها أم ذ نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعآ 
للمقوين» ( الواقعة 7؟/) 


(ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتي تأتيهم الساعة بغتة أويأتيهم عذاب يوم عقيم» 
(الحج 0ه) 
لا يجابه الدين فى الحضارة العالمية المعاصرة نفس أنواع الكفر التى كانت تسود 
عند نزول القرآن وذلك بإستثناء بعض الأقليات البشرية البدائية فليس الآن من يدفع 
عن ريوبية الشمس والقمر والمريخ وزحل أو ما يرمز إليها من تماثيل وأصنام , 
ولكن الكفر بمفهومه الإلحادى لا يزال طاغياً فى ربوع كثيرة من العالم ولا سيما 
بعد ما اكتسى طابع العقلانية والعلمانية فى الحضارة المادية الحديثة . وقد تطور الفكر 
الإلحادى فى منهجيته الجدلية بما أنه يركز على الاكتشافات العلمية الحديثة فى ميادين 
الفيزياء والطبيعة والبيولوجية وعلوم الإنسان . 
غير أننا إذا أمعنا فى أفكار الملحدين ومناهجهم الاستدلالية نراهم يتبعون نفس 
السخافة التكذيبية والاستكبارية التى وجدناها عند كفار قريش أو عند الماديين اليونانين 
القدامى .أما عقيدتهم فتجمعها بإيجاز وبيان هذه الآية : 
' وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا تموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من 
علم إِنْ هم إلا يظنون " ( الجاثية 8؟) 
وأما الحجج التى انلو بها باسم المنطق العقلانى وياسم جدلية الطبيعة وياسم 
الحقيقة العلمية فإن العقل السليم والعلم الصحيح يكفيان لزعزعة دعائمها فضلاً على 
ما جاء به القرآن من براهين واستدلالات لا يأتيها الباطل من بين يديه ولا من خلفها . 
يقول الماديون الملحدون أن الطبيعة تسيرها قوانيتها الذاتية بخاصية أزلية فيها 
وليست بذلك فى حاجة إلى قدرة خلاقة أى إرادة مدبرة خارجة عنها . لذلك فإن نظام 
الكون وحركته وتطوراته وظهور الحياة فيه وتنوع المخلوقات ويروز الإانسان حتى ذلك 
الذى يجادل فى الله أو يؤمن به ليس كل ذلك إلا ظواهر طبيعية لحقيقة الكون المادية . 
وفي الحقيقة أن الماديين لم يأتوا بأى برهان عقلى أو علمى قاطع يستدلون به على 
ما يدعونه من إلحاد وكفران وما كان منهجهم سوى منهج الظن والهوى كما تصقه 
الآية : 
( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله علي علم وخحتم علي سمعه وقلبه وجعل علي 
بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون 4 ( الجاثية ية ؟؟) 


9 


والسبب فى هذه الغواية الكاذية واضح وهو أن العقل والعلم لا ينفذان إلى الحقيقة 
الغيبية التى تحتل مكانتها فوق العقل وفوق العلم . فالعلوم الكونية والطبيعية مهما 
تطورت وسائلها وإتسعت مجالاتها وتعمقت إكتشافتها وتنوعت إنجازاتها فإنها لا 
تخرج عن الكيفيات ولا تصل إلى معرفة الأسباب والمنهيات التى تبقى من صلاحية 
الوحى وحده . 

يبقى أن العقل فى إستنباطاته وإستقرءاته يسعى دائماً وراء الحقيقة يتابعها 
ويراودها بدافع طبيعته الاستقصائية للأسرار والأسباب والفايات. 

وفى هذ المخرج الاستقرائى الحرج يقف العقل حائراً بين إختيارين متناقضين 
أحدهما يرجع به الى الخلفية المادية الشهوانية وذلك هى الهوى والآخر يصعد به الى 
عالم الروح وذلك هى الايمان . 


رابعآ : الرد القرانى على حجج الملحدين 

" سنريهم آياتنا قى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " ( فصلت ”؟ه) 

-١‏ يقول خصوم الإيمان أن الدين يناقض العلم ويحاربه ولا يدعى إليه ويعلم كل من 
قرأ القرآن أن تلك التهمة مرفوعة فى حق القرآن لأنه يدعو بإلحاح وإجلال الى كل 
أنواع المعرفة واليحث العلمى سواء كانت فى ميادين الكون أى الطبيعة أى الحياة أو 
الانسان وذلك إضافة الى النفقه فى علوم الدين التى تهدى إلى الحقائق الأولى وترشد 
إلى الطريقة المثلى . 

والآيات القرآنية التى تدعى إلى علوم الطبيعة تكاد لا تحصر لأنها تمثل البرهان 
الساطع على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته 3 

«إن فى لق السموات والأرض واخختلاف الليل والنهار لآيات لأوا لي الألباب الذين 
يذكرون الله قيامآ وقعودآ وعلي جدوبهم ويتفكرون في خخلق السموات والأرض ربدا ما خلقت 
هذا باطل سبحانك فقنا عذاب الثار » ( آل عمران 191 -195) 

5- يحاول بعض الماديين تكذيب حقيقة الدين بحجة أن الكون بما فيه من طاقات 
وكائنات جامدة أى حية يخضع لقوانين طبيعية مضبوطة ثايتة تفسر أسياب وكيفيات 
الحركات والتحولات والتطورات من دون ما يحتاج العقل إلى افتراض وجود خالق أو 
مسير خارج عنها هذا ما قاله الفلكى الفرنسى لابلاص (1306م 13) حين زعم أن بحوثه 
فى حركة الأفلاك السماوية لم تكن فى حاجة الى إفترض وحجود الله وهذا ماقاله أنجلز 
(18508165) وماركس (743:2) وهذا ما احتج يه علماء اليبيولوجيا متود (340500) 
وجاكوب (12600) حين قالوا ان القوانين الطبيعية التى تسير عليها الكائنات الحية فى 


نشوئها وتطورها وتوالدها تتناقض مع المفهوم الدينى للوجود . وأما إذا سئلوا كيف 
وجد هذا القلك وهذا الحيوان وهذا الإنسان يقولون أنه شأن الطبيعة وحتمية قوائيتها 
الذاتية وصدفة اللقاءات والتفاعلات بين الجزئيات وطبائعها وكأنما جدليتهم السخيفة 
تكمن فى سفسطة جدلية قاعدتها أن المصنوع كلما ازداد نظاماً ودقة واتقاناً فإنه يفقد 
الحاجة إلى صانع يقدره ويديره ويحققه . 

ويرد عليهم القرآن بأن حجة الإلحاد الكاذية هى حجة الايمان الصادقة : فالقانون 
الذى تسير عليه المخلوقات ما هى إلا سنة الله الثابتة فى السموات والأرض واليشر 
(ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً » ( فاطر 47) 

وأما قانون الحركة فى الكون ودقة نظامها فإنما تشهد على حكمة الصانع وقدرته 
المطلقة : فما تري في خلق الرحمن من تفاوت فإرجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع 
البصر كرتين ينقلب إليك البصرخاسماً وهو حسير» ( الملك 4) 

ذلا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون » 

(سورة يس) 

وأما المراحل الخلقية التى تمر عليها الكائنات الكبيرة والصغيرة فليست مخالفة 
لقدرة الله بل انه تشهد عن علمه وحكمته : 

أو لم يرالذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا فقتقناهما وجعلنا من الماء كل 
شى حى أفلاً يؤمنون 4 ( الأنبياء ٠؟)‏ 

(وقد خلقكم أطوارا » ( النجم ) 

( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ( الزمر”) 

وكأنما السجل المكتوب بحروق من الحوامض النووية فى صبغيات الخلايا النباتية 
والحيوانية قد يعارض قدرة الله أى ينقصها ! أليس هى آية من الآيات التى وعد بها الله 
لتكشف على الناس وتبين لهم صدق الرسالة الدينية ' سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى 
أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " 

'- هنالك بعض النظريات " العلمية ' التى استغلت لدعم المواقف الالحادية 
كنظريات تكوين العالم وتطوراته وتحول الطاقة الحرارية (#نسةه:إ00صمءط1) وتنوع 
الكائنات الحية . والجدل كله مبنى على القاعدة الكاذبة التى تقول ان القوانين الثابتة 
التى يسير عليها الكون والكائنات مخالفة أى مناقضة لإرادة الله المطلقة وكإنما لا يجوز 
فى حق الله أن يتصرف فى الكون إلا عن طريق الفوضى والخوارق والمعجزات ال مخالفة 
للقوانين التى وضعها فيه . 


امكل 


ويرد عليهم القرآن يمجرد أنه يدعى إلى البحث فى تلك القوانين والتفكر والتدبير 
والاعتبار فى الكون والكائنات : 

(أفلا ينظرون الى السماء فوقهم كيف بنيناها ...» 

(أولم يرالذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما .» < قل سيروا في 
الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق .» 

«ما تري في نخلق الرحمن من تفاوت » 

إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما 
ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيابه الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة 
وتصريف الرياح والسحاب والمسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون» (البقرة 
00 

وأما النظريات وما دامت نظريات فإنه مشوية بالتخمين والافتراض ولذلك فإنها لا 
تعتمد فى ميزان الجدل والاستدلال طبقاً لتلك القاعدة العلمية البسيطة التى يقرها 
القرآن: " إن الظن لا يغنى من الحق شيا " 

ما هو دور العلم فى هذين الاختيارين ؟ 

أما الاختيار المادي فإنه يستخدم العلم لمناصرة الكفر والإلحاد يحيث أن العلم يتغذى 
بالإلحاد وأن الإلحاد يتغذى بالعلم كما هوالحال عند كثير من العلماء البارزين فى 
الحضارت المادية القديمة والحديثة . 

وأما الاختيار الإيماني فإن العلم يزدهر فيه برحبة الإيمان بحيث إن العلم يتغذى 
بالإيمان وأن الإيمان يتغذى بالعلم وذلك شأن عدد كبير من العلماء البارزين فى 
الحضارات القديمة والحديثة ولا سيما الإسلامية منه » وهم الذين يقول فيهم القرآن : * 
إنما يخشى الله من عباده العلماء " . 

وقد يثورالجدال حاداً بين علماء يصرون على الإلحاد وعلماء يتمسكون بالإيمان , 
والحقيقة إن النزاع فى حد ذاته لا يكون بين الحقائق العلمية الثابتة وإنما يكون بين 
اختيارين عقائديين يستعملان سلاح العلم لتدعيم الحجج والاستدلالات » كم أن النزاع 
يمتد إلى وظيفة العلم وأخلاقياته بحيث أن العلم عند الكافر يضمن السعادة الدنيوية 
وعند المؤمن يضمن السعادتين الدنيا والآخرة + فاعرض عمن تولىي ولم يرد ألا الحيأة 
الدنيا ذلك مبلغهم من العلم ...> ( النجم ٠؟)‏ 

سنتعرض فى القصل التالى لأنواع الحجج التى يعتمد عليها الملحدون لتكذيب 
الحقيقة الدينية وكيف يرد عليها القرآن يحججه الدامغة . 


0 


وإذا ما أثبت العلم بعض الحقائق التى تحملها تلك النظريات فإن تلك الحقائق ليس 
من شأنها أبدأً أن تناقض الحقيقة الإيمانية أو تكذيها لأن الايمان من شأن أن يتقوى 
بالاكتشاقات العلمية مهما كانت مجالاتها ونتائجها " قل رب زدتى علما * . 

فهل كان اكتشاف دوران الأرض على محورها وحول الشمس مكذياً للنص القرآنى؟ 
بل أنه كان مؤكداً ومفسراً لقوله : 

" يكور الليل على النهر ويكور النهار على الليل ” 

ولقوله : 

«لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون» 
(سورة يس) 

4- من المخاصمين للدين من يقولون أن النصوص الكتابية ولا سيما ما جاء قى 
التوراة حول خلق الكون فى ستة أيام وخلق آدم من الطين وخلق حواء من ضلع آدم هو 
أقرب إلى الخرافة والأسطورة منه إلى الحقيقة العلمية . ويمتد الانتقاد إلى علماء 
الكنائس الذين اعتمدوا على النظريات الفلكية القديمة التى سرعان ما كذبتها 
الاكتشافات العلمية اللاحقة 

والحقيقة أن الرد على تأويلات المفسرين لا يمس أصول العقيدة الدينية وإنما هى 
النظريات يكذب لاحقها سابقها كلما تطورت وسائل المعرفة وتراكمت المعطيات العلمية. 

إن القرآن لم ينطق بما هى مخالف للحقيقة العلمية والقوانين الطبيعية بل انه أقر 
نسبية الزمان الأرضى والفلكى ووصف مراحل الخلق والتطور الناشئ أربعة عشر قرناً 
قبل أن تعرف تفاصيلها وعناصرها كخلق الإنسان من عناصر الأرض ومن الماء ومن 
الحم المسنون وأطوار نموه داخل الرحم خلقاً بعد خلق وحركات الفلك التى ينتج عتها 
تعاقب الليل والنهار والوحدة الخلقية للأنواع الحيوانية ( وما من دابة في الأرض ولا طائر 
يطير بجناحيه إلا أثم أمغالكم 4 (الأنعام 8؟) وامتاز الإنسان بملكه العقل ورسالة 
الاستخلاف وأمانة الإسلام . 

ه- من المعاندين من يتحدون رسالة الدين بالاستكبار والادعاء بأنهم يملكون 
السلطة والقوة الخلاقة وليس ذلك بجديد فلقد رأيناه عند صاحب إبراهيم وعند فرعون 
وغيرهم من جبابرة الجاهلية الأولى أما الجديد فهى الإلحاد الذى يقوم على ما توصل 
إليه العلم الحديث من وسائل عرفانية وتطبيقة يجعله يتغلب على جاذبية الأرض أو يطيل 
حياة الإنسان بالإجراءات الطبية أو يتصرف فى نقل الأعضاء ولريما فى نظام الخلايا 
والنطف التتاسلية . 


اركن 


الرد عليهم هى أن الله خول الإنسان ملكة العقل وأمده بالقدرة العرفانية والإبداعية 
بقدر نسبى ومحدود وأن الله سخر له ما فى الأرض جميعاً من طاقات وثروات وكائنات 
وأن هذا التسخير لا يعنى أن الإنسان فى وسعه أن يغير نظام العالم وقوانينه وإنما أنه 
يستخددم تلك الطاقات وتلك الثروات فى حياته الأرضية وتقدمة الحضارى ويحوثه 
العلمية والتطبيقية وما عليه إلا أن يكون ذلك فى حدود المقاييس الأخلاقية والمقاصد 
الشرعية «يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا 
لا تنفذون إلا بسلطان» ( سورة الرحمن ) . 

وأما الطموح الاستكبارى التافه لكسب القدرة الخلاقة للكائن الحى فما هى الا تحد 
خيالى للقدرة الإلهية التى وحدها تخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى بما 
تعنيه الحياة من ذاتية بديعية تتحقق فى النظام والتزاوج والنمى والتكيف والمناعة ... 

إن من حق الإنسان أن يصنع ما صنعه بإذن الله من مراكب وألات بديعة وأن 
يصنع أكبر وأعجب من ذلك وأن يعلم من أسرار الكون والمخلوقات ما عرف وما يمكن 
له أن يستكشقه فى المستقبل ولكن ليس فى قدرته أبداً أن يغير سنة الله فى الخلق 
والمخلوقات أو أن يعجز الله فى ريوييته وأزليته : (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له 
إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجعمعوا له وان يسلبهم الذباب شيماآ لا 
يستنفذوه منه ضعف الطالب والمطلوب..> ( الحج 7/7) 

من معجزات القرآن الكبرى أن تبقى تعاليمه ثابتة وحججه صارمة وأحكامه صالحة 
لكل زمان ومكان وذلك بخلاف كل ماأنتجه البشر من أفكار وأساطير وفلسفات 
ونظريات ومناهج وعلوم فكلها يأتى عليها الزمان فتهزم وتبلى . 

لقد تراوحت المعتقدات البشرية ما بين الوثنية والعقلانية والشرك والتوحيد ولا زالت 
شوائب الكفر تخالطها وإغراءات الشيطان تراودها لتقف بها دون حقيقة العلم ودون 
هداية الدين . 

ولا زال أعداء الدين يناوشون صرح الإيمان بقنابل الحرب وسهام الجدال يريدون 
أن يطفئوا نور الله ويبقى نور الله ساطعاً صارماً يتحدى ويتصدى ؛ فيحطم الأوثان 
الجديدة » كما كسر الأصنام القديمة ويدحض المزاعم الإلحادية ااحديثة . كما دمغ 
أساطير الوثنيات الجاهلية يثيت الحق وينصره بالآيات الباهرة والاستدلالات الصارمة. 


«ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور » ( الشورى 34) . 


00 


منهج البحث فى علم العقيدة فى 
ضوء التطور العلمى الحاضر 


د. محمد عبد الستار نصار 


يكشف العلم التجريبى كل يوم عن كثيرمن النظريات والقوانين ويخطو خطوات 
هائلة نحوالتقدم . ويقرر كثير من الباحثين فى هذا العلم أن المنجزات التى حققها فى 
العقود الثلاثة الأخيرة من هذا القرن يمكن أن تتجاوز فى كمها وكيفها كل منجزات 
العلم فى سابق الزمان . 

ومما لا شك فيه أن اطراد العلم وتطوره ؛ يؤثر على الدين إيجاباً وسلباً فى تفس 
الوقت ؛ فأما من الناحية الإيجابية . فلأن الحقيقة العلمية فى حد ذاتها يمكن أن تخدم 
الدين وتدعم أصوله وقضاياه . متى صدرت من عالم محايد أو على الأقل , لم ينظر 
إليها الباحثون بعين عوراء ؛ ترى نصف الحقيقة وتفمض العين عن نصفها الآخر ' 
أعنى : أن يقصر النظر على الحقيقة العلمية دون ما وراعها من حقائق لازمة لها . هى 
المدخل الحقيقى لتدعيم الدين وتقويته . وأما من الناحية السلبية » فلأن يعض قصصار 
النظر ؛ يتصورون أن - العلم باطراده وتطوره » قد حل كل أسرار الكون » ولم يصبح 
للدين مكان بعد ذلك ويخيل إليهم أن كثيراً من القضايا التى كانت تعزى إلى الدين من 
حيث تعليه وتفسيرها ؛ أصبح العلم كفيلا بها , يعللها ويفسرها ٠‏ من ثم يمكن أن 
يقال, كما عبر عن ذلك أحد زعماء الاتجاه الالحادى الحديث وأعنى يه ' جوليان 
هكسلى " : لقد أصبح العلم انفجارا معرفيا فى وجه الدين. 

ترى !!! فى هذا الجى المصطنع بالعلم والتقدم العلمى والملتحف بالمنهجية : 
والرافض لكل تفسير غير علمى لأية حقيقة , والذى رتب على ذلك رفضة لكثير من 
حقائق الدين وقضاياه . ويخاصة , دائرة عالم الغيب وهى المجال الواسع والحقيقى 
لأصول الدين وأسسه. هل يمكن للباحثين فى علم العقيدة أن يقفوا عند صور 
الاستدلال القديمة » التى اتخذها الأسلاف منهجاً فى تثبيت العقائد أو الرد على 
المخالقين لها ؟ 

أتصور أن الأمر لا يمكن أن يقف بهم عند الصور القديمة » وهى مسألة تحتمها 
الضرورة الشرعية , ألا ترى أن قوله " ادع الى سبيل ريك بالحكمة والموعظة الحسنة 
وجادلهم يالتى هى أحسن )١(...‏ يؤيد ما نذهب إليه ؟ فالحكمة تعنى : وضع الشئ فى 





.178 سورة النحل : آية‎ )١( 


قتصايه 78 وهذا بالصرورة يقتضى معرفة الملايسات والأحوال والظروف المحيطة يمن 
يأخذ على عاتقة مهمة الدعوة إلى الله ولما كانت إنجازات العلم التجريبى على هذه 
الشاكلة التى صورناها قبلا فإن على علماء العقيدة أن يطوروا منهجهم على الصورة 
التى يفهمها منطق العصر . ولى أنهم ظلوا متشبثين بطرقهم القديمة حين التصدى 
لأصحاب الاتجاهات الملحدة. فلن يفيد ذلك شيئًا فلغة اليوم فى الحوار بين الاديان أو- 
سيكلف الباحثين فى هيدان العقيدة الشئ الكثير » حيث يلزمها المنهج الجديد . أن 
وحتى تيرن قكرتنا ٠‏ فإننا سندرس القضايا الاتية : 
-١‏ صور الاستدلال القديمة التى انتهجها المفكرون الإاسلاميون حين تصدوا 
لأمور العقيدة. 
؟- تقويم هذا المنهج فى إطاره التاريخى . 
"- المنهج المقترح والدواعى إلى ظهوره . 
5- تطييقات هذا المنهج فى الحياة الفكرية المعاصرة . 
ه- تقويم هذه التجرية المنهجية فى ضوء حقائق الإسلام . 
صور الاستدلال عند المتقدمين : 
تجدر الإشارة - قبل دراسة هذا الموضوع - أن نبين باختصار طبيعة المنهاج الذى 
جاء فى القرآن الكريم فى مجال تثبيت العقيدة لدى المؤمنين أو الدفاع عنها ضد 
متجاوزين له. 
إن القرآن بطبيعته ليس كتاباً عادياً يعالج القضايا التى يتعرض لها كما تعالج 
قضايا العلم » ولكنه من قبل ومن بعد كتاب هداية » وفى مواجهته للخصوم » وفى 
تقريره لقضايا أصول الدين استعمل منهجا قريدا , لا يعتمد على الجانب العقلى 
المجرد قحسب ولا يركن إلى جاتب التجارب المشاهدة فقطء ولا يخاطب فى الانسان 
ملكة بعيتها , ولكنه كان منهاجا شاملا . نستطيع أن نقول عنه ياختصار إنه منهاج 
من يتعامل معه ء. فهما وإدراكا . ولعل السر وراء ذلك أن يقيم الله يه الحجة على 
المعاندين ؛ ويكون سندا ورداعاً للمتيعين . 


امن 


تراه مثلا فى مقام الاستدلال على وجود الله » لا يسوق الدليل فى شكل مقدمات 

منطقية جافة , بل ينتزع من العالم الواقعى المشاهد فى الآفاق والأنفس مقدمة أدلته . 

ويدفع الإنسان إلى التأمل والنظر فيمن حوله وما حوله من مجالى القدرة . مثل قوله 

تعالى : 
<الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوي علي العرش وسخر الشمس والقمر 

كل تجري لأجل مسمي » يدبر الأمر يفصل الأيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون » وهو الذي مد 

الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الشمرات جعل فيها زوجين اثبين يغشي الليل النهار 
إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون . وفي الأرض قطع معجاورات وجدات من أعناب وزرع 
ونخيل صنوان وغير صنوان يسقي بماء واحد ونفضل بعضها علي بعض في الأكل إن في 

ذلك لآيات لقوم يعقلون » )١(‏ , 

والآيات تشير إلى : 

-١‏ واقع محس ٠‏ ذى ظواهر متعددة ‏ ليس هناك سميل إلى إنكاره أى اعتياره وهما 
إثارة مثل هذه الأسئلة لا يملك العقل الصريح سوى الإذعان لضرورة البداهة, 
وهى أنه من المستحيل أن يخلق هذا الكون من العدم لأن العدم لا يخلق وجودا : 
كما انه من المستحيل أن يكون قد وجد على سييل المصادفة , لأن فرصها نادرة 
جدا ؛ ولانه من جانب آخر ليس لها قصد أو غاية . لم يبق أمام العقل إلا الاذعان 
وهى الله رب العالمين . 
وفى آيات اخرى تؤكد هذا المعنى بطريق الخلف يقول الله تعالى مخاطبا ذوى 

العقول: ( أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والارض بل لا يوقدون » 

أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون. أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم 

رفض هذا الفرض لأن الوجوذ من عدم من غير عله مرفوض عقلا ؛ وتفترض خلق 
الاستقلال فكيف يخلق نفسه وإذا كان الأمر كذلك فقد تحقق عجزه عن خلق السموات 

4 سورة الرعد : الآيات 7.؟,‎ )١( 

(؟) سورة الطور : الآيات 78-568 


يان 


والأرض »٠‏ وإذا توهم الإنسان أن بيده خزائن القدرة الإلهية فليأت بما يدل على ذلك » 
وليس فى طاقتة أن يحصل على دليل يقدره على ما يتوهم ؛ فلم يبق إلا الإذعان لمنطق 
القدرة الإلهية الدالة على وجود خلقء وهو الله رب العا مين , 

والآيات - كما ترى - تحلل كل الافتراضات المحتملة في القضية وترقضها جميعا , 
ليتاكد لكل ذى لب أن وجود العالم على هذا النسق دليل واضح على وجود خالقه وهو 
دليل يشتق مادته من الواقع المحس . الذى يغذى ملكات الانسان كلها الظاهرة منها 
والباطنة . 

هذه إشارة موجزة ومركزة إلى ادلة اثبات وجود الله » وفى تقديرى أن طريقة 
القرآن الكريم فى لفت ملكات الإنسان إلى آثار الله فى كونه وفى نفوس البشر , ٠‏ لتنسج 
منها مادة الاستدلال لا يهدف من وراء ذلك إلى إحداث شئ ليس مركوزا قى أصل 
الفطرة . ذلك لأن الذى أومن به ويؤمن به كل ذى عقل أن الانسان مفطور على الايمان 
بالله » بل إن الكون كله كذلك وفى آيه الميثاق دليل واضح على ما أقول ٠‏ اذ يقول الله 
فيها : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم 
قالوا بلي شهدنا 4 (') وفى قوله : < ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها و 
ظلالهم بالغدو والآصال .4 (') وقوله : ( تسبح له السموات السيع والأرض ومن فيهن وإن 
من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورآ 4 (") دليل على 
إيمان الكون بالله رب العالمين .ولا ينكر هذا إلا أصحاب النفوس المريضة ٠‏ الذين لا 
يتجاوزون النظرة المادية الضيقة إلى الكون والحياة إلى ما وراعها من عوالم الايمان 
والفكر الصحيح . 

وفى مقام الوحدانية يسوق القرآن الكريم هذه الآيات : «لوكان فيهما إلهة إلا الله 
لفدتا» (؛) وقوله 9 مااتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذ1 لذهب كل إله بما خلق 
ولعلا بعضهم علي بعض» (*) .وقوله : أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء 
ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم 
يعدلون .أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين 
حاجزا أإله مع الله يل أكقرهم لا يعلمون . أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء 
ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون . أمن يهديكم في ظلمات البر 
والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالي الله عما يشركون . أمن 
(؟) سورة الرعد : آية ١١‏ . 
(؟) سورة الإسراء : آية 414 . 
(4) سورة الأنبياء : آية 117. 


(5) سورة المؤمنون : آية 8١‏ 


يدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهنكم إن كنتم 
صادقين؟» )١(‏ , 

ومحتوى هذه الآيات دليل واضع على وحدانية الخالق سبحانه وتعالى فالآية الأولى 
تقرر الوحدانية بناء على واقع محس . والنظام الكونى الدقيق ٠‏ وترتب الفساد على 
التعدد . ولما كان الواقع يشهد بأنه لا فساد » إذن قلا تعدد . والآية الثانية تبين نتيجة 
التعدد المفترض . وهو التعالى والتنارع بين المتعددين , وهو تحديد نفوذ كل إله عند 
الاتفاق وهذا يعنى تقييد قدرته وعجزه عن أن يكون له أثر لدى المتنازع معه أى عدم 
وجود الأثر عند الاختلاف . وما كان الأثر باديا لكل ذى بصر . قى إطار من الانسجام 
والتنسيق ٠‏ فدل ذلك كله على وحدانية الخالق سبحانه وتعالى لأن يد الصانع ذات أثر 
وأحد فى طبيعتها ,ولا يمكن عقلا اجتماع مؤثرين على أثر واحد إلا ولابد أن يكون 
كل هتبنا اأرعالخطف عن الآخن . 

وفى آيات سورة " النمل' حديث عن مظهر وحدة الإله الحق » متمثل فى خلق 
السموات والأرض وانزال الماء » وإنبات الحدائق ذات البهجة مع بيان أن ذلك كله فوق 
طاقة أى مخلوق , وكذلك جعل الأرض قرارا » وجعل خلالها أنهارا إلغ . ثم تنتهى 
الآيات بهذا الموقف الصارم : إذا ادعيتم أن هناك إلهاً مع الله سيحانه فأين برهانكم 


على دعواكم؟. 
وإذا كان القوم يعوزهم اليرهان الصحيح ؛ فلم يبق إلا الإيقان بأن الله واحد لا 
شريك له . 


ونقرأ فى التصور الصحيح لعلاقة الصفات بالذات قوله تعالى : ذه و الله الذي لا إله 
إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم .. هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس 
السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون . هو الله امحالق البارئ 
المصور له الأسماء الحسني يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم 4 () , 

فيستشعر المؤمن العاقل ؛ وكل ذى عقل عظمة الإله الحق الموصوف بكل صفات 
الكمال والجلال » وينعكس هذا الإيمان العميق على سلوكه . فيكون إيجابيا قى كل 
أقواله وأفعاله وتصرفاته . 

تلك آيات نستطيع من خلالها استخلاص منهج القرآن فى قضايا العقيدة وهى منهج 
يتلائم مع الفطرة النقية الصحيحة , ويقوم - فى نفس الوقت - اعوجاج أصحاب 


11-5٠١ سورة النعل : الآبات‎ )١( 
5 7515 - ١ (؟) سورة الحشر : الآيات‎ 


5 


الفطرة التى لوثتها النزعات الشيطانية » وأرباب الأهواء والمطامع المادية . وفى خطايهم 
المباشر يقيم القرآن الكريم الأدلة الواضحة على تهاقت ما هم عليه » ويجعل التحاكم 
إلى البرهان هى الفيصل قى محل النزاع . على غرار ما جاء فى سورة ' المؤمنون ' فى 
قوله لمن يتصور شريكا مع الله (قل هاتوا برهانكم إن كنم صادقين » . 

ثم تطالع فى القرآن الكريم مشهدا ينعى على أولئك الذين ينظرون إلى هذا الكون 
الملئ بالآيات الياهرات . نظرة عايرة , لا توقفهم أمام قوة الخالق ودقته وأحكامه 
وعظمته. كقوله تعالى : «وكأي من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها 
معرضون» (0), 

إذن يريد القرآن أن يحدث بين الإنسان والكون , تلك العلاقة الوطيدة الأصلية , 
ليكون منه أدله وشواهد على علته ومبدعه . فى اطار المهمة العظمى التى وجه يها الحق 
سبحانه وتعالى عناصر هذا الكون لتكون مسخرة للإنسان , على اعتبار أنه يمثل مهمة 
الخلافة عن الله رب العالمين . 

هذه باختصار قسمات المنهاج القرآنى . ويوم وعاها المسلمون بحق استطاعوا 
منازلة خصومهم . والانتصار عليهم » وفى نفس الوقت , احتفظوا بالروح العامة لطبيعة 
هذا المنهاج , لقد كانت العقيدة ملء وجدانهم طاقات خلاقة مبدعة » ويوم أن تحولوا 
بها إلى مجادلات تقوم على التولدات والالزامات ٠‏ دون أن تغذى القلب أو يطمئن إليها 
العقل . هنالك رأينا منهاجا يتجاوز الروح الحقيقية التى جاء بها القرآن الكريم » وكان 
هذا شأن كثير من المفكرين القدماء كلاميين وفلاسفة إسلاميين . 

نماذج : أدلة وجود الله .. 

أجهد المتكلمون القدامى أنفسهم فى قضية إثيات الصانع . وقد يكون الدافع وراء 
هذا الجهد , تلك الموجات الإلحادية التى افرزتها عملية التزاوج الفكرى بين الإسلام 
وغيره من الأديان والمذاهب الأخرى . غير أن الذى كان ينبقى على هؤلاء إدراكه . هو 
ضرورة الالتزام بطبيعة المنهاج القرآنى ٠‏ الذى يحافظ على صفاء العقيدة : ولا يتحول 
بها إلى جدل عقيم ؛ كما انه يبنى قواعد الاستدلال من العالم الواقعى المعاين .. لقد 
تحول هؤلاء الى طريقة فى الاستدلال » تقوم على مقدمات تقيل الجدل والاحتمال » 
ويالضرورة تكون النتيجة المترتبة عليها غير كافية لإيجاد نوع من اليقين لدى المخاطب 
بها . وقد قال بحق الإمام الفزالى أن الإيمان الذى يورثه علم الكلام . أضعف من 
إيمان العوام الذين يسلكون مسلك الفطرة السليمة بل يرى بعض الباحثين قديما 
وحديثًا إنها تثير من الشبه أكثر من دعوتها إلى الإقناع .. ولقد كان الواقع الفكرى 


٠١١ سورة بوسف : آية‎ )١( 


لذن 


يشكل ميدانا ثار فيه غبار الجدل العقيم بين أطراف النزاع . وكل فريق يدعى انه هو 

وحده على الحقء: وإن ماسواه على الباطل » ومحصول الأدلة التى أفرزتها تلك المواجهة 

الداخلية كان شيئًا هشا يحسيه أصحابه شيئا » ولم يكن فى الواقع كذلك حتى صح 

قول القائل : 
حجج تهافت كالزجاج تخالها حقا وكل كاسر مكسور 
لقد اعتمد المتكلمون : أشاعرة ومعتزلة عدة أدلة على وجود الله منها : 

-١‏ دليل الجوهر الفرد ؛ أو الجزء الذى لا يتجزأ . وقوام هذا الدليل أن الأشياء المادية 
تنقلب عليها أحوال تعرض لها , ثم تنتقل منها لتحل محلها أعراض أخرى وهذه 
الأشياء المادية تقبل القسمة » حتى تنتهى إلى جزء لا يقيل القسمة ؛ وهى ما يطلق 
عليه اسم " الجوهرالفرد " فإذا كانت الجواهر لا تنفك عن الأعراض . وكانت هذه 
الأعراض حادثه لطروء التفير عليها : فإن الأمر يعنى أن تلك الجواهر حادثه كذلك 
لأن مالا يخلى عن الحادث يكون حادثا . ولما كان العالم مكونا من جواهر 
وأعراض حادثة , كان العالم حادثا أيضا ؛ ومتى كان كذلك فلا بد له من محدث » 
وفى نظر المتكلمين ان محدث العالم ؛ لا يمكن أن يكون حادثا مثله , وإلا لزم 
التسلسل أو الدور وهما ياطلان )١(‏ . 
اذن الله سيحانه وتعالى هو محدث هذا العالم . ولا يكون الاحداث والخلق إلا من 
موجود سابق على ما أوجده وخلقه. 
ويلاحظ أن هذا الدليل يعتمد على مقدمات غير مسلمة . كما أن فكرة الجوهر 

الفرد ليست اسلامية . بل إغريقية تعود إلى المذهب الذرى لدى “ديمقراطى ' إما أن 

طريقتهم تعتمد على فكرة نظرية . وهى القول بوجود جزء لا يتجزأ فإن هذه الفكرة 
لايسلم بها كثير من المفكرين ٠‏ والنظام - المفكر المعتزلى المعروف , انتهى إلى فكرة 
اتقسام الجوهر الفردة أى قبولها للقسمة , ولى كان ذلك فى التصور الذهنى ؛ كما أن 

العلم الحديث , لا يقر هذه الفكرة , بعد أن ثيت بالتجرية أن الذرة قايلة للانقسام . 
لقد كان ابن رشد من المفكرين المسلمين الذين لاحظوا ما فى طريقة المتكلمين هنا 

من تحمل ذلك لأن طريقتهم - لو فرضنا صحتها - فما عدد من يمكنه الاستفادة منها؟ 

هل هم الخواص الذين يمكنهم أن يوجهوا إليها كثيرا من النقد ٠‏ بناءً على أن مقدمات 

الاستدلال غير مسلمة؛ على اعتبار ان طروء التغير اذا لوحظ على بعض الأعراض » 

فلا يمكن تعميم الحكم ليشملها جميعا ..أى هم العوام الذين لا يدركون الحقائق إلا 

بالطريق السهل المباشر غير هذه الطريقة المعتاصة على حد تعبير ابن رشد . فإذا 


. ١15 دمحموب قاسم . مقدمة الكشف عن مناهج الأدلة لابن رشد ص‎ )١( 


"51١ 


انضم إلى صعويتها فى ذاتها , ما تقبله من مناقشة , فإن ذلك يعنى أنها طريقة غير 

صحيحة. إن اليرهان المطلوب هنا فى مقام الاستدلال على وجود الله » هى الذى يقضى 

على كل شبهة ممكنة ويفرض نقسه على العقل فرضا .)١(‏ وليس لنا أن نقارن هنا بين 

طريقة المتكلمين ويين منهاج القرآن فى مقام الاستدلال على وجود الله كما أشرنا إلى 

ذلك آنقاء إلا من قبيل تمايز الأشياء بمقابلاتها فأين وجه الشبه بين طريقتين إحداهما 

تعتمد الوجود الواقعى المنظم كأثر لمؤثر حكيم , وثانيتهما تعتمد على مقدمات تقبل 

المناقشة والجدل ؟ . 
ولقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية ما فى طرق المتكلمين والفلاسقة من بعد عن 

المنهاج الواضح السليم , الذى انتهجه القرآن الكريم » وقدم كثيرا من الملاحظات التى 

تؤخذ عليهم فى طرق استدلالهم . وبظهر أنه أقاد من ابن رشد هنا , وأن كان قد 

توسع كثيرا فى نقده . 

؟- دليل الممكن والواجب ؛ وهذا الدليل ينسب إلى أبى المعالى الجوينى (') بصفة 
خاصة من المتكلمين وإلى القارابى وابن سينا من الفلاسفة الإسلاميين ويعتمد 
لدى الفلاسفة على انقسام الوجود فى التصور الذهنى دون ملاحظة الواقع إلى 
الواجب والممكن , والانتهاء إلى أن الممكن مفتقر فى وجوده إلى الوجب قطعا 
للتسلل أو الدور الياطلين . كما يعتمد لدى أبى المعالى على فكرة إمكان أن يكون 
العالم على غير ما هو عليه الأن . من حيث حركاته ووضعه وعلاقة عناصره 
بيعضها يبعض . وعلى أى التصورين فإن الدليل ليس بالمسلم به بسهولة , كما أنه 
ليس سهلا أن تقيله الفطرة السليمة دون عناء . وقد يكون الخطب سهلا مع 
الفلاسفة الإسلاميين ‏ ذلك لان منطلقهم فى الاستدلال نظرى بحت إذا سلم به 
فلن يكون إلا من الخواص. وأما مع الجوينى فالخطب جلل والأمر جسيم » لأن 
القول بامكان عالم على أوضاعه الحالية ؛ إذا كان يعنى إطلاق المشيئة الالهية , 
فإنه فى فى نفس الوقت يخدش وصف الحق سبحانه وتعالى بالحكمة التى نتنافى 
مع هذا القصور . وقد رأينا القرآن الكريم يقرر أن حكمة الله بادية فى كل 
عناصر الوجود , ولولا ذلك لأمكن تصون العيث عليه سبحانه وهو فى حقه محال 
قطعا وصدق الله العظيم حيث يقول ١:‏ إنا كل شئ خلقناه بقدر» (") وقوله : (وكل 
شئ عنده بمقدار» (؟) «أفحسبتم إنما خلقناكم عبغا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالي الله 
الملك الحق > (0) 

. ٠١5 د.عحمود قاسم . ابن رشد وفلسفته الدينية ص‎ )١( 

(؟) د.قاسم . مقدمة الكشف عن مناهج الأدلة ص ١١‏ . 

(؟) سورة القمر : آية 45 . 

(4) سورة الرعد : آية8 . 

(6) سورة المؤمئون : آية 116 


51 


إن طرق الاستدلال لدى كثير من المتكلمين قد تجاوزت الوضع المناسب حين تعاملت 
مع الذات الإلهية » وقد فهم كل فريق - تقريبا - كثيرا من قضايا الألوهية من منظار 
خاص ؛ حتى بدت مسألة مثل مسللة ' التنزيه " الإلهى ذات أوضاع متغايرة حيث 
فهمها المعتزلة يمعنى غير الذى فهمه بها الأشاعرة والماتريدية والحشوية , والصوفية 
والفلاسفة . وكل هذه الأفهام قد تقرب أى تبعد من روح القرآن الكريم. 

ولم نر من المتكلمين -فيما نعلم - إلا ' الماتريدى ' الذى أصاب وجها للحق فى 
استدلاله على وجود الله ؛ حيث استخدم دليل السببية والعناية وهى دليل مشتق من 
روح القرآن الكريم » ويعتمد على مقدمات واقعية , تشكل يرهانا لا يملك العقل إلا 
الاذعان له . وان كان فى نفس الوقت قد صور بعض الأدلة التى تقبل الجدل والمناقشة, 
وحسبه انه أجاد فى ذلك إجادة تقريه جدا من طبيعة الاستدلال . كما جاء بها القرآن 
الكريه(١).‏ 

هذه هى بإختصار بعض أدلة المتكلمين على وجود الله » لم يسلم متها إلا دليل 
السيبية والعناية الذى قدمه ' الماتريدى ' وإما دليلا الجوهر الفرد والواجب والممكن فقد 
بان منهما أنهما غير برهانيين لاءتمادهما على مقدمات قابلة للمناقشة . 

أقام جمهور المتكلمين من أشاعرة ومعتزلة دليل التمانع لإثبات الوحدانية للحق 
سبحانه . وعلى الرغم من أن هذا الدليل يرتكز أساساً على بعض الآيات القرآنية التى 
سبقت الاشارة إليها , مثل قوله تعالى : " لوكان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ' وقوله : 
"ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله يما خلق ولعلا بعضهم على 
بعض .." إلا أن صورة دليلهم جاعت على شكل جدلى غير برهانى » حيث افترضوا 
التعدد ورتبوا عليه محالات , ليسلم لهم الدليل . ولكن عند التدقيق فى اللوازم 
المستحيلة المرتية على افتراض التعدد يبدو الخلل فى تركيب الدليل . وبيان ذلك أنهم 
يتصورون أن يتم التعدد المفترض على صورتين : إحداهما: أن يتم الخلاف بين الآلهة 
فتتعارض إراداتهم فلا يصدر عنهم شئ ؛ لأنه لا أثر مع وجود تعارض بين المؤثرين . 
ونا كان العالم موجودا فدل ذلك على إنه آثر لإله واحد . ثانيتهما : أن يتم الاتفاق 
بينهم ٠‏ ويترتب على ذلك محال لا يليق بالإله » وهو تحديد قدرة وإرادة وعلم كل إله » 
حيث لا يستطيع أن يؤثر بالإيجاد والتخصيص , والإحاطة فى غير الدائرة التى اختص 
بها . وفى هذا ما يتعارض مع طبيعة الصفات الثابتة للإله الحق , لانها مطلقة وشاملة 
متعلقاتها . 


. 1١18.1١1/,16 التوحيد ص‎ )١( 


لضن 


إن التظرة العجلى قد تسلم لهم بصحة هذ المسلك فى الاستدلال . ولكن عند 
التدقيق نلاحظ أن الصورة الثاتية , لا تسظطزم النتيجة التى توصلوا اليها , إذ من 
الممكن أن يقال : إن اختصاص كل اله ببعض ظواهر الخلق قد يقع بينهم على سبيل 
التراضى فلا يكون كل واحد منهم مقهورا بالنسية للاخر , وهذه شبة تجعل الدليل 
هشا , بل قد تطيح به كله . ولقد تنبه يعض المتكلمين إلى ضعف هذا الدليل فقرر ان 
دليل التمانع غير برهاني بل جدلى . وأن الآيات التى اعتمد عليها اقناعية فقط .)١(‏ 

وقى تقديرى أن ضعف الدليل إنما جاء من طريقة صيغته ؛ لا من الأساس الذى 
بنى عليه , وهو الآيات القرآنية . ذلك لان ما تفيده الايات تشكل دليلا يرهانيا صحيحاء 
يشتق من الواقع صحته وقوته . فهو يرتب الفساد على التعدد . ولما كان الكون ليس 
كذلك ؛ بل فى غاية الاتقان والاحكام . فقد دل ذلك على أن له الها واحدا 9) . 

ويعد " الماتريدى " من بين المتكلمين » من أولئك الذين شعروا يضعف الطريقة 
التقليدية فى الاستدلال على الواحداتية » فعمد إلى الآيات مباشرة . وآخذ منه الدليل 
بشكل طبيعى . على الصورة التى أشرنا اليها وهى الاستدلال بالنظام الكونى على 
وحدة المنظم . وهذه طريقة لا يختلف عليها العقلاء فى كل عصر » وقد رأينا أمقة لها 
قى حياتنا المعاصرة يقول " كلودم . هاثا وى فى بحث له بعنوان : المبدع الأعظم » " 
وكلما كان أكثر تعقيدا » بعد احتمال نشأته عن طريق المصادفة » ونحن فى خضم هذا 
اللانهائى لا نستطيع إلا أن نسلم بوجود إله واحد * 9) . 
الصفات الالهية وعلاقتها بالذات : 

هذه هى احدى المشاكل الكبرى التى ثار حولها الجدل لدى المتكلمين واختلفت فيها 
الأنظار , ما بين مثبت لها وناف , والمثبتون والنافون لم يوفقوا فى تخريج القضية على 
وجه يرضى الدين والعقل . فالأشعرية والماتريدية من مثبتى الصفات على انها معان 
وراء الذات تستقل قى مفهومها عنها غير انها لا تفارقها من حيث الواقع . غير أن 
الأشعرية اثيتوا فقط زبادة صفات المبانى وقدمها على الذات : وأما صفات الفعل فقد 
قالوا بحدوثها متجاوزين عن ميدأ رسموه لأنفسهم من أن الله لا تقوم به الحوادث 
والماتريدية لم يتابعوهم قى هذه المسألة , وانما ثبتوا قدم الصفات بالفعل ؛ غير أنهم 
رجعوا بها إلى صفة واحدة هى صفة * التكوين " ويلاحظ على هؤلاء وأولئك التحكم 
الذى لا ميرر له: ويظهر انهم لم يتفكوا من تصورهم البشرى لعلاقة الصفات بالذات 
وهم يبحثون هذه المسألة . 
)١(‏ شرح العقائد النسفية ص ”؟؟ ط . القاهرة سنة ١70/4‏ ه 
(؟) وقد فطن اين رشد الى ضعف طريقتهم فى انتزاع الدليل من الآية فقرر نقس المعنى الذى أشرت اليه . 


الطيعة الثالثة 1434 ص 4 


تلن 


أما المعترلة فقد قالوا بعدم زيادة الصفات على الذات فوقعوا قى إشكال خطير هى 
عدم التمايز بين مفهومى الذات والصفة , كما أن اعترافهم يالصفات المعنوية يؤذن 
بضرورة وجود أصل الاشتقاق .. فضموا إلى خروجهم على العقل خروجهم أيضا على 
اللغة . كما أن تصورهم أن القول يزيادة الصفات على الذات يؤدى إلى تعدد القدماء . 
يدل على أنهم لم يفهموا المسألة حق فهمها , لأن الصفات ليست أغيارا حقيقية يمكن 
أن تستقل عن الذات ٠‏ بل من لوازمها فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن هناك فريقا من 
الكلعن من استفات الحقنو قن أشنت السفاث علن.صورة قدرب كثررا من الصو 
المادى لتبين لنا إلى أى حد أخفق منهج المتكلمين فى دراسة القضية دراسة صحيحة 
ولم يسلم من هذا الإخفاق إلا أصحاب المنهج السلفى , الذين انطلقوا من تصور قرآنى 
صحيح حين تعرضوا لهذه القضية ؛ لأن الحق تبارك وتعالى » إذا كانت ذاته مخالفة 
فى طبيعتها لذوات الحوادث ٠‏ فصفاته كذلك » وما يتوهم غير هذا لا يكون صحيحا . 


تقويم هذا المنبهج : 

ومن العجب أن كل فريق يدعى انه وحده حامل لواء التتزيه الالهى وأن ما سواه 
ليس كذلك . حتى تخطى الحوار منطق الهدوء والجدل العلمى إلى التنقيص والرمى 
بالجهل بل ريما بالكفر أحيانا .. وقد تولدت مشاكل جانبية من قضية الصفات وعلاقتها 
بالذات ؛ لعل أظهرها قضية " الكلام "وى " القرآن " وهل هى قديم أى حادث . 

ومن متنطق العقل والدين يمكن أن يقال : هل كان الواقع يحتم ظهور هذه المسائل 
على هذا الشكل الذى رأيناها عليه لدى المتكلمين , أى أنها من قبيل افتعال قضايا لا 
أساس لها من واقع الأمة الدينى والفكرى الصحيح ؟ ..أعتقد أن الشق الثانى من 
الترديد هى ما أطمئن اليه كل عاقل وحجتنا فى ذلك أن القرآن الكريم قد حسم 
القضية؛ ووفر على العقل ذلك المجهود الذى بذله فيها دون جدوى . ولو قيل بأن المثيرات 
الخارجية كالفكر الوارد , الممثل فى الفلسفة الإغريقية وشروحها , الافلاطونية المحدثة 
والهاماتها. الذى أثر إلى حد كبير فى الفكر الاعتزالى ؛ أى التصور التشبيهى الذى 
أثارته بيئات غريبة على الاسلام . قد حرك لدى المتكلمين مناقشة مثل هذه القضية , 
فإن الرد على هذا القول سهل هى : لقد كان على المسلمين أن يقفوا عند منطق القرآن 
ومنهاجه وألا ينساقوا وراء هذه المثيرات بعد أن تبين انها ذات طابع غريب عن روح 
الطابع الإسلامى . ثم من ناحية أخرى : إلى متى سيظل المسلمون تحركهم قضية 
ردود الأفعال؟ أليسوا على حق حين يتمسكون بما لديهم وبخاصة فى مجال الإلهيات أو 
الغيبيات عموما ٠‏ التى جاء الوحى وحسمها . ليترك للعقل مجاله الحقيقى » وهى علم 
الشهادة ؟أعتقد ان هذا هى التصور الصحيح ٠‏ 


"1 


هذا هو تقويم هذا المنهاج فى إطاره التاريخى ٠‏ تبين لنا من خلال هذا العرض 
فشله فى تتاول قضايا العقيدة التى أشرنا اليها . ويظهر أن بعض المتكلمين البارزين 
قد شعروا يضعفه . فعضوا أصابع الندم حين نظروا إلى واقعهم النفسى ؛ فوجدوه 
غير مطمئن وإلى واقعهم الاجتماعى فوجدوه فاخرا بتيارات فكرية تتنازع وحده الآمة , 
وتكاد تصدع ترابطها فقالوا كلاما نفسوا فيه عن مكنون صدورهم ٠‏ من ذلك ما قاله 
فخر الدين الرازى, الجدلى الكبير : 


تشمو القن لقت العااعة كللتيار ...> ١‏ لفرت زف فين لك المماله 
فلم أو إلاواضعا كف حائر .. على ذقن أو قارعا سن نادم 
وقول الشهرستاتى : 

نهاية إقدام العقولع قال .. ونمايةسعى العالمين ضلال 
وأرواحنا فى وحشة من جسومنا .. وحاصل دنيانا أذى وويال 
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ‏ .. سسوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا 


وقول أفضل الدين الخونجى وقد كان وحيد عصره فى العلوم العقلية : لقد قضيت 
حياتى كلها وأتا أدرس افتقر الممكن إلى الواجبء والافتقار أمر سلبى ؛ فأنا أموت وما 
علمت شيئًا ٠‏ وكذلك ما قاله أحد مقدمى القوم : ' لقد تأملت الطرق الكلامية , والمناهج 
الفلسفية فما رأيته تشقى عليلا , ولا تروى غليلا . ورأيت أقرب الطريق طريقة القرآن 
الكريم أقرأ فى الإثبات : ' إليه يصعد الكلم الطيب ' " الرحمن على العرش استوى " 
وأقراً فى النفى : ' ليس كمثله شئ" ' ولا يحيطون بشئ من علمه " * ولا يحيطون به 
علما * ومن جرب مثل تجريتى عرف مثل معرفتى * وماقاله " الجوينى * : ' لقد خضت 
البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم - يقصد منهاج أهل السنة والجماعة من 
السلف - وخضت فى الذى نهونى عنه » والآن - وهو يعانى سكرات الموت - إن لم 
يتداركنى الله برحمته؛ قالويل لى ؛ وها أنا ذا أموت على عقيدة أمى(١).‏ 

هل كان ندم هؤلاء تعاور على أن يغير من الوضع شيئا ؟ كلا » فقد كان نتيجة هذه 
التجرية القاسية التى مارسها هؤلاء . واذا كان الأمر كذلك فهل يا ترى ننتظر نحن 
المعاصرين إلى أن تعانى التجرية من جديد حتى نعترف كما اعترقوا بفشل المناهج 
الكلامية ؟ أو أن العبرة هى التى تكفينا » حتى نستأتف رسم منهاج صحيع ؛ هذا ما 
أطمئن إليه . 


. 1571 + الشيخ محمد بهجت البيطار : حياة شيخ الاسلام ابن تيمية ص 8 , المكتب الاسلامى ؛ بيروت‎ )١( 


مدنا 


المنهج المقترح والدواعي إليه : 

ينقسم الناس ازاء العقيدة الإسلامية قسمين كبيرين : قسم المؤمتين وهم الذين 
آمنوا بالله ريا ويالإسلام دينا ويمحمد رسولا ويالقرآن دستورا لهذه الأمة . . . إلخ . 
وهؤلاء بدورهمء منهم عالى الايمان » ومنهم متوسطه » ومتهم ضعيقه ومنهم الغاقل . 
ومواجهة هؤلاء إذا عن لهم اشكال يتصل بأصول الاعتقاد و ينبغى أن تراعى مقتضى 
الحال والارتكاز على حقائق الدين كما صورها القرآن الكريم ويينتها السنة الصحيحة, 
مع استخدام العقل المنفعل بالوحى. هذ؛ هو الذى ينبغى أن يكون منهاج من يتصدى 
لتفهيم هؤّلاء ما عسى أن يكون لديهم من مشاكل عقدية . ولا يأس هنا من الاستعانة 
بمنجزات العلم فى تأكيد قضية وجود الله ووحدانيته على التحو الذى سنورده بعد , ولا 
بأس أيضا من بيان فشل الأيديولوجيا والمذاهب المخالفة للإسلام , والتى قد ينبهر بها 
بعض ناقصى الثقافة . كما سنبينه بعد أيضا إذا كان ذلك فى أوساط المثقفين وذوى 
الاطلاع الواسع والقدرة العقلية . 

والقسم الثانى : أولئك الذين ظلوا فى ميدان الكفر والالحاد متشيثين بما هم عليه . 
هؤلاء ينبغى أن يكون المنهاج الذى يتعامل معهم , يعمد أساسا إلى بطلان ما هم عليه 
من اعتقادات فاسدة بمنطق العقل الصريح : وهذ! يقتضى بالضرورة أن يكون 
المتصدى لهؤلاء خبيرا بالمذاهب والآراء والمعتقدات المخالفة للإيمان الصحيح ؛ مدركا 
للمآخذ التى يمكن أن تلاحظ عليها , ثم يأتى بعد ذلك دور سوق العقائد الإيمانية فى 
شكل مقبول . حسب مستويات هؤلاء » فإن أذعنوا لمقتضى الأدلة التى تساق على 
صحة العقائد الدينية الإسلامية فقد احترموا عقولهم » وانقذوا أنفسهم مما كانوا عليه. 
وأآن ظلوا معاندين مكابرين مع وضوح الأدلة على قساد ما هم عليه وصحه مايدعون 
إليه فليس أمام الداعى إلا الإعراض عنهم » تحقيق لقول الحق تبارك وتعالى فى شأن 
كل معاند مكابر: « فأعرض عمن تولي عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من 
العلم» )١(‏ 

وهكذا يتضح لنا أن هذا المنهج يبتغي توضيح الحجة البرهانية حسب مستويات 
الطالبين واقامتها على الجاحدين المكابرين » حتى لاتكون لهم بعد ذلك حجة . 

وأما دواعى وأسباب ظهور هذا المنهج فى حياتنا المعاصرة , فإن ذلك يرجع إلى 
سسببين وأضحين : 

اولا: عدم ملائمة مناهج المتكلمين القدماء للواقع الذى كان يحياه عامة المسلمين , 
حيث تجاوزوا منهج القرآن الكريم » السهل الواضح الملائم لكل المستويات , إلى مناهج 


. "9 سورة النجم : آية‎ )١( 


51/ 


مصطنعه ظهر فيما سبق فشلها فى كثير من القضايا وهذا السبب يراعي جانب القسم 
الأول من القسمين المشار اليهما قبلا , قسم المؤمنين , 

ثانيا: أم روح العصر يكسوها التقدم العلمى الهائل , واطراد اكتشافاته الأمر الذى 
ظن معه بعض من الباحثين الغرييين وتبعهم فى ذلك بعض ضعاف الايمان من 
المسلمين. أن العلم قد حل كل شئ وأن عصر الايمان قد ولى . بينما رأينا - كما 
سنثيت يعد - أن اطراد العلم وتقدمه , إنما يخدم قضية الايمان ويدعمها » اذا سار 
العلم فى مساره الصحيح , لأن العلم يكشف عن الظواهر ولا يقسرها , كما لا 
يستطيع تعليلهاءلآن ذلك طور فوق إدراكه ٠‏ طور الإيمان بقوة قاهرة قادرة : فى ضوء 
الإيمان يها يمكن تعليل تلك الظواهر . 
تطبيقات المنهاج المقعرح فى حياتنا المعاصرة : 
أولا : فى المجال الداخلى : 

معرفة أصول العقيدة من الكتاب والسنة أمر سهل , يستطيع أن يدركة كل عالم 
متى فتح عقله وقلبه لهما , والأدلة التى ساقها القرآن على وضوح ما جاء من عقائد 
ووضوح بطلان ما رفضه منها ؛ لا تحتاج إلى مجهود كبير لادراكها . ومن المعلوم أن 
القرآن الكريم قد جاء بمنهاج ذى وجهين : أحدهما لهدم العقائد الباطلة ؛ حتى يطهر 
القلوب والعقول من أدرائها وشكوكها » ولتكون مستعدة للحق وثانيهما لبناء العقيدة 
المحيحة ؛ وهو فى هذين الوجهين يسوق أوضح الادلة وأقريها إلى الغاية , لاتظهر 
عليها الصنيعة ولا التكلف ؛ وكيف لا يكون كذلك - وهى منهاج رب العالمين , للناس 
أجمعين . 

وفى الكتابات المعاصرة , ظهرت كتب كثيرة تناولت مسائل العقيده واختلفت منازع 
الكاتبين ؛ حسب طريقتهم فى المعالجة , وإن كانوا جميعا لم يبعدوا كثيرا عن منهج 
القران الكريم » وسنختار - على سبيل - اتجاهين يمثل كل منهما عالمين من علمائنا 
الأجلاء : 

الاتجاه الاول : الاتجاه التقريرى فى الكتابة . ويمثل هذا الاتجاه فى نظرنا كتاب 
العقيدة الإسلامية . للشيخ عبد الرحمن الميدانى ؛ وكتاب العقائد الإسلامية للشيخ سيد 
سايق » إن الكتابين فى مجموعهما يعالجان أصول العقيدة من منظور إسلامى واضح , 
ويستخدمان الأدلة العقلية لتعضيد الادلة النقلية ؛ ولم يلجأ إلى طريقة المتكلمين القدماء 
المعتاصة , ولم يثرغبار الجدل والمراء الذى ترهلت به كتب القدماء . ونحسب أن هذين 
الكتابين كافيان فى حق المسترشد من المسامين على جميع مستوياتهم . إلا من ركب 
من الغرور والشطط من أرباب القلوب الضعيفة ؛ التى تلبس مسوح التكبر والتعالى , 


514 


الاتجاه الغاني : الاتجاه التقديرى فى الكتابة » وهى الذى ينزع أصحابه متزعا 
وجدانيا فى كتاباتهم , إذا يضيفون إلى جانب ما عليه العقيدة من حق , أثرها فى 
حياة الأفرد والمجتمعات , مبرزين دورها الواضح فى الحياة كلها . بل نتائج ذلك فى 
الحياة الآخرة . ملوحين إلى سوء الحياة التى أدارت ظهرها للايمان . وولت وجوهها 
شطر الحياة المادية ذات المتاع القليل والعرض الزائل» ويمثل هذا الاتجاه : الداعية 
الإسلامى الشيخ محمد الغزالى فى كتايه : عقيدة المسلم ء والداعية الإسلامى الشيخ 
الدكتور يوسف القرضاوى في كتابه : الإيمان والحياة » والدكتور حسن الترابى فى 
كتابه : الإيمان وأثره فى حيا ة القرد والمجتمع . 

إن السمة الغالبة والقاسم المشترك بين هؤلاء هى توضيح أصول العقيدة كما ذكرها 
القرآن الكريم ويينتها السنة . ودعمتها الأدلة العقلية الصريحة » مضافا إلى ذلك ؛ تلك 
الشحنة الوجدانية الهائلة » التى تحرك وجدان المؤمن وشعوره حتى يتحول الإيمان إلى 
قوة دافعة مبدعة , تتجاوز الأمور المعرفية الباهتة التى يدركها كل من يقرا كتب علم 
الكلام فى صورتها القديمة . إنها دراسات تحت ما اندرس من كتابات أسلافنا العظام 
الذين كانوا يكتبون بكل ملكاتهم , ليوقظوا بما يكتبون مشاعر من يكتبون لهم . هنالك 
يظهر أثر الايمان فى استقرار الحياة كلها ؛ فردية كانت أم اجتماعية . وحسب القارئ 
أن يقرأ موضوعا فى كتاب من كتب علم الكلام القديمة , ويقرأ نفس الموضوع فى كتاب 
من الكتب المشار إليها ليدرك بنفسه ويتجريته الخاصة صحة ما تذهب إليه.() , 

ونحسب أن هذه الكتابات وتلك » يمكن أن يتعدى أثرها واقع المسلمين إلى غديرهم 
من أصحاب الديانات والنحل الأخرى ؛ متى قرأوها بعقول صريحة . ونفوس متحررة 
من أسر الالف والعادة والتقاليد البائيه والتعصب الأعمى . 
ثانيا : فى امجال الحارجى : 

نقصد بالمجال الخارجى موقف المفكرين فى الأديان عموما من الملحدين والزنادقة 
وأصحاب المذاهي المادية , وكذلك الذين يرون عدم أحقيه الاسلام فى أن يكون دينا 
عاما خاتما للأديان » أى عدم صحته مطلقا من أصحاب الدينين المحرفين من اليهود 
والنصارى ٠‏ 

والمنهج الذى ينيفى أن يتبع مع الأولين من الملحدين والماديين يقوم أساسا على بيان 
تهافت الموقف المادى من قضية الإيمان : وهى لا شك موقف متهاقت . لأن أصحابه لا 
دليل معهم سوى مجرد الرفض ء وإذا غلفوا رفضهم بأحقية العلم وبطلان الإيمان ٠‏ 


. ومن الرسائل التى جمعت بين الاتجاهين معا : رسالة العقائد للمرحوم الشيخ حسين الينا‎ )١( 


14 


فيعمد المنهج إلى بيان أن العلم لا يضاد الإيمان » بل يقويه ويدعمه » وتقوم هذه المسألة 
على أن العلم فى حقيقته يكششف عن القوانين التى تحكم الظواهر , مادية كانت أو 
نفسية أى اجتماعية , واذا كانت هذه القوانين حقائق موضوعية ٠‏ لا ترجع إلى نفس 
الظواهر , بل هى توضح لها فإن معنى ذلك أنها موجودة لا لذاتها بل لقوة أو جدتها 
خضوعا لبدهية "السيبية' ونحسب أن هذا المنهاج يتعامل مع جميع التصورات المادية 
بكل مدارسه ومنطلقاته . وأما مواجهة أصحاب الأديان المحرفة المبدلة قانما يكون 
ببيان طبيعة ما آلت إليه أديانهم يعد التحريف والتبديل » من حيث عدم موافقتها للعقل 
والمنطق الصحيح والفطرة السليمة , والقرآن الكريم قد أرشدنا إلى كيفية التعامل مع 
هؤلاء . حين كفر من قال ان عزيرا ابن الله من اليهود ومن قال أن المسيح اين الله من 
النصارى . ثم أبطل دعوى اليهود فى مواقف متعددة متها عندما ادعوا انهم لن تمسهم 
الثار إلا أياما معدودات قال لهم : <قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم 
تقولون علي الله ما لا تعلمون »4 وعندما ادعى اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه 
قال لهم : ١‏ قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر تمن خلق 4 آخر المواجهات التى ذكرها 
القرآن الكريم . 

وسنشير بشئ من التفصيل إلى أعمال بعض الكاتبين الإسلاميين وفيرهم من 
المعاصرين التى يمكن ان تكون تطبيقا للمنهج الذى نريده . من ذلك . 
-١‏ ما كتبه العلامه المسلم وحيد الدين خان فى كتابيه : الإسلام يتحدى والدين فى 


مواجهة العلم . 
؟- ما كتبه العلامه الدكتور محمد إقبال فى كتايه : تجديد التفكير الدينى فى 
الإسلام. 


نا نيه الفكن المسلم الشريغ آبى السكن التفوى «وتعمى. من فيه كقات :+ 
الصراع بين الفكرة الغربية والفكرة الإسلامية . 

5- ما كتبه المرحوم الأستاذ الدكتور محمد البهى فى كتابه : تهاقت الفكر المادى 
التاريخى. 

ه- ما كتبه المفكر المسلم الدكتور عماد الدين خليل عن : تهافت العلمانية . 

5- ما كتبه المفكر المسلم محمد قطب فى كتبه : الإنسان بين المادية والإسلام : 
وشبهاه حول الإسلام » ومذاهب فكرية معاصرة . 

/ا- ما كتبه الدكتور طارق حجى عن : الشيوعية فى ال ميزان ٠‏ 

4- ما كتبه المرحوم الشيغ نديم الجسر حول : قصة الإيمان بين الدين والفلسفة 


والعلم . 


فض 


8- ما كتبه الأستان محمد فريد وجدى فى موضوع : على أطلال المذهب المادى : 
-١‏ ما كتبه المرحوم العلامة أبو الأعلى المودودى في كتابه : نحن والحضارة الغربية , 
ورسالته الصغيرة : الإسلام والمدنية الحديثة . 
وقد تكون بعض هذه الكتابات غير مداشرة فى معالجة قضايا العقيدة. غير أنها فى 
مجموعها . ترصد الفكر المنحرف بوتبين عورته من منظور العقيدة الإسلامية 
العلمية . 
وليس انفجارا معرفيا فى وجهه كما يقول الماديون . 


العمل الأول : الإسلام يتحدى 

يتبع المؤلف فى هذا الكتاب المنهاج العلمى الصحيح . فيستعرض فى الباب الأول 
قضيه معرض الدين , والأساس التى قامت عليها المعارضة , إذ يتصور هؤلاء الملحدون 
من العلماء ان الدين شئ لا حقيقة له ؛ وهى مظهر للغريزة الإنسانية الياحثه عن حقائق 
الكون ‏ والتى تحاول تفسيره وان الوقت قد حان لإعادة النظر فى جميع ما خلفه 
الأجداد حول الكون والإله , 

يذكر رأى : ' أوجست كونت ' فى المراحل الثلاث لتطور الفكر البشرى : المرحلة 
اللاهوتية وهى التى فسرت الأحداث بإسم " الإله ' والمرحلة الميتافيزيقية » وفيها فسر 
الإنسان الأحداث باسم عناصر خارجيه لا يعلمها » ولكنه لا يذكر اسم الإله , والمرحلة 
الوضعية ؛ وهى التى يفسر الإنسان فيه الأحداث باعتيارها عناصر خاضعة لقوانين 
عامه , يمكن ادراكها بالمطالعة او بالمشاهدة العلمية » وفى هذه المرحلة لا تذكر 
"الأرواح والالهة والقوى المطلقة " 

والحقيقة فى نظر هؤلاء الماديين ليست إلاشيئًا يمكن فحصه وتجريته علميا . ولا 
كان الدين قد قام على حقيقة لا سبيل إلى قحصها علمياً فهو باطل ؛ وموقف كل 
الأديان أشبة بموقق من يكتب شيك لا رصيد له فى المصرف وظهرت أفكار علمية قال 
بها أناس لهم شهرتهم تمحو دور الدين فى مكتشفاتهم . فإسحق نيوتن يدعى انه لا 
وجود لاله يحكم النجوم ولابلاس يدعى أن النظام الفلكى لا يحتاج فى تفسيره إلى 
أى أسطورة لاهوتيه. ويمكن حصر الأسس التى قامت عليها معارضته الدين فى ثلاثة, 
هى : 


حضن 


الأساس الأول : فى ميدان الدراسات البيولوجية . لقد انتهت بحوث “نيوتن ' ومن 
أتى يعده إلى القول يأن الكون فى صيرورته مرتبط يقوانين ثابتة » هذه القوانين طبيعية 
داخلية . وهذه الفكرة تعترف بوجود آله حرك الكون الحركة الأولى » وانتهى دوره عند 
هذا الحد وضرب " والتر * مثلا لذلك » بالساعة يرتب صانعها آلاتها الدقيقة فى هيئة 
خاصة . ويحركها ثم تنقطع صلته بها » غير أن ' هيوم” تخلص من فكرة وجود الاله 
ها . فقرر : " لقد رأينا الساعات وهى تصنع فى المصانع , ولكننا لم نر الكون وهو 
يصنع , فكيف تسلم بأن له صانعا " () . 


الأساس الثانى : فى ميدان علم النفس , وفيه يقسرون الشعور الدينى بأنه منبثق 
من اللاشعور الذى هو مخزن الأفكار التى تمر بالإنسان وينساه والتى تخطر على 
القلوب فى ظروف غيرعادية . وقد توصل 'فرويد ' إلى أن اللاشعور قد يقبل أفكار فى 
الطفولة. وتؤدى إلى أعمال غير عقلية وهذا ما يحدث بالنسبة للعقائد الدينية » ففكرة 
الجحيم والجنة مثلا ‏ ترجع إلى صدى الأمانى التى تنشأ لدى الإنسان فى طفولته , 
ولكن لم تسنح الفرصة لتحقيقها , فتبقى دفينة فى اللاشعور, ثم يفرض اللاشعور 
بدوره حياة أخرى يتيسر له فيها ماكان يتمناه " وينتهى علم النقس إلى القول : ( ليس 
الآله سوى انعكاس للشخصية الإنسانية على شاشة الكون وما عقيدة الدنيا والآخرة 
إلاصورة مثالية للأمانى الإنسان . وما الوحى والإلهام إلا اظهار غير عادى لأساطير 
الطفولة المكبوته " 9). 

الأساس الثالث : فى ميدان التاريخ : ويفسر ظهور الدين تاريخيا بأى الإنسان 
اخترعته اختراعا , عندما أحس بالقوى الطبيعية من حوله كالزلازل والأعاصير وتخيفه 
وتزع جه فلم يجد له مرف يأوى إلى آمنه سوى اختراع فكرة الدين » وهى فكرة 
مقترضة: وليست واقعا حقيقيا . وقد أضافت دائرة معارف العلوم الاجتماعية تفسيرات 
أخرى غير ما سيق لتفسير ظهور الدين ؛ إذا تقرر : ' أنه بجانب المؤثرات الأخرى التى 
ساعدت فى خلق الدين فإن إسهام الأحوال السياسية والمدنية عظيم جدا فى هذا 
المجال , إن الأسماء الالهية وصفاتها خرجت من الأحوال التى كانت تسود على ظهور 
الأرضء فعقيدة كون الإله ' الملك الأكبر صورة أخرى للملكية الإنسانية : كذلك الملكية 
السماوبة صورة طبق الأصل الملكية الأرضية . 

وكان الملك الأرضى القاضى الأكبر فأصبح الإله يحمل هذه الصفات ء ولقب 
“بالقاضى الأكير الأخير ' الذى يجازى الإنسان على الخير والشر من أعماله إذن 
الدين فى نظر هؤلاء قد جاء نتيجة تعامل خاص بين الإنسان وبيئته. كما صرح بذلك 
)١(‏ الاسلام يتحدى : ص 7/:17؟ ط تاسعة , سنه 1180: مؤسسة الرسالة » بيروت . 
(؟) تفس المصدر : ص 58 . 


فسن 


"جوليان هكسلى * وأن الإنسان قد خلق هذا الدين وأتم خلقه , فى حالة جهله وعجزه 
عن موجهة القوى الخارجية * )١(‏ 

وفى هذا الميدان نعثر على من يفسر ظهور الدين فى ضوء العوامل الاقتصادية , 
كما هى الحال لدى الشيوعية ‏ وأنه خدعة النظام اليرجوازى الاستعمارى القديم لأولئتك 
المطحونين من الفقراء الذين سليوا حقوقهم الاقتصادية . مصورين لهم أن قناعتهم 
فيما عند الله خير مما ضاع منهم » وفى هذا يقول لينين فى الخطاب الذى ألقاه فى 
المؤتمر الثالث المنظمة الشباب الشيوعى فى أكتوير سنه 192١‏ : " إننا لا نؤمن بالإله , 
ونحن نعرف كل المعرفة أن أرياب الكنيسة والاقطاعيين والبرجوازيين لا يخاطبوتتا 
باسم الإله إلا استغلالاء ومحافظة على مصالحهم ؛ أننا نتكر بشدة جميع الأسس 
الأخلاقية التى صدرت عن طاقات عن وراء الطبيعة غير الإنسان ٠‏ والتى لا تتفق مع 
أفكارنا الطبقية . ونؤكد أن كل هذا خداع ومكر . وهو ستار على عقول الفلاحين 
والعمال , لصالح الاستعمار والإقطاع " 9) 

هذه هى الأسس التى بنى عليها معارضوى الدين معارضتهم ؛ صورت بأمانة من 
واقع وجودها لدى أرباب هذه التيارات : العلمية التجريبية . النفسية والاجتماعية 
التاريخية والاقتصادية . والان نرى ما يمكن ان يوجه إليها من نقض ودحض . 


نقض الأساس الأول : لعل أهم ما يمكن أن يوجه إلى هذا الأساس من ' نقض" 
هو الفرق الهائل بين ما يمكن أن يجيب به العلم على ما يوجه إليه من أسئلة , وما 
يمكن أن يجيب به الدين » مما يتضح معه أن قصور العلم فى جانب تعليل الظواهر , 
يعنى أن هناك قوة خارجة عن نطاق العلم . هى التى يمكن أن تعلل يها هذه الظواهر , 
وهنا يظهر لنا أن الطبيعة حقيقة من حقائق الكون . وليست تفسيرا له كما يزعم 
الماديون» ومايأاتى العلم من كشوف , لا يتعلق إلا بالهيكل الظاهرى للكون , وأن العلم 
يفصل ما يحدث ولا يفسره تفسيرا علميا. إن مضمونه إجاية على السؤال : ما هذا ؟ 
وليس لديه اجايه عن السؤال ' لماذا ؟ ", لقد صدق ما قاله العالم الأمريكى "سيل" : 
(ان الطبيعة لا تفسر شيئًا من الكون , وإنما هى نفسها بحاجة إلى تفسير' . ويقول 
أيضا فى هذا المقام : ' كانت العملية المدهشة فى صيرورة الغذاء جزاء من البدن 
تنسب من قيل إلى الإله ‏ فأصبحت اليوم بالمشاهدة تفاعلا كيماويا » ولكن هل أبطلت 
هذه العملية وجود الاله ؟ كلا وإلا فأين القوة التى اخضعت العناصر الكيماوية لتصيح 
تفاعلا مفيدا ؟... إن الغذاء يعد دخوله فى الجسم الإنسانى يمر بمراحل كثيرة نظام 
دقيق ؛ ومن المستحيل ان يتحقق وجود هذا النظام المدهش بإتفاق محض ؛ فقد صار 
)١(‏ نفس المصدر : ص 55 . 

(1) نفس المصدر : ص 7١‏ . 


زذنرا 


حتما علينا يعد هذه المشاهدات ؛ أن نؤمن بأن الله يعمل بقوانينه العظمى التى خلق 
بها الحياة " 

ويستشهد العلامة وحيد الدين خان بقول العالم الأمريكى المذكور الذى يقول فيه: 
"لو أنك سالت طبديا : ما السر وراء إحمرار الدم ؟ لأجاب لأن قى الدم خلايا حمراءء, 
حجم كل خليه 7٠١/١‏ من البوصة ولو سألته : لماذا فى هذه الخلايا مادة تسمى 
"الهيموجلويين " وهى مادة تحدث لها الحمرة حين تختلط بالأوكسجين فى القلب ولو 
سألته : من أين تأتى هذه الخلايا التى تحمل الهيموجلويين ' ؟ لأجاب : انها تصنع فى 
الكبد . ولى سالته : كيف ترتبط هذه الأشياء الكثيرة من الدم والخلايا والكبد بعضها 
بيعض ارتباط كليا » وتسير نحو أداء واجبها المطلوب بهذه الدقة الفائقة ؟ لأجاب هذا 
ما نسمية يقائثون الطبيعه » ولو سألته : ما المراد بقانون الطبيعة هذا ؟ لأجاب : 
الحركات الداخلية العمياء للقوى الطبيعية والكيماوية. ولو سألته : لماذا تهدف هذه 
القوى دائما إلى نتيجة معلومة وكيف تنظم نشاطهاء حتى تطير الطيور فى الهواء , 
ويسبح السمك فى الماء ويعيش الانسان فى الحياة . بجميع مالديه من الامكانات 
والكفاءات العجيبة المثيرة ؟ لأجايك : لا تسالنى عن هذا . فإن علمى لا يتكلم إلا عن ما 
يحدث بوليس له ان يجدب لماذا يحدث. 


٠‏ صيب 


من هذا نستنتج : 

-١‏ أن العلم له مجاله : وهى تحليل الظواهر , ولا يستطيع تعليلها كما نطق بذلك 
أساطينه واذا كانت الظواهر تحتاج بالضرورة إلى التعليل؛ فإن ما يتكفل بذلك هو 
الدين » وليس العلم . 

”-- أن القوانين الطبيعية التى تحكم عالم المادة ؛ لا يمكن أن تكون ذاتيه لها ٠‏ لأنها لا 
تستطيع ان تخلق لتفسها شيئا » ويما أنها موجودة وجود! واقعا. فإن هذا يدل 
على أن لها مقننا هو " الله " . 

'- أن العلم فى اطراده وتقدمه لا يكشف إلا عن حقائق جزئيه من الكون . هى بعض 
عالم الشهادة . وعدم إدراك العلم .لما وراء العالم المحس , ليس علما بالعدم , 
كما يقول شيخ الاسلام اين تيمية , فدل ذلك على أن وراء أطوار العلم مناطق 
أوسع وأرحب , المتكفل بيياتها والحديث عنها هو الدين وحده . 
وقد كان بوسعنا ان نتظاهر مع عالمنا ' وحيد الدين " بعرض كثير من الأقوال التى 

قررها العلماء التجريبين فى هذا المقام والتى تدل من غير شك على قصور العلم فى 

تعليل الظواهر : ولكن حسيتا هذه الإشارات ؛ لأننا قد نتوسع أكشّ قليلا عند عرضنا 
للنموذج الثانى من الكتب التى اخترناها من بين الكتب التى تبنى منهاجا جديدا فى 

مجال الدراسات العقدية . 


نفس 


-1 


- 


نقض الأساس الغانى : يلاحظ على هذا الأساس ما يلى : 

ان الاستدلال بأن الإله والاخرة قياس للشخصية الإنسانية وأمانيها على مستوى 
الكون لاوجه للريط بينه وبين إنكار الإله » ومن ثم إنكار الدين وإذن فإى دليل مع 
هؤلاء المفكرين يثبت أن تلك الأمانى ليست إلا صدى اخيالات وأوهام لا حقيقية 
لها. 

إن القول بأن الذهن الإنسانى يحتفظ بأفكار قد تظهر فيما بعد فى صورة غير 
عادية قول صحيح فى ذاته » ولكن هل يمكن أن ينهض كدليل على رفض الدين ؟ 
كلا . انه يعتبر استدلالا غير عادى من واقع عادى : فهى أشبه بمن يشاهد مثالا 
يصنع صنما فيصرخ قائلا : هذا هو الذى قام بعملية خلق الإنسان . 

من معايب الفكر الحديث ويخاصة لدى أصحاب هذا الاتجاهء انه يستنبط من 
حادث عادى ؛ دليلا غير عادى وهذا منهاج معيب من الناحية المنطقية . 
اللاشعورية عند الإنسان - من الوجهة العملية - فراغ فى أصله . حيث لايختزن 
فيه شئ؛ قبل مود الإنسان . وهى لا يختزن إلا معلومات ووقائع شاهدها الإنسان 
فى حياته ولى مرة واحدة . ومن الستحيل إن يختزن حقائق لم يعلمهامن قبل . 
ومن المدهش حقا ان الدين الذى جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام » يشمل 
على حقائق أبدية , لا يمكن أن تخضع للحس , ويالتالى لا يمكن أن تكون مختزنة 
فى اللاشعور . والسؤال الحاسم هنا :كيف يتأتى المنكرين أن يرفضوا حقائق لا 
تخضع للشعور وبالضرورة لا تختزن فى اللا شعور ؟ انه رفض لحقائق لا تخضع 
لتصورهم وتفسيرهم لحقيقة الدين ومنيعه , وهى تصور خاص » لم يقم على 
أساس علمى صحيح ؛ لأن تفسير نشأة الدين ليس كما يتصورون.(١)‏ 


نقض الأساس الغالث : ويلاحظ أن الذين يرفضون الدين بتاءً على هذا الاساس 
ماياتى : 


-١‏ أنهم لا يدرسون الدين دراسة حقيقية موضوعية ويمنهج صحيح ٠‏ ولهذ يبدو لهم 


؟- أنهم يعممون أحكامهم ‏ بحيث تشمل كل الممارسات والأفكار التى تنسب إلى 


الدين . أى دين » دون فحصها لمعرفة الصحيح منها من غيره » فى أى مرحلة من 


نظرهم حقيقة اجتماعية ‏ وليس حقيقة خارجية فوق الإنسان والمجتمع . 


"٠ تفس المصدر : ص‎ )١( 


7 


؟- لما كان الدين فى تظرهم عملا اجتماعيا » خضع فى ظهوره لأسباب اقتصادية 
واجتماعية فإن منهج البحث فيه عن حقائقه لا يتجاوز منهج البحث فى العلوم 
الأخرى التى تنشأ فى المجتمع » وهذا خطأ واضع فى تصورهم للدين : وبالتالى 
فى منهج البحث فيه . أن الدين حقيقة واحدة فى ذاتها قد يقيلها المجتمع وقد 
يرفضها , وقد يقيلها قبولا ناقصاء ولكنه يبقى على كل حال علما على حقيقة 
خارجة عن ان تكون أثر لعوامل اجتماعية واقتصادية (1), 
هذه بإختصار الردود التى توجه يها العلامه المسلم وحيد الدين خان إلى معرض 
الدين» وهى فى مجموعها تدل على أن هؤلاء قد رفضوا الدين فى ضوء نظرتهم إلى 
حقائق ناقصة وجزئية لا يتصل بعضها بموضوع الدين مطلقا واعتقدوا أن الدراسة 
العلمية الحديثة قد أبطلت الدين و على حين أننا لو نظرنا إلى الواقع جملة وتفصيلا , 
فسوف نصل إلى نتيجة تختلق عن دعواهم كل الاختلاف . والدليل على ذلك أن كثيرا 
من أصحات العقول الممتازة » بعد أن تركت الدين» أخذت تهذى بكلمات لا حقائق 
وراءها ؛ والسجل الذى أنتجه هؤلاء يشتمل على خراقات وآراء متناقضة ؛ وعلى أدله 
أشيه بالسفسطة . من ذلك ما قاله " برتر اندرسل * : والإنسان وليد عوامل ليست 
بذات أهداف » إن بدأه ونشوءه , وأمانيه ومخاوفه ؛ وحبه وعقائده كلها جاعت نتيجة 
ترتيب رياضى اتفاقى فى نظام الذرة ‏ والغير ينهى حياة الإنسان ولا تستطيع قوة 
احياءه, ان هذه المجهودات الطويلة والتضحيات , والأفكار الجميلة والبطولات العبقرية, 
كلها سوف تدفن إلى الابد مع فناء النظام الشمسى ٠‏ ولولم تكن هذه الأفكار قطعية » 
فإنها أقرب ما تكون إلى الحقيقة حتى أن أية فلسفة تحاول إنكارها ستقى فناسا 
تلقائيا .(") ونقول : اليس فى قول ' يرتر اتدرسل " تعصب مقيت يرجح التفسير المادى 
للحقائق على غيره من التفسيرات الأخرى المحتملة ؛ كما يقول العالم الإنجليزى " 
السير جيمس جينز " فى كتاية الممتاز " عالم الأسرار' ثم ما قيمة الحياة كلهافى ضىء 
هذا التقسير المظلم ‏ الذى يغلق كل أبواب الخير والأمل والتفاؤل أمام الإنسان . 
فيجعل مصيره على هذا الشكل المزرى ؟ وأى قيمة يمكن ان تستقر فى حياتنا لنميز 
بها بين الطيب والخبيث ؟ ثم أخيرا كيف نقيل هذا المصير الذى يسوى فى نهايته بين 
الأسوياء والأشقياء أو بين الصالحين والطالحين ؟ أن التفسير المادى للحياة ؛ انما 
يذهب بقيمها الجمالية » ويحولها إلى ظلام دامس . ويجعل الإنسان فيها ترسا فى آله 
ميكانيكية ؛ لا روح فيها ء اللهم إلا أداء عملها النمطى وحتى تستوفى عمرها 
الاقتراضى. 
(1) تفس المصدر : ص /51ء 54 
(؟) نقس المصدر : ص 5١‏ 


من 


إن اختيار ' رسل ' ليكون نموذجا لهؤلاء النفر الذين رفضوا الدين اختيار له دلالته 
العميقة ؛ لان نبوغه العلمى » ويخاصة فى مجال الرياضات , لم يقده شيئًا , عندما 
تنكب الطريق الصحيح فى النظر إلى الدين والحياة . وفى المقابل نطالع كثيرا من آراء 
الباحثين الممتازين تعيد الأمل والاشراق إلى النقوس من جديد لانها اهتدت إلى النظرة 
الصحيحة للدين ؛ وانتهجت منهاجا حقيقيا فى بحثها العلمى : وهو ما سنتحدث عنه 
الان فى الكتاب الثانى . 


العمل الثانى : الله يتجلى فى عصر العلم : 

هذا الكتاب ترجمة لمجموعة من البحوث العلمية قام يها أصحابها » فى ميادين 
مختلفة من العلم بلغت ثلاثين بحثا ؛ لعلماء أجلاء لهم أقدام راسخة فى مجال 
اختصاصاتهم وبالضرورة لابد ان تكون النتائج التى توصلوا حاسمة فى موضوعنا. 
وكل هذه النتائج فى مجموعها تقرر أن الدين حق , وأن الإيمان بوجود قوة عظمى » 
هى حقيقة علمية عقلية بجانب كونها حقيقة وجدانية شعورية. وهى فى نفس الوقت رد 
مباشر على أولئك الذين يزعمون أن الدين لاحقيقة له . حين نظروا إلى القضية بادوات 
قاصرة وأفهام كليلة . 

ولى ذهبنا نستهعرض النتائج التى انتهى اليها هؤلاء لطال ينا الحديث ولكننا 
مكجتزئ تمائ مض البحوة بالتستحلس متها ما'يمكن ان يفيده التقدم الطمى فتن 
ميدان الدين والإيمان . وليتبين لكل ذى عقل أن الرافضين للدين بحجة التقدم العلمى » 
قد أخطأوا علميا بيجانب ارتكاسهم الدينى . 

من البحوث التى اخترناها : نشأة العلم ؛ هل هو مصادفة أو قصد ؟ لعالم الطبيعة 
البيولوجية ' فرانك آلن' يقول فيه ' كثيرا ما يقال ان هذا الكون المادى لا يحتاج إلى 
خالق ؛ ولكننا اذا سلمنا بأن هذا الكون موجود فكيف نفسر وجوده ونشأته " ثم 
يستعرض احتمالات نشأة الكون على الوجه الاتى : 
-١‏ أن يكون هذا الكون وهما وخدالا , وقد قال ذاك " سير جيمس جينق" . 
؟- النشرة التلقائية الذاتية . ( المصادفة ) من العدم المحض ٠»‏ وقد قال ذلك بعض 


ظًّ 


'- الأزلية المطلقة؛ يعنى أن يكون العالم من مادة قديمة تحركت بذاتها فأصبحت كونا 
- وشى مذهب الماديين عموما ' 
4- أن يكون له خالق مدير حكيم قادر . وهى قول المؤمنين من الباحثين . 


فض 


والاحتمالان الأول والثانى ساقطان ٠‏ فأما الأول فلأنه يتعارض مع الوجود الحقيقى 
الكوخ »وهذا التفسين يرجم إلى إحسائن من يقوليةاء لا إلى الواقع فى ذاته:.وافا 
الثانى » فياطل كذلك «لانه يتعارض مع مبدأ " السببية ' وهى مبدأ بدهى. 

وأما الاحتمال الثالث ؛ فإنه باطل كذلك ؛ لأن قوانين الديناميكا الحرارية تدل على 
أن عتاصر هذا الكون تفقد حرراتها , وأنها سائرة حتما إلى يوم تصير فيه جميع 
الأجسام تحت درجة من الحرارة بالغة الانخفاض هى الصفر المطلق . أما الشمس 
المستعرة والنجوم المتوهجة , والأرض الغنية بأنواع الحياة » فكلها دليل واضح على أن 
أصل الكون أو أساسه يرتيط يزمان بدأ من لحظة معينة » فهى إذن حدث من الأحداث: 
ومعنى ذلك انه لابد لأصل الكون من خالق أولى ليس له بداية » عليم محيط بكل شئ 
قوى ليس لقدرته حدود » ولابد أن يكون هذا الكون من صنع يديه ' )١(‏ 

ومن عله النحوة آيفنا + اكز يعتوان + * الأدلة الطسحية على وحوو الله *كقه 
"بول كلارنس ايرسولد ' أستاذ فى الطبيعة الحيوية . يستهل بحثه بهذا الاعتراف : 
"وقد لمس الناس عامه - سواء بطريقة عقلية فلسفية أى روحانية - أن هنالك قوة فكرية 
هائلة, ونظاما معجزا فى هذا الكون ,. يفوق ما يمكن تفسيره على أساس المصادفة أو 
الحوادث العشوائية , التى تظهر أحيانا بين الأشياء غير الحية , التى تتحرك أو تسير 
على غير هدى " 

ونقض فكرة المصادفة أو العشوائية كتفسير لنشأة الكون » يعنى ضرورة التعليل 
المقبولء الذى يفرض على العقل ؛ واذا كان جمهور العلماء التجريبيين يدركون أن 
وسائلهم وان كانت تستطيع أن تبين لنا بشئ من الدقه والتفصيل كيف تحدث الأشياء » 
فإنها لاتزال عاجزة عن أن تبين لنا لماذا تحدث ؟ إن العلم والعقل الإنسانى وحدهما 
لن يستطيعا أن يفسرا لنا لماذا وجدت الذرات والنجوم والكواكب والحياة والإنسان 
..وعلى الرغم من أن العلوم تستطيع أن تبين لنا نظريات عن السديم ومولد المجرات 
والنجوم والذرات » وغيرها من العوالم الأخرى » فإنها لا تستطيع أن تبين لتنا مصدر 
المادة والطاقة التى استخدمت فى بناء هذا الكون أو لماذا اتخذ الكون صورته الحالية 
ونظامه الحالى . اذن التفكير المستقيم والاستدلال السليم يفرضان على عقوإنا قضية 
وجود الله (5) . وينهى الباحث حديثه بقوله : 'وبرغم أننا نعجز عن إدراكه إدراكاً مادياً 
أو وصفه وصفاً مادياً » فهنالك ما لا يحصى من الأدلة المادية على وجوده تعالى , 
وتدل أياديه فى خلقه على انه العليم الذى لا نهاية لعلمه ‏ الحكيم الذى لا حدود 
لحكمته؛ القوى إلى أقصى حدود القوة " 9) 


.15534 الله يتجلى قى عصر العلم : ص 5 ط ثالثة . القاهرة سنه‎ )١( 
. 37.1586 تقس المصدر : ص‎ )1( 
575 (؟) نقس المصدر : ص‎ 


518 


يظهر مما سيق أن هذا المفكر وان لم يستقصى كثيرا من الأدلة , كما رأينا لدى 
الكثيرين من أمثاله الا انه قال فصل الخطاب فى قضية الرد على المعارضين ‏ حين قرر 
ان " الله ' سبحانه وتعالى موجود وهى فوق التصور الانساتى العاجن : لماذا كان 
الانسان متا يعجز عن ادراك كثير من المعانى الروحية , واقريها إلى ذاته ' روحه هو " 
اللهم الا فى حدود خيرته ‏ فكيف يتصور ان " الله " " المطلق " يمكن أن يخضع للحس 
والتجربة حتى يعترف به هؤلاء المعارضون ؟ 
وقد لفت نظرى وأنا أطالع الكتاب الذى معنا . بحث فى غاية الأهمية والجرأه , 
اعتمد صاحبه على بيان الطريقه العلمية التى ينبغى ان تتبع فى البحث ؛ ثم كشف عن 
تورط بعض الباحثين فى ميدان العلوم التجريبية حين يتجاوزون هذه الطريقه » خضوعا 
لضغوط سياسية أو دينية غير صحيحة » أو أن يكونوا واقعين تحت تأثير الإلف والعادة 
استخدام الأسلوب العلمى . ومؤلفه " ولتر أوسكار لندبرج' عالم الفسيولوجيا والكيمياء 
الحيوية , 
والطريقة العلميه الصحيحه التى تصل بنا إلى الإيمان هى : 
-١‏ ملاحظة العالم لبعض الظواهر التى يقع عليها اختياره. 
؟- تسجيل هذه الظواهر . 
؟- الربط بين ملاحظاته والنتائج التى توصل إليها من سبقه فى مجال بحثه 
حتى يمكنه الحصول على النتائج أو فروض جديدة . 
4- ان يستنبط من ملا حظاته والنتائج السابقة ما يمكن أن يكون تفسيرا 
إن الطريقة العلمية هذه تقوم على أساس انتظام الظواهر الطبيعية : والقدرة على 
التنيؤ بها فى ظل هذا الانتظام . وانتظام الظواهر والقدرة على التنيؤ . هما الأساسان 
اللذان تقوم عليهما الطريقة العلمية . وهما فى الوقت ذاته أساس الايمان يوجود الله , 
إذ كيف يتسنى أن يكون هنالك كل هذا الانتظام ؛ وأنى يتسنى لنا أن نتنبأ يهذه 
الظواهر ما لم يكن هنالك مدبر مبدع . وحافظ لهذا النظام العجيب ؟ )١(‏ إن هذه 
الطريقة فى الاستدلال تذكرنا بما انتهى إليه بعض مفكرى الإسلام » حين استدلواعلى 
وجود الله يوجود هذا النظام الكونى , والعناية الفائقة بهذا الكون 9) . 


, 359,197 تفس المصدر : ص‎ )١( 
(؟) ابن رشد / الكشف عن مناهج الادلة ص 1 تحقيق د/ محمود قاسو ط . القاهفرة‎ 


خض 


هذه بعض شذرات » أخذتها من بعض اليحوث التى أخرجها مجموعه من العلماء 
الإثبات فى مجالات العلوم التجريبية » والتى يمكن أن نستخلص متها: 

(89: ان العلوم التجريبية , بل والانسانية كذلك , تكشف كل يوم عن الجديد من 
القوانين والحقائق التى تؤكد وجود الحقيقة الكبرى ' الله ' وأن دعاوى معارضى الدين 
عارية عن الصحة ,لأنها عارية عن الدليل. 

ثانيآ: إن قشل معارضى الدين فى اثيات صحة موقفهم . استغل من قبل بعض 
المنظمات السياسية والمؤسسات الدينية لصالح طوائف بعينها . يهمها أن يظل الدين 
الصحيح بعيدا عن التأثير فيمن يفرضون سلطانهم عليهم » وأن تبقى فوضى الالحاد 
هى عقيدة هؤلاء. 

ثالثا: ان الخضوع للهوى والبعد عن المنهاج العلمى ؛ والتعصب المقيت للأعراف 
والتقاليد الشاذة . كان من العوامل التى أسس عليها معارضى الدين مواقفهم . 

رابعا: إن موجة الإلحاد التى رأيناها فى الغرب فى القرن الماضى , والتى كانت 
نتيجة مباشرة للتقدم العلمى قى المجالات المختلفة , لا يمكن أن تكون تعبيرا عن الروح 
العامه التى يحياها الإنسان الغريىء انها يمكن أن توصف بالإلحاد الفكرى , الذى لا 
يتجاوز العقل إلى الروح » وقد يكون هذا مظهرا من مظاهر الغرور الكاذب الذى ينشأ 
لدى الإنسان من أثر توهجه العقل وفى غيبة تلك الروح » حتى اذا ما ظهرت عوامل 
إحياء هذه الروح من جديد » تيين لمثل هؤلاء أن ما كانوا عليه من قبل لم يكن إلا سرايا 
يحسيه الظمآن ماء؛ حتى إذا جاءه لم يجده شيئا . ولعل خير دليل على ما أقول ما 
صرح لى به المفكر المسلم الدكتور رشدى فكار فى جلسة خاصة ؛ من أنه زار 
الفيلسوف الوجودى المعروف " جان بول سارتر " وهو على فراش الموت , فقرر أمامه 
إنه لى استقيل من أمره ما استدبر , لانتهج نهجا آخر فيما يتعلق بعلاقته بالدين . يقوم 
على الايمان » وشفع اقراره هذا باعطاء مفكرنا رسالة صغيرة , مكتوية باللغة 
الفرنسية عنوانها: "الارتداد " وتعنى بلغة الاسلام ' التوية ' وليس لنا ان تتعجب من 
هذا لوقف "قثيلقه ككيزة ومكميدة ٠‏ لعل ألهرها ها عزف عن كهابة "فاكس" وها 
سمعناه عن قصة إسلام المفكر الفرتسى المسلم "جارودى" إن هذا الذى حدث ويحدث 
يؤكد ما قاله الحق تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : * إنك لاتهدى من 
احبيت واكن لله بهدي عن إشاء +7 () 
تقريم هذه التجربة المنبهجية في ضوء حقائق الان : 

نسوق هتا الحقائق الاتية : 

-١‏ الإسلام هو التعبير النهائى والأخير لاتصال السماء بالأرضء ودليل هذه الحقيقة 
هى طبيعة هذا الدين » وما جاء به من أحكام : عقدية وعملية وأخلاقيه » هى فى 


)١(‏ سورة القصص : آية 1ه 
كرون 


ا 


3 


فى 


تحليها النهائى ؛ منجاة للانسان من أى انحراف أو ضلال » كما أن قى مجموعها 
العام لصالحة فق . 

الإسلام يجعل من أساسيات الايمان به * العقل ' كما يجعله أساس التكليف 
بأحكامه التفصيلية لكل من آمن به ٠‏ قبل أن يبلغ درجة النضوج العقلى . 

الإسلام دين عالمى قى تطاقى الزمان والمكان » وهذه العالمية تقتضى أن يكون له 
حكم على كل الظواهر الفكرية والسلوكية , لدى البشر جميعا , يما يتلاعم مع 
جعل الإسلام الفيصل بين الحق والباطل فى البرهان الجلى الواضع , أما ما دون 
ذلك مما يظنه الناس دليلا » فى ليس كذلك فهو ساقط من حسايه وأن اصحاب 
هذه المواقف لا يقولون إلا بالظن وما تهوى الأنفس . 

أودع الله أياته الدالة على صدق وجوده وعظمته فى كتاية المسطور وكوته المنثور, 
وحض العقل على اكتناه أسرار كتابه وكونه . قضلا عن آفاق النفس الحافلة بكل 
القوانين التى تحكم عالم المادة وعالم الأحياء . سنن ألهية » فى الكشف عنها 
تأكيد وتدعيم للايمان » متى انتهج الباحثون المنهاج العلمى الصحيح . وفى هذا 
ما يؤكد ان التقدم االعلمى » ليس خطرا على الدين ؛ كما يعم الملحدون . 

أن الزوع الكوئية العامة روم مؤت + شواء متها "كان غاقلا كالاسان ومن في 
حكنة أو غير عاقل كيقة الكائدات الأكرس + والتسكيى ذا سكره الله > مظلهن من 
الإنسانية يكون أقوى وأولى . 

أن الاتجاهات الالحادية تحمل معها أدلة تهافتها , وأن المنهج العلمى يكشف عن 
ذلك دون معاناة . وهذه الاتحاهات بدعة فكرية ضحلة ٠‏ بروج لها الضعقاء فى كل 
زمان ؛ إما لفشل فى استيعات الروح الايمانية وإما لتسخير دعاويهم لخدمة 
فى ضوء هذه الحقائق نقول : إن المنهج الذى ينبغى أن يتبع قى دراسة علم العقيدة 
حياتنا المعاصرة من واجبه أن يعمل فى ضوء الحقائق السابقة , وهذا يقتضى من 


العاملين فى حق هذه الدراسات ما يأتى: 


-١ 


تجاوز الطرق الجدلية التى كان يستخدمها القدماء . وتشكيل أدلتهم فى اطار 
واقعى عقلى وجدانى ؛ يرتكز أساسا على القرآن الكريم » واستيعاب ماضيه من 
روح عامة تغذى عملية الاستدلال وتقويها . بما يتفق مع ملكات الإنسان ومواهبة . 


تقرس 


"- الوقوف على أحدث منجزات العلوم التجريبية والإنسانية » ومعرفة الحق والباطل 
فيها وتنبيه العاملين فى إطارها إلى ذلك؛ مع بيان أن الخطأ الوارد فى هذه 
العلوم» انما يرجع إما إلى الخطأ فى منهج البحث ‏ أو إلى توجيه الحقائق توجيها 
يحولها إلى أباطيل . 
اتخاذ صالح الإنسان من حيث هى القياس الحقيقى للحكم على الآراء والمعتقدات , 
فى حياته الراهنه » وفى حياته الممتدة . 
وأحسب أن مجموعة الدراسات التى أشرنا إليها قى أول هذا المبحث, والتى قدمها 
أصحابها من منظور متطور , والتى اخترنا لتمثيلها كتابى : الإسلام يتحدى ر: " الله 
يتجلى فى عصر العلم ' انما تغذى هذا الاتجاه وتقويه . ونحن فى واقعنا فى حاجة إلى 
المزيد من مثل هذه الدراسات يل فى حاجة إلى دراسة أكثر استيعايا ‏ لرصد ما عسى 
أن يكون من انحراف عقدى وقكرى فى كل النتاج الفكرى المعاصر . 
ولعل أهم ما يمكن أن يقال فى هذا المقام » أن مؤسسساتنا التريوية بكل أنواعها 
خصوصاً ما كان منوطا به متها القيام على الدراسات العقدية كالأزهر الشريف وما 
فى حكمه من المؤسسات الأخرىء أقول: هذه المؤسسات لا تزال حتى يوم الناس هذا 
أسيرة المنهاج القديم فى دراسة العقيدة , تهيبا منها وخشية أن ينال التجديد تلك 
القوالب الجامدة ؛ غافلين عن حقيقة هامة . هى أن التجديد الذى تعنيه , ليس تجديدا 
فى القضايا والمسائل يل فى المنهاج والأسلوب , وأختم كلامى بأن أسوق لكل ذى 
يصرء ما ذكرته فى التمهيد لهذا البحث , وهى قوله تعالى : " أدع إلى سبيل ريك 
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن .. ' )١(‏ ثم أقرر : إن هذه الآيه 
تعتير إطاراً عاما » ينبغى ان تراعى فيه الظروف ومقتضيات الأحوال . فإذا اعرضنا 
عن ذلك ٠‏ بالتمسك بأسلوب لا يتساوى مع مطالب العصر ؛ متجاوزين لروح المنهج 
الذى أومأت هذه الآية » وكنا متجاوزين لواقع له مطالبه إلى ماض لا يفيد منهاجه فى 
واقعنا شيثا . 





١؟ه سورة الثحل : آية‎ )١( 


تحرضن 


منهج المسلمين فى علم الكلام 


إن منهج المسلمين فى علم الكلام موضوع يبدو للبعض أنه تسجيل مسلسل لمواققف 
المسلمين فى هذا المجال . والحقيقة أن التسجيل وهو تسجيل تاريخى يمثل نقطة من 
ساد على مر العصور . وكانت له سماته فى كل حقبة زمنية وكل بقعة من بقاع الأرض. 
ولعله يكون من المفيد البدء بتحديد مضمون تعبير « علم كلام » انطلاقا من مختلف 
التعريفات التى وردت فى كتاب الاصطلاح )١(‏ وألتى لن نقف عندها بالتفصيل وإنما 
نحيل إلى بعضها (') , ونذكر منها معنيين يرتبطان بما ثار حول العقيدة : 
الأول : كلام ليس له رابط ولا ضابط ويثير التساؤل حول نقاط عقائدية مما ينتهى 
بالعقول إلى الشك والريبة . 
الثاني : كلام لدحض ما يثار حول العقيدة » بهدف الدفاع عنها . 
فحص أو تمحيص , ولمجرد الكلام فى موضوعات فى العقيدة دون وعى يطبيعتها ومدى 
قدرة العقل الانسانى على الخوض فيها بوعى وادراك . والعقل الانسانى - كما تعلم - 
له حدوده التى لاتسمح بالخوض فيما لم يفطر على ادراكه وهو الغيبيات ٠‏ ولذلك نهى 
الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكلام فيما لايملك العقل ادراكه وهى القيب » ولذلك 
قبل عن هذا اللون من الكلام الذى نهى عنه الرسول تعبير : « الغث من الكلام » . 
أما الكلام الذى يقال من قبل المخلوقين للرد على الغث من الكلام دفاعا عن العقيدة 
فانه الثمين من الكلام - وقد خاض فيه كبار رجال العلم من فقهاء وغيرهم وكانت لهم 
مواقف دفاعية لها ثقلها لما تتميز به من قوة واتساق ينطلق من تقدير الواقع » مما جعل 
لها منهج واع تجلى فى ردود أصحايها. 





)0( كشاف اصطلاحات القنون للتهانوى. مادة « كلام ». 

() أنظر مثلا - كتاب التثبيه والرد علي أهل الأهواء والبدع للملطي من من ١8‏ - ص 41 حيث يقسر لفظ « كلام» علي 
خمس أوجه هي : ما يعني كلام الله الذي كلم به عباده وكلام الله يمعني الوحي وهوه القرآن » ثم يقصمد به أيضما : 
كلمات الله . في علم الله وعجائيه والرابع : كلام من المخلوقين ولايسمعه ينو آدم - وأنظر ايضا الملل والنحل للشهر 
ستاني من صفحة ه4١‏ 105 وه الخطط » للمقريتي ص ؟ , صر8! والقرق بين القرق : للبقدادي (عبدالقاشر) 
م١77‏ . 


77 


ومن أوائل المواقف الكلامية . بعد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن الخوض 
قى الكلام فى « القدر » ما قاله الإمام على بن ابى طالب )١(‏ كرم الله وجهه وذلك فى 
مناظرة بينه وبين القدرية وقد رد على أحد شيوخهم قائلا : « ولم تكونوا فى شئ من 
حالاتكم مكرهين » ثم قال : « .. لعلك تظن قضاء واجبا وقدراً حتما ؛ لو كان ذلك لبطل 
الثواب والعقاب . وسقط الوعد والوعيد , ولما تأتى من الله لائمة لمذنب , ولامحمدة 
محسخن »+ كلك مقالة اخوان القياظين» وعيدة الأوكان :وخصنماء الرحمن + وشنهان 
الزور وأهل العلماء عن الصواب فى الأمور ..إلى آخر الخنص » () , 

هذا كلام الامام على كرم الله وجهه ؛ وهو كلام دحض به القول بالجيرية , اعتماداً 
على المعانى السامية الواردة فى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة . مبينا 
التعارض بين القول بالجبر ٠‏ والقول يتكليف العبادء فالأول قول جاهل عميت بصيرته 
والثانى قول مؤمن يعلم بواطن أمور الشريعة الاسلامية ويحث على العمل بها ولذلك 
فالامام على كان فى موطن المجادلة المحمودة - يقرع الحجة مقدما الأدلة النقلية 
والعقلية - وهذا صقل ذهنى قوى تحقق بفضل تدبر آى الذكر الحكيم والسنة النبوية 
الشريقة . ويمثل منهج الدراية بالأمور وضبط المقاهيم حسب دلالة النصوص المنزلة , 
قرانا ووسنة . فالأساس فى هذا الجدل المحمود هو المعانى التى جعل منها الامام على 
رضى الله عنه معياراً للحكم على مختلف المواقف التى وردت عليه خاصة ما تعلق منها 
بأمور العقيدة وما بها من غيبيات تفوق مستوى العقل البشرى ء فكلنا يعلم ان 
موضوعات المعرفة فى الاسلام منها ما هى فى مستوى العقل اليشرى و هذا يتعلق 
بعالم الشهادة ؛ ومنها ما يفوق مستوى العقل البشرى وهذا يتعلق بعالم الغيب الذى 
لايملك العقل اليبشرى معرفة كنهه , ويملك فقط اثبات وجوده وهذا موقف ذهنى له 
قيمته () , 

وكذلك كان منهج عبدالله بن عمر رضى الله عنهما الذى واجه أقوال الجهمية وانتهى 
إلى أن تبراً منهم يعد مجادلتهم بالحسنى عملا بالآية الكريمة « وجادلهم بالتى هى 
أحسن» ثم رسالة عمر بن عبدالعزيز فى الرد « على القدرية أمر له قيمته على نحو ما 
يرد فى كتب تاريخ الفكر الاسلامى ) وتجد أيضا الحسن البصرى ١١١(‏ ها - 
6م ) الذى له رسالة فى ذم القدرية ؛ لها قيمتها . 
(1) ه المنية والأمل » : لابن المرتضي ص 7 . 

والامام علي : البلاغة - للشريف المرتضي - ويه الكثير عن مواقق الامام علي في مجال الدفاع عن العقيدة. 
(1) « المثية والامل » لابن المرتضي صن 5 ؛ ص / . 
(؟) « العقيدة التظامية » للجويني امام الحرمين : ياب السمعيات ص /اه . 

وأيضا - الإرشاد اي قواطع الادلة في أصول الاعتقاد للجويني امام الحرمين ص 8 . 


ل( « الفرق يبن الفرق » : لعيد القافر البغدادي حيث يرد ذكر عدد كبير من أوائل المدافعين عن العقيدة ٠.‏ 
- وأيضا : كتاب أصول الدين للبغدادي ٠‏ 


نكرو 


ولغل اليبعث عن يعض هذه المراجع يعلى فرصة لإحكم علي طريقة الأوائل بقن 
الدفاع عن العقيدة , ونتاجهم كله يتمثل فى الرد على القدرية - والخوارج « 
والروافض». 

ولعل تسمية « الفقة الأكبر » تلفت النظر إلى أسلوب أبى حنيقة فى النظر إلى 
الحقائق العقائدية ‏ وقد تعلق كلامه بالاستطاعة مع الفعل . 

ثم الشافعى نفسه ( ٠١5‏ ه / 858م) تناول مسائل الكلام بالدراسة والفحص , 
فله آراء فى تصحيح النبوة والرد على البراهمة وتلامذة الشافعى أيضا لهم جهود فى 
مجال الورد على القائلين بخلق الأقعال » . 

هؤلاء كان الغالب عليهم هى مجادلة الخصم انطلاقا من النص المنزل قرآنا وسنة , 
ليقدموا لهذا الخصم مايمكن أن ينقى ذهنه من الفهم الخاطئ للنصوص المنزلة - 
فكانوا يتدبرون آى الذكر الحكيم ويقفون مع هذا الخصم وقفه لين )١(‏ يناقشونه قيما 
ملأ به رأسه من آراء , توارثها اى وقع عليها بعد دخولها إليه متسرية من الثقافات 
المجاورة أى مدسووسة على البيئة الفكرية للمسلم » من قبل بعض المغرضين ممن يكيدون 
للإسلام فكانوا فى مواجتهم هذه د نطلقين من أسس فكرية إسلامية . 

نتبين مما سيق أن الكلام فى الدفاع عن العقيدة قد ظهر عند ظهور الحاجة إليه 
وهذه الحاجة كانت لقصور بعض العقول عن تقدير بعض المسائل الإيمانية » او لتخفيذ 
أغراض من يودون - عن قصد ونية - النيل من الدين الحنيف . 

وكلام على رضى الله عنه ومن جاء من يعده حتى أواخر القرن الثانى الهجرى أو 
قبل ذلك بقليل ؛ يمثل أسلويا من المواجهة بين الآفة الذهنية عند من ضلوا » وبين 
العلماء قى الدين: له سمة الواقعية ؛ بمعنى أنه يجئ على قد الخطر الزاحف ليقضى عليه. 
وعتدما تقول على قد الخطر الزاحف ؛ نعنى الانحراف النفسى والعقلى عن سواء 
السبيل فى فهم أسس العقيدة ومقتضيات تنفيذ أوامرها وأحكامها وتعاليمها ولذلك 
فهى واقعية أى أن الدواء الشافى العاقى للعقول والنقوس بالتسبة لأمور العقيدة لم 
يتحدد فحواه إلا بعد تحديد أبعاد الآفة أى ابعاد الداء - فاذا ما تحددت أبعاد الداء » أمكن 
تحديد أبعاد الدواء. وهذه قاعدة لها أهميتها وطبقها المفكر المسلم فى أغلب مواقفه 
الكلامية . 





- | مقالات الإسلاميين للاشعري تحقيق ريتر . 
- الإباثة عن أصول الديانة : للاشعري : تحقيق وتقديم وتعليق كاتبة هذه السطور طبعة أولي : 1113 طبعة ثانية 
/ا4ذا . 
- لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة للجويني امام الحرمين : تحقيق وتقديم كاتبه هذه السطور طبعة اولي 
( سلساة تراثنا ) سنة 1475 طبعة ثانية . بيروت , 1181 ٠‏ 
)١(‏ الإمام علي : نهج البلاغة .. الشريف المرتضي - وهى كما ذكرتا به العديد من المواقق التي كان فيها الامام علي 
رضي الله عنه مداقعا عن العقيدة علي الأسلوب الذي اعتاد. وهى تدير آي الذكر الحكيم . 
مازقا 


ولما كان الداء نايعا من البيئة الداخلية » أى أن القول الهام لحقيقة عقائدية قد صدر 
من عقلية عربية - وقد تبينا أن المسائل التى شغلتهم لم تخرج عن الجيرية اى الحرية 
المطلقة أى مرتكب الكبيرة أو الزج بالقول يامام يتحدى فى بعض نواحى امامته حدود 
بشريته أو الارجاء - وكلها أمور ظهرت بناء على نقاش غير محمود قام بين بعض 
الجهلة أى بعض المغرضين » فإن الدواء قد قيس على طبيعة الداء - وكان المنهل الذى 
نهل منه هى النصوص المنزلة : قرآنا وسنة فاستقى العلماء الحجج والبراهين للقضاء 
على الخلل الذهنى من هذا المنهل الريانى وكلنا يعلم ان النص المنزل يحت ضن فى 
الايمان امكانية ظهور صقل ذهنى )١(‏ ومن هنا اتخذت النصنوص المنزلة منهلا 
وأصيحت أطراف الدفاع تتقارع بالحجة مع أصحاب الرأى الفاسد - انطلاقا مما ورد 
فى النصوص المنزلة معتمدين فيما يقدمونه على أصول التفسير كما بينها أوائل 
المسلمين من أهل التفسير . وعلى رأسهم اين عباس رضى الله عنهما . 

وقد تبينا كيف أن عليا رضى الله عنه وقد واجه فكرة الجبر يدلالة التكليف المنزل 
الذى لايكون الا اذا كان المكلف صاحب حرية وارادة - يترتب عليها الثواب والعقاب . 
اى كان مسئولا أمام ريه . 

وكان اعتماد على رضى الله عنه ؛ على دلالة الفعل الانسانى فى الاسلام ؛ كافيه 
للقضاء على ضحالة القول بالجبرية أو الحرية المطلقة ؛ اى ذلك المفهوم الذى قال به 
بعض المعتزلة الذين كانوا يقدمون العقل على التقل . متجاهلين وجود ارادة الله عر 
وجل أعطت للعباد فطرة تقدير حريتهم فى حدود البيئة الخاصة لأفعالهم والتى تخضع 
لمختلف الظروف والملايسات الخارجية والنفسية التى خلقها الله والتى يعلمها فهو« 
الخبير ؛ العليم» فردود المدافعين عن العقيدة قى هذه الحقبة الزمنية قامت على أصول 
القكر الاسلامى أو أسسه من جهة ومن جهة اخرى على ثراء ترابط المعانى وتكامل 
الأوضاع بين كل ما فى عالم الشهادة من جزئيات والايمان يوجود إرادة الله فالمتيع أى 
المنهل الذى اعتمد عليه المدافعون كان هذه المعانى المازلة التى يتضمنها كلام الله والتى 
وقق هؤلاء المدافعون فى تبينها والرد يها على أصحاب الأفكار المناوئة . 

فكيف نسمى هذا المنهج الذى سار عليه هؤلاء الأوائل من علماء المسلمين فى مجال 
الدفاع عن العقيدة ؟ 

إن البعض يسميه « منهج السلف » (') تسبة إلى أهله من سلف الأمة الصالحين . 


)١(‏ ينظر بحث « اسس الفكر الاسلامي » الذي القي بملتقي الفكر الإسلامي الثالث والعشرين بالجزائر فيما بي 
5 حتي ه/ره/1485 بقلم كاتبة هذه السطور . 

(؟) « الإبانه عن أصول الديانة للأشعري أبى الحسن » تحقيق وتقديم وتعليق كاتبة هذه السطور طبعة اولي من صقحة 
اشن لا انان 31. 


الرذرا 


ويسميه البعض الآخر : ب« دين العجائزء )١(‏ نسبة أيضا إلى القائلين به ممن 
عاصرهم بعض من قالوا يطرق أخرى - وكأن أولئك قد تقدمت بهم السن » وعرفوا 
طرق الآخرين بل واتقنوها ٠‏ فأرادوا أن يفرقوا بين هذه وتلك , فقالوا عن الأولى « دين 
العجائز» وقد ظهرت هذه التسمية بالذات على لسان الجوينى إمام الحرمين ( 1/4 ه 
/86٠م)‏ . 

ولكن إِنْ أردنا أن نسمى هذا المنهج بحسب الأسلوب المتبع فيه فإنا نجد أن 
المدافعين عن العقيدة قد اتبعوا أسلوب الفقهاء الذين كانوا يرجعون الى النص المنزل 
لتيين « العلة » قى الحكم الخاص بالنازلة التى لم يرد فيها نص . 

ولا غرابة فى ذلك والكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة هما أساس مختلف العلوم 
التى ظهرت فى البيئة الإسلامية فى ذلك الحين فعلماء الكلام ؛ كفيرهم من أهل العلوم 
الأخرى التى ظهرت حول القرآن والسنة اعتيروا النصوص المنزلة الأصل فى تبين 
حقيقة الوقفة من المخالفين » فتدبروا النصوص وتبينوا دلالتها وكانوا يجتهدون 
كمفسرين لها » ورأوا ان من النصوص المنزلة مايدفع غائلة هجوم الجهلة والمغرضين 
من المهاجمين فاستقوا ردودهم من النصوص التى ورد بها قول الله عز وجل عن 
المشكلة المطروحة كفكرة او وقفة مخالفة للعقيدة وقدموا النصوص المتعلقة بالإيمانيات 
وكان موققهم من الأمور الغيبية يقرها كما وردت لآن النص المنزل هى المصدر لمعرفتهاء 
ولايملك العقل أن يصل إلى كنهها وانما فى مقدوره إثيات وجودها . 

وموقف من دافع عن الاسلام فى القرن الثانى ؛ من أهل السنة كان موقفا يعتمد 
على بيان تفسير النصوص المنزلة التى يستشهد بها الخصوم ء وكان بيانهم يقوم على 
تطبيق ما عرف فيما بعد « بأصول التفسير » مستأنسين يفهم الصحاية رضى الله 
عنهم . 

الأمر الذى جعل خصومهم من أهل الجبر والشيعة والمرجئة وغيرهم رغم مكايرتهم 
فى العلم لايملكون مواجهة الفهم الصحيح لكلام الله فاتجه أغلبهم إلى كتمان نزعاتهم 
نحو القهم الخاطئ للنصوص - وانقطعت أقوالهم لأنه لاخلاف فى أصول العقيدة - 
فالخلاف جائز قى الفروع . 

ولذلك إذا كنا قد ذكرنا أن أسلوب علماء الكلام فى ذلك الحين كان أسلوب الققهاء 
- فانا نعنى ذلك أنهم كانوا يرجعون إلى النص المنزل ليتدبروه ويتقنوا فهمه -- قضاء 
على الخلاف - إذا ليس من المقبول - كما أثبتنا أعلاه أن يقف الجانبان على مستوى 


- 1546 - 594 , ينظر سيرة الإمام : الجويني مثلا يكتاب« مسالك الابصار » لابن فضل الله العمري ج 'اق‎ )١( 
. وطيقات الشافعية الكيري للسبكي ج ؟ سيرة الجويني ؛ وغيرها‎ 


يننا 


التساوى على نحو ما تجد ذلك فى المذاهب الفقهية فى مجال « الخلاف العالى » حي 
يقوم السؤال الجدلى على التمائع والتدافع . )١(‏ 

فمنهج الجدل فى الفقه . ليس له مكان فى مجال العقيدة لأن الجدل فى الفقه بين 
مذاهب لها مبادئها ‏ التى هى من وضع علماء رأوا تناسبها مع ظروف البيئة الخارجية 
لفئة من الناس , فتعدد المذاهب فى الفقه وقيام الجدل بينها أمر مناسب لمفهومى 
النسبية والاحتمالية اللذين يقرهما الإسلام كأساس لوقفه العلماء الاجتهادية فى 
الأحكام . 

أما العقيدة فالجدل فيها بهذا المعنى غير جائز » أى لايصح أن يقف على مستوى 
التساوى من هم من السلف الصالح من أهل السنة » ومن هم حائدون عن طريق 
الصواب فى فهمهم للعقيدة لأن أصول العقيدة واحدة - كما سيق وأثيتنا ذلك . 

ولهذا يصبح قول ابن خلدون الخاص بمنهج المتكلمين فى حاجة إلى تعليق » فقد 
قال: ان اسلويهم هو الجدل وهى لايعنى بالطبع « الجدل فى الفقة » لأنه من العلماء 
الذين يعلمون مختلف خصائص العلوم وخاصة الإسلامى منها ‏ أقصد الدينى منها أى 
العلوم التى نشأت حول القرآن والسنة .وائما يعنى ب « الجدل » هنا « المناقشة », 
مناقشة الآراء حول العقيدة حفاظا عليها من كل ما يمكن أن يمسها بسوء - والمناقشة 
لرقع الآفات الفكرية واجبة - وقد ورد فى بعض الكتابيات عن تاريخ علم الكلام تعبير « 
تاريخ الجدل»!") وكان عرضا للآراء الكلامية للفرق فاللفظ مستعمل بمعنى مناقشة 
ويجب التفرقة بين الدلالتين : دلالة اللفظ فى مجال الفقه حيث الخلاف العالى أو الجدل 
بين المذاهب الأربعة . والجدل فى هذا المجال : تمانع وتدافع ويبدأ دائما "بهلية" 
المذاهب 9) أى بسؤال : هل لك مذهب ؟ وذلك بين المسترشد والمسئول أى العالم , 
استاذ الياحث المسترشد . 

ومرة أخرى نذكر الباحثين بأنه إذا كان يجوز الجدل على مستوى التمانع والتدافع 
بين المذاهب الفقهية التى وضع أصول العمل بها رجال من العلماء - فإن الجدل فى 
مجال العقيدة لايجب أن يتحدى الشرح والبيان والتوجيه . 

وبالتالى فإنه ريما يكون من المفيد تسمية المنهج المتبع فى تلك الحقبة الأولى بمنهج 
السلف الصالح فى الكلام وهى منهج يقوم على تدبير النص المنزل : قرآنا وسنة لفهمه 
فى ضوء أصول التفسير التى هى : 
)١(‏ ه الكاقية في الجدل » للجويني إمام الحرمين , تقديم وتحقيق وتعليق كاتية هذه السطور , عيس البابي الحلبي ١1/4‏ 

( التقديم ) خاصة صفحتي 48 55١‏ وما بعدهما . 
)١(‏ تذكر هنا مرجها حدث لأحد كبار العلماء وهى الشيخ محمد أبوزهرة الذي صنف كتابا في تاريخ الفرق الكلامية 

بعنوان « تاريخ الجدل » . 
(5) « الكافية قي الجدل » للجويني إمام الحرمين - تحقيق وتقديم وتعليق كاتية هذه السطور . 


58 


تفسير القرآن بالقرآن ‏ تفسير القرآن بالحديث , إتقان اللفة العربية معرفة مناسبة 
النزول » إن القرآن العزيز لايخرج عن ظاهره إلا يحجة وإلا بقى على ظاهره - مراعاة 
الأخذ بالإجماع . الخصوص والعموم : إعطاء الأولوية للنص المنزل قرآنا كان أم سنة 
فتطبيق هذه الأصول هى ال محك أو المعيار الذى به يعرف منهج أهل السنة فى رد الحجة 
بالنص المتزل عند مواجهة قول المدعين فالنص المنزل لابد أن يكون هى أساس المناقشة 
لفكر المناوئين على أن يفهم من خلال تطبيق أصول التفسير . 

ثم إن منهج السلف الصالح بالنسبة لموضوعات المعرقة يفرق بين موضوعين عالم 
الغيب والشهادة وهذا المنهج بالنسبة لما هى غيبى لايحث على النقاش كما أشرنا وانما 
يدعو إلى أن يمر الباحث الحقيقة المتعلقة بالأمور الغيبية » على نحى ماوردت . والنص 
هنا هو المصدر لكل ما يخص هذه الحقائق التى لايملك العقل سوى إثبات وجودها كما 
بينا » دون معرفة حقيقتها . 

وما كان العقل غير قادر على إدراك حقيقة الغيبى فقد حرص القرآن الكريم على 
تقديم أسلوب أو منهج ليس للعقل فيه دخل وهى المنهج القائم على الإيمان والتصديق . 

ولكن هذا الطريق لايأخذ به علماء الكلام فى مواجهتهم للجموع . إذا أن القائل 
يآفه ما يحتاج الى الدليل العقلى لدحضها , والدئيل العقلى عند هؤلاء الأوائل فى هذه 
الحقبة المتقدمة من حياة المسلمين الكلامية لم يكن يبنى على طريقة نسق أو أطر ذهنية, 
وانما كان يلجأ إلى النص المنزل يستقى منه الأدلة والمعانى التى تنير طريق العقل 
فيتخلص مما يؤرقه . 

ومرة أخرى هل نسمى منهجهم منهج السلف الصالح من أهل السنة الجماعة أم 
نقول « منهج العجائز » . 

إن هذا المنهج اعتمد على تدبر النصوص المنرّلة وفهمها من خلال تطبيق أصول 
التفسير وهو المتهج الذى كان يطبقه الفقهاء وكان صاحب علم نشأ حول القرآن والسنة 
مع قارق وهى : إذا تعددت المذاهب فى الفقه وقبلت على أساس أن الاجتهاد واجب 
خاصة عند الحاجة إليه فى الأمور الدنيوية فإن العقيدة لاتقبل هذا التعدد كما أشرنا 
والأصول العقائدية واحدة فى الإسلام ومن يخالفها يحيد عن طريق الصواب فمنهج 
علماء الكلام فى هذه الحقبة له خطواته . 
١‏ - حصر الآفة الذهنية والتعرف على أبعادها . وذلك بدراسة الخلفية الذهنية للقائلين 

بها. 
؟ - تدير النصوص المنزلة قرآنا وسنة لمعرفة الحقيقة المنزلة بخصوصها . 
- تطبيق أصول التفسير عند تناول النص المنزل مع الاستئناس برأى الصحابة 

رضى الله عنهم . 


رضن 


4 - الثيات أمام الحقيقة التى يساندها التص . 
ه - الاستعانة بُساليب توضيح , أى كما يقال اليوم : بوسائل ايضاح نظرية وعملية 

لتقريب معانى النصوص للأذهان . 

حدث بعد ذلك أن تسريت للبيئة الفكرية للمسلم عناصر ثقافات مجاورة امتلأت 
بالكثير من آراء أصحاب الفلسفة من اليونانيين - وكان هذا التسرب من خلال ترجمات 
أفراد ليسوا على مستوى رفيع فى مجال الفكر الفلسفى - فانتشرت الفلسفة اليونانية 
بغثها وثمينها وقويل هذا الانتشار بالترحاب من كل من كان يسمع بهذه الفلسفة فيأخذ 
بها ورد بها » دون فحص أو تحميص . 

وما كانت هذه الفلسفة بها آفات تمس العقيدة : مثل ب 

- القول يقدم العالم . 

- وان الحقيقة فى المتعقل )١(‏ , 

فقد خشى العلماء أن يتأثر المسلمون يما ورد بها فتنتقل الافتان إلى عقولهم . 
والآفة الأولى تمس يصفة مباشرة عقيدة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لأن 
تقوم على الشرك يالله , فالعالم قديم وهذا يتعارض مع الحقيقة الإيمانية وهي أن الله 
وحده المثفرد بالقدم وأما الآفة الثانية » وهى أن الحقيقة فى المتعقل , أى حقيقة الوجود 
غير موجوداً عينيا كتليا فى الواقع الخارجى , بصفة منفصلة عن الذات العارفة . الأمر 
الذى يجعل العألم غير موجود لقدرة الله على الخلق . 

وهذه الآفة تمس أيضا العقيدة إن أنها تقضى على صفة « الإرادة » إرادة الله عز 
وعلا وهذا يتنافى مع اثبات صفة القدرة لله تعالى بالاضافة إلى أن هذا القول 
الفلسفى يؤثر على الفهم الصحيح للوجود أى فهم الأفراد , إذ أتهم يرون أن الوجود 
غير موجود - لأن تعريف الوجود « بمأ هى موجود » يجعله ماهية متعلقة فقط دون أن 
يكون له أى واقعية .. وواقعية العالم أساس لازدهار العلوم الجزئية - كما نعلم . 

فالفكرتين يترتب عليهما ضرر عقائدى وذهنى ٠‏ 

- ولما كانت هاتان الفكرتان وغيرهما قد وردتا إلى العقلية العريية فى صورة تتميز 
بالاتساق المنطقى الخلاب للذهن فقد أقبل المسلمون منبهرين بما قرأوا ظنا منهم أنهم 
أمام حقائق لها ثقلها » وكان هؤلاء خاصة ممن لم يقرأ الفلسفة قراءة متأنية - ولا 
عرف شيئًا عن مثالبها - الأمر الذى جعل هذا الانبهار يمثل خطورة كبيرة على سلامة 
عقيدة المسلمين. 
)١(‏ .206قلها مقط - بإطمهدم1أطم 19 ع0 عسوتعطعع1' عئتةاسطوعم8/ - 428 متستمة ع2 : علأماكائق 

.1م .1031 -2 [من) .ععصواوطنه عاءتامة دومناتلط درعد 


5. 


هذا التفير فى عنصر الخلفية الذهنية لجماعة المسلمين جعلت عاماءهم يعاودون 
النظر فى منهج مواجهتهم لجموع الناس فرأوا أن من المصلحة متابعة خصائص الفكر 
الدخيل لحصر مواطن الخلاف بينهم وبين آراء الفلاسفة - فوجدوا أن فلاسفة اليونان 
وخاصة أرسطى الذى انتقلت كتبه إليهم منذ زمن مبكر من خلال قيائل اليهود 
والنصارى بشبه الجزيرة العربية . قد خاضوا فى مباحث المعرقة والوجود والقيم 
فدرسوا هذه الأقوال فى مظانها الأصلية وتبينوا الخطر فى القولين سابقى الذكر وهما 
فى مبحث الوجود : أى القول بقدم العالم والقول « بان الوجود يما هى موجود أى أن 
ماهيته متعلقة . 

وأسفرت دراسة الأساليب اليونانية عن الآتى : وهو أن أصحاب هذه الفلسفة 
يعتمدون على التعريفات التى تقوم فى الأغلب على التأمل ؛ ثم يطبقون القياس 
الأرسطى القائم على مقدمتين ونتيجة وكان من نتائج هذا التتبع لأساليب اليونان )١(‏ 
أنهم وجدوا أن منهج اليونان ليس فيه ضرر » وان كان ليس فيه منفعة يقصدون 
القياس الأرسطى فقبلوا كأسلوب من بين الأساليب الممكن العمل بها ووقفوا عند يعض 
التعريفات التى وجدوا لها تأثير فى توجيه النتائج - فاهتموا أول ما اهتموا بتعريف 
العالم وجعلوا له الشكل اليونانى . فقالوا : العالم جواهر وأعراض . 

ولما كان القول بالقدم هى الذى يؤرقهم فقد أعطوا لهذين اللفظين دلالة تؤدى يكل 
منهما إلى إثيات الحدوث دون القدم , 

ولذلك نجد أن أول مجهود قام يه المسلمون فى تطبيق هذه الطريقة هو ما قدمه 
أوائل المعتزلة الذين قدموا تعريفا للجوهر وآخر للعرض () . 
فالجوهر عندهم هى : مايقبل العرض ويرى البعض أنهم قالوا بأن الجوهر هى حامل 

للأعراض وهذا تعريف أرسطو . 

والعرض هى : هو صفة آيلة للزوال . 

ثم وضعوا أصولا انتهت إلى الاحتفاظ بالموجود فى ذاته وليس الموجود المتعقل . 

وانتهتى القول بالجوهر والعرض إلى إثبات الحدوث فى الوقت الذى كان هذان 
المصطلحان يؤديان إلى القدم فى مذهب أرسطى . 

فخرج المعتزلة من المأزق الأول ٠‏ مأزق القول بقدم العالم . 

ثم نجد المعتزلة من بعد ذلك يحاولون التخلص من القول بأن الحقيقة فى المعقول 
فيقدموا فكرة فى أصول إثيات الحدوث التخلص من القول بأن الحقيقة فى المعقول 
)١(‏ كتاب ترجيح أساليب القرآن علي اساليب اليونان للصنعاني . 
(؟) كتاب « المقني » للقاضي عبدالجيار المعتزلي - مايخص العرض والجوهر 


ديق 


فيقدمون فكرة فى أصول إثيات الحدوث وهى اثبات استحالة تعرى الجوهر على 
العرض - فإذا بهذا الأصل ييقى على كتية الموجود خارجيا ويجعل من قسمته إلى 
شقتين : جوهر وى عرض : قسمة ذهنية » أى فرضا عقليا لا أثش له على حقيقة وجوده 
الخارجى فى كتلته العينية إمعانا فى القضاء على معقولية الموجود على نحو ما عليه 
الأمن عه اليوناف: 

ولكن تعريفهم الشئ قضى على هدفهم لأنهم قالوا : 

« بان الشئ هو المعلوم « و« المعلوم هى الشئ » () ولم يقولوا قول الأشعرية من 
بعد وقد فطنوا إلى زلة المعزلة قال الأشاعرة « الشئ هو الموجود » والموجود هى الشئ. 

فإذا كان المعتزلة وهم أهل الفرقة الكلامية التى ظهرت بعد الخوارج والشيعة 
والمرجئية قد خاضوا فى تعريفات وقدموا بعض أساليب اليونان بعد تخليصها مما كان 
لها من مضمون اصطلاحى قى تراثها وذلك كمحاولة منهم لتخليص أذهان المنبهرين 
بالفلسفة من برائن الأفكار المناوئة للعقيدة . فانهم قد حادوا عن طريق الصواب فى 
بعض التعريفات وزلت قدمهم ٠‏ حتى كادوا أن يقولوا بالقدم دون أن يدروا : 

وأقول دون أن يدروا لأنهم قد حرصوا! على المضمون الفكرى الإسلامى الذى 
صاغوه فى شكل يونانى ؛ لأن عن تقدير لهذه التقسيمات الذهنية الوافدة » ولكن 
حرصا منهم على ابقاء عقول العوام المنيهرة بالفلسفة تحت سيطرتهم وكان ذلك عن 
طريق تقديم ألفاظ من الفكر اليونانى لها مضمون إسلامى كما ذكرنا . 

ومن زلاتهم أيضا قولهم ينفى الصفات(') اذا اثيتوا أنها عين الذات وكان فى 
موقفهم هذا اسراف فى الاعتماد على العقل دون النقل فبعدوا (') عن الوقفة الاسلامية 
الصحية رغم حسن نواياهم أصلا فى توكيد العقيدة الإسلامية فى أحسن صورة 
تناسب الخلفية الذهنية للجموع المنبهرين الذين لولا جهود علماء المسلمين لانتهوا إلى 
القول بالقدم . 

هذه كانت البداية بالنسبة لتغير أسلوب معالجة الآفات الخاصة بالعقيدة وهى بدابة 
اضطر إليها أهل الاعتزال فى وقتهم لانتشار أفكار الفلسفة اليونانية فيما يتعلق بالقول 
بالقدم وبأن الحقيقة فى المتعقل, ثم اسراف المعتزلة يعد ذلك فى تقديم العقل على التقل 
دون اهتمام بتطبيق أصول التفسير عند تناول الحقائق الإيمانية وغيرها وهذا جعلهم 
يبعدون عن الحقيقة . 





(1) ه المفني » للقاضي عبدالجبار - ما يتعلق بالجوهر والعرض والشئ - والنفس . 

(؟) نقس المرجع - القول قي ثقي الصفات . 

(؟) ينظر التقديم لكتابة الإيانة عن أصول الديانة ه تحقيق وتقديم وتعليق كاتية هذه السطور من صفحة ص ١١5‏ - ص 
١‏ 


52 


فأقوال المعتزلة لم تعد أقوالا دفاعية عن العقيدة يقدر ما هى أقوال هجوم على آراء 
أهل السنة .. وكلنا يتذكر محنة الإمام أحمد بن حنيل ( ت 55١‏ ه / ؟160م) فى تلك 
الحقبة المتقدمة عندما كان للمعتزلة الكلمة العليا لدى الخليفة . على مايرد فى كتب 
التاريخ )١(‏ وخاصة كتب تاريخ الفرق 9) . 

وظهر الأشاعرة الذين واجهوا خصومهم بأساليبهم أى واجهوا المعتزلة بالأسلوب 
الذى اتبعه أهل الاعتزال ووجدوا فيه مايرضى عقول العوام الذين أعجبهم الاتساق 
المنطقى لأساليب الفلسفة . 

وهنا نصبح أمام منهج المتكلمين حيث كان الرد على الخوارج والشيعة والمرجئة - 
وغيرهم ممن مثلوا الفرق التى حادت عن الطريق القويم فى الإسلام وتميزت مواقفهم 
بسمات مختلفة أمام حجة الدليل النقلى والعقلى فكان أسلوب أو منهج الخوارج يعتريه 
الجمود بحيث لم يتبينوا ثراء المعانى القرآنية فيما طرحوه من مشاكل حاول السلف 
الصالح من أهل السنة بيانها وتقديم الجواب الصحيح عليها . 

أما الشيعة فساروا على مبدأ « التقية » وغلفوا حقيقة آرائهم عن الامامة وغيرها 
بالكتمان لاعتقادهم بأنه لايجوز الجهر برأى أو تقديم محاولة فهم لاتنزل من قبل الامام 
المعصوم قبقوا على ما هم عليه دون تقدم . 

وأما المرجئة فقد لاذوا بالفرار من الاجابة عما أثاروه من تساؤلات اعتقاداً منهم 
بأن الأمر متروك لله - فلم يحسموا موقفهم وقالوا بالارجاء . والأمر بخلاف ذلك 
بالنسبة للمعتزلة . فهم الذين أثاروا النقاش أساسا على أسلوب اليونان - وحددوا 
موقفهم من أمهات المسائل العقائدية ولكن حادوا عن الصواب غفلة منهم فى بداية 
أمرهم ثم اصرارا ومعاندة بعد ذلك بالنسبة لبعض المفاهيم والتعريفات التى رأوا انها 
تؤدى الى تحقيق هدفهم . 

الأمر الذى يجعلنا نقول أن الأشعرى (أبوالحسن) (ت 554 ه / 70كام) عرف 
كيف يعدل من مسارات تفكير المعتزلة » وأقواله فى كتاب « الابانة عن أصول الديانة » 
كفيلة بتوضيح مواطن الزلل فى المسائل التى خاض فيها المعتزلة . 

ماهى معالم منهج المعتزلة » الذى سار عليه الأشعرى ثم الاشاعرة من بعده لتكون 
الردود عليهم بأسلويهم « اى الردود على المعتزلة بنفس الأسلوب الذى اعتادوا واعتادته 
عقول الناس من حولهم » . 





. المنتظم قي تاريخ الملوك والامم لامين الجوزي‎ )١( 
.4 وايضا : تاريخ الكامل لابن الاثير صن‎ 

(1) الفصل قي الملل والنحل لابن حزم 
وايضا : طبقات الشافعية للسبكي 


اردين 


لم يعد أسلوب أى منهج المعتزلة قائما على الاستعانة بالأدلة النقلية من القرآن 
والسنة فقط لاغير كما كان الأمر عند السلف الصالح وانما اضطرتهم طبيعة أساليب 
الفلسفة اليونانية إلى البدء ببعض تعريفات يضعونها فى المقدمة - وهذه منها مقدمة 
أولى ومقدمة ثانية - ثم النتيجة . 

ولايصح أن نقول أن مقدمات المعتزلة مثل مقدمات اليونانيين فى مضمونها فلقد 
تبينا أنهم وضعوا أمام أعينهم هدفا » تمثل فى القضاء على الآفتين سالفتى الذكر : 
«قدم العالم » و« الحقيقة فى المتعقل » وفطنوا إلى أن طريقة اليونانيين لاتقدم جديدا 
وإنما ينتهى فيها العقل إلى ما هى متضمن أصلا فى المقدمات فركزوا على هذه 
المقدمات . 

ولما كان من بين أهدافهم السيطرة على من بهرتهم الفلسفة باتساقها فقد حرصوا 
على الظهور أمام هؤلاء بمظهر من يخطب ود الفلسفة فاحتفظوا ببعض ألفاظ 
وتقسيمات يونانية - ولكن بعد أن خلصوها مما كان لها فى تراثها من مضامين 
اصطلاحية وأعطوها مضمونا جديدا يؤدى إلى تحقيق الهدفين المطلوب تحقيقهما 
وهما: إثبات الحدوث ‏ فى مقابل القول بقدم العالم » وإثبات الوجود الواقعى المتحقق 
خارج الذات العارفة فى مقابل مقهوم ان الحقيقة فى « المتعقل » . 

ومن أبرز ما احتفظوا به من ألفاظ : « الجوهر »و« العرض » (') مع قبول قسمة 
المهجود العينى قسمة ذهنية ما كان لهما فى تراثهما بحيث أصبحت القسمة لاتعنى 
سوى فرض ذهنى . والحقيقة فى الواقع الكتلى , 

فهل كل المعتزلة فى حاجة إلى هذا التقسيم وهذا الاستنتاج من المقدمات لاثيات 
حدوث هم على علم به ودراية باثباته بعيداً عن هذه التقسيمات؟ 

الجواب الواضح أنهم ماكانوا قى حاجة إلى ذلك ولكن قدموا ما قدموا ارضاء 
لعقول وهنت أمام بريق الاتساق المنطقى فأرادوا أن يعصموها من زلل الوقوع فى 
الشرك بالله والقضاء على اثبات ارادته عز وعلا . 

ثم إن هذه المضامين الاصطلاحية التى أصبحت تدل عليها هذه الألفاظ المستعارة 
من الفكر اليونانى . ليست من وضع المعتزلى وائما هى مستقاة مما توحيه العقيدة 
الإسلامية التى وفق المعتزلى فى أن يحتفظ بها حفاظا على عقيدته ؛ بعد أن أليسها 
الثوب اليوناني(') فالمعتزلى كمفكر مسلم لايستنتج الحدوث مثلا مما وضعه كمقدمات , 





)١(‏ ينظر : مقالة « المفكر المسلم والواقع » المقالة الثانية من كتاب ه مقالات في أصالة المفكر المسلم , طبعة ثاثية - دار 
الفكر العريي سنة 1441 - بقلم كاتبة هذه السطور . 
(1) تقس المرجع السايق 


>35 


وإنما هى يعلم بالحدوث ويزج بفحواه داخل هذه الأطر لكى يقرج عنها . عتدما يرفع 
عنها هذا الغطاء الخانق لثراء ورحابة مفهوم الواقعية فى ذاته . 

هذه هى حقيقة موقف المفكر المسلم الذى أراد مبكراً أن يقضى على آقة القول 
«بقدم العالم » والقول « يعدم وجول العالم » بصقة منقصلة عن الذات العارفة 5 

وإذا قأرنا بين مضمون هذه الألفاظ عند المفكر المسلم ومضمونها عند اليونانى - 
ولكنها لاتمثل صدقا فى الواقع الخارجى ؛ بينما نجد أن ماضمنه المفكر المسلم المتكلم 
خاصة والمعتزلى بصفة أخص إذ أنه يقدم نتيجة صادقة مع الواقع لأنه قد تكون أصلا 
مع مفهوم الحقيقة والواقعية وتعلم كيف يكون معبرا عن واقع صادق هى من خلق الله 
عن وعلا . 

فعلمه كمستتبط أو كمستدل لايعدى أن يكون لعية أراد يها تحقيق نقع معين لفئة 
معينة هى فئة المقبلين على الفلسفة دون وعى بمزالقها وآفاتها العقائدية والذهنية والتى 
لم يسلم منها المعتزلة من بعد نجاحهم فى إثبات الحدوث فقد أشرنا إلى أن بعض 
تعريفاتهم لم تكن مؤدية إلى نفس النتيجة التى أرادوا مثل تعريفهم « للشئ» مثلا 
فمنهج الاستدلال - ان صح هذاالتعبير عليهم - يجئ كترف ذهنى له نفع للعوام 
كأسلوب من الفلسفة , وليس لهم نفع فيه كعلماء كلام سوى بعض الدرية الذهنية 
لم يعد عليهم بفائدة حقيقية وإنما طمس مع الزمن درجة تيقظهم لمزالق الذهن فحادوا 

أما الأشاعرة الذين أرادوا أن يردوا عليهم بأسلويهم فقد درسوا أساليب اليونان 
وعرفوا حدود مايمكن أن توصل إليه - وحرصوا فى كتاباتهم على أن يقدموا أكثر من 
تعريف للألفاظ التى تعرضوا لها . 

فهم مثلا يعرقون العالم بتعريف السلف الصالح ويعرفونه على طريقه اليونان : 
وأما الثانى فهى : « العالم جواهر وأعراض » . 

ثم عندما ساروا على منوال خصومهم فى قولهم : بالجوهر والعرض لم يشرعوا 
مباشرة فى الكلام عن كل من هذين الشقين المتعلقين وانما قدموا عليه تعريقا للموجود 
العينى الكتلى الممين للفهم الإسلامى للوجود فعرفوا « الشئ » . 

وقالوا : « إن الشئ هو الموجود »و« الموجود هو الشئ » . 


م 


فوقوا أنفسهم شر الوقوع فى قيول وجود متوهم أى متعقل فقط . 
كما حرصوا على إثيات الصفات لوجود لله - ورفعوا أيديهم عن القول بالأصول 
الخمسة المعتزلية . 
فجاء كلامهم عن موضوعى الوجود : وجود الله ووجود العالم بعيدا كل البعد عن 
المزالق الذهنية المؤدية إلى خلل فى قهم الوجود وتقدير مايتعاق بالمسائل الغيبية التى لم 
يصل فيها المعتزلة إلى حقيقة مثل مسالة الرؤية ىو« خلق القرآن » وغير هذه وتلك مما 
يقوم على فهم النصوص المنزلة وضرورة إعطائها مكان الصدارة والأولوية - وهى ما 
تغاضى عنه المعتزلة لوقوعهم تحت تأثير قيمة قدرة العقل الذى لايصح عتدهم - بصفة 
عامة - أن يسترشد بالنص المنزل - الذى يفسرونه بعيدا عن أصول التفسير والفهم 
الحقيقى للعقيدة . 
ونظرة إلى كتب الأشعرى تبين مدى حرصه على تفصيل القول فى المسائل التى 
خرج فيها المعتزلة عن الفهم الإسلامى الصحيح ء فاذا ما وقفنا مع كتاب « الإيانة عن 
أصول الديانة » نجده يتعرض فى مستهله « لقول أهل الزيغ والبدع » )١(‏ ثم « قول 
أهل الحق والسنة » (') يخصص الباب الأول للكلام فى « إثبات رؤية الله سبحاته 
وتعالى بالأبصار فى الآخرة »() كما ورد فى النصوص المنزلة . ثم يثنى بالكلام عن 
القرآن كلام الله غير مخلوق (؛) ثم يتكلم « عن الاستواء على العرش » (0) و« نقى 
المعتزلة للصفات » (1). 
وغير ذلك من المسائل التى خالف فيها المعتزلة الفهم الصحيح للنصوص المنزلة . 
ويهذا نتبين أن الأشاعرة وإنْ كانوا قد لجأوا إلى أسلوب الخصوم إلا أنهم حرصوا 
على إثبات النصوص المنزلة قرآنا وسنة مع اعتماد على أصول التفسير - فجاءت 
أعمالهم بعيدة عن زلات المعتزلة , 
ومن أبرز الأمثلة على منهجهم ما ورد عن مسآلة « اثيات رؤى الله فى الآخرة 
بالأيصار » ("), 
يستهل الأشعرى الكلام فى الرؤية بائبات النص المنزل الذى يؤكدها وهى : « وجوه 
يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة » ( القيامة ؟"" , 1 ) مبينا المقصود بناظرة: أى رائية. 
)١(‏ ص ١14‏ من النص المحقق . 
)١(‏ ص >١‏ من النص المحقق . 
(1) مى 36 من النص المحقق . 
(؛) ص 75 من النص المحقق . 
(ه) ص ٠١١‏ من النص المحقق . 


(1) ص ١1١‏ من النص المحقق . 
(7) ينظر صفحة 15 من النص . 


مدان 


وهى بهذا يعطى الأولوية للنص المنزل على النظر العقلى . 

عون ال والاكتسى عرد التفى :وماحم يناقشن التفين الأى أعظاء افك 
(ناظرة) أى التأويل الذى أوله عليه . وذلك بعرض ومناقشة وجوه استعمال اللفظ فى 
القرآن الكريم: فيأتى بالمعانى الأريعة لاستعمال اللفظ فى أى الذكر الحكيم . 

الأول : نظر الاعتبار . 

والثانى : نظر الانتظار . 

والثالث : نظر التعطف . 

والزاجع :قفر الرؤية : 

ويبطل الثانى : لأن النظر إذا ذكر مع ذكر (الوجه ) عنى نظر العينين . 

وليس نظر الانتظار خاصة . وان نظر الانتظار يصاحبه ( تكدير ٠‏ وتنفيص) وهو 
ما لايكون فى الجتة . 

ويبطل المعنى الثالث : لان الخلق لايجوز أن يتعطفوا على خالقهم . 

وبعد إثبات المعانى الثلاثة بالنسبة لتأويل (النظر) . 

فى هذه الآية , يؤكد صحة المعنى الرابع وهى , كما سبق وأثبته ( الرؤية) ويلاحظ 
أن موقفه هذا بالنسبة لاثبات الرؤية يمائل موقف ( اين حنبل من التأويل فى هذه 
المسالة وان كان ابن حنيل لم يقصل القول فى بيان وجود معانى (النظر) فى كتاية 
(الرد على الزنادقة والجهمية ) . 

ثم تراه بعد ذلك يواصل هذا الموقف بالنسبة لبعض أدلة المعتزلة النصية فى نفى 
الرؤية . فيبين لهم أن نظر الانتظار لايكون مقرونا ب ( الي) ٠‏ 

ويقدم أمثلة أخرى من آى الذكر الحكيم , كما يستعين ببيت شعر لأمرى القيس 
ويكرر ما سيق ذكره من أن النظر بالوجه يعنى العينين أى نظر الرؤية . 

ويرد الأشعرى على رأى آخر من آراء المعتزلة فيما يتعلق بنفس الآية وهى ذلك الذى 
يفسر (النظر ) بأنه النظر إلى الثواب . 

مبينا أن ( الثواب ) غير الله . وأنه لايعنى ( إلى غيره ناظرة ) , ثم يذكر ميدأ من 
المبادئ التى يعتمدها وشق: 

( والقرآن العزيز على ظاهره , وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلا بحجة والا فهى على 
ظاهره ) . 


انا 


ويالتالى , فانه لى أزيل عن ظاهرة بالنسبة لهذه الآية » فلم يزيلوه - يقصد المعتزلة 
- كذلك عن ظاهرة بالنسبة للآية التى يتمسكون بها وهى (لاتدركه الأبصار ) 
(لل//ا) ا 

وبعد أن ينتهى من الرد على أقوال المعتزلة حول تأويلهم للفظ ( نظر ) يرجع إلى 
تقديم الأدلة على إثيات الرؤية وهى آدلة سمعية يتناولها أيضا بالدراسة على نحو ما 
فعل فى الدثيل الأول . 

نتبين مما سبق ان منهج علماء الكلام كان دائما قريبا من الآفة الذهنية المنتشرة 
فى المجتمع ولايجب أن ننسى أن هؤلاء العلماء كانوا ققهاء فى الأصل أى انهم عرفوا 
أسلوب الفقيه المعتمد على تدبر آى الذكر الحكيم والسنة النبوية الشريقة وفرقوا بين 
طبيعة موضوع الأصول وموضوع الفروع , وكانوا فيما يتعلق بالأصول متتبعين للآفة 
الذهنية التى كان عليها أهل الفرق . ولعل تتبعهم للآفات وتعرفهم عليها يرجع إلى 
الصقل الدينى والذهنى المترتب على تدير النصوص المنزلة - فهم من أهل السنة 
الحريصين على الاتباع حيث الكلام عن الغيبيات - وهم بهذا يخالفون أهل الفرق التى 
تعرف كيف تهتم بموضوعات المعرفة عن عالمى الغيب والشهادة وضرورة مواعمة المنهج 
المطبق لطبيعة الموضوع فموضوعات عالم الشهادة تتطلب « الاستقراء » وموضوعات 
عالم القيب توجب قبول مايرد فى النصوص دون نقاش لكون مايرد فوق مستوى العقل 
البشرى - والاستنتاج ليس هو المنهج ولكن تطبيق أصول التفسير هو المنهج - وإذا 
كان بعض المتأخرين من علماء الكلام قد قدموا أسلوب الاستنتاح على غيره فلا يجب 
أن ننسى أن مضمون المقدمات ليس عقليا فقط , وانما هو حصيلة الصقل الدينى الذى 
تحققه النصوص النزلة - كما أشرنا - أى أن الاستنتاج ليس استخراج معان جافة 
من أطر متطقية خاوية وانما هو تبين للحقيقة المنزلة وقد صورت يما يجعلها مناسية 
الأساليب ثقافة اليونان . 

وإذا كان الأمر كذلك فإن مضمون هذه الصياغات لابد وأن يكون ملتحما بالواقع 
فهذه هى سسمة الوقفة الفكرية الإسلامية . )١(‏ 

والالتحام بالواقع من أهم المميزات التى تجعل عمل المفكر المسلم فى مجال الدفاع 
عن العقيدة مثمرا . وقد تبينا عند الحديث عن منهج متكلمى الفترة الأولى » حتى أواخر 
القرن الثانى الهجرى وكيف أن التحامهم بالواقع لحصر الآفات قد جعلهم يتبينون الداء 
فيجدون له الدواء - والأمر بالمثل بالنسية لعلماء السنة ممن كان عليهم أن يواجهوا 
القكر القلسفى - فقد حرصوا! أيضا على متابعة أفكار العباد لتعرف على خباياهم 


3( مدخل الي الفكر الإسلامي غمذا بقلم كاتية هذه السطور 


"14 


فكان موققهم البناء فى تخليص العقيدة من الشوائب والعمل على تنقية العقول من أثر 
الأفكار المضادة لمقتضيات سلامة الفكر والنفس من أثر العنت والضيق ومن سوء القهم 
وبسوء العمل . 

ولقد رأينا.من تتبع المثال السايق كيف أن المتكلم يحدد المشكلة وهى « اتكار اثيات 
رؤبة آله بالايصار فى الاخرة » ثم يجمع الأدلة التى ساقها الخصم ومتايعة مدى صحة 
قي الها :خخ جمم التشنوس المزكدة لزاع الشتصع وقرهه] امع يبان اسيلزب فهيهها 
وهو تطبيق أصول التفسير التى تلقى الضوء على معانى الألفاظ وتسمح بتقدير الحقيقة 
وهتا ثنبه إلى أن الالتحام بالواقع يوجب فى هذه الأيام عجل مايسمئة بالمسح 
الاجتماعي» من خلال « بطاقات استطلاع رأى » تحدد اهتمامات الناس وفهمهم 
للحقائق وتقديرهم لأثر النص المنزل . 

ثم يعد ذلك دراسة العينات وتوجيه البحث إلى تحديد الآفه كما ذكرنا - ثم تقديم ما 
يناسب من محاولات للقضاء على الملل والتيه فى واحة الآراء الغير صائية . 

وهذا مافعله دائما العلماء من أهل الكلام خلال العصور ولذلك نجد أن طبيعة الآفة 
الدينية تتغير من عصر إلى عصر - وقد يطول بقاؤها خلال العصور ويكون التغير فى 
أسلوب معالجتها . 

لذلك يصح لنا أن نقول ان مايسمى بعصر الشروح الذى تميز بدراسة آراء كبار 
رجال العلم من المسلمين : فقهاء وأصوليين ( أصول فقه وأصول ودين ) وأهل تفسير 
ورجال حديث وأهل لغة وغيرهم لم يكن يمثل تغيرا فى موضوعات العلوم ولكن التغير 
كان فى أسلوب شرحها حيث دخلت عناصر ثقافية مفايرة لما كان قبل ذلك . .. فهذه 
الشروح ليست جدباء ء كما يظن البعض بل هى ثرية فى بيان المكونات الذهنية لعقول 
أهل العصرالذين لايعاثون من مشاكل حول العقيدة ويدرسون كل مسائلها من أجل 
التثقف أى انهم يتناولون هذه الموضوعات كترف ذهنى يمثل ثقافة وايس كمشكلة 
تحتاج الى الضبط والتحليل . 

فمثلا اذا ما رجعنا الى شرح العقيدة الطحاوية )١(‏ وقارنا بين النص الأصلى 
وشرحه نجد إضافات عديدة فى الشرح تؤكد أن الشارح ينتمى إلى عصر غير عصر 
صاحب النص وله حضور فى مجال الدفاع عن العقيدة من خلال تعليقاته على 
الموضوعات الواردة فى المتن وهذه التعليقات تقدم مادة غزيرة عن متطلبات أهل عصر 
الشروح . وكأن النص الأصلى ما هو إلا« ورقة عمل » وعلى الباحث المعاصر أن 
يكشف عن رأيه فيما ورد بها. 





. شرح العقيدة الطحاوية وهى نص يدرس حتى يومنا هذا بالجامعات الدينية لترائه وتنوع مضمونه‎ )١( 


لدان 


والأمقة على ذلك متعددة . 
علمية من كل ما يوجد من شروح فريما يكون فى المساهمة فى تصنيف بعض المكتبات 
فائدة علمية كيرى تزيد من رصيد كتب التخصص فى العصور الوسطى . 

ثم إنه بالاضافة إلى أن دراسة الشرح لها فائدتها بالنسبة للتعرف على أبعاد فكر 
أهل العصر الشارح ؛ فان الوقفة من الشروح قد ترتبت عليها فائدة أخرى فقد ولدت 
فى نفوبس الناس نظرة تمعن تأن عتد الخاصة والعامة فالكل أصبح يهدف إلى التعرف 
على معالم دراسة تراثية متملة فى هذه المتون وان كان التعليق عليها يحمل معالم 
لايختلف عن منهج السف الصالح . من حيث ضرورة الاعتماد على أصول التفسير فى 
تبين دلالة الآدات الكريمة والسنة الثيوية الشريفة . 

لقد كان الشروح فرصة لرفع مستوى الأذهان وليس لركودهاء كما ادعى اليعض إِذ 

فالشروح تمثل آراء حرة مستتيرة بالترشيد الريانى حققت ثقافة إسلامية حقيقية 
مع آراء أصحاب هذه المتون . 

والآن إذا ما وقفئا مع أحوال الحياة الثقافية فى وقتنا الحاضر » تنجد أن الالتحام 
بالواقع قد تلاشى لفترة طويلة خلال هذا القرن » وإن كان التعمق فى الدين قد واصل 
جموع الناس أصيحت بعيدة عن العلم بمتطلبات الشريعة القراء - أى أنه أصبحت 
توجد هوة أو فجوة بين عقول الناس ومفاهيم دينهم الحنيف وهذه الفجوة لم تكن نتيجة 
تقاعس رجال أحد الجانيين : من رجال الدين أى عوام الناس ولكن هى فجوة خطط 
لوجودها المغرضون من أهل الاستعمار الأجانب والتابعون لهم من العرب وتنجحوا فى 
ايجادها فى أغلب البلدان الإسلامية وهذه الفجوة بين العقيدة والعلم بتفاصيلها والعمل 
بترشيدها كانت سبيا فى تبنى مفهوم ليس هى من الإسلام فى شئ وهى مفهوم فصل 
الدين عن العلم . 

كم لما بعدت العقول عن العقيدة بشقيها النظرى والعلمى وحجد الناس انفسهم فى 
حالة خواء عقلى ونفسىء فاتجه كثير منهم إلى ماقدم لهم من بدائل تمثلت فى مذاهب 


01 


فلسفية خاوية من العقيدة المنزلة : قرآنا وسنة . ويعيدة كل اليعد عن متطلبات معيشة 
الناس فى مجتمعنا وظهرت محاولات جذب إلى الغرب وأخرى إلى الشرق . 

الأمر الذى يجعل دراسة هذه المحاولات ضرورة : دينية وثقافية وعلمية واجتماعية . 
ويصبع لكل عالم أذية وعى بنش الشتريعة وأخوال التاض ودون فى:درء الآفات الذهننة 
والخلقية والتريوية على مختلف المستويات الاقتصادية والعلمية والدينية وكل ذلك من 
خلال نشر الوعى بأسس الشريعة الإسلامية فى النظر والعمل . 


لمارا 


قضية تجديد أصول الفقه 
د. علي جمعة محمد 


الحمد لله » والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه . 

وبعد . 

فهذا بحث حول قضية تجديد أصول الفقه » وهى بحث رصدى أكثر منه تقديا » فهى 
يرصد الاتجاهات التى دعت إلى التجديد أى كانت تحت هذا العنوان » سواء أكانت 
علي صواب أم خطأ . أو كانت على هدى أو ضلال » وإنما هى تنبيهات وجمع 
لاتجافات ظهرت تحت هذا الاسم تثير الفكر , وتدعو العلماء إلى بحثها وتقدها بل 
ونقضها إن لزم الأمر » وإن رؤى ضرورة ذلك ٠‏ فليس كل بدعة يتصدى لها فقد يكون 
فى الرد عليها نشرها , وليس كل ضلالة تحتاج إلى الانشغفال يها . 

وفى الختام تكلمت عن رؤية مبدئية لدارس الأصول حتى تكون مالقا لدراسات 
أخرى أعمق وأشمل وحتى تتمكن لنقد ما يحتاج إلى نقد مما ورد فى بحثنا هذا 
بتفصيل أتم إن شاء الله تعالى . : 

تجديد أصول الفقه مسالة لها تاريخ » ويتتبع هذه القضية نجد أنها قد أخذت 
صورا متعددة منها ما يعود إلى الشكل , ومنها ما يعود إلى المضمون وهذا مته ما 
يعود إلى الإضافة ومنه ما يعود إلى تغيير الهيكل حتى نصل إلى شئ من تفيير 
المضمون ومنه ما يعود إلى تعميق البحث ومنه ما يعود إلى توسيع المجال والاستخدام 
إلي غير ذلك مما ستراه مفصلا فى بحثنا هذا . 


َك 

أولا : بدأت الدعوة إلى تجديد أصول الفقه منذ زمن ليس بالقصير ضمن الدعوة 
إلى تجديد العلوم بصفة عامة , فقد رأينا كلمة تجديد تظهر عند رفاعة الطهطاوى في 
كتابه ( القول السديد فى التجديد والتقليد ) الذى طبع بمصر سنة ١417‏ ه فى حياته 
وقبل وفاته بثلاث سنوات وإن كان هذا العنوان هى الذى ظهر فى المقالات التى نشرها 
فى جريدة الروضة إلا أنه نشرفى صورة كتاب تحت عنوان القول السديد فى الاجتهاد 
والتقليد . 

ثانيا : ثم برزت دعوة تجديد الأصول بخاصة فى أوائل القرن العشرين على يد 
مدرسى مدرسة القضاء الشرعى ودار العلوم » وكان المعنى بالتجديد هى تجديد 


او 


الأسلوب وطريقة العرض فاألف الشيخ محمد الخضرى من مدرسى القضا الشتررعى 
كتاب ( أصول الفقه ) وطيعه عام (1511م - 1799ه مطبعة الجمالية ) وكان درسه 
بتلك المدرسة ايتداء من سنة 19:1 . وكان الشيغ الخضرى قد أشار فى آخر كتابة 
(تاريخ التشريع) إلى عدم جدوى التدريس بطريقة المتون والحواشى التى تجعل التلميذ 
وشيخه سواء لا فرق يينهما إلا كثرة الفروع فى رأس هذا عن ذلك . 

على أنه قد ألف قبل ذلك ولنفس الغرض ولكن بصورة مختصرة سلطان محمد على 
المدرس يدار العلوم ( خلاصة الأصول ) سنة 7154١1ه‏ (1907١م)‏ والذى طبع بمطبعة 
الواعظ بالقاهرة ثم توالت المجهودات فى هذا الطريق فألف محمد يك إيراهيم وعيد 
الوهاب خلاف ومحمد أبى زهرة وغيرهم فى النصف الأول من القرن ؛ ثم جاءعت جهود 
رجال الأزهر خاصة بعد دعوة الشيخ محمد محمد المدنى لعلماء كلية الشريعة إلى 
التَاليفٌ ).وعدم الركون إلى تدريس القديم من المتون والشروح . ومع قانون ٠١١‏ لسنة 
ذو ١‏ الخاص بإعادة تنظيم الأزهر وإنشاء جامعته كثرت الرسائل العلمية والكتب 
السثقلة والمبسرة من علما ء الأزهر فى هذا الفن بما يشكل مكتبة متكاملة فى جميع 
موضوعاته الموروثة » كما ساهم الحقوقيون من تلامذة خلاف وأبى زهرة وطبقتهم فى 
ذلك مساهمة كبيرة 0 

وهذا النوع من التجديد لم يلق اعتراضا قويا من المشتغلين بالأصول ؛ على أن 
كثيرا من العلماء شككوا فى جدواه » ورأوا أن الدراسة والكتابة المرتبطة بالكتب 
الموروثة أكثردقة وعلماً فسار اتجاه مواز لذلك الإتجاه الأول وألف فى هذه الفترة من 
أوائل القرن الحالى الشيح عبد الله دراز حاشية على شرح العضد على ابن الحاجب 
بعنوان ( تحقيقات شريفة ) هي ألفز فى العبارة والمناقشة من الشرح نفسه على 
صعويته المشهورة والشيح يوسف المرصفى له كتب هى حواشى على الكتب القديمة 
المقررة فله بغية المحتاج شرح مقدمة الأسنوى للمنهاج . وحاشية على كتاب التحرير 
وغيرهما كذلك الشيح النجار له حاشية على الإسنوى فى كتاب القياس والشيح محمد 
بخيت المطيعى الذى له حاشية كبيرة على الأسنوى فى أريعة مجلدات وهكذا حتى 
نصل إلى الشيخ محمد أبي النور زهير (ت19417) والذى له كتاب يعد حاشية فى أربعة 
مجلدات أيضا على شرح الإسنوى إلا أنها أقل الغازاً بل يمكن أن يقال إنها سلسة 
العيارة واضحة البيان بشكل لاقت للنظر سماها (مذكرة فى أصول الفقه ). 

ويلخص هذا الاتجاه ويزكيه الدكتور محمد عبد اللطيف فرفور حيث يقول : 

هذا الذى أقدمه على استحياء لا أزعم فيه أنى حجئت يجديد وهل فى أصول الفقه 
اليوم بعد كتابات فحول الأقدمين من جديد ؟ بل كل ما هى منى فى وجيزى هذا 


6 


التبسيط مع التحقيق للمسائل العلمية . والرجوع فى النقول إلى أمهات المصادر بقدر 
الوسع والطاقة » وفوق كل ذى علم عليم () . 

ثم يقول : إن التجديد فى الكتابة المعاصرة فى هذا الفن ألا وهى أصول الفقه ينبغى 
مبسطا قريب المأخذ وهو ما سعيت إليه ( إنتهى ) 9 . 

وشائع بين علماء الأزهر أن القسمة العقلية للآراء الأصولية قد انتهت فلا مزيد ولا 
رأى جديد فى مسائل الأصول حيث قد قيل كل ما يمكن أن يقال فما من رأى يظنه 
صاحيه جديدا وتكون له وجاهة إلا سنده عند الأقدمين . 


-- 


على أن هناك من ادعى خلاف ذلك ونادى بالتجديد بأسلوب آخر وهو أن يأتى فى 
مسائل الأصول يرأى لم يسبق إليه أو على الأقل لم نره فيما بين أيدينا من كتب 


الأصول. 
أولا : ومثال ذلك ما ذهب إليه العلامة المحدث عبد الله الصديق الغمارى حيث يقول 


ذكر بعض ما حررته من الفوائد ومنها ما لم أسيق إليها . 

منها أنى فرقت بين دلالة الاقتران ٠‏ التى اشتهر بين العلماء أنها ليست يحجة , 
وجعلتها نوعين : نوع ليس بحجة باتفاق وهى أن تقترن أفعال متعاطفة أو تكون داخلة 
تحت أمر عام أويالواى أيضا مثل خمس من الفطرة 3 . الحديث (9) : 

فلا يدل ذكر الختان فيها على أن غيره واجب كالختان . 

ولا يدل ذكر السواك فيها على أن غيره ليس بواجب كالختان فهذه الدلالة ضعيفة 
باتفاق . 

النوع الآخر: أن يقترن أمران فى نهى ؛ نحى نهى عن كل مسكر مفتر (4) فهذه 
الدلالة حجة فى تحريم المفتر مثل الخمر لأنهما اندرجا تحت نهى يخصهما . 





)١(‏ انظر الوجيز للدكتور محمد عبداللطيف فرفور صا 
(؟) انظر الوجيز صه 
(؟) الحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة وقال الترميذي : حسن صحيح . 
انظر صحيح البخاري يحاشية السندي 54/4 صحيح مسلم بشرح النووي ١53/‏ سنن التزمذي 80/6 
5( الحديث رواه أحمد وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها انظر مسند الإمام أحمد ا/رة ١‏ ؟ وسنن أبي داود 175/7 


موه 


- ومنها أننى بينت ما يُنْسخ من الأحكام وما لاينسخ منها . 

فقلت الذى ينسخ من الأحكام هو الواجب والحرام والمباح ٠‏ وأن المندوب لا ينسخ 
ورددت على بعض المالكية الذى زعم أن الركعتين بعد آذان المغرب وقبل الصلاة كانت 
مشروعة ثم نسخت . فبينت أن هذا القول غلط لأنه فضيلة , والفضائل لاتفسخ » 
والمكروه أيضا لا ينسخ لأنه تابع المندوب . 

- ومتها أننى ذكرت أن الشئ قد يحرم ويباح مرتين وأكثر » مثل نكاح المتعة قد 
نسخ تحريمه مرتين أى ثلاثة ثم نسخت إياحته إلى الأيد . 

- أما الواجب فإنه إذا نسخ لايعود واجبا أبدا! , وهذا لم يقله أحد قيلى . 

- ومنها أن ابن حزم أكثر قى كتايه المحلى من إلزام خصومه بالقياس , مع أنه لا 
يقول به » وتبعه مقلدوه فى المغرب . 
يعتقده ويذهب إليه » ولا يجوز أن يلزمه بما لايذهب إليه , لأن الغرض من المناظرة عند 
علماء الجدل الوصول إلى الحق من أحد الطرفين . وليس الفغرض الإلزام للمخاصم 
فقط. 

وهذه القفائدة نبهت عليها فى الرأى القويم ' 

- ومنها أننى نبهت على أن نسخ التلاوة والذى أجمع عليه الأصوليون ليس بجائز , 
يل هو مستحيل عقلا , وكتبت فيه رسالة (ذوق الحلاوة) وهى مطبوعة . 
لموافقتهم يشروط : 

. أن يثبتوا أن تلك الآيات ثيتت قرآنيتها بالتواتر وهذا غير موجود قطعا‎ - ١ 

" - أن يبينوا الحكمة من نسخ التلاوة بعد وجودها فى القرآن . 

؟ - أن يجيبوا عن قول الله تعالى : 9 لاميدل لكلمات الله » انتهى . 

وإنما ذكرنا هذا النوع لأنه لا يصدر إلا عن مجتهد أو من قارب الاجتهاد ولأنه 
محررة محققة فى ذلك العلم .)١(‏ 
)١(‏ ومن الجديربالذكر أن تقي الدين النبهاني في كتابه الشخصية الإسلامية ج؟ ص 778 الخاص بأصول الفقه يقول 

بما قاله الشيخ عبدالله الغماري قي عدم نسغ التلاوة خاصة بل لعلة سابق عليه ولم يره . 


كه" 


ثانيا : وممن تعرض لبعض مسائل أصول الفقه عبد العال الجايرى فى كتايه لانسخ 
فى القرآن(١)‏ فأتكر النسخ كله برمته وهذا الإنكار التام لم ينقل إلا عن أبى مسملم 
الأصبهانى المعتزلى وقيل أن مذهب أبى مسلم لم يخالف ما عليه أهل السنة وعلى ذلك 
فرأى عبد العال جديد تماما . يقول محققا شرح الكوكب(') : 

« لقد اضريت النقول عن أبى مسلم الأصفهاتى فى مسألة جوان النسخ وعدمه , 
فحكى عنه منع النسخ بين الشرائع » ونقل بعضهم عنه منع النسخ فى القرآن الكريم . 
وتحقيق مذهبه أنه لم يخالف جمهور أهل السنة القائلين بجواز النسخ عقلا وشرعا فى 
الحقيقة ونفس الأمر , ولكنه خالفهم فى اللفظ والمصطلح . 

قال المحلى فى ( شرح جمع الجوامع)[") : ( النسخ واقع عند كل المسلمين » ويسماه 
أبى مسلم الأصفهانى من المعتزلة تخصيصا لأنه قصر للحكم على بعض الأزمان » فهو 
تخصيص فى الأزمان كالتخصيص فى الأشخاص . 

فقيل : خالف فى وجوده حيث لم يذكره باسمه المشهور فالخلف الذى حكاه الآمدى 
وغيره عنه من نفيه وقوعه ٠‏ لفظى , لما تقدم من تسميته تخصيصا) . 

وقال السبكى فى كتبه ( رفع الحاجب )9) : ( وأنا أقول : الإنصاف أن الخلاف بين 
أبى مسلم والجماعة لفظى . وذلك أن أبا مسلم يجعل ما كان مغيا قى علم الله تعالى 
كما هى , مغيا باللفظ ويسمى الجميع تخصيصا ؛ ولا فرق عنده بين أن يقول ١‏ ثم أتموا 
الميام إلي الليل » *) وأن, يقول : صوموا مطلقا ؛ وعلمه محيط بأنه سينزل : لا 
تصوموا وقت الليل ؛ والجماعة يجعلون الأول تخصيصا والثانى نسخا » ولى أنكر 
أبومسلم النسخ بهذا المعنى لزمه إنكار شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم , وإنما 
يقول كانت شريعة السابقين مغياة إلى مبعثه عليه الصلاة والسلام . ويهذا يتضح لك 
الخلاف الذى حكاه بعضهم فى أن هذه الشريعة مخصصة للشرائع أو ناسخة ؛ وهذا 
معنى الخلاف() . ) 

ثالغا :.وممن عالج أيضا بعض مسائل علم الأصول بطريقة جديدة فى التناول 
والتطبيق الدكتور أحمد حمد(") حيث أثار سؤالا ( ... هل دراسة الإجماع مجدية من 


(1) انظر لانسخ في القرن / عبدالمتعال الجابري . 

(1) انظر شرح الكوكب المذير د. محمد الزحيلي , والدكتور نزيه حماد 517/5 هامش (1) ط مكة 
(؟) انظر شرح المحلي علي جمع الجوامع مع حاشية البناني ؟//8 . 

(5) انظر رقع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب السيكي مخطوط بدار الكتب المصرية /؟/رق؟17 ب. 
(0) سورة البقرة /141 . 

(1) وانظر تحقيق الدكتور محمد حسن هيتو للمسالة في هامش التبصرة الشيرازي , م "50١‏ . 
(/) انظر الإجماع بين النظرية والتطبيق للدكتور ؛ أحمد حمد , ه/د . 


لم7 


الناحية العملية حيث يؤخذبه فى تقرير الأحكام وإصدارالتشريعات ووضع القوانين 
ويبقى مصدرا من مصادر الشريعة يطبق كما كان يطبق فى عهد الصحابة رضوان 
الله عليهم؟ أو تكون دراسته مجرد نظرية ظهرت وإنما تعذر الآن تطبيقها إلا أن فيها 
على كل حال غذاء عقلياً وثروة فكرية ) . 

ثم يقسم بحنه إلى قسمين : 

الأول : الإجماع فى نظر الأصوليين . 

والثانى : الإجماع فى مجال التطبيق . 

ويقول أما القسم الثانى فقد سرنا فيه على منهج آخر هو إلى التجديد )١(‏ أقرب منه 
إلى التقليد حيث عالجنا قضايا فى الإجماع تعتبرغيرمسبوقة أى مطروقة . 

وإليك فهرسا لذلك القسم وموضعاته التى بحثها : 


القسم الثائى 
الإجماع فى مجال التطبيق 

- الآمة مصدر السلطات / الغرب المقهور / صدى الحقيقة / الفكرة والنظام 
إسلاميان / من أول الأمر / فترة حضانة / النصوص إلى الأبد / تمي الأمة 
بالإجماع / شمول النظرة أسلم / ركيزتان لخيرية هذه الأمة / الحكام ومعدن الأمة / 
مجتمع الحرية / الفرد والأمة / القرد فى مفهوم فلاسفة الغرب / الجمع بين الحسنين 
عناصر السوء / التتخصصات والفقهاء / الفقهاء والأمراء / منهجنا فى هذا 
القسم. 


الفصل الأول 
تعريف الإجماع 
عناصر التعريف : 
١‏ - اتفاق / فقهاء / الأمة / على أمر هام . 


)١(‏ في نسختي وهو الطبعة الأولي بدار القلم بالكويت سنة 1445 التحديد بالحاء المهملة وأظنها التجديد لمقابلتها بالتقليد 
ولدلالة ما بعدها علي ذلك . 


4ه 


الفصل الثانى 

معالم الإجماع في الأمة 

العادة / العرف / المثل / الحكمة / الشهرة / الاستقاضة / ما عليه العمل . 
الفصل الثالث 

عهد أبى بكر الصديق / عهد عمر بن الخطاب / عهد عثمان بن عفان/ عهد على 
الفصل الرابع 

أنواع الإجماع 

الإجماع التام والإجماع الناقص / الإجماع الحضورى والإجماع الرسائلى 
والإجماع السكوتى / الإجماع التقريرى والإجماع الاجتهادى / الإجماع الدائم 
والإجماع المؤقت / الإجماع العام والإجماع المحلى / الإجماع الإجبارى والإجماع 
الاختيارى / الإجماع اللازم والإجماع الجائز . 
الفصل الحامس 

أركان الإجساع 

الركن الأول : 

المجمعون / شروط المجمعين / مجالات المجمعين / اختيار المجمعين / الذميون 
والمجمعون / لائحة المجمعين . 

الركن الثانى : 

الحكم المجمع عليه / الأمور الاعتقادية / الأمور العقلية الأمور العادية / أحكام 
أحكام الجهاد / أحكام الأطعمة/ أحكام الإمامة . 

الركن الثالث : 


الا 


الفصل السادس 

صعوبات فى طريق الإجماع 

اختلاف مناهج التفكير بين الفقهاء/ اختلاف مناهج التفكير بين المتكلمين 
والمتصوفين / اختلاف الاتجاهات السياسية / الأقليات غير المسلمة 

إمكان العلاج . 


الفصل السابع 


:قواعد الإجماع 


الفصل الغامن 

الإجماع عند غير المسلمين 

خاتمة : 

نقاط ثلاث / الاحتمال الأول / الاحتمال الثانى / مناخ الحق ومناخ الباطل / 
السنة السيئة والسنة الحسنة / وز رالسيئة / دعاة السوء / حراس المجتمع / مكانة 
هؤلاء الحراس / الحكام والحراس / بالغ الازدهار فى السلم / بالغ الانتتصار فى 
الحرب / الدستور والحراس / هكذا تحقق فضل الأمة , 

لقد أثار د. حمد من القضايا الكثير ابتداءً بالتعريف وإنتهاء بالمسائل والأحكام بل 
والقواعد وأعتقد أن كثيرا منها لا يسلمها له علماء الأصول وستختلف مواقفهم منها 
بين الرفض الشديد والقبول الحذر . 

وعلى كل فهى كتاب جدير بالمناقشة والفحص ولم يحدث حتى تاريخه أن رد عليه 
أحد من الناس , بل إن الكثيرين من الدارسين والباحثين لم يقرأوه » ومنهم من لم 
بسمع يه . 

دا 

ويطريقة ثالثة فى التجديد نرى فى الأربعينات دعوى الشيخ عبد الجليل عيسى 
يتكلم عن أحد مباحث أصول الفقه المهمة وهى حجة السنة , ودعا الشيخ إلى إعادة 
النظر فى هذا الباب فى كتابه( اجتهاد الرسول ) , والذى كان له أثر كبير فى الأوساط 
الديتية والأدبية ؛ ثم فى السبعينات عبد المنعم النمر فى كتاب (السنة والتشريع) ورد 
على هذا الاتجاه كثير منهم الشيخ عبد الفنى عبد الخالق فى كتابه الممتع » (حجية 
)١(‏ طيع طبعتين الطبعة الأولي ١5.1‏ ه 1481م والطيعة الثانية ١415‏ - 115 بدار الوفاء للطباعة والنشر والمعهد 

العالي للفكر الإسلامى .. 

1 


ولقد رأينا بعد ذلك محاولات بعضها تنظيرى ويعضها عملى لإنكار حجية السنة 
وكانت النتائج من الخطورة بمكان قوى جانب القائلين بالحجية لما رأوه من ضياع 
الوذ بإشناعة المكدة : 

فلقد برزاحد غير المتخصصين واسمه محمد نجيب وكان يشغل مدير عام هيئة 
التليفونات وكون جمعية أنصار القرآن وألف كتبا كثيرة أكيرها اسمه ( الصلاة ) حيث 
أنكر السنة إنكارا تأما ودعا إلى عشر صلوات فى اليوم والليلة فى كل صلاة ركعتان 
السجوة فيها قبل الركوع هن غير تشهد .٠,‏ إلخ نما عدف به 

ثم آل حاله إلى إنكار الإسلام فالأديان » ومات فى الستيتات . إن انكار السنة 
والالتزام بهذا الإنكار وإخراجها عن حيز الحجية - يؤدى حتما إلى إبطال الشريعة 
كما حدث فى تجرية محمد نجيب هذه بل إنه يؤثر على منهج فهم القرآن تفسه بل قهم 
اللغة العربية فلا أرى مضيعة للوقت أن تدرس تلك التجربة » دراسة علمية واسعة كبيان 
كيف يضل العوام وكيف يؤدى إنكارالمصادر إلى ضياع الشريعة وإلى ضياع المنهج 
أنهنا واللة عق ؤزاه القسد :: 

-4 


غير أن هناك من يشكك بثيوت السنة لا بحجيتها وهم درجات قى ذلك فمنهم أحد 
علماء الأزهر من غير المدرسين وهى محمود أبو رية فى كتابه ( أضواء على السنة 
المحمدية ) والذنى تعرض فيه لجرح أبى هريرة رضى الله عنه واتهمه بالكذب ورد عليه 
فى أكثر من عشرة كتب ؛ وكذلك ويصورة أخف كثيرا الشيخ محمد الغزالى من مدخل 
مختلف بكتايه ( السنة بين أهل الحديث وأهل الققه) وكتاب د. يوسف القرضاوى (كيف 
نتعامل مع السنة ) حيث يمكن أن يقال إن التعامل مع ذلك المصدر يجب أن يحذر من 
جانب الثيوت لا يمكن أن يقال إن التعامل مع ذلك المصدر يجب فى القواعد الحاكمة 
على صحة الثبوت من عدمه ؛ فمنهم من يقدح فى الرواية الاصلية للمسحابى ومنهم من 
يعرض الأمر على القرآن وثالث على المعقول ورابع على مدى تحقيق المصالح من جراء 
الالتزام بالحديث فإذا أردنا تفصيل القول على هاتين الفقرتين (؟. 4؛) فنقول : 

أولا : يرى الشيخ عبد الجليل عيسى أن اجتهادات الرسول غير ملزمة » ويمكن 
مخالفتها وهذا يعنى من الناحية العملية أن مصدر السنة قد ضاق من جهة الاحتجاج 
به وهذا أيضا يتيح مساحة أكبر لإعمال القياس والفتوى بمقتضى الأصول العامة 
للشريعة والمقاصد الكلية ‏ وهى الأمر الذى يشابه من جهة ما كان عليه أصحاب الرأى 
حيث قلت مروياتهم وكثرت أقيستهم وهذا فى مقابلة أصحاب الحديث بمدرسة المدينة 
والذين كثرت مروياتهم فقل القول بالرأى عندهم ؛ وإكن ما نحن بصدده الآن لا يتعلق 


لكسنا 


بمسالة ثبوت السنة من عدمه كما كان عند الأوائل ‏ بل بعد ثبوتها هل هى حجة ؟ وهنا 
تثار مجموعة من الأسئلة : 

هل هي حجة قى كل المجالات؟ 

هل:هى حب يجميع أقشامها 

هل هى حجة بجميع درجاتها ؟ 


هلى هى حجة قى كل الأزّمان ؟ 
ونرى اختلاف الكاتبين والباحثين كثيرا فى الإجابة عن هذا وبعضهم يعارض يعضا 


ثانيا : أما الشيخ أبوريه فقد شكك فى ثبوت المروى ولكن لا من قبيل الأسانيد أو 
ذلالة يل فى الطعن فى المنتحابة أتقنهم مما صوره يضورة المتعدى على رجال الله 
للإاتجاه الإسلامى . 

ثالغا : أما الشيخ محمد الغزالى فإنه نحا منحى آخر غيرهما )١(‏ وهى تطبيق 
مساحة من علوم الحديث تُعّد مهجورة فى العمل وإن كانت مقررة فى النظر ؛ وهذا هو 
البحث بتأتى, وفهم ويحث فى المتون لمعرفة الشاذ المردود وقد يختلف معه المختلفون في 
مدى صحة تطبيق تلك القواعد أى قى إقرار وجود تعارض من عدمه ولكن سيظل كلام 
الشيخ فى إطار ومظلة القواعد المقررة الموروثة , والتجديد هنا ليس تجديدا بالمعنى 
المتبادرعند إطلاق ذلك اللفظ . حيث قد يصل الشيخ إلى أحكام جديدة لكن بالمنهج 
القديم وتحت سلطانه , 0 

رابعا : أماالشيخ عبد المنعم النمر فيلخص رأيه فى كتاب (السنة والتشريع) بعد ما 
للمسلمين حتى يصل إلى مقصود تلك المقدمة وهي جاتب المعاملات فى الفقه الإسلامى 

« فماذا عن أحاريث المعاملات ؟ » 

وهنا يجدر ينا أن تكلم عن أحاديث المعاملات كالبيع والشراء والإجارة . . . إلخ. 
هما بلق يشت هاه النامس. /وتدتق ببس الكهم يت ون التوضي أكثر ::, 
فى الجى الذى يعيشون فيه ؟ ويدون وحى خاص ؟ 
)١(‏ اتظر السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث للشيخ محمد الفزائي ط دار الشروق . 


نجنا 


إن القرآن الكريم أشار إلى قواعد عامة فى البيع والشراء . والرهن والتجارة » 
ولكن لم يتعرض لتفصيلاتها هى أى غيرها .. وما كان من الممكن ذلك . إذ أن 
النصوص - مهما كثرت ‏ تتناهى , بينما أحداث الحياة لا تتناهى » ولا يمكن أن ينزل 
نزوله . 

ويناء على هذا أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يصرف أمور الحياة من حوله , 
على ضوء هذه القواعد ؛ لتحقيق مصالح المجتمع من حوله وتيسير حياته . . . 
فنظر إليها بالمنظار الإسلامى العام ؛ فقبل منها ما قبل » ورفض ما رفض » وعدّل ما 
عدل بتفكيره واجتهاده . . لتحقيق مصالح الناس كما يراها . . 

فالقراض والمضارية مثلا كان نظاما معمولاً به فى الجاهلية . وظل حتى وجده 
الرسول صلى الله عليه وسلم فى المدينة » ونظر إليه على ضوء المصلحة والقواعد 
على الأسس التى كان عليها فى الجاهلية . . على اعتبار أن الرسول صلى الله عليه 
وسلم قد أقره . 

وقد رفض كل معاملة فيها ريا » أى فيها غرر غالب ؛ لأن ذلك جاء تصا قى القرآن 

ونرى أن نذكر هنا بعض الوقائع التى تنطق باجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم 
القائم على توجيه المصلحة وقطع النزاع بين الناس . . ونستمد ذلك كله مما ورد من 

ثم أخذ فى سرد أدلته . انتهى ما أردته منه . . 

ويمكن أن نطلق على هذا الاتجاه : تضييق السنة وهى اتجاه مرفوض تماما من 
جمهور علماء الشريعة اليوم . ويعتمد على الدعوة إليه كثير من المفكرين المسلمين 

خامسا : ويأتى د. يوسف القرضاوى ليلقى مزيدا من الضوء على المسالة ولكن 
بمعالم وضوابط كما ذكر فى عنوان الكتاب ( كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم 
وضوابط) ولكن بطريقة لا تعدى فى الواقع ونهاية الأمر إلا من قبيل الدعوة إلى حس 
تطبيق القواعد الموروثة . 


نذدنا 


-6م- 


وهناك دعوى أخرى على مستوى آخر لتجديد أصول الفقه برزت قى السبعينات 
تدعو إلى( إعادة هيكلة أصول الفقه ) مرة أخرى عند د. حسن الترابى » د. طه جابر , 
د. جمال الدين عطية ؛ د. سليم العوا وغيرهم وهؤلاء مختلفون تماما فى تصور 
التجديد المراد . 

أولا غحسن الترابى يقول : 

« لابد أن نقف وقفة مع علم الأصول تصله بواقع الحياة لأن قضايا الأصول فى 
أدبنا الفقهى أصبحت تؤخذ تجريدا!(!) . . . ثم يقول 

ثم إن العلم البشرى قد اتسع اتساعا كبيرا وكان الفقه القديم مؤسسا على علم 
محدود بطبائع الأشياء وحقائق الكون وقوانين الاجتماع مما كان متاحا للمسلمين فى 
زمن نشأة الفقه وازدهاره ؛ ثم العلم النقلى الذى كان متاحا فى تلك الفترة فقد كان 
محدودا أيضا مع عسر فى وسائل الاطلاع والبحث والنشر بينما تزايد المتداول فى 
العلوم العقلية المعاصرة بأقدار عظيمة وأصبح لزاما علينا أن نقف فى فقه الاسلام 
وقفة جديدة لنسخر العلم كله لعبادة الله ولعقد تركيب جديد يوحد ما بين علوم النقل 
التى نتلقاها كتابة ورواية قرآنا محفوظا أو سنة يديمها الوحى وبين علوم العقل التى 
تتجدد كل يوم وتتكامل بالتجربة والنظر (') . 

ثم يقول علم الأصول التقليدى الذى نلتمس فيه الهداية لم يعد مناسبا 
للوفاعيحاجتنا المعاصرة حق الوفاء لأنه مطبوع بأثرالظروف التاريخية التى نشأ فيها 
بل بطبيعة القضايا الفقهية التى كان يتوجه إليها البحث الفقهى . . . 2(" . 

يفهم من هذا أن مسائل أصول الفقه ينبغى أن تتغير حيث تغيرت ظروف عصرنا 
عن العصور السايقة , ونلاحظ أن الكلام حتى الآن إنما هى (عن) أصول الفقه وليس 
(فى) أصول الفقه . فلم يظهر لتنا د. الترابى ما هي المساحة التى يذنبغى تفييرها من 
الأصول وما هى المسائل التى يجب تركها وما هو أثر ذلك كله في الفقه . 

فأصول الفقه علم له استمداده من علوم ثلاثة وهى اللغة العربية وعلم الكلام والفقه 
بالأحكام الشرعية ومن هذه العلوم استمد أصول الفقه . والقضية الحرجة أن مسائل 
اللغة نقلية بمعنى أنها قد أنشئت وانتهت عند حد إنشائها : فلا دخل لها فى وضع 
جديد للألفاظ بإزاء المعانى ولا بدلالات التراكيب ولا بما تقتضيه من مفاهيم , كما أن 
)١(‏ انظر تجديد أصول الفقه للدكتور حسن الترابي ص " الدار السعودية . 
(؟) انظر تجديد أصول الفقه الترابي صن 5 . 
(؟) انظر تجديد أصول الفقه الترابي ص .١7‏ 


لون 


مقررات علم الكلام من وجود المعجزة للنبى صلى الله عليه وسلم وتعليل الأحكام 
وحامية الله سيحانه وقدم صفاته ومثل هذه المباحث لا علاقة لها بتطور الأحداث , 
وليس لذلك التطور والتغيرأثر فيها .وإن حدث وتينى الفقه فى أى عصر منحى معين 
فى تلك المسائل» اضطر حتى لا يكون محكما للهوى . وحتى يكون كلامه متسقا بعضه 
مع بعض أن يتبنى اتجاها معينا فى الأصول فمثلا إذا توصل الفقيه إلى أنه لا يجوز 
استنباط معتى من النص يكور عليه باليطلان وكان هذا مستندا إلى دلالات الألفاظ 
والتراكيب على المعانى ومستندا أيضا على فهمه عن حاكمية الله وتعليل أحكام الله 
بالمصالح بل ومعنى المصلحة وأنها ينبغى أن تكون شرعية . . إلخ . إذا كان الأمر كذلك 
فإن هذا الفقيه لا يتأثرء لا فى السابق ولا الآن بالواقع , بل إن هذا الذى توصل إليه 
يرى أنه هى ما ينبغى أن يكون ويرى أن ذلك هى معنى تطبيق شرع الله وإن تبنى 
الفقيه تلك القضية فإنه يرفض استنياط مقاصد وأهداف من النصوص إذا أردنا أن 
تطيق تلك المقاصد كرد على أصل النص بالبطلانء فإذا جاء النص يوجوب إخراج شاة 
فى كل أربعين شاة فلا يجيزهذا الفقيه أن يقال :ان المعنى فى إيجاب الشاة إنما هو 
إغناء الفقير وإغناؤه بالنقد أتم » وحينئذ يجوز إخراج القيمة: لأن استنباط ذلك من 
وجوب الشاة يؤدى إلى عدم وجويها لجاز الانتقال إلى القيمة على هذا التقدير 0) . 

إن دعوة الدكتور الترابى غير واضحة المعالم وذلك أنه تكلم (عن) المسألة ولم يتكلم 
فى المسألة فى هذا الكتاب وللدكتور الترابى عمل أآخر غير منشور . 

ثانيا : على أن د. سليم العوا قد خطا خطوة أخرى حبن نشر فى مجلة المسلم 
التشريعية تكلم فيها فى صميم المسالة بالتفصيل » فانظر إلى الترابى!؟) صلا١‏ من 
كتابه تجديد أصول الفقه حيث يقول : 

"كان أشهر عهد تشريعى رعى مصالح الأمة العامة رعاية شاملة يعد عهد رسول 
قد اتخذ لنفسه منهجا أصوليا معلنا فى تشريعاته فإن لنا أن نستنبط من اجتهاداته 
المختلفة منهجا معينا يتسم بالسعة والمرونة" . 

وإلى العوا ص ١غ‏ من مقالته يقول : 

وقد طال النرًا ع بين الفقهاء وأ لمفسرين فى تأويل فعله (') وتصحيحه .. ثم استفاض 
فى استتباط معان من ذلك . 
)١(‏ راجع التمهيد للإسنوي تدقيق محمد حسن هيت ؛ ط . مؤسسة الرسالة ص 7/4 . 
(1) كل ما هنا عن الدكتور الترابي إنما هى من خلال كتابه الصغير عن أصول الفقه ولعل كتايه الكبير يشتمل علي رؤية 

أشعل وأوسع لعلم الأصول ككل وليس كعقال الدكتور العوا الذي هى محدد في نقطة يعينها . 
(؟) أي عمر بن الحُطاب حين فتح الله علي المسلمين أرض العراق 


16 


إن العى هنا اقزي:إلن الواقم وؤلى امتؤرسة لخر سشازلينا قرييا فى مسال 
التجديد من الترابى الذى يدل مردود كلامه وفحواه على أن الأصول ال موروث يجب أن 
يتغينر , فكلام العوا معناه أنه يجب أن ينظر فيه وتنتخير ما قد تبين لنا مع مرورالعصور 
إنة مراد الله . 

قالمسألة التى ضريناها مثالا يرى الحنفية فيها أنه يجوز استنياط معنى من النص 
التراى ور مجديع ف امول الفعه الدروه يكن أن ركوو كتاميوا الاوفا بد ماه 
استنياط جديد فى إطار ذلك الاستمداد . 
ميكل ذاك العلم والعوا يرى وجوب إعادة النظر فى تطبيقاته وفما جذ مختلفان . 

ثالغا : أما د. جمال الدين عطية فقد قال )١(‏ . 

فى شروطه وإمكان وقوعه - وأقرب التقسيمات إلى تصوير مختلف الآراء هو 

التقسيم الى المضادن الأساشية المتفقظيها :والمصادس الثاتوية املق طيها . 

فالمصادر المتفق عليها ( قى الرأى الفالب بالنسبة للقياس ) هى : 

الكتاب / السنة / الإجماع / القياس / الاجتهاد 
والمصادر امختلف عليها هى : 

الاستحسان/ الاستصحاب 

الاستصصلاح ( أى المصلحة المرسلة ) 

العرف/ شرع من قيلنا تأزمذهن المسكاتى عمل اهل اكديقة بريد القراثم / 
العقل . 
(ب) ونرى بحث هذه المصادر من زاوية جديدة تفرق بين المصادر ومذاهج التوصل إلى 

الك تكدل سلسل النظرية القامة: : 


(1) انظر التظرية العامة للشريعة الإسلامية للدكتور / جمال الدين عطية ص4١‏ , 14٠‏ الطبعة 


افونا 


(ج) ونبحث المصادر تحت الأقسام التالية : 

أولا : النقل: ويشمل ذلك : الكتاب ؛ والستة ٠‏ وشرع من قيلتنا . 

ثانيا : أولى الأمر: ويشمل ذلك : الإجماع . والاجتهاد » وذلك فى إطار تمييز التشريع 

عن التنقيذ عن القضاء . 

ثالعا : الأوضاع القائمة إذا كانت صالحة ويشمل ذلك العرف والاستصحاب . 

رابعا : العقل . 

خامسا : اليراءة الأصلية . 

وهذا يعنى أن التجديد عنده إنما هى فى تقسيمات جديدة نتيح للفقيه التوسع فى 
واستهعمال لأداة الأصول أفضل مما يؤدى فى النهاية إلى فقه متجدد خادم 
للموضوعات المثارة فى عصرنا الحاضر وهذا الاتجاه منه يوازيه اتجاه معروف عنه فى 
تكثيف التراث الإسلامى والسعى إلى جعله بين أيدى الباحثين بكل طرق التيسير من 
عمل قوائم بيليوجرافية إلى عمل مكانز وفهارس ومعاجم لعلم أصول الفقه وعلى ذلك 
يمكن أن يقال إن اتجاه التجديد عند د. عطية إنما يتمثل فى إعادة الصياغات 
والتخيرات وخدمة مساحات من البحث الأصولى لم تخدم من قبل أو لم تصل إلينا هذه 
الخرمة على فركن وقوعها.. 

ووضح هذا ا : لمنحني والمعنى قوله عن التق لتقسيم الفقه ال 
رابعا :مجموعات الأحكام الشرعية 

(أ) درج الفقهاء على الكتابة فى المسائل الفقهية مصنفة إلي أبواب الفقه المعروفة 
دون جمع الأبواب المتعلقة بموضوع واحد فى قسم أى كتاب مستقل , وما يرد فى بعض 
المتيع حاليا قى تجميع العبادات والمعاملات والجزاعغيرها وإن كانت هذه العناوين 
معروفة ومستعملة فى بعض الكتب ٠‏ ونظرا لاتساع المادة الفقهية وتلضرورات الدراسات 
المقارنة بين المذاهب الفقهية وبين القوانين الوضعية والعلوم العصرية الأخرى فقد اتجه 
الكاتيون المعاصرون إلى اتباع التقسيمات الكبرى المعروفة فى القوانين الوضعية 
والعلوم المعاصرة » ومن هنا بدت الحاجة إلى بيان توزيع الأبواب الققهية القديمة تحت 
هذه التقسيمات ؛ وكذلك الإشارة إلى الكتب المستقلة عن كتب الفقه التقليدية وييان 
تصنيف مادتها تحت هذه الأقسام . 


184 , ١841 انظر النظرية العامة للشريعة الإسلامية الدكتور / جمال الدين عطية ص‎ )١( 


ينون 


(ب) وهذا العمل من قبيل بيان أقسام الحكم الشرعى وفقا لموضوعاته : 

1- قسم العبادات ويشمل أبواب الطهارة والصلاة والجنائز والدعاء والذكر والزكاة 
والمساجد والصيام والحج وغيرها . 

* - قسم الحلال والحرام والآداب : ويشمل أبواب الأطعمة والأتربة والأيمان والنذور 
والعقيقة والذبائح والصيد وغيرها . 
قسم الأحوال الشخصية أو الأسرة : ويشمل أبواب الخطبة والنكاح والطلاق والخلع 
والحجر واللقيط والرضاع والجضانة والولاية والوصاية والنفقات والفرائض ( أو 
الميراث ) والوصية . 

- قسم المعاملات المالية : ويشمل أبواب البيع والسلم والرهن والصلح والحوالة 
والضمان والشركة والإجارة والوكالة والعارية والغصب والشقعة . والقراض 
والمساقاة والجعالة وإحياء الموات والهبة والوقف والوديعة والقسمة والمزارعة 
والغارسة:؛ 

© - > قسمالجزاء: ويشمل أبواب الجنايات والحدود والقصاص والبغاة والتعزيز . 

2-5 قسم القضاء والإجراءات المدنية والجزائية والإثبات : ويشمل أبواب القضماء 
والدعاوى والبيثات والإقرار والشهادات. بالإضافة إلى الكتب المتخصصة فى 
القضاء والطرق الحكمية . 

/ا - قسم المالية العامة : ويشمل بعض الأحكام المتفرقة فى أبواب المعاملات من كتب 
الفقه بالإضافة إلى الكتب الملتخصصة فى الأموال والخراج والسياسة الشرعية 
والأحكام السلطانية . 

8 - قسم الاقعصاد :ويشمل بعض الأحكام المتفرقة قى أبواب المعاملات من كتب الفقه 
بالإضافة إلى الكتب المتخصصة فى الأموال والخراج والسياسة الشرعية 
والأحكام السلطانية والحسبة . 

4- القسوالإداري : ويشمل الكتب المتخصصة في السياسة الشرعية والأحكام 
السلطائية. 

5 - القسم الدولي العام : مكل اك الجهاد ل 
بالإضافة إلى أبواب وكتب السير . 

؟ - القسم الدولي المحاص : ويشمل أبواب الذميين والمستأمتين والكتب المتخصصة 
ويعض مباحث وآبواب وكتب السير . 


كن 


٠١‏ - كما يمكن اتباع تقسيمات أكثر تفريع لمواجهة العلوم المستحدثة التى استقلت 


عن بعض الأقسام مثل قانون العمل والقانون البحرى وقانون التأمينات 
الاجتماعية وغير ذلك : 


(ج) ثم تأتى المباحث الشرعية الضابطة للعلوم سواء فى ذلك العلوم الطبيعية والكونية 


كالطبيعة والكيمياء والفلك والطب وغيرها أ العلوم الانسانية كالاجتماع والتربية 


والنفس والسياسة والاقتصاد والإعلام وغيرها . وذلك على النحو الذى أشرنا إليه 
في الفصل الخاص بالعلاقة بين الشرعية والعلوم الأخرى ومع التنبيه دائما إلى 
أهمية المباحث الشرعية لضبط مقاصد ومناهج هذه العلوم مع احتفاظ كل علم 
فى باقن عابث بالمتيع التمريى والنقلى المتاسن له.وها يتطلبه ذلك بهن فراسات 
ميدانية وإحصائية وتحليلية ومعملية . 


() كما ينبغى التنبيه إلى أن أساس هذا التقسيم الموضوعي للمباحث الشرعية إنما 


(ه) 


هو القائدة العملية ؛ وهى اعتبار قايل للتغيروالتطور وفقا للمناهج المعاصرة فى 
تصنيف العلوم القانونية والعلوم الطبيعية والإنسانية المعاصرة . 

كما أن تفاصيل التقسيم الداخلى الفرعى لكل قسم من هذه الأقسام خاضع 
كذلك للحاجات العملية ولقتضيات الجمع بين المادة الفقهية للأحكام الفرعية 
التفصيلية والنظريات التى تجمع القواعد العامة فى كل من هذه الأقسام . 
ويطرح هذا التقسيم مسالة وحدة الأحكام الشرعية فى المجالات التجارية 
والإدارية والدولية وقد سبق أن يحثنا ذلك فى فصل الخصائص تحت عنوان وحدة 
الشريعة. 

وأنقل هنا من سيمنار كلية الشريعة بقطرالذى ألقاه د. جمال عطية وأطيل فى 
النقل حيث يلخص فى هذه الورقات منظوره لاستفادة العلوم الاجتماعية من 
أصول الفقه فيقول فى ص ١1- ١١‏ : 

سوف أحاول طرح بعض التساؤلات فى الاتجاهين الرئيسيين للموضوع . 

الاتجاه الأول (*) : ماذا يمكن أن يقدمه علم أصول الفقه إلى مناهج العلوم 
الاجتماعية ؟ 

وبداية أقول إن هناك مواقف متطرفة فى الرد على هذا السؤال موقف يرفض 
تماما منهج أصول الفقه. وموقف يأخذ بضرورة تطبيق منهج أصول الفقه : 
والموقف الأول هى موقف العلماء المتتخصصين في العلوم الاجتماعية والذين يرون 


(ه) لم يتسع الوقت لعرض الاتجاه الثاني في هذا السيمنار, فتم عرضه في سيمنار وزارة التربية . 


كرا 


أن ازدهارالعلوم الاجتماعية لا يمكن أن يستمر إذا قيدناه بالضوابط 
الحديديةلعلم أصول الققه . وذلك لأن علم أصول الفقه بطبيعته وضع لغرض معين 
وبالتالى لا يمكن أن يحكم علوما تختلف فى طبيعتها عن العلوم التى وضع علم 
أحنول الققة لشحيطها: 
ويقايل هذا على الجانب الآخر » موقف علماء الشريعة الذين يرون فى هذه العلوم 
الاجتماعية الحديثة فروعا جديدة من الفقه , ويالتالى يجب أن تنضبط بمقاييس 
وضوايط علم أصول الفقه , بل إنهم لايرون - وهذا ما فاجأنى فى بعض المواقف - 
أحقية علماء الاقتصاد - مثلا -فى الحديث عن الاقتصاد الإسلامى ؛ وعلى أساس أنه 
يجب أن يقتصر على ما كان عالما بالفقه وأصوله باعتبار أن الاقتصاد الإسلامى هو 
باب المعاملات من الفقه ونفس الشئ فى علم النفس الإسلامى هو باب الاجتماع 
الإسلامى وغيرذلك من العلوم. 
هذان هما الموقفان المتطرفان فى هذه القضية . . والرأى الذى أذهب إليه يحسن 
أن أقدم له يمسألتين : 
المسألة الأولى: هى ضرورة اعتماد الوحى مصدرا للمعرفة فى الشق الموضوعى 
للعلوم ذلك أثنا نعلم أنه قد وردت إشارات واضحة وحاسمة فى القرآن والسنة فى 
مجال إقرار حقائق علمية معينة أى فى الشق الموضوعى للعلوم . 
والأمثلة كثيرة عن ذلك فيما يعبر عنه الإسلاميون بالسنن . . (سنن الكون والمجتمع 
والنفس . . . الخ ) ومن هنا لايد من أن نقدبل أن هذه الإشارات مصدرا للمعرفة في 
هذا الشق الموضوعى فى كل علم من هذه العلوم ولكن يجب أن تقصل هنا بعض 
الشئ . فالقول بأته مصدر للمعرفة لن يفيد كثيرا فى تقدم العلم نفسه , وإنما يجب 
وضعها فى موضوعها من المناهج التى توصل إلى القوانين العلمية التى تنقل هذه 
الإشارات إلى استتباط قوانين منها يمكن استخدامها فى حياتنا العملية. وعلى سبيل 
المثال فإن القول بأن العسل فيه شفاء للناس أو القول بأن النساء ناقصات عقل ودين 
وغيرذلك من الإشارات فى مختلف المجالات لاتقرر حقيقة منضبطة بحيث نستخرج 
منها قانونا يمكن أن نطبقه فى حياتنا العملية» وإنما هى إشارات تطرح فرضيات يجب 
وضعها موضع التجرية والإحصاء والمقياس وغيرذلك حتى نصل إلى استنباط القانون 
الذى يصلح للتطبيق فى حياتنا العملية . 
هذا عن المسالة المبدئية الأولى المتعلقة بالشق الموضوعى . 
والمسألة الثانية : تتعلق بالشق القيمى أو المعيارى فى العلوم الاجتماعية المختلفة وهنا 
لامفرمن اعتبار الوحى مصدرا للتوجيه فى هذا الشقء بل إنه مصدر تأسيسى. لأن ما 


2ن 


فيه من قيم وأحكام تكليفية هى الضابط لهذا الشق فى العلوم . ويطبيعة الحال فإن 
تطبيق منهج علم أصول الفقه فى هذا المجال يعد أمرا واردا ولا أظن أن هناك إشكالا 
له قيمته فى هذا المجال . 

بعد هذين المبدأين . .فإن السؤال الثانى : هل يبقى بعد ذلك فائدة لعلم أصول الفقه 
فى الشق الموضوعى للعلوم المختلفة ؟! 

إن الذى أشعر به أن علم أصول الفقه قد وضع أصلا لضبط التكاليق (افعل 


القوانين التى تحكمهاء ومن الظلم أن نحمله مالا يحتمل . 

وهذا ما ييررتخوف العلماء الاجتماعين من فرض علم أصول الفقه على العلوم 
الاجتماعية وما يؤدى إليه هذا من تجميد وتقييد هذه العلوم , تقييد! لا يبرره العلم أى 
الدين» ولكن هناك فى رأى بعض المباحث الموجودة فى علم أصول الفقه والتى تصلح 
نيراسا ومعيارا للعلوم الاجتماعية فى مناهجها وبالتحديد فى تحليل الظواهر 
الاجتماعية وبيان علاقات السببية بينها ولا يتسع الوقت لشرح هذه المواضع , ولذلك 
سوف أشير إليها فقط خاصة , وأن معظمنا له معرفة بها , ويكفى الإشارة إليها . 

- فموضوع العلة - مثلا - الذى أشارإليه الدكتور نصار فى تقديمه , والمراحل 
التى يمر بها الأصولى حتى يصل إلى تحديد العلة ‏ وما وضحهد. النشار ود. 
مصطفى عبد الرازق قبله من أن هذا هو بداية العلم التجريبى , والمقارنة التى 
أجريناها بين (ستيوارت مل ) وبين هذه المراحل المخلفة فى التوصل إلى علة الحكم . 

إلى جانب مباحث العلة ؛ هناك مايسمى بالأحكام الوضعية فى علم أصول الفقه . 
فمباحث الركن والسبب والعلة والأمارة والمانع . .الخ فيها ضبط للمسائل التى تحتاجها 
العلوم الاجتماعية أشد الحاجة , فلو عكف علماء العلوم الاجتماعية على هذه المباحث 
لوجدوا فيها كنورا تعينهم فى ضبط علومهم . 

وهناك القواعد اللغوية التى أشار إليها د. نصار ؛ وهى جزء من القواعد التى 
يستخدمها علم أصول الفقه لضبط تفسيرالتصوص وال مفاهيم والمصطلحات وهذه 
القواعد اللغوية نادرا ما تجدها فى العلوم العصرية , ويحتاج إليها العلماء. لأن اللفة 
بطبيعتها وسيلة التعبير عن الرأى ٠‏ وضبط اللغة من أهم المسائل لضبط العلم نفسه . 

والمباحث المتعلقة بالاستحسان ويعلم الفروق تعد من المسائل التى تصقل الذهن 
وأدوات البحث لدى العالم . 

والقواعد الفقهية والطريقة التى استنبطت بها تعد كذلك من المسائل المفيدة جدا 
للعلوم الاجتماعية . 


فون 


والمقاصد الشرعية تعد من العلوم التى أهملت . . وقد ذهب يها ابن عاشور خطوة 
أبعد مما وصل إليه الشاطبى والعز بن عبد السلام حيث حاول أن يجد المقاصد 
الشرعية ليس على مستوى الشريعة ككل وإتما على مستوى كل علم من علومها » وهذا 
إذا طبقناه فى العلوم الاجتماعية فإنه يضبط لنا فلسفة هذا العلم ومقاصده . وفى هذا 
فائدة كبيرة فى ضيط العلم ! . 

وإذا خرجنا من علم أصول الفقه - بمعناه الاصطلاحى ٠‏ إلى المناهج التاريخية 
سواء من علوم الحديث أو من علوم التاريخ » فلاشك فى فائدتها كعلوم شرعية لعلماء 
العلوم الاجتماعية , 

ولا يعنى كل ما سبق أنى أرى الخلط بين الشق الموضوعى والشق التكليفى فى 
العلوم الاجتماعية ؛ وإنما من الضرورى التمييز الواضح بينهما . وما أدعى إليه هو 
التفاعل بين هذين الشقين . 

هناك مناطق تستعصى على مناهج العلوم الاجتماعية » وهذا يستيعد المناطق التى 
تتعلق بالغيبيات والتى تتعاق بالأحكام التعبدية وذلك رغم اعترافنا بأن الأحكام التعبدية 
تفسها إنما شرعت لتحقيق مصلحة العباد . فإننا لا يمكن أن نتجاوزها إلى محاولة 
إيجاد العلة منها . ويالتالى فإنها تستعصى على الاخضاع لمناهج العلوم الاجتماعية 
وقد يكون هذا الاتساع بالغ البعد عن الصورة الحالية التى وقف عندها علم أصول 
الفقه والعلوم الشرعية عموما منذ توقف تطور الفكر الإسلامى منذ عدة قرون . 

وأقصد بهذا إننا إذا ركزنا على علاقة السببية بين الأحكام ويين مقاصد الشريعة 
من هذه الأحكام .. فإن كل حكم فى الشريعة له علة وجاء لتحقيق مصلحة معينة وحتى 
الأحكام العبادية - كما قلنا - فإن الله سبحانه وتعالى غنى عن العالمين وعن هذه 
العبادات وشرعت لمصلحتنا نحن ٠‏ فالريط بين الحكم والمصلحة قد يصل إلى اعتيار 
هذه العلاقة السببية ونزيل بذلك التفرقة بين الشق التكليفى والشق الموضوعى : وأعنى 
بذلك لسنا فقط يصدد قائون تكليفى فى الآئة ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)(١)‏ 
ولكننا يمكن أن نعتبره قانون حتميا .. أى علاقة بين سبب ونتيجة . وإذا توصلنا إلى 
ريط المسببات ينتائجها بهذه الصورة فمن الممكن الوصول إلى إزالة التفرقة بين الشق 
التكليفى والشق الموضوعى . ويبقى هذا - على كل حال - أملا بعيدا لا أظن أنه فى 
متناول الأجيال الحاضرة من العلماء . 

وبين هاتين المنطقتين - المنطقة المستعصية والمنطقة البعيدة التحقيق هناك مجالات 
كثيرة يمكن قبول مناهج العلوم الاجتماعية فيها . ومن هذه المجالات : مجال إعمال 


. 45 سورة العنكيوت من الآية /ر‎ )١( 


تفن 


العقل كمصدر للأحكام ؛ فا لمباحث التى تكلم فيها الكلاميون فى مسألة العقل يمكن 
تطعيمها بكثير من مناهج العلوم الاجتماعية وما وصلت إليه من أدوات » وذلك لتحقيق 
أيسر لمقاصد هذه المسالة . 

وكذلك مجال إعمال العقل كمنهج - وليس كمصدر -- للأحكام .. وهى ما يمير عنه 
(بالمصادر المختلفة قيها ) .. كالقياس والاستحسان والاستصحاب والمصلحة المرسلة 
وسد الذرائع وغيز ذلك . فجميع هذه المصادر يقوم يتوظيفها العقل البشرى .. وتعطى 
مجالا لتدخل مناهج العلوم الاجتماعية فى هذه المصادر . 

وهناك أيضا مجالات اعتماد التجرية الانسانية للشعوب والبلاد المختلفة فى عدة 
أتواع.. وعلى سبيل المثال فى تحويل القيم والأحكام إلى مؤسسات . قبدلا من أن نظل 
نتحدث عن الشورى كميدأ يمكننا أن نترجم هذا المبدأ إلى مفسسة مستفيدين من 


التجارب الأخرى . 
ونفس الشئ فى الزكاة وغيرها ولعل تجرية البنوك الإسلامية خير دليل على ضرورة 
ترجمة المبادئ إلى مؤسسات . 


وأخيرا هناك مجالات الصلة بين الحكم التكليفى والواقع » ففى عدة مراحل يقف 
الفقيه أى المجتهد أمام الواقع . حيث يستدعى الإعمال الصحيح لقواعد أصول الققه , 
التعرف على الواقع . فأول هذه المراحل هى تعرف المجتهد على الواقعة محل الاجتهاد 
.. وهذه الواقعة الآن لم تعد معاملة بسيطة وإنما أصبحت ظواهر معقدة .. لابد أن 
يستعين بمختلف المناهج حتى يتعرف عليها ثم تأتى مرحلة تحديد مضمون العرف . 
فإذا اعتيرنا العرف مصدرا من مصادر التشريع » فإنه لا يمكن أن يصل إليه المجتهد 
وهى فى برجه العاجى ولكن لابد من التعرف إليه؛ وهذا من صميم عمليات اليحث 
الاجتماعى التى يتم التوصل إليه يمناهج علم الاجتماع . 

وهناك القواعد اللغوية التى وجدت بدايتها فى علم أصول الفقه , ولكن علم اللغة 
عموما لم يتطور التطور الذى بلغته علوم اللغة فى الغرب .. والتى بدأ ينظر إليها على 
أنها علم اجتماعى يرد عليها كثير من الأساليب البحثية المتغيرة » مما أنتج داخلها 
علوما حديثة مثل دلالات الألفاظ وتطورها. وقد يقول البعض إن اللغة مرتبطة بالقرآن 
ولا يجوز عليه التطور .. ونرد فنقول إنه لم يقل أحد بتطوير لغة القرآن , وإنما تطوير 
ما يطرأ على اللغة نفسها ومضامينها نتيجة تعامل الأشخاص بها . وما تخضع له من 
مباحث مختلفة بدأ تدريسها - الآن - فى كلية دار العلوم وغيرها من الكليات التى 
انفتحت على هذه العلوم الحديثة . ا 


فض 


وعند تطبيق الحكم الشرعى على واقعة معينة فإنه يلزم لمن يقوم بالتطبيق سواء 
أكان من السلطة التنفيذية أم من السلطة القضائية - التعرف على الواقعة التى يطبق 
علها الحكم وهنا نجد أنفسنا أمام مجال آخر لتطبيق مناهج العلوم الاجتماعية . 

ثم تأتى آخر مرحلة يصل إليها القاضى أو المجتهد . وهى مرحلة تطبيق الحكم على 
الؤاقعة بعد أن تثبت لديه : فالقاضى يقوم أولا بالتحقيق فى الواقعة وإثباتها ثم الحدقق 
من الحكم الشرعى الذى يطبق على هذه الواقعة » ثم يقوم أخيرا يتطبيق الحكم 
الشوعن علن الواقعة ؛ وهذ! التطريق نفسَّه نتخل فية إلى جاتن الذاحية الشرعية أو 
القانونية كثير من الثواحى النفسية والاجتماعية والاقتصادية التى يراعيها القاضى 
حتى يكون حكمه مصيبا للحقيقة ومحققا للعدالة . 

إننى أعلم هذه الإشارات السريعة تفتقد إلى الأمثلة التى توضح مراميها ولكن 

وعلى ذلك , فالتجديد عند د . عطية يتمثل فى : 

. إعادة هيكلة العلم ... الخ‎ - ١ 

" - الاستفادة من المنهج الأصولى فى العلوم الاجتماعية . 

٠‏ - الاستفادة من مناهج العلوم الاجتماعية فى علم أصول الفقه ويذلك تكتمل 
خريطة التجديد عند د . عطية . 

وللدكتور جمال الدين عطية أيضا جهود فى بيان علاقة أصول الفقه بالعلوم 
الاجتماعية ومدى إمكانية استفادة الأصول منها , استفادة هذه العلوم الاجتماعية من 
المعرفة للدكتور طه جابر العلوانى وأدار اللقاء د . جمال عطية وفى محاضرات بكلية 


الشريعة جامعة قطر فى 19184/11١/١1‏ بعنوان ( علم أصول الفقه والعلوم 


الاجتماعية)(١)‏ , 
يقول د . جمال فى محاوراته مع د . طه ص ١7‏ وما بعدها فى : إسلامية المعرفة 
هذه قال 9) : 


استخدام علم أصول الفقه كمنهج للعلوم الاجتماعية ... وأقول إنه من المعروف أن 
أصول الفقه وضع فى الأصل لضبط الأحكام التكليفية. وهى افعل أو لا تفعل على 
المراحل الخمسة المعروقة وهى : التحريم والكراهة والإباحة والندب والوجوب ٠.‏ فكيف 
)١(‏ إسلامية المعرفة وعلم أصول الفقه والعلوم الإجتماعية , طبعها المعهد العالي للفك رالاسلامي. 


(؟) أنقل هنا باستفاضة حتى تتبين فكرة المتناظرين من ناحية ولعدم توفرهذه المحاضرات بين أيدى الباحثين من ناحية 
أخرى . 


يقن 


فى الخقيقة قوانين أو سان كوقة ترية أن تغرف بها الفاقة بين طواهن معيتة يعضيها 
واليمضن الأخر رومض الأرتباط بيتها .فاختااف اللبيعة بين موضوع :الطوم الاجتقاعية 
ويين موضوع العلم الشرعى هى الذى يطرح هذا التساؤل . وأنا بهذا الطرح لا أقصد 
الاعتراض على مهاولة الاستفادة مخ أصول الفقة ...يل بالفكس اقترح أن تستفاد فن 
أصول الفقه ولكن ألا يعتبر هى المنهج . فهو المنهج بالنسبة للفقه والأحكام التكليفية 
ولكن منهج العلوم الاجتماعية هو منهج تجريبى ؛ أما أن نشرى مناهج العلوم 
الاجتماعية بإدخال عتاصر من علم أصول الفقه إليها فهذا ما أطمئن إليه دون تردد ! . 

ومن أهم ما يمكن الاستفادة به من علم أصول الفقه فى العلوم الاجتماعية هو 
موضنوع استخراع العلة الائ شرحناه فى متاسبات سابقة ! وإلى جاتن الأحكام 
التكليفية يوجد فى أصول الفقه ما يسمى بالأحكام الوضعية وهى : 

الركن والسبب والشرط والعلة والأمارة والمانع . وهذه المباحث يمكن الاستفادة منها 
كجزء من المنهج الذى يطبق على العلوم الاجتماعية . كما أن لهم منافج فى مسائل 
القياس الخفى أو الاستحسان تفيد فى تحليل الظواهر الاجتماعية ويحثها . 

كذلك فإن علم الفروق الفقهية الذى يحاول البحث لمعرفة السبب أى الفرق الذى يؤدى 
إلى اختلاف الحكم رغم تشابه الحالتين ... يمكن أن يفيد فى العلوم الاجتماعية.. ونفس 

وهذه كلها مسائل يمكن استخراجها من علم أصول الفقه وإدراجها ضمن مناهج 
العلوم الاجتماعية . 

الملاحظة الأخيرة ... من المطلوب إيجاد تفاعل بين الشق التكليفى للعلم وبين الشق 
الموضوعى فيه ٠‏ وليس الخلط بينهما ‏ ففى علم الاقتصاد .. على سبيل المثال - هناك 
يختلفون فى القيم وفقا للمذهب . وهنا يجب أن نتبين باستمرار ما هو موضوعى وما 
هو معيارى حتى لا ثفقد الموضوعية أى الضوابط الشرعية ! 
رابعا - ثم يجيب () د . طه العلوانى : 

تساؤل الدكتور جمال الأساسى هو كيف يمكن مد منهج أسس فى الأصل لمعالجة 
الظاهرة الفقهية وهى ذات صفة خاصة تتم بالجزئية فى الغالب لكى يكون صالحا 
معالجة الظاهرة الاجتماعية أى الانسانية التى يراد أن تكون معالجتها متصفة بالتعميم. 





)١(‏ من هنا نري رأي د. طه جابر العلواني رئيس المعهد العالي الفكر الإسلامي بواشطن ومحقق كتاب المحصول للراذي 
والذي حصل به علي الدكتوراه من كلية الشريعة والقانون بجامعة الازهر 


7 


كما أن الظاهرة الفقهية المطلوب منها أن نتبين الحكم الشرعى التكليفى أى الوضعى 
أما الظاهرة الاجتماعية والانسانية فنريد منها أن نتيين القوانين والسنن وشبكة 
العلاقات التى يمكن على ضوئها أن نقيم لأنقسنا نظاما صالحا . ثم اختار أن يقول أن 
بعض الأصول تصلح لهذا . أنا أولا لا يعنينى كثيرا أن نقول بأن منهج أصول الفقه 
وحده وكما هو ويشكله ويحدوده وأبعاده يمكن أن نحكمه فى الظاهرة الانسانية 
والاجتماعية وأنه سيأتينا يالعجب العجاب وسيعوضنا عن المنهج العلمى وسائر المناهج 
المستخدمة فى هذه العلوم » فهذا أمر لا أدعيه بل لا أتوقع أن أصول الفقه فى وضعه 
الذى أعرفه قادر على أن يستجيب لهذه الحاجة ؛ لكتى أوكد ما أكده علماء 
الاجتماعيات والانساتيات بلا استثناء قى حدود ما اطلعت عليه وما أعرفه من غرييين 
وغيرهم من أن العلوم الاجتماعية والانسانية تعانى اليوم من قصور ومن محدودية وأنها 
تتوقف أمام ظواهر كثيرة دون أن تتمكن من أن تعطى فيها جوابا أو حلا شافيا . ولا 
أريد أن اتعرض إلى نزعاتهم فى علمية هذه العلوم أى عدم علميتها » فبعضهم يريد أن 
يخرجها من دائرة العلم كله ويحولها إلى مجرد معارف أو فنون » وقد ذكرت بعض هذه 
القضايا أمس وتعرضت لها ولكتنى أريد أن أقول أولا : إن هذه المحدودية التى يشكى 
منها المختصون بالعلوم الانسانية والاجتماعية يمكن أن يسهم الإسلام فى معالجتها 
من خلال المصدر الثانى , فالعالم الغربى يتظر فى العلم من خلال مناهج المعرفة 
الغربية المعاصرة والمنهج التجريبى بالذات فهو عالم ينظر بعين واحدة مهما اتسع علمه 
فهو يهمل الوحى جانبا وينفى دخوله فى أى شئ من الأشياء بل وإن بعضهم قد 
يتساهل مع الخرافة ومع العادات ومع الأعرف الشعبية ولكنه ليس لديه أى استعداد 
للنظر فى قضية الوحى . وأنا كإنسان مسلم أعتير الوحى مصدرا أساسيا وشريكا لا 
يمكن الاستغناء عنه مع الوجود . فالوحى مع الوجود هما مصدرا معرفتى » فكما لا 
أستطيع أن أتخلى عن الوجود كمصدر للمعرفة: فأنا لا أستطيع أن أتخلى عن الوحى 
كمصدر للمعرفة؛ فالوجود , والوحى يكمل كل منهما الآخر للوصول إلى المعرفة 
المطلوية والمعالجات العلمية المناسية للظواهر الانسانية والاجتماعية . 

ومتهج الرسول صلى الله عليه وسلم الققهى هى منهج قام على معالجة قضايا 
الوحى وهى منهج اتصف وحاز على صفة العلم من خلال اشتماله على الموضوع 
وتحديد للموضوع . واشتماله على تحديد مواصفات الانسان المتكامل مع هذا اللون 
من ألوان المعرفة , وهى المجتهد أى المفتى والمستفتى , وكل مطلع على أى كتاب من كتب 
الأصول يجد أن المحاور الثلاث هى محاور هذا العلم وقضاياه الأساسية . فما دمت قد 
قيلت الوحى كمصدر للمعرفة مع الوجود . فلايد لى من البحث عن منهج أستطيع أن 
أتعامل مع الوحى من خلاله وهذا المنهج إما أن يكون موجودا أو يكون معدوما , فإن 





0ن 


كان موجودا فلايد من اختياره ومعرفة تاريخه وتطوره وحقائقه وقضاياه للحكم عليه 
بالصلاحية كلا أو جزءا أى عدم الصلاحية وآنذاك نكون ملزمين بإيتكار منهج جديد 
للتعامل مع الوحى الذى هى الكتاب والسنة فبإفتراض أن أصول الفقه كمنهج قد 
استطاع أن ينجح فى تقديم فقه وافر وغزير وأن ينجح فى التعامل مع الوحى إلى حد 
بعيد فإننا يمكن أن ننظر فيه ونعيد النظر فى سائر قضاياه والمباحث المشتركة بين 
الكتاب والسنة . ما هى؟ وما عليها ؟ وتاريخها . وكيف وصل الأصوليون إليها ؟ 
وقواعد الاستدلال وقواعد الدلالة , والأدلة الأخرى ... هناك إجماع - هناك قياس - 
هناك الأشياء التى ذكرها الاكتور جمال قبل قليل . 

ذف لها اذجعقهها يبون اك يرول ططق الكنانن وسكا يفك ل دل 
ضمن الأدوات ؛ ويعضها يمكن أن يدخل ضمن المدخلات المنهاجية . والاجتهاد نفسه.. 
كيف نحوله إلى منهاجية لنا نستخدمها فى النظر فى سائر ما يحيط ينا . وما هى 
الأدوات وما هى الوسائل ؟ وما هى المعايير التى نخضع لها هذا المنهاج هل نستخدم 
لها نفس شروط وأساليب الأصوليين ..؟ 

فأنا أغرف أن الاجماع مكلذ , ذليل من افضبل الآدلة :وكان يمكن أن يسكقيد 
ليون من التعامل نبحه كثيرا #واكن تقريق الأستوانن له وبيائيم لتققتهدييان 
نتج عن ظروف كانوا يعيشونها أفقدت هذا الدليل معناه ‏ بحيث أن الإمام أحمد بن 
حتبل رحمه الله يقول : ( من إدعى الإجماع فهى كاذب ) لماذا ؟ لأنهم قالوا أن الإجماع 
هى اتفاق جميع مجتهدى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى عصر من العصور على 
أمر من الأمور » مستحيل تحقيقه ولم يتحقق فالإجماع الذى تحقق حتى الآن لو 
أخضعناه لهذا التعريف وفحصناه على ضوئه فلن نجد أن هناك إجماع إلا على الأمور 
المعلومة من الدين بالضرورة . ولذلك يقولون مثلا تفتتح أبوب الفقه . الصلاة ثبتت 
بالكتاب ويالسنة ويالإجماع . الصيام ثبت بالكتاب وبالسنة ويالإجماع ؛ وقد كنا نريد 
أن نستخدمه دليلا يمكن أن يغطى مساحة من المساحات الخالية ولكنهم فى تحديدهم 
لحقيقته بهذه الصورة وأفقدوه معناه ؛ كذلك قالوا ( لا يجوز أن يتم فعندما يأتى فى 
مسالة من الكتاب أو من السنة فإن المجتهدين يجمعون على مقتضى ذلك الدليل . إذن 
ما فائدة الإجماع تحول الإجماع تقريبا إلى دليل معبد » ريما تفسير الخلاف الذى نقله 
د . جمال قبل قليل يعتبر نوعا من التفسير الطيب : فالإجماع إذن كدليل جمد نتيجة 
تقبيدهم له بهذا الشكل . 

كما جمد العقل وأفقد أهميته كدليل نتيجة لكثرة القيود والضوابط التى وضعت 
عليه. هذه حالة استثنائية مر بها العقل الإسلامى فى فترة من الفترات حينما انفصلت 
القيادتان السياسية والفكرية ؛ وأصبحت القيادة السياسية فى كثير من الأحيان تلجأ 


يغلا 


إلى عناصر فقهية ريما لا تتمتع بثقة الأمة فالأمة تحاول أن تدافع عن فقهها وعن 
تشريعها وعن ديتها بن تقول إما أن تأتونى بنص من الكتاب والسنة وإما أن تأتونى 
بأقوال إمام من الأئمة السابقين . ولقد التفت المتصور لهذه القضية رحاول تأميم الفقه 
فجاء بالإمام مالك ولكن الإمام مالك رحمه الله لم يجز عليه الأمر . جاء به وطلب منه أن 
يأذن له أن يقصصر الناس على الموطأً وقال له هذا كتابك وأنت أنفقت فيه عشرين سنة 
من عمرك وجمعت فيه فقه أهل المدينة . والسنة وكذلك فأنا أحمل الناس عليه وأمنع بأن 
يقال فى أى مساألة يما يخالق ما جاء فيه . 

فقال الإمام مالك : لا يا أمير المؤمنين » إن الناس قد سبقت لهم أقوال واجتهادات 
فدع الناس وما اختاروه . فقد أدرك الرجل بعد مصادرة الحرية الفكرية كان لابد من 
مصادرة الحرية الفقهية واستطاع أن يتلافى هذا . قهذه الأدلة أى هذه القضايا 
حجمت وفسرت تفسيرا يغلب عليه الجانب الذرائعى أى جاتب الخوف . فلى قلنا أن 
العقل دليل قسوف يؤدى إلى القول بمسألة التحسين والتقبيح العقليين ولو قلنا القياس 
الخفى فنخشى أن ينصرف الناس إلى الأخذ حتى بالحكمة . وهكذا فلايد أن تكون 
العلة منضبطة . فلما جاعوا إلى ضبط العلة وضعوا القيود عليها ألغوا كثيرا من حكم 
الشارع . والشارع تعرض إلى حكم وكان يعلل ببساطة شديدة لا تحتمل أى شرط أو 
لا تحتمل معظم الشروط التى وضعوها هم بعد ذلك . 

فالذى أدعيه أن هذا التراث وهو مما لا شك فيه تراث شرعى وعقلى وإسلامى : 
إنسانى هائل قد اتفق علماء الأمة أن العقل السليم لم ييدع منهجا أى علما أى معرفة 
أفضل من هذا , ويعتبر زبدة العقل السليم لعصور كثيرة ولكنه فيه وعليه . فترى لو 
إننا رجعنا إليه أ أعدنا قراءته ودراسته وفحص مقولاته وقضاياه وتمييز الدخيل منه 
أى الأمور التى ألحقت به وليست منه والاستفادة مما هو قادر على مدنا يما نحتاج إليه 
خاصة فى قضايا الوحى لكى لا تنطلق عقول الناس فى كلام الله وسنة رسول الله دون 
ضوايط . 

نحن نريد الآن أن نكسر القيود . نخشى أن تكسر كسرا أو تهدم هدما بطريقة 
تجعل الناس ينطلقون مرة أخرى ٠‏ 

فالدعوة المطروحة والتى اعتقد أنها موضع اتفاق لا يخالف هسلم فى هذا هى 
وجوب اتخاذ الوحى مصدرا للمعرفة . فإذا تقرر اتخاذ الوحى مصدرا للمعرفة فلابد 
أن يكون لدينا منهج نتعامل به مع هذا الوحى الذى سيتناول ظواهر اجتماعية وظواهر 
انسانية . ونحن لدينا شئ من هذا المنهج يجب أن نفحصه وندرسه وعلينا أن نعمل 
عقوانا فيه وأن تجتهد بأن لا ندع دليلا من هذه الأدلة إلا ونبحث ماذا قيل فيه ومتى ؟ 
وماهى ظروفه ؟ وهل يتطبق أو لا ينطبق ؟ 


74 


وبالسبة لقضية الاجتهاد : فأنا أرفض تقييده بالمحاور التى قيدها به الأصوليون . 

فالاجتهاد لا يمكن أن يكون كذلك لأنهم عاملوه مثل الإجماع فعندما تقرأ شروط 
الاجتهاد الآن بالطريقة التى وضعها الأصوليون يستحيل أن تجد مجتهدا. فعندما تقول 
(عندى اجتهاد) وتضع لى من الشروط ما يستحيل معه أن يوجد المجتهد . فأنا لا أقبل 
ذلك ! 

فعندما نرجع للأصول الأساسية , فإن الأئمة الكبار عندما قرروا قواعد الاجتهاد لم 
يشترطوا على الناس هذه الشروط المعجزة التى تجعل القضية مستحيلة تماما . فلايد 
من إعادة النظر فى الاجتهاد » حقيقته ومفهومه ووسائله وأدواته بحيث يكون مفهوم 
الاجتهاد الذى ينسجم مع مقاصد الإسلام والذى يمكن أن نتعامل به مع الظواهر 
المختلفة , آنذاك ريما يكون لدينا ققه من نوع آخر ليس الفقه فى الأحكام الجزئية 
الشرعية المعروفة وإنما فقه نستطيع أن نسميه ( فقه الواقع ) فالدراسات الاجتماعية 
المختلفة والتحليلات التى يقوم بها الناس تعد نوعا من فقه الواقع . فهل للفقيه أن 
يتجاوز فقه الواقع ويقتصر مثلا على الفهم اللغوى أم لا ؟! هذا سؤال يطرح على 
مجتهد اليوم . فهل اللغة وحدها كافية . 

والجواب : لا » قلايد من فقه الواقع فنحن نعرف أن الحكم الشرعى يقول 
الأصوليون عنه إنه خطاب من الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أى التخيير وأن 
أركان الحكم : حاكم وهى الله سبحانه وتعالى ويقولون ذلك ردا على المعتزلة » ومحكوما 
عليه وهى المكلف الإنسان ومحكوما به وهى الحكم أى العملية . ونحن فى فقهنا درسنا 
الحكم وعرفنا الحاكم : وهى الله سيحانه وتعالى . ولكن المحكوم عليه الذى هو الإنسان 
طبيعته؛ قوته . ضعفه , نحن نتحدث عن رفع الحرج وعن التكاليف وعن سد الذرائع » 
وعن المصلحة ؛ وعن الاستحسان » هذه كلها لا نستطيع أن نعرفها دون أن نتعرف على 
هذا المحكوم عليه الذى هى الإنسان فردا » أو أسرة ٠‏ أو دولة وقيادة . 

فهل أستطيع أن استغنى عن دراسة هذه الظواهر ؟ 

هل أستطيع أن أستفنى عن فهم هذا الواقع ؟ 

لا يمكن للمجتهد أن يقول الحكم دون الرجوع إلى هذه الأشياء ؟ ونستطيع أن 

وهناك قضايا وأشياء مختلفة وتتعلق بما هى مصلحة , ريما هى مقسدة وهناك 
عرفى ؛ وهناك طبيعى » وهناك قدرتى وهناك عجزى ؛ وكل هذه الأمور لابد من 
ملاحظتها , والناس قبل اليوم كانوا يعملون ببساطة فكان الإمام الشافعى يروح 
ويطوف بالقبائل ويستمع لهم ويبعث أمرأة تسأل عن عاداتهن ويجمع هذه القضايا 


حكن 


وهذا الاستبيان إذا أخذنا به فى علومنا الاجتماعية لتطورت ألس هذا منهجا من 
مناهج أصول الفقه . يجب أن يضيفه الفقيه إلى منهجه ويعتبره جزءا لا يتجزأ من 
منهجه بحيث لا يقول فى الظاهرة الانسانية أو الظاهرة الاجتماعية او القضية الفردية 
شيئًا قبل أن يستقرئ جميع هذه الأدلة . فإذا قلنا أن لدينا الوحى كمصدر للمعرفة 
وعندنا الوجود كمصدر للمعرفة فإن هؤلاء الناس رغم أتهم بعقولهم وحدها استطاعوا 
أن يصلوا إلى الكون وحده إلى معالجات وإلى قضايا كثيرة نافعة فى معالجة كثير من 
الظواهر الانسانية والاجتماعية , فإنهم مازالوا يشعرون أن لديهم قصور فى بعض 
المساحات . وأعتقد أن هذه المساحة يغطيها الوحى وأن المنهج الأصولى فيه ما يساعد 
على فهم الوحى بشكل جيد وأن المنهج التجريبى المطبق يمكن أن يستفيد منه الأصولى 
أى من أدواته خاصة , فهو يستطيع أن يستخدم الكثير جدا من أدواته ويستفيد منها 
فى معرفة العرف ومعرفة العادة ومعرفة المصلحة ومعرفة الضرر ومعرفة الحاجة . وكل 
هذه القضايا قواعد أصولية وجزء من قضايا هذا المنهج .ولا نستطيع أن نستغنى 
فيها عن الوسائل والأدوات المستعملة حاليا فى هذه المناهج . 

وأعتقد أن تكامل المنهج الأصولى مع المنهج العلمى سوف يكون قضية تحتاج إلى 
دراسات متعمقة ؛ وندوات وعلماء يقبلون هذه الأمور على ألسنتهم ليكتشفوا كل ما لها 
وما عليها . ولى توصلنا إلى هذا وأوجدنا نوعا من التكامل بين المنهج الأصولى فى 
مجال الوحى والمنهج العلمى التجريبى فربما يؤدى هذا إلى إصلاح وتغطية المساحات 
الخالية مما لم تتعرض له العلوم الانسانية والاجتماعية وإلى اصلاح قضيتنا الفقهية 
التى نعانى متها .. فالقضية الفقهية - كما قلنا - قضية ذات طابع جِرْئى أى حولناها 
بهذه الطريقة إلى قضية جزئية فقد كان واضحا لدى الصحابة رضوان الله عليهم 
الإحساس بالققه العام والتعامل مع القضية الفقهية كظاهرة . ولكن التقنين الشديد 
والظروف التى ذكرناها وأشرنا إلى بعضها حولتها إلى قضية جزئية تشطيرية 
وأصايتها بنوع من الشلل والعجز وهذا هو الذى نعانيه ! 

لذلك فإننى أعتقد أن استخدام هذا المتهج وتطوره لم يخدم العلوم الانسانية 
والاجتماعية وحدها , ولكن القائدة متبادلة وهذا تقريبا هى التصور العام وعلينا أن 
نبدأ من الآن تحديد ما سنأخذ وما سندع منه ولكن المطلوب أن تقلب الفكرة على ألسنة 
العلماء وتكون موضوعا للبحث فى ندوات وفى دراسات وفى مناقش ات إلى أن تصل 
إلى بلورة . وينيغى أن يناقش مثل هذه القضية علماء فى المناهج ؛ وعلماء فى أصول 
الفقه. وعلماء متخصصون على أعلى درجات التخصص فى هذه العلوم ومناهجها لكى 
يستطيعوا أن يقهموا وأن يكمل كل منهم الآخر ويحاولوا أن يكملوا مباحث العلة التى 
يعتير كثير من المؤرخين للعلم أنها هى التى أوحت للغربيين مثل بيكون وغيره بالمنهج 
التجريبى وهى أساس هذه الحضارة . 


لكان 


يمكن النظر فى هذه المباحث بطريقة منهجية . لتحديد ما هى مصدر وما هى ذاتى 
وما هى مدخل , وتحديد المعابير المطلوية فى هذا الأمر بشكل يجعله قادرا بالفعل على 
تلبية هذه الحاجة ليس للأمة الإسلامية وحدها وإنما للمهتمين بقضايا هذه العلوم كافة 
.. انتهى ما أردته . 

ويتضح من ندوة استراسيورج منهج د .طه جايرفى الدعوة إلى تجديل أصول 
الفقه أيضا ويمكن أن نلخصها من كلامه فيما يلى : 

. إعادة النظر فى شروط وكيفية الاجتهاد وكذلك الإجماع‎ - ١ 

؟ - استخدام الأصول لأدوات المنهج التجريبى المطبق . 

استخدام العلوم الاجتماعية والانسانية لأدوات أصول الفقه الموروث . 

هو يقول ما يمكن أن يكون عنوانا لكل القضية : 

ولى توصلنا إلى هذا وأوجدنا نوعا من التكامل بين المنهج الأصولى فى مجال الوحى 
والمنهج العلمى التجريبى فريما يؤدى هذا إلى إصلاح وتغطية المساحات الخالية بما لم 
تتعرض له العلوم الانسانية والاجتماعية وإلى إصلاح قضيتنا الفقهية التى نعانى منها. 


ا 


وهناك معنى آخر حدده الشيعة لعلم الأصول حيث جعلوا تطور علم النظرية (أصول 
الفقه ) يواكب تطور علم التطبيق ( الفقه ) يتكلم عن تطور ذلك العلم وعن أسباب هذا 
التطور الشيخ محمد باقر الصدر فى كتابه أصول الفقه فيقول : ويدرس نصوص الفقيه 
الزائه وكنوان الله علية:( تَعتى الطوسي) فى الغدة والممسوط + يمكتنا أن يخا من 
الحقيقتين التاليتين : 

احداهها : أن علم الأصول فى الدور العلمى الذى سبق الشيخ الطوسى كان يتتاسب 
مع مسنتوي الندع الققهن الدئ كان يفعصر وفتكد على "اصول المسشاكل زا لغطيات 
المباشرة للنصوص .؛ ولم يكن بإمكان علم الأصول فى تلك الفترة أن يتمى نموا كبيرا 
لأن الحاجات المحددة للبحث الفقهى الذى حصر نفسه فى حدود المعطيات المباشرة 
للنصوص لم تكن تساعد على ذلك فكان من الطبيعى أن ينتظر علم الأصول نمى تفكير 
الفقهى واجتيازه تلك المراحل التى كان الشيخ الطوسى يضيق بها ويشكى منها . 

والحقيقة الأخرى هي أن تطور علم الأصول الذى يمثله الشيخ الطوسى فى كتاب 
العذة كان بكي فى خط جواد للتطون النطيم الذى انجنه فى لك القثرة على الصتهيد 
الفقهى . وهذه الموازاة التاريخية بين التطورين تعزز الفكرة التى قلناها سابقا عن 


لكان 


التفاعل بين القكر الفقهى والفكر الأصولى أى بين بحوث النظرية ويحوث التطييق 
الفقهى ٠‏ فإن الفقيه الذى يشتغل قى حدود التعبير عن مذلول الثص ومعطاه المياشر 
بنفس عبارته أو بعبارة مرادفة ويعيش قريبا من عصر صدوره من المعصوم , لا يحس 
بعاجة شديذة إلى قواعن #ولكته عق يدكل في سركلة التفريع على النضن ودريسن 
التفصيلات وافتراض فروض جديدة لاستخراج حكمها بطريقة ما من النص يجد نفسه 
بحاجة كبيرة ومتزايدة إلى العناصر والقواعد العامة وتتفتح أمامه آفاق التفكير 


الأصولى الرحيية . 

ثم يتحدث رحمه الله تعالى قى ص ٠١‏ وما بعدها : عن مصادر الإلهام للفكر 
الأصولى فيقول : 

لا نستطيع - ونحن لا نزال فى الحلقة الأولى - أن نتوسع فى دراسة مصادر 


الإلهام للفكر الأصولى ونكشف عن العوامل التى كانت تلهم الفكر الأصولى وتمده 

بالجديد تلى الجديد من النظريات لأن ذلك يتوقف على الإحاطة المسبقة بتلك النظريات , 

ولهذا سوف نلخص فيما يلى مصادر الإلهام بصورة موجزة : 

١‏ - بحوث التطبيق فى الفقه , فإن الفقيه تنكشف من خلال بحثه الفقهى التطبيقى 
المشكلات العامة فى عملية الاستنياط ؛ ولدى محاولة تطبيقها على مجالاتها 
المختلفة كثيرا ما يتنبه الفقيه إلى أشياء جديدة يكون لها الأثر فى تعديل تلك 
النظريات أو تعميقها . 
ومكال ذلك ان كلم الأول يقن أن الس إذاا ومن وجيت عقدمته هالوضوء يحب 

مثلا إذا وجيت الصلاة لأن الوضوء من مقدمات الصلاة كما يقرر علم الأصول أيضا 

أن مقدمة الشئ إنما تجب فى الظرف الذى تحب فيه ذلك الشئ ولا يمكن أن تسبقه 
فى الوجوب ٠‏ فالوضوء إنما يجب حين تجب الصلاة ولا يجب قبل الزوال , إذ لا تجب 
الصلاة قبل الزوال » فلا يمكن أن يصبح الوضوء واجبا قبل أن يحل وقت الصلاة 

ولحكب. 

وألفقيه حين يكون على علم بهذه المقررات ويمارس عمله قى الفقه فسوف يلحظ فى 
بعض المسائل الفقهية شذوذا جديرا يالدرس , ففى الصوم يجد مثلا أن من المقرر 
فقهيا أن وقت الصوم يبدأ من طلوع الفجر ولا يجب الصوم قبل ذلك , وكذلك من 
الثابت فى الفقه أن المكلف إذا أجنب فى ليئة الصيام فيجب عليه أن يغتسل قبل الفجر 
لكى يصح صومه ؛ لأن الغسل من الجنابة مقدمة الصوم , فلا صوم بدونه , كما أن 

الوضوء مقدمة الصبلاة ولا تلام يدون وضدوى.: 

ويحاول الفقيه بطبيعة الحال أن يدرس هذه الأحكام الفقهية على ضوء تلك المقررات 
الأصولية » فيجد نفسه فى تناقض , لأن الغسل وجب على المكلف فقهيا قبل مجئ وقت 


تكن 


الصوم ٠‏ بينما يقرر علم الأصول أن مقدمة كل شئ إنما تجب فى ظروف وجوب ذلك 
الشى؛ ولا تجب قبل وقته . وهكذا يرغم الموقف الفقهى الفقيه أن يراجع من جديد 
النظرية الأصولية ويتأمل فى طريقة التوفيق بينهما وبين الواقع الفقهى ٠‏ وينتج عن ذلك 
تولد أفكار أصولية جديدة بالنسبة إلى النظرية تحددها أو تعمقها وتشرحها بطريقة 
جديدة تتفق مع الواقع الفقهى . 
وهذا المثال مستمد من الواقع ٠‏ فإن مشكلة تفسير وجوب الغسل قبل وقت الصوم 
تكشف من خلال البحث الفقهى , وكان أول بحث فقهى استطاع أن يكشف عنها هو 
بحث ابن أدريس قى السرائر . وإن لم يوفق لعلاجها . 
وأدى اكتشاف هذه المشكلة إلى بحوث أصولية دقيقة فى طريق التوفيق بين 
المقررات السابقة والواقع الفقهى , وهى البحوث التى يطلق عليها اليوم اسم بحوث 
المقدمات المفوتة , 
- علم الكلام ؛ فقد لعب دورا مهما فى تموين الفكر الأصولى وإمداده ؛ ويخاصة فى 
العصر الأول والثانى ؛ لأن الدراسات الكلامية كانت منتشرة وذات نفوذ كبير على 
الذهنية العامة لعلماء المسلمين حين بدأ علم الأصول يشق طريقه إلى الظهور . 
فكان من الطبيعى أن يعتمد عليه ويستلهم منه . ومثال ذلك نظرية الحسن والقبح 
العقليين » وهى النظرية الكلامية القائلة بأن العقل الإنسانى يدرك بصورة مستقلة 
عن النص الشرعى قبح بعض الأفعال كالظلم والخيانة وحسن يعضها كالعدل 
والوفاء والأمانة , فإن هذه النظرية استخدمت أصوإيا فى العصر الثانى لحجية 
الإجماع , أى أن العلماء إذا اتفقوا على رأى واحد فهى الصواب ٠‏ بدليل أنه لى 
كان من القبيح عقلا سكوت الإمام المعصوم ؟!! عنه وعدم إظهاره للحقيقة » فقبح 
سكوت الإمام عن الخطأ هو الذى يضمن صواب الرأى المجمع عليه . 
؟' - الفلسفة , وهى لم تصبح مصدرا للإلهام الفكر الأصولى فى نطاق واسع إلا فى 
العصر الثالث تقريبا ؛ نتيجة لرواج البحث الفلسفى على الصعيد الشيعى بدلا من 
علم الكلام وانتشار فلسفات كبيرة ومجددة كفلسفة صدر الدين الشيرازى ٠‏ 
المتوفى سنة ٠١٠١(‏ ) ه » فإن ذلك أدى إلى إقبال الفكر الأصولى فى العصر 
الثالث على الاستمداد من الفاسفة واستلهامها أكثر من استلهام علم الكلام » 
ويخاصة التيار الفلسفى الذى أوجد صدر الدين الشيرازى . ومن أمثلة ذلك ما 
لعبته مسالة أصالة الوجود وأصالة الماهية فى مسائل أصولية متعددة كمسالة 
اجتماع الأمر والنهى ومسالة تعلق الأوامر بالطبائع والأقراد ؛ الأمر الذى لا 
يمكننا فعلا توضيحه . 


زذكنا 


5 - الظرف الموضوعى الذى يعيشه الفكر الأصولى » فإن الأصولى قد يعيش فى 
ظرف معين قيستمد من طبيعة ظرفه بعض أفكاره » ومثاله أولئك العلماء الذين 
كانوا يعيشون فى العصر الأول ويجدون الدليل الشرعى الواضح ميسرا لهم فى 
حل ما يواجهونه من حاجات وقضايا ؛ نتيجة لقرب عهدهم بالآئمة عليهم السلام 
وقلة ما يحتاجون إليه من مسائل نسبيا » فقد ساعد ظروفهم ذلك وسهولة 
استحصال الدليل فيه على أن يتصوروا أن هذه الحالة حالة مطلقة ثابتة فى جميع 
العصور , وعلى هذا الأساس أدعو أن من اللطف الواجب على الله أن يجعل على 
كل حكم شرعى دليلا واضحا ما دام الإنسان مكلفا والشريعة ياقية . 

عامل الزمن ٠‏ واعنى ذلك أن الفاضل الزمتى بين الفكن الفقهى وعضن التصوضن 
كلما اتسع وازداد تجددت مشكلات وكلف علم الأصول بدراستها : فعلم الأصول 
ينمى نتيجة لعامل الزمن وازدياد البعد عن عصر النصوص بالوان من المشاكل , 
فينمى بدراستها والتفكير فى وضع الحلول المناسية لها , 

يكال :ةلدان الكر العتمى ما مكل القمدن الاق خف وحن سعييه ول ادهل عن 
عصر النصوص يمسافة تجعل أكثر الأخبار والروايات التى لديه قطيعة الصدور , ولا 
يتيسر الإطلاع المباشر على صحتها كما كان ميسورا فى كثير من الأحيان لفقهاء 
العصر الأول . قيرزت أهمية الخبر الظنى ومشكلات حجيته » وفرضت هذه الأهمية 
واتساع الحاجة إلى الأخبار الظنية على الفكر العلمى أن يتوسع فى بحث تلك 
المشكلات ويعوض عن قطيعة الروايات بالفحص عن دليل شرعى يدل على حجيتها وإن 
كانت ظنية . وكان الشيخ الطوسى رائد العصر الثانى هى أول من توسع فى بحث 

حجية الخبر الظنى وإثباتها . 

ولا دخل العلم فى العصر الثالث أدى اتساع الفاصل الزمنى إلى الشك حتى فى 
مدارك حجية الخير ودليلها الذى استند إليه الشيخ فى مستهل العصر الثانى ؛ فإن 
الشيخ استدل على حجية الخبر الظنى بعمل أصحاب الأئمة به. ومن الواضح أنه كلما 
ابتعدنا عن عصر أصحاب الأئمة ومدارسهم يصيح الموقف أكثر غموضا والاطلاع على 
أحوالهم أكثر صعوية وهكذا بدأ الأصوليون فى مستهل العصر الثالث يتساءلون هل 
يمكننا أن نظفر بدليل شرعى على حجية الخبر الظنى أو لا ؟ وعلى هذا الأساس وجد 
فى مستهل العصر الثالث اتجاه جديد يدعى انسداد باب العلم لأن الأخبار ليست 
قطعية وانسداد باب الحجة لأنه لا دليل شرعى على حجية الأخبار الظنية » ويدعى إلى 
إقامة علم الأصول على أساس الاعتراف بهذا الانسداد , كما يدعى إلى جعل الظن 
بالحكم الشرعى - أى ظن - أساسا للعمل ؛ دون فرق بين الظن الحاصل من الخبر 

وَغيْرَة ما ومنا لا تملك ليله شرعيا خاها على شجية الكس يميزة عن سافن الطذون: 


كن 


وقد أحذ بهذا الاتجاه عدد كبير من رواد المصر الثالث ورجالات المدرسة التى 
احمنة بهذا العبن كالاستات البييهائن وتلميذة المحقق الثمل ولميذه عنامي الرياهن 

وغيرهما ويقى هذا الاتجاه قيد الدرس والبحث العلمى حتى يومنا هذا . 

ويالرهم من أن لهذا الاتجاه الانسدادى بوادره فى أواخر العصر الثانى فقد صرح 
المحقق الشيخ محمد ياقر الصدر ين صاحب الحاشية على المعالم يأن الالتزام بهذا 
الاتجاه لم يعرف عن أحد قيل الأستاذ الوحيد البهبهانى وتلامذته . كما أكد أبوه 
المحقق الشيخ محمد تقى فى حاشيته على المعالم أن الأسئلة التى يطرحها هذ الاتجاه 

حديثة ولم تدخل الفكر العلمى قبل عصره . 

وهكذا تبين كيف تظهر بين فترة وفترة اتجاهات جديدة » وتتضخم أهميتها العلمية 

بحكم المشاكل التى يقرضها عامل الزمن , 

١‏ - عتصر الإبداع الذاتى » فإن كل علم حين ينمى ويشتد يمتلك بالتدريج قدرة على 
الخلق والتوليد الذاتى نتيجة لمواهب النوابغ فى ذلك العلم والتفاعل بين أفكاره . 
ومثال ذلك فى علم الأصول بحوث الأصول العملية ويحوث الملازمات والعلاقات بين 
الأحكام الشرعية » فإن أكثر هذه البحوث نتاج أصولى خالص ؛ ونقصد بيحوث 
الأصول العملية تلك البحوث التى تدرس نوعية القواعد الأصولية والعناصر 
المشتركة التى يجب على الفقيه الرجوع إليها لتحديد موقفه العلمى إذا لم يجد 
دليلا على الحكم وظن الحكم الشرعى مجهولا لديه . ونقصد ببحوث الملازمات 
والعلاقات بين الأحكام ما يقوم به علم الأصول من دراسة الروايط المختلفة بين 
الأحكام من قبيل مسالة أن النهى عن المعاملة هل يقتضى فسادها أولا ؟ إذ 
تدرس فى هذه المسألة العلاقة بين حرمة البيع وفساده وهل يفقد أثره فى تقل 
الملكية من البائع إلى المشترى إذا أصبح حراما أو يظل صحيحا ومؤثرا فى نقل 
الملكية بالرغم من حرمته ؟ أى أن العلاقة بين الحرمة والصحة » هل هى علاقة 
تضاد أو لا ؟. 
استقضت فى ذلك التقل لقلة إطلاع الجمهور على ما كتبه ويكتبه الشيعة ولا فيه. سه 

تلخيص منهجى لقضية تطور وتجديد أصول الفقه . 


لاد 
كما أن هناك دعوة يجب أن تؤخذ فى الاعتبار وهى ما يدعى إليه ( كلسون ) فى 
الإسلامى وكذلك ما كتبه ( جب ) فى كتبه و ( حسن عبد الحميد عبدالرحمن ) فى 


ا 


عمارة فى مقاله بالمسلم المعاصر )١(‏ , 


590 

وهناك اتجاه يمكن أن نسميه اتجاه التغيير , وهو أشبه ما يكون باتجاه الباطنية 
فى التاريخ الإسلامى حيث يخرج النص عن كل معنى للمردود اللغوى وما عليه تعارف 
الناس على اعتيار اللغة وسيلة لنقل الأفكار إلى شئ يشيه الرمز » بحيث نتحرر من 
النصوص ونصل إلى تحقيق المصلحة كيف كانت . ويمثل هذا الاتجاه حسن حنفى فى 
كتاب له بالفرنسية حصل به على الدكتوراه - من السريون وطبعته له بالفرنسية أيضا 
وزارة الثقافة المصرية وعنوانه 56ا261200650*28<68 165 طيع بالقاهرة فى 1١956‏ 
ومقدمته فى نحى ٠0؟‏ صفحة والكتاب مع مراجعه وفهارسه 14ه صفحة أخرى غير 
المقدمة . 

وهذا الاتجاه يكاد يوجد عند سعيد العشماوى فى أصول التشريع وعند حسدين 
أحمد أمين فى دليل المسلم الحزين وغيرهما , وهو اتجاه يمكن أن يكون رافضا أكثر 
منه داعيا إلى التجديد الذى نعنيه يهذ اليحث . 

ومن التطبيقات العملية لمثل ذلك الرفض والالتزام به ما تراه عند الجمهوريين أتباع 
محمود طل السودانى حيث قسموا تقسيمات جديدة لا يعرفها أصول الفقه فى التفريق 
بين السنة والشريعة وينوا على ذلك ما تركوا به الصلوات وارتكبوا المنكرات . 


رؤية دارس الأصول 


لقد درست علم الأصول تفصيلا وهى التخصص الدقيق لمجال درسى وأرى : 

١‏ - أن علم الأصول الذى بين أيدينا يشتمل على تعريفات وقواعد ومسائل » فتعريف 
الكتاب بأنه كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المتحدى بأقصر 
سورة منه المنقول إلينا بالكواتر بين دفتى المصحق , أو أن العام : هو اللفظ 
المستفرق لجميع ما يصلح له بوضع واحد أو أن القياس هى إثيات مثل حكم 
معلوم فى معلوم آخر لاشتراكهما قى علة الحكم عند المثبت .. الخ ما هنالك من 
تعاريف وحدود لمفاهيم جارية فى ذلك العلم ينبغى ألا تغيرء وذلك للدقة المتناهية 


. ١؟5 انظر المسلم المعاصر عدد “اه ص‎ )١( 


581 


التى صيغت بها , ولما وصلت إليه صياغتها من شمل كل المسائل والمباحث الذى 
يعالجها ذلك التعريف وهى أيضا ضابطة ضبطا شديدا لهيكل العلم ومتسقه مع 
بعضها من أوله إلى آخره؛ مما يجعل تغييرها أمرا بالغ الصعوية إن لم يكن 
مستحيلا وفيه بتر لتواصل مفاهيم السلف مع مفاهيم الخلف ؛ ويمكن خدمة هذا 
القسم يمعاجم تبين تطور دلالاته ‏ والمدارس المختطفة إزاء كل تعريف , مع تعريف 
المصطلحات غير الأصولية التى استعملت فيه لمزيد من القهم العميق وتوفير 
الوقت والجهد على القارئُ المعاصر . 

؟ - أما قواعد الأصول مثل أن كان فهى للوجوب ما لم تصرفه قرينة تدل على غير ذلك 
أو أن المشترك لا يعم أو هل يدخل المتكلم فى عموم كلامه ؟ ... الخ تلك القواعد 
فهى تحتاي إلى خدمة كنيزة لم تنوتمتن الآن. مين فى سيجيل الامنتقراء الذي 
تم عبس التاريخ ولكنه لم يسجل ؛ فكون الأمر للوجوب حيث استقر بحث جميع 
الأمر إما فى النصوص العريية من شعر ونثر وإما فى القرآن والسنة الصحيحة 
فوجد أغلبها للوجوب فحكم بتلك القاعدة أى أن الغالب هو أنها جاعت للندب أو لا 
غالب فى ذلك ٠‏ كما يرى تقى الدين كما سبق إن هذه الأمور قام بها العلماء لم 
تستعاؤها قن تضتورة جداول أن صر لصبيع الآمرافي المضتادو يدان عقاد ها حدى 
نصل إلى مقرر بعيد عن الهوى ودقيق فى الحكم أن خدمة هذه القاعدة فقط يلغة 
التواصب الأخرى يزنى الى في محظر ررقي للتخوص ويا هه عا يانم 
الاجتهاد يوضوح ويسر ويمكن من تدريس علم الأصول التطبيقى ويفتح أمام 
العلماء المزيد من الجديد . 

* متاك خدمة اخرى تمثل فى الاسنتفادة من الدراسات اللغؤية الخديةة خاصة فى 
علم ( السيمانتيك ) وما يشتمل عليه من تحليل لاكلمات ومضمونها ومردودها , 
وعلاقة ذلك بالحقيقة والمجاز » ودرجات هذا المجاز وما يمكن أن يؤديه ذلك الدرس 
من تيسير تحصيل علم الأصول من جهة وإلى فتح أبواب لفهم للمصادر الشرعية 
( قرآن » سنة ) يتيح توصيف للواقع وإيقاع الحكم عليه بطريقة أدق بكثير مما 
هى عليه الآن ولا يخفى ما فى هذا من دقة الحفاظ على مناهج السلف الصالح 
وعدم الوقوف فى نفس الوقت عند المسائل المثارة عندهم . 
وهذا هى الضمان الحقيقى للحفاظ على صرح الفقه الإسلامى الموروث على ها هو 
عليه » وتعظيم شأنه والفخر به وما يترتب على ذلك من أثار حسنة فى نفسية 
وعقلية المسلم المعاصر ذلك من ناحية أخرى تطبيق الشريعة فى ظل مقاصدها فى 
عالمنا المعاضن:. 


ينانا 


مثال : 

فمن الدراسات الحديثة يتبين أن الكلمة لها مستويات مختلفة مع الاستعمالات 
المختلفة يتخلف بعض عناصرها عند بعض مستوياتها فكلمة ( جرى ) مثلا تحلل إلى 
عناصر وهى الانتقال بإرادة من مكان لآخر بسرعة , فإذا قلنا جرى الرجل كانت كل 
الخاصر سوهوؤة إن حرج القطان شقطت الاراذة اف حجري لان سنقط صتصن السرعة 

أى جرى الأمر لم يبق إلا الانتقال وسقط عنصر المكان . 

فإذا وجدنا حديثا يقول : ولا تبع ما ليس عندك )١(‏ فإن كلمة ( عند ) تعنى لفة 
ظرف زمان ٠‏ وظرف مكان وملك وحكم فإذا قلت جئّتك عند الفجر فزمان أى عند 

الحديقة فمكان أو عندى مصحف فملك أو هذا عند أحمد أى الشافعى أى فى حكم , 

فإذا جعلنا الكاف فى عندك موجهة إلى التاجر الفرد الذى تحكم تجاراته قواعد السوق 

البسيطة فإن عند هنا تكون ظرف مكان كما فهمها الفقهاء الأقدمون أما إذا حكم 
السوق أعراف أخرى لإختلاف طبائع الإتصال وطبائّع أحجام الأعمال وقواعد 
الشخصية المعنوية وغير ذلك فلايد أن نفسر عندك بمعنى فى حكمك وتحت سيطرتك 
وتخرج من ظرفية المكان وتبقى ظرفية المكان معمول بها إذا رجعت الكاف للتاجر الأول 

وهى بحث كيير تضيق هذه الصقحات بالمزيد من عرضه . 

- أما مسائل الأصول فلا بأس بإعادة هيكلة درسها وإعادة فهرسة منظومتها 
لاستكشاف جديد أو تسهيل قديم كما هو وارد فى افتراضات د . عطية وفى هذا 
المقام فإن من المقترحات التى ينصح بها الالتفات إلى مصطلحات وتقسيمات 
الشيعة والاستفادة منها فى العرض والتحليل والاستفادة من المقترحات الجديدة 
ومن المهم هذا أن يصفى علم الأصول من المسائل التى ليست منه وتصفى كل 
مسألة من الأقوال التى ليس لها حجة ولا برهان قوى والخلافات التى ظفر أنها 
لفظية لا يترتب عليها أثر » ولقد يذل فى ذلك جهد مشكور يحتاج إلى تجميع 
واستقرار على مساحة مشتركة تكون نواة تكوين المجتهد أو عقلية المجتهد . 
حينئذ فإن أى جديد سيكون تحت مظلة منضبطة جادة صادرة عن وعى وفهم لا 
عن هروب أو عجز عن فهم التراث وما فيه. 

ه - ثم يأتى بعد ذلك فى نظرى درس لذلك كله حتى نستخرج مناهج ذلك العلم ونرى 
إمكانية الاستفادة العلوم الاجتماعية بمناهجها منها ؛ ومدى إمكانية استفادة 
معالجة القواعد والمسائل من مناهج العلوم الاجتماعية . وينظرة تاريخية على 

. أخرجه أب داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن حكيم بن حزام رضي الله عنه مرقوما‎ )١( 

اتظر ( بذل المجهود 178/١١‏ سان النسائي /54/7؟ سنن ابن ماجة ؟/17؟// عارضة الأحودي "41١/0‏ شرح السنة 
للبفوي )١4 ١/2‏ . 
14 


موضوع المنهج فى أصول الفقه - ومقارنته بالمنهج العامى ومقارنة المنهج العلمى 

به - نرى فى كلام محمد عبده فى رسالته عن الإسلام والنصرانية بين العلم 

والمدنية ص : 

قالوا أن بيكون هو أول من جعل التجرية والمشاهدة قاعدة العلوم العصرية ذلك حق 
فى أوروبا . وأما عند العرب فقد وضعت هذه القاعدة عندهم لبناء العلم عليها قى 
أواخر القرن الثانى من الهجرة حتى نقل جوستاف لوبون عن أحد الفلاسفة الأروبيين 
أن القاعدة عند العرب ( جرب وشاهد تكن عارفا ) وعند الغريى إلى ما بعد القرن 
العاشر من التاريخ المسيحى ( إقرأ الكتب وكرر ما يقوله الأساتذة تكن عالما ) . 

ويقول المستشار الجندى : وإذا نص على ( القاعدة ) وحدد موعد وضعها بأواخر 
القرن الثانى الهجرى فقد عين مراده ؛ الذى أجمع عليه العلماء » وهى ظهور ( علم 
الأصول ) فى حلقة الإمام الشافعى بعد سنة 144 فى دروس لتلاميذه وتضمنته رسالته 
التى جمعت ( علم أصول الفقه ) . 

وفى شرح جهود الشافعى أعد الشيخ مصطفى عبد الرازق تلميذ محمد عيده 
أطروحته للسريون عن الإمام الشافعى فى فاتحة القرن الميلادى الحالى بعد تخرجه من 
الأزهر سنة 1504 , ثم أعلن فكره فى الثلاثينيات من القرن حين تولى تدريس الفلسفة 
فى جامعة القاهرة قبل أن يلى مشيخة الأزهر سنتى 1147 و 19817 فلفت الأنظار إلى 
حقائق الفلسفة الإسلامية ومصدرها وواضع منهجها , كما ألف كتابه ( الشافعى ) 
وريما كفت فى بيان ذلك بعض عباراته فى كتابه الذى درسه آنذاك بالجامعة ( تمهيد 
لتاريخ الفلسفة الإسلامية ) قال ما خلاصته : 

( إن المذاهب الفقهية اتجهت قبل الشافعى إلى جمع المسائل وترتيبها وردها إلى 
أدلتها التفصيلية خصوصا عندما تكون أدلتها نصوصا أما أهل الحديث فلكثرة 
اعتمادهم على النص كانوا أكثر تعرضا لفكر الدلائل من أهل الرأى . 

وأتى الشافعى بمذهيه الجديد » وكان قد درس المذهيين وتبين له ما فيهما من 
نقصء فعمل على أن يلافى هذا النقص .وقدم إلينا فعلا من النظام الاستنباطى فى 
(الرسالة ) فأخذ ينقض بعض التعريفات من ناحية خروجها عن نظام متحد فى 
الاستنباط وهذه الطريقة فلسفية بحتة وكان هذا الاتجاه من الشافعى هو اتجاه العقل 
العلمى الذى لا يعنى بالجزئيات والفروع ؛ وكان تفكيره تفكير من ليس يهتم بالجزئيات 
والتفاريع » بل كانت غايته ضبط الاستدلالات التفصيلية بأصول تجمعها وذلك هو 
النظر الفلسفى . 

ثم يأتى تلميذ مصطفى عبد الرازق الدكتور على سامى النشار سنة ١145-4٠‏ 
مؤلف كتايه الممتع (مناهج البحث عند مفكرى الاسلام واكتشاف ال منهج العلمى فى 


لذكنا 


العالم الإسلامى ) ويتكلم بتوسع ومقارنة فى الباب الثانى عن موقف الأصوليين من 
المنطق الارسطاطاليسى حتى القرن الخامس ٠‏ 

ويفرد المستشار عبد الحليم الجندى المسالة بتاليف نشره بدار المعارف بمصر سنة 
67 أسماه القرآن والمنهج العلمى المعاصر . 

ولكن محاولات د. طه جابر ود.جمال عطية خطت خطوة أخرى أبعد وأعمق حيث لم 
يقتصر الآضر عنذفما على جرد الوضف آى الدعوة إلى اغتبان منهج الأصوليين 
واحترامه. بل إلى محاولة إدخاله فى حلبة صراع المناهج فى السوق الفكرية . 

ويمكن تصور خطة لتجديد أصول الفقه : 


- هن حيث الشكل والصياغة : 
(1) إدخال علوم المقاصد , والقواعد ؛ والفروق والتخريج فى علم أصول الفقه 
(ب) حذف الدخيل منه : لإنتمائه إلى علوم أخرى كالكلام والعربية والمنطق ... الخ 
يمكن أن تجمع فى صورة مقدمة أى مدخل لذلك العلم ١‏ 
التزا ع وبيان الراجح ودليله . 
(د) عمل الفهارس الفنية لتيسير التعامل مع مادة الأصول بما فى ذلك من حصر 
المصطلحات . 
(ه) الخدمة التحقيقية بشروطها . 
؟ - تطوير المضمون 0 
(أ) بيان آلية تخريج الفروع على الأصول والحاقها بالقواعد الفقهية مع بيان كيفية 
الاستقادة من الفروق . 
(ب) جعل المقاصد الشرعية مظلة للإفتاء يرجع إليها لتكون ضابطة وحاكمة ومعدلة 
(ج) تطوير تصنيقف مصادر الأدلة إلى : 
مصادر - مناهج - أدوات . 


(د) تحويل الإجماع والاجتهاد إلى مؤسسات . 


5 


إثارة مسائل جديدة منها : 

(1) استخدام منهج أصول الفقه فى العلوم الاجتماعية , 

(ب) استخدام مناهج العلوم الاجتماعية فى أصول الفقه . 
(ج) استخدام ما يستجد 

يتبين من ذلك العرض أن الدعوي إلي التجديد أخذت صورا وهي : 

. إعادة صياغة القديم بأسلوب حديد‎ - ١ 

" - إعادة النظر فى مسائله , وفتح باب القول الجديد فى مسائلة الموروثة » والسماح 
بالرأى الجديد الذى لم يقل من قبل مع الحفاظ على هيكل ذلك العلم كما هى . 

" - إعادة النظر فى تطبيق القواعد الموروثة لذلك العلم عند التطبيق مع الاحتفاظ غاليا 
بالجانب النظرى للمسائل . 

- إعادة بناء هيكل ذلك العلم من جديد لعله أن تظهر لنا مسائل جديدة أى فهم أعمق 
أى طريقة أحسن فى التعامل السريع مع الوقائع المحدثة المتطورة , وهذه الطريقة 
لم تقدم حتى الآن تصورا متكاملا للهيكل الجديد بل هى دعوة إلى فعل ذلك مع 
ضرب يعض الأمثلة على استحياء ومع تفاوت بين الداعين إلى ذلك فى مفهوم 
إعادة الهيكلة بل وفى فهم القضية برمتها . 

ه - جعل التجديد من طبيعة ذلك العلم وهى ما عليه الشيعة الإمامية من القدم وهم على 
ذلك حتى الآن والتجديد له معنى عندهم يجعلنا نعده فى زمرة مستقلة عن الزمر 
السابقة . 

5 - استفادة متيادلة بين العلوم الاجتماعية بمناهجها وأصول الفقه بمناهجه بحيث 
يأخذ كل من الآخر لإحداث التطوير الشامل . 

/ - كما أن هناك اتجاه الرفضش وهى مرفوض لما يؤول إليه من انهيار الشريعة بالكلية 
أصولها وفروعها . 


5١ 


المنهجية فى علم أصول الفقه 
د. عبد الحميد مد كور 


دعا الشيخ مصطفى عبدالرازق فى كتايه « تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية » إلى 
أن يكون علم أصول الفقة علما من العلوم التى تدرس ضمن علوم الفلسفة الإسلامية , 
منضما بذلك إلى الفلسفة التقليدية وعلم الكلام والتصوف . ويلفت النظر فى هذه 
الدعوة أمران : 

أولهما : أن علم أصول الفقة كان هى العلم الوحيد الذى اقترح الشيخ مصطفى 
عبدالرازق إضافته إلى هذه العلوم ؛ أما ما سواه فقد كان حديثه عنه تقريرا لأمر واقع 
فى دراسات المستشرقين الذين كانوا أسبق من غيرهم فى درس القلسفة الإسلامية » 
وقد أشار الى أن «هورتين » هو الذى دعا إلى العناية يعلم الكلام وجعله من علوم . 
الفلسفة , كما أشار إلى أنه قد اشتد الميل إلى اعتبار التصوف من شعب الفلسفة 
الإسلامية خصوصا فى العهد الأخير الذى عنى فيه المستشرقون بدراسة التصوف , 
ثم قال« وعندى أنه إذا كان لعلم الكلام ولعلم التصوف فى الصلة بالفاسفة ما يسوغ 
جعل اللفظ شاملا لهما فإن علم أصول الفقه المسمى أيضا علم أصول الأحكام ليس 
ضهيف الصلة بالقلسفة » . 

ولعل الشيخ قد توقع أن تقابل هذه الدعوة بشئ من الغراية » حيث ظل علم أصول 
الفقة يدرس منذ نشأته الأولى ضمن علوم الشريعة الإسلامية , وإذا أراد أن يؤكد 
دعوته ببعض الأدلة المرتبطة بمنهج العلم وعلاقته بغيره من العلوم » ثم ببعض آراء 
السابقين من علماء المسلمين » وفى ذلك يقول « ومباحث أصول الفقه - فى جملتها - 
من جنس المباحث التى يتناولها علم أصول العقائد الذى هى علم الكلام بل إنك لترى 
فى كتب أصول الفقه أبحاثا يسمونها مبادئ كلامية هى من مباحث علم الكلام » (© 

ثم يضيف الشيخ إلى ذلك أن هذا العلم لم يخل - فى تطوره من آثار الفلسفة التى 
امتدت إلى كثير من العلوم الإسلامية كالكلام والتتصوف فى بعض أطوارهما » 
واستشهد - فى هذا الصدد - بآراء ابن خلدون , فيما كتيه عن أصول الفقه فى 
المقدمه » حيث جعل علم الخلافيات والجدل تبعا لعلم أصول الفقه , وهما علمان «لاينكر 


ضلتهما بالماطق متكر » (9) : 
)١(‏ انظر : تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية مطبعة لجنة التاكيف والترجمة والنشر ط ؟/م5575١‏ - 151 7338 , /1؟ 
0( السايق : ملا 


لذذارا 


ثم استهشد - كذلك - بآراء طاش كبرى زاده الذى جعل فروع علم أصول الفقة 
أريعة علوم : علم النظر , وعلم المناظرة وعلم الجدل ؛ وعلم الخلاف ٠‏ وعلق على ذلك 
بقوله ه وكل هذه العلوم من العلوم العقلية الفلسفية . وجعلها فروم لعلم أصول الفقة 
يدل على ميلغ اصطباغ هذا العلم بالصبغة الفلسفية » () . 

وثاني الاهرين أن الشيخ مصطفى عبد الرازق لم يكتف بالدعوة النظرية إلى جعل 
أصول الفقة من علوم الفلسفة , بل إنه اهتم بالجانب التطبيقى لها ٠‏ وتجلى ذلك فيما 
كتبه عن اجتهاد الرأى فى الأحكام الشرعية عند المسلمين . بوصفه البيئة الطبيعية 
التى نش فى أحضانها علم أصول الفقه . ثم كتبه عن الإمام الشافعى الذى وصفه بأنه 
نى فكر فلسفى ؛ لأنه لم يكن يعنى بالمسائل الجزئية والتفريعات « بل يعنى بضبط 
الاستدلالات التفصيلية بأصول تجمعها وذلك هو النظر الفلسفى » (') وقد أوضح 
مظاهر التفكير الفلسقى فى « الرسالة » للشافعي . وكان من بين تلك المظاهر الترتيب 
والتنظيم . وضيط الفروع والجزئيات بقواعد كلية , وكان فيها كذلك البدء بوضع الحدود 
والتعاريف , ثم الأخذ فى التقسيم مع التمثيل والاستشهاد , ولم تخل الرسالة من 
العناية ببعض الأيحاث ذات الصلة بموضوعات علم الكلام : مما يجعل صلتها بالفكر 
الفلسفى صلة وثيقة 9) . 

وليس غمرييا - عتدئذ - أن يكون هذا العلم - لدى الشيخ - من علوم الفلسفة 
الإسلامية , ولذلك نجده يقول « وأظن أن التوسع فى دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية 
سينتهى إلى ضم هذا العلم إلى شعبها » (4) 

» وجاء الأستاذ الدكتور على سامى النشار فسار على الدرب نفسه بتوجيه من 
أستاذه الشيخ عبدالرازق وقد أعطى لفكرة أستاذه كثيرا من عوامل القوة والتأبيد 
وظهر ذلك - يصفة خاصة - فى كتابه المنهجى «١‏ مناهج البحث عند مفكرى الإسلام » 
الذى يمكن اعتباره من أهم ما ظهر من كتب الفاسفة الإسلامية فى عصرها الحديث , 
على الرغم من أن بعض قضاياه ونتائجه الهامة كانت تحتاج إلى مزيد من الجهد فى 
التأصيل والتفصيل واليرهان . :' 

وقد ذهب قى كتابه هذا إلى أن التراث المنطقى لعلماء الأصول يعد النموذج الأعلى 
للقكر الإسلامى ؛ وأنه كان قاعدة من قواعد ازدهار العلم التجريدى وأساسا من 
أسس بناء الحضارة الإسلامية , بل إن هذا التراث الذى انتقل من دوائر علم الأصول 
)١(‏ السابق : ك7 ش ش 
(؟) السابق : ١؟؟‏ وانظر كذلك من ١117‏ 


(*) السابق : 715 , 46؟ 
ل( السابق : /الا 


55 


إلى دوائر العلم التجريبى - كان ذا أثر كبير فى نهضة الحضارة الأوربية . وقد اهتم 
فى دراسته لأراء الأصوليين بابراز الطابع العلمى الذى تضمنته دراساتهم لميحث الحد 
الذى لم يعد - عندهم - يعنى بالبحث عن الماهية كما كان الحال فى منطق أرسطوق » 
بل أصبح يعنى بتمييز المحدود عن غيره ٠‏ وذلك بذكر الخواص اللازمة » دون حاجة إلى 
ذكر الصفات المشتركة بينه وبين غيره ٠‏ كما اهتم فى حديثه عن القياس عندهم 
بتوضيح صلة القياس بالاستقراء مشيرا إلى ما جاء لديهم من مياحث عن طرق إثيات 
العلة التى توازى طرق الاستقراء لدى المحدثين مع أنها سابقة لها يقرون طوال ,)١(‏ 
ونحن - إذن - كما يقول الدكتور النشار « أمام منطق يخالق منطق أرسطو فى 
جوهره ؛: منطق يتكون من مبحث فى الحد لا يستند على فكرة الماهية - وهى جوهر 
هذا المبحث عند أرسطى - ومن مبحث فى الاستدلالات يقوم على التجرية المؤدية إلى 
اليقين ؛ وهى عنصر لم يعرفه أرسطو7). 

وقد فتحت دراسة النشار الأيواب أمام دراسات أذرى تعد تقصيلا ليعذيى ١.ا‏ أجمل 
فيها أى تطبيقا لبعض نتائجها فى مجال العلم التجريبى . وكان من نتائج هذه البحوث 
أن استقرت تلك الفكرة التى دعا الشيخ مصطفى عبدالرازق إليها . وجاءت البحوث 
والدراسات من بعده لتأكيدها 9) , 

ويمكن القول بأن الدراسات السابقة كان لها نتائج هامة فى مجال المنهج وتاريخ 
العلوم بصفة عامة أى عند المسلمين وغيرهم وأنها وجهت الأنظار إلى أهمية هذا 
العلم من الناحية المنهجية ؛ وسوغت الدعوة إلى ريطه - نظريا وتطبيقيا - بالعلوم 
الفلسفية على نحو يدفع إلى بحثه من زوايا جديدة » وبروح جديدة تختلف عما كان 
سائدا من قبل فى مجال دراسته التقليدية . ومن هنا يمكن القول - كذلك - يأنها - 
على أهميتها - لم تلغ الحاجة إلى إجراء مزيد من الدراسات والبحوث التى تتناول هذا 
العلم من الناحية المنهجية؛ وهذا ما نحاول شيئا منه فى هذه الدارسة . 

ونرجو أن يكون واضحا أننا لانقصد بالمنهج - هنا - مادرج عليه علماء الأصول - 
قديما وحديثا من تناول لموضوعات هذا العلم » وهو تناول يضم فى كناياه - كما هو 


(1) انظر : التشار : مناهج البحث عند مفكرى الاسلام » واكتشاف ال منهج العلمى قى العالم الاسلامى - دار المعارف ل 
اتا هس 1ت , كل - 5لا يلكت كلا . 

5( السابق : 1١7‏ وقد أوضح الدكتور النشار أن علماء أصول الفقه هم الذين وضعوا المنهج ؛ ثم تناوله المتكلمون 
بالزيادة والتعديل أنظر المرجع نفسه ص /5١‏ . 

020( يمكن أن نشير هنا إلى دراسة الدكتور محمد سليمان داود عن نظرية القياس الأصولى : منهج تجرييى إسلامى 
طبع دار الدعوة 1145 ثم إلى دراسة د/ جلال موسى عن منهج البحث العلمى عند العرب فى مجال العلوم الطبيعية 
والكونية طبع دار الكتاب اللبنانى بيروت ط١ا‏ 9177 وإن كان إسم الدكتور النشار لا يرد فيه إلا قليلا . 
انظر كك 1.6 .111711 هخ 1545 501 , 


وة؟ 


معروف - جوانب تاريخية وكلامية ولغوية )١(‏ » كما يشمل تعريفا بالأدلة الشرعية التى 

هى أساس الاستنباط والاجتهاد ولايخلى هذا التناول من ذكر بعذى الفروع الفقهية 

التى تأتى فى مجال تطبيق الأدلة عليها . 
إن المنهج - هنا - ليس مقطوع الصلة بذلك المنهج ؛ لأنه يستمد مادته منه » وهو 

يرجع إليه » ويعتمد عليه ولكنه - مع ذلك - يهدف إلى أمر آخر هو دراسة المنهج 

نفسه؛, أى دراسته فى ذاته . ومحاولة وصفه والتعريف بمكوناته وعناصره » ولعل من 
أهم المسائل التى ينبفى أن تتضمنها دراسة المنهج - على هذا النحو , ويهذا الفغرض 

- مايأتي: 

. بيان الأسس والقواعد والمبادئ التى يقوم هذا المنهج عليها‎ - ١ 

؟ - بيان المراحل والخطوات التى يمر بها الأصولى من بداية الاستدلال الى نهايته ) 

مع مراعاة التدرج فى الانتقال من كل مرحلة إلى المرحلة التى تليها . 
"' - ييان الشروط اللازمة أى التى ينيغى تحقيقها ليمكن الوفاء بمقتضيات هذا المنهج 
ومتطلباته وأعبائه . 
ولعل استعراض هذه العناصر , دون دخول فى تفصيلاتها » يوضح لنا أن دراسة 
المنهج بهذه الطريقة تشبه أن تكون تحديدا أو« وصفا » للمنهج على النحو الذى يقوم 
به. علماء المناهج فى دراستهم للمناهج المختلفة كالمنهج التاريخى أو المنهج الاستقرائى 

المستخدم فى العلوم الطبيعية أ المنهج الرياضى المستخدم فى العلوم الرياضية ؛ 

ولاشك أن تحديد هذه المناهج » ووصف مراحلها , وبيان مقتضياتها يؤدى إلى تصور 

دقيق للعلم الذى يراد دراسته ؛ وللمشكلات التى يمكن أن تواجه الدارس فيه » كما أن 

العلم بقواعد هذه المناهج يؤدى إلى ضبط المعرفة » وتسديد الاتجاه واختصار المجهود, 

وحسن الفهم لجهود الآخرين , وإتاحه الفرصة للتعاون بين العاملين فى مجال العلوم 

المشتركة أو المتقاربة . كما يؤدى - زيادة على ذلك - إلى دقة النتائج ؛ وتقدم العلم 
ولعل وصف هذا المنهج » وتحديد عناصره » وييان مراحله الذى سيق إجماله يسهم فى 
تقريب هذا العلم إلى الدارسين . ويقلل من هذا الاحساس القوى بصعويته وتعقيده 
لديهم » وهو احساس قد يدفع الكثيرين إلى الإنصراف عنه والإعراض عن دراسته على 

الرغم من أهميته ودقته ومكانته بين العلوم الإسلامية . 

)١(‏ يمكن القول بأن دعوة الشيخ مصطفى عبد الرازق قد حظيت بقبول عام من الجمهور الأعظم من المتشغلين بالفلسفة 
الاسلامية ٠‏ وقليل من بينهم هم الذين يعارضونها ومن هؤلاء - مثلا - الشيخ عيد الحليم محمود في كتابه : التفكير 
الفلسفى فى الإسلام . دار المعارف 1984 . 
انظر س ١4‏ - 1/8 . ومنهم - كذلك - الدكتور محمد إبراهيم القيومي فى بحثه : المدرسة الفلسفية فى الإسلام 
بين المشائية والاشراقية ص 51 , 77 وهو مقدم إلى ندوة المعهد العالمي للقكرالاسلامى بالقاهرة يوليو / أغسطس 
4 تحت عنوان نحو فلسفة إسلامية معاصرة ( والبحث مكتوب على الآلة الكاتبة ) 


لكا 


وإذا كان المنهج يمثل روح العلم , والدليل الهادى فى محرابه ؛ وإذا كان علم 
الأصول يمثل منهجا من أهم المناهج التى توصل المسلمون إليها » فإنتا بحاجة إلى أن 

نتبين هذا المنهج نفسه . وسنحاول هنا أن نقوم بجهد فى هذا الصدد ؛ مع التسليم - 

منذ البداية - بتواضع هذا الجهد , وتواضع هذه المحاولة » خاصصة إذا قورنت بأهميه 

هذا العلم » وضخامه القاية المرجوة وغزارة ما كتب فيه , آملين أن تتاح الفرصة-فيما 
بعد - لجهد أوفى يستدرك النقص , ويتجاوز ما يمكن أن يعرض لهذه المحاولة من 

أخطاء . وسنقدم هذه المحاولة فى عدد من النقاط والعناصر على النحو التالى . 

أولا : مبادئ وقواعد : 
يقصد بالمبادئ والقواعد هنا الأصول والأسس التى يقوم عليها علم الأصول نفسه , 

وهى تقوم مقام المسلمات فى يعض العلوم ؛ بحيث لايتصور قيام هذه العلوم دون 

التسليم بها .وإن كانت تفترق عن هذه المصادرات أو المسلمات فى أمر مهم يتمتل فى 
أن المسلمات فى بعض العلوم - كالرياضة مثلا - تكون موضع تسليم بها بسبب ما 
يترتب على ذلك من فوائد حتى ولو لم يقم عليها برهان عقلى » وهى تؤخذ تسليما ما 
دامت لاتؤدى إلى تناقض أى أنها - فى الجملة - ليست محتاجة إلى برهان )١(‏ , ولكن 
المبادئ والقواعد الأصولية مؤسسة على الدليل والبرهان » شأنها في ذلك كل خطوة من 
خطوات المنهج الأصولى » بل إنها أشد احتياجا إلى البرهان , لأنها تمثل نقطة البداية 
لاستنباط الأحكام الشرعية . ولو لم تكن هذه الأصول موضع الرضا والقبول عند 

الأصولى فإنه ان يتمكن من القيام بعمله ٠‏ فهى تشيه القواعد التى يقوم عليها البناء , 

أى الجذر الذى ينمو عليه الشجرة ساقا وفروعا . ومن هذه المبادئ ما يرقى إلى أن 

يكون عقيدة من عقائد الدين » ومنها ما هى ثمرة من ثمارها » ولعل ذلك يوضح أهميتها 

وضرورتها . ويمكن أن نشير إلى أهم هذه المبادئ فيما يأتى : 

١‏ - الإيمان بكمال الشريعة وشمولها وعمومها , وقد اتصفت الشريعة بهذه الصفات 
فى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . فالله تعالي يقول : ( اليوم 
أكملت لكم ديدكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا » , 

(المائدة: ؟ ) 


)١(‏ من أمثلة الموضوعات التاريخية : الكلام فى أول من دون هذا العلم ؛ وخلاف الطوائف الققهية والدينية فى ذلك » ومن 
أمثلة الموضوعات الكلامية ميحث " الحاكم ' وفيه يدرس دور العقل فى الحكم الشرقى ٠‏ كما يبحث التحسين والتقبيح» 
ومن أمثلته كذلك التساؤل عن الشريعة التى كان الرسول يتعهد بها قبل بعثته إلى غير ذلك؛ ومن أمثلة المباحث اللغرية 
مبحث الدلالات ؛ وفيه يبحث عن دلالة العبارة واشارة النص ودلالته , ودلالة الاقتضاء إلى غير ذلك . 
انظر د/ عبد الرحمن يدوى مناهج اليحث العلمى طبع الكويت/1919 هن ٠١‏ ومابعدها . 


ينض 


وعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال : «ه خرج علينا رسول الله صلى الله عليه 
وسلم: ونحن تتذكر الفقر ونتخوفه فقال : .... وأيم الله لقد تركتكم على مثل الييضاء : 
ليلها ونهارها سواء . قال أيى الدرداء : صدق - والله - رسول الله صلى الله عليه 
وسلم ٠‏ تركنا - و الله - على مثل البيضاء . ليلها وثهارها سواء » (') ويعنى هذا 
الشمول أن الأسلام يتضمن من التشريعات ما يقى بحاحة الناس أفرادا وجماعات : 
وأن هذا الشمول يتناول أمور الدين والدنيا ‏ عبادة أو معاملة » أو أخلاقا وآدايا » وأن 
فى تشريعاته من الكفاية والغنى ما يجعل المؤمنين به غير محتاجين - فيما تعيدهم الله 
به من أمور الدين والدنيا - إلى سواه » وأن ما يظنه بعض الناس - أحيانا - من 
قصور فى التشريع إنما يرجع إلى قصور علمهم بالإسلام ٠‏ أو إلى قصور فهمهم له , 
أو إلى قصور همتهم عن السمو إلى المستوى الذى يرفعهم إليه الإسلام من الفهم 
والاستنباط والاجتهاد لأن الشريعة قد تضمنت كل شئ تفصيلا أى تأصيلا كما يقول 
علماء الإسلام , 

وقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم - أعظم الناس إدراكا لهذا الشمول - 
وأكثرهم تصديقا به وسكونا إليه » فها هى عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول يعد أن 
قدم إلى المدينة من حجه « أيها الناس ! قد سَدْت لكم السنن , وفرضت لكم الفرائض , 
وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا » 9) » قال أبوذر رضى الله 
عنه: ولقد تركتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر بجناحيه فى السماء إلا 
ذكرنا منه علما » وقال سلمان الفارسى رضى الله عنه مايدل على ذلك (). 

ويعبر الشاطبى عن هذا المعنى حين يذكر أنه « لم يبق للدين قاعدة يحتاج إليها فى 
الضرورويات والحاجيات أو التكميلات إلا وقد بينت غاية البيان ... » (©) وقد أثبت 
التطبيق التاريخى الممتد على مدى القرون - فى بيئات وأقاليم وظروف مختلفة صدق 
هذا الأصل وإن كان المجال لايتسع لذكر التفصيلات . 
" - يترتب على الإيمان بكمال الشريعة وعمومها أن كل فعل من أفعال المكلفين ‏ وكل 

واقعه تقع لهم , وكل نازلة تنزل بهم لاتخلى من حكم شرعى فيها يالوجوب أو 

الحرمة أ الندب أو الكراهة أو الإباحة . 





)١(‏ سان ابن ماجه :المقدمه . باب اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حديث رقم ه طبعة الشيع محمد فؤاد عبد 
الياقى١/: ١‏ 

(؟) موطأ مالك : كتاب الحدود , ياب ما جاء فى الرجم حديث . تصحيح وتخريج الشيخ محمد فؤاد عبد الباقى طبعة 
الشعبي - القاهرة . 

(؟) انظر تفسير ابن كثير طبعة الشعب 145/5 ووستن الترمذى أبواب الطهارة :باب الاستنجاء بالمجارة حديث رقم 17 
تحقيق عبد الوهاب عيد اللطيف طبع دان الفكر بيروت ١98٠‏ , 

(4) نقلا عن تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية . مرجع سايق ص ١١14‏ . 


14 


ويوضح الشاطبى هذه القاعدة مبينا صلتها بالقاعدة السابقة . فيقول أن من 
خواص الشريعة العموم والاطراد « فلذلك جرت الأحكام الشرعية فى أفعال المكلفين 
على الاطلاق . وإن كانت آحادها الخاصة لاتتناهى , فلا عمل يفرض », ولاحركة 
ولاسكون يدعى إلا والشريعة عليه حاكمة . افرادا وتركيبا » وهى معنى كونها عامة»(١).‏ 
٠‏ - إن الأحكام الواردة على أفعال المكلفين لايد أن تكون مستندة إلى الدليل الشرعى: 
وهذا من لوازم الإسلام , فالمسلم - بمقتضى الإسلام - مطالب بإتباع أحكام الله 
تعالى ؛ وإخضاع نفسه لها » لأن الإسلام عهد وعقد وميثاق : ووثاق « واذكروا 
نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا » (المائدة : )٠‏ . 
وهذا يقتضى أن يكون الحكم لله ولشرعه فى حركته وسكونه ؛ ومن ثم فإنه مطالب 
بالاستقصاء والتحرى لمعرفة حكم الله والانقياد له » فإذا لم يفعل ذلك كان متبعا لهواه, 
والفقيه - كذلك - لايحكم فى المسائل الشرعية بهواه » بل بأدلة الشرع المذكورة فيه 
نصاء أو المأثون بها من قبل الشرع كالقياس ونحوه من الأصول التى اعتمد عليها 
الفقهاء فى التعرف على حكم الله تعالى فيما يعرض لهم من الوقائع والتوازل والأحداث 
المستجدة . والفقيه مطالب بذلك فى, أصل الدليل إذ لايسوغ الحكم بالظن المجردا") كما 
أنه مطالب به للترجيح بين الأدلة « فاذا لم يكن دليل لم يثبت الترجيح تصورا » (") وهو 
مطالب به فى كل دعوى يدعيها ؛ لأن مجرد الامكان لايقوم به دليل و لأن الدعوى من 
غير حجة مردوده 9©) , 
ويعبر أبوالحسن البصرى عن هذه المعانى بطريقة أكثر تفصيلا فيبين أن الحكم 
الشرعى يجب كونه معلوما ٠‏ وإلا لم يؤمن كونه خطأ ٠‏ وهى إما أن يكون أمرا بدهيا أى 
لايكون؛ ولى كان بدهيا لاشترك العقلاء فى العلم به ٠‏ ثم إنا نعلم أنه ليس فى البديهة 
العلم بوجوب صوم أول يوم من شهر رمضان » وسقوط وجوب صوم ما قيله » وإذا لم 
يكن العلم به فى البديهة لم يجز لنا العلم به إلا بالدليل فإن كان لايثيت الحكم فى بعض 
الأحوال لشك أو لاعتقاد نفى الحكم أى ظن ذلك فلابد أن يبين الطريقة التى أدت يه إلى 


)١(‏ الشاطبى : الموافقات تحقيق الشيخ عبد الله دراز طبع المكتبة التجارية /8/١‏ هذا ويقترض الأصوليون أحياتابعش 
الوقائع التى قد يسيق إلى الظن خلوها من حكم لله تعالى وهو افتراض تاباه النصوص الدالة على كمال الشريعة 
واتياء النبى صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم ؛ واشتمال الشريعة على القواعد الكلية الصالحة للتطبيق على ها 
يخص من الوقائع كما يقول الشيح عيد الرازق عفيفى . 
أنظر نموذجا لهذه الوقائع المفترضمة فى الأحكام للآمدى طيع المكتب الاسلامى بيروت ط؟ ١1.5‏ ه ١/0؟١‏ وهامش 
"يها وكذا ؟/رذه وهامش 7 بهاى؟/ا!؟ هامش ؟ يها 

(؟) انظر الجوينى : البرهان قى أصول الفقه تحقيق د/ عبد العظيم الديب طبع قطر 1555 ه ١77/١‏ وانظر الأحكام 
للآمدى ا//ر1؟؟ , 

5) البرهان ك/ركه١١ا‏ , 

(5) السابق ١/را”ه‏ , لاله 


اانا 


ذلك » لأنه إذا ألزم غيره أن يصير إلى مثل رأيه من غير أن يوضح له طريقته التى 

أوصلته إلى رأيه فقد ألزمه ما لايطيقه وإذن فلايد من اليرهان والدليل فى جميع 

الاحوال!") . 

والأمر - إذن يتعلق بقاعدة عامه تتعلق بالاستدلال الأصولى فى كل مرحلة من 
مراحله : وفى ذلك ما قيه من ضبط الأدلة وتحريرها ؛ والبعد عن إطلاق الأحكام دون 
بينة ولابرهان ؛ وفى مثل هذا المعنى يقول اين حزم أن الله عز وجل قد بين للناس « أنه 
لايقبل قول أحد إلا بحجة ..... وإن من لم يأت على قوله بحجة فهى ميطل بنص حكم 

الله عز وجل ... وأنه لايفلح إذا قال قوله لايقيم على صحتها حجة قاطعة »(") 

غ - إذا كانت الأحكام لا تثبت إلا يدليل » كما أوضحنا فى القاعدة السابقة - فإن 
مستند الأدلة ومصدرها ومنتهاها إنما هو النصوص الشرعية الثابتة عن الله 
تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم » وقد تكفل الله تعالى بحفظ كتايه و يسر 
الوسائل والأساليب لحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم من التحريف والتزييف 
حتى يكون القرآن والسنة مصدراً دائماً ثابتا للأحكام ومرجعا لها , ولذلك يجب 
الرجوع إليهما للتعرف على ثايتا للأحكام ومرجعا لها : ولذلك يجب الرجوع إليهما 
للتعرف على حكم الله تعالى وحكم رسوله . ولايصح أن يقدم عليهما شئ غيرهما 
من أفهام العلماء ومذاهب المجتهدين » بل إن الكتاب والسنة يمثلان حجة دائمة 
على كل اجتهاد يتعلق بتطبيق الأحكام الشرعية » قالاجتهاد يوزن بميزان هذه 
المصادر المحفوظة , فما جاء منه موافقا لها حاز القبول , وما جاء مخالفا لها فهو 
رد على أصحايه . 
ويصف البخارى - فى صحيحة - منهج أئمة المسلمين فى هذا الصدد فيقول« 
وكانت الأئمة بعد النبى صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم فى 
الأمور المباحة .. فاذا وضح الكتاب أو السنه لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبى 
صلى الله عليه ويسلم » () , 

وقد كان علماء الأصول حريصين على بيان وتأكيد أن مصادر التشريع تستمد 
مشروعيتها من الكتاب والسنة , إن هما المصدران الأصليان :وما سواهما راجع 

اليهما . مستمد منهما . 

(1) أبن العسن البسبريي اللمقتد في عدرل (لزقه"امطقرق داري كتين الله ومقاوية دار امه نكي ووارشتن حتف 

طيع المعهد العلمى الفرنسى للدراسات العريية دمشق ١9354‏ , 1556 ”للدم - اانه . 
وأنظر كذلك */5ه8 وكذا اليرهان للجويتى ؟/ركذلا , 8٠١‏ . 
(؟) إين حزم : الأحكام قى أصول الأحكام تقديم د/ إحسان عباس ؛ نشر دار الأقاق الجديدة- بيروت ط15/7/9 مجلد 


اجا ص ٠١‏ 
(؟) صحيح اليخارى ٠‏ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ياب قول الله تعالى وأمرهم شورى بينهم 7/4" طيع الحليى ١‏ 


ع 


فالاجماع - وهو أقوى الآدلة بعدهما - مستند إلى النص الشرعى ولذلك قال 
الجوينى مثلا « ليس الاجماع فى نفسه دليلا ‏ يل العرف قاض باستناده الى خبر » )١(‏ 
وقال ابن تيمية « فلا يوجد قط - مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول ٠‏ ولكن 
قد يخفى ذلك على بعض الناس ... فإن مادل عليه الاجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة 
.. ولايوجد مسألة يتفق الاجماع عليها إلا وفيها نص »(') ويترتب على هذا مسألة 
هامة يتميز بها الإجماع الإسلامى عما سواه من صور الاجماع فى النظم السياسية 
والدستورية الأخرى التى تجعل الأمة أو أغلبيتها مصدرا للسلطات »؛ فالاجماع - فى 
الإسلام - منيثق عن النص مستند إليه وليس من حقه أن يخالف نصا , أو يغير حكماء 
أى يرد أمرا أى يحل حراما , 

أما القياس - عند القائلين به . وهم الجمهور الأعظم من مجتهدى الأمة - فهو قائم 
على النص راجع إليه , وقد كان الأخذون به من الأصوليين حريصين على توضيح 
هذاالمعنى وتأكيده . موجهين النظر إلى أن العمل بالقياس - فى التوصل إلى الأحكام 
الشرعية فئ النوازل التى لم ينزل فيها - بذاتها - نص شرعى - يعد أمرا شرعيا » 
وأنه - من حيث الأخذ به أصلا » ومن حيث الشروط اللازمة له , والمعتيرة فيه تطييقا 
مستند الى الدليل الشرعى لا يتخطاه ولايتجاوزه . 

ويوضح الشاطبى هذا يقوله « ليس القياس من تصرفات محضا وإنما تصرفت 
فيه من تحت نظر الآلة » فإنا إذا دلنا الشرع على أن إلحاق المسكوت عنه ‏ بالمنصوص 
عليه معتبر ‏ وأنه من الأمور التى قصدها الشارع وأمر بها » ونبه النبى - صلى الله 
عليه وسلم - على العمل بها فأين استقلال العقل بذلك ؟! بل هى مهتد فيه بالأدلة 
الشرعية : يجرى بمقدار ما أجرته » ويقف حيث وققته » (5) . 

ويترتب على هذه النظرة إلى القياس أن الأصوليين قد اشترطوا لقبوله واعتياره 
عددا من الشروط التى توضح تلك العلاقة الوثيقة بالنص وضوحا مؤكدا , ويمكن أن 
نشير - فى ايجاز شديد - إلى أهم هذه الشروط قيما يأتى : 

)١(‏ ألا يلجأ إلى القياس عند وجود النص أو الاجماع لأن الكتاب والسنة والاجماع 
هى أصول الأدلة ‏ ومصادر الاستنباط , ويجب البحث فيه أولا عن الحكم الشرعى » 
فإذا وجد الحكم فيها فلا حاجة الى البحث فى غيرها , أما إذا لم يوجد الحكم فيها 
فإن من الممكن الانتقال إلى البحث فى غيرها » والبحث - عندئذ - أشبه بالضرورة - 
وهى تقدر بقدرها . 

, 157/١ البرهان ١/را2١ وانظر‎ )١( 
١55/15 (؟) ابن تيمية : الفتاوى طبع الرياض‎ 

وأنظر كذلك الأحكام للآمدى 571/7 والبرهان للآمدىا/ر؟9١‏ ,177 . 

(؟) الموافقات١/46‏ . 


ال 


وقد كان هذا هو مسلك الصحابة الذين كانوا « لايعدلون ... الآراء والأقيسة إلا بعد 
البحث عن النصوص ٠‏ واليأس منها » )١(‏ ومن هنا جاءت تلك العبارة الشهيرة التى 
تتردد أدى الأصوليين » لاقياس مع النص : 

(ب) إذا كان القياس إلحاقا للفرع بالأصل لوصف جامع بينهما فلايد أن يكون حكم 
الأصل الذى يدور عليه القياس حكما شرعيا » وأن يكون ثابتا غير مفسوخ حتى يمكن 
بناء القرع عليه (") , 

(ج) أن يكون الوصف الجامع بين الأصل والشرع راجعا إلى النص الذى ثبت به 
حكم الأصل , فاذا لم يكن كذلك فهو فاسد ٠‏ وعنى ذلك أن الوصف الجامع - أى العلة 
بتعبير الأصوليين - يوصف بأنه شرعى وفى ذلك يقول الشيرازى » .... العلة شرعية ,» 
فاذا لم يكن على صحتها دليل من جهة الشرع دل على أنها ليست يعلة فوجب الحكم 
بفسادها 7 

(ه) إن قبول القياس مرهون بألا يمنع منه نص أو اجماع » ويوضح الجوينى ذلك 
بقوله « فمهما مذعنا نص من القياس امتنعنا . وكذلك لو فرض اجماع على هذا 
التحوء(؛) . 

فاق شدوق القناشى معنن جا ايكون متخالها للتدن انه عا يقول الامدئ »د ا 
كان القياس منغالقا التض فهىفاسَّد الاعتبان: :القع صتخة الاجتجاج يمع النضن 
التخالف له ء وكل قباين دل'النصن على فسادة فهو قانند كما يقول انن ضمية (ا., 

وتجدر الإشارة إلى أن مايجب مراعاته من شروط قى القياس ينطيق على ماسواه 
من الأدلةً الأخرص كا اصلحة المرسلة وغيرها هما اختلف الققهاء فى الأهذية أدلة 
للأحكام » فيشترط فيها أن تكون موافقه للأحكام غير مخالفة لها , لأنها بمثابة الفرع 
من الأصل الذى هو الأدلة الشرعية ٠‏ وقبول الفرع مشروط بموافقة أصله , وإلا كان 
مهدن الاعتنان له وعلن ذلك يمكن القول هم الشاطين- أن الآدلة الشرغية محضورة 
فى الآدلة النقلية, لآن سواها من الأدلة راجع إليها و« لأنا لم نثيت الضرب الثانى 
(كالقياس ونحوه ) بالعقل وإتما اثبتناه بالأول , إذ منه قامت أدلة صحة الاعتماد عليه , 
وإذا كان كذلك فالأول هى العمدة 9) . 


. 74١/ الأمدى: الأحكام؛‎ )١( 

(؟) انظر الأحكام للآمدى؟/154 وأنظر المعتمد للبصرى ه17 , .507 

(؟) أبى اسحاق إبراهيم الشيرازى : اللمع قى أصول الفقه طيع دار الكتب العلمية - بيروت طا/ره58١‏ ص ؟١١.‏ 
(؛) البرهان ؟/4-7 505 وأنظرالمرجع السابق ؟١1‏ . 

() انظر للآمدى الأحكام 4/"/ ولابن تيمية : الفتاوى 541/15 584 . 

(1) الشاطبى : الموافقات؟/" وما بين القوسين مزيد لتوضيح المعنى . 


2*1 


وإذا كان القائلون بالقياس وغيره من الأدلة حريصين - حرصا بالغا على النصوص 
الشرعية فإن من البدهى أن يكون القائلون بحصر أصول الأدلة فى الأدلة النقلية من 
كتاب وسنة وإجماع أكثر عناية بالنصوص ويحثا عنها واستتياطا للنصوص منها » 
ويظهر ذلك لدى ابن حزم وقيره من منكرى القياس )١(‏ وهكذا تتفق كلمة الأصوليين 
على ضرورة العناية بالتصوص وتقديمها على ما سواها » وإن كانوا يختلفون فى 
الاقتصار عليها - وحدها - أو فى إمكان إضافة أدلة أخرى إليها ٠‏ تكون مستمدة 
منها ٠‏ وراجعة إليها » ومحكومة بها . كما سيق القول . 

على أنه يمكن القول - فى إيجاز , قيل أن نترك هذه الفكرة إلى غيرها بأن 
الاستناد إلى النص : انطلاقا منه , واحتكاما إليه يعد من الخصائص الملازمة لعلم 
أصول الفقه » وأنه - من هذه الناحية - يتميزعلى علم الكلام الذى تربطة بعلم أصول 
الفقة صلة وثيقة تتبدى فى المصطلحات والمنهج (') كما تتبدى فيما تضمنه على 
الأصول - فى تطوره بعد الشافعى من مباحث كلامية دخلت إلى الأصول , ولذلك 
أصبح ينظر إلى علم الكلام على أنه أصل لعلم أصول الفقه مثلما هو أصل لغيره من 
العلوم الشرعية الأخرى لأن حجية الأدلة التى يستند الاستدلال إليها إنما تظهر 
وتؤسس من علم الكلام (') وقد أقيمت هذه الصلة وتوثقت على أيدى الأصوليين من 
الكلاميين , الذين كان لهم فى هذا العلم منهج يختلف عن منهج الققهاء كما يشير إلى 
ذلك ابن خلدون الذى أوضح أن كتابة الفقهاء فى الأصول أمس بالفقه , وأليق بالفروع 
أما الفقهاء فانهم » يجردون صور تلك المسائل عن الفقه ويميلون إلى الاستدلال العقلى 
ما أمكن لأنه غالب فنونهم » ومقتضى طريقتهم » 9) . 

وعلى الرغم من هذه الصلة الوثيقة بين العلمين فإنهما يفترقان فى موقفهما من 
النصء فالنص هو المصدر والمرجع والميزان فى علم أصول الفقه » ومن ثم ظل الاهتمام 
به مستمرا فى كتابات الأصوليين » حتى لدى من قال منهم بالقياس . ولكن النصوص 
الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة لم تحتفظ بهذه المنزلة أى بقريب منها لدى علماء 
الكلام ‏ ويخاصة فى عهوده المتأخرة حيث زاحم الدليل العقلى الدليل الشرعى وغالبه 
حتى غلبه ؛ فأصبح الدليل العقلى هو الدليل المعتمد فى أكثر أصول الدين ؛ وأصبح 


)١(‏ انظر : ابن حزم الأحكام - /رت. 14-١‏ / لاثركه سكم 

50( انظر د/ حسن الشافعى فى مقدمته لتحقيق كتاب : المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين لسيف الدين 
الآمدى طيع القاهرة ؟/1945 ص 5١‏ 58/151 . 

52 انظر : الفزالى : المستصفى ( بهامشه فواتع الرحموت) تصوير دار الكتب العلمية ببيروت عن طبعة يولاق - 
طك/ركهة١ا‏ - ١/ره‏ 7 
وأنظر كذلك : الجوينى اليرهان ٠ 8/١‏ 45 . 

(8) انظر :ابن خلدون : المقدمة طبعة الشعب ص "١‏ . 


ركد 


النص الشرعى يستمد حجيته من شهادة العقل له » ثم أصبح الدليل الشرعى يؤول 
ليتفق مع الدليل العقلى إذا وقع تعارض بينهما خشية أن يؤدى الطعن فى دليل العقل 
إلى الطعن فى الدليل الشرعى نفسه ؛ ووضعوا فى ذلك قانونا كليا (') وترتب على هذا 
كله أن تراجعت الأدلة الشرعية عن مكانتها مع أنها صاحبة الاختصاص فى الاستدلال 
على أصول العقيدة ثم هى أكثر وضوحا , وأيسر فهما وأوثق حجة » وأدعى إلى 
تحصيل اليقين . والناظر فى كتب الكلاميين , ويخاصة المتأخرة منها , يلاحظ هذه 
الظاهرة دون عسر ء فالآيات قليلة , والأحاديث نادرة » وما يساق منها فى هذه الكتب 
قد يساق للاستئناس لا للاستنباط والاستدلال , فالفكرة مقررة سلفا » ثم تأتى الآيات 
والأحاديث لتأكيدها » وعلى حسب هذه الفكرة تجذب النصوص يمينا ويسارا , كما 
يظهر فى جدل الكلاميين بعضهم مع يعض . 

وقد نجا علم أصول الفقه مما وقع قيه علم الكلام ؛ وظل استناده إلى النص 
الشرعى من أخص خصائصه . ولعل صلته بالفقه , واعتماد الفقه عليه فى التوصل إلى 
الأدكام الشرعية المتعلقة يأفعال المكلفين كانت من أكبر العوامل فى تأكيد هذه الصلة 
بالنص ؛ لأن البحث فيه لم يغلب عليه ذلك الطابع النظرى - بل الجدلى أحيانا - الذى 
ساد علم الكلام ‏ بل كان البحث قى الفقه مرتبطا بمسائل واقعية ونوازل تتطلبي 
أحكاما ‏ ومن ثم كان الارتياط بالنص أمرا لازما » وضرورة لامفر منها . 
ه - إذا كانت الأحكام لاتثبت إلا بالنصوص - أو ما يرجع إليها - فإن وسيلة 

استخراج الأحكام واستنباطها منها إنما هى الاجتهاد . 

والاجتهاد فى عرف العلماء هو بدّل الوسع » واستفراغ الجهد فى طلب الحكم 
الشرعى 9) . 

ويعبر الإمام الشافعى عن هذه القاعدة بقوله « كل ما نزل بمسلم ففيه حكم لازم » 
أى على سبيل الحق فيه دلالة موجودة , وعليه - إذا كان فيه بعينه حكم - اتباعه , وإذا 
لم يكن فيه يعينه طلب الدلالة على سبيل الحق بالاجتهاد .. » . 

وإذا كان الأصولى يلجأ إلى الدليل فى كل مرحلة من مراحل بحثه - كما أسلفنا - 
فإنه إنما يفعل ذلك عن طريق الاجتهاد » فهى يجتهد فى معرفة الدليل الشرعى » ثم 
يجتهد فى تحديد المقصود به » ثم يجتهد فى بيان علاقته بغيره من الأدلة إن وجدت , 


)١(‏ انظر هنا مثلا : فخر الدين الرازى: أساس التقديس طبعة الحلبىه ١57‏ ص ١7”‏ , 175 وقد أوضح ابن تيمية أن 
التعارض لا يقع بين التصوص الصحيحة والعقل الصريع , وكتب كتاباً ضخماً فى الرد على دعوى الرازى ومن يقول 
يمثل رأيه , وهى كتاب درء تعارضى العقل والنقل الذى حققه د/ محمد رشاد سالم حمه الله , 

(؟) انظر ٠‏ الشيرازى اللمع ١76‏ . والمستصفى؟/-0؟ , ويورد الشوكانى عددا كبيرا من التعريفات للاجتهاد يمكن 
الرجوع إليها قى كتابة إرشاد القحول 0 


ءءء 


ثم يجتهد فى تطبيق الدليل على الواقعة أو النازلة : فإن لم يكن فى الواقعة - بذاتها - 
نص أو إجما ع فإنة مطالن جاليضة ع نظائن لها قى الشرع ليلحقها يها ,وقد بلج 
إلى حملة من التسوجن التلقة ييقاسة الشرظة وجل منها ستنتك د يها يدوهيل 
إليه من حكم وهكذا . 

وودلناءهذا الغرض لاجمل قراخل اسخباطة الحكم والاى ستعود اليه يتفضيل "د 
ف فيما يعد على أن التؤصل النه لايتم بطريقة آلمة ويل إقهامجتاع إلى يذل منزيد 
عن الجهد للقيام بهذا العمل الاستنياطى الذى ينتقل فيه اللجتهد من المطوم وهو النص 
أى مايؤول إليه إلى المجهول وف الواقعة التى ينبقى الوصول إلى الحكم الشرعى لها 
ولنس هذا الاجتهاد بالامر الهين »وان كان ها متطلبه من جهد لبس فى درجة وإحدة , 
لأن انطباق الأحكام والأسماء على الوقائع قد يكون ظاهرا! وقد يكون خفيا كما يقول 
اين تيمية ؛ وكلاهما محتاح إلى الاجذيان «لآن الفتهاء 0 
حيث القدرة على الاستنباط وسبق الخاطر إليه وانٍ ع اشتر. ا 
وأما إذا كان فى الأمر خفا ا ا اك 
يوصف ؛ كما ناط قبول الشهادة بكونه ذا عدل : وكما ناط العشرة المأمور بها بكونها 
بالمعروف وكما ناط النفقة الواجية بالمعروف » وكما ناط الاستقبال فى الصلاة 0 
وا ا م ا 


خاص ( إذ ) لايعلم ذلك بمجرد الاسم » )١(‏ . 

واذا كان ابن تيمية قد أشار هنا إلى مستويين لفهم النص وتطبيقه فإنه قد تحدث 
عن مستوى آخر يقتضى التحديد لمضمون الأسماء الشرعية التى ارتيطت يها الأحكام» 
فالله تعالى قد حرم الخمر » والميسر , وجعل التيمم بديلا للماء فى التطهر من الحدث 
وجعل قطع اليد حداً للسرقة مشروطها , ولابد من تحديد المراد بهذه الأسماء تحديدا 
واضحا ؛ لتتعلق الأحكام بها . وفى ذلك يقول ابن تيمية « وقد يكون الاجتهاد فى دخول 
بعض الأنواع فى مسمى ذلك الاسم ٠‏ كدخول الأشرية المسكرة من غير العنب والنخل 
فى مسمى الخمر ؛ ودخول الشطرنج والنرد ونحوهما فى مسمى الميسر ... ودخول 
الرمل ونحوه فى الصعيد الذى فى قوله ١‏ فتيمموا صعيدا طيبا ». (المائدة 0 
ودخول النباش فى حكم السارق » (') ويذكر ابن تيمية أن هذا الاجتهاد 221000 
المسلمين ممن يثبت القياس ومن يتفيه « فان بعض الجهال يظن أن من نفى القياس 
يكفيه فى معرفة مراد الشارع مجرد العلم باللقة » هذا غلط عظيم جدا » () , 


. أبن تيمية الرد على المنطقيين . تقديم السيد سليمان النردى‎ )1١( 
تصوير دار المعرفة - لينان ص 5ه وما بين القوسين مزيد لتوضيح المعنى‎ 
السايق كام غه يتصرف يسير جدا » وأنظر كذلك الموافقات45/5 ع3‎ 0 9 


ءءء 


وهكذا فان مجرد العلم بالنصوص أ القواعد العامه لايعنى التطبيق المباشر على 
الحالات الخاصة دون مجهود , بل إن الأمر يحتاج إلى دراسة وفهم وجهد لمعرفة كيفية 
اتدراج الحالة الخاصة تحت الحكم العام . 

ولذلك فإن « تطبيق النظريات العامه له - دائما - موهيته الخاصة ؛ ودقته ؛ ومجرد 
الدقة فى النظريات العامة لايغنى عن الدقة فى تطبيقهاء ألا ترون أن من يدرس - 
بعمق --. النظريات العامه فى الطب يحتاج فى مجال تطبيقها على حالة مرضية إلى 
دقةء وانتياه كامل ٠‏ وتفكير فى تطبيق تلك النظريات على المريض الذى بين يديه ؟! )١(‏ , 

وإذا كان هذا الاجتهاد مطلويا فى فهم النص وتطبيقه فإن الاجتهاد فى القياس 
ونحوه من الأدلة غير المباشرة يحتاج إلى جهد أو فى وأكثر لأنه يقتضى تحديد 
الوصف الجامع الذى يغلب على الظن تعلق الحكم به ؛ ثم يقتضى وجود هذا الوصف 
فى الفرع المراد تحديد الحكم الخاص به » ثم يقتضى تحقيق عدد من الشروط التى 
تندرج تحت مباحث العلة ومسالكها وقوادحها عند الأصوليين , كما سنشير إلى ذلك 
قريبا ؛ والاجتهاد , إذن ضرورة , لأنه لايمكن حصول التكليف إلا به كما يقول 
الشاطبى (') ثم لأن الحوادث للناس ليس لها حصر ولانهاية ٠‏ فلى لم يجنز الاجتهاد 
فى الفروع . وطلب الأشيه بالنظر والاعتبار ؛ ورد المسكوت عنه إلى المنصوص عليه 
بالأقيسة لتعطلت الأحكام وفسدت على الناس أمورهم , والتبس أمر المعاملات على 
الناس ؛ قوسسع الله هذا الأمر على الأمة . وجوز الاجتهاد , ورد الفروع إلى الأصول 
لهذا النوع من الضرورة... »() , 

ويهذه القاعدة تكتمل القواعد والمبادئ الخمسة التى يمكن اعتبارها قواعد أساسية 
للمنهج الأصولى ٠‏ ومن ثم يمكن البناء عليها وهنا يأتى دور الحديث عن مراحل هذا 
المنهج وهى التى سنتحدث عنها فى الفقرة التالية : 
ثانيا : مراحل المنهج الأصولى وخطواته : 

يوصف المنهج العلمى بأنه « خطة منظمة لعدة عمليات ذهتية أى حسية بغية الوصول 
إلى كشف حقيقة أو البرهنة عليها » ) , 





, ص1‎ , 1574/١ محمد ياقر الصدر : دروس فى علم الاصول : الحلقة الاولى طبع دار الكتاب الليناني والمصرى:‎ )١( 
. 14 

, انظر الموافقات 4//ةع‎ )١( 

(7) السيوطى: صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام تحقيق د/ على النشار , د/ سعاد عبد الرازق, طبع مجمع 
البحوث الإسلامية ط؟/ 7١١/١١ 1517١‏ والكلام لأبى المظفر السمعانى . 


.ةع 


كما عرف بأته « الطريق إلى الكشف عن الحقيقة فى العلوم بواسطة طائفة من 
القواعد العامة . تهيمن على سير العقل وتحديد عملياته حتى يصل إلى نتيجة 
معلومة»!(١)‏ . 

وتختلف المناهج بحسب طبيعة الظواهر التى تدرسها فالمنهج الرياضى غير المنهج 
الاستقرائى المطبق فى العلوم الطبيعية . وكلاهما يختلف عن المنهج التاريخى » ولكن 
كل واحد من هذه المناهج يتكون من عدد من المراحل والقواعد والعمليات التى يجرى 
اتباعها وتطبيقها وفقا لخطه معينة كى يتم التوصل الى تحقيق الغايات المرتبطة بالمنهج 
المحدد . 

وعلى سبيل المثال يتكون المنهج التجريبى من عدد من الخطوات التى تيدأ - عادة 
- بالملاحظة أى كليهما أحيانا » بحثا عن فرض علمى يصاح لتفسير الظاهرة التى 
يجعلها الباحث موضوعا لبحثه فإذا تم الوصول إلى مثل هذا الغفرض فإن من اللازم 
أن يقوم البحث ببحوث وملاحظات وتجارب أخرى للتأكد من صدق هذا الفرض ٠‏ فإذا 
تاكد صدقه انتقل من كونه قانونا يصلح لتفسير الظواهرالمماظة , ويمكن التنبق- 
بمقتضاه بوقوع مثل هذه الظاهرة إذا تحققت شروط وإذا ما انتهينا عن طريق هذا 
المنهج من وضع قوانين , فإن الممكن الانتقال إلى خطوة أخرى هى تنظيم هذه القوانين 
الجزئية كى تدخل فى نطاق أعم بأن تصيح مبادئ عامة كلية يستخرج منها قوانين 
بواسطة الاستدلال وهذه المبادئ العامة هى الفروض العظمى ©, 

ويمكن القول بأن المنهج المطبق فى علم أصول الفقه يتكون - بصفة عامة - من عدد 
من الخطوات والمراحل ٠‏ شأتها فى ذلك شأن غيره من المناهج . وينبغى الإشارة إلى 
ملاحظتين : 

اؤلاهما : أن التحديد لهذه الخطوات والمراحل وترتيبها إِنْ هى إلا تحديد وترتيب 
تقريب يحتمل الصواب والخطأ , كما يحتمل الزيادة أكثر مما يحتمل النقصان ونرجو 
ألا يكون فى ذلك بأس » حيث أن المناهج المستقرة - من قيل - لاتقدم تحديدا صارما 
لعناصر مناهجها » وهى تخضع للنظر المتجدد الذى يضيف إليها أو يعدل فيها » ومن 
ثم كان على فيلسوف المناهج أ المنطقى المنشغل بها « أن يفهم أن المناهج ليست 
أشياء ثابتة » بل هى تتغير وفقا لمقتضيات العلم وأدواته » ويجب أن تكون قابلة للتعديل 
المستمر حتى تستطيع أن تفى بمطالب العلم المتجددة . وإلا كانت عبئا ومصدرا 
للضرر () » . وإذا كان من المتوقع فى المناهج المتعلقة بالعلوم التجريبية أن تكون قابلة 
)١(‏ د/ عبد الرحمن بدوى :مثاهج البحث العلمى طبع الكويت 1417 صره 
() السايق : 15١ , 155 - ١79‏ - وإنظر د/ محمود قاسم : المنطق الحديث ومتاهج البحث . 

الأنجلو المصرية ط؟ دون تاريخ ص45 ومابعدها ثم ١1١‏ . 
)١(‏ د. بدوى : مرجع سابق ١71١‏ 

اا 


للتغيير والتعديل والاضاقة . بسب ارتباطها بنتائج العلوم التى تتطور بسرعة فائقة 

ويخاصة فى العقود الأخيرة . 
إذ كان الأمر كذلك ؛ فإن مناهج العلوم النظرية ليست بمنجاة من التغيير والتعديل 

ولو بقدر » وتنطبق هذه الملاحظة على المنهج فى أصول الفقه ؛ خاصة وأنه ليس نظريا 

خالصا ؛ بسبب صلتة الوثيقة بعلم الفقة : الذى يعد من العلوم العملية ولذلك وصف 
بأنه ه حكمة » وشّرح ذلك بأنه أمر واقعى مختص بالحسيات أى بالعمليات المتعلقة 
بالجوارح (أومن ثم يبقى هذا المنهج خاضعا للمراجعة ؛ قابلا للتعديل ؛ وابداء وجهات 

أخرى من النظر . 
اما الملاحظة الثانية فهى أتنا - فى حديثنا عن هذه المراحل والخطوات سنتهج منهج 

الإيجازء دون دخول فى تفصيلات كثيرة » وذلك لسبب يبدو منطقيا وهو أثنا لن 

نتحدث عن العلم نفسه » ولكننا سنتحدث عن منهجه . 
ويمكن - على ضوء هاتين الملاحظتين أن نشير الى أهم مراحل المنهج وخطواته 

فيما يأتى : 

, تحديد الأصول والأدلة التى يجعلها الأصولى أساسا للاستنباط والاستدلال‎ - ١ 
وليس الأصوليين على كلمه واحده فى هذا الشأن ؛ بل يختلفون فى تحديدها‎ 
وتعينها حتى أن ما قد يكون لدى بعضهم أصلا أو دليلا لايكون - كذلك لدى‎ 
آخرين منهم . ويكفى أن نشير هنا إلى هذا التقسم العام الذى قدمه جمهور‎ 
الأصوليين للأدلة عندما قسموها إلى قسمين رئيسيين : أدلة متفق عليها , وآدلة‎ 
, مختلف فيها , ويندرج تحت القسم الأول : الكتاب والسنة والاجماع والقياس‎ 
ويندرج تحت القسم الثانى عدد أكبر من ذلك » ومن أمثلة القسم الثانى ؛ المصلحة‎ 
المرسلة والاستحسان والعرف وعمل أهل المدينة , ومذهب الصحابى وشرع من‎ 
(0 قبلنا ونحى ذلك من الأصول‎ 
ويلاحظط أن هذا التقسيم يوضوح رأى جمهور الأصوليين ويتجافل خلاف من لايعتد‎ 

بخلافهم ؛ ولايكاد يخلى من الخلاف إلا المصدران الأولان فقط , وهما الكتاب والسنة. 





)١(‏ انر : عبد اللى الانصارى : فواتع الرحموت بشرح مسلم الثبوت لمحب الله بن عبد الشكور , طعا أسقل 
المستصفى للغزالي ٠١/١‏ . 
وقارن إحصاء العلوم الفارابي ؛ تحقيق د/ عثمان أمين دار الفكر العريى طك//ة ١14‏ حيث يرى أن الفقه مكون من 
جزءين جِزء فى الآراء وجزء في الأفعال أنظر عن ٠ ٠١‏ 

(؟) من المكن الرجوع إلى كتب الأصول لمعرفة الأصول المتفق عليها والمغتلف فيها وقد سبق إيراد يعضها مثل 
المستطفى للفزالى والبرهان للجوينى والمعتمد لأبى الحسين اليصرى وإرشاد الفحول . . إلخ كما يمكن الرجوع إلى 
بعض المؤلفات الحديثة التى تعنى بهذا الأمر مثل أصول الفقه للشيخ محمد أبى زهرة ؛ وعلم أصول الفقه للشيخ عبد 
الوهاب حلاف وأصول التشريع الإسلامى للاستاذ على حسب الله . وأصول الفقه الشيخ محمد مصطقى شلبى » 
والوسيط فى أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلى , إلى كتب أخرى كثيرة ٠‏ 


4 


فالاجماع - مثلا - قد أنكره النظام من المعتزلة » كما أتكره بعض الشيعة 
والخوارج واتكارهم له ينصب على إتكار امكان الاجماع فى نفسه أى ينصب على مثع 
بيحجة: وإنما الحجة فى مستنده إن ظهر لنا » فإن لم يظهر مستنتده فلا يمكن اعتباره 
حجة )١(‏ , 
والقياس - كذلك - لم يكن موضوع أجماع الأصوليين بل جاد فى حجيته بعض 
الطوائف منهم ومن هؤلاء كما يذكر الجويتى النظام وطوائف من الروافض 
والاباضية والأزارقة معظم فرق الخوارج إلا النجدات » وأصحاب الظاهر (؟) ولكن 
خلاف هؤلاء - فى هذه المسألة - غير معتد يه عند الجمهور . 
كان أكير فيما يتعلق بتلك الأصول المختلف عليها كعمل أهل المدينة الذى يقول به 
المالكية . ومذهب الصحابى الذى ذهبت الأشاعرة والمعتزلة والشافعى فى أحد قوليه » 
وأحمد بن حنيل فى إحدى الروايتين عنه , فيما يذكر الأمدى , والكرخى إلى أنه ليس 
بحجة على التابعين ومن بعدهم من المجتهدين ؛ وذهب مالك , والرازى والبرذعى من 
مقدمة على القياس إلى أخر ما يمكن أن نجد حول هذا الأصل من آراء واختلافات (7) 
وكذلك الاستحسان الذى يقول به الحنفية » على عكس الشافعية الذين لا يأخذون به 
تبعا للشافعى الذى كتب فى نقده فصلا قائما بذاته فى كتاب الأم بعنوان ايطال 
الاستحسان(!), وتكشف مقارنة الآراء يبعضها ببعضص أن غموض مدلول هذا المصطلح 
وليس على الأصولى من بأس فى أن يختار ما يشاء من الأصول يشرط أن يراعى 
)١(‏ انظر : فواتح الرحموت ؟/4١7‏ : 7١١‏ , وأرشاد الفحول ؟/ , 7 وانظر رد القزالى على أصحاب هذا الاتجاه فى 
المستصفى 1/5/١‏ ومابعدها 
(؟) آنظر البرهان ”/رءه7 /0١ ١‏ وأنظر كذلك المستصفى؟/؟؟؟ » 4؟؟ وانظر لأبى زهرة : أصول الققه دار الفكر 
العربى”١٠؟‏ . 
وقد كتب اين حزم فى رد القياس رسائل مقردة كملخص إيطال القياس وضمن كتابه الأحكام قسما كبيرا فى رده 
انظر الاحكام لالرلاه - 5١4‏ , 1.4 - وقارن الموافقات للشاطبى 779/4 . 7١‏ ,. 
(5) انظر الأمدى : الأحكام 194/4 ؛ ١٠١‏ وقارن قى تحرير رأى الشافعى وغيره : أصول الفقه لأبى زهرة ١9/4‏ -- 
ا 
(؛) انظر : كتاب أبى زهرة المشار إليه ؟8؟ وما يعدها . 


ان 


5- ان يكون ما يختاره من الأصول موافقا للكتاب والسنة . غير مخالف لهما . لأنهما 
أصل الأصول , ومعيار الاستتياط وميزان الاستدلال » ومن كم يققد مايخالفهما 
من الأصول ‏ ومعيار الاستنباط وميزان الاستدلال » ومن ثم يةند مايخالفهما من 
الأصول سنده ومشروعيته ء وقد كان الأكمة حريصين على تأكيد هذه القاعدة 
العامة؛ وفى ذلك يقول الإمام الشافعى رضى الله عنه د إذا صح الحديث فاضريوا 
بقولى الحائط, وصح عنه أنه قال : إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 
حديثا ؛ ولم آخذ به فاعلموا أن عقلى قد ذهب » ويروى مثل ذلك عن غيره من 
الأئمة كمالك وأحمد وغيرهما )١(‏ . 

ب - أن يبذل أقصى الجهد فى الاستدلال على صحة هذه الأصول التى يختارها وذلك 
لأنها هى الأسس التى ينبنى اجتهاده عليها » فإذا لم تكن صحيحة كانت النتائج 
التى ينتهى إليها - يناء على هذه الأصول - فاسدة لأن ما بنى على فاسد فهى 
فاسد ثم لأن الأصولى يعلم أن البيئة الفكرية الإسلامية كانت تموج بحركة فكرية 
حية متجددة: فما أن يعلن الأصولى - أو غيره فى مجالات العلم المختلفة - أصلا 
أى رأيا حتى تتلقفه الدوائر العلمية بالتمحيص والتدقيق , والموازنة والنقد , فاذا لم 
يكن الرأى محرر الأدلة » قوى الأسس والأسانيد تهادى فى حلبة الفكر بسبب 
عجزة عن الاقناع وهكذا وجدنا الفقه والأصول فى عصور ازدهارهم يموجان 
بالنماذج والأمظة الكثيرة فى العرض والمناظرة , والأخذ والرد , والمناقشة والتقويم, 
وقد يشترك فى المناقشة والمناظرة فقهاء وأصوليون ومتكلمون ومحدوثون» كالخلاف 
حول خير الواحد هل يفيد العلم القطعى أولا » وقد يخرج المحدثون من دائرة 
الجدل ليشترك فيه أهل الفقه والأصول والكلام » فإذا قال مالك وصحبه وأتباعه 
بالاحتجاج يعمل أهل المدينة وجدنا الشافعى ومحمد بن الحسن وابن حزم يردون 
عليه » وإذا قال بالمصلحة المرسلة وجدنا الشافعى ومحمد وصحبه وأتباعه 
بالاحتجاج يعمل أهل المدينة وجدنا الشافعى ومحمد بن الحسن وابن حزم يردون 
عليه » وإذا قال بالمصلحة المرسلة وجدنا من الشافعية كالجوينى من يعرض رأية 
ويناقشة وإذا انتهى الأوزاعى إلى رأى فى السير ناقشة محمد بن الحسن فى رده 
عليه » ثم جاء الشافعى فى أواخر كتابه (الأم) ليناقش الرأيين معا موضها 
أجدرهما بالصواب » بسبب قوة الدليل ودقة الاستنباط , وقوة القرائن . وكلما 
تقدم هذا العلم وتطور ؛ وكلما تميزت المناهج فيه وتحددت ملامحها , اتخذ العرض 

, 575/٠  !9!/ا/ل/؟ط انظر : ابن القيم: إعلام الموقعين طبعة الشيخ محيى الدين عبد الحميد - دارالقكر بيروت‎ )١( 

1 وما يعدها 


وكذا الشوكاتى : القول المقيد فى أدلة الاجتهاد والتقليد ؛ ضممن مجموعة الرسائل السلفية . 
طبع دار الكتب العلمية - بيروت 77 , 71 . 


6 


للأصول طابعا نقديا ‏ فلم يكتف الأصوليون يعرض أصولهم ٠‏ بل تاقشوا - عند 

وجود الخلاف مخالفيهم - ووضعوا - عندئذ - قواعد للجدل والخلاف , ومناقشة 

من يخالفهم الرأى من المجتهدين , ويظهر ذلك فى كتب الأصول الكيرى فى 

المذاهب المختلفة . 

وقد كان هذا كله دافعا قويا إلى الاهتمام الشديد بإقامة الأصول على أدلة محررة, 

حتى تأتى الأصول متسمة بالدقة والطايع البرهانى الاستدلالى . 
** ويرتبط بهذا العمل فى تحديد الأدلة أى الأصول ؛ تحديد النطاق أو المجال أو 

الدائرة التى يعمل فيها كل أصل منها فقد تتفق كلمة الأصوليين على الاعتداد 

بأحد الأصول, ولكن ذلك لايستلزم - فى كل الأحوال - أن يتفق لديهم النطاق 

الذى يحكم فيه هذا الأصل المتفق عليه عندهم . ويتضح هذا المعنى يذكر بعض 

الأمئة : 

فالاجماع - ما سبق القول - أحد الأصول التى قال بها الجمهور الأعظم من علماء 
الأمة » ولكن مجال الاجماع أو ما ينعقد به الاجماع ليس موضع اتفاق بين القائلين به, 
فالاجماع لدى بعضهم كالظاهرية هو اجماع الصحابة دون سواهم . وهذا داخل فى 
الاجماع لدى كل القائلين بهذا الاصل ؛ ولكن لدينا صورا أخرى من الاجماع تجدها 
لدى بعض الأصوليين » فهناك إجماع الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ وهئاك إجماع 
أهل المدينة أى إجماعهم مع أهل مكة , أى إجماع أهل الكوفة واليصرة ؛ أو اتفاق 
الخلفاء الراشدين الأريعة ‏ أو اتفاق أبى بكر وى عمر وحدهما وهناك إجماع المجتهدين 
من أمه محمد صلى الله عليه وسلم فى عصر على حكم شرعى وهذا أوسع دوائره 
نطاقا ؛ وهى المعتبر لدى أكثر جمهور الأصوليين » ومن الأصوليين من يعتد بالأجماع 
السكوتى » ومنهم من لايعتد به » ومنهم من يقول بانعقاد الإجماع مع مخالفة الأقل كما 
يقول الطبريء ومنهم من يقول بانعقاد الاجماع عن قياس , ومنهم من لايقول به » 
ومنهم من يدخل العوام فى الاجماع ومنهم لايدخلهم , ومنهم من يدخل أهل الأهواء فى 
الاجماع ومنهم من لايدخلهم ثم القائلون بأنه إجماع مجتهدى الأمة مختلقون فى وقوعه 
وعدم وقوعه وهكزا () . 

والقياس - عند القائلين به - يختلف دوره ومجاله ؛ فهى يتسع اتساعا شديدا حتى 
ليكون هى المعول عليه فى أكثر أحكام الشريعة » وهو يضيق ضيقا شديدا حتى ليقدم 
(1) انر فى ذلك كله أمهات كتب الأصول كفني القاضى عبد الجبار الجزء السابع عشر » والمعتمد لبصرى والاحكام 

لابن حزم ح والبرهان والمستصفى للغزالى وفواتع الرحموت بهامشة والأحكام للآمدى , 


وإرشاد الفحول للشوكانى . . إلخ . كلها فى باب الاجماع ورأى الطبرى مذكور قى الأحكام ١/ره‏ ]7 


ع١‎ 


والأفهام: وانظر إلى الجوينى يقول « القياس هى مناط الاجتهاد » وأصل الرأى » ومنه 
يتشعب الفقه وأساليب الشريعة » وهو المفضى إلى الاستقلال بتفادسيل أحكام الوقائع 
مع انتفاء الفاية والنهاية ... والأصل الذى يسترسل على جميع الوقائع( هى ) القياس 
وما يتعلق به من وجوه النظر والاستدلال » فهو إذاً أحق الأصول باعتناء الطالب : ومن 
عرف مأخذه وتقاسيمه وصحيحة وقاسدة .... وأحاط بمراتيه حلاء وخفاء » وعرف 
مجاريها ومواقعها فقد احتوى على مجامع الفقه » )١(‏ ثم يقول فى مقام آخر« ومن 
أتصف من نفسه لم يشكل عليه إذا نظر فى الفتاوى والأقضية ان تسعة أعشارها 
صادرة عن الرأى المحض والاستنباط ولا تعلق لها بالنصوص والظواهر » () ثم يجعل 
النصوص إذا قورتت بالاجتهاد « كغرفة من بحر » , وأنها « لاتفى بالعشر من معاشر 
الشريعة 00 

وربما كان الجوينى يقصد بحديثه هذا أن يرد على الظاهرية وأمثالهم ممن انكروا 
النصوص لكل شئ فان قوله هذا يؤول إلى الكفر (؟) وقد عرضه هذا القول لهجوم 
شديد من فقيه مغربى مثله وهو القاضى ابن العربى الذى وصف ابن حزم - لقوله هذا 
- بالجهل , والعجز عن الاستدلال » واستغلال الامارة فى الدعوى إلى رأية ) » ومن 
الواضح أن الرأيين يقفان على طرفى نقيض , وقد قام اين تيمية وغيره بالرد على 
الرأيين معا . وأوضح أن التوسط هو الصواب » وهى طريقة فقهاء أهل الحديث » وهم 
يرون اثيات النصوص ؛ وتضمنها لأجناس الأفعال والأحكام وأن ما خرج عنها و ليس 
بهذه الكثرة التى يذكرها الجوينى وأمثاله » وأن هذا القسم الخارج عنها إنما هى فى 
معنى الأصل » ومن ثم يسهل القياس فيه ومن قال« إن أكثر الحوادث يحتاج فيها إلى 
القياس لعدم دلالة النصوص عليها فإنما هذا قول من لامعرفة له بالكتاب والسنة 
ودلالتهما على الأحكام»("). 
متفاوتون فيما يجعلون له من مكانة فأكثرهم أخذاً به أبى حنيفة وأقلهم أخذاً به ابن 
)١(‏ الجوينى: البرهان "745 ٠‏ 755 . 
(؟) السايق "/رلثلا , 
(؟) السايق "/ركاك/ا , 
(2) انظر الاحكام لاثر؟ة١‏ :195 . 
(0) انظر : اين العربى: العواصم من القواسم تحقيق د/ عمار طالبى الجزائر 151/4 ط ١‏ ح ؟/رده؟ وما بعدها . 
(9) انظر : ابن تيمية : الاستقامة تحقيق د/ محمد رشاد سالم مطبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - 

الرياض ط ١/ر؟. ١6‏ / 47ة1ا . 

ج 7/١‏ 7 وما يعدفما ثم الفتاوى » وهو موطن الاقتباس الموجود بالنص ١/١5‏ -” , وانظر 58٠‏ - 180 ويتايع 

الشوكانى ابن تيمية انظر إرشاد الفحول 50505١١‏ . 

اع 


حنيل » وأوسطهم فى الأخذ به مالك والشافعى )١(‏ ثم تختلف المذاهب فى الأخذ 
بالقياأس أو عدم الأخذ به فى بعض المباحث الفقهية فلا قياس فى العقويات المقدرة أى 
الحدود عند الحنفية » على حين يقول الشافعية بالقياس فى مثل هذا الأمر وهكذا 9) . 
*** ثم يرتبط بتحديد الأدلة وتحديد نطاقها ومجالها تحديد علاقتها بعضها يبعض »2 
لبيان ما يكون له التقديم من بينها , وما يكون له التأخير ؛ ولايقع هذا عند 
الأصوليين خبط عشواء ؛ بل إنه يقع عند كل منهم تبعا لأصول يرتضيها » 
وقواعد يحتكم إليها بحيث يمكن لمن استوعب أصول مذهب ما أن يتنبا يما 
يمكن أن يكون له من رأى عند اجتماع هذه الأصول . 
ومن الأمثلة التى توضح الأمر هنا ما يحثه الأصوليون حول نسخ القرآن بالسنة , 
وهى مسألة خلافيه » فالشافعى يرى أن القرآن لاينسخ إلا بقرآن مثله . وجمهور 
الفقهاء يرون أن القرآن يمكن أن ينسخ بالقرآن وبالسنة , لكنهم شرطوا فى السنة أن 
تكون متواتره أى مستفيضة مشهورة ويترتب على هذا ألا ينسخ القرآن بخير الآحاد , 
ومبعث هذا عندهم أن نص القرآن قطعى ؛ وأن خبر الآحاد ظنى » والقطعى لاينسخ 
بالظنى , أما ابن حزم فيرى أن القرآن ينسخ بخبر الآحاد , لأنه يرى أن السنة الثابتة 
الصحيحة كلها قطعية ‏ وأن هذا الحكم ينطيق على خبرالآحاد » فهى متسق مع قوله 
بقطعية السنة؛ وافادة خيرالآحاد المعلم واليقين لا الظن (9) . 
ومن أمثئته ما نجده لدى الفقهاء من خلاف حول خبر الواحد إذا خالف القياس , 
فالشافعى وابن حنيل ويعض الحنفية وكثير من الفقهاء يرون أن الخبر مقدم على 
القياس» على حين يرى بعضهم كعيسى بن أبان أن الراوى للحديث إن كان ضابطأ 
عالما غير متساهل فيما يرويه قدم خبره على القياس وإلا فلا » ويرى أبى الحسن 
البصرى أن علة القياسان كانت منصوصة قدم على الخبر » أما إن كانت مستنيطة 
فالتقديم للخبر (؟) . 
أما إذا خالف خبر الآحاد عمل أهل المدينة فإن الرأى لدى مالك وشيخه ربيعه 
الرأى هى تقديم عمل أهل المدينة , اتباعا للأصل الذى ارتضاه الامام مالك« لأن عمل 
أهل المدينة هى عمل ألف عن ألف عن ألف حتى يصل إلى النبى صلى الله عليه وسلم 
فإذا خالفهم خبر آحاد كان ضعيف النسبة للرسول فتقدم عليه وليس الأمر على هذا 
النحى لدى ابن حزم مثلا » (0) : 
)١(‏ تحتاج المسالة إلى تفصيل كثير لايتسع له اللقام وانظر على سبيل المثال الرسالة للشاقعى؟51 , ٠٠‏ وأعلام 
الموقعين١/4؟‏ وحليه الأرلياء للأصيهانى تصوير دار الكاتب العريى 1/رة؟7؟ . 
(١‏ انظر : أبى زفرة أصول الفقه : ؟45” 
(؟) السابق : 185 , 187 وأنظرلاين حزم الأحكام ١١5/١‏ ومابعدها , ؟/ر7؟١‏ , 
(4) انظر الآمدى : الأحكام ؟/ر4١١ ١١11‏ . 
(0) انظر أبو زهرة : مرجع سابق ١١١‏ وقارن الأحكام ؟/41 وما بعدها 


اع 


وهكذا - وسيزداد هذا الأمر وضوحا عند الحديث فيما يعد - عن تعارض الأدلة - 
عند القائلين يه - وكيفية الترجيح بينها . 
" - يتفق الأصوليون - على اختلاف مذاهبم ومناهجهم - على م للكتاب والسسنة من 
مكانة عظمى , فإليهما ترجع الأصول , وعليهما مدار الاستنباط , ولذلك يهتم 
الأصوليون بدراستهما دراسة تتسم بالاستيعاب والتعمق والدقة ولهم فى دراسة 
نصوصهما جهود غير منكورة , وهم يدرسون هذه التصوص من حيث ألفاظها . 
والصيغ الواردة فيها ٠‏ أمرا ونهيا » عموما خصوصا . واطلاقا وتقييدا » وغايتهم 
من ذلك كله الوصول إلى أقصى قدر من الوضوح للمعانى والتحديد للمدلولات . 
وإنما كان ذلك الوضوح ضرورة ه لآن وضع اللفظ إنما كان لقصد تحصيل المعنى 
منه » وأن يعرف كل ما فى ضميره لغيره بواسطة اللفظ المستعمل »؛ وذلك مشروط 
بضبط الوضع ضيطا يمتنع معه دخول الزيادة والنقصان ,ء وإذا قبل من كل أحد 
تفسير لفظة بما لايحتمله لغة ... أفضى ذلك إلى ابطال اللغة وإبطال فائدة وضعهاء!(١).‏ 
وتقاتفى هذا الوكتوم وهو القننويد لولؤلات التمجومن امنا من الضاط 
ومصطلحات ليقع الفهم واضحا , ولئّلا تختلط ؛ فيسمى بعضها ياسم آخر منها , 
فيوجب ذلك وضع معنى فى غير موضعه » قتيطل الحقائق , والأصل فى كل بلاء وعماء 
وتخليط وفساد اختلاط الأسماء ؛ ووقوع اسم واحد على معانى كثيرة » فيخبر المخبر 
يذلك الاسم وهى يريد أحد المعانى التى تحته » فيجمله السامع على غير ذلك المعتى 
الذى أراد المخبر » فيقع البلاء والاشكال » 9) . 
وإذا كان الوضوح والتحديد من الأمور المطلوية للغة بصفة عامة , حتى لايقع فيها 
غموض أو لبس أو خلط فى استعمال المخاطبين بها . لأن هذا القصور فى استعمال 
اللغة يؤدى إلى فوضى فى الفهم وفى العلاقات الاجتماعية ؛ وما يتعلق بها من حقوق 
والتزامات - إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للغة عموما فإن الحاجة إلى الوضوح 
والتحديد بالنسية للنصوص الشرعية تعد أكشر تطلياوالحاحا ٠‏ لما يرتبط بها من دقة فى 
استنباط الأحكام الشرعية ؛ لأن لغة الوحى ليست مجرد نص لغوى معجز وإنما هى 
وعاء الشريعة: ومناط الأحكام » ومصدر حجية الأدلة الشرعية , والحاكم على الأصول 
قبولا أو ردا . 
ولقد تزداد الحاجة إلى الوضوح والتجديد إلحاحا إذا استحضرنا ما هى معروف 
من أن القرآن الكريم - وهى أصل الأصول - قد نزل بلفة العرب وعلى معهود ألفاظها 


. الأمدى : الأحكام ؛/راة‎ )١( 


ىع 


الخاصة وأساليب معانيها « وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد 
ظاهرة , وبالعام يراد به العام فى وجه والخاص فى وجه » ويالعام يراد به الخاص , 
والظاهر يراد به غير الظاهر ؛ وكل ذلك يعرف من أول الكلام أى وبسطه أو آخره ... )١(»‏ 
وأن ما جاء فى القرآن من صيغ قد يتفق ظاهرها ؛ ويختلف مضمونها ومداولها , 
ويقتضى الوصول إلى تحديد هذه المدلولات إلى دراسة النص من جميع جوانبه , 
دراسة فهى فى ذاته » ودراسة لأسباب نزوله » ودراسة لما يقاريه فى المعنى , ولما يقاربه 
فى الموضوع ودراسة للمصلحة المترتبة ليه وهكذا يفوص الأصولى فى دراسة النص 
وما حوله مستعينا بكل الوسائل التى تعينه على تحديد المراد منه, لينتقل بعد ذلك إلى 
الاستتياط منه . 

ويبين ابن السيد البطليوسى طرقا من ذلك يتفق مع ما سقناه من حديث الشاطبى 
حين يقول فى مقام حديثه عن الحقيقة والمجاز أن « الأمر يرد يصيغة الخبر ؛ والخبر 
يرد بصيغة الأمر , والايجاب يرد بصيغة النفى » والنقى يرد بصيغة الايجاب , 
والواجب يرد بصيغة الممكن أ الممتتع ؛ والممكن والممتنع يردان بصيغة الواجب , 
والمدح يرد بصورة الذم » والذم يرد بصورة المدح , التقليل يرد بصورة التكثير , 
والتكثير يرد بصيغة التقليل ؛ ونحى ذلك من أساليب الكلام , التى لايقف عليها إلا من 
تحقيق بعلم اللسان وكل نوع من هذه يقصد به غرض من أغراض البيان » () , 

ومن أجل ارتباط النص الشرعى : قرأنا والسنة بالتشريع » ومن أجل الوصول فى 
فهمة إلى أقصى درجات الوضوح والتحديد . جعل الأصوليون من مباحث علم الأصول: 
المباحث اللغوية . وقد جعلوها كالمدخل لهذا العلم ؛ هو مدخل ضرورى جدا « وذلك أن 
لمباحث اللغات مدخلا كبيرا من يريد دخول أيواب الفقه , والاطلاع على حقائقها . 
فأصول الفقه متوقفة على معرفة اللغة لورود الكتاب والسنة بها , اللذين هما أصول 
الفقه وأدلته » فمن لايعرف اللغة لايمكنه استخراج الأحكام من الكتاب والسنة(". 

وقد جعلوا لمباحث الألفاظ مكانة مهمة جدا فى هذا العلم وفى ذلك يقول الجوينى 
مقتضيات الألفاظ فن كبير وصنف عظيم «(4) . 

ولم ينكروا استعانتهم فى هذ الشأن يما كتبه أهل الاختصاص من علماء النحو 
واللغة, واكتفوا - أحيانا - بما تقرر لديهم ولكنهم كانوا حريصين على ألا تستغرقهم 
)١(‏ الشاطبى : المواققات ١/ره”‏ ,55 
0( التنبيه علي الأسباب التى أوجبت الأختلاف بين المسلمين ؛ تحقيق د/ أحمد كحيل , د/ حمزة النشرتي؛ دار 

الاعتصام طا 8١, ١91/8/‏ .45 , وقارن الموافقات ١01/‏ . 
(؟) عبد القادرين بدران الدمشقى المدخل إلى مذهب الامام أحمد بن حنبل تدقيق د/ عبد الله التركي , مؤسسة الرسالة 

؟/رامةا ص ١1/١‏ . 
(غ) البرهان 512/١‏ , 051 وأتظر 115/1 ومقدمه الموافقات بقلم المحقق ١/ره‏ . 


هاء 


الدراسات اللفوية ٠‏ لأنها وسيلة لاغاية ؛ ولذلك فإنه عندما توسع بعضش الأصوليين فى 
الحديث عنها وجدنا من الأصوليين من ينتقد ذلك » لآن المسائل المرسومة فى أصول 
الفقه ينبغى أن تكون ذات ثمرة فيه . بيحيث تحذف منه المسائل ١'د‏ تى لاتنينى عليها 
فروع فقهية , » وينطبق ذلك على بعض الأبواب النحوية واللغوية ٠‏ وعلى ذلك لايصح أن 
يبقى فى علم الأصول إلا ما له صلة بالفهم والاستنياط () . 

وعلى الرغم من إفادة الأصوليين من دراسات علماء النحو واللغة لم تكن دراستهم 
لمباحث اللغة مجرد صدى لهم بل إنهم اعتنوا فى فنهم كما يقول الجوينى بما أغقله 
أئمة العربية . واشتد اعتناؤهم بذكر ما اجتمع فيه إغفال أئمة اللسان مقصد الشرع . 
وهذا كالكلام على الأوامر والثواهى والعموم والخصوص ء وقضايا الاستنثاء ومايتصل 
بهذه الأبواب ٠‏ ولايذكرون مايتصه أهل اللسان إلا على قدر الحاجة الماسة التى لاعدول 
عنها » () , 

ولم يكن مستغربا - مع هذا الادراك لتميز الدراسة اللغوية عند الأصوليين أن نحد 
لديهم مخالفة - أحيانا - لآراء اللغويين . مما نجد فى مناقشة الجوينى لقول أهل 
اللغة « النكرة فى النفى تعم » وفى الإثيات تخص »٠‏ وهو يناقش هذه القاعدة مناقشة 
تخرجها من عمومها واطرادها , فقد تكون النكرة فى الاثبات دالة على العموم ؛ وقد 
تكون فى النفى مدخلا للدلالة على نوع من الخصوص بدلالة التركيب اللفوى ؛ وليس 
التركيب من النفى - عندئذ - تصا فى اقتضاء العموم (9) , 

ثم نجد لدى الجوينى أيضا استدلالا باللغة على فساد بعض الاجتهادات الفقهية فى 
فهم بعض آيات الأحكام 2 , 

وهكذا يمكن القول بأن الأصوليين - وإن تأثروا بجهود علماء النحى واللغة - فإنهم 
كانوا يتشبثون بأنوا ع من الدراسات لم تكن لدى من تأثروا يهم : وكانوا يصلون إلى 
مستوى من التعمق والغفوص على أسرار اللغة ومراميها , ودقائقها لم يكن متحققا 
لأكثر النحوبين واللغويين » ولهذا وصفت المباحث اللفوية عندهم بأنها « ليست من نوع 
علوم اللغة أى النحى العادية , فقد دقق الأصوليون نظرهم فى فهم أشياء من كلام 
العرب لم يتوصل إليها اللغويون أى التحاة .. , باستقراء يزيد على الاستقراء اللغوى , 
فهتاك - إذن - دقائق لايتعرض إليها ( كذا ) الأصوليون باستقراء خاص وأدلة 
خاصة» ©) , 
(1) البرهان ١/رة15‏ , 
(؟) البرهان ا/ر/ا؟7 ,392 , 
(5) انظر اليرهان ١/ردهه‏ -04ه . 
(0) النشار : مناهج البحث - مرجع سابق ص ٠١4‏ 


كاع 


ومن الحق أن يقال أن ماكتبه الأصوليون حول مباحث الألفاظ يعد من أهم ما 
ابدعته عقولهم , وأنه ينتظم مع كتاباتهم عن القياس والعلة وشروطها ومسالكها 

وقوادحها جوهر متهجهم ؛ وصفوة جهودهم » وموضوع فخرهم » وموطن الثناء عليهم. 
ومن الحق أن يقال كذلك أن أى محاولة لوصف ما فعلوه فيما يتعلق بمياحثهم 

اللفوية لايغنى فتيلا عن الرجوع إلى كتبهم ذاتها للتعرف على بعض خصائصهم من 

حيث الفغوص على المعنى , والجهد العارم لضيط المصطلحات وتحديد الدلالات واليعد 
عن كل ما يؤدى إلى الغموض والابهام والحرص على الدقة الشديدة , وادراك العلاقات 
بين النص ومايحيط به من قرائن وملايسات وأسياب نزول وما تضمنته اللغة من طرائق 

التعبير وأساليب البيان . 
ويمكن - على ضوء هذا التنبيه - أن نشير - فى إجمال شديد - إلى شئ مما 

قالوه حول القواعد والمباحث اللغوية , مع الاستعانة بما كتبه يعض الأصوليين القدامى 

وفى مقدمتهم الجوينى والبصرى ثم الامام الغزالى الذى خصص لهذا الياب ما 
يزيدعلى الثلث يل مايقارب النصف من كتاب المستصفى () ثم بالاستعانة يما كتبه 
شيوخ الأصول المعاصرون وفى مقدمتهم الشيخ محمد أبو زهرة ؛ والأستاذ على حسب 

الله والشيخ عبدالوهاب خلاف - 
تتجه القواعد اللغوية عندهم إلى أريعة نواح : : 

الناحية الأولى : إلى الألفاظ من ناحية وضوحها وقوة دلالتها على المقصود منها . 

الناحية الثانية : من حيث طرق هذه الدلالة: أهى بصريح العبارة أم هى بالاشارة 

ولوازم المعانى ؛ ثم أهى بالمنطوق أم هى بالمفهوم . 
الناحية الثالثة : من حيث ما تشتمل عليه الألفاظ ومدى ما تدل عليه من عموم أو 
خصوص , ومن تقييد أى إطلاق . 

الناحية الرابعة : من حيث صيغ التكليف . 

أ - فأماالألفاظ فان لها مراتب تتدرج فيها من حيث قوة الوضوح ودرجته وهى 
بحسب ترتيبها من أدنى إلى أعلى الظاهر ثم النص ثم المفسر ثم المحكم , 
والظاهر يقبل التخصيص والتأويل والنسخ » ومن ثم يدخله الاحتمال من هذه 
النواحى » والتص أقوى منه فى دلالته ولذاك لايدخله الاحتمال أو لايدخله 
الاحتمال الناشئ عن دليل ؛ ومن ثم يقدم على الظاهر عند التعارض , 





)١(‏ انظر :القطب الثالث الذى يصفه يانه هو عمدة علم الأصول , وهى الذى يتعلق بكيفية استثمار الأحكام من مثمرات 
الأصول . المستصقى ١/ره 7١‏ إلى 58! ثم ح ؟/؟ - 115 


لاع 


أما المفسر قهى الذى يتبين معناه المقصود من دليل آخر أى من نص أخر وهو أقوى 
فى الدلالة من سايقيه , ولذا لايحتمل التأويل ولا التخصيص وإن كان يحتمل 

النسخ . ويترتب على هذا أنه يقدم على الظاهر والنص إذا تعارض معهما . 
ثم يأتى المحكم على قمة هذه الدرجات ؛ لأنه يدل على مقصوده الذى سيق له , 
وهى واضح فى معناه . لايقبل تأويلا ولا تخصيصا ولانسخا حيث يقترن به مايدل 
على أنه غير قابل للنسخ )١(‏ . 
وتتدرج هذه الدرجات الأربع تحت مسمى الواضح ء ويقايله غير الواضح وهى ذى 
أقسام أربعة أيضا , هى : الخفى والمشكل والمحمل والمتشابه , ولكل منها معنى 
اصطلاحى يمكن الرجوع إليه ‏ ويمكن القول - إجمالا - بأنها مقابلة للأقسام 
الأريعة السابقة . 

ب - أما دلالات الألفاظ فهى أريع دلالات عند الحنفية » خمسة عند جمهور الققهاء 
وهى دلالة العبارة , ودلالة الاشارة ودلالة النص ودلالة الاقتضاء وزاد الجمهور 
مقفهوم المخالفة . 
قدلالة العبارة هى المعتى المقهوم من اللفظ سواء أكان ظاهرا فيها أم كان نصا , 
وسواء أكان محكما أم غير محكم . 
وإشارة النص هى ما يدل عليه اللفظ بفير عباراته ؛ ولكنه يجئ نتيجة لهذه 
العيارة, فهى يفهم من الكلام وإن لم يكن مستقادا من العبارة ذاتها . 
ثم دلالة النص ؛ وهى التى تسمى مفهوم المواققة كما تسمى دلالة الأولى وإنما 
تكون كذلك إذا كانت عبارة النص تدل على الحكم فى واقعة بعبارته , ويفهم هذا 
الكلام من النص فى واقعة أخرى لتحقق موجب الحكم فيه . 
ثم تأتى - أخيرا - دلالة الاقتضاء وهى دلالة اللفظ على كل أمر لايستقيم المعنى 
إلا بتقديره . 9) 
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدلالات - شأتها شأن الألفاظ فيما سبق - ليست فى 
قوة واحدة فى الاستنباط ؛ فدلالة العبارة أقواها , ودلالة الاقتضاء أدناها . 

ج ثم تنقسم الألفاظ - مرة أخري- من ناحية شمولها إلى خاص وعام » ومطلق 
ومقيد؛ وفى كل منها مباحث نتناول تعريق كل منها ودلالته وطرق تخصيص العام: 

, 07 انظر لذلك : البرهان ١/؟١5 -455 , وانظر فى حدثيه عن تأويل الخص ١/ر؟١ه , 017 ,١ه , ؟لاه‎ )١( 


68 وما بعدها , والمستصفى  37/‏ /71؟ , 146 3544 , 586 والأحكام "/لاه وما بعدها وإرشاد الفحول 
١71 318‏ وما بعدها . 


بعدها وأصول السرخسى بتحقيق أبى الوفا الأفغانى - دار المعرقة لبنان 1495 انظر ١/1+؟‏ 





ماء 


وقواعد رفع التعارض بين العام والخاص ؛ ويين العام والعام ‏ ويين الخاص 

والخاص. 

وقد تحدث الأصوليون عما يكون به تخصيص العموم وقسموه إلى متصل أى قى 
الغبارة زاتها أو منفصل عتها , فالتخصيص بالتصل كالتخصيص بالاستثتاء 
والوصف والغاية والشرط والتخصيص بالمنفصل كالتخصيص بالعقل والحس والإجماع 
والكتاب والسنة المتواترة والقياس . ونحو ذلك من المخصصات كالعادة بشروط أو 
يمذهب الصحابى عند القائل يه أ بالسياق وتحوها () . 


وتجدر الإشارة إلى أن مابذله الأصوليون من جهد فى هذه الدراسات اللغوية 
العميقة المفصلة كان يستهدف أصلا فهم النصوص الشرعية وتحديد دلالاتها ؛ تمهيدا 
لاستتباط الحكم الشرعى منها : ولكن هذه اليحوث صالحه - يما فيها من دقه وعمق - 
أن تكون خير معين على ضبط صيغ النصوص القانونية عند تشريعها » ثم على تفسير 
هذه النصوص وتحديد دلالاتها ؛ ثم هى معينة - كذلك - على وضع قواعد لرقع 
التعارض بينها وفى ذلك يقول الشيخ خلاف : « وهذه القواعد والضوابط لفوية مستمدة 
من استقراء الأساليب العربية ومما قرره أئمة اللغة العربية » وليست لها صيغة دينية 
فهى قواعد لفهم العبارات فهما صحيحاء ولهذا يتوصل بها أيضا إلى فهم مواد أى 
قانون وضع باللغة العربية ‏ لأن مواد القوانين الوضعية المصوغة باللغة العربية هى مثل 
النصوص الشرعية فى أنها - جميعا - عبارات عربية مكونه من مفردات عربية 
ومصوغة بالأسلوب العربي. ففهم المعانى والأحكام منها يجب أن يسلك فيه السييل 
العريى فى فهم العبارات والمفردات والأساليبٍ ... وعلى هذا فالقواعد والضوايط التى 
قررها علماء أصول الفقه الإسلامى عن طرق دلالة الألفاظ على المعانى . وفيما يفيد 
العموم من الصيغ , وفيما يدل عليه العام والمطلق والمشترك .. إلخ كما تراعى فى قهم 
التصوص الشرعية تراعى فى فهم نصوص القانون بأتواعه » . 

وهكذا تضاف إلى وظائف علم أصول الفقه وظيفة جديدة تستدعى الحرص عليه 
والعناية به » وتجعله قائما بخدمة جليلة فى شئون التشريع وتطبيق القوانين .(") 
د - أما القسم الرابع فيتعلق بصيغ التكليف , وينصب هذا القسم على دراسة صيغتى 

الأمر والنهى , وذلك لأن « الشريعة مبناها فى التكليف على الأمر والنهى » 9) . 


151 - والأحكام لابن حزم /رلا؟ا‎ 5١4 - 14/5 والمستصفى‎ 7١7 - ؟١ار/١ انظر مثلا : البصرى : المعتمد‎ )١( 
: والأحكام للآمدى "187/7 وما بعدها 585/9 , 2487 وإرشاد القحول ه4١ - ؟6١ وانظر فى هذا الذى سبق كله‎ 
وقد اعتمدنا عليه كثيراء وعلم أصول الفقه لخلاف : مكتيه الدعوة الإسلامية‎ 1١7 - ٠١1 أصول الققه لأيى زهرة‎ 
/ وأصول التشريع الإسلامي للأستاذ على حسب الله , دار المعارف. طه‎ » 191- ١5٠ بالأزهر ط 4 دون تاريخ‎ 
, 7/51 تلاح‎ 

(1) خلاق : علم أصول الفقه 18١‏ بتصرف يسير جدا , وانظر كتاب أبى زهرة السايق ؟  ٠١5:5‏ 

(؟) الشاطبى : المواققات 48/5 


3 


ويقوم الأصوليون فى هذا القسم بتحديد معنى الأمر والنهى , وللوصول إلى هذا 
التحده يتاقشون عدا من السائل التغلقة يكل مثهما ‏ وتختارون خلولا لكل 
مدنالة متها وقد عشاف إجاباتهم عنها وجل تبااواكن كل وابحد متهم مطاف 
بالديل لما يختاره من حلول أى إجايات كما سبق القول . 

وفك ا فاعرو مولن مسيل المقال ‏ عدزا من الينائن الخسلفة بالأدن غلئ التحق 


. )١( التالى‎ 


هل يقتضى الأمر تكرار الامتثال والتنفيذ أى يقتضى الامتثال مرة واحدة ؟ 

هل يقتضى القور وسرعة الامتثال أى يكون على التراخى ؟ 

هل المندوب إليه مأمور يه أى لا ؟ 

هل الأمر بالشئْ نتهى عن ضده أو لا ؟ 

هل إذا وقع المأمور به على حسب الاقتضاء أجزأ المكلف ذلك وكفاه أو لا يثبت ذلك 
إلا بقرينة ؟ 

هل يكون الآمر بالقول فقط أو يكون بالفعل أيضا ؟ 

هل للأمر صيغة تدل عليه ؟ 

هل يقتضى الأمر وجب ما لايتم المأمور إلا به أولا ؟ 

هل يقتضى قبح أضداد المأمور يه أو لا ؟ 

هل الأمر محدد بوقت أو هو مطلق ؟ 

هل يدخل الأمر فى الأمر أو لا ؟ 

هل يجب على الجماعة كلهم أى على بعضهم ؟ 

هل تدخل النساء فى خطاب الذكور أو لا ؟ 

هل يدخل العبيد فى خطاب الأحرار أو لا ؟ 

إذا كان الإيجاب معلقا بشرط أى صفة أو غاية فهل ينتفى الإيجاب عما عدا ذلك أو 
لا؟ 

إذا تكرر الأمر فهل تتكرر فائدته أو لا ؟ 

إذا جاء الأمر بعد حظر فهل هو للوجوب أو للإباحة ؟ 

إذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم واحداً بأمر فهل يكون له وحده أو يكون 
للجميع ؟ (5) 


. يمكن القول هنا بأن هذه المباحث الأصولية كانت مما تمير به الأصوليون على النحويين واللفويين‎ )١( 
والأحكام لابن حزم /ره؛ ومايعدها‎ 18٠ - وما يعدها إلى 514 والمعتمدا/رهء‎ 775/١ (؟) انظر قى هذا كله : البرهان‎ 


- لالا والمستصقى "ثرلا - 1؟ والأحكام للآمدىكلرا ١‏ - اما 


د 


ولايكتفى الأصوليون بهذه الدراسات المتنوعة لصيغة الأمر وإنما يقومون باستقراء 
شامل لصيغ الأمر فى اللغة والقران الكريم )١(‏ 

ليستعينوا بهذا الاستقراء على تحديد المراد بالأمر . وهم يشتركون فى هذا الصدد 
مع البلاغيين » ولكنهم يتميزون عنهم بأن دراستهم لم تكن ذات طابع نظرى يتعامل مع 
اللغة من الناحية الجمالية البينية فحسب , بل ان غايتهم كانت تتجه - زيادة على ذلك 
- بوضع منهج دقيق للاستنباط من النصوص » تمهيدا للاستعانة يه فى الاجتهاد 
للتوصل إلى الحكم الشرعى , فالطابع العلمى - عندهم - أشد ظهورا ‏ والعناية 
بالتطبيق أكثر حضورا مع عناية بالجانب النظرى يسابقون بها البلاغيين » ويسبقونهم 
ويظهر هذا - على سبيل المثال - من تلك الأمثلة التى أوردتاها عن مباحث الأمر لديهم 
ه على أنه ينيغى - قبل أن نغادر هذا المبحث الدقيق فى المسائل اللفظية اللغوية - أن 

نشير إلى أن الأصوليين قد اهتموا فى دراستهم للنصوص بتحديد معانى 

الحروفء وذلك لأن الخطاب كما يقول أيوالحسن اليصرى - تتغير فوائده بالحروف 

الداخلة عليه (") بل توصف بعض الحروف عند بعضهم بأن عليها « مدار المسائل 

الفقهية . وتشتد الحاجة إليها 0 , 

ويذكر بعضهم مثالا تتضع به هذه الأهمية لتحديد معانى الحروف وعلاقتها 

بالاحكام ويتعلق ذلك بالواى التى اختلف الأصوليون - واللغويون أيضا فى معناه 

فمن قائل أنها للجمع بين المعطوف والمعطوف عليه مطلقا دون ترتيبٍ » ومن قائل 

أنها للترتيب كالفاء . ويترتب على ذلك الخلاف فى مثل قول القائل : إن دخلت الدار 

طالق وطالق وطالق . فعند من يقول أنها للترتيب لاتقع إلا الأولى فحسب ؛ لأن 

المحل . بوقوع الطلقة الأولى - يكون غير صالح لوقوع مابعدها , بل أنه يشغل 

بحكم الأولى وهى الطلاق ويكون الباقى لغوا (؛) . 

ولايقف الأمر عند حد هذا المثال بل« كثير من مسائل الفقه تترتب على ذلك ؛ فلا 
بد من بيان هذه الحروف وذكر الطريق فى تخريج المسائل عليها »© , 

وقد كان منهجهم فى تحديد معانى هذه الحروف مينيا على استقراء النتصوص » 
ومنهم دلالاتها » وتوثيق روايتها » وكانت حجتهم فيما يصلون إليه « شهادة الاستقراء» 
أ «الاستقراء غير المكثوب »() , 


, ١115, ١12/؟ىدمآلل والأحكام‎ 7١1 - ١4ر١‎  ناهربلا‎ : انظر مثلا‎ )١( 
,؟4ي/١ انظر المعتمد‎ )1( 
. 229/١ انظر فواتح الرحموت يهامش المستصفى‎ )1( 
. السابق . الموضع نفسه , وهو يورد أقوالا أخرى قى تفسير هذا المثال‎ )4( 
. 3٠٠ ١/اىسخرسلا أصول‎ )5( 
. 15؟/١تومحرلا انظر فواتح‎ )١( 

لف 


- إذا قام الأصوليون بتحديد الأدلة وتحديد نطاقها ؛ ثم قاموا بدراسة النصوص 
تلك الدراسة المستوعبة التى ألمحنا إلى بعض جهودهم فيها فقد يلاحظ الأصولى 
وجود تعارض فى الأدلة وتلك مشكلة تحتاج إلى حل ؛ وليس مرن المقبول تجاهلها » 
لأن ذلك يؤدى إلى تعطيل الأدلة عن عملها , ويؤدى إلى فصل الوقائع عما نزل 
بشأنها من أدلة - وقد قام الأصوليون بجهد كبير فى هذا الشأن بحيث يمكن 
اعتياره من أهم ماقدموه ‏ وقد استعانوا فيه بكل مايمكن أن يعينهم عليه من نتائج 
العلوم الإسلامية الأخرى كعلم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل ونحوهما 
ونعترف بأن عرض منهجهم فى هذه النقطة يحتاج إلى مناسبة أخرى بعد أن طال 
البحث إلى هذا المديء وأننا لنسأل الله تعالى أن يعين على إتمامه فى وقت قريب . 

*# ويعلنا - إن ضاقت علينا فرصة استكمال البحث كما كنا نرجى - ألا يضيق علينا 
أن نذكر موجزا بأهم الخطوات والمراحل التى يقوم الأصولى بها , ولعله قيما 

نضيفه موجزا هنا مايتسكمل ما أعوزته الفرصة للتفصيل . 

١‏ - البحث عن النص أو النصوص المتعلقة يموضوع بحثه أو المسالة التى يبحث عن 
حكمها . 

" - إذا كانت النصوص مأخوذه من السنة النبوية فلايد أن يكون على علم بدرجتها 
من الصحة أو الحسئن أو الإرسال ونحوها تبعاً للمعابير التى يضعها علماء 
مصطلع الحديث . 

" - ترتيب هذه النصوص من حيث وثاقتها ودرجتها » فيقدم القرآن فى الجملة على 
الحديث ؛ ويقدم الحديث بعضه على بعض يحسب مايتحقق فيه من صفات فيقدم 
المتواتر على الآحاد » ويقدم الآحاد بعضه على بعض بحسب أحوال الرواة واتصال 
السند » ونحى ذلك , ثم يقدم الإجماع على القياس ٠‏ ويقدم القياس بعضه على 
بعض » فيقدم القياس المتنصوص على علته مثلا على القياس الذى تكون علته 
مستتيطه وهكذا , 

- ترتب هذه التصوص من حيث التاريخ ٠‏ فقد يكون من بينها مايمكن اعتباره 
ناسحا لغيره » فيكون الحكم للأخير منها ويستدل على ذلك بقرائن تدل على ذلك » 
وقد يكون فى النص نفسه مايدل على النسخ . 

ه - الدراسة اللغوية الدقيقة لدلالات الألفاظ والصيغ الواردة فى النصوص . 

1 - إذا حدث تعارض فى مدلول بعض النصوص ٠‏ ولم يمكن معرفة تواريخها لجأ 
الأصولى ‏ وكذا المجتهد مستعينا يعلم الأصول - إلى التوفيق بينها إذا كان ذلك 
ممكنا » بملاحظة العموم والخصوص .؛ والإطلاق والتقييد ونحو ذلك , وإلا لجأ 


نف 


مذفخا ‏ خاضا به لحل مايفكن أن يوضفه لذئ غير بالتعارهى (00:. 
تحديد اللة وإثباتها وإبعاد القوادح عنها كما يقولون وهذا المبحث من أهم 
الدراسات عند الأصولدين . 
عن قواعد عافة فى الشريعة يمكن تطبيقها على موضوم البْحث آو كانت مؤدية إلى 
تحقيق مقصد من مقاصد الشريعة ؛ فعند ذلك يمكن الاستدلال بذلك إعمالا 
المصلحة المرسلة عند هن فقول بها : 
٠‏ - يمكن للأصولى أن يلجأ إلى أصول أخرى إن كانت عنده أصولا كالمرف 
ولعل مجرد سرد هذه الخطوات بهذا الإيجاز - يعطى فكرة تقريبية عن جهود 
على منهجهم وخصائصه ؛ وهو ماحاولنا منه شيئا قى هذا اليحث ٠‏ 
وإنه لمن حق المسلمين أن يفخروا بهذا العلم وما فيه من دقه وكمال . وانه ليعد كما 
يقول ابن خلدون : « من أعظم العلوم الشرعية وأجلها قدرا وأكثرها فائدة »0) . 


والله المستعان والحمد لله أولا وآخرا . 


. 19 - نرجى أن ننجز تفصيل ذلك فى الجزء الباقى من البحث وانظر الأحكام لاين حزم ؟/را؟‎ )١( 
١4 المقدمة :طبعة الشعب‎ )1( 


رف 


إصدارات المعهد العالمى للفكر الإسلامى 
أولآ - سلسلة إسلامية المعرفة : 


- إسلامية المعرفة : المبادئ وخطة العمل» الطبعة الثانية» 1405١ه/‏ 1447م 

- الوجيز فى إسلامية المعرفة: المبادئ العامة وخخطة العمل مع أوراق العمل لمؤتمرات الفكر 
الإسلامى» الطبعة الأولى: 107١ه/‏ 1817م . أعيد طبعه فى المغرب والأردن والجزائر. 
(الطبعة الثانية ستصدر قريباً) . 

- نحو نظام نقدى عادل. للدكتور محمد عمر شايراء ترجمة عن الإنجليزية سيد محمد 
سكرء وراجعه الدكتور رفيق المصرى. الكتاب الجائز على جائزة الملك فيصل العالمية لعام 
٠14ه/‏ 40م الطبعة الثالثة (منقحة ومزيدة). ؟411١ه/‏ 19417م. 

- نحو علم الإنسان الإسلامى» للدكتور أكبر صلاح الدين أحمد. ترجمة عن الإنجليزية 
الدكتور عبد الغنى خلف الله الطبعة الأولىء (دار البشير / عمان الأردث) 
هم ١149م.‏ 

- منظمة المؤتمر الإسلامى؛ للدكتور عبد الله الأحسن» ترجمة عن الإنجليزية الدكتور عبد 
العزيز الفائز الطبعة الأولى» ١111ه/1946م.‏ 

- تراثنا الذكرى» للشيخ محمدالغزالىء الطبعة الثانية, (منقحة ومزيدة) 
هم 1541م. 

- مدخل إلى إسلامية المعرفة: مع مخطط لإسلامية علم التاريخ » للدكتور عماد الدين 
حليا. الطبعة الثانية (منقحة ومزيدة)» هم 1551م. 


ملت 


- إصلاح الفكر الإسلامى, للدكتور طه جابر العلوانى» الطبعة الأولى 417١ه/‏ ١1441م.‏ 


ثانياً - سلسلة إسلامية الثقافة : 

- دليل مكتبة الأسرة المسلمة؛ خطة وإشراف الدكتور عبد الحميد أبو سليمان» الطبعة 
الأولى» ه/ 1186م.؛ الطبعة الثانية (منقحة ومزيدة) الدار العالمية للكتاب 
الإسلامى / الرياض هم 1147م. 

- الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف» للدكتور يوسف القرضاوى (بإذن من رئاسة 
المحاكم الشرعية بقطر)ء 5٠48‏ ١ه/‏ 118/8م. 


الثاً - سلسلة قضايا الفكر الإسلامى : 


- حجية السئة. للشيخ عبد الغنى عبد الخالق» الطبعة الأولى 01 1١ه/‏ 1987م (الطبعة 
الثانية ستصدر قريباً). 





- أدب الاختلاف فى الإسلام» للدكتور طه جابر العلوانى؛ (بإذن من رئاسة المحاكم الشرعية 
- يقطر)ء الطبعة الخامسة (منقحة ومزيدة) 1511 ١ه/1595م.‏ 

- الإسلام والتنمية الاجتماعيةء للدكتور محسن عبد الحميد. الطبعة الثانية, 
اهم ؟194م. 

- كيف نتعامل مع السنة التبوية : معالم وضوابط» للدكتور يوسف القرضاوى. الطبعة الثائية 
0١‏ هم١155م.‏ 

- كيف نتعامل مع القرآن: مدارسة مع الشيخ محمد الغزالى أجراها الأستاذ عمر عبيد 
حسنةء الطبعة الثانيقء 5١51١ه/‏ 1997م. 

- مراجعات فى الفكر والدعوة والحركة» للأستاذ عمر عبيد حسنة,» الطبعة الأولى 
7ه 45م. 


رابعاً - سلسلة المنهحية الإسلامية : 

- أزمة العقل المسلم » للدكتور عبد الحميد أبو سليمان؛ الطبعة الأولى 1١5١ه/‏ 1991م. 
- المنهسجية الإسلامية والعلوم السلوكية والتربوية : أعمال المؤتمر العالمى الرايع للفكر 
الإسلامى ؛ الجزء الأول : المعرفة والمنهجية» الطبعة الأولى. ١41١ه/‏ ١199م.‏ 

الجزء الثانى : منهجية العلوم الإسلامية؛ الطبعة الأولى 1511اه/ 1997م. 

الجزء الثالث : منهجية العلوم التربوية والنفسية» الطبعة الأولى 1417 اه/ 199437م. 

- معالم المنهج الإسلامي. للدكتور محمد عمارة» الطبعة الثانية . هم 51م 


خامساً - سلسلة أبحاث علمية: 


- أصول الفقه الإسلامى : منهج بحث ومعرفة» للدكتور طه جاير العلوانى» الطبعة الأولى» 
114ه/1488ام. 1 

- التفكر من المشاهدة إلى الشهود» للدكتور مالك بدرى. الطبعة الأولى (دار الوفاء - 
القاهرة» مصر)ء هم 155م. 


سادساً - سلسلة المحاضرات : 

- الأزمة الفكرية المعاصرة: تشخيص ومقترحات علاج؛ للدكتور طه جابر العلوانى» الطبعة 
الثانية, *517١ه/‏ 19937م. 

سابعاً - سلسلة رسائل إسلامية المعرفة : 


- خواطر فى الأزمة الفكرية والمأزق الحضارى للأمة الإسلامية. للدكتور طه جاير العلوانى» 
الطبعة الأولي 509١ه/‏ 1986م. 





- نظام الإسلام العقائدى فى العصر الحديث؛ للأستاذ محمد المبارك؛ الطبعة الأولى» 
4ه 86مم. 

- الأسسسى الإسلامية للعلمء (مترجماً عن الامجليزية)» للدكتور محمد معين صديقى » الطبعة 
الأولى. 5١11١ه//1944م.‏ 

- قضية المنهجية فى الفكر الإسلامى؛ للدكتور عبد الحميد أبو سليمانء الطيعة الأولى» 
4ه/ام. 

- صياغة العلوم صياغة إسلامية؛ للدكتور اسماعيل الفاروقىء الطبعة الأولىء 
48ه/1186م. 

- أزمة التعليم المعاصر وحلولها الإسلامية» للدكتور زغلول راغب النجار؛ الطبعة الأولى 
٠اهم١159م.‏ 


ثامناً - سلسلة الرسائل الجامعية : 


- نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبى. للأستاذ أحمد الريسونى؛ الطبعة الأولى» دار الأمان - 
المغربء ١141ه/‏ 1140م الدار العالميةللكتاب الإسلامى - الرياض 
5ه 11567م. 

- الخطاب العربى المعاصر: قراءة نقدية فى مفاهيم النهضة والتقدم والحداثة 
(1519/8-/14817)., للاستاذ فادى إسماعيلء الطبعة الثانية (منقحة ومزيدة). 
7 ه/1555م. 

- منهج البحث الاجتماعى بين الوضعية والمعيارية» للأستاذ محمد محمد إمزيان؛ الطبعة 
الثانية» 417١ه/١1191م.‏ 

- المقاصد العامة للشريعة: للدكتور يوسف العالمء الطبعة الأولى. 1417ه/1191م. 

- التنمية السياسية المعاصرة: دراسة نقدية مقارنة فى ضوء المنظور الحضارى الإسلامى . 
للأستاذ نصر محمد عارفء الطبعة الأرلي» 511 اها 1997م 


تاسعاً - سلسلة الأدلة والكشافات : 


- الكشاف الاقتصادى لآيات القرآن الكريم» للأستاذ محى الدين عطية؛ الطبعة الأولى. 
1/7 1م. 

- الفكر التربوى الإسلامى» للأستاذ محى الدين عطية» الطبعة الثانية (متقحة ومزيدة) 
1ه 14م. 

- الكشاف الموضوعى لأحاديث صحيح البخارى» للأستاذ محى الدين عطية؛ الطبعة 
الأولى» 517١ه/؟19191م.‏ 

- قائمة مختارة حول المعرفة والفكر والمنهج والثقافة والحضارة» للأستاذ محى الدين عطية . 
الطبعة الأولى 517١ه/‏ 1997م. 











فى شمال أمريكا : 
المكتب العريى المتحد 

ونث طوعمة لعاغتدصنا 

2.0 130: 9 

.ذن.كلا ,22303 ذلا ,ردلمدعء الم 

1[: )703( “3 

15: )703( 3204-2 













المؤسسة الإسلامية 
ممتأادلدسن"1 مأدصماكة عطكل 
ممما 'رطسظ رععاوعن) طمكدط لاعتلمئة 
)1لا ,08/7) فطل ادف زعا ,للع تادالق 
5 / 244-944 ((44-530) :1*1" 
2414-6 (44-530) :10 












المملكة العربية السعودية : 

الدار العالمية للكتاب الإسلامى 

ص . ب : 660196 الرياض : 11١6154‏ 
تليفون: 1-465-0818 (966) 
فاكس : 1-463-3489 (966) 









الموزعون المعتمدون لمتشورات المعهد العالمى للفكر الإسلامى 


تليفرن : 6-639992 (962) 


خدمات الكتاب الإسلامى 
عع زبوطء5 علومن ]1 ع [1دصد[د1ة 
5 ماع ستطكد 11 ./17 10900 
.كخم .ل 46231 13[ ,روتاهممصدزلمآ1 
3830-8 (317) :11 
8230-71 (317) :152 





خدمات الإعلام الإسلامى 
وع 51 رمأأحصط سملم[ «ستأاكس قر 
ل عع )عة5ى صعله 5 233 

.1 ,24 14 صهلدم.آ 
2772-0 (44-71) با 1 
2772-4 (44-71) :و1 





المملكة الأردنية الهاشمية : 
المعهد العالمى للفكر الإسلامى 


ص .ب : م9 -عمات 


فاكس : 6-611420 (962) 





ليتان : 

المكتب العربى المتحد 

ض .ب : 12 بيروت 
تليقون: 807779 
تيلكس: ثآرلا 21665 










مصر : 

النهار للطبع والنشر والتوزيع 

لاش الجمهورية - عابدين - القاهرة 
تليفون: 3913688 (202) 
فاكس : 340-9520 (202) 







لانآ ارظ) و14 يق عمملاةء تلطسط عمصسدء6) 





المغرب : 

دار الأمان للتشر والتوزيع 

4 زنقة المأمونية 

الرياط 

تليفون : 723276 (212-7) 







الهتد : 


عع ها متسيول 9725 802 ,2.0 
عتلما 025 100 تطاعط جعلد 
6530-9 (91-11) :11 

684-4 (01-11 ج15 


الممهد العَالميى للكر اللاي 


المعهد العالمي للفكر الإسلامي مؤسسة فكرية إسلامية ثقافية مستقلة 
أنشئت وسجلت في الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع القرن الخامس 


-2 توفير الرؤية الإسلامية الشاملة؛ في تأصيل قضايا الإسلام الكلية 
وتوضيحهاء وربط الجزئيات والفروع بالكليات والمقاصد والغايات 
الاسلامية العامة. 
استعادة الهوية الفكرية والثقافية والحضارية للأمة الاسلامية» من 
خلال جهود إسلامية العلوم الإنسانية, والاجتماعية؛ ومعالجة قضايا 
الفكر الإسلامي. 
إصلاح مناهج الفكر الإسلامي المعاصر, لتمكين الأمة من استئناف 
حياتها الإسلامية ودورها في توجيه مسيرة الحضارة الإنسانية 
وترشيدها وربطها بقيم الإسلام وغاياته. 2 , 

ويستعين المعهد ألتحفيق أهدافه بوسائل عديدة منها: 

- عقد المؤتمرات والندوات العلميّة والفكريّة المتخصصة. 

دعم جهود العلماء والباحثين في الجامعات ومراكز البحث العلمي 
ونشر الإنتاج العلمي المتميز, 

-- توجيه الدراسات العلميّة والأكاديمية لخدمة قضايا الفكر والمعرفة. 


وللمعهد عدد من المكاتب والفروع في كثير من العواصم العربية 
والاسلامية وغيرها يمارس من خلالها أنشطته المختلفة؛ كما أن له 
اتفاقات للتعاون العلمي المشترك مع عدد من الجامعات العربية الإسلامية 
والغربية وغيرها في مختلف أنحاء العالم. 


اطعناه!!' عتصسةا؟ذ1] آه عاسطلتلاكم! أقمم ناه لعام] عط 
(669 :م8 ,2,0) اأعع م5 00176 555 
.5.لا 22070-4705 ذلا ,نملمع1] 
41-3 (703) :1ع51 
71-2 (703) و1 
لكة/الا 1117 901153 :زبرواءع1